القرامطة ورؤيتهم الإقتصادية
اعداد : محمد نبيل الشيمي – المركز الديمقراطي العربي
اختلف المؤرخون حول القرامطة فهناك مصادر تشير إلى أن بداية حركتهم كانت على يد عبدا لله بن ميمون القداح بجنوب فارس عام 260هـ … وكان قد اعتنق مبادىء الإسماعيلية وقام بنشر أفكاره في منطقة غرب فارس وشمال الخليج (العراق حالياً) وحمل لواء دعوته الفرج بن عتمان الذي عمل على نشر الدعوة سراً بين الناس وكان من بين الذين تحمسوا للدعوة حسن الأهوازي الذي نجح فيما بعد بضم حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط … وهو الذي يعده المؤرخون الأب المؤسس للقرامطة . يشترك القرامطة في الكثير من المبادىء والأسس التي قامت عليها الإسماعيلية فهم يتفقون معهم في نزعتهم الاشتراكية الداعية والرامية إلى إحلال العدل والمساواة بين الناس … فالحركتان بمثابة ثورة اجتماعية ضد الفقر … وضد قهر الإنسان …وضد سيطرة رأس المال … ومما هو جدير بالملاحظة أن السياق الزماني لحركة القرامطة كان معاصراً لحركة ثورية أخرى وهي ثورة الزنج (255 – 270هـ ) وهي الثورة التي سميت بحروب الارقاء في الشرق حيث ثار عدد كبير من الزنوج على نمط الحياة التي كانوا يعيشونها حيث كانوا يعملون في ظروف أقل ما توصف بأنها غير إنسانية في ظل تمايز طبقي… وتفاوت اجتماعي ومجتمع كانت سماته اضطهاد البسطاء المهمشين وهكذا تخرج الثورات كنتيجة للظلم والقهر كانت مبادىء القرامطة تقوم على / – المساواة بين الرجل والمرأة – عدم جواز تملك الأراضي وضرورة توزيعها بالمجان والعدل على من يحتاج من الناس . – محاربة العصبية والقومية . – التأكيد على مفهوم الإخاء بين كافة الناس بغض النظر عن جنسهم ودينهم . … لقد نجحت ثورة القرامطة لأنها خاطبت المستعبدين من الناس الذين تأججت في نفوسهم كل أسباب ودواعي الثورة ضد الظلم … لقد لاقت أفكار حمدان بن قرمط قبولاً غير مسبوق حتى أن الذين دخلوا في دعوة القرامطة اتفقوا برضاء تام على أن يكون كل شيء مشاع بينهم ولم يبق لأحد منهم ما يمتلكه إلا سيفه وسلاحه والواضح أن القرامطة استمدوا بعض من أفكارهم الاجتماعية من المذهب الاجتماعي لمزدك (ولد عام 487م) والذي رأى بأم عينه الظلم الواقع على البسطاء حيث احتكر الأقوياء السلطة والثروة وعاشوا حياة رغدة مقابل حياة فقيرة تعسة يعيشها الضعفاء من الفلاحين وأصحاب الحرف وقد رآى مزدك أن لاأمل لمشكلة المجتمع والقضاء على مظاهر القهر إلا إباحة الأموال وجعل الناس شركاء فيها كاشتراكهم في الماء والنار والعشب . … لقد هال البعض التراب على القرامطة … واتهموهم بالكفر والزندقة … ورأى بعض الفقهاء أنه لم يكن لهم شعائر دينية … وأنهم خرجوا على الله وهاجموا الأديان … ولكن المنصفين قالوا أن القرامطة كانوا متسامحين فلم يمنعوا أحداً من إقامة الصلاة . … نعم هناك تجاوزات غير مقبولة وتصرفات غير مسئولة … ولكن كان الظلم والاضطهاد الاجتماعي والذي تمثل في وجود فئة مستقلة تملك كل شيء وتفعل كل شيء … فئة خلقت رباطاً عضوياً بين الثروة والسلطة فاستشرى الفساد وعظم … وكانت الثورة هي الملاذ والملجأ … وهي حق لكل مغلوب … ومستعبد . ونحن لسنا بصدد نقد للقرامطة من حيث المسار العقائدى … ولكن تنحصر رؤيتنا على الفكر الاقتصادي لهم .. فما هو هذا الفكر.؟ الرؤية الاقتصادية للقرامطة :- كانت للقرامطة رؤية اقتصادية تقوم على فكرة التكافل الاجتماعي كانوا بمفهوم اليوم يملكون أسلوباً لمعالجة الكوارث التي تصيب المواطنين حيث كانت السلطة تعوض الفلاحين وأصحاب الحرف عما يصيبهم من خسائر كما كانت تقوم بإعادة بناء المنازل التي تصاب بالحريق أو الهدم بل أنهم أيضاً قياساً على آليات المساندة الحكومية الآن كان لديهم ما يشبه صناديق الدعم ينفق منه على من لا عمل له واستحدث القرامطة نظاماً ضريبياً يتم من خلاله تمويل المشاريع التي ينشئونها وكانت الدولة وكما سبق الإشارة إلى أن نظامها الاشتراكي كان بمثابة رأسمالية دولة فقد كانت تشارك مع رجال الأعمال في العديد من المشاريع الإنتاجية .. ونخلص هنا أن دولة القرامطة كان لها دوراً في القضاء على الفوارق الطبقية وإقرار العدل الاجتماعي بين المواطنين من خلال الحد من الفقر وفي هذا السياق كان من مظاهر عدالة التوزيع قيام الدولة بتوزيع اللحوم علي المواطنين بخلاف مكونات الغذاء الأخرى … أيضاً في مجالات التنمية الاقتصادية شيدت الدولة مطاحن حبوب للمواطنين بدون مقابل (يقال أن السبب في ذلك التخفيف عن النساء اللاتي كن يقمن بالطحن ) كما أنهم قاموا بشق قنوات الري للمزارعين وتوسعوا في زراعة النخيل … ويشير بعض المؤرخون أن القرامطة أدركوا أن هناك من يقوم بتهريب النقود الذهبية فاستبدلوها بنقود من الرصاص حتى يكف المهربون عن التهريب وازدهرت لديهم صناعة سك العملة . … كان القرامطة أصحاب نظرية اقتصادية نبذت الاستغلال وارتهان الإنسان … ولذا ستظل هذه النظرية علامة فارقة ومضيئة ، ومهما كان الرأي في القرامطة يبقى فكرهم الاقتصادي في حاجة إلى من يعيد قراءته .
المصادر :- – شبكة الإنترنت ـ محمد أمين جوهر باحث سوري .
– تاريخ الفلسفة العربية ـ د. حنا الفاخوري ـ د. خليل الجر ـ دار الجيل بيروت الطبعة الثانية 1982 .