مقالات

كتاب رحلة “بين تطوان و جبل العلم ” العلامة التهامي الوزاني

قراءة : د. ادريس قريش – دكتور في العلاقات الدولية و السياسة الخارجية – وزير مفوض في التقاعد – استاذ زائر بجامعات وطنية و اجنبية.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مشاعر الفخر فياضة بعشق الانتماء و احساس بالعزة بالتواجد معكم في هذا المقام الروحي ” دارالضمانة” بين هده النخب من أهل القيم و وأهل العلم و المعرفة لتقديم قراءة في كتاب “بين تطوان و جبل العلم” للعلامة المرحوم سيدي التهامي الوزاني.

كتاب ذو راهنية و ابعاد مختلفة مما يقتضي منا جميعا الابداع في خلق رِؤى و تصورات متكاملة ترتقي بهذا الكتاب لتأخذ بعدا أعمق في صياغة مرجعية لمقوماتنا الروحية و الوطنية.

شكرا للدكتورة لطيفة الوزاني الطيبي التي قامت بجمع و تحقيق و تقديم هذا الكتاب والذي كان الكاتب قد نشره بشكل منجم بجريدة الحرية الصادرة بتطوان سنة  1940. و شكرا للدكتور عبد اللطيف شهبون الذي تفضل بتقديمه،  وشكرا لكل اللذين ساهموا في تنظيم هذا اللقاء بهذه الدارالموقرة.

ان المغرب ينفرد بخاصية دولة أمة بعمقها التاريخي و الحضاري العريق لا تخلو مظاهر و جودها من رموز تجسد عراقتها و علو همتها،  تشكل العمود الفقري للمرجعية الوطنية و مخزونها النضالي، و هو المخزون الذي ملأ روح العلامة الاستاد التهامي الوزاني كعطاء متميز من افراز مكونات شخصيته الهوياتية المغربية الأصيلة.

وطني متجدر ثابت، و رسالة ميثاق راسخة، احتوت توجهاته في مساره النضالي بعشق الانتماء و معانقة ثابة و راسخة لوطننا العزيزولمقدساته.

العلامة الصحفي المؤرخ المترجم الاديب الحقوقي السياسي و الأستاذ، قراءة لرجل موسوعي سابق لزمانه، منفتح، صاحب تجربة متميزة و أسلوب منفرد. يتمتع بالثقة و المصداقية لتشبعه بالقيم الصوفية ، والتي نهل من منبعها الثري منذ صباه معالم حياته السياسية و الفكرية و الادبية و الاجتماعية. أهلته للانخراط في الحركة الوطنية كأحد أبائها المؤسسين والناطقين باسمها، منتميا لحزب الاصلاح الوطني، و كان الى جانب الزعيم عبد الخالق الطريس أحد ركائزه.

الاستاد التهامي الوزاني جند قلمه و علمه و مواهبه في البلاغة و التأطير لا يقاظ الضمير الوطني واستنهاض وعيه .لمواجهة المستعمر والتشبث بالثوابت و المقدسات الوطنية. فنجح في ارساء القيم الصوفية المستمدة من التنزيل الحكيم و السنة المحمدية  في التوجه النضالي لحزب الاصلاح الوطني دون المزج بين السياسة و الدين. حيث أسس سنة 1935 جريدة الريف و هي اول جريدة ناطقة باللغة العربية والتي بالرغم من شعارها “وطنية حرة”  كانت بمثابة لسان الحزب. كما كان صحبة  والدي المجاهد عبد الله قريش العلمي من مؤسسي المدارس الأهلية الموازية للحزب بشفشاون، تعميما للتمدرس والاشعاع التنويري الوطني بين الشعب المغربي. وقد اسندت له وظائف مختلفة في اطار المهام الوطنية، والف  عدة كتب من ابرزها تاريخ المغرب في ثلاثة اجزاء، كتاب الزاوية ترجم فيه لنفسه عبر الزاوية الحراقية،  كتاب المقاومة المسلحة و الحركة الوطنية في شمال المغرب نشره الاستاد محمد عزوز حكيم و كتبا اخرى تدل عن موسوعيته و قوة مداركه.

كان رجلا عالما عاملا ركز مجهوداته على نظريات  و استراتيجيات قابلة للتطبيق، حيث ان الاستاذ التهامي الوزاني كان وراء تجنب الحزب الوقوع في خطا تكتيكي غير مناسب على الاطلاق عند صياغة وثيقة 14 فبراير 1943 للمطالبة بالاستقلال.

فبفضل حسه الوطني و السياسي و حكمته و بعد نظره فطن الحزب بخطورة تداعياتها فلم يتم تقديم هذه الوثيقة للسلطات الاسبانية لانه لو حصل دلك و سقطت الحماية الاسبانية في المنطقة الخليفية لكان ادى دلك الى نزعة انفصالية وضرب الوحدة الوطنية و هذا ضد الحركة الوطنية،كما كان سيؤدي الى توسيع الحماية الفرنسية لتشمل شمال المغرب باعتبار ان اسبانيا لم تكن طرفا رسميا في الحماية حيث ان وجودها في المنطقة كان بمثابة المكتري من فرنسا مقابل السماح لها بتمرير السلاح عبر اراضيها حماية “لاقليمها “الجزائر.علما ان الحركة الوطنية تؤكد دائما و بشكل راسخ على الوحدة ككل لا يتجزأ و ان القضية المغربية جوهر لا يقبل الانقسام و هي القناعة التي ترسخت لدى الحزب بفضل هده الرؤية الحكيمة والمتبصرة .

جاهد في دعوته إلى إصلاح النفوس  و تربيتها  و تهذيبها. و رسم لها مثلا عليا لها انطلاقا من قيمه الصوفية. حيث كان متسامحا متخلقا سخيا بكل ما يملك، و بعبارة واحدة كان له رصيد  معرفي و تربوي صوفي عانق روح الانسان كل الإنسان.

فماذا يمكن أن تقول لنا المدرسة الصوفية المغربية السنية السمحة التي ننهل من منبعها الثري معالم بناء انسانيتنا السوية المتوازنة. وما الذي يعنيه استدعاء التجربة الروحية و الوطنية للاستاذ التهامي الوازني في نسق دولي بدون روح مليء بالماسي و بالأزمات و الحروب ويتسم بالهشاشة وعدم المناعة .

الكتاب “بين تطوان و جبل العلم ” يوثق للرحلة التي قام بها حزب الإصلاح الوطني يوم 16 ماي 1939 من  مدينة تطوان إلى ضريح القطب الرباني مولاي عبد السلام ابن مشيش بجبل العلم تنديدا بالظهير البربري  المشؤوم في دكراه السنوية و  اشعاعا للوحدة الوطنية و  هو عمل و طني راقي يقوم به لأول مرة حزب وطني كوثيقة شاهدة على مكانة و دور المدرسة الصوفية و قيمها في تحديد طبيعة النضال و رفع التحدي في التواصل المباشر مع أهل البادية لتحسيسهم بالقضية الوطنية لمواجهة ا رادة المستعمر الدي كان يراهن على حصر المواجهة داخل المدن دون امتداد خارجها.

الكتاب قيم و شيق بأسلوب ممتع يندرج في ادب الرحلة يرصد و يسجل بدقة عالية لمشاهدات و مسموعات و لقاءات وتفاعلات الرحلة كعرض سينمائي جمع كل عناصر الحكي و دقة الوصف و التصوير فكان وفيا مخلصا صادقا في نقله للحدث بشكل كامل و بكل التفاصيل التي شملت الطبيعة و ملابساتها و الأشخاص و تعدد ثقافته.

الموكب انطلق من مدينة تطوان تعززت صفوفه عند كل ملتقى الطرق بوفود الوطنيين من كل مدن المنطقة و مداشرها حيث كانت تقام تجمهرات شعبية تحسيسية و تأطيره إلى أن حل الموكب بالضريح الدي شكل مهرجانه الحاشد مدرسة نضال صادق من أجل وطن حر موحد مدرسة سادها إشعاع وطني بهدف ايقاض الوعي الجمعي للدفاع عن عزة الوطن و كرامته و سؤ دده

و هنا تكمن براعة و نجاعة و حكمة الكاتب الذي جسد رمزية الرحلة في السفر إلى الصوفية و كان متفوقا في اختيار للمقام باعتبار رمزيته كمنبع لكل الطرق الصوفية السنية السمحة و زواياها تجاوز اشعاعه الروحية الفضاء و الزمان والاعراق لتتميز الرحلة ببعدها الجغرافي و الروحي في تجاوب مع طبيعة الضريح كملجأ لكل حاملي كتاب الله و سنة رسوله باعتبار ان مولاي عبد السلام ليس بزاوية و ليست له طريقة بل هو نفسه الطريق ليس له موردين و لا ورد و رده الوحيد هو القرءان الكريم وارثه الوحيد الصلاة المشيشية و تلميذه ابو الحسن الشاذلي مؤسس  الطريقة الشاذلية الممتدة.

و لهدا فإن الاختيار كان موفقا. وقد  أرست هده الرحلة سنن لدى الحزب الدي ربط كل قراراته المهمة بالخلوة بضريح القطب لدرجة ان الاحتفال الرسمي بمناسبة  الاستقلال، قاد زعيم الحزب الاستاد عبد الخالق الطريس في موكب شعبي حاشد إلى الضريح للاحتفال بالحدث الوطني.

و أقر هنا ان الكتاب يميط اللثام عبر الرحلة عن طبيعة الروافد التي حددت مسار الحركة الوطنية باعتمادها على المعطيات و المرتكزات الوطنية دون اللجوء و التقييد بالشعارات و الاديولوجيات المستوردة و دلك بالتشبع بالخصوصية الهوياتية المغربية انطلاقا من القرويين في المنطبة السلطانية و من الزوايا الصوفية في المنطقة الخليفية كمنبع ولادة حركتها و قوتها و اشعاعها استلهاما من الإرث الروحي للقطب الرباني في ارساء الحس الوطني و السياسي و تحديد اولوياته في عشق الانتماء  و توطيد دعائم الوحدة و تماسك البنية الوطنية فكانت له الخصوصية و التفرد الدي مزجت بين تاريخ المغرب و حضارته و ثقافته وموروثه القيمي فكان التواصل الانساني و الروح الوطنية و النضال في مواجهة الاستعمار و إقرار الوحدة.

و هي حقبة تستند على نقلة نوعية في بناء حضاري و جودي أمن به الشعب و أصبح   من المميزات الحضارية الخاصة بالمغرب و من ركائز مقومات الشخصية المغربية التي تجمع بيو مكوناته الروحية من جهة و انفتاحه على الفكر الإنساني الحداثي من ناحية أخرى و هو التفاعل الدي يجسد قوة المغرب و مناعته و يشكل المرجع الأعلى الدي يمنح لسياسته ولعقيدته الدبلوماسية الرؤية الحكيمة و الريادة الروحية و القوة الناعمة و يزرع في قراراته روح الثقة و المصداقية و الثبات في العلاقات الدولية علما ان الصراع السائد اليوم هو صراع فقدان الثقة بين الدول بعد اندثار الصراع  الايديولوجي  بسقوط جدار برلين و نهاية الحرب الباردة.

و اقر كدلك ان المغرب بفضل المقومات أصبح فاعلا اساسيا في العلاقات الدولية يمتوقع كقوة مؤترة و محركة يمارس دبلوماسية في التزام راسخ بالثوابت الدبلوماسية تكرس عمقها الروحي و بعدها الانساني .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى