ديمقراطية الكتل السياسية…العراق إلى أين يتجه ؟
بقلم: د.حسن سعد عبد الحميد – كلية العلوم السياسية \ جامعة النهرين
شهد العراق ومنذ مدة قريبة حراكاً سياسياً غير مسبوق كانت ملامحه الاولى متمثلة بالاعتصام الوطني العراقي الذي دعا اليه السيد مقتدى الصدر والذي لاقى استجابة كبيرة من لدن الشارع العراقي بمختلف اطيافه ، واثمرت جهود ذلك الاعتصام بألزام رئيس الوزراء العراقي بطرح تشكيلة وزراية جديدة من التكنوقراط على اساس الكفاءة والمهنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية ، وهو ما حصل فعلاً بقيام السيد العبادي بطرح تشكيلته الوزارية الجديدة على البرلمان إلا انها واجهت موجة رفض من قبل الكتل السياسية الراغبة بالحفاظ على مكاسبها والالتزام بمبدأ المحاصصة في الحكم ضاربة بعرض الحائط مطالب الشعب العراقي المشروعة والمكفولة في الدستور ، حيث تعرض بعض المرشحين الذين قدمهم العبادي إلى تهديدات وابعاد وفصل من عضوية الاحزاب لكونهم قدموا انفسهم بعيدا عن احزابهم ودون علمهم ، فضلاً عن رفض اللجان البرلمانية المتعددة الشخصيات المرشحة للخارجية والمالية وللثقافة وغيرها بدعوى عدم التخصص في حين ان القائمين حالياً عن ادارة شؤون تلك الوزارات بعيدون عن تخصصه الوظيفي جملة وتفصيلا .
وعلى ما يبدو ان السيد العبادي قد استسلم لتلك الضغوط وقدم قائمة جديدة من المرشحين وفق مبدأ المحاصصة ورضا قادة الكتل السياسية مما اشعل فتيل ازمة وحراك سياسي جديد غيرمسبوف تمثل بانقسام البرلمان العراقي عن نفسه بين رافض لاستمرار المحاصصة في ادارة البلاد واتخذ طريق الاعتصام وبين فصيل خاضع لرغبات قادة الكتل … مما الزم عددا من النواب تجاوز حاجز 170 نائباً إلى عقد جلسة طارئة وفق السياقات القانونية المنصوص عليها في الدستور العراقي الدائم لسنة 2005م ليعلنوا عن اقالة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ونائبيه وترشيح عدنان الجنابي مؤقتا لادارة الجلسات بصفته العضو الاكبر سنناً لحين المداورة والمشاورة لانتخاب رئيس جديد للبرلمان بعيداً عن ضغوطات المحاصصة وقادة الكتل السياسية . فهل يمكن عد ذلك صحوة سياسية عراقية متاخرة ؟ ام انها حركة تصحيحية جديرة بالاهتمام والدعم ؟
هذا الموقف الشجاع من قبل 170 عضواً اُثار حفيظة قادة الكتل السياسية مبدين اعتراضهم وغضبهم عما آلت اليه الامور ، فوجدنا فصل لعدد من هؤلاء النواب من احزابهم ووجدنا تهديدات بالقتل والتصفية مما ادى إلى انسحاب البعض منهم ، مما اجبر النواب المعتصمين في البرلمان إلى تعميم أسماء المنسحبين واعلانها للرأي العام العراقي وتعريفه بالحقائق وتبيان الوطني من الخائن .
وعلى ما يبدو ان الخروج عن طوع قادة الكتل أمر مرفوض في ظل استمرار لشخصنة المؤسسات والدولة في العراق وما قطع الكهرباء والماء والرواتب للنواب المعتصمين إلا مؤشرات أولى لهذا السلوك والبعيد كل البعد عن السياقات القانونية والدستورية المتعارف عليها …
ان الحراك السياسي الجديد في العراق أثار جملة من التساؤلات عكست حالة الفوضى التي وصل اليها العراق وعكست ايضاً جملة من التناقضات السياسية الغير مفهومة منها :-
1- من كان يتهم رئيس مجلس النواب المقال سليم الجبوري بالارهاب والدعوة لاقالته على خلفية زيارته السابقة لقطر هم اليوم يصطفون معه وداعمين له ؟
2- من كان يعارض الاصلاح وحكومة التكنوقراط التي دعا اليه السيد الصدر هم اليوم في مقدمة المعتصمين في مجلس النواب العراقي ؟
3- لم نجد أي موقف من مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية في بيان رأي حول الاحداث السياسية وبيان قانونية الاجراء الدستوري القاضي باقالة الجبوري ؟
4- مؤسسة الرئاسة على ما يبدو بعيدة عن الوضع العراقي وكان الامر لا يعنيها ، وهو ما صرح به الناطق الرسمي باسم الرئاسة خالد شواني بانه ينبغي عدم ادخال الرئيس بهذه المشاكل ؟ في حين ان الرئيس هو الحامي الرسمي للدستور العراقي وينبغي ان يتحرك وفق هذا الامر .
5- من كان يتهم ايران بدعم الإرهاب هم اليوم يشكرونها على دورها في تقريب وجهات النظر لتلافي الاشكال الحاصل في العراق ودعوتها على ارجاع الوضع على ما كان عليه ؟
6- لا يوجد اي موقف جاد من قبل تحالف القوى المدني الذي أمن العراقيين به في احداث التغيير المنشود والذي التزم مبدا الحياد وان كان قريباً من فصيل المحاصصة ؟
كل هذه الاستفسارات وغيرها تؤكد على أن مبدا المصالح الحزبية في العراق أقوى واسمى من أي خلاف.




