اتفق العرب على أن لا يتفقوا: الأمن القومي العربي نموذجا
بقلم : شمس الدين النقاز – كاتب وصحفي تونس
توحّدت الدول العربية في السنوات الأخيرة لأجل مقاومة الإرهاب ومحاربته ورفعت شعار “الحرب على الإرهاب” في كلّ مناسبة إقليمية أو دولية ولكن في الوقت نفسه عجزت هذه الدول عن تحديد ماهيّة الإرهاب ومن هم الإرهابيون لأكثر من عقد من الزمن وخاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.
الأمن القومي العربي هو الآخر شعار رفع من قبل الدّول العربية وذلك بهدف التّوحّد في صدّ الخطر المداهم على المنطقة العربية داخليا كان أو خارجيا ولهذه الأسباب أبرمت عديد الدول اتفاقيات دفاع مشترك بقيت كلّها حبرا على ورق.
إذا كنا نعمل على تحقيق الأمن القومي العربي فإن ذلك لا يتحقق بين يوم وليلة، أو من خلال حشود عسكرية وأمنية سريعة، وإنما لا بد أولا من صناعة بنية تحتية تؤهل الدولة وجمهور الناس والقوات العسكرية والقوى الأمنية للقيام بالمهمات بمهنية وعقلية علمية وحسابات دقيقة.
حلف الشمال الأطلسي “الناتو” عندما تأسس كانت أهدافه واضحة وخططه جاهزة وهو ما يفسّر سرعة تدخّلهم في أي نزاع أو تهديد يداهم الدّول الأعضاء المنضوية تحته حتّى أنّه تدخّل في أكثر من دولة عربية وإسلامية بدعوى الحفاظ على مصالحه وفي مقابل ذلك ظلّت القوى العربية في سبات عميق وتنظر في أغلب الأحيان بعين الإعجاب لتلك التحالفات التي يقودها الغرب وتتمنّى في أغلب الأحيان أن تشارك معهم ولو بإقامة الولائم لهم.
في فترة من فترات حياتنا تردّد على مسامعنا كلمة كنّا نردّدها كثيرا وحفظناها عن ظهر قلب ولا تكاد تجد شخصا لا يعرفها إنها الجملة الشهيرة “اتفق العرب على أن لا يتفقوا”.
تلك الجملة وإن كانت مجهولة المصدر ومقيتة بالنسبة لأكثر العرب إلّا أنّها باتت واقعا نعيشه ونلمسه مع تطوّر الأحداث،فقد عجز العرب أن يتفقوا على تحديد مفهوم شامل وواضح للإرهاب لغة واصطلاحا وكلّ مركز أو هيئة فتوى تدلي بدلوها في هذا الموضوع دون أن يتفقوا في نهاية المطاف على تعريف شامل ودقيق وموحّد لماهية الإرهاب ومن هم الإرهابيون وتجدهم في أغلب الأحيان يلفون ويدورون حول ما قاله ابن منظور في لسان العرب أو الزبيدي في تاج العروس.
كما ظلّت هيئات الفتوى في العالم العربي تتنازع فيما بينها من أجل تعريف الإرهاب اصطلاحا وعجزوا عن ذلك وتراهم أيضا لا يخرجون عن التعريف اللغوي المتواتر في معاجم اللغة بأنواعها.
فعلى أرض الواقع تصنّف المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله وحركة أنصار الله الحوثية بالإضافة إلى القاعدة وتفرعاتها وتنظيم الدولة الإسلامية وتفرعاته منظمات إرهابية في حين تعتبر دول أخرى مثل لبنان وسوريا جماعة أنصار الله الحوثية وحزب الله اللبناني مقاومة.
أما جماعة الإخوان المسلمين فهي تعتبر منظمة إرهابية في كل من السعودية والإمارات في حين تعتبر حزبا سياسيا ذي مرجعية إسلامية معتدلة في أكثر من دولة حول عربية.
هذه الأمثلة غيض من فيض وهي تمهيد لأسباب الخلاف القائم بين الدول العربية من أجل تشكيل قوات عربية مشتركة للدفاع عن المنطقة من الأخطار الداخلية والخارجية، ففي شهر مارس من العام الماضي وتحديدا في ختام القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ التي عقدت بعيد انطلاق عملية “عاصفة الحزم” لوقف الزحف العسكري لـجماعة الحوثي وحلفائها، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن إنشاء القوة العربية المشتركة التي سيكون من مهامها الرئيسية محاربة الجماعات الإرهابية، وقال السيسي وقتها إن لدى الدول الأعضاء في الجامعة العربية مهلة أربعة أشهر للإتفاق على تشكيلتها وأهدافها وقواعد الإشتباك الخاصة بها.
لكن وفي شهر أوت 2015 تم تأجيل الإجتماع المشترك لوزراء الدفاع والخارجية العرب الهادف إلى إقرار بروتوكول القوة العربية المشتركة، وكان التأجيل هو الثاني من نوعه خلال أقل من شهر بعدما كانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قد دعت لعقد الاجتماع الأول في 29 جويلية الماضي وطلبت مجموعة من الدول العربية، تتقدمها السعودية تأجيل الإجتماع لموعد يحدد في وقت لاحق، بعد تحضيرات مكثفة للإعداد للاجتماع الذي لم يعقد منذ العام 1984.
ويبدو أن أسباب تعطل العملية مردّها حسب بعض التسريبات وقتها تباين وعدم اتفاق الرؤية السعودية والدول التي أيدت فكرة عدم التوقيع على قرار القوة العربية المشتركة مع الرؤية المصرية التي ترى ضرورة تشكيل هذه القوة في أقرب وقت لاستخدامها في إنجاز بعض المهام العسكرية في الدول المجاورة مثل ليبيا.
الأمر لم يكن مفاجئا حقيقة لمتابعي الأحداث وقتها فبعد أيام من طلب السيسي تشكيل هذه القوة العربية وفي سياق تعليقه على الإعلان الصادر عن الجامعة العربية بهذا الشأن، قال فريدريك ويري من معهد كارنيغي للسلام الدولي إن “مفهوم قوة عربية مشتركة حقيقة يتعلق بالطموحات أكثر من الواقع” مضيفا أن هذه القوة المحتمل تشكيلها تواجه تحديات عملية، بالإضافة إلى غياب الثقة بين الدول العربية، وانعدام التدريبات الحقيقية.
إن موضوع الأمن القومي العربي والتهديدات الإرهابية التي تهدّده يجب أن يكون محور نقاش جدّي بين كلّ الأطراف المتداخلة في الصراع والفتن الداخلية لا أن يكون محور مزايدة لبنهم، لأن مفهوم الأمن القومي العربي هو ما يتعلق بأمن الدولة في كل مكوناتها الشعبية والدستورية والمؤسساتية، واستقلالها اقتصاديا وأمنيا عن الدول الأخرى، وإذا كنا نعمل على تحقيق الأمن القومي العربي فإن ذلك لا يتحقق بين يوم وليلة، أو من خلال حشود عسكرية وأمنية سريعة، وإنما لا بد أولا من صناعة بنية تحتية تؤهل الدولة وجمهور الناس والقوات العسكرية والقوى الأمنية للقيام بالمهمات بمهنية وعقلية علمية وحسابات دقيقة.