“الديمقراطية” سُلطة الشعب تتحدى العالم في عام 2016
بَعد انقضاء عام 2015 الرَهيب بأحداثه، يأتي العام الجديد حامِلاً معه فُرصاً جَديدة للديمقراطية على كافة الأصعِدة السياسية.
لا شكَّ أنَّ رؤية الألعاب النارية لمدينة بيرث غرب أستراليا وهي تعلِنُ حلول فصل جديد في تاريخنا – 2016 – كان مَصدَر ارتياح حقيقي. وقد أنهَت أولى لحظات غُرّة يناير، التي سَبَقَت استقبال مُعظَم القرّاء والأصدقاء في جميع أنحاء العالم للعام الجديد بساعات عِدّة، سنة تلَبَدَت بالعديد من التطورات السيئة على الصعيد العالمي، عكستها الإضطرابات الإقتصادية وتصاعُد وتيرة الحروب، ناهيك عن أزمة لاجئين لم يَشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً، مع عَدَم إغفال الكوارث الطبيعية التي لم يَكُن الإنسان بريئاً تماماً في التسبُب بها.
الديمقراطية بدورها شَهِدَت تراجُعاً في أجزاء كثيرة من العالم في العام الماضي، مما خلق تحديات هائلة لإحراز تقدُّم حقيقي هذا العام. مع ذلك، توجد هناك الكثير من الفُرَص الكبيرة المُقبِلة أيضا، والتي قد تتَرجَم إلى إقتراعات شعبية لا تخلو من التحدي في العديد من الدول الكبيرة والصغيرة ومُدُن ومناطق العالم المختلفة. ومع قدوم عام 2016، يبرز عددٌ من التطورات والتوجهات الجديدة التي ينبغي مُتابعتها بالكثير من الجدّية.
2016 لن يكون عاماً يخص الرؤساء، شي جين بينغ, أو ‘باراك أوباما’ أو ‘فلاديمير بوتين’، ولكنه سيكون عاماً يَحظى فيه المواطنون في دولِهِم بِفُرصة لإسماع أصواتهم.
وقد يكون من المُفارقات أن هذا العام سَيَخُص جمهور الناخبين في بلدٍ صغير جداً هو تايوان، التي شهدت يوم 16 يناير الجاري إنتخاب رئيسة وبرلمان جديد، في تحد للقوة الصينية العظمى.
وللمرة الأولى منذ انسحابالقومية في إتجاه الدولة الجزيرة في أواخر أربعينيات القرن الماضي، تجرأ سكان تايوان الذين يقارب عددهم 23 مليون شخص على إرسال الكومينتانغ “الحزب القومي الصيني الحاكم في تايون والمُقَرَّب من الصين” إلى صفوف المُعارضة بشكل كامل – من خلال إنتخاب زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد لاستقلال البلاد “تساي اينج وين” كرئيسة بأغلبية ديمقراطية. ولا يخفى أن من شأن ذلك أن يخلق قوة دافعةً لسُلطة الشعب – ليس في تايوان فحَسب، ولكن في هونغ كونغ والصين وفيتنام المجاورة أيضاً.
وفي وقت لاحق من هذا العام، سوف يَحظى مواطنو روسيا الإتحادية بِفُرصة جديدة لإحداث التغيير من خلال انتخاب 450 عضوا من مجلس الدوما [أحد مجلسي برلمان روسيا الاتحادية الذي يشكل الجهاز التشريعي والتمثيلي في السلطة].
مع ذلك، يبقى مدى حرية ونزاهة هذا التصويت الشعبي الذي سيجرى في 18 سبتمبر القادم موضع تساؤل، مع التشدد الكبير الذي شهدته البيئة الديمقراطية منذ عودة السيد فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في عام 2012.
وأخيراً، ومع دنو العام من نهايته، سوف تشهد الولايات المتحدة الأمريكية في 8 نوفمبر عملية إنتخاب رئيس جديد لها (والعديد من الأشخاص الآخرين وتدابير إقتراع جديدة)، مُنهية بذلك ما يُتَوَقَّع أن تكون الحملة الرئاسية الأكثر تكلفة في تاريخ العالم، ومُوَفرة المزيد من الرؤية لنقاط القوة والضَعف على حدٍ سواء لإحدى أقدم الديمقراطيات في العالم وأكثرها إكتظاظاً بالسكان.
على الجانب الآخر، أصبحت إيران – العدو ‘المُعلَن’ لمُعظم الدول الأخرى- منذ عهد قريب ضوءاً مُحتملاً في غياهب الظلمات، مع دعوة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني إلى نهضة ديمقراطية في البلد الذي تقطنه 75 مليون نسمة.
وكما وَعَدَ الرئيس السابع للجمهورة الإسلامية في إيران عند الإعلان عن الإنتخابات البرلمانية في 26 فبراير من العام الماضي “سوف يُحتسب كل صوت ويُصغى للجميع”. والسؤال الكبير الذي سيتعين على الإيرانيين الإجابة عليه، هو مَدى رغبتهم في الحفاظ على الأغلبية الإسلامية الأصولية في مجلس الشورى الإسلامي الذي يُمَثل برلمان إيران وسلطتها التشريعية.
وقد يظهر هناك المزيد من الزَخم الديمقراطي هذا العام، عندما يحصل شعب أوغندا في 18 فبراير القادم على فرصتة لإنهاء “الحكم الأبدي” لـلحاكم الحالي يوري موسيفيني، خليفة عيدي أمين دادا، الدكتاتور الأوغندي السابق الأكثر شهرة.
علاوة على ذلك، سوف تشهد العديد من المناطق والدول الأخرى في شتى أنحاء العالم إجراء انتخابات واستفتاءات في ربيع هذا العام، بضمنها البرتغال (لإنتخاب الرئيس في 24 يناير)، والنيجر (إنتخابات رئاسية وتشريعية في 21 فبراير)، وسويسرا (استفتاءات حول قضايا متنوعة في 28 فبراير) ، وبنين (إنتخابات رئاسية في 28 فبراير)، وساموا (إنتخاب البرلمان يوم 31 مارس)، وبيرو (إنتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 أبريل)، و اسكتلندا (5 مايو إنتخاب البرلمان)، على سبيل الذكر لا الحَصْر.
أوروبا: إجراء لا يتكرر كل عام
للوهلة الأولى، قد لا يبدو الأمر أكثر من إقتراع شعبي آخر حول أوروبا داخل أوروبا (التي شهدت 55 تصويتا منذ عام 1972). ولكن الإستفتاء المُرَجَّح إجراؤه في المملكة المتحدة في شهر سبتمبر القادم، والذي يُدلي فيه البريطانيون برأيهم حول وجوب بقاء بريطانيا أو عدمه ضمن الإتحاد الأوروبي يشكل عناوين بارزة هذه المرة.
وتُعتَبَرهذه المسألة ضخمة لأوروبا والمملكة المتحدة على حدٍ سواء. ذلك أن خروج بريطانيا من المنظومة الأوروبية أو ما يُطلَق عليه إختصاراً “بريكسيت” (Breixit) سوف يُغَيِّر على الأرجح عمليات الإندماج والتنمية للإتحاد الأوروبي بصورة أكثر شمولاً من جميع الإقتراعات السابقة الرافضة لإجراء تغييرات في المعاهدات داخل أوروبا. وأغلب الظن أيضاً أن رَفض الناخبين البريطانيين لهذه الخطوة سوف يؤدي إلى محاولات جديدة من جانب اسكتلندا وويلز لِنَيل إستقلالهما – داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي ظل مسار المملكة المتحدة نحو استفتاء منتصف سبتمبر (الذي يتعين أن يتعلَّق من الناحية الفنية باتفاق لم تُستَكمَل صيغته النهائية بعد بشأن إصلاحات تطالب بها بريطانيا في الاتحاد الأوروبي)، سوف يأتي عام 2016 معه بمحاولات تصعيد في جميع أنحاء القارة العجوز لتعزيز كفاءة أول أداة عابرة للحدود للديمقرطية المباشرة والتشاركية، وجعلها أكثر تيسيراً ونجاحاً ألا وهي ‘مبادرة المواطن الأوروبي’.
ومنذ إدخال هذه الأداة الجديدة في عام 2012، تم تقديم خمسة وخمسين مبادرة لمواطنين أوروبيين، لم تَنجَح سوى ثلاث منها في إثبات صحَّة شرعيتها (بأن جمعت أكثر من مليون توقيع لمواطنين أوروبيين مؤيدين لها من سَبع دول أعضاء في الإتحاد على الأقل)، وهي مبادرات “الحق في المياه”، و”الحد من أبحاث الخلايا الجذعية” و”أوقفوا التجارب على الحيوانات”.
وفي الوقت الراهن، تَحشد خمسة مُبادرات تتعلق بالزواج، والنقل، والقنب الهندي، والبيئة والديمقراطية الدَعم المطلوب في كل أنحاء أوروبا.
توجه عالمي للمحلية:من المُتوقع أيضاً أن يكون 2016 العام الذي سيشهَد حدوث العديد من التطورات الأكثر تَشجيعاً وإثارة للإهتمام على المستوى دون الوطني – سواء تعلَّق الأمر بالتطورات الإجتماعية الإقتصادية أو بسُلطة الشعب، سيما مع إقدام بعض أكبر دول العالم على نَقل السلطة بعيداً عن المراكز الوطنية.
وهنا، يمكن ضَرب مثالٍ جيدٍ بإندونيسيا، أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم. ففي حين يتكون هذا البلد من أكثر من 6,000 جزيرة مأهولة تؤوي أكثر من 255 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصف هؤلاء في جزيرة جاوة (التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة سويسرا فقط) – ومايزيد عن 30 مليون في منطقة العاصمة جاكرتا التي أكتب منها موضوع توقعاتي هذا.
وكانت إندونيسيا قد تحولت منذ نهاية الديكتاتورية (أوالدولة المركزية) في أواخر تسعينيات القرن الماضي إلى ديمقراطية نابضة بالحياة – أصبح فيها رؤساء البلديات المُنتخبين محلياً مثل ‘جوكو ويدودو’ (الرئيس الحالي للبلاد)، و‘تري ميسماهاراني’ (عمدة مدينة ‘سورابايا’ التي تضم نحو 6 ملايين نسمة)، أو رضوان كامل (عمدة مدينة ‘باندونغ,) مؤيّدين ومُيسرين أقوياء للمواطنة الفعّالة. وبشكل مُماثل، تبرز هناك أمثلة محلية مُشرقة في معظم دول العالم (بضمنها دول ذات ديمقراطيات ضعيفة جداً على المستوى الوطني).
ومع تقديم العام المُنقضي للعديد من العناوين السيئة لكوكبنا للأسف، إلّا أنَّ العام الجديد يأتي معه بأمل مُتجدد ومَهام جديدة لِجَعل المَسار الديمقراطي أكثر ديمقراطية بَعض الشيء.
لمحة عن الكاتب: يترأس برونو كوفمان معهد المبادرات الشعبية والإستفتاءات بأوروبا، ويتولى أيضا رئاسة مجلس لجنة الديمقراطية والإنتخابات في مدينة فالون السويدية التي يُقيم فيها. شغل أيضا منصب الرئيس المشارك للمنتدى العالمي للديمقراطية المباشرة الحديثة الذي انتظم في تونس في مايو 2015.
يعمل مُراسلا لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية في شمال أوروبا، ويترأس تحرير people2power.info، وهي منصة الكترونية تهتم بالمشاركة المواطنية وبالديمقراطية المباشرة في العالم