الشرق الأوسطعاجل

تكنوقراط العبادي هل سيرى النور ؟؟

كتب : همام عبدالله علي السليم – كاتب وباحث سياسي عراقي 

تمكن السيد حيدر العبادي يوم الخميس 31 آذار من اعلان تغيير وزاري شامل وقديم  لرئاسة مجلس النواب ظرف مغلق يشتمل على اسماء 14 وزير تكنوقراط مع سيرهم الذاتية ليتولى المجلس دراستها خلال عشرة ايام، كما تعهد بالمضي قدماً بتغيير رؤساء الهيئات المستقلة والوكلاء والمدراء العامين واستبدالهم بأشخاص تكنوقراط مستقلين بعيداً عن المحاصصة الحزبية في مدة شهر واحد.

وقد حظيت تشكيلة العبادي الجديدة برضى الرأي العام والاوساط الشعبية، لكونها اشتملت على تكنوقراط حقيقيين ولهم خبرة ميدانية كبيرة من خلال العمل في الوزارات التي رشحوا لها وتتدرجهم في مؤسساتها، فضلاً عن تمثيل التشكيلة لمكونات الشعب المختلفة، كما انها تمهد للقضاء على فكرة تقسيم الوزارات بالمحاصصة أي ان الوزارة الفلانية من حصة المكون الفلاني والكتلة الفلانية فتمكن من تغيير تلك التركيبة وتجاوزهاولعل اهم ايجابيات مشروعه نيله رضى السيد مقتدى الصدر والمعتصمين وهو ما ترجم من خلال فض الاعتصام والدعوة إلى التظاهر للضغط على البرلمان والكتل من اجل تمرير التغيير الوزاري فكسب المعتصمين والصدر لصفه .

وبالرغم من ذلك فان العبادي لم ينجح بعد في انهاء الازمة او اللعبة التي يبدو انها قد بدأت الأن؛ لأن الكتل السياسية مازالت متمسكة بمواقعها وامتيازاتها التي حققتها لها المحاصصة الحزبية والسياسية فليس من السهولة بمكان ان تتنازل الكتل عن مصالحها وان تسمح بالقضاء على المحاصصة التي تعتاش عليها وتضمن مصالحها عبرها .

فبعد ساعات من اعلان التغيير الوزاري الشامل بادرت الكتل السياسية المختلفة إلى طرح المعوقات امام تمرير تشكيلة العبادي الجديدة لتعارضها مع مصالحها لا غير، وقدمت ذرائع وحجج شتى لرفضها، فبعضها اعترض على آلية اقالة الوزراء وبعضها اعترض على الترشيح دون الرجوع لها واخذ رأيها واخرى وضعت شروط لتمرير التغيير.

وفي السياق اعلاه نجد ان بعض قادة كتلة دولة القانونوالفضيلة بدأوا بالحديث عن وجود بعثيين ضمن الوزراء المرشحين لعرقلة تمريرهم، أما كتلة المجلس الاعلى الاسلامي فقد عبر السيد عمار الحكيم عن رفضه الصريح للتشكيلة الجديدة وسعيه لعرقلتها – وذلك في مؤتمره الصحفي الذي عقده على هامش مؤتمر المجلس الاعلى الاسلامي لتجديد الثقة بالحكيم ! – إذ جاء في تصريحه (( لا نرفض التغيير الوزاري لكنه منقوص … وهناك نظر في الاسماء وفي التوازن السياسي في التشكيلة الحكومية )) وعرج بالقول القصد بالتوازن الوطني بين المكونات وليس المحاصصة الحزبية، وقال (( لدينا مشكلة في دمج الوزارات وهذا ما خلف ازمة بين الكتل السياسية … وهناك حراك كبير للنظر في الاسماء ومدى استقلاليتها وتمثيلها للمكونات بالتوازن الحقيقي)) فاظهر نفسه وكتلته بمظهر الحريص على التمثيل الحقيقي للمكونات في التشكيلة الحكومية وصرح بانها بوضعها الحالي ال 16 وزير لا تمثل المكونات فعلياً، وفيما يخص كتلة اتحاد القوى العراقية بدأ بعض قادة الكتل داخله بطرح شروط قديمة جديدة كالتوازن والعفو العام والمسائلة والعدالة وغيرها من الشروط المستهلكة التي لا يؤمنون بها بعض القادة انفسهم ولا يعملون لأجلها وربما يتنازلون عنها مقابل منافع شخصية وحزبية وشواهد ذلك كثير، اما كتل التحالف الكردستاني فتسجل اعتراضها على آلية الاقالة والترشيح دون الرجوع اليها وأخذ رأيها وان الترشيح لابد وان يتم من خلالها وبخلافه يرفضون اي تشكيلة حتى وان اشتملت على وزراء اكراد، وكتل اخرى تنتقد بعض المرشحين وتطعن باستقلاليتهم، وتكاد تتفق كل الكتل السياسية على انتقاد العبادي ذاته بالقول كيف لشخص حزبي ان يرأس حكومة مستقلة، وبعضهم دعاه صراحة إلى الاستقالة من حزب الدعوة فمثلا صرح الحكيم في مؤتمره لا بد ان يكون رئيس الوزراء مستقلاً في الحكومة المستقلة، وبعض الكتل تبدي تخوفها من تحول العبادي إلى دكتاتور حزبي يرأس وزراء مستقلين يملي عليهم سياساته لأنهم بلا احزاب او كتل تحتضنهم ويحتموا بها!!!

ستشهد الايام العشرة الأولى من نيسان الجاري صراع محتدم بين العبادي من جهة والكتل السياسية من جهةٍ اخرى، سلاح العبادي فيها تأييد الصدر والمعتصمين والشعب المرحب بالإصلاح فضلاً عن نواب مستقلين، وسلاح الكتل التصريحات والاتهامات وما تمتلكه من اصوات داخل البرلمان، الأمر الذي يوحي بأن كابينة العبادي رغم تأييدها شعبياً إلا انها قد لا ترى النور أو على الاقل بعض المرشحين قد لاتتم الموافقة عليهم لأن الكرة الأن في ملعب البرلمان وكتله فهي التي تمنح الثقة وتحجبها، كما ستشهد الايام القليلة القادمة تصريحات واجتماعات مكوكية بين قادة الكتل ورص الصفوف للوقوف بوجه العبادي وحسم الصراع او كسب جولة من جولاته لصالحاها، وعلى العبادي ان يعلن نيته الاستقالة من حزب الدعوة بمجرد تصويت مجلس النواب على كابينة وزراء التكنوقراط المستقلين ليصبح مستقلاً مثلهم، وبالتالي يقطع الطرق امام المتصيدين بالماء العكر من خصومه الشركاء، وبخلافه سيثبت ما يدور حوله وحزبه من شكوك ومخاوف .

ختاماً يبدو ان كابينة العبادي الجديدة ستمر بمخاض عسير قبل ان ترى النور أو ربما ستراه بعد عملية قيصرية تجرى من قبل قوى خارجية لتولد وهي تعاني من تشوه ولادي وضمور او قصور في بعض جوانبها بسبب تدخل الكتل واعتراضاتها وطرح مرشحين اخرين تكنوقراط حزبي بدلاً من مرشحي العبادي من اجل اثبات الوجود وفرض الارادات التي تشهدها الساحة السياسية العراقية حالياً، إلا أنها ( التشكيلة الجديدة) سترى النور بالرغم من ذلك كله فنتخلص من الوجوه الجاثمة على وزارات العراق لسنوات طوال ويذهبون إلى حيث لا عودة .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى