مقالات

التنسيق المصري السودانى لمواجهة أزمة سد النهضة

كتبت: الباحثة بسمة سعد – المركز الديمقراطي العربي

 

جاءت ثورات الربيع العربي بفرص ذهبية عِدة لعدد من القوي والأطراف سواء داخل الإقليم العربي أو خارجه, فلم تجد الدولة الأثيوبية وقت مناسب أفضل من فترة إنشغال الدول العربية بتلك الثورات- إما لبناء أنظمة جاءت عقب ثورات وكان شأنهم الداخلي ذو الحيز الأكبر لتحركاتهم مثل مصر وتونس واليمن أو ساعية لمواجهة أى صورة من صور الإحتجاجات التى تُؤدي بحالة من عدم الإستقرار ذات الأوجة المختلفة مثل البحرين, أو صامدة فى وجة الحراك الثوري مثل الدولة السورية- لتعلن الدولة الأثيوبية على لسان وزير الموارد المائية والطاقة الإثيوبي السابق “اليماهو تيجنو” من خلال مؤتمراً صحفياً عالمياً في العاصمة الأثيوبية “أديس أبابا”،استعداد حكومة بلاده لإنشاء “سد الألفية العظيم” بالقرب من الحدود “الإثيوبية – السودانية” في بني شنقول على “النيل الأزرق”.

فى 2 أبريل 2011 فوجئت مصر بوضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق “ملس زيناوي” حجر أساس سد”النهضة”-الألفية سابقاً”, دون إخطار قانونى مسبق لدولتى المصب” مصر والسودان” اللازم وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 المنظمة للتعاون عبر الأنهار المشتركة, وتم البدء فى الإنشاءات بمايو2011 بعدما تم التعاقد بشكل سريع مع شركة”ساليني” الإيطالية.
التنسيق المصري السوداني:

منذ إعلان الدولة الأثيوبية عزمها لإنشاء السد, أتضح حجم العجز الكبير فى مدى التنسيق بين الدولتين السودانية والمصرية خلال المراحل السياسية المختلفة التى مرت بها مصر إبتداء بثورة 25 يناير2011 حتى دخول مصر مفاوضات ثلاثية وإجتماعات سداسية لوزراء الري والخارجية للدول الثلاثة فى عهد الرئيس السيسى, ويرجع عجز التنسيق المصري السوداني لعدة أسباب يأتى على رأسها :
1- طبيعة الموقف السوداني من بناء سد النهضة المقروء من خلال تصريحات إتخذتها الدولة السودانية منذ إعلان دولة أثيوبيا المفاجئ إنشاء سد النهضة أبرزها الآتي:
إعلان البشير للمرة الأولي عن دعمه لسد النهضة الأثيوبي في 12مايو2013, أثناء تدشين مشروع ربط كهرباء بين السودان وأثيوبيا, تأييد بلاده قيام سد النهضة الإثيوبي‏,‏ مع بقاءه على التنسيق الازم,‏ وأخذ الملاحظات الفنية في الاعتبار‏,‏ مؤكداً أن حصة كل من مصر والسودان من مياه النيل لن تنقص بسبب السد‏ّّ!!, وفى 25 يونيو 2013, أكد وزير الكهرباء والموارد المائية السوداني السابق “أسامة عبد الله” أن المشاريع القائمة على السدود الإثيوبية بالنيل الأزرق تعود على السودان بفوائد قصوى, مشيراً أن للسد فوائد كثيرة تعود عل الدول الثلاثة, وأنه سيساهم في روح التعاون المشترك بين السودان ومصر وإثيوبيا على المستوي السياسي والأمني والاقتصادي.

فى فبراير2014, إنتقد وزير الخارجية السوداني السابق”على الكرتي” الطريقة التي تتعامل بها مصر مع النزاع المتعلق ببناء سد النهضة الإثيوبي مؤكداً على موقف السودان الحيادي تجاة تلك الأزمة!!, وفي 30 ديسمبر2015 صرح السفير معتز موسي-وزير الري السوداني-عقب إجتماع اللجنة السداسية لوزراء الري والخارجية للدول الثلاث- بأن السودان ليس فى حاجة لإيقاف العمل ببناء السد وأن الوثائق التى تم توقيعها بين الدول الثلاث لم تتحدث عن إيقاف العمل ببناء السد, وصرح أيضا بأن السد لا يستهلك مياة تضر بحصتى مصر والسودان, بل بالعكس سيزيد السد من حصة مصر والسودان نحو 3.5 مليار متر مكعب سنويًا!!!

من خلال تلك التصريحات التى جاءت على لسان مسؤولي الدولة السودانية وعلى رأسهم البشير, يمكن الخروج بنتيجة واحدة وهى أن:
تعامل الدولة السودانية مع بناء سد النهضة ليس كقضية أمن قومى مائي سوداني بل بناء على حجم المصلحة والمنفعة الاقتصادية الوهمية المتمثلة في مد السودان بالكهرباء المولدة من السد بأسعار تفضيلية إلى جانب قيام نهضة إقتصادية-كما تزعم أثيوبيا وتوافقها السودان- تقوم على زراعة أراض شاسعة فى المناطق المتاخمة لمنطقة سد النهضة, ليصبح المشروع الزراعي الأكبر في أفريقيا الذي يبدأ من جنوب شرق السودان وينتهى حتى الشمال فى الحدود الإرترية السودانية الإثيوبية، فهى منطقة تجود فيها الزراعات التجارية، وتعد من أخصب أراضى السودان، وتتميز بأنها منطقة مطيرة.
2- أصاب التوتر العلاقات السودانية المصرية عقب ثورة 30 يونيو التى أتت بالسيسي رئيساً للدولة المصرية, بخلاف فترة حكم الرئيس مرسي نظراً للخلفية الإسلامية لكلا النظامين السودانى والمصري فى عهد الرئيس مرسي, مما جعل البعض يري أن إثارة الخلاف حول هوية مثلث حلايب يرجع لحساسية الموقف السودانى من التعامل مع النظام المصري الحالي, إلى جانب رؤية البعض لسعي الدولة السودانية لمقايضة الدولة المصرية بين أمن مصر المائي ودعم الموقف المصري- متجاهلة حجم الضرر الاقتصادي والبيئى الواقع عليها إثر بناء السد- وتنازل مصر عن مثلث حلايب وشلاتين, نقطة الخلاف السودانية المصرية المُثارة خاصة أثناء إجراء الإنتخابية البرلمانية المصرية 2015.

لكن بالرغم من حالة التوتر الملموسة فى العلاقات بين البلدين إلا أن هناك مساعى من قبل الدولة المصرية لتعزيز العلاقات الإقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وتُرجم ذلك بإفتتاح معبر إشكيت-قسطل الحدودى أول معبر بري يربط شمال السودان بجنوب مصر, ومن المخطط إفتتاح المعبر الثاني “أرجين” خلال عامنا هذا بحضور الرئيسين المصري والسودانى .
3- ربما كان لبعض القوى الإقليمية المعادية للدولة المصرية دور فى إحداث خلل فى العلاقات بين البلدين وضعف التنسيق بينهما لتحقيق الغرض الأثيوبي بإستكمال بناء السد ذو الأضرار الإقتصادية والبيئية الجسيمة على دول المصب وخاصة مصر, فتطور العلاقات القطرية السودانية وصلت لحد توقيع السودان اتفاق للتعاون العسكري بين البلدين عام2014, ومن قبل أودعت قطر بليون دولار فى البنك المركزى السوداني في إطار حزمة مساعدات تشمل استثمارات في مشاريع في قطاعي الزراعة والطاقة, إلى جانب دورها فى الوصول لوثقية الدوحة لسلام دارفور, وهو ما أدى لوصف العلاقات القطرية –السودانية من قبل إحدى قيادات الحزب الحاكم بالسودان بأنها أفضل العلاقات العربية-العربية, وهو ما ينتقص بالطبع من الحجم والدور المصري فى دولة السودان .

بناء على هذا, على الدولة المصرية أن تُغير من السياسة المُتبعة فى مواجهة أزمة بناء سد النهضة والتى تمكنت من خلالها محو جميع المخاوف والشوائب المعكرة للعلاقات الأثيوبية –المصرية, بل وإستندت عليها الدولة الأثيوبية لإستمرار مراوغتها حتى يتحقق غايتها بإكتمال بناء السد وبدء عملية التخزين والملء الأول للسد, فالدولة السودانية وإن كانت طرف أصيل وأساسي لكونها دولة مصب إلا أن قياداتها السياسية أختارت أن تواجة مصر تلك الأزمة دون مشاركة ومساندة منها, وهو ما يفرض على مصر أن تتعامل بشكل قانوني تجاة أزمة بناء السد وأن تتخلي عن سياسة”حسن النوايا”, وألا تتجاوب مع عملية بناء السد كأمر واقع تفرضه الدولة الأثيوبية .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى