العلاقات البحرينية – السويسرية نحو مساع لإعادة بناء الثقة والعلاقات الثنائية
لماذا يزور ملك البحرين سويسرا هذه الأيّام؟
سؤال له ما يبرّره وفقا للمتابعين وللدبلوماسيين المطّلعين على خفايا العلاقات الثنائية بين برن والمنامة خاصة في ضوء التراجع الملحوظ للمبادلات التجارية خلال السنوات الأخيرة وغياب تمثيل دبلوماسي رفيع في عاصمتي البلديْن. فهل تنجح زيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى برن يوم الخميس 12 مايو 2016 في إعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية؟
في الطرف الأول نجد البحرين، هذا البلد الخليجي الصغير المكوّن من مجموعة كبيرة من الجزر المأهولة وغير المأهولة، والذي بدأ اقتصاده يتخلّص رويدا رويدا من تبعيته إلى الموارد البترولية ليعطي أهميّة أكبر للخدمات المالية والسياحية، لكن المملكة شهدت أيضا منذ عام 2011 احتجاجات قادتها المعارضة الشيعية ضد العائلة المالكة هناك مطالبة بملكية دستورية وإصلاحات سياسية، وتحوّلت هذه الإحتجاجات أحيانا إلى أعمال عنف، كما استخدمت السلطات الشدّة في قمعها ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا على الجانبين، وإلى ارتكاب انتهاكات فظيعة في مجال حقوق الإنسان خاصة من طرف الأجهزة الأمنية.
على الطرف الآخر، نجد سويسرا، البلد الذي يتوسّط القارة الأوروبية وينعم بالإستقرار السياسي والرفاه الإقتصادي، كانت تربطه بالعالم الخارجي حتى عهد قريب علاقات تقوم على الحياد المطلق، تطورت على المستوى السياسي مع مفهوم الحياد الإيجابي المتسم باتحاذ خطوات جريئة في عهد الوزيرة الإشتراكية السابقة ميشلين كالمي- ري، ثم تواصل الأمر مع الوزير الليبرالي الراديكالي الحالي ديدييه بوركهالتر، الذي انتهجت الدبلوماسية السويسرية في عهده توجها واضحا في الدفاع عن حقوق الإنسان والتنديد بمنتهكيها، والحث على مكافحة الفساد والدعوة إلى الحوكمة الرشيدة، لكنها سياسة تحرص رغم ذلك على أن تبقى في خدمة المصالح السويسرية وفي مقدّمتها المبادلات التجارية.
ورغم هذا الحرص شهدت العلاقات البحرينية السويسرية في الآونة الأخيرة نوعا من الفتور بسبب ملف حقوق الإنسان، ولكن أيضا بسبب قضايا أخرى.
– انتهاكات حقوق الإنسان:
في 14 سبتمبر 2015، وفي خطوة أثارت سخط سلطات المنامة، وقع 32 بلدا عضوا في مجلس حقوق الإنسان بجنيف التابع للأمم المتحدة على بيان جماعي جاء بمبادرة من سويسرا عبّروا فيه عن “انزعاجهم لتدهور أوضاع حقوق الإنسان” في هذا البلد الخليجي، ودعوا الحكومة هناك إلى فتح تحقيق بشأن مزاعم تتعلّق بممارسات تعذيب وبانتهاكات أخرى. وفي مداخلته أمام المجلس، قال السفير السويسري ألكسندر فازل، متحدثا باسم هذه المجموعة، التي كانت من بينها العديد من البلدان الأوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة: “ستظل أوضاع حقوق الإنسان في البحرين مصدر انشغال كبير بالنسبة لنا جميعا”.
ورغم ترحيبه ببعض التدابير المحتشمة التى بادرت سلطات المنامة إلى اتخاذها، عبّر بيان المجموعة التي تزعمتها سويسرا عن “القلق الذي ينتابها إزاء تقارير تشير إلى تعرّض الذين يعبّرون عن آرائهم أو يمارسون حقهم في التجمّع وتكوين الهيئات المدنية السلمية إلى مضايقات وإلى الإعتقال والسجن”. وكما كان متوقعا، أثارت هذه المبادرة السويسرية سخط البحرين، وساندتها في ذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد ردّ وزير الإعلام البحريني على الفور على ذلك البيان مُعربا عن الأسف لكون الموقعين عليه “قد هوّنوا من أهمية الجهود التي تبذلها السلطات البحرينية في تنفيذ توصيات مجلس حقوق الإنسان”، ولأنهم “لم ينوّهوا بسياسة ضبط النفس التي تنتهجها القوى الأمنية”، على حد قوله.
ولعلّ من أبرز الملفات الحقوقية التي لفت أنظار الرأي العام على المستويْين المحلّي والدولي: قضية المصوّر أحمد الفردان، والناشطة الإنسانية زينب الخواجة، والناشط السياسي الشيخ على سلمان، والمناضل الحقوقي نبيل رجب، وسجناء الرأي مثل عبد الهادي الخواجه وإبراهيم شريف.
– تقييم سلبي للأوضاع الداخلية :
يبرز هذا التقييم السلبي بوضوح على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السويسرية، وبالتحديد من خلال النصائح التي تحرص الوزارة على توجيهها للراغبين في زيارة المملكة. وأولى هذه النصائح دعوة المسافرين إلى الحذر للحفاظ على سلامتهم الشخصية لأن الوضع في البحريْن “يتّسم بالتوتّر بين الاغلبية من السكان الذين هم من الشيعة، والنظام هناك المحسوب من الأقلية السنية”، بحسب وزارة الخارجية السويسرية. كما أنه “نظرا للتوتّرات الداخلية، وتعقيدات السياق الإقليمي، فمن الممكن أن يتدهور الوضع الأمني بشكل مفاجئ”، حسب نفس المصدر.
كما يُشير موقع وزارة الخارجية السويسرية إلى أن “خطر حدوث هجوم إرهابي، خاصة في المنامة والمناطق المحيطة بها مسألة واردة جدا. وهذه الهجمات تستهدف في الغالب قوات الأمن والبنية التحتية للدولة”.
هذه التوصيات الموجّهة إلى المسافرين إلى البحرين تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ورد فيه أنه “لابد من اتخاذ الإحتياطات اللازمة ضد الجرائم الصغرى، وتوخي الحذر عند التعامل مع رجال أعمال غير معروفين، كما على النساء التزام التحفّظ في حضور الرجال”.
كما تدعو الوزارة المواطنين السويسريين المتوجّهين إلى البحرين إلى “ضرورة التعرّف على الأوضاع هناك قبل السفر، من خلال الإتصال بالمرشدين السياحيين، والشركاء التجاريين المحليين”، كما تحثهم عند الحلول بالبحرين على “ضرورة الإبتعاد عن التجمعات والحشود، والإمتثال الصارم لتعليمات السلطات المحلية”.
وبغض النظر عن هذه التوصيات، تشير الإحصائيات الرسمية إلى تراجع أعداد السويسريين المقيمين في البحرين، فبعد ان كان عددهم 300 شخص في ثمانينيات القرن الماضي، لا يتجاوز تعدادهم الآن 123 شخصا، فيما لا يزيد مستوى التمثيل الدبلوماسي السويسري في المنامة عن مجرد قنصلية، تابعة إداريا للسفارة السويسرية بالدوحة (بعد أن كانت تابعة للكويت)، وفي المقابل، يقوم السفير البحريني في فرنسا برعاية مصالح بلاده في سويسرا.
– تراجع في المبادلات التجارية:
في 22 يونيو 2009، وقعت البلدان الأعضاء في الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر (تضم كلا من سويسرا والنرويج وليختنشتاين وأيسلندا) على اتفاقية التجارة الحرة مع بلدان مجلس التعاون الخليجي (يضم كلا من المملكة العربية السعودية وقطر دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت والبحرين)، وينظّم هذا الاتفاق تبادل المنتجات الصناعية (بما في ذلك الأسماك والمنتجات البحرية الاخرى)، وايضا المنتجات الزراعية المصنّعة، وتجارة الخدمات والمشتريات الحكومية والمنافسة، وقد استغرق التصديق على هذا الإتفاق خمس سنوات كاملة حيث لم يدخل حيّز التنفيذ إلا في 1 يوليو 2014.
ويساعد هذا الإتفاق الصادرات السويسرية من السلع والخدمات في الوصول إلى الأسواق الخليجية، ويوفّر لها الحماية القانونية، كما سيتم إلغاء التعريفات الجمركية على قرابة 90% من تلك الصادرات ابتداء من يوليو 2019.
وفي عام 2013، بلغت قيمة الصادرات السويسرية إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي حوالي 7 مليارات فرنك سويسري، بينما لم تتجاوز صادرات بلدان الخليج إلى سويسرا مليار فرنك. وبينما تستورد بلدان الخليج من الكنفدرالية المنتجات الصيدلانية والساعات والآلات والمجوهرات، تستورد سويسرا من تلك البلدان الأحجار الكريمة، والمعادن الثمينة.
وفي عام 2012، بلغ حجم الإستثمارات السويسرية في بلدان الخليج 11.3 مليار فرنك، 9 مليارات منها فقط في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتتركّز هذه الإستثمارات في قطاع الخدمات المالية والسياحة والخدمات اللوجستية، بينما ظلت الإستثمارات الخليجية في سويسرا دون 209 مليون فرنك.
ومثلما هو الحال بالنسبة للتمثيل الدبلوماسي بين البلديْن، يتسم التبادل الإقتصادي بين البحرين وسويسرا بالمحدودية حيث لم تتجاوز قيمة الصادرات السويسرية إلى المملكة 245 مليون فرنك، فيما لم تزد قيمة الصادرات البحرينية إلى سويسرا عن 26 مليون فرنك. وقد شهدت هذه المبادلات تراجعا في السنوات الأخيرة بالرغم من إبرام اتفاقية التبادل التجاري الحر بين البلديْن.
– مساع لإعادة بناء الثقة:
إزاء هذا الوضع، ووعيا منها بحيوية منطقة الخليج لصادراتها، نشطت الدبلوماسية السويسرية لإعادة بناء الثقة مع البحرين، ولتوضيح مواقفها خاصة فيما يتعلّق بملف حقوق الإنسان، وفي هذا الإطار جاءت الزيارة التي قام بها إيف روسييه، كاتب الدولة بوزارة الخارجية السويسرية إلى المنامة في شهر فبراير الماضي.
في السياق نفسه، منحت الحكومة السويسرية يوم 4 مايو الجاري موافقتها لبعض الشركات التي تريد تصدير بعض أصناف العتاد الحربي إلى هذا البلد مثل قطاع الغيار التي تستخدم في تجميع أجزاء طائرات مقاتلة من طراز F-5 . وقد شمل هذا القرار المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أيضا.
في الأثناء، وفيما يبدو حسب مراقبين “تمهيدا للزيارة الملكية” إلى سويسرا، أعلنت وزارة الخارجية البحرينية يوم الإثنيْن 9 مايو أنه سيتم الإفراج عن الناشطة الشيعية المعارضة زينب الخواجة، المسجونة مع طفلها الصغير، وذلك “لأسباب إنسانية”. وكانت الخواجة قد سجنت في شهر مارس الماضي، بعد إدانتها بإهانة عاهل البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بعد تمزيقها لصورته أمام الملأ.المصدر:وكالة الأنباء السويسرية