رؤية نقدية لقانون الوظائف المدنية الجديد
اعداد : الدكتور عادل عامر
المقدمة :-
يعاني الجهاز الإداري الحكومي في مصر من العديد من المشكلات منها التضخم في عدد العاملين، وسوء توزيعهم، وضعف الإنتاجية، وعدم فعالية أساليب التقييم أو الثواب والعقاب، وتدني مستوى الكفاءة والفعالية وضعف الاستجابة لرغبات وتوقعات المواطنين وكل من يتعامل مع الجهاز الإداري من أصحاب المصالح المختلفة.
وفى ظل تصاعد المعركة بين الحكومة والبرلمان بعد رفض مجلس النواب القرار بالقانون رقم 18 لسنة 2015 بشأن الخدمة المدنية، لا تزال تبحث المجموعة الاقتصادية بمجلس الوزراء عن مخرج لحل الأزمة العالقة، خاصة مع وجود فراغ تشريعى أحدث حالة جدلية حول كيفية صرف رواتب 6 ملايين موظف يخضعون لهذا القانون بدأت بلقاءات ثنائية بين رئيس مجلس النواب ووزير الشؤون القانونية ومجلس النواب المستشار مجدى العجاتى على مدار الساعات القليلة الماضية، وصولاً لاجتماعات متواصلة جمعت رئيس مجلس الوزراء أن يكون هناك فترة انتقالية لا تقل عن عام تجهيز واستعداد وتدريب على هذا القانون أو النص على أن تكون السنة الأولى له فترة تجريبية للتدريب على تطبيقات القانون وإعداد بطاقات الوصف ونماذج التقييم الاسترشادية الجديدة واستخدامها بشكل تجريبي قبل تطبيقه خصوصا 360 لتحديد مدى فاعليتها وجدواها.
تعديل عشرة مواد من القانون
أن المشاورات الحكومية أسفرت حتى الآن عن وجود اتجاه لتعديل 10 مواد بشكل مبدئي فى مقدمتها المواد التى أعلن المستشار مجدى العجاتى خلال جلسة مناقشة القانون موافقة الحكومة على تعديلها، وأبرزها أكثر المواد جدلية فى القانون والممثلة فى المواد (26) و(27) و(28) من القرار بالقانون رقم 18 لسنه 2015.
أن الحكومة تتجه لتعديل المادة (26) بإلزام الجهات الحكومية بالرد على التظلمات فى تقارير تقييم الأداء على أن يكون الرد مسبباً خلال 15 يوما، وفيما يتعلق بالمواد (27) و(28) و(29) الخاصة بتقييم أداء الموظفين سيتم تعديلها استجابة لطلبات أعضاء مجلس النواب بما يضمن الحيادية والموضوعية وعدم تسلط الرئيس على المرؤوس.
أن الحكومة ستدخل تعديلاً على البندين رقمى (1) و(2) من المادة (59) بما يحد من سلطة الرئيس المباشر من توقيع الجزاءات على الموظفين، بالإضافة لاستحداث مادة تتعلق بمحو الجزاءات التأديبية أسوة بنص المادة (92) من قانون العاملين المدنيين الملغى والصادر برقم 47 لسنة 1978.
أن الحكومة رفضت تعديل أو المساس بعدد من المواد، على رأسها المادة رقم (1) الخاصة بالفئات المستثناة من القانون، وذهبت الجهات الرسمية فى ذلك إلى أن المادة ليست مستحدثة إنما كان منصوصا عليها بالقانون الملغى بشأن العاملين المدنيين الملغى، والصادر برقم 47 لسنة 1978، حيث تنظم القوانين الخاصة برجال القوات المسلحة والشرطة والقضاء الأوضاع الوظيفية لهم.
أن من المواد المستبعد تعديلها، المادة (15) فى بندها الأول الخاصة باشتراطات شغل الوظائف بالدولة، التى تنص على «يشترط فيمن يعين فى إحدى الوظائف أن يكون متمتعاً بالجنسبة المصرية أو جنسية إحدى الدول العربية التى تعامل المصريين بالمثل فى تولى الوظائف المدنية»، لان الحكومة ذهبت فى استبعادها لهذا التعديل «بأن هذا النص يتعلق بعمل المصريين بالخارج، وفى حال إلغائه فإنه سيؤثر على العمالة المصرية فى البلاد العربية». أن هناك بعض المواد التى لا تزال محل خلاف بين الحكومة والبرلمان بسبب آثارها على الموازنة العامة للدولة، وفى مقدمتها المادة التى يطالب النواب بتعديلها لرفع الأجر الأساسى بالقانون إلى 1200 جنيه وليس 735 إعمالاً بقانون الحد الأدنى للأجور والمادة التى تتعلق بالتسويات فى حال حصول الموظف على مؤهل أعلى من المؤهل الذى عين على أساسة وذلك نظراً لأنها مواد ستؤثر جذريا على الموازنة العامة لدولة بجانب 4 مواد تتعلق بالأجور والعلاوات، وهى المواد من 35 إلى 38، ومن بينها المطالبة بزيادة العلاوة السنوية من %5 إلى %7.
إذا عقدنا هذه المقارنة لتكلفة العمالة الحكومية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فسيتضح ارتفاع هذه النسبة في الدول المرتفعة الدخل (وهي دول متصور أنها دول تتبع اقتصاديات السوق)؛ حيث تبلغ 10.4% بالمقارنة مع الدول متوسطة الدخل؛ حيث النسبة 8.7% والدول منخفضة الدخل حيث النسبة 7%. إن النسبة في مصر وهي 8.9% متقاربة مع الدول متوسطة الدخل والتي تنتمى إليها مصر وفقًا لتصنيفات البنك الدولي.
أما إذا عقدنا مقارنة دولية بين نسب الإنفاق على الأجور إلى الإنفاق العام، فسنجد أن هذه النسبة هي 28% بالنسبة للدول المرتفعة الدخل وتبلغ 31.8 بالنسبة للدول متوسطة الدخل (مصر تقع في هذه الفئة)، وتصل إلى 31% بالنسبة للدول منخفضة الدخل. مصر بالقياس لهذه الدول، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار الارتفاع الكبير في فاتورة الأجور بعد الثورة لا تقع في مرتبة أعلى؛ حيث تبلغ نسبة الإنفاق على الأجور 25.4% من الإنفاق العام في 2013/2014.
ماذا تقول هذه الأرقام ببساطة؟ أولًا:
فإن اقتصاد السوق لا يعني بالضرورة انخفاض حجم الإنفاق على العمالة الحكومية. بالنسبة للدول الغنية المتقدمة لا يعني بالضرورة انخفاض فاتورة العمالة الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أو كنسبة من الإنفاق العام.
ثانيًا: ارتفاع تكلفة الأجور الحكومية-
بحد ذاتها- ليست عائقًا أمام التنمية الاقتصادية، بدليل أن الدول ذات الإنجاز التنموي الأبرز هي الأعلى إنفاقًا على العمالة الحكومية.
ثالثًا: النسبة في مصر ليست مرتفعة بشكل استثنائي عندما نقارنها بغيرها من الدول من مختلف مجموعات الدخل. قد يقول قائل: حسنًا ربما كان انخفاض تكلفة العمالة الحكومية لدينا ناتجًا عن الانخفاض النسبي في الأجور الحكومية بالقياس إلى الدول الأخرى، وأننا إذا نظرنا إلى الوزن النسبي لعدد المتوظفين في الحكومة كنسبة من السكان، ربما بدا الأمر مختلفًا؛ حيث ترتفع نسبة العمالة الحكومية لدينا بالقياس إلى المعدلات العالمية. هل هذا صحيح؟ تشير البيانات الواردة بالجدول رقم 2 إلي أن نسبة العمالة الحكومية إلى العدد الإجمالي للسكان، هي 7.11 % في عام 2010، وأن متوسط النسبة المناظرة في البلدان المتوسطة الدخل، هي 5.3%. نعم النسبة مرتفعة نسبيًا في مصر بالقياس إلى الدول المتوسطة الدخل فعلًا, ولكنها أقل من متوسط العمالة كنسبة من السكان في دول الاتحاد الأوروبي التي تبلغ ٧.٩٪، أو في بلد متطرف في رأسماليته مثل الولايات المتحدة؛ حيث النسبة هي أعلى من مصر برغم الحديث المتكرر عن تراث الدولة الناصرية “الاشتراكية” القائمة على الدولة كمشغل رئيسي. أن هيكل العمالة الحكومية في مصر على ما يرام، ولكن الغرض الرئيسي هو أن يشير إلى طبيعة مشكلة الجهاز الإداري في مصر، بأنها لا تتعلق أساسًا بارتفاع حجمه أو تكلفته، ولكن أساسًا بانخفاض كفاءته وتشوه هيكل العمالة فيه.
فلا يزال معدل الأطباء لكل ألف من السكان أو معدل المدرس الواحد لعدد التلاميذ أكثر انخفاضًا من مثيله في دول العالم الأخرى. الحقيقة نحن قد نكون بحاجة إلى زيادة الإنفاق على العمالة الحكومية وليس تقليصها.
حتى لو كان هناك إمكانية في توفير أعداد من العمالة الحكومية الزائدة عن الحاجة، وهو أمر ممكن، إلا أن هناك أيضًا ضرورة لزيادة رواتب العاملين بالجهاز الحكومي.
هذه الزيادة في الرواتب التي تعد شرطًا ضروريًا للحديث عن الكفاءة، قد تعوض أو حتى تتجاوز الوفر الحادث بسبب تخفيض العمالة كحجم كلي.
و إذا أردنا أن نقلل العجز في الموازنة الحكومية، فعلينا البحث عن حلول بعيدة عن “إصلاح الجهاز الإداري”. لا يجب أن نخلط أجندة إصلاح الجهاز الإداري بأجندة برامج التقشف الليبرالي بل علينا أن نفكر في كيفية زيادة الحصيلة الضريبية ومكافحة الفساد والهدر الناتج عنة لكي نواجه عجز الموازنة.
وقد انعكست هذه الأهداف فى سياسات محدّدة كان أبرزها: قانون الخدمة المدنية الجديد رقم 18 لسنة 2015 والذى يقوم على فلسفة جديدة، مُغايرة للفلسفة التى كانت قائمه مفادها أن الخدمات العامة مقدّمة للشعب، وبالتالى يجب أن يحصل عليها بأعلى جودة، وهو الهدف الرئيسى من القانون، لذلك تم تغيير مسمّى القانون ليُصبح «الخدمة المدنية» بدلاً من «نظام العاملين المدنيين بالدولة»، ونص على أن الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة دون محاباة أو وساطة، ويكون شغلها بمسابقة مركزية ينفذها الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وتحت إشراف الوزير المُختص، مما يكفل تكافؤ الفرص والمساواة. مع العمل على بناء صف ثان من القيادات عن طريق استحداث وظائف الإدارة التنفيذية، وفتح المجال للترقية بالكفاءة ووضع قيود لمنع تعارض المصالح والالتزام بالحيدة والنزاهة.
ولذلك تم استحداث إدارة الموارد البشرية، بدلاً من إدارات شؤون العاملين الحالية، بما يضمن الحفاظ على العنصر البشرى وتنظيمه وتنمية قدراته. وعلى الجانب الأخر تمت إعادة هيكلة منظومة الأجور بجدول أجور مبسّط للغاية يتكون من عنصرين (هما الأجر الوظيفى والأجر المكمِّل) ورفع قيمة العلاوات الدورية السنوية لتُصبح 5% من الأجر الوظيفى بدلاً من الوضع الحالى. وهكذا تحولت الأهداف سالفة الذكر إلى حقائق موضوعية على أرض الواقع المُعاش. أما فيما يتعلق بسياسات مكافحة الفساد، فقد تم وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد تم الإعلان عنها فى التاسع من شهر ديسمبر 2014 ببرامج زمنية ومسؤوليات محدّدة ومؤشرات قابلة للقياس، وتم نشرها على بوّابة الحكومة المصرية، وكذلك تفعيل مدونة السلوك للعاملين بالأجهزة الحكومية، وأيضاً قانون حظر تعارض المصالح للمسؤولين فى الدولة، بالإضافة إلى اقتراح مشروع قانون لضمان حرية وتداول المعلومات، وهى كلها أمور تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة فى الجهاز الإدارى للدولة، وتُساعد كثيراً فى محاربة الفساد.
تطوير نظام المشتريات
كما تعكف الحكومة حالياً على تطوير نظام المشتريات الحكومية بإجراء تحديث جذرى فى الفلسفة القائم عليها القانون الحالى للمناقصات والمزايدات، ووضع أُطُر جديدة ونظم مختلفة تُساعد على تطوير هذه الآلية، وتجنّب وضع الحواجز غير الضرورية التى تَحُد من المنافسة وتقلل من عدد مقدمى العطاءات، وتسهيل إجراءات التقدّم للمشتريات الحكومية، بما يضمن الشفافية ويحول دون الفساد.
ذلك جنباً إلى جنب مع اقتراح مشروع قانون جديد لحرية وتداول المعلومات، يهدف إلى النشر التلقائى للمعلومات وتسهيل الحصول عليها وتحديثها باستمرار، مع تنقية القوانين القائمة من جميع المعوقات التى تحول دون تدفق المعلومات بطريقة صحيحة وفى التوقيت المناسب، وهو ما يتوافق مع ما جاء به الدستور الجديد.
وجدير بالذكر أن الحكومة الحالية أخذت على عاتقها مواجهة المشاكل بكل قوة، دون تردّد أو تأجيل أو اللجوء للحلول الجزئية أو المسكنات الوقتية. انطلاقاً من حرصها على مواجهة المشكلات الهيكلية فى الاقتصاد المصرى، واستلهاما للروح الإيجابية السائدة فى المجتمع المصرى حاليا، وحرصا منها على إزالة جميع العقبات التى تحول دون تحقيق الأهداف الإنمائية والانطلاق بعملية التنمية المجتمعية إلى آفاق أوسع وأرحب مما يتيح رفع مستويات السواد الأعظم من المجتمع
قامت بوضع آليات مناسبة لحل مشكلة التشابكات المالية بين قطاعات الدولة وبعضها البعض، تلك المشكلة التى تعد إحدى المشاكل الأساسية التى تعوق حركة الاقتصاد القومى فى مصر، وتقف حجر عثرة فى سبيل التقدم والنمو. خاصة أنها تشمل جميع قطاعات الدولة (البترول والكهرباء والمجتمعات العمرانية والزراعية وبنك الاستثمار القومى والتأمينات الاجتماعية ووزارة المالية). من هنا كان حرص الحكومة على التصدى الجذرى للمشكلة عن طريق وضع الآليات الممكنة للقضاء عليها نهائيا والحيلولة دون استمرارها فى المستقبل. وتخفف من الأعباء التى كانت تتحملها ميزانيات هذه الهيئات والجهات سنوياً، كفوائد مرسلة وغيرها من الأعباء. كما ستؤدى إلى توفير سيولة نقدية لمعظم هذه الجهات، الأمر الذى يساعدها فى تنفيذ خططها التنموية، وأداء الالتزامات المستحقة عليها، خاصة للبترول والكهرباء. وعلى الجانب الآخر، تم وضع خطة شاملة للإصلاح المؤسسى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون تهدف إلى إصلاح الاختلالات فى هيكله التمويلى، وتطوير القدرات الفنية والإبداعية، ما يزيد من قدرته على المنافسة ويرفع كفاءة الخدمة جنباً إلى جنب مع الحفاظ على جميع الحقوق القائمة للعاملين به، والتأكيد على أنه إعلام دولة لخدمة الشعب ومصالحه، ويساعده على تقديم الخدمة الإعلامية بأعلى مستويات الجودة
ويعمل بطريقة اقتصادية سليمة تضمن له الاستمرارية والنجاح، وهو ما يُناقش حالياً مع قيادات الاتحاد وغيرهم من الخبراء المعنيين بهذا الأمر، وينطبق نفس الوضع على قطاع الأعمال العام، إذ تعكف الحكومة على وضع خطة شاملة للإصلاح خاصة فى قطاعى الغزل والنسيج والحديد والصلب، فضلاً عن وضع آليات مناسبة لإقالة المشروعات المتعثرة من عثرتها وفقاً لبرنامج زمنى محدّد ومُعلن للجميع، حتى تتم المحاسبة والمساءلة الشعبية. كل هذه الأمور وغيرها تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحكومة الحالية تتصدّى وبحَزم لمعظم المشكلات التى يمر بها المجتمع المصرى
والمتراكمة على مدى العقود السابقة، ما يجعل البيئة الاستثمارية فى البلاد أكثر قدرة على اجتذاب المزيد من الاستثمارات الجادة، وبالتالى المساهمة فى رفع معدلات النمو والتنمية، وهو ما يؤكد أنها تعمل وفقا لإطار ومنهج شامل ومتكامل ورؤية واضحة المعالم تمت صياغتها ضمن استراتيجية التنمية المستدامة: مصر 2030، وكلها تدور حول هدف واحد هو رفع مستوى معيشة المواطن المصرى وتحقيق الانطلاقة الاقتصادية لمصر لتحتل المكانة التى تستحقها لتُصبح فى مصاف الدول المتقدّمة.إصلاح هيكل العمالة الحكومية ورفع كفاءتها هو مهمة ضرورية، ولكن لا يجب أن ينظر إليها كمشكلة مالية عامة أساسًا (كيف نخفض من فاتورة الأجور لتقليل حجم العجز في الموازنة), ولكن كمشكلة رقابة ديموقراطية على حجم العمالة الحكومية وتحديد الاحتياجات على المستوى المحلي وخلق بيئة تسمح بالمحاسبة والمسؤولية.
نظام محو الجزاءات التأديبية
يقصد بمحو العقوبات التأديبية إزالة أية أثار تشير إلى سابقة توقيع عقوبات تأديبية على الموظف العام؛ بسبب إخلاله بواجبات وظيفته العامة الناتج عن ارتكابه مخالفات تأديبية، وذلك برفع أوراق الجزاء من ملف خدمة الموظف، وعدم الإشارة إليه في أية أوراق تصدر عن جهة الإدارة. وبذلك يرتب محو الجزاءات التأديبية أثاراً تنسحب على الماضي، وتؤثر على المستقبل. فبالنسبة للماضي، نجد أنه يترتب على محو الجزاء التأديبي اعتباره كأن لم يكن، وذلك بمحو أية معلومات تشير إلى سبق توقيع ذلك الجزاء من ملف خدمة الموظف، أما فيما يتعلق بالمستقبل فيترتب على المحو عدم الإشارة إلى الجزاء في أية أوراق تصدر عن جهة الإدارة بشأن هذا الموظف.
و رغم تسليمنا بأن السائد في القانون المقارن هو الأخذ بنظام محو الجزاءات التأديبية، إذ أن أغلب الأنظمة والقوانين المنظمة لشئون الخدمة المدنية نظمت أحكام محو العقوبات التأديبية، ففي القانون الفرنسي رغم أن نظام الموظفين الفرنسي الصادر بالقانون رقم 244 لسنة 1959م لم ينص على محو الجزاءات التأديبية، إلا أن المشرع الفرنسي عاد بعد سنوات قليلة و نص في المرسوم رقم 311 لسنة 1959م في المادة 14 على أن الموظف الذى سبق معاقبته تأديبيا ولم يتم ابعاده عن العمل. يستطيع بعد مضى خمس سنوات إذا كانت العقوبة الإنذار أو اللوم، وعشر سنوات بالنسبة للعقوبات التأديبية الأخرى، أن يقدم طلباً إلى الوزير المختص لمحو الجزاءات الموقعة عليه من ملف خدمته -إذا كان سلوكه العام مرضياً منذ تاريخ توقيع العقوبة عليه-
وله الحق في تلبية طلبه، وينظم له ملف جديد، تحت رقابة مجلس التأديب، و قد ردد القانون المغربي الصادر بالمرسوم الملكى رقم 1588 لسنة 1958م، والقانون التونسي رقم 12 لسنة 1968م ذات ما تضمنه القانون الفرنسي، أما مرسوم الإجراءات التأديبية الجزائري رقم 154 لسنة 1966م فنص على جواز محو الجزاءات التأديبية بعد مضى ثلاث سنوات بالنسبة للإنذار والتوبيخ، وسته سنوات بالنسبة لباقي الجزاءات التأديبية، أما المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979م في شأن الخدمة المدنية الكويتي، فقد نص في المادة 29 على جواز محو العقوبات التأديبية، كذلك يخضع الجزاء التأديبي لنظام محو الجزاء ووفق ما نظمه قانون الخدمة المدنية العماني رقم 120/2004م
كما أخذ القانون المصري السابق بنظام محو العقوبات التأديبية؛ إذ نص قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978م في المادة 92 على مدد محو الجزاءات التأديبية التي تُوقع على العامل بانقضاء ستة أشهر في حالة التنبيه واللوم والإنذار والخصم من الأجر مدة لا تتجاوز خمسة أيام، وسنة في حالة الخصم من الأجر مدة تزيد على خمسة أيام، و سنتان في حالة تأجيل العلاوة أو الحرمان منها، وثلاث سنوات بالنسبة إلى الجزاءات الأخرى عدا جزاءي الفصل والإحالة إلى المعاش بحكم قضائي أو قرار تأديبي. بيد أننا نلاحظ أن القانون المصري الجديد للخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015م، قد عدل عن نظام محو العقوبات التأديبية و لم يأخذ به.
فإنه على الرغم مما تقدم، إلا أننا نرى أنه لا ينبغي أن يفسر ذلك بأن نظام المحو في المجال التأديبي أمر بديهي ومسلم به؛ إذ أن هناك سؤالاً يدق الرؤوس بعنف .. ألا وهو: هل يحقق نظام المحو بصورته الراهنة مصلحة المرفق العام؟
إذ يذهب أنصار الابقاء على نظام محو الجزاءات إلى الاستناد على عدد من الحجج؛ ملخصها أنه يتعين ألا يكون هناك أثر ممتد للجزاء التأديبي على الموظف طوال خدمته، إذ أن حالة أي موظف مذنب قابلة للتغيير نحو الأحسن والأفضل، ومن هنا يجب فتح باب التوبة أمام الموظف الذي ناله العقاب التأديبي؛ فالمحو يساهم في اصلاح الموظف وتقويمه، وفتح صفحة جديدة في حياته الوظيفية.
والواقع أن نظام المحو بصورته الراهنة يراعى مصلحة الموظف على حساب مصلحة جهة الإدارة، وهو ما يشكل اختلالاً كبيراً في التوازن المنشود تحقيقه بين مصلحة المرفق العام ومصلحة الموظف العام؛ إذ أن الأثر المترتب على محو العقوبة التأديبية من اعتبارها كأن لم تكن، ورفع أوراق الجزاء وكل إشارة إليه وما يتعلق به من ملف خدمة العامل، هو أمر يؤدى إلى طمس كل المعلومات المتعلقة بالجريمة التأديبية، التي ثبتت فى حق الموظف وتم إدانته بارتكابها، ومجازاته عنها. لاشك أن نظام محو العقوبات الـتأديبية على هذا النحو يلحق الضرر بجهة الإدارة التي يجب ألا تفقد ذاكرتها في متابعة موظفيها وتقييمهم، مهما طال الزمن لا سيما من ارتكب منهم جرائم مخلة بالشرف والاعتبار، وسبق معاقبته عنها، أو ارتكب مخالفات تنبئ عن استهتاره الشديد أو عدم التزامه الجسيم في أداء أعماله وواجبات وظيفته الأساسية، أو انخراطه في أنشطة محظورة أو أفعال إرهابية
وقد يحصل على حكم بالبراءة الجنائية أو التأديبية لعدم كفاية الأدلة أو عدم اطمئنان المحكمة لثبوت الاتهام الموجه إليه، وهكذا يفلت الموظفون من العقاب، كما لا تتمكن جهة الإدارة بسبب المحو من تقييمهم تقييماً موضوعياً صحيحاً، عند ترشيحهم لوظائف ومهام محددة، ويختلط عليها الأمر عندما تفاضل بين العاملين لديها حال ترشيحهم لشغل وظائف قيادية، قد تتطلب في شاغلها توافر سمات معينة
لا يمكن الوقوف عليها بدقة إلا بمعرفة الماضي الوظيفي للموظف منذ تعيينه، وهو ما تحرم منه جهة الإدارة بسبب محو الجزاءات التأديبية.
و لذلك نرى أن يقتصر أثر المحو على حظر الافصاح عن المخالفات التي ارتكبها الموظف بعد فترة من توقيع العقوبة عنها في أية أوراق يحصل عليها الموظف لنفسه تتعلق بسيرته المهنية، مع الإبقاء على أوراق الجزاء وكافة المعلومات المتعلقة به لدى جهة الإدارة التي يجب أن تعلم دوماً وأبداً السيرة المهنية للعاملين لديها؛ لتتمكن من اختيار الأفضل منهم للأعمال التي تتفق ومصلحة الوظيفة العامة، مع جواز أن تحصل أية جهة إدارية أخرى قد ينتقل الموظف للعمل لديها بما لدى جهة عمله الأصلية من معلومات سرية عن تاريخه الوظيفي.
تعديل هيكل العمالة الحكومية
إن محاولة تعديل هيكل العمالة الحكومية يجب أن تكون تدريجية وأن تستند إلى عملية تفاوض اجتماعي ورؤية تنموية بعيدة المدى. أن القانون ولائحته التنفيذية يحتاجان إلى ضوابط أكثر لضمان النزاهة والحيادية في التقييم وحماية الموظف من أية وشاية أو ظلم أو تعسف، لافتة إلى أن التظلم وحده ليس ضابطا، بل لابد وأن تكون هناك عقوبة رادعة في مواجهة النفوس المريضة.
أن الإصلاح المؤسسي يحتاج إلى أن يتم من الداخل للخارج، بمعنى أن يتم إعادة الهيكلة بشكل متكامل لكل وحدات الدولة وضم الوحدات ذات الخدمات الواحدة تحت لواء واحد ودمج من يحتاج دمجا وفصل من يحتاج فصلا مع إعادة توزيع الموارد البشرية على الهيكل الجديد بالشكل الذي يحقق التوازن ويخدم العمل. أما البدء في الإصلاح بصدور قانون كالخدمة المدنية على اعتبار أنه وحده المعول عليه مكافحة الفساد فأعتقد أنه لن يستطيع أن يحقق هذا وحده بالوضع الاداري المترهل الموجود حاليا
أن المشكلة قبل أن تكون في قانون الخدمة المدنية ذاته فهي تكمن في من سيطبق عليهم قانون الخدمة المدنية ومن سيطبق القانون. أنه مع تحليل مشاكل قانون 47 على مدار37 سنة سنجد أن عدم تطبيق إدارات شئون العاملين للقانون بشكل صحيح السبب القوي الذي أثقل المحاكم بملايين القضايا الإدارية
كيفية نجاح قانون الخدمة المدنية
وقانون الخدمة المدنية نجاحه يعتمد على إدارة موارد بشرية نموذجية وفعاله وهو أمر من الصعب تحقيقه، وكان الأفضل أن تكون هناك مرحلة سابقة على صدور القانون أو انتقالية بعده لتهيئة الوضع وإعداد هذه الإدارات جيدا حتى لا تنتقل نفس فلسفة شئون العاملين وتطبق تحت مسمى الموارد البشرية.
أن إيقاع القانون سريع إلى حد كبير على جهاز إداري بطيء جدا كما هو واضح كما أن حجم الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الحالي يجعل المهمة صعبة عليه جدا لقلة عدد العاملين بالجهاز في مواجهة العدد الهائل للعاملين بالدولة.
وقد يكون نوع من علاج هذا الخلل بإنشاء وحدة مركزية لتنظيم والإدارة داخل كل جهة يعمل بها عاملين تابعين للجهاز المركزي يكونوا مسئولين عن إنجاز المهام الإدارية لهذه الجهة تحت إشراف ورقابة من الجهاز مباشرة لتقليل الوقت ومما يحول دون تكدس الأعمال جميعها بالجهاز.
إن الحلم الإداري الذي وضعه القانون يحتاج تنفيذه إلى برنامج إلكتروني ضخم ويكون موحد لكل إدارات الموارد البشرية بالدولة، لأن ترك الأمر لرؤية كل جهة سيجعل سياسة التخبط منهجا ولن نصل للغرض من القانون قبل 10 سنوات على الأقل.
أن القانون يحتاج إدارات موارد بشرية “سوبرهيرو” وهذا لن يتحقق إلا برقابة مشددة من الدولة لأنه في الغالب الأعم سيتم استبدال شئون العاملين بالموارد البشرية دون أي تغيير مع العلم أن تلك الإدارة هي المنوطة بإنجاح القانون وتنفيذه بشكل صحيح ودقيق وعادل. فقد نحتاج لتنظيم تبادل ثقافي بين الدول الناجحة في مجال الخدمة المدنية للاستفادة من تجاربها في هذا الشأن كالبحرين وماليزيا لتدريب مواردنا البشرية بصورة أكثر واقعية حتى يستطيعوا تطبيق الفلسفة المطلوبة فعلا من وراء تطبيق القانون. وبالطبع فإن مادة الأجور في القانون قد حكمت على الزيادة السنوية بشبه توقف أدى إلى صدمة شديدة لجميع العاملين خاصة وأن الأسعار لا ترحم أحدا، ولكن هذه المادة ليست موجودة على الإطلاق، ولكن هناك أكثر من مخرج يسهل معه تخفيف من وطأة الأمر، فنجد على سبيل المثال:
المادة 40 تعطي لكل وزير أعلى للجهة بتقرير حافز أداء خاص لها وليس ظلما أبدا ربط الحافز بالإنتاج، بل على العكس، ولن يكون هناك مانع أن يتم صرف الحافز لـ 90 % من قوة العمل متى كانوا يعملون ويجتهدون بحق. ولم يضع القانون أي مانع يمنع رئيس الجمهورية من إصدار علاوات خاصة بقرارات بقانون من رئيس الجمهورية لتضاف على الأجر الوظيفي وتضيف معها الانفراجة والفرحة. ولكل جهة الحق في تقرير بدلات العمل المناسبة والملائمة لظروف ومهام أعمالها. ولكننا نريد إعادة النظر للجهات الحكومية التي تحصل على رواتب وأجور بشكل مبالغ فيه، وليس هناك مانع أن نعتبر أن ما نمر به هو اقتصاد حرب يقبل التضحيات من الجميع. فكما تحمل الموظف البسيط عدم الزيادة، فعلى أصحاب الدخول المرتفعة تحمل الانخفاض في دخولهم ما يقلل الفوارق الضخمة ويخفف العبء على الموازنة نوعا ما. أن المادة 20 هي الأخطر على الإطلاق لأنها تصيب الطموح القيادي، وتضع القيادات الشابة تحت رحمة المدير الأعلى دون ضوابط قوية تحمي من تعسفه في كتابة تقارير مغلوطة. ولم تحدد المادة المقصود بالوظيفة الأخرى المماثلة التي متى ترك المدير مكانه انتقل إليها، ولم تتعرض لها أيضا اللائحة المعروضة للحوار المجتمعي.
وقد يكون هذا وسيلة للضغط على الموظف وهو في سن العطاء الحقيقي والخبرة الحقيقية على اختيار إنهاء الخدمة والخروج بمعاش مبكر، ولكنه من ناحية ثانية سيؤثر على صناديق المعاش الخاصة، مما قد يضطره اختيار البقاء على قوة الوظيفة المماثلة مهمشا حتى وصوله السن القانوني لضمان كامل مستحقاته.
الملاحظات العامة علي القانون
ومن الملاحظات العامة على بعض مواد القانون أن حساب الإجازات على السنة الميلادية أفضل كثيرا ومناسب أكثر للأسرة المصرية من حسابها على السنة المالية لأن شهر ديسمبر كان شهر تصفية الرصيد وفي نفس الوقت شهر لأعياد الإخوة المسيحيين، واستقبال لعام جديد، ونزول الرصيد الجديد كل يناير كان يناسب فترة الامتحانات وإجازات نصف العام، أما شهر يونيو فهو شهر تقفيل ميزانيات ويصعب فيه الحصول على الإجازات (المادة: 2) كما يسمح القانون بقبول تعيين من حكم عليه ورد اعتبار وهذا يستوجب السماح لرجوع الموظف الفعلي للعمل متى رد اعتباره (مواد: 15 – 66).
أن التمسك باشتراط الإلمام بالقراءة والكتابة لوظائف الخدمات المعاونة فيه تشجيع للقضاء على الأمية والإقبال على محوها.
وفي المادة 47، نقترح أن يتم ترحيل كامل الإجازات المتبقية خلال الثلاث سنوات ويكون استرداد الرصيد النقدي في حدود الثلث فقط. فمن الممكن أن استخدم 10 أيام فقط هذا العام ويأتي العام الجديد لظروف حمل أو مرض أو رعاية أبناء يحتاج الموظف إلى أكثر من 30 يوم في العام، وهكذا نستفيد مما سبق ترحيله من إجازات، وبعد انقضاء 3 سنوات يسترد الموظف مقابل إجازاته في حدود الثلث فقط كما نص القانون.
وفيما يخص المادة: 50، أن تدخل ضمن المدة البينية للترقية الاستدعاء للجيش لأنه واجب وطني جبري لا اعتذار عنه، ولا يجوز أن نعاقب من يقوم بواجبه الوطني بإسقاط المدة من ترقيته، فضلا عن ضرورة صيانة حق رعاية الطفل لأنها حق دستوري ولو في حدود نسبة منها على الأقل 3 سنين من الستة. أما عن المادة 62 تنص على مدة الحرمان من الترقية فقط. القواعد العامة تقتضي سقوط العقوبات بعد فترة زمنية معينة، وعليه يجب اتباع ذلك في قانون الخدمة المدنية أسوة مع قانون 47.
المادة 95، حتى لا تكون الجزاءات سلاحا في يد الإدارة، وحماية للموظف من ضياع مستقبله في تحقيقات كيدية. ويجب إضافة فقرة باللائحة تنص على أن تسقط الجزاءات كذا بمرور مدة معينة، ويكون التشدد بالإبقاء على التنويه في الملف الوظيفي في حالة العقوبات المقررة بأحكام تأديبية، لأنها أشد من الجزاءات الإدارية العادية.
وفيما يتعلق بالمادة 68، فأنها تتعارض مع اللائحة. المادة 131 الأولى تنقل العاملين للوظائف المعادلة بالجداول الثلاثة. واللائحة تقول إنه يخضع للجداول العاملين المعينين بعد 30/6/2015، مما يعتبر مخالف لمنشور المالية الصادر في 6/7/2015 يخالف اللائحة في المادة رقم 132. نرجو تحسين مادة الأجور فمن الممكن أن نقترح أن تكون الزيادة 5 % من الأجر الوظيفي و 2.5 % من الأجر المكمل.
وفيما يتعلق بالمادة 33 لائحة، فيجب السماح بخطابات بعلم الوصول، وذلك في حال تعذر الدخول على الموقع الإلكتروني، في التقديم للوظائف. فكثيرا ما يكون الموقع غير مفعل وتضيع الفرص على الراغبين.
فيما يتعلق بالمادة 36 لائحة، فيجب بوجود اختبارات “سايكوميترك” معتمدة بحسب طبيعة كل وظيفة، على أن يكون الاختبار معد من مركز إعداد القادة، وتُدرب عليها إدارة الموارد البشرية. وطالبت الدراسة بتطبيق هذا المطلب على المادة 58 لائحة أيضا.
مادة 49 لائحة، أنه من الأفضل اشتراط محو أمية عدد من الأفراد ضمن مسوغات التعيين، وليس أثناء فترة الستة أشهر الأولى من الاختبار في الوظيفة حتى لا يتشتت مجهود وتركيز الموظف خلال فترة الاختبار.
في مراجعة المادة 64 لائحة وللمادة 20 من القانون، أنهما تحتاجان إعادة تعريف نظرا للتخوف من تسريح كفاءات من 45 – 50 سنة، حيث طلبت الدراسة وضع تعريف واضح للوظيفة المماثلة حتى لا يكون هناك إهدار لمكانة وكرامة أصحاب الخبرات.
المادة 89 لائحة أنه كان من الأفضل تحديد مسميات التقييمات الواردة في القانون السابق (ممتاز – جيد جدا – جيد – متوسط – ضعيف)، حيث ترى أن التقييم الجديد ظهر به تقييمان بهما كلمة متوسط (فوق متوسط – متوسط)، لان الخطأ البشري بينهما قد يضيع حق صاحب التقييم وبتحويله من جيد إلى متوسط، متسائل: لماذا التعقيد؟
مادة 116 لائحة يجب اضافة نص يسهل في الأحوال التي تقتضيها استقرار الأسرة المصرية تجديد الندب لمدد أخرى حتى زوال السبب، مع دراسة كل حالة على حدة.
وفيما يخص المادة 154 لائحة، من ثبت مرضه ولم يتمكن من القيام بالإجازة المرضية يجازى تأديبيا، فنري استبدالها بنص آخر بهذا النص “وإذا ثبت تمارضه جوزي تأديبيا”. وفيما يتعلق بالمادة 157 لائحة فيجب عودة نظام نصف الوقت بالعمل يومين بأجر 50 %، لأنه يناسب السيدات الأمهات كبديل لأجازة رعاية الطفل، وذلك لعدم قدرة الكثيرات على تحمل إجازة بدون مرتب، حتى لا يحرمن من الراتب. نريد مادة علمية أو عملية تضع ضوابط ضم المدة بشكل لا يثير لبسا أو يتضمن غموضا، حتى لا يضار أحد.
وفيما يخص الأجر المكمل، لم يضع القانون مادة يتم على أساسها احتساب الأجر المكمل للمعينين بعد 1/7/2015، وهذا يخلق فارقا كبير جدا بين المعينين على نفس الدرجة مع فارق عدة شهور بسيطة. أن الأمر كان يتطلب تقنين العمل بقرارات رئيس الوزراء المستقر العمل بها في حافز تمييز الأداء للدرجات العلمية، وضم خبرة عملية لها، ووضع كافة الضوابط التي تضمن ضم المدة في الأحوال التي يتوفر بها شروط الضم. مع توفير كافة الضمانات لحماية تكافؤ الفرص لكل من كانوا معينين على قانون 47، حتى لا ينال أحدهم ميزة يحرم منها الآخر بسبب تطبيق قانون الخدمة المدنية.
الخلاصة :-
كثُرَ فى الآوانةِ الأخيرة الحديث عن انتشار الفساد والإهمال وسوء تقديم الخدمة العامة فى الإدارات الحكومية, كما تواجه الإدارة الحكومية فى مصر حالياً مجموعة من التحديات الكبيرة، والعديد من المتغيرات السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية على الصعيدين الداخلى، والخارجى ذات تأثير واضح على مناخ وبيئة العمل الإدارية.
لذا يُعَدُ إصلاح الإدارة الحكومية فى مصر من أكثر القضايا التى تشهد اهتماماً متواصلاً خلال السنوات الماضية سواء كان ذلك على مستوى الحكومات المتعاقبه التى جعلت هذا الإصلاح ضمن مهامها الأساسية، أو على مستوى الجهات الأكاديمية والبحثية.
وقد ركزت مجهودات الإصلاح فى السنوات الأخيرة على نظام شغل الوظائف العامة انطلاقا من أن نجاح مجهودات إصلاح الإدارة الحكومية فى مصر يرتبط بمدى القدرة على وضع أسس صحيحة وموضوعية لنظام شغل الوظائف العامة، وتطوير مُنَاخ العمل الحكومى بما يساعد على تحسين مستوى أداء الجهاز الإدارى للدولة؛ ومن هنا تهتم الحكومة بتطوير هذا النظام وإحداث بعض التعديلات فى النظم الفرعية لنظام إدارة الوظيفه العامة ومن ثم تم إعداد مشروع لقانون جديد.
ويُعد إعداد مشروع قانون الوظائف المدنية الجديد محاولة لتقديم عدد من الحلول التى تساهم فى إصلاح الإدارة الحكومية, وتغيير الصورة النمطية عن موظفى الدولة, وإعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والموظف العام .
أثار المشروع المطروح لقانون العاملين المدنيين بالدولة بدلاً من القانون الحالى رقم (47) لسنة 1978 وما جاء به من مقترحات و اتجاهات جديدة لتطوير نظام شغل الوظائف العامة جدلاً كبيراً واهتماماً من المؤلفين والكتاب والرأى العام, وبالأخص فيما يتعلق بإدخال نظام التعاقد والتعيين على وظيفه محدده ولمده معينه بدلاً من النظام الحالى الذى يعتمد على التعيين على سلم وظيفى يعين فيه الموظف على إحدى الوظائف فى بداية السلم الوظيفى ويترقى لأعلى الدرجات داخل هذا السلم الوظيفى حتى بلوغه سن المعاش. فهناكَ رأى يؤيد شغل الوظائف العامة عن طريق نظام التعاقد وفق المعمول به فى النظام الأمريكى. وهناك رأى آخر يتخوف من الأخذ بالنظام الأمريكى فى مصر، ويؤيد شغل الوظائف العامة بصفة دائمة كما هو مطبق حالياً فى مصر، والمعمول به أيضاً فى النظام الأوروبي.
“قانون الخدمة المدنية الجديد يضم عددا من النصوص الجديدة التي لم تكن مدرجة في القانون رقم 47 لسنة 1978 وأهمها حظر تلقي الهدايا من الجهات العامة أو الخاصة ولأول مرة يتم اعتماد الترقية بالاختيار لإعطاء فرصة لترقي الشباب من أصحاب الكفاءات الخاصة والمبدعين وسواء تمت الترقية بالأقدميات أو بالاختيار سوف يستحق الموظف عنها علاوة ترقية خاصة ولأول مرة يتم تحديد مدة واحدة فقط لوظيفة وكيل الوزارة الدائم لا تزيد علي 3 سنوات.
أن قانون الخدمة المدنية الجديد ينقصه كثير من النصوص منها مواجهة البطالة المقنعة حيث يوجد في مصر عدد موظفين أكثر من الموظفين بالولايات المتحدة الأمريكية التي يصل تعداد سكانها 300 مليون نسمة. كما أن القانون الجديد فتح باب الترقية بالاختيار ولابد من أن تكون هناك ضوابط لذلك حتى لا يتحول القانون الجديد إلي باب رسمي للواسطة دون التقييد بالأقدمية.
أن تعديلات قانون الخدمة المدنية الجديد لم تعالج مشاكل وعيوب القانون رقم “5” لسنة 1991 والقانون 47 لسنة 78 للعاملين بالدولة فنجد في مصر 6 ملايين موظف يعانون من الغلاء وضعف الأجور بالإضافة إلي آلاف العاملين الذين يمثلون بطالة مقنعة بكل وزارة ويلجأ العديد منهم للرشاوى وقبول الهدايا كنوع من تعويض نقص المرتبات والعقاب التأديبي غير كاف في هذه المخالفات ولابد من إعطاء رؤساء القطاعات سلطة أكبر لتوقيع الجزاءات علي الموظف الذي يتلقى هدايا ورشاوى تحت مسمي أعياد ومناسبات.
وهناك جوانب جيدة في القانون الجديد منها نقل مسئولية الخدمات العامة من الحكومة إلي المحليات سعيا إلي سرعة اتخاذ القرارات وإحكام الرقابة مع تحديد العلاقات بشكل واضح بين الوزارات والمحليات ولابد من واجهة البطالة المقنعة. وبالنسبة للترقية بالاختيار فهي بها جانب إيجابي حيث يستطيع الشباب الموهوب الترقي دون الالتزام بالأقدمية ولكن هناك جانب سلبي هو المحسوبية والواسطة.
لابد أن يتضمن قانون الخدمة المدنية الجديد توجيه العمالة الزائدة والمقنعة إلي المشروعات العملاقة في قناة السويس ورفح والمدن الجديدة ولا يمكن الموافقة علي وجود أكثر من 5 ملايين موظف نصفهم لا يعمل ويعتبر بطالة مقنعة تضر الدولة. لان أهم ما يميز القانون الجديد أن يكون شغل الوظائف علي أساس الكفاءة بمسابقة مركزية يعلنها وينفذها الجهاز المركزي للمحاسبات بالإضافة إلي رفع العلاوات الدورية حتي يتناسب مع معدل التضخم. وللأسف القانون الحالي رقم 47 لسنة 1978 مازال يطبق ولمدة 36 عاما رغم وجود الكثير من العيوب به ومن النصوص المهمة في القانون الجديد حظر تلقي الهدايا الرمزية أو الهدايا التي تقدم من الأجانب والزائرين علي أن يتم تسليمها إلي جهة العمل وتسجيل ذلك في سجلات رسمية بجهة العمل مما يمنع تربح الموظف العام من تلقي الهدايا والرشاوى بدون وجه حق.
ان قانون الخدمة المدنية الجديد يحاول محاصرة الفساد بمنع قبول أي هدايا تهدي للموظف العام وحتي الهدايا الرمزية التي يتم قبولها لابد من تسليمها إلي جهة العمل بموجب سجل رسمي في حين لم يتم إدراج هذا النص في القانون القديم رقم 5 لسنة 1991 أن قانون الخدمة المدنية الجديد به نص مهم هو تحديد مدة لشغل الوظائف بالدرجة الممتازة وهي وظائف تتيح لشاغليها وضع السياسات واتخاذ القرارات ولكن 3 سنوات قد تكون غير كافية فيتم التجديد لمرة واحدة فقط ولكن للكفاءات النادرة التي ساهمت في تطوير عمل الوزارة أو قدمت أفكارا متميزة وجديدة لتسهيل العمل في الإدارات المختلفة.
1) أن الخدمة المدنية تحتاج إلى هيئة إدارية ذات خبرة وممارسة عميقتين لخطورة المسئوليات التي تقوم بها، ولذا يجب أن يعتمد على أعضاء الخدمة ذاتها، ودون إغفال أهمية تغذية الخدمة من آن لآخر ببعض “الدماء” الجديدة.
2) إن الخدمة المدنية والتي تضم منفذي السياسة العامة تحتاج إلى هيئة مهنية بعيدة عن الخوف من ضغوط رجل الحكم وجماعات الضغط على السواء، وتكون واثقة من حقها في إبداء الرأي وخدمة المواطنين جميعاً بموضوعية، لذا يجب تأمين العاملين فيها وإشعارهم بالطمأنينة.
ويضع هذا طابعاً مميزاً للعمل في الخدمة المدنية ،إذ يخضع العمل لمجموعة من القوانين العامة التي عادة ما تؤكد بعض القواعد الهامة مثل: ضمانات الموظفين، أسلوب التعيين والترقية والنقل وحقوق المعاشات والضمانات الاجتماعية والتزامات الموظف العام… الخ. وعادة يتم تقنين هذه القواعد وتطبيق أحكامها على جميع العاملين في كافة منظمات الجهاز الإداري.
وتنظم هذه العملية تحت إشراف مجلس أو هيئة للخدمة المدنية وتكون بمثابة “إدارة الأفراد” المركزية للجهاز الإداري.
وترتبط شئون الخدمة المدنية كذلك ارتباطاً وثيقاً بالميزانية العامة للدولة، فتكوين الوظائف العامة هو عنصر هام من عناصر الميزانية التي تمثل قيداً على تنظيم الخدمة المدنية. أن الخدمة المدنية ترتبط بالسياسة العامة بصورة أو بأخرى، ففي بعض النظم يكون من الضروري حياد “الموظف” في النواحي السياسية، بينما في نظم أخرى يكون العكس هو المطلوب، أي الالتزام السياسي للموظف العام.
· ففي النظم الحزبية يكون من غير المسموح به أن يظهر الموظف العام أي ميول أو “تحزب” في أعماله الرسمية وتقوم الافتراضات في هذا النظام على أساس إمكان حيادية الموظف على الأقل رسمياً . · بينما في النظم السياسية المواجهة يكون اقتناع الموظف العام بالسياسة الحاكمة وبأهدافها وتعاطفه معها شرطاً ضرورياً لتبوء الوظائف العامة خصوصاً في المراكز القيادية ومراكز الاحتكاك بالجماهير. · وفي الدول التي لا تأخذ بنظام الأحزاب وتقودها جماعات “وطنية” لها أهداف محددة في التنمية تصبح عملية “الولاء السياسي” عملية لازمة حتى تضمن القيادة العليا (الثورية) تمشي الإدارة العليا مع أهدافها “الوطنية” الهادفة إلى إحداث تغييرات جذرية في النظام القائم وبالتالي لا تعد الكفاءة وحدها كافية، إذ لا بد أن يكون معها جنباً إلى جنب اقتناع كافٍ بالتغييرات التي تهدف إليها القيادة العليا الجديدة.
و لكننا نجد أن الكفاءة تحقق ميزتين للعمل الإداري لا يمكن بأي حالا من الاحوال تجاهلهما وهما: أ#. النظرة الخبيرة للعمل الإداري. ب#. النظرة الموضوعية المحايدة للعمل الإداري. فقد تغيرت النظرة إلى الموظف العام و بطبيعة علاقة بالمنظمات العامة ولم يعد ينظر إليها باعتبارها علاقة تعاقدية فأصبح الموظف العام يخضع لأحكام الوظيفة العامة بما تتضمنه من حقوق وما تفرض من واجبات مستمدة مباشرة من القوانين واللوائح المنظمة لها أي إن الموظف العام أصبحت تحكمه علاقة تنظيمه، بمعني آخر أصبح الموظف العام في مركز تنظيمي تترتب علية نتائج:
1. يتم التعيين في الوظيفة وتترتب علية آثاره القانونية بمجرد صدور القرار به وليس برضاء الموظف أو قبوله التعيين، على أن يبقى ثابتاً أن رضاء الموظف وان لم يكن شرطاً في ترتيب أحكام الوظيفة العامة، إلا انه يلزم بتنفيذ قرار التعيين وهذا يعني أن الموظف لا يجبر على قبول الوظيفة العامة إذا كان قرار التعيين يرتب بعض الآثار القانونية من تاريخ صدوره مثل الأقدمية وحساب المدد اللازمة للترقية، فأنة لا ينتج بعض الآثار الأخرى كاستحقاق المرتب أو الأجر إلا من تاريخ استلام العمل. ومن ناحية أخرى فان سلطة الموظف العام بالتنظيم الحكومي لا تنقطع بمجرد تقديم الاستقالة، إنما يلزم لزوال هذه السلطة أن يصدر الأمر بقبوله الاستقالة.
2. حيث أن الوظيفة العامة تنشى و تنظم بمقتضى القوانين و اللوائح الخاصة بها, فان التعيين في وظيفة عامة لا يكسب صاحبها حقاً شخصياً على هذه الوظيفة, بل يضفي علية المركز القانوني الخاص بالوظيفة, و هذا المركز يمكن تعديله إذا كان هذا التعديل يحقق المصلحة العامة, و لا يصلح للموظف أن يطلب معاملته على أساس القواعد التي عين في ظلها و التي تم تعديلها, و أن كان هذا التعديل لا يسقط حق الموظف في الدرجة أو المرتب الذي يكون قد حصل علية فبل التعديل.
3. في حاله بقاء المركز التنظيمي للوظيفة قائماً دون تعديل, فأنة يفرض على الموظف و على الإدارة العليا في ذلك التنظيم, و لا تملك السلطة الإدارية مخالفته بإجراءات فردية, كما لا يملك الموظف التنازل عن حقوقه المقررة في هذا المركز أو التصالح في شانها.
إن ظاهرة استغلال الوظيفة ظاهرة عامة لا تقتصر على بلد أو مجتمع معين دون آخر، ولا على مرحلة زمنية دون غيرها، وهي ظاهرة ترتبط بوجود المجتمع الإنساني، وتتغير بحسب النظرة إلى هذه الظاهرة وفق المفاهيم التي تسود مجتمعاً معيناً في مرحلة تاريخية معينة
شروط استبعاد الموظف:
ولاستبعاد المواطن من الوظيفة أو استبعاد الموظف من وظيفته يجب أن تتوفر ثلاثة شروط: 1) أن يكون محكوما علية ، أي صدر حكم نهائي بات اكتسب الدرجة القطعية بإدانته. وعلى هذا لا يجوز قانوناً أن يكون مجرد الاتهام أو الإخبار سبباً في منع تولي الوظيفة العامة أو من الاستمرار فيها، لان المتهم بريء.
2) أن تكون الجريمة التي أدين عليها جنحة أو جناية. وعلى هذا تستبعد المخالفات سواء كانت إدارية أو جزائية من إطار منع تولي الوظيفة العامة أو الاستمرار فيها.
3) أن تكون الجريمة مخلة بالشرف. وهي تلك الجرائم التي نص القانون حصراً على اعتبارها جرائم مخلة بالشرف. فالقانون هو القانون ولا يجوز تعديل أحكامه أو إضافة شروط إليه إلا من خلال الجهة المختصة بذلك وهي السلطة التشريعية.
الفساد الإداري وقانون الوظيفة العامة المقترح
كثُرَ في الآونة الأخيرة الحديث عن انتشار الفساد والإهمال وسوء تقديم الخدمة العامة في الإدارات الحكومية, كما تواجه الإدارة الحكومية في مصر حالياً مجموعة من التحديات الكبيرة، والعديد من المتغيرات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية على الصعيدين الداخلي، والخارجي ذات تأثير واضح على مناخ وبيئة العمل الإدارية.
لذا يُعَدُ إصلاح الإدارة الحكومية في مصر من أكثر القضايا التي تشهد اهتماماً متواصلاً خلال السنوات الماضية سواء كان ذلك على مستوى الحكومات المتعاقبة التي جعلت هذا الإصلاح ضمن مهامها الأساسية، أو على مستوى الجهات الأكاديمية والبحثية.
وقد ركزت مجهودات الإصلاح في السنوات الأخيرة على نظام شغل الوظائف العامة انطلاقا من أن نجاح مجهودات إصلاح الإدارة الحكومية في مصر يرتبط بمدى القدرة على وضع أسس صحيحة وموضوعية لنظام شغل الوظائف العامة، وتطوير مُنَاخ العمل الحكومي بما يساعد على تحسين مستوى أداء الجهاز الإداري للدولة؛ ومن هنا تهتم الحكومة بتطوير هذا النظام وإحداث بعض التعديلات في النظم الفرعية لنظام إدارة الوظيفة العامة ومن ثم تم إعداد مشروع لقانون جديد. ويُعد إعداد مشروع قانون الوظائف المدنية الجديد محاولة لتقديم عدد من الحلول التي تساعد, في إصلاح الإدارة الحكومية, وتغيير الصورة النمطية عن موظفي الدولة, وإعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والموظف العام. وتنص التعديلات الجديدة علي اعتماد أسلوب التعيين أصلا عاما في تولي الوظائف العامة, وإعادة تنظيم أسلوب التعاقد كوسيلة لشغل الوظائف التي تتطلب طبيعتها ذلك, من مشروعات, وبرامج, ووظائف تتطلب خبرات وتخصصات عالية,
عندما تغيب المبادئ والقيم الأخلاقية، يصبح المحظور مباحًا، وتصبح العلاقات الإنسانية تحكمها مبادئ المصلحة وسلطة القوي التي خدمت الكثيرين في مواجهة مواقفهم الحياتية، إلا أنها في المقابل شكلت عاملاً مهددًا لسلامة المجتمع وتطوره، خاصة أنها خلفت واحدة من الظواهر السيئة التي تَغلغلت في مجتمعاتنا الإسلامية، وأصبحت أمرًا ضروريًّا، ومتوقعًا حدوثه في أي لحظة يكون فيها الفرد له الرغبة في الوصول على حساب الآخرين، وهي ظاهرة استخدام النفوذ في تحقيق المأرب، أو ما يعرف بالمحسوبية أو الواسطة التي باتت تشكل حاجزًا يصعُب فيه التمييز بين الكفاءة وإسهامات المرء الفعلية، وبين التي هي نتاج حسابات المعرفية، وحتى وإن كانت تمثل الفساد بعينه إن صح التعبير، إلا أنها في نظر البعض المنقذ والمسلك الوحيد في تحقيق المراد، بل أضحت مصدر تفاخر يتباهى فيه صاحبه بقوة جاهه ومعارفه، ولتوضيح خطورة هذه الظاهرة غير الصحية، كانت لنا نظرة حول الموضوع من زواياه المختلفة كما ارتأينا جس نبض الرأي العام حول ما إن كانت الوساطة السبيل الذي لا بد منه في عصر كثُرت فيه معاني التمييز والتفرقة بين الغني والفقير وبين القوي والضعيف.
والمصلحة العامة هي المصلحة المشتركة بين كل فئات الشعب، وهي المصلحة المناقضة لكل ما هو خاص، ذلك أن الناس تختلف مصالحهم الخاصة وتتناقض وتتباين، ويحكمها قانون عبر عنه الشاعر العربي بقوله: “فوائد قوم عند قوم مصائب”، وهو قانون يجعل المصالح الخاصة ينقض بعضها بعضًا، ولا سبيل للتوفيق بينها إلا عن طريق مصالح عامة تحتوي اختلافها وتناقضها، وبتحقيق المصلحة العامة تزول أو تعدل المصالح الخاصة، وبدون ذلك يستحيل تحقق المصلحة العامة، والمصلحة العامة تتعرض للتدمير بأشكال مختلفة، ويكون سبب ذلك محاولة البعض تغليب المصالح الخاصة أو الشخصية على الصالح العام.
ومن أساليب تدمير المصلحة العامة ما يعرف بالمحسوبية، وهي عبارة عن تمكين من لا يستحق من مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، ومعلوم أن الصالح العام له دواليبه التي لا يمكن أن تتعطل، إلا أن المحسوبية تعرقل هذه الدواليب عندما تمكن من لا يستحق من التسلل إليها؛ ليعمل عكس سير هذه الدواليب المحركة لعجلة الصالح العام الضخمة، فكم من قطاع في البلد يعرف التأخر أو التعطيل، أو حتى الشلل التام، ويكون سبب ذلك وجود (مسئول) آلَ إليه الأمر عن طريق المحسوبية وهو غير مؤهل لتحمل المسؤولية، وإنما وصل إليها بطريق غير مشروع؛ إما برشوة مادية، أو بجاهٍ، سواء كان جاه قرابة، أو جاه حزب أو طائفة …، أو حتى بعرض مباح أحيانًا.
و(المسئول) الواصل إلى المسؤولية التي تفوق كفاءته وقدرته عن طريق المحسوبية، دائم التبجح بالكفاءة والأهلية؛ لأنه يقر في قراره نفسه أنه حصل على مسؤولية ليس أهلاً لها، وهو يعلم علم اليقين أن الرأي العام يستنكر حصوله على هذه المسؤولية، تمامًا كما أنه هو نفسه غير مقتنع بأهليته لتبوء هذه المسؤولية، ومع ذلك يعطل ضميره، ويحاول جهده وباستمرار إقناع الرأي العام بأنه في مكانه المستحق بطرق شتَّى أشهرها إلى درجة الابتذال وسائل الإشهار المختلفة؛ حيث يعتمد على شِرذمة من الوصوليين والانتهازيين من أصحاب المصالح الخاصة أمثاله؛ ليقوموا بدور الدعاية الرخيصة له، وتمجيده كذبًا وزورًا، وهم الذين سماهم المصلح عبد الرحمن الكواكبي – رحمه الله – المتمجدين الذين يصنعون الاستبداد. وهؤلاء الوصوليون والانتهازيون يحولون الفشل الواضح الفاضح لمسئول والمحسوبية بنفاقهم إلى منجزات؛ فالمسئول الذي يصل إلى مركز القرار في بعض القطاعات والإدارات عن طريق المحسوبية، لا يقرأ النسب المئوية الخاصة بالفشل والتعثرات، ويكتفي بقراءة نسب النجاح الضئيلة قراءة نفخ وتضخيم، ولا تنطلي حِيَل قراءته المغرضة إلا على السُّذَّج والعوام، وهذا (المسئول) المزور لا تربطه بمن يحيط به من الوصوليين والانتهازيين سوى علاقة المصلحة الشخصية الضيقة الزائلة بزوال درجة نفعها، وهو في أعماقه يحتقرهم ويزدريهم، كما أنهم يشاركونه الاحتقار والازدراء؛ بحيث إذا ما خلوا إلى بعضهم البعض كما تختلي الشياطين إلى بعضها، ذكروه بكل سوء، وذموه شرَّ ذمٍّ.
وكما يبطن (مسئول) الباطل الاحتقار لمن يحيط به من الوصوليين والانتهازيين، ويظهر لهم التقدير الكاذب، فإنه كذلك يبطن الحقد الأسود لمن يجاهر بانتقاده جهارًا، ويظهر له الاحترام الزائف؛ لأنه يهدده في مصلحته الخاصة، ومع ذلك لا يسعه إلا أن يعترف بأن هذا المنتقد الصريح أصدق من عشرات الوصوليين والانتهازيين المنافقين الكاذبين.
إن منتقد (مسئول) الباطل المزيف الصريح هو ضمير الأمة، وهو صوت الصالح العام الذي يحرص على مصالح الأمة بما فيها مصلحة (المسئول) المزيف نفسه، لو أقر هذا الأخير بالحقيقة، واعترف بها عوض التمويه عليها، واعتبار المنتقد الصريح مجرد حاسد.
ومن المخزي بالنسبة لبعض من صاروا مسئولين في بعض القطاعات عن طريق المحسوبية، أن الرأي العام يعرف جيدًا كيف صاروا مسئولين، وفيهم من يسخر الناس من مقايضته المسؤولية حتى بعرضه وشرفه، ومع ذلك يقبل تجرع مرارة الهوان والذل من أجل الاحتفاظ بمنصب المهانة اليومية واللعنة الأبدية.
فإذا كان أحرار الناس وشرفاؤهم يبذلون الأنفس والأرواح ثمنًا مقابلاً للكرامة، فإن أراذل الناس يدفعون كرامتهم ثمنًا لمناصب تافهة، وكل همهم أن يقول عنهم الرعاع والسوقة: إنهم صاروا مسئولين؛ لأن الرعاع والسوقة لا يبالون بثمن المسؤولية الباهظ الذي يدفعه طلابها من أعراضهم ومياه وجوههم، ومشكلة مسئولي المحسوبية أن أداءهم ضعيف، ومثير للسخرية إن لم نقل للشفقة، وهو أداء عبارة عن لعنة تلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا، والمؤسف حقًّا أن يسخر منهم الساخرون بالتلميح والتصريح أحيانًا، وهم يعلمون، ولكنهم هانوا فسهُل عليهم الهوان.
إذا كان ثمة مشكلة فعلية تضعف الحس الفردي والاجتماعي بأهمية “المواطنة الحقة”، وربما ستؤدي إلى تعطيلها نوعًا ما، فهي المحسوبية، فهي مظلة عامة تنضوي تحتها ظواهر محاباة سلبية مختلفة على سبيل المثال، حين تتم مكافأة أحدهم بالترقية والمنصب ليس بناءً على امتلاكه الكفاءة أو الخبرة أو المؤهلات العلمية، ولكن بشكل رئيس بسبب انتمائه العرقي أو الطائفي، أو الطبقي أو السياسي أو الفكري، ولا أعتقد أنني أُبالغ في هذا السياق إذا جادلت بأن استمرار وجود أي مظهر من مظاهر المحسوبية في المجتمع يدل على عدم تكرُّس مبدأ “تكافؤ الفرص”، وربما يشير إلى التناقض الواضح بين ما يتم إطلاقه من شعارات اجتماعية رنانة، وبين ما تتم ممارسته على أرض الواقع!
على سبيل المثال، يتوقع المواطن الصالح دائمًا أن إخلاصه في عمله والتزامه بمسؤولياته وواجباته الوطنية، سيحققان له حياة إنسانية متكاملة نوعًا ما في مجتمع يستند إلى تكافؤ الفرص؛ أي: إن ما ترتكز عليه المواطنة الحقة هو الارتباط المنطقي والفعلي بين الجهود الشخصية الإيجابية في الالتزام بواجبات المواطنة والدعوة إلى تطبيقها في الحياة اليومية، وبين ما يمكن للفرد الحر والمستقل – خصوصًا الذي لا ينتمي إلى تيار سياسي أو فكري معين – تحقيقه من نجاحات شخصية مشروعة، ولكن حين يصل أحد المواطنين الصالحين إلى شبه قناعة بأن مثاليته الأخلاقية والوطنية التزامه بمتطلبات المواطنة الحقة، وحرصه على تكريس الثوابت الوطنية في بيئته الوطنية، لم تؤد على ما يبدو إلى ربْط آماله وتطلعاته المشروعة بالنجاحات والرقي الاجتماعي، فكيف يستطيع المواطن الحق الاستمرار في إيجابيته وتفاؤله ودعوته مواطنيه الآخرين إلى ممارسة المواطنة الهادفة، وهو يرى ويشاهد ما يحصل على أرض الواقع؟
إن المحسوبية تضعف وتنهك وتحبط المواطنة الحقة؛ لأنها تشوه منطلقاتها الرئيسية ومبادئها ونتائجها الإيجابية، وربما ستؤدي إلى التقليل من أهميتها في قلوب وعقول بعض الناس، فكل مواطن ملتزم بمبادئ مواطنته الهادفة له الحق في ربط آماله وتطلعاته المشروعة في النجاح الشخصي؛ بناءً على كفاءته وخبرته، ومدى التزامه بواجبات وبمسؤوليات المواطنة الحقة والإيجابية.
فإذا لم يستطع هذا المواطن الحر والمستقل الذي يقود حياته اليومية حسُّه الوطني المتجرد من المصالح الشخصية – الشعور بأن جهوده وإخلاصه وإيفاءه بمسؤولياته الوطنية، أوصلته فعلاً للنجاح الذي يستحقه كفرد مخلص، فماذا عليه أن يفعل؟
تحدث الباحثون والمنظرون حول الواسطة والمحسوبية، وقد اختلفت الآراء وتباينت، وتضاربت وجهات النظر عن هذه الظاهرة، أو الداء كما قد يطلق عليها بعض الباحثين، ويمكن تعريف الواسطة أو المحسوبية بأنها هي: (طلب العون والمساعدة في إنجاز شيء يقوم به إنسان ذو نفوذ لدى من بيده قرار العون والمساعدة على تحقيق المطلوب لإنسان لا يستطيع أن يحقق مطلوبة بجهوده الذاتية). لقد اكتسبت الواسطة سمعة سيئة بسبب سوء استخدامها، وسمعتها السيئة أتت من مفهوم قد يكون مبالغًا فيه، وهو أن من يسعون لطلب العون من الآخرين على تحقيق هدف أو أداء خدمة، هم على سبيل الإطلاق لا يستحقون العون والمساعدة، وأنهم يحصلون على شيء غيرهم أحق به منهم، فإذا كانت الحالة هكذا، فلا شك تصبح الواسطة عملاً سيئًا، وعلى المجتمع الواعي أن يرفضه ويحاربه، ولا شك أيضًا أن من يسعى للحصول على كسب أو منصبٍ، أو ميزات معينة لإنسان لا يستحقها إنما يقترف ذنبًا؛ لأنه بهذا يحرم منها من هو أحق بها.
إن مفهوم المحسوبية والوساطة ليس جديدًا، بل كان منذ قديم الزمان، وحتى إنه ورد في القرآن الكريم، لكنه كان بمفهوم الشفاعة الحسنة، إلا أنه حاليًّا لا يتسم بالمفهوم الشرعي، بل وأصبح قانونًا يتبعه أصحاب النفوذ والمناصب العليا لتحقيق مصالحهم الخاصة.
والوساطة أو الشفاعة مطلوبة في بعض الأحيان، ولكن لكثرة استخدامها واللجوء إليها، والإفراط باستعمالها أكسبها سمعة سيئة، بل وجعل الناس يركنون إليها في كل أمر دون النظر إلى الأنظمة والتعليمات والمتطلبات التي من خلالها يمكنهم إنجاز ما يرغبون في إنجازه من معاملات ومصالح، بل تعدَّى ذلك إلى الحصول على أمور غيرهم أحق بها؛ مما جعل من الواسطة ظاهرة مرضية مخيفة في كثيرٍ من الأحيان، ومن هذا المنطلق يسعى الشرفاء والمجتمع الواعي إلى محاربة تلك الظاهرة ووأدها في مهدها بكل ما أُوتِي من قوة، وفي الوقت نفسه يسعى إلى إحياء الواسطة التي تسهم في وصول المحتاج إلى هدفه المشروع الذي لا يمتلك السبل الموصلة إليه، فهنا تصبح الواسطة واجبة وعملاً فاضلاً يندب إليه الشافع، بل ويثاب.
إذا كانت المحسوبية والوساطة تعني محاباة شخص أو جهة ما على شخص أو جهة أخرى في تقديم فائدة معينة – كان من الأولى أن تذهب إلى من هو أحق بها من الباقين، فما أثرهما في الفساد الإداري والاجتماعي؟ وما هي أخطارها النفسية والاجتماعية على المجتمع؟ وكذا ما الفرق بينها وبين الشفاعة الحسنى؟ وما هي أهم مظاهرها ووسائلها؟
وبعد المفاهيم وتبيان الفروق، تطرقنا في الفصل الثالث إلى آثار المحسوبية والوساطة في الفساد الإداري والاجتماعي، وذلك من خلال البدء أولاً بمفهوم الفساد وأسباب تفشيه، ثم انتقلنا إلى تبيان أشكاله ومظاهره، والظروف الملائمة لانتشاره، ثم الآثار المترتبة عليه، وبعدها تعمَّقنا في تعريف الفساد الإداري ومراحل تطوره وأنواعه، وما هي مظاهره وأسباب تفشيه من ناحية، وتعريف الفساد الاجتماعي وأنواعه ومظاهره وأسباب تفشيه في المجتمع من ناحية أخرى؟وسرد آثارهما كل على حِدَة، ثم تعمقنا قليلاً في تبيان خطورة الوساطة والمحسوبية النفسية والاجتماعية وآثارها القريبة والبعيدة.
وذلك في إطار من الشفافية والعلانية, بما يكفل تكافؤ الفرص.ويتضمن المشروع في تع, لاته الأخيرة مزايا غير مسبوقة للموظفين, منها ربط الأجور بالأداء, وجعل التقويم الجاد أساسا للتدرج الوظيفي, بالإضافة إلي مرونة نظم الإجازات, والخروج للتقاعد, لتحقيق الرضاء المالي والنفسي للموظف بما ينعكس علي جودة تقديم الخدمات.
إن مشروع القانون ( الخدمة المدنية ), الذي يركز علي القواعد الحاكمة للوظيفة العامة, وتعزيز اللامركزية, ووضع أسس وقواعد الالتزام والمحاسبة وآليات النزاهة والشفافية أن التعديلات تحظر الجمع بين الوظيفة العامة, وأي عمل آخر يؤديه الموظف بالذات, أو الوساطة, إذا كان هذا الجمع يضر بالوظيفة.
أن المشروع ينص علي عدم جواز توقيع الجزاء، الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابة, وسماع أقواله, وأن يكون قرار توقيع الجزاء مسببا.وتضمن المشروع اختصار الجزاءات التي يجوز توقيعها علي الموظف إلي سبع عقوبات من أحدي عشرة عقوبة هي: الإنذار, والخصم من الأجر لمدة أو مدد لا تجاوز ستين يوما في السنة, والحرمان من العلاوة الدورية, وتأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد علي سنتين, والإحالة إلي المعاش, أو إنهاء العقد والفصل من الخدمة, علي أن يصدر رئيس مجلس الوزراء لائحة تتضمن تحديد المخالفات والجزاء المقرر لكل منها عند ارتكابها أول مرة, وعند تكرار ارتكابها وتكون هذه اللائحة ملزمة لجميع السلطات التأديبية.كما اشتملت التعديلات علي الاكتفاء بقواعد المساءلة التأديبية,وقصر إنزال عقوبة الفصل علي المحاكم التأديبية بدلا من اللجان, أو المجالس القضائية أسوة بالنظم القائمة في شأن الكوادر الخاصة.فقبل التعرض للقانون الوظيفة العامة يجب إن نستعرض الفساد الإداري المصري ودور القانون في محاربته
مفهوم الفساد الإداري وتداعياته
تعتبر ظاهرة الفساد بصورة عامة . والفساد الإداري بصورة خاصة ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ، توجد في كافة المجتمعات النامية منها والمتقدمة بدرجات متفاوتة ، ذلك أن الفساد قد أضحى ظاهرة لا يكاد يخلو منها مجتمع . وظاهرة الفساد بالإضافة إلى كونها ظاهرة عابرة للحدود، فهي ظاهرة ذات جذور عميقة وتأخذ أبعاداً واسعة تتداخل معها وترتبط بها عدة مفاهيم وعوامل يصعب التمييز بينها، وتختلف كذلك درجة توافرها وشموليتها من مجتمع إلى آخر.
أسباب الفساد الإداري :
تتعدد وتتنوع أسباب انتشار ظاهرة الفساد على المستويين الوطني والدولي ، ذلك أن التقصير في تطبيق القوانين والتعليمات من خلال أجهزة الدولة المختلفة وعدم فاعلية الرقابة الداخلية ، والتساهل والتغاضي عن أخطاء الموظفين العموميين وتعدد الإجراءات الحكومية واحتياجها إلى فترة زمنية طويلة لأدائها ، والشعور بعدم الانتماء للمجتمع ، جميعها مسببات لانتشار الفساد في المجتمعات الداخلية .
إلا أنه وباعتبار أن الفساد يعتبر ظاهرة ممتدة ، فإنه قد ظهرت مجموعة من الأسباب التي ساهمت في امتداد وانتشار هذه الظاهرة على المستوى الدولي ، ذلك أن ظهور التكتلات الاقتصادية الكبرى واتجاه الدول إلى تحقيق الأسواق المفتوحة في ظل الاتفاقيات الدولية وكذا مشاركة بعض المستثمرين برؤوس الأموال بحرية بين الدول ، كل ذلك قد ساهم في انتشار الجريمة المنظمة التي تتعدى حدود تلك الدول ، وأصبح التأثير السلبي لظهور الفساد في أي دولة يمتد أثره للدول الأخرى المتعاملة معها
إجمالاً يمكن القول أن ظاهرة الفساد ترجع في انتشارها إلى نوعين من العوامل ، الأولى منهما تتمثل في مجموعة العوامل التي تحركها القوة الاجتماعية المؤثرة من كبار المسئولين والمستثمرين ورجال الأعمال بالدولة ، والثانية هي مجموعة العوامل الخارجية والمتمثلة في الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات المالية الدولية ذات التأثير واسع النطاق على مختلف المجتمعات .
إن مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد يقوم على فلسفة جديدة مفادها أن الخدمات مقدمة للشعب وبالتالي يجب تقديمها بأعلى درجة من الكفاءة والجودة والتيسير، وهو الهدف من وجود الجهاز الإداري للدولة، ومن القانون الذي ينظمه، وأن تنظيم أوضاع العاملين المدنيين بالدولة هي وسيلة وليست غاية، فالغاية هي خدمة الشعب. إن القانون الجديد لا يراعى البعد الاجتماعي ويفتح الباب للفساد فضلاً عن مخالفته الدستور وامتلائه بالشبهات الدستورية.
أن القانون جاء “متأثراً بفكر قانون العمل المنظم للعاملين في المؤسسات غير الحكومية والقطاع الخاص واعتمد على نظام التعاقد الذي يتيح لجهة الإدارة الاستغناء عن الموظف وقتما تشاء”. والواقع لأنها تجبر الموظف على استنفاذ رصيده من الإجازات السابقة مما يعد إهداراً لحقه الذي لا يجوز المساس به كما تخالف هذه المادة الواقع لأنها تلزم الموظف بتقديم طلب لاستنفاد هذا الرصيد من إجازاته كما تلزم جهة الإدارة بالاستجابة لطلبه، ومن ثم فإن الموظفين لو طلبوا جميعاً استنفاد رصيد إجازاتهم في وقت واحد فذلك معناه إغلاق المصلحة أو الهيئة الحكومية”.
أن المادة الخامسة من مشروع القانون الجديد تمنع الموظف من الاستفادة من رصيد إجازاته في حالة المرض، وأضافت “وفى حال مرض الموظف لفترة طويلة، فإنه لن يتمكن من ضم رصيد الإجازة إلى إجازته المرضية، لذلك سوف يتأثر الأجر الذي سيحصل عليه الموظف حيث يعتبر القانون القديم الإجازة المرضية لا تستمر بأجر كامل سوى ستة أشهر أما إذا زادت يتم إنقاص الأجر بقدر طول الإجازة إلا إذا استخدم الموظف رصيد إجازاته ليستمر حصوله على أجره كاملاً”.
إن هناك “شبهات لمخالفات دستورية حقيقية تحيط بمشروع القانون ومنها أن المشروع جعل اللائحة التنفيذية أساساً لسائر أحكام القانون فأصبحت لائحة تشريعية وليست تنفيذية بالمخالفة للدستور. حيث تناولت اللائحة مسائل لم يضع لها القانون مبادئ عامة وأسساً لتطبيقها ومنها ما أحيل للائحة من قواعد الاختيار لشغل الوظائف القيادية والإعداد والتأهيل اللازم لشغلها، وكذلك وإجراء وتجديد التعاقد، كما خص مشروع القانون اللائحة بتحديد كيفية وضع وتقديم واعتماد تقارير الكفاية والتظلم منها والطعن عليها وطريقة ترتيب الحاصلين على درجة “كفء” عند تساويهم في المرتبة”.
أن “مشروع القانون الجديد ألغى لجنة الخدمة المدنية التي كانت تضم خبرات قضائية كبيرة في مجالات شؤون العاملين بجانب كبار رجال الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة مما يجعل أي تعديل للائحة يأخذ مسارا مختلفا ويخضع بالكامل لسلطة التعديل، وهو الأمر الذي يعني إنفراد رئيس الوزراء بالقرار دون إدلاء أصحاب الاختصاص برأيهم، وهو الأمر الذي قد يؤدي لتأثير خطير على حسن سير الجهاز الإداري.
أثار المشروع المطروح لقانون العاملين المدنيين بالدولة بدلاً من القانون الحالي رقم (47) لسنة 1978 وما جاء به من مقترحات و اتجاهات جديدة لتطوير نظام شغل الوظائف العامة جدلاً كبيراً واهتماماً من المؤلفين والكتاب والرأي العام, وبالأخص فيما يتعلق بإدخال نظام التعاقد والتعيين على وظيفة محدده ولمده معينه بدلاً من النظام الحالي الذي يعتمد على التعيين على سلم وظيفي يعين فيه الموظف على إحدى الوظائف في بداية السلم الوظيفي ويترقى لأعلى الدرجات داخل هذا السلم الوظيفي حتى بلوغه سن المعاش.
وقد تعددت الآراء حول هذه المشكلة: فهناكَ رأى يؤيد شغل الوظائف العامة عن طريق نظام التعاقد وفق المعمول به في النظام الأمريكي. وهناك رأى آخر يتخوف من الأخذ بالنظام الأمريكي في مصر، ويؤيد شغل الوظائف العامة بصفة دائمة كما هو مطبق حالياً في مصر، والمعمول به أيضاً في النظام الأوروبي.
تعتبر عنصر الكفاءة والفاعلية والحيادية من المعايير الأساسية التي لا بد من تواجدها في موظفي الخدمة العامة لكي يقدموا خدمة مرضية، فنظم التعيين والترقية في هذه الدول كانت مبنية على الولاء للساسة وليس على الكفاءة والفاعلية، ففي بعض الوظائف يصعب الدخول فيها في أي مرحلة لأن الترقية فيها تكون بالتدرج من أول السلم الوظيفي، ويصعب في هذه الحالة دخول الوظيفة في أي مرحلة وظيفية، ولذلك يسمى هذا النظام ” بالنظام المغلق”. أما البعض الآخر من الوظائف فيمكن الدخول فيه في أي مرحلة للقيام ببعض الأعمال لكن بدون ترقية، ويسمى هذا النظام ” بالنظام المفتوح”، فكان لا بد من إدراك كل هذه الخلفيات في عمليات الإصلاح. فمثلا، يلاحظ أن نظم التعيين والترقية في هذه الدول كانت مبنية على الولاء للساسة وليس على الكفاءة والفاعلية، ففي بعض الوظائف يصعب الدخول فيها في أي مرحلة؛ لأن الترقية فيها تكون بالتدرج من أول السلم الوظيفي، ويصعب في هذه الحالة دخول الوظيفة في أي مرحلة من السلم الوظيفي، ولذلك يسمى هذا النظام ” بالنظام المغلق”. أما البعض الآخر من الوظائف فيمكن الدخول فيه في أي مرحلة للقيام ببعض الأعمال لكن بدون ترقية، ويسمى هذ النظام ” بالنظام المفتوح”، فكان لا بد من إدراك كل هذه الخلفيات أثناء مراحل الإصلاح
كاتب المقال …دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام