بقلم : همام عبدالله السليم – كاتب وباحث سياسي عراقي
يتفق الكثير على إن ما حصل في مجلس النواب العراقي يوم 26 نيسان يمثل فوضى برلمانية عارمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ بعد حالة الهرج والمرج والتراشق بقناني المياه البلاستيكية وعلب المحارم الورقية (الكلينكس) والدك عالخشب والاهازيج السوقية والهلاهل النسوية والجوبي الرجالية، فضلاً عن تخريب وتكسير الممتلكات العامة وغيرها من الممارسات الهمجية، فهل سيفاقم ذلك الأزمة السياسة العراقية؟
وكيف ستتفاهم الكتل فيما بينها؟ وهل سترى حكومة التكنوقراط النور ؟
ان ماجرى وما تبعه من احداث يوكد اننا اليوم امام فريقين: المعتصمون وغير المعتصمون او المحافظون والمتمردون وكلاهما يدعي الوصل بالشرعية فمعَ من ستكون؟ وان ما مارسه الفريقان يوم 26 نيسان يجسد حالة السوقية السياسية التي تطغى على النخب السياسية بمجملها.
فالفريق الأول (المحافظون): فريق الدكتور سليم الجبوري ومؤيديه، انتهك الدستور والنظام الداخلي ومارس سياسة الأمر الواقع ولي الاذرع من خلال استعمال القوات الأمنية وفرقةK9 (الكلاب) داخل الجلسة فضلاً عن اخراج الاعلاميين من البرلمان ومنع نواب من الدخول للقاعة الكبرى، دون اعتبار لمقترح المحكمة الاتحادية الذي دعاه إلى تقديم طعن على قرار اقالته، وهو ما يؤكده السيد حسن الشمري وزير العدل السابق الذي طعن بقانونية جلسة سليم الجبوري واكد شرعية اقالته علماً انه (حسن الشمري) ليس من فريق المعتصمين وانما هو وكتلته ممن حضروا جلسة 26 / 4، وهو رجل قانوني ومسؤول عما يقول.
أما فريق المعتصمون، فقد ارتكبوا اخطاء كثيرة اولها مراهنتهم على عدم اكتمال نصاب جلسة الفريق الاخر، ثانيها ما مارسوه من فوضى وتكسير داخل البرلمان فضلاً عن التعدي على شخص العبادي وانتهاك قواعد السلوك والذوق العام، وتخريب الممتلكات العامة، الأمر الذي جعلهم محط سخرية الجميع، ولعل اكبر اخطائهم هو عدم حضورهم الجلسة لعرقلة تمرير ما يعارضونه حسب وجهة نظرهم.
كل ما حصل يؤكد منطق اللادولة الذي يعيشه العراق الأن فالدستور منتهك والقانون مخترق والبقاء للأقوى، ويؤكد مستوى الدهاء السياسي للفريق الأول وقلته لدى فريق المعتصمين.
رؤية مستقبلية
بعد ان فرض الأمر الواقع وتمكن فريق المحافظون من عقد الجلسة في القاعة الدستورية الكبرى بعيداً عن فوضى المعتصمون، وتمرير تعديل وزاري جزئي شمل خمسة وزراء، اعلن النواب المعتصمون عن عزمهم تشكيل كتلة معارضة داخل البرلمان العراقي وتعليق حضورهم جلسات مجلس النواب، فضلاً عن تقديمهم طعن امام المحكمة الاتحادية بعدم قانونية ودستورية جلسة يوم 26 / 4 حسب وجهة نظرهم.
وهنا لنا ان نتوقع ان طعن كتلة المعتصمون لن يأتي على ما يشتهون وإنما سيخالف اهوائهم، فمن المتوقع جداً ان يحكم القضاء العراقي لصالح الطرف الحكومي الأقوى، وهنا لن يبقى امام المعتصمون إلا ان يحترموا قرار المحكمة الاتحادية مع طعن بعضهم بمصداقيتها، وان يشكلوا كتلة نيابية معارضة حقيقة وهي حالة صحية، وهذه الكتلة المعارضة بما تملكه من كثرة عددية حتماً ستشكل مصدر صداع حقيقي للكتل المتحاصصة والمشاركة في الكابية الوزارية، وبالتالي سيكون لزاماً على الفريق الأخر (المحافظون) ان ينال رضى كتلة المعارضة ويكسب ودها، ولعل السبيل إلى ذلك هو ان يتم الاتفاق معهم على الاطاحة بهيئة رئاسة مجلس النواب مجدداً وبالأطر القانونية والدستورية، وهذه الخطوة هي ما سنشهده بعد اكمال مشروع التعديل الوزاري.
وقد تكون كتلة الاحرار مهندسة مشروع الاطاحة بسليم الجبوري ونائبيه، وما يعزز ذلك تصريح القيادي في كتلة الاحرار عقيل عبدالحسين الذي سجل امتعاض كتلته من طريقة ادارة سليم الجبوري لجلسة التعديل الوزاري وازدواجيته في احتساب الاصوات على اقالة الوزراء وتعيين بدلاء عنهم وكيفية حرصه على احتساب النصاب اثناء محاولة تغيير وزير التربية الدكتور محمد اقبال القيادي في حزب سليم الجبوري، وسينال هذا المشروع رضى وتأييد كتلة بدر النيابية سيما بعد محاولة كتلة ديالى هويتنا في مجلس محافظة ديالى الاطاحة بمحافظ ديالى مثنى التميمي (من كتلة بدر) عبر استجوابه او اقالته في حال عدم حضوره جلسة الاستجواب في 5 ايار، سيما وان الدكتور سليم الجبوري هو رئيس كتلة ديالى هويتنا، وعليه لايمكن لكتلة بدر ان تحرص على تثبيت سليم الجبوري في موقعه في الوقت الذي تطيح فيه كتلة سليم الجبوري بمحافظ ديالى مرشح كتلة بدر، وستتم المساومة على المنصبين فتقابل الاطاحة بإطاحة والبقاء ببقاء.
كما نتوقع ان يتم اكمال مشروع التعديل الوزاري ولكنه لن يكون شاملاً ولن يكون تكنوقراط مستقل بمجمله وانما سيمثل خليط من الكابينة الحالية ومرشحين تكنوقراط مستقلين واخرين حزبيين وسياسيين، فيخرج العبادي بكابينة كوكتيل ( تكنوقراط سياسي ومستقل) .
من كل ما تقدم يمكننا توقع الآتي:
- ستشهد العملية السياسية خلافات حادة بين الكتل المشاركة في الحكومة على المناصب والمكاسب وسيكون للغة التهديد والوعيد حضوراً قوياً، وسيصعب التفاهم على المغانم، وربما سيلتهب جو الخلاف بين الكتل تزامناً مع بدأ حرارة الصيف الضاغط على المواطنين للتظاهر.
- وسيشكل النواب المعتصمين وسيلة ضغط ومصدر قلق دائم للجميع، وستزداد قوة كتلة المعتصمين المعارضة مع احتمال انضمام كتل الاحرار وبدر ومستقلون إليها سيما بعد ان اطيح بالسيد حسين الشهرستاني وزير التعليم من كتلة مستقلون.
- لن يتمكن السيد سليم الجبوري من الاحتفاظ بموقعه كرئيس لمجلس النواب لفترة طويلة، سيما بعد اتساع جبهة معارضيه(المعتصمين وكتل الاحرار وبدرومستقلون)، وستتم الاطاحة به عاجلاً أم اجلاً، ولن تنتهي الأزمة السياسية وستتفاقم اكثر في قابل الايام وستمارس المعارضة دورها الرقابي الضاغط وربما سنشهد جلسات استجواب واستفسار وسحب ثقة كثيرة.
ختماً ندعو الكتل السياسية كافة: المعارضة والمشاركة في الحكومة إلى تغليب لغة الحوار والتفاهم على سياسات لي الأذرع وفرض الأمر الواقع، وتكثيف الجهود لحل الأزمة ومنع انعكاسها على الشارع، والعمل على مواجهة ازمات العراق الأمنية والاقتصادية والمالية والتي لها الاولوية على الأزمة السياسية والكابينة الوزارية والعمل على مكافحة الفساد واسترجاع اموال العراق المهربة .