التكييف القانوني لإقالة رئاسة مجلس النواب العراقي
بقلم : همام عبدالله السليم – كاتب وباحث سياسي عراقي
في موقفٍ مفاجئ وكرد فعل على توقيع ميثاق الشرف (وثيقة الاصلاح الوطني ) بين الرئاسات الثلاث وبعض رؤساء الكتل السياسية، شهد البرلمان العراق حراك سياسي غير مسبوق تمثل بخروج بعض النواب عن ارادة رؤساء الكتل ورفضهم لوثيقة الاصلاح، ومن ثم اعتصموا بمجلس النواب وطالبوا بإقالة الرئاسات الثلاث.
وبدأوا برئاسة مجلس النواب التي تمكنوا من التصويت على اقالتها في جلسة الخميس 14 نيسان التي عقدت دون أن يرأسها احد اعضاء هيئة الرئاسة، مما اثار لغط وجدل كبير حولها بين االفرقاء والخبراء فجهة تقر بقانونية الاقالة واخرى تنكرها، فما مدى صحة عقد الجلسة دون حضور احد اعضاء هيئة الرئاسة ؟
وما هو التكييف القانوني لإقالة هيئة رئاسة مجلس النواب ؟
وعلى اي مواد وقوانين استند المعتصمين في تصويتهم على اقالة الرئاسة ؟ سنحاول الاجابة على هذه الاسئلة كما يأتي:
اولا: قانونية جلسة النواب المعتصمين وصحتها :
نصت المادة (11 / اولاً) من النظام الداخلي لمجلس النواب على (( في حال تعذر قيام الرئيس او نائبيه بمهامهم يتولى رئاسة المجلس من يتم انتخابه بشكل مؤقت بأغلبية الحاضرين للجلسة ذاتها )) وعليه فأن عقد النواب المعتصمين لجلستهم وانتخاب عدنان الجنابي رئيساً مؤقتاً امراً قانونياً وجلستهم كانت جلسة قانونية وصحيحة وفقاً للنظام الداخلي، في حال كان النصاب مكتملاً أي حضور(165) نائباً.
كما نصت المادة (12 / ثانياً) من النظام الداخلي ( يحق لأعضاء مجلس النواب اقالة هيئة الرئاسة وفقاً للقانون) فعن اي قانون تحدثت المادة ؟
ثانياً: قانونية اقالة هيئة الرئاسة :
لم يرد في الدستور العراقي نص صريح يحدد آلية اقالة هيئة رئاسة مجلس النواب كما هو الحال مع رئاستي الجمهورية والوزراء، بيد ان المشرع العراقي لم يترك ذلك مطلقاً وانما نصت المادة (49 / خامساً) من الدستور العراقي على (( يقوم مجلس النواب بسن قانون يعالج حالات استبدال اعضائه عند الاستقالة أو الاقالة او الوفاة )) .
تطبيقاً للنص الدستوري اعلاه شرع مجلس النواب قانون استبدال اعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد (4024) في 19 / 7 / 2006، ومن ثم تم تعديله بقانون تعديل قانون استبدال عضاء مجلس النواب رقم 6 لسنة 2006، واصبح القانون يحمل اسم قانون التعديل الاول لقانون استبدال اعضاء مجلس النوابرقم (49) لسنة 2007 ، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد (4049) في 27 / 9 / 2007، وقد نصت المادة (1/ ثانياً) منه على ما يأتي: (( لمجلس النواب اقالة اعضاء هيئة الرئاسة من منصبه بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بطلب مسبب من ثلث اعضاء المجلس.))يفهم من المادة انها تشترط تقديم طلب من ثلث اعضاء المجلس (110 نائب) لإقالة هيئة الرئاسة، واوجبت التصويت بالأغلبية المطلقة (نصف + 1) من عدد اعضاء مجلس النواب، أي تصويت 165 نائباً لإقالة هيئة الرئاسة .
وباستعراض ما حصل في جلسة الخميس 14 نيسان نجد انه وبعد امتناع هيئة الرئاسة (حسب قول النواب المعتصمين) عن ترأس الجلسة، عمل النواب المعتصمين وفقاً للمادة (11) من النظام الداخلي، فانتخبوا رئيساً مؤقتاً لإدارة الجلسة وبعد افتتاحها تم التصويت على اقالة اعضاء هيئة الرئاسة، وعرض المعتصمين جلستهم عبر القنوات الفضائية، وهنا اكد المصوتين ان تصويتهم تم بالأغلبية المطلقة وان النصاب كان مكتملاً، بينما طعن فريق الدكتور سليم الجبوري ومؤيديه بنصاب الجلسة وقالوا انه لم يتجاوز 131 نائباً، ولم يعترضوا على جوهر الاقالة من النواحي الدستورية والقانونية.
استنتاجات :
- اذا كان نصاب جلسة الخميس 14/4 مكتملاً بحضور(165) نائباً فهي تعد جلسة صحيحة وقانونية، حتى وان عقدت دون ترأسها من قبل احد اعضاء هيئة الرئاسة، أما اذا كان النصاب مختل فهي جلسة غير صحيحة والجدل في ذلك يحسمه قرار مقرر مجلس النواب وسجل تواقيع الحضور فضلاً عن شريط فيديو الجلسة.
- القانون المشار اليه في المادة(12 / ثانياً) من النظام الداخلي هو قانون التعديل الاول لقانون استبدال اعضاء مجلس النواب رقم (49) لسنة 2007.
- اعتمد على النظام الداخلي لعقد جلسة دون حضور هيئة الرئاسة، بينما اعتمد على القانون (49) لسنة 2007 من اجل التصويت على اقالة هيئة الرئاسة.
- من الناحية القانونية تعد اقالة هيئة الرئاسة قانونية ودستورية إذا كان النصاب مكتملاً، ولعل ما يؤكد ذلك ان الدكتور سليم الجبوري ومؤيديه لم يطعنوا بقانونية الاقالة ودستوريتها وانما طعنوا بالنصاب فقط ( اي انهم طعنوا بالشكل ولم يطعنوا بالجوهر ) .
- ان الفصل والحسم في قانونية الاقالة ودستوريتها بيد المحكمة الاتحادية العليا، ولكن التأخر في طلب تفسيرها او النظر في قانونية الاقالة من عدمها من جانب المتضررين يعدُ بمثابة اقراراً ضمنياً بقانونية الاقالة.
واخيراً فأن ما تجدر الإشارة اليه هو: انني كاتب مستقل لا انتمي لطرف بعينه، ولا اساند النواب المعتصمين ضد الفريق الاخر، وأن لي تحفظات كثيرة على بعض النواب المعتصمين ممن عرفوا بطائفيتهم وعنصريتهم وتصريحاتهم المحفزة للطائفية لسنوات فركبوا الموجة فجأة ورفعوا شعارات القضاء على المحاصصة والطائفية، فضلاً عن معتصمين اخرين كان موقفهم بمثابة رد فعل على عدم ترشيحهم لتولي حقائب وزارية من قبل رؤساء كتلهم السياسية، وأنني هنا فقط استعرض النصوص القانونية والتكيف القانوني والدستوري لموضوع اقالة هيئة رئاسة مجلس النواب، وندعو للخروج من الازمة الراهنة وايجاد حلٍ سريع لها والحفاظ على وحدة البرلمان والتفرغ لازمات البلد الأمنية والاقتصادية التي لها الاولوية على ازمات الاشخاص والرئاسات والكابينات، فالبلد ومصيره اكبر من الجميع.
وان تمسك كل طرف بموقفه واصر على رأيه سيما بعد رفض النواب المعتصمين لمبادرة فخامة رئيس الجمهورية لحل ازمة الرئاسة، فأننا نقترح حل مجلس النواب واعلان حكومة انقاذ وطني للسنتين الاتيتين، الأمر الذي سيوفر للعراق اموال كبيرة جداً (بدل تعويضات ونفقات النواب) وربما سنتمكن من مواجهة الأزمة المالية وعبورها دون حاجةٍ للاقتراض الخارجي أو الاكتتاب الداخلي، فهل ستتوحد مواقف اعضاء مجلس النواب فتنفرج الازمة المستدامة أم سنتجه لسيناريو حل مجلس النواب واعلان حكومة انقاذ وطني ؟؟