مقالات

رؤية الانسان 2030

بقلم : غازي الحارثي

كلما تقدم الزمن ، كلما زادت التحديات .. أن تراوح مكانك بمشاريع ورؤى مرحلية فأنت تمنح نفسك الاسترخاء والراحة،، لكنك تعلن في الوقت نفسه الاستغناء عن مستقبلك القريب ، وكذلك مستقبل منهم بعدك وتتجرد من مسؤوليتك الكبرى امامهم .. وقبل ذلك تسمح للزمن ان يتجاوزك بل ويركنك خلفه .
السعودية اليوم تحتوي أراضيها على أعلى مخزون من الاحتياطي النفطي العالمي كما تتصدر أيضاً السوق العالمي ومنظمة اوبك للدول المنتجة للنفط بلا منازع .. هذا كله كان امس وباقٍ حتى اليوم .
ظلينا لفترة طويلة نحمي اسعار النفط من اي طاريء يعبث باستقرارها من أجلنا وكذلك من أجل حلفائنا في الولايات المتحدة والغرب .. لكن شيئاً فشيئاً ظهر التمرد على فضلنا هذا وبدا أن المشاريع السياسية في المنطقة تستهدفنا اكثر من كونها تعادينا أو تخالف مصالحنا .
وللأسف يقوم عليها اولئك الذي حمينا لأجلهم أسعار النفط فترة طويلة ومراحل عديدة ، وأغفلَنا ذلك عن الاستثمار الفعلي في المستقبل .. إنشغلنا كثيراً بهم .. حقيقةً لم نكن نحتاج لناقوس الخطر هذا حتى نستفيق ، بل كانت النواقيس هادئة عندما دعينا منذ زمن بإعادة النظر اولاً في التحالفات والشراكات السياسية العتيقة وتنظيمها بشكل يضمن تحقيق مصالحنا المشتركة مع اولئك الحلفاء والشركاء ،، ثم إعادة النظر اكثر في الاعتماد على النفط كمصدر اساسي للدخل وللناتج القومي ، ولحسن الحظ ان الرؤية التي تم التوصل اليها اليوم كانت اشمل بكثير من هذه الافكار .
رؤية السعودية 2030 تقوم على اساس مالي واقتصادي متين جداً ومرن مع كل الظروف ، أوله تأسيس صندوق سيادي -استعداداً لمرحلة مابعد الاعتماد على النفط- هو الأقوى في العالم بقيمة 2تريليون دولار بأضعاف كبيرة عن اكبر صندوق سيادي قائم الآن في ابوظبي ، ومن ثم تحويل النفط إلى سلعة قابلة للاستثمار والبيع والشراء وغالباً عن طريق ارامكو القابضة وشركاتها التي ستُطرح منها نفسها اسهم لاتزيد عن 5% من قيمتها للاكتتاب العام بإدارة صندوق الاستثمارات العامة .. عدا عن الاساسين الاقتصادي والمالي لم يكن للرؤية ان تظهر للنور لولا ان الإنسان والاستثمار فيه هو أساسها .. المراحل السابقة استعملت الانسان اكثر مما استثمرت فيه لذلك تعددت وامتزجت كثيراً الطبقيات القائمة على مستويات الدخل ثم الاصل والنسب ثم الفكر والمعتقد للأسف وكان الاصطدام عنيفاً بينها .. الرؤية اليوم تستثمر في الانسان اكثر مما تستعمله كما أنها تُثري وقته وترفع مستوى وعيه ومشاركته الاجتماعيه .. تدعم الرؤية تخفيض معدل البطالة الى 7% بحلول 2030 ، كما ترفع معدل إنفاقه على مايثري وقته بالفائده خصوصاً في الترفيه والثقافة والرياضة ، كما تعمل الرؤية على رفع مدخرات الأسر من إجمالي الدخل إلى 10% بعد رفع مستوى الانشطة الترفيهية والثقافية .
وأخيراً هذا الإنسان السعودي سيجد نفسه امام مليون فرصة عمل في قطاع التجزئه بحلول 2020 وكذلك قطاع الصناعات العسكرية التي يُعمل على رفع مستوى التصنيع فيها والانتاج .
كل هذا الكم من مفردة “إنسان” لم أطرحه عبثاً ، بل لأشير أن المراحل السابقة علمتنا ان خير استثمار سياسي واقتصادي واجتماعي هو في الإنسان نفسه إن كان بإشراكه في ذلك كله او رفع مستوى وعيه او توفير معيشة كريمة ومفيدة له في بلده .
الرؤية اليوم محفوفة بكثير من القلق مرتبط أيضاً بهذا الإنسان .. فنجاحها مرتبط بوعيه في دفع عجلتها والخروج من الشكل التقليدي للإنسان السعودي باختلاف افكاره ومعتقداته وفشلها كذلك متعلق بالأمر نفسه ، وهو قابل كثيراً للنجاح وإنجاح الرؤية ومتعطش كثيراً للتغيير الجذري .
من حسن الحظ أن نموذجاً قريب جداً في الامارات يجدر الاستفادة من تجربته في التحول الاستراتيجي الشامل والفكري لينجح ويُنجِح التحول الهائل في مشروع دولة الامارات الاتحادية ..
الوقت طويل والتحدي الاكبر هو في قفز الحواجز وإسقاطها كما إتفق معي الامير محمد بن سلمان ، فكن جاداً يا أخي الأنسان .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى