مقالات

العقل  … فلسفة النجاح وحماقة الفشل

 بقلم : د. إبراهيم حسن الغزاوي

 

الفارق بين النجاح والفشل لدي الإنسان  يبدو  واسعا.. …ولما لا ؟

فالنجاح جميلا ..بل مبهرا ….فالناجح في القمة…. يستمتع بالغنى بروافده المختلفة …. وأعلاها غنى المال كما يصنفه بعضنا…أو غنى الفكر، كما يحلو للبعض اليسير منا، أو ربما غنى النفس ، كما يروق لبعضنا ممن تغلبهم نزعاته الدينية، فلا يطغى نجاحهم على عرفانهم ….

كما إن للناجح له في مضمار عمله  فضل السبق..فهو مقدم على غيره…وعمله يعلي قدره ..ويستشعر النجاح بشكل أكثر استمتاعا به من غيره… فيزيده النجاح  تألقا في نفسه، لينتقل من نجاح إلى نجاح…

وليس النجاح بالضرورة يوصل لغنى المال…

وكثير من الناجحين، بل العباقرة، قد ماتوا فقراء… بل فقراء وبشدة …

لكنهم تركوا خلفهم ثروات ليس بالقدرة تقديرها .. من الفكر أو الفن أو العقل أو الحكمة أو  العلوم المختلفة…..كما يترك الناجحون عادة خلفهم ذكرا لا تنضب  روافده ، وفكرا يزيده مرور الزمان رونقا وبريقا…

والناجح  عقله في محله من بنيانه النفسي والروحاني والمادي، فنراه يعقل ما حوله ويتأثر به، يسعده ما يسعد الناس في مجتمعه ..ويحزنه ما يحزنهم …

والناجح يدرك زمانه ..ويقدر وقته، ويومه ليس مثيلا لأمسه، فالوقت لديه له قيمة…. وهو للوقت حافظ حفظ محب المال لماله…حيث يدرك الناجح أن نجاحه مرتبط بإدراكه لزمانه…

والناجح يعلم بيقينه أنه لا حدود لنجاحه..فيشعره إدراكه للنجاح بأنه  في سباق دائم مع الأفضل..فلا يقنعه ما حقق …ولكنه يسابق طموحه نحو الأفضل…

ولأن الناجح يدرك بعقله… فهو يعلم أين يضع قدميه…فلا يوقع نفسه فيما يضرها … ويحتاط من مشيه أن يكون مشينا ..ويستتر عندما يعمل ما يعلم أنه ليس مقبولا أو محمودا…. فيخشى أن يطلع عليه الآخرون… لأنه يسعى للكمال …ويؤذيه مناطق النقص في شخصه…. لأنه بعقله يعلم أيضا أنه ليس بكامل … ولكنه يستتر ربما حياءً  …

والناجح لا يضيره أن ينال منه الآخرون بالذم أو القدح  … فهدفه ماثل له بوضوح..ولا يضيع وقته في التافه من أمور  نفسه او الناس  وشئونها … لكنه  يسير في يقين غير عابئ بذلك …

والناجح يثق بنفسه…. لكنه لا يتركها وشأنها ..بل وراءها بالمراجعة والتصويب ..إن لزم الأمر… أو التطور والارتقاء… فهي يعلم أنه لا يجب أن يتوقف في مسيرته، لأن قطار النجاح لن ينتظره …

والناجح أخيرا يبهجه  أن يتبوأ مكانته العالية في نظر مجتمعه… والمحيطين به… ويرى في ذلك مدعاة له لكي يزيد من تفرده ويعلي من نجاحه وتقدمه… ولذلك فالنجاح يولد نجاحا جديدا….

أما الفشل …

فهو ليس فقط عكس النجاح في كل شيء..لكنه هدر صارخ  لأهم مميزات الإنسانية التى فطرنا الحق عليها..وهي نعمة العقل….

فالفشل ببساطة هو انهيار بنية التقدير لدى الكائن البشري… فيفقد الرؤية للجميل جميلا ..والموفق موفقا..وللناجح ناجحا… وربما يراها ..لكنه لا يتحرك بها…ولا تثير فيه ما ينبغي لمثلها  أن تثيره في مثله..من مشاعر الغيرة الحميدة، التى لم تحرك فيه ساكنا، لكنها بالقطع تدفع غيره للتقدم والاجتهاد، ليكون هذا الغير  أيضا ناجحا… وهذا  بالقطع من مكرمات النجاح…أن يحفز الآخرين لمثله أو يزيد…

والفاشل ليس له همة… فلا تراه قائما بعمل ذا جدوى….

ومن علاماته الدامغة ، أن وقته مهدور، فلا قيمة للزمان عنده، ويومه مثل غده، وكلاهما لن يفرق كثيرا عن أمسه..وكل زمانه في ميزانه المعوج سواء…

ولا تلمحه منهمكا في مسير ذا نفع،  على  مجتمعه أو حتى على نفسه…

كما إنه لا يرهق نفسه بتشغيل ملكات عقله… وكأنه استطاب من الوجود أقله قدرا….  وتخاذل عن مكرمات الخلق للإنسان… فتشبث  بخط الدواب في الحياة..ولفظ مسار  البشر  ومناطه العقل في التكليف … فلم يخجله أن يحط هو من قدر نفسه،  فيتخلى عما يعلي من قدره، ويسمو من كينونته، فيفرق  بينه وبين الدواب….

والفاشل يعييه أن ينجح غيره… ولا يرى في مشاكسة الناجحين نقصا…. او معاداة الراجحين مذمة..بل ربما ينشغل بذلك عن شئونه الأهم…. وكيف لا …فالعقل ليس فيه  بمكتمل أو بحصيف …

والفاشل كذلك لا يدرك  أنه لديه عيوب…. فيكتمل جهله بتصوره الكمال …أو باستسهاله إلقاء اللوم على الآخرين… وهو يعلم تماما أنه غير مستحق إلا لما حازه من خير يتناسب مع ما انتهى اليه عقله …وهو نذر يسير..أو ربما ليس هناك….

والفاشل غضوب …. فهو يستر فشله خلف عصبيته… ويواري سوءة حكمته المعيبة خلف تصرفاته العنيفة… لعله يوقع  نفسه في نظر الغير موقع القوى ..أو الناجح..وما هو بهذا ولا بذاك… فالعصبية انتقاص من قيمة العقل ،  وإقلال من وضعية استواء الحكمة في نصابها من العقل والقلب والوجدان….

والفاشل كذلك عالي الصوت … وصراخه ليس له في كل الأحوال مبرر…لكنه ألف الصراخ،  لأنه يميزه في عينه عن الناجح… الذي يعلم بعقله أن الصراخ ينتقص من العقل…. وأن الحكمة في الرزانة… والصوت الخفيض مدعاة لتوخي الحكيم من الأمور، وتوخي السلوك العاقل  الذي يعكس الرشد  ….

والفاشل لا يشغله تبعات تصرفاته..فهو  لا يفكر قبل أن يتصرف … فتراه فعله سابق لعقله…. وترى ندمه معتاد على تهوره… وسقطاته قد تكلفه الكثير ….

كما إن الفاشل ليس منشغلا بعطائه للناس…لكنه منشغل بما يمكنه أن يقتنصه منهم.. وليس بفار ق معه أن يكون ذلك بطريق مقبول أو غير ذلك..المهم أنه منهمك في اصطياد الغير…

ثم إنه غير عابئ بأن يرقى نفسه…. فهلا لا يرى فيها قبيحا…. وكيف يراه ومرآته في  ذلك معتمة وسوداء..وهي مرآة العقل ….

وعلى ما تقد م …فقد يتأكد البعض منا بالفعل أن الفارق بين النجاح والفشل كبيرا والمسافة بينمها شاسعة….

لكنى أرى في نهاية هذا التطواف أن المسافة بينهما ليست بهذا الاتساع الذي نتصوره.. بالعكس …..إنها نعمة واحدة …. لكنها إن  غابت رتبت الفشل..  وإن حضرت  جاءت وجاء عها النجاح….

أنها نعمة العقل الذي يفضي بنا للحكمة  …  والحق قد بان عدله في منح بني الإنسان عقلا متقاربا في الذكاء والقدرات ..لكنها الحكمة …التي تجعل من العقل  هاديا  للنجاح…ولو غابت الحكمة..لكن الفشل مصيرا …

صحيح أنها نعمة واحدة..لكنها أهم النعم قاطبة …

وصدق الله العظيم …

 يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ( البقرة 269)

اللهم ارزقنا العقل والحكمة ….

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى