مقالات

هل تخرج الأوضاع عن السيطرة في الداخل الإسرائيلي؟ ويبدأ موسم الهجرة إلى الغرب؟

بقلم: التجاني صلاح عبد الله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

لم تكد دولة الاحتلال الفاشية تنتهي من حدث عصف بأركانها قاطبة، وهو المتمثل في الإصلاحات القضائيّة التي كان ينادي بها رئيس الحكومة الائتلافية نتنياهو، حتى فاجأ الأخير ليس الفلسطينيين وحدهم لكن العالم قاطبة، باقتحام باحات مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مشاهد أججت مشاعر كل المسلمين في العالم.

فبعد انتصاف ليل الثلاثاء الماضي4 إبريل/نيسان2023 اقتحمت قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى المبارك قبل الانتهاء من صلاة التراويح، وأطلقت على المصلين الرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، وقامت شرطة الاحتلال بإطلاق مسيّرة فوق المسجد الأقصى، لرصد ومتابعة مجريات الأوضاع في باحاته، ثم انتهى الأمر بانسحابها من باحات المسجد.

وفي خطوة عدوانية أخرى غير مسبوقة، دعت “منظمات الهيكل”، أنصارها إلى إحضار قرابينهم والتجمع مساء الأربعاء 14 رمضان 5 إبريل/نيسان 2023 عند أبواب الأقصى، عشية ما يسمى “عيد الفصح اليهودي” الذي يبدأ في السادس من أبريل/نيسان الجاري، ويستمر لثمانية أيام(تحاول “جماعات الهيكل” إدخال و”ذبح القرابين” داخل الأقصى، مستغلة نفوذها الحكومي، عبر وجود 16 وزيرا في حكومة نتنياهو يأتمرون بمقولاتها، بعضهم من أعضائها المباشرين؛ مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي).

ولأن نتنياهو كان يتوهم صرف الأنظار باقتحام باحات الأقصى، عن التصدع الكبير الذي ابتدأ يضرب الدولة العبرية، والتي يحاول إخراجها من النمط العلماني القديم، إلى دولة يمينية توراتية متطرفة، فقد وقع في شر أعماله، إذ دخل على الخط فصائل المقاومة الإسلامية ووحد العالم الإسلامي على كلمة سواء، ولا احد يعلم ماذا تخبئ له الأيام القادمات.

ولأن إسرائيل تعتبر أن الوصول إلى تطبيق يهودية الدولة هو الحل الأمثل، للقضاء على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين،واجهاض حل الدولتين، وتبديد الأساس القانوني لهذا الحق، فإنه بهذا الاعتبار شرعت في تمديد المستوطنات الإسرائيلية، وممارسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وتدنيس مقدسات المسلمين، وبات من ثم مصطلح يهودية الدولة هو الشعار الذي ينادي به اليمين المتطرف لتوحيد وخلق دولة توراتية تجمع شتات اليهود في العالم.

لقد كان صعود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية علامة فاصلة جديدة نحو التأكيد على تحويل شرط الاعتراف بيهودية إسرائيل ليكون شرطا أساسيا في أي اتفاق سلام مُستقبلي، وكما لا يحمل موقف نتنياهو هذا جديدا فجميع تصريحاته قبل وصوله إلى سدة الحكم أكدت ذلك، فقد سبق أن أعلن وهو في صفوف المُعارضة ضرورة طرح الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية شرطا من أجل استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. [1]

مع هذا في تقديري المقاومة الآن تمتلك توقيتا استراتيجيا مناسبا ربما لم يتوفر لها من قبل، وتمثل المقاومة بهذا التوقيت الجديد رهانا حقيقيا في تبديد حلم وشعار الدولة التوراتية من جانب، ونصرة الأقصى والقضية الفلسطينية من جانب أخر، لعدة أسباب أهمها: أن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأول والأقوى لإسرائيل في المنطقة، هي الآن في اضعف صورها، وقد شاخت بما يستحيل معه تقديم المساعدات لإسرائيل في ظل استنزافها عسكريا بصورة غير مباشرة في الحرب الأوكرانية الروسية، وفي ظل تحقيق سيطرة على الأرض من قبل الروس من ناحية ثانية، كما أنها تتوجس كثيرا من صعود الصين، القطب الجديد والقوى الصاعدة في النظام العالمي.

رئيس الموساد السابق اطلق تحذيرات غير مسبوقة، بشأن مستقبل دولة الاحتلال، وقال: إن إسرائيل متورطة في كارثة بسبب الأزمة الداخلية المتصاعدة، وأعرب عن مخاوفه من حالة فوضى خطيرة ناجمة عن أزمة دستورية، ووصف بتسلئيل سموتريتش وبن غفير بأنهما يشكلان العنصر الأخطر في هذا الوضع، فهما يدفعان نحو تأسيس دولة شريعة، ودولة فصل عنصري أبرتهايد، وتغيير الجهاز القضائي هو وسيلة تمكنهما من مأربهما.

ليس ذلك وحسب بل ذكر موقع “ميدل إيست آي” إن الاحتجاجات داخل إسرائيل بسبب التعديلات التي يريد بنيامين نتنياهو تطبيقها، قد دفعت بنسبة كبيرة من المستوطنين للتفكير في الهجرة للخارج: على مدى الأسابيع الأخيرة، صارت أعداد متزايدة من الإسرائيليين تفكر بالانتقال للعيش في مكان آخر وبدأ كثيرون منهم بالفعل في إعداد العدة لذلك، لن يكون الانتقال إلى حي مختلف أو مدينة أخرى أو ضاحية مجاورة، ولكن إلى مكان خارج إسرائيل بأسرها.

الداخل الإسرائيلي في هذا التوقيت بعد صعود الحكومة الائتلافية بقيادة نتنياهو الذي تمكن من تكوين الحكومة في نوفمبر الماضي، إنما يستقبل حكومة جديدة تحمل معها عوامل التفكيك والتدمير الذاتي في بنيتها الداخلية، لأنها تضم عناصر فاشية ومتطرفة ومتهمة بالفساد، مثل أرييه درعي رئيس حركة “شاس”، وأخرى متهمة بممارسة الإرهاب والعنصرية، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وهي تركيبة تعتبر من اقسى أنواع اليمين تطرفا ومشغولة إلى أذنيها بتحقيق المعادلة الجديدة، وهي فرض الدولة التوراتية المتطرفة، بعد محاولتها في الأيام الماضية تسويغ الإصلاحات القضائية، والتي في نهايتها ما هي إلا محاولة من محاولات السرقة المتمثلة في إقصاء السلطة القضائية وانفراد السلطة التنفيذية بمقاليد الحكم والسيطرة، بما يمكن ذلك نتنياهو من فرض معادلة الدولة العبرية الجديدة المتطرفة، وتحقيق بروتكولات صهيون وهرتزل، الرامية إلى إقامة الدولة العبرية من الفرات إلى النيل. لهذا فان هذه المعادلة في تقديري، تعتبر علامة من علامات التفكك والانهيار الوشيك لدولة الاحتلال، وفي ظل وجودة معارضة قوية واحتجاجات في الداخل الإسرائيلي لهذه الإصلاحات المزعومة.

في مقدمته يعتبر” ابن خلدون”[2] أن الدولة لها عمر مثلها مثل الكائن الحي تماما، يتراوح بين المائة إلى المائة وعشرين، وان الدولة هي كائن حي تولد وتنمو ثم تشيخ وتضعف وتنتهي.

الهوامش:

[1]محمد شوقي عبد العال ، الدولة الفلسطينية ، دراسة سياسية قانونية في ضوء أحكام القانون الدولي ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة، 1992

[2]عبدالرحمن بن خلدون، تحقيق أبو صهيب الكرمي، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر (ط. بيت الأفكار)

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى