مقالات

كيف تحصنت الإمارات من التطرف ؟

بقلم : غازي الحارثي – كاتب سعودي

منذ فترة وانا ألاحق الأيام والأحداث محاولاً الكتابة حول موضوع مقالي اليوم لكن سخونة المشهد السياسي في المنطقة وارتفاع تأثير بلادي في كافة ملفاته جعل التركيز ينشغل إلى حدٍ ما عنه ، لكني اليوم وفي هدوء هذه الأيام الفضيلة من هذا الشهر الكريم وسطوع روح التسامح والاعتدال في روحانيته أجدها فرصة لأكتب مفتخراً أولاً ومعجباً ثانياً فيما عملته الإمارات العربية المتحدة على مدى سنوات سياسياً وفكرياً واجتماعياً حتى أصبحت اليوم أكثر دول الخليج والإقليم حصانة من أي هبوب متطرفة يسوقها الغلو وتنبع أساساً من التشدد والحقد وعدم قبول التعايش الديني والمذهبي والعقدي تحت مظلة وطنية جامعة وشاملة وقانونية ودستورية حتى .. من البداية كانت الإمارات عضو أساسي وفعال في مواجهة الإسلام السياسي المتطرف حينما دعمت موقف الجيش المصري المفوض شعبياً بعزل حكم الاخوان المسلمين الجماعة ذات التاريخ الملطخ بالدماء في مصر والإقليم والتي أدارت البلاد بطريقة إدارة التنظيم ، وبعد إزاحتهم دعمت الامارات عمليات البناء والتنمية في مصر بوصول عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية … وعلى المستوى الداخلي حاولت استعراض بعض قوانين الكراهية ومحاربة الطائفية وازدراء الاديان في اكثر من دولة ووجدتها قوانين غير مباشرة وقي بعض الاحيان هشة ، ولم أجد اكثر منها وضوحاً ومباشرة في الإمارات .
فبناءً على مرسوم أصدره رئيس الدولة في يوليو من العام الماضي :
يعاقب بالسجن مدة لاتقل عن خمس سنوات وغرامة لاتقل عن ٢٥٠الف درهم من يسيء لأي من الاديان السماوية أو يزدري ويحتقر شعيرة من شعائرها او يتعدى على دور عبادتها او كتاب من كتبها .. قلت الأديان السماوية كلها وهذا يعني ان الكل في الامارات سيكون في مأمن على نفسه وطقوس عبادته ومن يعكر عليه ذلك او يسيء الى دينه سيجد عقاباً صارماً .. وبناءً على المرسوم الصادر نفسه فيعاقب بالسجن كل من استغل الدين في رمي فرد او جماعة بالكفر سواءً قولاً او كتابة او بأي وسيلة وتكون العقوبة إعداماً اذا اقترن الرمي بالكفر تحريضاً على القتل فوقعت الجريمة نتيجةً لذلك ،، وفي هذه النقطة بالذات فقد شهدت منابر تبث من كل دول الخليج ماعدا الامارات تقريباً تحريضاً متطرفاً دفع الكثير من الشباب في الخليج الى النفير لمواقع القتال في الخارج ونتج عنه سفك الدماء وإرهاب الابرياء وعاد البعض ، وبهذا المرسوم تكون الامارات قد قطعت الطريق امام اي وسيلة تدعوا الى ذلك او تساهم فيه لتؤمن اجيالاً كثيرة كان من الممكن ان يتأثرون بكلمة او خطبة تبثها احدى القنوات فيستبدلون الحياة والتعليم والمستقبل بالقتل والدمار والموت .. وفي سياق مقارب لذلك ايضاً وبناءً على المرسوم نفسه ، يعاقب بالسجن مدة لاتقل عن عشر سنوات كل من أسس او نظم أو ادار جمعية او مركز او هيئة او منظمة او تنظيم او جماعة او فرع لإحداها بغرض ازدراء الأديان او إثارة خطاب الكراهية المتشنج والمُشعل لفتيل الطائفية المقيتة .
هذا المرسوم صنع خارطة طريق لما يجب ان يعتاد عليه كل مواطن ومقيم على اراضي الامارات ، فلكلٍ مساحة يجب ان تحترم طوعاً أو بالقانون ولعلي أستشهد على ذلك بمقولة تختصر ذلك كثيراً لعبدالرحمن الراشد “في دبي مكان لكل إنسان” وحتى وإن كان اختزلها في دبي إلا اني سأغيرها استثناءً فقط لمقالي لتكون “في الامارات مكان لكل إنسان” .
لاشيء يعلوا في الإنتاج ويرفع جودته اكثر من الاستثمار في الانسان نفسه .. عرفت الإمارات ذلك مبكراً فاستثمرت في الانسان أولاً واغلقت على التطرف والمتطرفين طريقهم إليه .
فالجو الحيوي الذي صنعته بفتح مساحة لحرية اجتماعية وفكرية قائمة على أساس مردود اقتصادي وثقافي يعود بنفعه على البلاد جعلها اليوم اقل الدول العربية او حتى العالمية تصديراً للإرهابيين وتعرضاً كذلك لخطرهم .. الدين الإسلامي يحكم سياسات الدولة وإدارتها المحلية والطوائف في الاسلام تتنوع ولابأس ولكن القانون يضيّق تأثيرها خارج نطاق الفرد فلا تجد مذهباً يسيطر ولامدرسة تتصدر الفتوى ولاحياة تتأخر ببعضٍ من شيء يتعلق بالدين .. حفظ الله الإمارات .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى