اجواء سياسية ساخنة تشمل لبنان وسوريا والعراق وايران
بقلم : د. هاني الحديثي – استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
من هو المقصود بتسخين الوضع الشرق أوسطي :
- هل من تغيير في الخارطة السياسية؟ هل هو تجريد لايران من نفوذها في المشرق العربي وما هو الدور الاسرائيلي؟
- ام هي مساع امريكية لاستعادة هيمنتها في المنطقة ومنع الصين من استكمال طريقها الاستراتيجي (طريق الحرير ) العابر لمنطقة الخليج العربي والعراق نحو اوروبا ؟
علما ان الصين وقعت مع عدد من بلدان الخليج العربي وايران اتفاقيات استراتيجية يمتد امدها 25 سنة .
- كيف سيكون رد الفعل الايراني اتجاه مساعي تقليص نفوذها ؟
أسئلة تحتاج اجابات موثقة وشواهد من ارض الواقع … بدءا نرى ان ادارة جوبايدن تسعى لتحقيق مقصدين اساسيين اتجاه ايران :
الاول :اخضاعها للالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015 .
الثاني : ابعادها عن الدور الذي تلعبه لصالح الصين في طريقها الاستراتيجي الذي يعبر منطقة المشرق العربي نحو اوروبا. وتحييدها في حرب روسيا ضد خطط الناتو في اوكرانيا .
ولاجله فان المقصد الاساسي للولايات المتحدة هو ابقاء الشرق الاوسط ضمن دائرة نفوذها ، وذلك يتم عبر منع الصين وروسيا عن توسيع نفوذها في الشرق الاوسط ، وهو ذات الامر الذي يحدث الان في دول مهمة في افريقيا مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو حيث تتركز الثروات الاقتصادية والموارد الكبرى التي يعتمد عليها الغرب لادامة نفوذه ألغربي عالميا. ولطبيعة العلاقات الايرانية مع روسيا والصين والتي تشهد تطورات حيوية اثر الحصار الامريكي عليها بسبب ابتعادها عن الالتزام بشروط وقواعد المنظمة الدولية للطاقة الذرية تحت ظروف ايقاف العمل في الاتفاق الدولي مع ايران لتحجيم نشاط برنامجها النووي الذي ترفضه اسرائيل اعلاميا ، فان ايران تبدو مقصدا مهما وان كان مقصدا غير مباشر.
من جانب اخر ، فان توسع النفوذ الايراني في عموم المشرق العربي متوازيا مع النفوذ الصيني-الروسي ،لم يكن ليتحقق على الاطلاق لولا التنسيق الامريكي المباشر مع ايران باتجاه اسقاط النظام السياسي ألوطني في العراق عبر احتلاله عام 2003 م من قبل الناتو بقيادة امريكية وبمشاركة ايرانية وتواطىء مغفل من قبل عدد من بلدان الخليج العربي وبلدان عربية اخرى منها مصر .
أن النفوذ الايراني في عموم المشرق العربي لم يكن ليتعارض مع المشروع الامريكي-الصهيوني رغم كل مايعلن من شعارات ،بل انه حقق لهما مقاصد كانت تبدو مستحيلة حيث تمزيق النسيج العربي واضعاف وحدة الموقف العربي اتجاه اسرائيل وتحويل اتجاهات الصراع من صراع عربي-اسرائيلي ،الى صراعات اثنية داخل كل بلد عربي ، ووضع عدد من بلدان العالم العربي الاساسية مثل العراق وسوريا ومصر تحت مخاطر تجزئة الوطن الواحد وهو مايشهده العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا حتى الان والمشهد مايزال مستمرا ،وهذا المشهد يمثل مقصدا اساسيا للكيان الاسرائيلي ،عجزت اسرائيل عن تحقيقه طيلة عقود مضت قبل ان تتطوع ايران لانجازه اثر احتلال العراق مقابل الفرصة التاريخية (وفق توصيف هاشمي رافسنجاني ) التي اتاحتها الولايات المتحدة لايران لاحتلال العراق ووضعه تحت نفوذها وتسيير جميع موارده لصالح مواجهة الحصار المفروض عليها (شكليا ) وتمويل جميع عملياتها في بلدان المشرق العربي كما تاكد ذلك وثائقيا وعمليا . في ضوء ماتقدم فان الدور الايراني في واقعه ليس بالدور المهدد للمصالح الامريكية -الاسرائيلية ، بل هو متخادم معها ، الامر الذي يجعلنا نعتقد ونؤكد اعتقادنا ألسابق ان صراعا مباشرا مع ايران من قبل الناتو واسرائيل مازال مجرد تهويلات اعلامية بقصد تحقيق مقاصد اخرى استراتيجية كما اسلفنا. هنا لابد ان ناخذ بنظر الاعتبار مصالح حلفاء امريكا من الانظمة العربية التي تنظر لايران باعتبارها تهديدا استراتيجيا لامنها الوطني والقومي ، رغم اتفاقيات بينها حصلت في الاشهر الاخيرة الماضية .
المملكة السعودية ودولة الامارات وغيرهما ذهبوا نحو تطبيع العلاقات مع ايران ولكنهم ليسوا مطمأنين كونهم يعلمون انهم الهدف اللاحق الذي تقصده ايران في مستقبل علاقاتها مع الوطن العربي بعد ان تركز بشكل نهائي مواقعها ونفوذها في البلدان المحيطة بها وهو الاسلوب الايراني المعروف .
ان ذلك لايهدد هذه الانظمة حسب انما يهدد لاحقا (لصالح الصين وروسيا ) مصالح امريكا والغرب لاعتبارات تخص مصادر الطاقة العالمية (النفط والغاز). وهنا ياتي الدور الامريكي لتحجيم الدور الايراني واعادة ايران على سكة مقبولة في التعامل مع الغرب ، وهو الامر الذي بدأناه في مقالتنا هذه .
لذلك فان مايحدث الان من تسخين للاجواء السياسية في منطقة الشرق الاوسط ومشرق العالم العربي تحديدا ،تصبح مقاصده واضحة. اعادة ايران الى سكة الاتفاق على برنامجها النووي ، وضمان استمرار الهيمنة الامريكية على الشرق الاوسط . تحقيقا لذلك فان مايعلن عن توسيع نطاق التواجد الامريكي في سوريا والعراق ،واثارة قضايات صراعية داخل لبنان ، والزعم بسيناريو حرب مع ايران ،ليس اكثر من مساعي لاعادة رسم الخارطة السياسية في مشرق العالم العربي وعموم الشرق الاوسط يتم خلالها تقاسم النفوذ مع ايران وقوى اخرى منها تركيا شرط اسقاط اي دور محوري للصين وروسيا في مستقبل الشرق الاوسط وضمان الهيمنة الامريكية عليه ، ماتقدم لايلغي فرص احتمالات وسيناريوهات الصدام المحدود هنا او هناك في بلدان المشرق العربي ، ولكنه سيكون المبرر لاعادة رسم خارطة النفوذ للفوى الاقليمية (ايران) والقوى العالمية حيث الولايات المتحدة وروسيا والصين . بعبارة اخرى ، فأن اي تغيير جدي في بلدان المشرق العربي لصالح العالم العربي وشعوبه قصد التخلص من الاخطبوط الايراني وخاصة لبنان وسوريا والعراق هو مجرد سيناريوهات تتحملها العقول السياسية والاستراتيجية كخيارات او احتمالات متوقعة ولكنها صعبة بسبب التداخلات في داخل بلدان العالم العربي من جهة ، واستعداد قوى دولية مثل روسيا والصين للدفاع عن مستقبلها واستراتيجياتها في المنطقة من جهة اخرى ، وهو الامر الذي بجعل منطقة المشرق العربي خاصة والعالم الشرق اوسطي عامة عرضة لسيناريوهات تسخين الموقف وتحتاج لتكثيف التواجد الاجنبي استعدادا لحروب بالنيابة في المنطقة.