التحول الديمقراطي في تركيا والعلاقات المدنية العسكرية في عهد حزب “العدالة والتنمية”
اعداد الباحثة : رضوى حسين رضوان محمود – المركز الديمقراطي العربي
إشراف : د. محمد سالمان طايع
العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية”2002 – 2016″
المحتويات:
المقدمة………………………………………………………………….. 3- 4
المشكلة البحثية…………………………………………………………… 5- 6
السؤال الرئيسي للدراسة…………………………………………………….. 6
الأسئلة الفرعية…………………………………………………………….. 6
فرضيات الدراسة…………………………………………………………… 6
أهمية الدراسة……………………………………………………………… 6- 7
تحديد الدراسة …………………………………………………………….. 7- 8
الدراسات السابقة…………………………………………………………. 8- 17
الإطار النظري والمفاهيمي………………………………………………… 17- 20
منهج الدراسة…………………………………………………………….20- 21
تقسيم الدراسة……………………………………………………………..21- 22
الفصل الأول: أثر العلاقات المدنية العسكرية على المشاركة السياسية في تركيا…..23- 41
المبحث الأول: الإنتخابات البرلمانية والرئاسية……………………………….. 24- 31
المبحث الثاني: الأنشطة التعبوية والروابط غير الرسمية في المجتمع التركي…….. 32- 41
الفصل الثاني: أثر العلاقات المدنية العسكرية على الحريات المدنية والسياسية……42- 61
المبحث الأول: الأقليات وقضايا التمكين…………………………………….. 43-53
المبحث الثاني: الحريات العامة والتنمية الإجتماعية والإقتصادية……………….. 54- 61
الفصل الثالث: أثر العلاقات المدنية العسكرية على استقلال القضاء …………… 62- 81
المبحث الأول: التعديلات الدستورية ومحاكمات الضباط ……………………… 63-75
المبحث الثاني: توصيات الإتحاد الأوروبي وتقييم التحول الديمقراطي التركي……… 75- 81
الخاتمة………………………………………………………………… 82- 83
قائمة المراجع………………………………………………………….. 84- 90
المقدمة:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح الهدف المُعلن لأغلب الدول هو التحول نحو الديمقراطية، ولذلك إتجهت الدراسات الأكاديمية في حقل العلوم السياسية إلى دراسة التحول الديمقراطي من أكثر من منظور. وطالما كانت العلاقات المدنية العسكرية إحدى أكثر إشكاليات التحول الديمقراطي تعقيداً وتجدداً، ويجدر الإشارة إلى أنَّ المؤسسة العسكرية في دول العالم الثالث لها طابع خاص ولها تأثير عميق في التاريخ السياسي والإجتماعي والعسكري لهذه الدول.[1] وتُمثِّل العلاقات المدنية العسكرية معضلة كبيرة ومعوَّقة لعملية التحول الديمقراطي في الدول التي عاشت في ظل حكومات عسكرية حيث يصعب في هذه الحالات إقصاء المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية، حيث أنَّ ظاهرة الحكومات العسكرية كانت منتشرة في النصف الثاني من القرن العشرين، وجوهر هذا الحكم هو تحكم مجموعة من العسكريين في مفاصل الدولة سياسياً وإقتصادياً بشكل مباشر أو من وراء ستار مع وجود واجهات شكلية على هيئة أشخاص مدنيين متحالفين مع النخب العسكرية الحاكمة[2] .
اكتسبت التجربة التركية للتحول الديمقراطي أهمية خاصة من قبل المراقبين مقارنة بتجارب التحول الديمقراطي التي شهدها العالم في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وترجع هذه الأهمية إلي تميز التجربة التركية بأنها لم تكن فقط تحول نحو الديمقراطية ولكنها أيضا كانت تجربة تحول التعددية. كما أنها شهدت هيمنة للعسكريين علي الحياة السياسية باعتبار الجيش وصي علي العلمانية وعلي المبادئ التي أرساها أتاتورك. فمثلاً في الخبرة التركية – وتركيا هنا هي حالة الدراسة – لعبت المؤسسة العسكرية دور مؤثر في الوعي الجمعي للشعب التركي، وظهرت دائماً في دور حامي العلمانية وبالتالي لم يكن من السهل إخراج القوات المسلحة من الحياة السياسية أو ترسيخ حكم ديمقراطي مدني ليُمسك بزمام الأمور. وتعتبر مسألة عزل أو إبعاد الجيش عن التدخل في العملية السياسية جزءاً بل ومكوناً أساسياً من التنظيم الديمقراطي للدولة بشكل عام، وبالتالي فإنَّ تدخل الجيش في العملية السياسية يضر بموقف ووضع الدولة على طريق التحول الديمقراطي، فطبقاً لرأي لاري دايموند، لا يمكن أن تترسخ الديمقراطية حتى يخضع الجيش بشكل كامل للسيطرة المدنية ويلتزم بقوة بالتنظيم الدستوري الديمقراطي. [3]
تختلف القضايا المرتبطة بمعالجة العلاقات المدنية العسكرية بإختلاف المنظور الذي تتبناه كل دراسة وأيضاً وفقاً لإختلاف الأوضاع الخاصة بكل دولة ومنها مثلاً: من هي الجهة أو المؤسسة المسئولة عن رسم السياسات العامة للبلاد وتحديد الأولويات والمصلحة القومية، وأيضاً الجهات الشرعية التي تقوم بالرقابة على ميزانية الجيش ونطاق سلطة المحاكم العسكرية على العسكريين – وأيضاً المدنيين في حالات خاصة – والرقابة على شفافية الحصول على المعلومات مع ترتيبات للحفاظ على أسرار وخصوصية أوضاع الجيش لكن مع سيطرة الحكومة المدنية على المدى الزمني والنطاق المجالي للسرية، وضرورة وضع النشاطات الأخرى للمؤسسة العسكرية تحت سيطرة المدنيين، وعدم تسييس القادة العسكريين، والرقابة المدنية عبر البرلمان ( كجهة منتخبة ) على المؤسسة العسكرية، وتحقيق التوازن بين الأمن الداخلي والخارجي، ووضع ضوابط لتدخل الجيش في التأمين الداخلي، قرار الحرب، تصديق البرلمان على تعيين كبار القادة العسكريين، وشئون الترقية والتعيين والعلاقات الخارجية للجيش في شئون التدريب والتسليح .
وكذلك تتطلب المعالجة النهائية للعلاقات المدنية العسكرية أيضاً دمقرطة الجيش ذاته ، أي تعميم ثقافة الديمقراطية داخله وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والقيام بعملية إصلاح مؤسسي شاملة داخله.[4]
وعلى الرغم من أنَّ تركيز القوى السياسية في مرحلة التحول الديمقراطي يكون بشكل أساسي يعمل على إخراج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة إلا أنَّه لا يوجد طريق واحد لتحقيق هذا الهدف، فيجب إيجاد نوع من تحالف القوى المدنية وقيامها بعملية تعبئة وحشد وعي جماهيري لإخراج نخب العسكريين مع تقديم ضمانات قانونية ودستورية لهم. وهناك تحالف القوى المدنية الديمقراطية وقيامها بعقد إتفاق مع الجناح المعتدل داخل فئة النخبة العسكرية الحاكمة. وفي تركيا حدثت إنتكاسات عدة مثل إنقلاب عام 1960 ، وإنقلاب عام 1980 وأخيراً إنقلاب 1997 . ورغم ما حققته حكومة حزب العدالة والتنمية التي تولت زمام الأمور منذ نجاح الحزب في الحصول على أكثرية الأصوات عام 2002 ، ورغم ما تحقق في مجالات التنمية والحياة الإقتصادية إلا أنَّ تركيا لم تستطع تحقيق عملية دمقرطة شاملة ومازالت حتى الآن في مسارها المتعثر للتحول نحو الديمقراطية.
المشكلة البحثية:
تناولت العديد من الدراسات مشكلة التحول الديمقراطي، وإن تعددت الإتجاهات التي تم من خلالها تناول التحول الديمقراطي إلا أنَّ أغلب تلك الدراسات ألقت الضوء على أسباب التحول الديمقراطي ومظاهره ونتائجه.[5] كما ذهبت بعض الدراسات إلى دراسة التحول الديمقراطي من منظور مؤسسي وربط مسيرة هذا التحول بدور مؤسسات راسخة في المجتمع أو المؤسسات التي تلعب الدور الأهم والأبرز في النظام السياسي.[6]
إنَّ الدول التي تمر بتجارب للتحول الديمقراطي ليست بالضرورة تنجح في استكمال كافة خطوات التحول نحو الديمقراطية. فإنَّ الديمقراطية لا يمكن تلخيصها في إجراء الإنتخابات الدورية ، حيث أنَّ الإنتخابات الدورية النزيهة وإن كانت أحد أهم مظاهر ومقوِّمات الديمقراطية إلا أنها لا تكفي وحدها من أجل نجاح التحول الديمقراطي . فهناك جوانب أخرى تُمثل قضايا فارقة في مسار التحول نحو الديمقراطية مثل العلاقات المدنية العسكرية التي قد تُصبح – إذا إتسمت بالطابع الصراعي- معوِّقاً لعملية التحول الديمقراطي، خصوصاً وأنَّ العوامل المؤثرة على العلاقات المدنية العسكرية والمُحددة لدورها هي التي تجعل منها إمّا داعماً أو معوَّقاً للتحول الديمقراطي .[7] كما إتجهت دراسات أخرى إلى ربط إشكاليات العلاقات المدنية العسكرية ليس بطبيعة النظام السياسي – سواء كان ديمقراطي أم سلطوي مدني أم عسكري – وإنما ترتبط بمؤسسات وسيطة.[8]
وفي بعض الدول يتم إضفاء طابع معين على تدخل الجيش في السياسة مثل الزعم بأنَّ تدخل الجيش يهدف لحماية الهوية القومية للشعب ، أو كما في الحالة التركية من أجل حماية علمانية الدولة.[9] كما سعت بعض الدراسات لدراسة وتحليل العلاقة بين إحترافية المؤسسة العسكرية ومستوى التدخل السياسي لها وإنعكاس ذلك على مسار التحول الديمقراطي . [10]
ومن ما سبق إستعراضه من تناول الدراسات السابقة إذن المشكلة البحثية للدراسة تدور حول تأثير طبيعة العلاقات المدنية العسكرية على مسار التحول الديمقراطي في تركيا خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية .
والتساؤل الرئيسي الذي تحاول هذه الدراسة الإجابة عنه هو كالتالي : ما هو تأثير العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي ؟
وبتطبيق هذه الإشكالية على حالة الدراسة يُصبح السؤال كما يلي :
ما أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي في تركيا خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية ؟
وينبثق من هذا التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية :
- ما هي أنماط العلاقات المدنية العسكرية التركية ؟ وما هي العوامل المُحددة لطبيعة هذه العلاقات ؟
- ما الدور الذي لعبته القوات المسلحة في السياسة التركية قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم؟ وما التغير الذي طرأ على هذا الدور بعد وصول الحزب لسُدة الحكم؟
- لماذا أدي وصول حزب العدالة والتنمية للحكم إلى مزيد من إحتدام الصراع بين النخب المدنية والنخب العسكرية في تركيا ؟
- لماذا تكرر الحديث عن محاولة إنقلاب أُجهضت من حين إلى آخر ؟ وكيف يٌمكن أن تؤثر هذه الدعاوي على العلاقات المدنية العسكرية التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية؟
- ما هي العلاقة بين التحول الديمقراطي والعلاقات المدنية العسكرية في تركيا؟
- كيف أثر الصراع بين المؤسسة العسكرية والحزب الحاكم على مسار التحول الديمقراطي التركي ؟
فرضيات الدراسة
أولاً : تفترض هذه الدراسة أنَّه كلما زاد إنسحاب القوات المسلحة من المجال السياسي كلما أدى ذلك لتسهيل عملية التحول نحو الديمقراطية وتعتبر الدراسة أنَّ زيادة إحترافية المؤسسة العسكرية تنعكس على خروجها من الحياة السياسية .
ثانياً :إنَّ تركيا وما لها من تاريخ طويل من التدخل العسكري في الحياة السياسية لم تشهد سوى فترات متقطعة من الحكم المدني سرعان ما تُعيقها تدخلات المؤسسة العسكرية . وبالتالي تفترض الدراسة أنَّ الحالة التركية يُمكنها إتمام مسيرة التحول الديمقراطي إذا تم إنسحاب القوات المسلحة من الحياة السياسية بشكل كامل .
أهمية الدراسة:
أولاً: الأهمية العلمية للدراسة
تتمثل الأهمية العلمية للدراسة
- ضعف القاعدة العلمية العربية التي تناولت موضوع العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي ، وعدم الاهتمام بتجارب الدول الآسيوية في هذا الصدد رغم حاجة الدول العربية إلى نماذج تستخلص منها دروس مستفادة لتطبيقها مع ما يتسق معها في التجارب العربية .
- السعي لدراسة طبيعة العلاقة بين العلاقات المدنية العسكرية ( المتغير المستقل ) وعملية التحول الديمقراطي ( المتغير التابع) ، والعوامل المُحددة لهذه العلاقة والنتائج المترتبة عليها .
- سيطرة المنظور الغربي على الأدبيات التي تناولت مشكلة الدراسة وبالتالي سيادة التعميم على كل الحالات مع تجاهل دور الجيوش في الدول النامية أو المتحولة نحو الديمقراطية .
- غلبة الأدبيات التي تؤكد على إنشاء مؤسسات مدنية تهيمن على المؤسسة العسكرية ، متجاهلة النفوذ غير المباشر للعسكريين والتدخل الإقتصادي والإجتماعي لهم .
ثانياً : الأهمية العملية للدراسة
- حداثة الموضوع وأهميته حيث أن تطوراته لازالت تحدث حتي الان وباعتبار أن هذه التطورات لن تكون النهاية لتصاعد التحديات امام التحول الديمقراطي التركي.
- استخلاص الخبرة التركية الطويلة مع إشكاليات العلاقات المدنية العسكرية وكذلك عملية التحول الديمقراطي والاستفادة منها في التجربة المصرية المتعثرة في التحول نحو الديمقراطية .
- محاولة إستشراف مستقبل التجربة التركية كتجربة متفردة في منطقة متأججة من نواحي عدة ، وتقييم صمود التجربة رغم ما تواجهه من تحديات .
تحديد المشكلة
أولاً: التحديد المكاني
لقد وقع الاختيار على دراسة حالة تركيا وذلك لما شهدته هذه التجربة من تاريخ طويل من تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية سواء بشكل مباشر من خلال إنقلابات عسكرية على حكومات مدنية أو بشكل غير مباشر من خلال النفوذ العسكري في المجتمع التركي ، وعملية التحول الديمقراطي التي قطعت أشواط ثم تخللتها عقبات ، ولذا نسعى لمحاولة فهم العلاقة بين العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في تركيا .
ثانياً: التحديد الزماني
تمتد فترة الدراسة بدءاً من عام 2002 حيث أنها بداية فترة وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة ، وحتى عام 2016 وذلك بسبب ما شهده ذلك العام من أحداث تتعلق بالتحول الديمقراطي مثل المشاكل المسلحة مع حزب العمال الكردستاني و إنتهاكات لحرية الصحافة والصحفيين ، ومشاكل أُخرى تتعلق بالعلاقات المدنية العسكرية مثل دعاوى مؤامرات إنقلاب أُجهضت وغيرها من الأحداث .
مراجعة الدراسات السابقة
أولا: الدراسات التي تناولت العلاقات المدنية العسكرية :
هناك دراسة قدمها الباحث محمد عبدالله يونس تناول فيها موضوع “أثر العلاقات المدنية العسكرية علي السياسة الدفاعية الإسرائيلية 2000:2007 “ [11]، ودارت المشكلة البحثية للدراسة حول أثر العلاقات المدنية العسكرية علي السياسة الدفاعية الإسرائيلية بهدف بحث إشكالية ارتباط المجتمع والدولة في إسرائيل بالنموذج الإستيطاني الذي نشأت من خلاله الدولة . واعتمدت الدراسة علي منهج صنع القرار ، وتوصلت الدراسة إلي أن المؤسسة العسكرية في إسرائيل تتمتع بمكانة مركزية في عملية صنع السياسات الدفاعية لكنها ليست الفاعل الوحيد أو الأهم وتظل السيطرة المدنية تعمل بكفاءة متفاوتة في كبح جماح النفوذ العسكري ، كما لم يترتب على الدور المركزي للمؤسسة العسكرية انهيار النظام الديمقراطي تجاه الحكم العسكري علي الرغم من العسكرة المتصاعدة للنظام السياسي . لكن يؤخذ علي الدراسة انها اقتصرت علي تناول نتائج العلاقات المدنية العسكرية علي السياسات الدفاعية فحسب ولم تتناول أثرها علي جوانب وقضايا أخرى مثل المجتمع المدني أو الديمقراطية أو صعود اليمين المتشدد، كما أنَّ الدراسة توقفت عند عام 2007 . ونستفاد من هذه الدراسة من حيث تناولها لنظريات العلاقات المدنية العسكرية ومحددات العلاقات المدنية العسكرية سواء كانت المحددات الأمنية و العسكرية أو المحددات السياسية والاجتماعية .
وهناك دراسة قدمتها الباحثة انعام عبدالله محمد بعنوان “تأثير بنية النظام السياسي علي العلاقات المدنية العسكرية : دراسة حالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ” [12]، حيث سعت الدراسة إلى الوقوف علي تأثير إيدلوجية النظام السياسي الإيراني وما تفرزه من إزدواجية المؤسسة التنفيذية علي طبيعة العلاقات المدنية العسكرية . اعتمدت الباحثة علي الإقتراب المؤسسي الجديد وإقتراب تحليل النظم . وتوصلت الدراسة إلي أنَّه لا يوجد نظرية واحدة أو تفسير واحد يحكم العلاقة بين المدنيين والعسكريين كما أنَّ بنية المؤسسة العسكرية الإيرانية شهدت تراجع حجم القوات البرية والجوية لصالح قوات الحرس الثوري الإيراني ، إذن نخلص إلى أنَّ بنية النظام السياسي الإيراني أثَّرت بشكل كبير وعميق، سواء علي المستوى السياسي أو العقيدي ، على دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية . لكن يُؤخذ علي هذه الدراسة أنها لم تتناول الدور السياسي والعقيدي للمؤسسة العسكرية الإيرانية قبل الثورة الإسلامية 1979 .
ونستفاد من هذه الدراسة خاصة الفصل الرابع منها حيث تناول العلاقة بين المؤسسة العسكرية والنظام السياسي وكذلك العلاقة بين النخب العسكرية والنخب المدنية وأيضا العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمواطنين .
والدراسة التي قدمها الباحث هاني سليمان اسماعيل بعنوان “العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا منذ 1990 : دراسة حالتي ليبيريا وكوت ديفوار “[13] ، تدور المشكلة البحثية للدراسة حول الحاجة لوصف وتحليل العلاقات بين مكونات الحياة المدنية ككل والمؤسسة العسكرية التي أُسست لكي تُدافع عنه والتي اتخذت طابع خاص في القارة الإفريقية مما أدى لإنبثاق ظواهر سياسية متعددة من التدخلات والإنقلابات وغياب التنمية الشاملة. اعتمد الباحث علي منهج تحليل النظم، وتوصلت الدراسة لعدة نتائج أهمها تعدد أنماط العلاقات المدنية العسكرية والواقع الإفريقي جعل النمط الصراعي يطغي علي العلاقات بحيث هيمن العسكريون علي كافة مناحي الحياة بسبب فشل النظم المدنية ، كما أظهرت الدراسة تعدد العوامل التي أثرت علي العلاقات المدنية العسكرية سواء عوامل داخلية أو خارجية بالإضافة إلى إقرار الدراسة بأنَّ الإستجابات العسكرية لعمليات التحول المدني أعاقت بشكل كبير عملية التحول الديمقراطي . يُؤخذ على هذه الدراسة إنها لم تولِ الإهتمام الكافي للظواهر المترتبة علي الطابع الصراعي للعلاقات المدنية العسكرية خصوصاً في إفريقيا حيث ركزت بشكل أكبر علي أسباب وطبيعة العلاقات المدنية العسكرية . نستفاد من هذه الدراسة من فصلها الثاني حيث تناولت العوامل المؤثرة علي العلاقات المدنية العسكرية .
وتناول المقال الذي كتبه جريجوري فوستر بعنوان ” ثقافة البيروقراطية العسكرية : العلاقات
المدنية العسكرية في ديمقراطيات اليوم “[14] ، تناول المقال القضايا التي تواجه الدولة بشأن
العلاقات المدنية العسكرية في الولايات المتحدة . ويعرض المقال الأسباب التي دفعت بموضوع
العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع إلى دائرة الضوء : وما يتعلق بتوقعات المجتمع من
العسكريين ، والسجالات حول أزمة العلاقات المدنية العسكرية ودور القيادة الإستراتيجية، علي
المستوى المؤسسي والقومي ، في تقليص الفجوة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع . والمقال
أوضح أنّ أزمة العلاقات المدنية العسكرية لا تنشأ في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية أو
تنتقل نحو التحول الديمقراطي فحسب ، وإنما تنشأ أيضا في الديمقراطيات المستقرة مثل الولايات
المتحدة. واقترب أسلوب المقال من منهج تحليل النظم . ونستفاد من المقال تناوله لتقارير حول
العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع وليس النخب المدنية علي وجه الخصوص .
الدراسة التي قدمها الباحث باول إرنست لينز بعنوان “العلاقات المدنية العسكرية في
الديمقراطيات الإسلامية :التدخل العسكري والإنسحاب في الجزائر وباكستان وتركيا “ [15] تناولت
العلاقات المدنية العسكرية في الثلاث دول خصوصا كيف حدثت التدخلات والإنسحابات
العسكرية. والأسئلة الرئيسية التي تطرحها هذه الدراسة هي : لماذا تقوم القوات المسلحة بالتدخل
في السياسة ، ولماذا تقوم القوات المسلحة بالإنسحاب مرة أخرى إلي ثكناتها ؟
تذهب الدراسة للقول أنَّ الجيوش في هذه البلدان الثلاثة تستخدم القومية لإضفاء الشرعية علي
تدخلها في الحياة السياسية ، وتؤكد أنَّ إنسحابها يحدث عندما تتم حماية الهوية القومية . القومية
تُستخدم من قِبَل الجيوش الجزائرية والباكستانية والتركية للتغطية علي الإختلافات الإثنية والثقافية
للأقليات داخل الدولة. واعتمدت هذه الدراسة على منهج تحليل النظم ، وتوصلت الدراسة إلى أنًّ
استخدام القومية من قِبَل المؤسسة العسكرية للتدخل في السياسة في كلاً من الجزائر وباكستان
وتركيا لا يؤدي إلى تقوية الدولة القومية ، بل بدلا ً من ذلك يؤدي إلي تدعيم وتقوية الدولة
العميقة . توقفت هذه الدراسة حتي عام 2011 رغم أهمية مامرت به هذه الدول الثلاث فيما
يتعلق بالعلاقات المدنية العسكرية خلال السنوات التي تبعت 2011 . ونستفاد من هذه الدراسة
بتناولها تدخل الجيش في الحياة السياسية التركية .
ثانيا : الدراسات التي تناولت التحول الديمقراطي :
قام الباحث مصطفى غلام نبي بتقديم دراسة بعنوان ” التحول الديمقراطي في أفغانستان والعراق 2001:2010 من منظور مقارن ” [16]، تدور المشكلة البحثية لهذه الدراسة حول التعرف علي أسباب التحول الديمقراطي ومظاهره ونتائجه في كلٍ من أفغانستان والعراق إنطلاقاً من إدعاءات الولايات المتحدة التي احتلت أراضي الدولتين زعماَ أنَّ الهدف هو تحقيق التحول الديمقراطي ، حيث سعت الدراسة للإجابة على سؤال ( إلى أي مدى ساعد تغير النظام السياسي بعد إحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان 2001 والعراق 2003 إلى التحول نحو الديمقراطية ؟؟ )
واعتمد الباحث على منهج تحليل النظم وأيضا المنهج المقارن . وتوصلت الدراسة في النهاية إلي عدة نتائج أهمها أنَّ عملية التحول الديمقراطي تحتاج لحقوق الإنسان ولحكم القانون والحكم الرشيد وأن تعمل المؤسسات الديمقراطية بشكل فعال ولا يمكن إرساء الديمقراطية بالتدخل العسكري أو التفكير القَبَلي . ويُؤخذ على الدراسة أنها توقفت عند عام 2010 رغم حدوث تطورات كبيرة في مسألة التحول الديمقراطي في البلدين وتزايد حجم وتعقيد الجماعات الإرهابية الأكثر تطرفاً. ونستفاد من هذه الدراسة بسبب تناولها ظاهرة سعي الدول الكبرى لتصدير مفهوم ومقوّمات التحول الديمقراطي دون الأخذ في الإعتبار خصوصية الحالة والظروف التي تختلف من دولة إلى أُخرى .
قامت الباحثة إيمان أحمد عبدالحليم مهدي بدراسة بعنوان ” التحول الديمقراطي والأمن القومي: مع التطبيق على حالة مصر والعراق 1991 -2005 ” [17]. وكانت المشكلة البحثية التي تناولتها الدراسة تدور حول العلاقة بين درجة التحول الديمقراطي والأمن القومي لدولة ما وفي تلك الدراسة تطبيق على حالة مصر والعراق . واعتمدت الباحثة في دراستها على منهج تحليل النظم وساعدها هذا المنهج في الوصول لعدة نتائج أهمها الإقرار بوجود علاقة وثيقة بين درجة التحول الديمقراطي والأمن القومي ، فكلما زادت درجة التحول الديمقراطي كلما أصبحت الدولة أكثر أمناً والعكس صحيح ، بالإضافة إلى أنَّ قيام نظام ديمقراطي أو على الأقل قطع شوط أكبر في عملية التحول الديمقراطي يؤدي إلى الاستقرار السياسي الذي هو من أهم أبعاد الأمن القومي ، كما أن الممارسة الديمقراطية السليمة تؤدي لتكريس قيم الولاء وشرعية النظام السياسي كما أثبتت حالاتا الدراسة . لكن يُؤخذ على هذه الدراسة وقوفها عند عام 2005 حيث أنَّ مصر والعراق شهدتا بعد هذا العام انتكاسات وتطورات فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي والأمن القومي . ويُمكننا الاستفادة من هذه الدراسة بالتعرف على تجارب التحول الديمقراطي التي تخللتها انتكاسات في تدعيم الديمقراطية وتأثير ذلك على استقرار الحياة السياسية .
هناك دراسة قامت بها الباحثة إبتسام على مصطفى بعنوان ” التحول الديمقراطي في تركيا في الفترة من 1990:2004 ” [18] وتدور المشكلة البحثية للدراسة حول بحث حدود الخبرة التركية في التحول الديمقراطي وأهم سماتها خلال الفترة الممتدة من بداية التسعينات وحتي نهاية 2004 . اعتمدت الدراسة على اقتراب تحليل النظم وتوصلت إلى نتائج هامة منها أنَّ بعض العوامل كان لها تأثير كبير في دعم وتعزيز التحول الديمقراطي في تركيا فمثلاً قضية الإنضمام للإتحاد الأوربي دفعت الحكومات لتبني سياسات الإصلاح السياسي ، كما أوضحت الدراسة أنَّ التجربة التركية للتحول الديمقراطي تعكس تعكس تجربة فوقيّة وجهتها وحركتها النخبة إلا أنَّ هذه التجربة اتسمت بأنها جزء من نمط ترددي يتأرجح بين فترات من السلطوية وأُخرى من الديمقراطية . كانت هذه الدراسة ناجحة في تغطية جوانب خبرة التحول الديمقراطي في تركيا إلا أنها توقفت حتى عام 2004 ، مما يجعلنا نستفاد من هذه الدراسة كخلفية أولى للتحول الديمقراطي التركي للفترة محل بحثنا وهي تبدأ من 2005 .
قدمت الباحثة هالة جمال ثابت دراسة بعنوان “ظاهرة التحول الديمقراطي في أوغندا 1986:1996 دراسة تحليلية في الأسباب والنتائج “ [19]. وتناولت هذه الدراسة مشكلة بحثية تدور حول النموذج الديمقراطي وقصره علي الديمقراطية الليبرالية بإعتباره الطريق الوحيد لخروج إفريقيا من أزمتها وتحاول الباحثة الوقوف على إمكانية التوصل إلى نموذج ديمقراطي مختلف يتماشى مع التقاليد والقيم الإفريقية ، كما حاولت الوصول لمعرفة مدى نجاح النموذج الأوغندي في تبني نموذج إفريقي للديمقراطية يتفادى الإنقسامات القبلية أم أنَّ سياسات التحول الديمقراطي التي اتبعتها أوغندا كانت واجهة ديمقراطية تمثل إمتداد للسياسات السلطوية للحكومات السابقة . اعتمدت الباحثة في دراستها على إقتراب تحليل النظم وتوصلت الدراسة إلى نتائج أهمها أنَّ النموذج الأوغندي نجح في تحقيق طفرة هائلة علي المحور الإقتصادي وأيضاً في إشراك الشعب ورفع نسب المشاركة السياسية إلا أنَّ هذه المشاركة لم تكن فعالة بشكل كافي لان المجتمع المدني ظل ضعيف وغير قادر على تحدي الدولة . واستطاعت الدراسة تغطية جوانب تجربة التحول الديمقراطي الأوغندي إلا أنها هذه الدراسة توقفت حتي عام 1996 . ونستفاد من هذه الدراسة في معرفة تجارب التحول الديمقراطي في دول نامية ذات طبيعة خاصة لاسيّما الدول الإفريقية .
هناك دراسة قدمتها الباحثة اميرة إبراهيم حسن دياب بعنوان “التحول الديمقراطي في المغرب ودور المؤسسة الملكية 1992-1998 “[20] والمشكلة البحثية التي تناولتها الباحثة تدور حول تحديد معالم التحول الديمقراطي في المغرب وحجم ومدى الدور الذي لعبته المؤسسة الملكية في هذا الشأن ، فإذا كان المغرب قد شهد قدراً من التحول السياسي بإتجاه الديمقراطية فإن التعرف على ملامح هذا التحول تستوجب التعرف على وتحديد مدى ونطاق الدور الذي قامت به المؤسسة الملكية بإعتبارها الفاعل الرئيسي في النظام السياسي المغربي . اعتمدت الباحثة في الدراسة على اقتراب تحليل النظم وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها أنَّ المؤسسة الملكية في المغرب واجهت مؤثرات وعوامل داخلية وخارجية جعلت العاهل المغربي يُدخل قدر من التغيير لدعم التحول الديمقراطي وتوفير ضمانات دستورية وقانونية للممارسة السياسية . لكن يُؤخذ على الدراسة انها لم تتناول بشكل كافي جميع الأطراف الفاعلة في عملية التحول الديمقراطي وركزت بشكل واضح فقط على دور المؤسسة الملكية . ويمكننا الاستفادة من هذه الدراسة من خلال توضيحها للمؤسسات والاطراف والفواعل التي تلعب ادوار بارزة ومؤثرة في عملية التحول الديمقراطي .
ثالثا : الدراسات التي تناولت أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي
هناك دراسة قدمتها الباحثة إسراء احمد إسماعيل بعنوان “العلاقات المدنية العسكرية وعملية التحول الديمقراطي دراسة مقارنة مصر والجزائر ” [21]، وهذه الدراسة كان همها البحثي محاولة تحديد العوامل المؤثرة على العلاقات المدنية العسكرية والمحددة لدور المؤسسة العسكرية في عملية التحول الديمقراطي وإذا كان هذا الدور مدعّما لعملية التحول أم معوّقا لها . قامت الباحثة بهذه الدراسة بالإعتماد على إقتراب المؤسسية الجديدة والإقتراب المقارن . توصلت الدراسة إلى أنَّ مستقبل العلاقات المدنية العسكرية فى مصر والجزائر يواجه تحديات أهمها المشكلات الإقتصادية والإستقرار السياسي والإجتماعي وتطوير التعليم والثقافة السياسية ، حيث أنَّ التطورات المستقبلية للعلاقات المدنية العسكرية تعتمد في جانب كبير منها على أداء القيادة المدنية في الديمقراطيات الجديدة . أغفلت هذه الدراسة جوانب الوعي السياسي للجماهير والمشاركة السياسية وتأثيرها على حجم الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية . نستفاد من هذه الدراسة من خلال بحث تجارب التحول الديمقراطي في دول تتميز فيها المؤسسة العسكرية بطابع تاريخي خاص بسبب إرتباطها بنشأة الدولة الحديثة أو حصولها على دور تاريخي في حصول الدولة على إستقلالها .
هناك دراسة قدمتها الباحثة هبة الحسيني محمد عبدالمعطي بعنوان “العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في باكستان 1999-2012 ” [22] وهدفت هذه الدراسة إلى توضيح حدود التطور في طبيعة العلاقات المدنية العسكرية بدولة باكستان وأثر ذلك على مسيرة التحول الديمقراطي بالدولة . اعتمدت الدراسة على إقتراب الجيلين والمنهج المقارن ، وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها أنَّ الجيوش في مجتمعات العالم الثالث لعبت دور سياسي وإجتماعي حيث أن نمط النظام السياسي، سواء كان ديمقراطي أو سلطوي مدني أو عسكري، ليس عنصر رئيسي في حل إشكاليات العلاقات المدنية العسكرية وإنما ترتبط بمتغيرات وسيطة . وأوضحت الدراسة أن السلطة العسكرية الباكستانية طبعت بصماتها على إختراع أسطورة الخطر الإسلامي في باكستان بهدف أن تُحكم قبضتها على مقاليد السلطة . أغفلت الدراسة تناول دور المؤسسات الأُخرى ، سواء المؤسسة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية ، في إشكاليات العلاقات المدنية العسكرية أو حتى دورها في كبح جماح المؤسسة العسكرية . ونستفاد من هذه الدراسة من حيث وقوعها في النطاق الجغرافي للحالة محل دراستنا ، وتتشابه أيضاً معها في وجود مواجهة بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي ، والذي تجعله المؤسسة العسكرية ذريعة للتدخل في الحياة السياسية للحفاظ على علمانية الدولة .
وهناك دراسة هامة قدمها الباحث هارولد آنتاناس ترينكوناس بعنوان “بلورة هيمنة مدنية على القوات المسلحة : الصراع السياسي و التصميم المؤسسي والتبعية العسكرية في الديمقراطيات الناشئة “ [23]، وسعت هذه الدراسة لبحث إشكالية ما هي الهيمنة المدنية ؟ وكيف يمكن تأسيس هذه الهيمنة في الديمقراطيات الناشئة ؟ وتوضح الدراسة أنه على الرغم من أن التدخل العسكري قد تمَّ تناوله بشكل كبير في الأدبيات سواء التي كانت تدور حول التحول الديمقراطي أو التي دارت حول العلاقات المدنية العسكرية ، إلا أنَّ كيفية تحقيق هيمنة مدنية قد تم تجاهلها . اعتمدت الدراسة على المنهج المقارن ، حيث قام الباحث بالمقارنة بين الأرجنتين وفنزويلا كمثالين على الديمقراطيات الناشئة التي لها تجربة في المحاولة لتدعيم الهيمنة المدنية وكبح جماح النفوذ العسكري . وتوصلت الدراسة إلى أنَّ الحُكم المدني يُمكن إنشاءه وتثبيته فقط عندما يستخدم الحُكّام إستراتيجية وصياغة قومية للاستفادة فرص المبادرة ، فالحكومات التي لديها فرص مُبادرة واستراتيجية قومية قوية تتمتع بدرجة عالية من النفوذ المدني على القوات المُسلحة ما يُمكِّنهم من النجاح في تقليص حدود النفوذ العسكري ، وحصر نشاطات القوات المُسلحة على دورها الرئيسي: وهو الإعداد للحرب. ومع ذلك فإن الحكومات التي كرَّست درجة عالية من الخبرة المدنية ولديها مؤسسات تقوم بالرقابة على أنشطة القوات المسلحة ، هي الحكومات التي تستطيع النجاح في تعزيز الديمقراطية والحكم المدني. كانت الدراسة مُوفقة في تناولها للموضوع إلا أنها تُعد قديمة نسبياً حيث أنها قُدمت عام 1999 . ونستفاد من هذه الدراسة في تناولها لمسألة كيفية إقامة الحُكم المدني والسيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية .
وتناول المقال الذي قدّمه روكفيك في ، و جيفتك زد، وإيفانيس بعنوان “العلاقات المدنية العسكرية والسيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة في جمهورية الصرب” [24]حيث تناول المقال دمقرطة العلاقات المدنية العسكرية وضمان الحكم الديمقراطي للقوات المسلحة في الجمهورية الصربية وإلى أي مدى يُمكن تصنيف العلاقات المدنية العسكرية الصربية على أنها مثل الديمقراطيات الراسخة. اعتمد المقال على إقتراب تحليل النظم مستخدماً تحليل الوثائق القانونية وغيرها من البيانات . وقد توصل كتاب المقال إلى نتائج منها أنه بالرغم من أن التغيرات الديمقراطية في جمهورية الصرب من بداية اكتوبر 2000 قد أثرت بشكل كبير على العلاقة بين النخب العسكرية والنخب المدنية ، إلا أنَّ العلاقات المدنية العسكرية الصربية يُمكن اعتبارها إلى حد ما علاقة ديمقراطية . وهذا المقال لم يتعرض لتاريخ التدخل العسكري في الحياة السياسية في جمهورية الصرب، ونستفاد من المقال في تناوله لمسألة أثر وصول حزب معين إلى سُدة الحكم على العلاقات المدنية العسكرية وإنعكاسه على مسار التحول الديمقراطي.
وتناول ماثورين هوينجنيكبو في كتابه المُعَنوَن ” حماية الحراس : العلاقات المدنية العسكرية والحُكم الديمقراطي في إفريقيا ” [25]، تناول الكاتب مشكلة طبيعة العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا ويستعرض الكتاب تاريخ تدخل القوات المسلحة في السياسة في البلاد الإفريقية ودور المؤسسة العسكرية سواء في الفترة قبل الإستعمار أو في فترة الإستعمار . وتوصل الكتاب إلى ضرورة إيجاد نمط جديد للعلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا ويدعو الكتاب ليس فحسب إلى سيطرة مدنية على المؤسسة العسكرية وإنمّا أيضاً الحاجة لوجود رقابة ديمقراطية على قوات الأمن في إفريقيا . ويمكننا القول أنَّ هذا الكتاب تعرَّض لمشكلة العلاقات المدنية العسكرية في
منطقة لها تاريخ طويل فيما يتعلق بتدخل العسكريين في السياسة إلا أنَّ الكتاب لم يلقي الضوء على التحول الديمقراطي ومراحله في إفريقيا وتوقفت الدراسة عند عام 2010 وحدث بعد هذا العام مشاكل بخصوص العلاقات المدنية العسكرية . ونستفاد من الكتاب في تناوله لبعض التجارب التاريخية والمعاصرة لتعقد صراع العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا.
رابعاً: الدراسات التي تناولت أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي في تركيا :
هناك دراسة قدمتها الباحثة مروة صبحي محمد بعنوان “ أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي : دراسة مقارنة تركيا وإندونيسيا ” [26]، وكانت هذه الدراسة تسعى لبيان دور العلاقات المدنية العسكرية إذا كانت دافعة أو معوِّقة أو غير ذات تأثير على مسار التحول الديمقراطي . واعتمدت هذه الدراسة على مناهج وهي أولاً منهج الأسلوب المُقارن وثانياً منهج نموذج الجيلين ، وقد اُستخدم هذين المنهجين لأنهم مناسبين لأسلوب الدراسة المُعتمد على المقارنة بين حالتي تركيا وإندونيسيا . وقد توصلت الباحثة إلى أنَّ زيادة المهنية العسكرية تؤدي إلى فعالية المؤسسة العسكرية لكنها لاتؤدي لترسيخ التحول الديمقراطي ، وأيضاً أنه كلما زاد مستوى إحترافية المؤسسة العسكرية تراجع مستوى التدخل السياسي لها . لكن هذه الدراسة اقتصرت هذه الدراسة على بيان أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي في تركيا حتى عام 2010 ، على الرغم مما شهدته هذه المشكلة من تطورات خلال الخمس سنوات الأخيرة وهو ما يدفعنا بالضرورة لإستكمال مسيرة البحث في هذا الموضوع. وسوف نستفاد من هذه الدراسة من فصلها الثاني لإنه تناول الإرث التاريخي لتدخل الجيش التركي في السياسة .
والمقال الذي كتبه يو بي يلديز بعنوان “ إعادة التفكير في العلاقات المدنية العسكرية في تركيا: مشاكل الحُكم الديمقراطي في قطاعات الأمن و الدفاع ” [27]. سعى المقال لإستكشاف معوِّقات الحكم الديمقراطي لقطاعات الدفاع والأمن في تركيا ، حيث أنّه ومن أجل دمقرطة العلاقات المدنية العسكرية ، قامت تركيا في السنوات الأخيرة بالتعامل بنجاح مع الموجة الأولى من المشكلات التي تتعلق بالإصلاح المؤسسي الذي هدف إلى منع الجيش من التدخل في الحياة السياسية . وانتهج المقال الأسلوب المؤسسي الجديد في تناوله للمشكلة . وتوصل المقال إلى أنَّه ومع ذلك لا يُمكن تحقيق دمقرطة العلاقات المدنية العسكرية من خلال إقصاء الجيش عن السياسة فحسب ، وإنما أيضاً يجب التعامل مع الموجة الثانية من مشكلات العلاقات المدنية العسكرية والمتعلقة بالأمن والدفاع . وبالتالي يجب على تركيا مواجهة تحديات المتعلقة بإصلاح الهياكل غير الفعّالة لصناعة السياسات الدفاعية ، والرقابة البرلمانية غير الفعالة على قطاعات الأمن والدفاع والمشاركة الضعيفة للمجتمع المدني في جدال الأمن والدفاع . إذن نخلص إلى أنَّ تركيا بإصلاحات في هذه القطاعات من أجل تحقيق دمقرطة العلاقات المدينة العسكرية . ونستفاد من هذا المقال تناوله للجوانب المختلفة الواجب إصلاحها والتعامل من معها من أجل تحقيق إتساق العلاقات المدنية العسكرية مع عملية التحول الديمقراطي .
وفي مقال كتبه نارلي بعنوان ” إصلاحات هيمنة الإتحاد الأوربي ، والتحول الديمقراطي ، ونمط جديد من العلاقات المدنية العسكرية في تركيا ” [28] تناول المقال العلاقة بين المؤسسة العسكرية التركية وسياسة المدنيين وبين المجتمع قبل وبعد هيمنة إصلاحات الإتحاد الأوربي. وتوصل المقال إلى تغيرات أُدخلت على عقليات المواطن التركي وإدراكه للثقافة الأمنية والثقافة السياسية للعلاقات المدنية العسكرية بواسطة إصلاحات الإتحاد الأوربي ، وسعت هذه التغيرات إلى تقليل التأثيرات الرسمية وغير الرسمية للمؤسسة العسكرية في السياسة المدنية. المقال تناول جوانب هامة وشاملة للمشكلة مثل الرقابة البرلمانية والتغير في الثقافة السياسية للشعب بخصوص العلاقات المدنية العسكرية وبناء الشفافية في قطاع الدفاع والأمن لكن المقال لم يتناول محاولات رد الفعل من قِبَل المؤسسة العسكرية ذاتها . ونستفاد من هذا المقال تناوله لمسألة بناء الشفافية في قطاع الدفاع وأيضاً تأثير إصلاحات الإتحاد الأوربي.
وأيضاً مقال آخر كتبه يو سيزر بعنوان ” إشكاليات الحوكمة الديمقراطية للعلاقات المدنية العسكرية في تركيا ومنطقة نفوذ و توسع الإتحاد الأوربي ” [29] حيث ناقش المقال إشكالية إنضمام تركيا – فعلياً ومجازياً – للمنظمات الأوربية مثل NATO, OSCE,EU ، وما طرحه ذلك من محاولة تطبيق مبادئها العامة على الحالة التركية خاصة فيما تعلق بدور المؤسسة العسكرية التركية في السياسة والحياة العامة. وتوصل المقال إلى أنَّ ما يعيق تركيا من أن تصبح جزء من طية أوربا هو طبيعة العلاقات المدنية العسكرية في تركيا وأيضاً فشل الإقتراب الغربي من تعديل أو الإستجابة لهذه العلاقات. اقتصر المقال على جانب المنظور الأوربي والمتطلبات الأوربية بإعتبارها العامل الأساسي المُحدد والمؤثر للعلاقات المدنية العسكرية التركية. ونستفاد من هذا المقال تناوله لاستجابة المجتمع والمؤسسات التركية لمتطلبات المنظمات الأوربية الغربية ومعاييرها لتقييم التحول الديمقراطي .
الإطار النظري والمفاهيمي
سوف نتناول في الإطار النظري النظريات التي تناولت طبيعة وأنماط العلاقات المدنية العسكرية، وتنقسم هذه النظريات إلى نوعين: أولهما النظريات التقليدية في دراسة العلاقات المدنية العسكرية، وثانيهما: الإتجاهات الجديدة في دراسة العلاقات المدنية العسكرية. ثم أخيراً نتناول أنماط العلاقات المدنية العسكرية.
أولاً: النظريات التقليدية لدراسة العلاقات المدنية العسكرية
النظريات التقليدية التي تدرس العلاقات المدنية العسكرية من المنظور الغربي، أي سيطرة النموذج الغربي المعاصر ومحاولة تطبيقه وتعميمه. وهذا النموذج الغربي المُعاصر يعتبر التدخل السياسي للعسكريين يُمثَّــل تهديد للديمقراطية والإستقرار السياسي و التداول السلمي للسلطة بسبب إحتكار العسكريين للقوة المسلحة وبالتالي إحتمال إستخدامها لأهداف سياسية كالإنفراد بالسلطة وتصفية المعارضة السياسية المدنية، بالإضافة إلى القيم العسكرية التي تقوم أساساً على الهيراركية والطاعة وبذلك تتناقض مع القيم الديمقراطية التي تقوم على التعددية والمساواة في الفرص وتداول السلطة . ويؤكد أنصار النظريات التقليدية – والنموذج الغربي – أنَّ إحترافية المؤسسة العسكرية هي الآلية التي تضمن السيطرة المدنية على العسكريين وبالتالي بناء علاقات مدنية عسكرية ديمقراطية.[30]
- النظرية المؤسسية ( نظرية صاموئيل هنتنجتون ): ترتبط النظرية المؤسسية التقليدية التي أسسها صاموئيل هنتنجتون بالمبادئ التي وضعها فيما يتعلق بضمان الحياد السياسي منها: الفصل بين المؤسسات السياسية، والإحترافية العسكرية المحايدة، والسيطرة المدنية الموضوعية – أي تعزيز تخصص العسكريين في الشئون العسكرية مع ترك الشئون السياسية للمدنيين الذين يصلون للسلطة بطرق شرعية ديمقراطية وضمان عدم تدخلهم في الصراع السياسي .
وتتلخص المبادئ الأساسية لنظرية “هنتنجتون” في الآتي:
- العسكريين والمدنيين يُشكِّــلون جماعات متباينة، وهناك تمايزات بينهما.
- العلاقات المدنية العسكرية هي علاقات طابعها الصراع.
- لتحجيم الصراع يجب إخضاع العسكريين للمدنيين.
- تحولات العلاقات المدنية العسكرية عبر الوقت يتوقف بشكل أساسي على قوة وفاعلية السيطرة المدنية.
ويذهب هنتنجتون إلى أنَّ العلاقات المدنية العسكرية تتمثّل في ثلاث مستويات[31] :
- العلاقات بين القوات المسلحة ككل والمجتمع ككل .
- العلاقات بين النخبة العسكرية وبين النخب الأخرى في المجتمع ( غير العسكرية ) .
- العلاقة بين القيادة العليا للقوات المسلحة والقيادة السياسية العليا للدولة.
ولكن تم إنتقاد هنتنجتون لفصله الحاد بين المؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات المدنية فصلاً يتنافى مع واقع العلاقات المدنية العسكرية على الأرض حيث أنَّ أفراد القوات المسلحة ينتمون إلى طبقات وفئات المجتمع، فأفراد القوات المسلحة ليسوا بطبقة مستقلة قائمة بذاتها في المجتمع. وأرجع هنتنجتون التدخل السياسي للعسكريين في دول العالم الثالث بسبب التسييس العام للقوى الإجتماعية الناتج عن غياب المؤسسات الدستورية الوسيطة، وبالتالي يشيع التنافس بين القوى الإجتماعية بما فيها المؤسسة العسكرية وهنا تلجأ القوات المسلحة – بصفتها أحد القوي الإجتماعية المكوِّنة للمجتمع – للإنقلاب العسكري في خضم التنافس على السلطة.
ويقترح صامويل هنتنجتون طريقتين لتحقيق السيطرة المدنية على العسكريين :
- طريقة السيطرة المدنية الذاتية: يقترح هنتنجتون أن تقوم القوى المدنية بتكتيل مصالحها معاً من أجل تعظيم قوة وثِقل المدنيين في مواجهة العسكريين. ويجب أن يحدث هذا التكتل بين القوى المدنية حتى رغم إحتمالية وجود مصالح متعارضة بين القوى المدنية بعضها بعضاً، وليس ضرورياً أن يحدث هذا التكتل من قِبل جميع القوى المدنية بل يكفي أن تقوم به بعض القطاعات.
- طريقة السيطرة المدنية الموضوعية: وهنا تعني السيطرة الموضوعية أي زيادة إحترافية المؤسسة العسكرية وتكريس إستقلالية العسكريين وجعلهم أداة في يد الدولة وذلك لضمان الحياد السياسي للعسكريين. وبعبارات أخرى يمكن القول أنَّ السيطرة الموضوعية هي على العكس من السيطرة الذاتية؛ حيث أنَّ السيطرة الذاتية تتحقق من خلال مدْينة العسكريين ، بينما السيطرة الموضوعية تعمل على عسكرة العسكريين من أجل جعلهم “أداة للدولة” وضمان الحياد السياسي. ويرى هنتنجتون أنَّ النمط المثالي للعلاقات المدنية العسكرية هو الذي تتحقق فيه السيطرة المدنية الموضوعية حيث تتقلص القوة السياسية للعسكريين من خلال: إضفاء طابع الإحتراف على المؤسسة العسكرية، الحياد السياسي للعسكريين ، وضع تدريب مهني محترف للتعامل مع عمليات العنف في المجتمع ، وأخيراً تهيئة العسكريين وتـأهيلهم للإستعداد لتنفيذ قرارات الحكومة الشرعية.
وبينما أكد هنتنجتون على أنَّ الإحترافية هي الآلية الرئيسية لضمان الحياد السياسي للعسكريين وبناء علاقات مدنية عسكرية ديمقراطية ، وأنَّ زيادة الإحتراف العسكري هو أقوى أساس لضمان سيطرة مدنية قوية وفعالة. لكن ذهب آخرون من أنصار الإتجاه الليبرالي التقليدي إلى ضرورة وضع ضوابط قانونية ومؤسسية لضمان الحياد السياسي للعسكريين مثل إقرار إطار قانوني ومؤسسي لتنظيم سيطرة المؤسسات المدنية على المؤسسة العسكرية، وكذلك تبني آليات تضمن الرقابة على المؤسسة العسكرية.
- نظرية التبعيّة ( نظرية بيتر فيفر )[32]
يقترح بيتر فيفر نموذج التبعية لتفسير أهمية خضوع العسكريين للمؤسسات المدنية السياسية. ويضفي فيفر على العلاقات المدنية العسكرية الطابع التعاقدي حيث يعتبر أنَّ العلاقات المدنية العسكرية هي علاقات تعاقد بين النخبة العسكرية والنخب السياسية المدنية. ونموذج التبعية الذي يقترحه فيفر يضع خصائص للعلاقات المدنية العسكرية أهمها[33]:
- الطابع التعاقدي : حيث يرى فيفر أنَّ العلاقات المدنية العسكرية وفق نموذج التبعية تقوم على أساس تعاقدي بين المؤسسات السياسية المدنية والمؤسسة العسكرية، فيتم الإتفاق ضمنياً على تولى المؤسسات المدنية سلطة صنع السياسة الدفاعية والرقابة على العسكريين من خلال آليات تصحيحية، وبموجب هذا التعاقد يتنازل السياسيون عن بعض سلطاتهم للعسكريين لتطوير قدراتهم وكذلك مهام تنفيذ السياسة الدفاعية التي تقرها المؤسسات السياسية المدنية.
- الطابع الهيراركي: المؤسسة العسكرية تتسم في العموم بالطابع الهرمي في ترتيب القيادة والأوامر ، بينما القيادة السياسية المدنية تأتي على قمة هرم القيادة ، وذلك بسبب إعتبارات الشرعية التي تستمدها المؤسسات والقيادات السياسية من كونها منتخبة.
- طابع المرونة: العلاقات المدنية العسكرية بالمرونة، بمعنى أنَّ إستجابة العسكريين لأوامر المدنيين تختلف فقد تكون طاعة كاملة وقد تكون محاولات تهرب من أدائها.
ولا شك هناك إختلاف جذري بين الثقافة العسكرية وبين قيم الثقافة الديمقراطية، بسبب رغبة العسكريين في الإستقلال بشئونهم والإستئثار بالمعلومات العسكرية دون رقابة ولكن مخاوف المؤسسات المدنية من محاولة الإنقلاب العسكري تجعلهم يسعون للرقابة على النشاطات العسكرية . لذا يقترح بيتر فيفر آليات لتحقيق السيطرة المدنية على العسكريين :
- تحجيم سلطة التفويض للمؤسسة العسكرية من خلال تحديد حجم الإنفاق العسكري ومستوى تسليح الجيش وحجمه.
- تكريس الرقابة على المؤسسة العسكرية من خلال القنوات الشرعية ، وكذلك إنشاء كيانات موازية للمساعدة في الرقابة.
- في حالة عصيان القيادات العسكرية لأوامر القيادات السياسية المدنية يأتي دور القضاء العسكري.
- الإحتفاظ بسلطة تحديد المهام وإنهاء التفويض وتغيير القيادات العسكرية.
مفاهيم الدراسة
أولاً: مفهوم التحول الديمقراطي
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الديمقراطية هي الهدف المُعلن لأغلب الدول، وعملت المنظمات الحكومية وغير الحكومية على دعم التحول نحو الديمقراطية؛ لكن مع ذلك لا يوجد تعريف متفق عليه لمفهوم التحول الديمقراطي. واتجهت الدراسات الأولى لدراسة التحول الديمقراطي إلى تعريفه على أنَّه التحول من عدم الديمقراطية نحو حكومة تمثيلية ومسئولة. بينما اتجهت تعريفات أحدث إلى أنَّ التحول الديمقراطي هو الترتيب المؤسسي الذي بمقتضاه يحصل الأفراد على حق اتخاذ القرار من خلال انتخابات نزيهة وعادلة ودورية يتنافس فيها مختلف المرشحين، وبالتالي فإنَّ الديمقراطية وفقاً لذلك تشتمل على عنصرين أساسيين هما التنافس والمشاركة كما أنَّها تتضمن احترام الحريات المدنية والسياسية.
منهج الدراسة :
- المنهج المؤسسي[34]
يمكن استخدام المنهج المؤسسى الحديث والذى يتعامل مع المؤسسة على أساس أنَّ لها هياكل وتكوين وبنية داخلية وعمليات ومعايير خاصة بها وانطلاقاً من ذلك فهى تنمو وتدخل فى علاقات جديدة وتضم أدوار ووحدات ليست جامدة وذلك هو ما ينطبق على المؤسسة العسكرية فى تركيا حيث تعتبر أقوى المؤسسات التركية لتنظيمها الداخلى المحكم وتتمتع باستقلالية كاملة فى اختيار عناصرها القيادية ووضوح رؤيتها أيضا ووضعها السياسى بموجب الدستور التركى الذى حملها مسؤلية الحفاظ على الأمن القومى إضافة الى ضخامة القوة العسكرية للقوات المسلحة التركية وعلى الصعيد الداخلى لم تكن المؤسسة تتردد في التعبير عن انزعاجها وأحياناً استعدادها للتدخل فى مواجهة تطورات داخلية ترى أنها تهدد مبادئ وأسس الدولة القائمة باعتبارها القوة الرئيسية .
إلا أنَّ المنهج المؤسسى يفترض أنَّ الوزن النسبى للمؤسسة قد يتغير بالزيادة أو النقصان من مرحلة لأخرى داخل نفس الدولة وهو ماحدث مع المؤسسة العسكرية التركية فكانت فى فترة من الفترات وطبقا للدستور تتمتع بصلاحيات قوية تجعلها بيسط نفوذها فى مختلف المجالات وجاءت فترة أخرى قل فيها دور المؤسسة خلاص وجود حزب قوى ومسيطر.
- منهج التحول الديمقراطى :
دراسة التحول الديمقراطي من خلال استخدام المنهج المؤسسى من المفترض أنَّ أى نظام
يحدث فيه تحول ديمقراطى يحدث هناك تغيير فى توازنات القوى بين المؤسسات ومن أهم هذه التغيرات التى تحدث بين المؤسسة العسكرية والمدنية فى تركيا نلاحظ أنَّ التوازن كان لصالح المؤسسة العسكرية فى البداية واكتسبت شرعية من خلال الدستور ومع ظهور حزب قوى ومسيطر مثل حزب العدالة والتنمية حدث تغير فى التوازن لصالح القوى المدنية.
تقسيم الدراسة
لقد تمَّ تقسيم الدراسة بما يتناسب مع متغيري الدراسة، حتى تتمكن الدراسة من تناول تأثير العلاقات المدنية العسكرية ( المتغير المستقل) على مؤشرات ومراحل التحول الديمقراطي ( المتغير التابع) للتوصل إلى نتائج وتوصيات متناسقة وتبني على ما توصلت إليه الدراسات السابقة التي تناولت نفس المشكلة البحثية. ويكون تقسيم الدراسة كالتالي:
الفصل الأول: أثر العلاقات المدنية العسكرية على المشاركة السياسية في تركيا
المبحث الأول: الإنتخابات البرلمانية والرئاسية
المبحث الثاني: الأنشطة التعبوية والروابط غير الرسمية في المجتمع التركي
الفصل الثاني: أثر العلاقات المدنية العسكرية على الحريات المدنية والسياسية
المبحث الأول: الأقليات وقضايا التمكين
المبحث الثاني: الحريات العامة والتنمية الإجتماعية والإقتصادية
الفصل الثالث: أثر العلاقات المدنية العسكرية على استقلال القضاء
المبحث الأول: التعديلات الدستورية ومحاكمات الضباط
المبحث الثاني: توصيات الإتحاد الأوروبي وتقييم التحول الديمقراطي التركي
الخاتمة:
الفصل الأول
أثر العلاقات المدنية العسكرية على المشاركة السياسية
المبحث الأول: الإنتخابات البرلمانية والرئاسية
المبحث الثاني: المشاركة السياسية والروابط غير الرسمية
المبحث الأول
السلوك التصويتي
في هذا المبحث سيتم تناول النظام الإنتخابي في تركيا وتأثير المؤسسة العسكرية على بنية نظام الإنتخابات والإتجاهات التصويتية، سواء في الإنتخابات البرلمانية أو الإنتخابات الرئاسية.
أولاً : الإنتخابات البرلمانية
البرلمان التركي هو الهيئة التشريعية الوحيدة التي يمكنها مناقشة وتعديل الدستور التركي. ويتكون البرلمان من 550 عضو والدورة البرلمانية مدتها خمس سنوات . ولكن قبل الحديث عن السلوك الإنتخابي والتصويتي يجدر بالدراسة الإشارة إلى نظام الإنتخابات البرلمانية في تركيا.
إنَّ نظام الإنتخابات البرلمانية الحالي في تركيا هو نظام التمثيل النسبي ذو القائمة المغلقة، والعتبة الإنتخابية هي 10% من الأصوات في البلاد كحد أدنى. أي أنَّ الأحزاب التي تدخل الإنتخابات لايمكنها دخول البرلمان إن لم تتمكن من تجاوز نسبة الـ 10 في المئة من الأصوات الصحيحة في جميع أنحاء الجمهورية التركية. وتتم العملية الإنتخابية على شكل التصويت السري العام وفق القواعد المُنظمة للعملية الإنتخابية في القانون. [35]
ويتم إنتقاد نظام الإنتخابات بسبب عتبة العشرة بالمئة المطلوبة من أي حزب – لا يخضع لهذه النسبة المرشحين المستقلين – لدخول البرلمان بإعتبارها النسبة الأعلى من أي نظام إنتخابي آخر. وعرفت الإنتخابات التركية نسبة 10 % كعتبة لدخول البرلمان منذ عام 1983 أي بعد إنقلاب عام 1980 بثلاثة أعوام فقط. كما أنَّ البعض يعتبرها عتبة غير ديمقراطية لأنها تحرم الأحزاب الصغيرة من دخول البرلمان بل وتذهب الأصوات التي انتخبتهم للأحزاب الكبيرة وبالتالي فهذه العتبة تصب بشكل أساسي في مصلحة الأحزاب الكبيرة .[36]
وفي العام 2013 حاول حزب العدالة والتنمية الحاكم التخلص من تأثير هذه العتبة على فرص الأحزاب ، حيث قدم الحزب إقتراحين أولهما اقترح إلغاء هذه العتبة نهائياً واعتماد نظام الإنتخاب الفردي “التمثيل المباشر”، وثانيهما اقترح تخفيض هذه العتبة لتكون ما بين 3% و 5% وتقليص التمثيل الإقليمي. لكن الإقتراحين رُفضا من قِبَل أحزاب المعارضة؛ فحزب الحركة القومية أيّد بقاء النظام القائم وحزب الشعب الجمهوري – وهو حزب المعارضة الأكبر – أيّد عتبة الـ 5% مع استمرار العمل بنظام القوائم الحزبية كما هي، أما حزب الشعوب الديمقراطي فلم يستجب للإقتراحين. وكان بإمكان حزب العدالة والتنمية بما أنَّه حزب الأغلبية أن يُمرر قانون العتبة لتصبح العتبة صفر ويتم العمل بنظام التمثيل المباشر، لكن الحزب سلك طريق التوافق وآثر الإجماع بين الأطراف. [37]
ويجدر الذكر أنَّ المشاركة في الإنتخابات في تركيا منذ تطبيق نظام التعددية الحزبية وحتى آخر إنتخابات أجريت هي 82.4 % من الناخبين.[38]
ونحن بصدد الحديث عن تأثير نمط العلاقات المدنية العسكرية في تركيا على الإنتخابات وبالأحرى تأثيرها على السلوك التصويتي للجماهير، يجدر الإشارة إلى إستقطاب الرأي العام بين نجاحات حزب العدالة والتنمية – ذو المرجعية الإسلامية – الإقتصادية والتنموية من ناحية، وبين الدعوة للحفاظ على علمانية الدولة والحذر من أيدلوجية حزب العدالة والتنمية التي وُصِفَت بـ”العثمانية الجديدة”. وجاءت الإنتخابات البرلمانية التي أُجريت في يونيو 2015 لتبرهن على الإتجاهات التصويتية غير المستقرة والتذبذبية بين دعوات علمانية الدولة وبين نجاحات الحزب الحاكم منذ أكثر من عقد. في إنتخابات يونيو2015 تنافس حوالي 15 حزب سياسي للفوز بأصوات 53 مليون ناخب تركي لإختيار 550 نائب برلماني. وجاءت نتائج هذه الإنتخابات لتجعل من حزب العدالة والتنمية الخاسر الأكبر لأنه بعد أن كان الحزب الحاكم منذ 2002 سيضطر الحزب وفق نتائج تلك الإنتخابات لتـشكيل حكومة إئتلافية أو الدعوة لإنتخابات مبكرة. أظهرت تلك النتائج انخفاض كبير في شعبية حزب العدالة والتنمية حيث أنَّه في إنتخابات عام 2011 حاز الحزب على 49.8% من الأصوات وحاز زعيم الحزب رجب طيب إردوغان في الإنتخابات الرئاسية في أغسطس 2014 على نحو 51.5% من الأصوات، وجاءت إنتخابات 2015 للحزب بــ 40.6% فقط من إجمالي الأصوات مما يعني إنخفاض في نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب بما يقارب 10% من الأصوات .[39] ويبدو أنَّ نمط توزيع الأصوات يوضح أنَّ شعبية حزب العدالة والتنمية قلت بصورة كبيرة في مناطق تركز الأكراد مثل مناطق جنوب شرق تركيا التي كان يحظى فيها الحزب بشعبية كبيرة فيما سبق. وعندما نحاول فَهم ما حدث أو ما هي العوامل التي أدت لإنخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية بهذه الصورة نجد أنَّ الأمر متشابك ومتداخل. الأحزاب في تركيا بطبيعتها أحزاب “شخصية” أي أنَّ عمادها وقوامها يرتبط بالشخصيات والزعامات التاريخية لتلك الأحزاب وبالتالي تفتقر لمبدأ المؤسسية. وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإنَّ القاعدة الجماهيرية للحزب ترتبط أساساً بالشخصيات المؤسسة له في العام 2001 من أبرزها مثلاً الرئيس التركي السابق عبدالله جول وغيره من شخصيات الحزب البارزة التي تمَّ منعها من خوض جولة الإنتخابات هذه بسبب قاعدة حزب العدالة والتنمية التي تنص على أنَّ كل نائب يترشح ثلاث دورات فقط، كما أنَّ توجهات الحزب في هذه المرحلة فضَّلت إختيار شخصيات أكثر توافقاً وتأييداً لإردوغان وسياساته كعامل مُرجِّـح أكثر من الكفاءة السياسية، وبالتالي من المنطقي أن يؤثر ذلك على شعبية الحزب وعلى نسبة نجاحه في إنتخابات يونيو2015. ومن ناحية أخرى، فإنَّ من أهم عوامل إستمرار حزب العدالة والتنمية في السلطة من 2002 هو تحقيق معدلات نمو إقتصادي مرتفعة خلال فترة حكمه، لذا فمن المنطقي أنَّ المشاكل الإقتصادية التي حدثت مؤخراً في تركيا تؤثر سلبياً على شعبية الحزب خاصة مع عجز الحكومة عن إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة التباطؤ في النمو الإقتصادي كما وصل عدد العاطلين في تركيا إلى 6 مليون شخص، مع وجود إحصائيات عن أنَّ 29 مليون مواطن تركي يعيشون تحت خط الفقر، بالإضافة إلى تراجع قيمة العملة بالنسبة للدولار الأمريكي[40]، هذا بالإضافة إلى سياسات الرئيس التركي إردوغان التي تتبنى سياسات الإقصاء وعدم الحوار، مع تراجع مستوى تركيا في مجال الحقوق والحريات بشكل عام وعلى وجه الخصوص حرية الصحافة وقمع الإعلام الحر وتكريس مناخ الإستقطاب .
ولكن بعد هذه الإنتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو 2015 وكانت لها دلالات مهمة، دعا الرئيس التركي إردوغان إلى إنتخابات مبكرة جرت في نوفمبر من نفس العام ولكنها جاءت بنتائج مختلفة تماماً حيث حصل حزب العدالة والتنمية على نحو 49.4% من الأصوات وهو ما يُمكَّـن الحزب من تشكيل حكومة أغلبية واستدراك انتكاسة ما حدث في إنتخابات يونيو.[41] استطاع حزب العدالة والتنمية أن يعود للتحكم بزمام السلطة بعد أن كادت تنفلت من بين يديه في إنتخابات يونيو2015، وهذه العودة مكنت الحزب من الاحتفاظ بمكتسبات الثلاثة عشر سنة السابقة منذ بداية الفوز بالإنتخابات في عام 2002. هناك أسباب مكنت الحزب من الحصول على الأغلبية في نوفمبر 2015 أهمها على سبيل المثال إرتفاع حدة الإستقطاب في المجتمع حيث اتسع مجال الإستقطاب ليشمل إستقطاب عرقي وطائفي وأيضاً مناطقي وذلك تزامناً مع انهيار عملية بناء السلام مع الأكراد وتصعيد الصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني مما أثر بدوره على شعبية حزب الشعوب الديمقراطية المنافس لحزب العدالة والتنمية. والسبب الثاني وراء فوز العدالة والتنمية هو ضعف الأحزاب المعارضة حيث أنَّ أداء الأحزاب المعارضة في مرحلة ما بعد إنتخابات يونيو 2015 أدى إلى تراجع نسب فوزها فبإستثناء حزب الشعب الجمهوري – حزب المعارضة الرئيسي – الذي زاد عدد مقاعده في إنتخابات نوفمبر، إلا أنَّ أحزاب المعارضة الأخرى وهي بالأساس حزب الشعوب الديمقراطية وحزب الحركة القومية انخفضت مقاعدها. وبالتأكيد لجأ حزب العدالة والتنمية إلى توظيف الإعلام للترويج لمرشحي الحزب الحاكم ولم يكن هناك عدالة في إظهار توجهات مرشحي الأحزاب المعارضة، كما تعلم الحزب من أخطاء إنتخابات يونيو حيث أعاد الحزب ترشيح شخصياته البارزة مما أعاد للحزب جزء مهم من قاعدته الجماهيرية وإطلاق الوعود الإقتصادية وغيرها من العوامل التي ساعدت الحزب في تجاوز انتكاسة نتائج إنتخابات يونيو2015.[42]
ثانياً: الإنتخابات الرئاسية
من أهم التطورات التي حدثت في الداخل التركي هو الإنتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2014، حيث أنَّ رجب طيب إردوغان الذي تم إنتخابه كرئيس للوزراء على مدار ما يقرب من إثني عشر عاماً منذ 2002 وحتى منتصف 2014 اُنتخب ليصبح الرئيس الثاني عشر في تاريخ الجمهورية التركية والرئيس التركي الأول الذي يتم إنتخابه بالإقتراع المباشر من قِبل الجماهير بعد أن كان رئيس الجمهورية يتم انتخابه – كما في أي نظام برلماني – من قِبل أعضاء البرلمان. وإنتخابات 2014 هي أول إنتخابات رئاسية تركية يشارك فيها المواطنين بشكل مباشر لإختيار رئيسهم ، وتنافس في هذه الإنتخابات ثلاث مرشحين هم : رجب طيب إردوغان عن حزب العدالة والتنمية، وأكمل الدين إحسان أوغلو مرشح أحزاب المعارضة حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، صلاح الدين ديميرتاش مرشح الأحزاب الكردية. وجاءت نتائج هذه الإنتخابات لتعلن فوز مرشح حزب العدالة والتنمية رجب أردوغان بنسبة 51.5% في مقابل 38.5% و 9.5% تقريباً لمنافسيه علي الترتيب ، فقد جائت نتائج الانتخابات متماشية تقريباً مع الإستنتاجات وإستطلاعات الرأي التي سبقت الإنتخابات ، كما تمثل هذه الإنتخابات ثبات نسبي حيث عبرت الإنتخابات عن إستمرار خريطة توزيع القوي السياسية الأساسية علي الساحة التركية.[43]
جرت الانتخابات في مناخ متوتر، وعلى خلفية الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية، بالانتخابات البلدية التي سبقت هذه الانتخابات، مصدر التوتر، ناشئ من تراجع مستوى الحريات، والتسلط الذي يبديه شخص رئيس الوزراء التركي، بمناسبة وغير مناسبة على مؤسسات الدولة، خاصة مؤسستي القضاء والشرطة. ومخاوف من إقدام إردوغان على تعديل الدستور، كي يبقى مهيمناً على مقاليد الأمور في تركيا. واستقر حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، على انتهاج طريق ثالث، في محاولة لتحقيق انتصار على العدالة والتنمية، أثمر عن توافق الحزبين – وأحزاب أخرى صغيرة- على تسمية شخصية إسلامية مرموقة هو الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، مرشحاً لرئاسة الجمهورية. [44]
ومن اللافت للنظر أنَّ عددًا غير قليل من أصوات المعارضة – تحديدًا الحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية – ذهب إلى المرشحيْن الآخريْن بخلاف مرشحهما المشترك أكمل الدين إحسان أوغلو؛ فقد ذهب وفق التوقعات الأولية ما بين حوالي 750 ألف ومليون صوت من الحزب الجمهوري لمرشح آخر غير أكمل الدين إحسان أوغلو – يُعتقد أنه صلاح الدين دميرتاش- ، فيما ذهبت أصوات حوالي 1.7 مليون من حزب الحركة القومية المعارض إلى مرشح حزب العدالة والتنمية رجب طيب إردوغان. ويعني هذا أنَّ كلا الحزبين لم يلتزما بالدعم الكامل لمرشحهم المشترك، أو على الأقل لم يستطيعوا أن يقنعوا قاعدتهم بالتصويت له. ولا شك أن عدم إلتزام الناخبين في المعارضة بقرار حزبيهما التصويت لصالح المرشح المشترك هو تعبير في حد ذاته عن الأزمة الداخلية التي تعيشها هذه الأحزاب وسيكون له انعكاسات لاحقة على بنيتها وتوجهاتها. في المقابل، نجح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في مضاعفة الأصوات التي حصل عليها كما نجح في تخطي عقد هامش 4 إلى 6% التي كانت تدور حولها المشاركة الكردية في الاستحقاقات الانتخابية السابقة. ولا شك أنه سيترتب على هذا الأداء الكردي نتائج على أكثر من صعيد خلال المرحلة المقبلة.[45] كانت الأحزاب السياسية المعارضة على يقين بأنَّه لا يمكن هزيمة إردوغان إلا إذا تم جره إلى جولة الإعادة، لأنه من الصعب هزيمة مرشح حزب، يتولى السلطة، وصاحب إنجاز اقتصادي غير مسبوق في تاريخ تركيا، ما يعني أن تكتيكات الانتخابات الرئاسية التركية، جرت بوضوح تام، فالمرشح الكردي يعلم أن حظوظه ضعيفة في الفوز، وأوغلو يعلم أن حظوظه في الفوز من الجولة الأولى ضعيفة للغاية، وحزب العدالة والتنمية، يسعى للفوز من الجولة الأولى، حتى لا يبقى مصيره معلقا بالأصوات الكردية. وجرت الانتخابات في ظل نسبة المشاركة نحو 74% ، وهي نسبة مثيرة للإعجاب، تبرهن على أن المواطن التركي، أصبح يمتلك خبرات ديمقراطية محترمة. اتسمت المعركة بالندية والقوة في كافة المناطق التركية، ويبدو من النتائج الأولية، أن المرشح الكردي هو الذي حال دون دخول أردوغان وأوغلو جولة إعادة حاسمة. كما أن معركة المدن الكبرى كانت ساخنة لدرجة كبيرة، ولولا نسبة الأصوات التي حصل عليها إردوغان في مدينة قونيا -منطقة وسط الأناضول- لما تمكن أردوغان من الفوز من الجولة الأولى.[46]
وجدير بالملاحظة الفرق في موقف المؤسسة العسكرية في انتخابات 2014 حيث لم يكن هناك تأثير واضح لموقف المؤسسة العسكرية من ترشح إردوغان، على عكس ما حدث في الإنتخابات الرئاسية 2007. بسبب توتر العلاقات بين الجيش والحكومة التركية في الفترة 2006- 2008 وزادت حدة التوتر أثناء الانتخابات نتيجة تولي الجنرال “ياسر بويوكانيت” رئاسة أركان الجيش التركي وهو شخصية علمانية متشددة حيث حاول الجيش تغيير قرار ترشيح حكومة العدالة والتنمية وزير خارجيتها آنذاك “عبدالله جول” لرئاسة الجمهورية وصرح الجنرال أنَّ الجيش يجب أن يهتم بالإنتخابات الرئاسية لأنَّ الرئيس هو القائد العام للقوات المسلحة. [47]
لا تكمن أهمية الإنتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2014 أن نتج عنها فوز مرشح العدالة والتنمية ورئيس الوزراء السابق لمدة حوالي إثني عشر عاماً، لكن تكمن أهمية هذه الإنتخابات في أنَّها دفعت النظام السياسي في تركيا خطوة تجاه النظام شبه الرئاسي، كما أنَّها أول إنتخابات رئاسية بنظام الإقتراع المباشر من قِبَل الجماهير. ويرى مؤيدو النظام الرئاسي والنظام شبه الرئاسي أنَّه الحل للمشكلات التي سببها النظام البرلماني الذي كان يثير أزمات سياسية بسبب الإضطربات وضعف الحكومات الإئتلافية[48].
ويعتبر نظام الحكم الذي أسسه دستور 1982 لم يكن نظام برلماني بشكل كامل لكنه كان نظام يقوم بشكل رئيسي على أولاً مجلس وزراء مسئول أمام البرلمان و ثانياً منصب رئاسي رمزي. ورئيس الجمهورية له السلطة والمسئولية القانونية مع حرمانه من المسئولية السياسية. ومن ثمَّ فإنَّ نظام الحكم وفق دستور 1982 يعتبر نظام مختلط يجمع بين النظام البرلماني وشبه الرئاسي، ويعكس هذا الدستور أنَّ المجلس العسكري آنذاك أراد إنشاء آلية مراقبة أعلى من مجلس الوزراء والبرلمان المنتخب.[49]
حدثت في العام 2007 أزمة دستورية بشأن منصب الرئاسة وذلك عندما إنتهت فترة الرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزار، حيث أنَّه يجب أن يفوز مرشح الرئاسة بتصويت البرلمان بنسبة ثلثي الأعضاء في الجولتين الأولى والثانية ليتأهل للجولتين الثالثة والرابعة اللتان تتطلبان أغلبية 50% وواحد ، وكان عبدالله جول مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في ذلك التصويت لا يمتلك الأغلبية المؤهلة في الجولتين الأولى والثانية بينما يمتلك الأغلبية المطلوبة في الجولتين الثالثة والرابعة وذلك كله في ظل تخوف المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأخرى العلمانية تجاه الجمهورية التركية العلمانية –الأتاتوركية- في حال وصول عبدالله جول إلى الرئاسة.[50] ولذا لجأ حزب العدالة والتنمية للتحالف مع حزب “الوطن الأم” لإجراء تعديل دستوري ينص على أن تصبح فترة الرئاسة خمس سنوات وبحد أقصى فترتين وأن يتم إنتخاب الرئيس بالإقتراع الشعبي المباشر، وتمت الموافقة على هذا التعديل في إستفتاء شعبي بنسبة 69%، ولكن كان البرلمان قد إختار بالفعل عبدالله جول لمنصب الرئاسة قبل بدء العمل بالتعديل الدستوري الجديد، وعليه كانت أول إنتخابات رئاسية بالإقتراع الشعبي المباشر في الجمهورية التركية تلك التي أُجريت في أغسطس 2014 وفاز بها رجب طيب إردوغان.
تعد التعديلات الدستورية في عام 2007 خطوة أخرى في طريق النظام شبه الرئاسي حيث مجلس وزراء مسئول أمام البرلمان ورئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب، بالتالي هو نظام يجمع بين سمات النظام البرلماني والنظام الرئاسي مع تميزه بالفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية. ولكن النظام شبه رئاسي له مشكلاته ففي حال كان رئيس الجمهورية ذا إنتماءات سياسية متعارضة مع حزب الأغلبية البرلمانية مما يولد صراع دائم، وقد يلجأ الرئيس لحل البرلمان للمجئ بأغلبية برلمانية متوافقة مع سياساته وهذا خيار غير مضمونة عواقبه. وأعطت التعديلات الدستورية الأخيرة عدد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية منها حلّ البرلمان وإعادة إنتخابه، وأيضاً يُمكن جعل منصب رئيس الوزراء يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية – لكن هذا لم يُنَفَذ بعد. وبالتالي إذا تمَّ إستغلال هذه الصلاحيات مع سحب شرط ثقة البرلمان على تعيين رئيس البرلمان يصبح النظام “رئاسي مُقنع”. ودائماً ما يحدث صدام بين مؤيدو النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي وبين النظام البرلماني، وقد فشلوا في التحالف ضد هذا النظام في السبعينات والتسعينات وكانت دائماً الحكومات ضعيفة بسبب كونها حكومات غير آتية من أغلبية برلمانية ولم تستطع النجاح سوى الأوقات التي إستطاعت فيها الأحزاب تكوين تحالف قوي فيما بينها. لكن يرى بعض المراقبون أنَّ مشروع الرئيس إردوغان للتحول إلى نظام رئاسي لن يمضي إلى نهايته لرفض الشعب التركي ما يراه البعض مشروع يلبي طموحات الرئيس رجب طيب إردوغان بحيث يجمع في يديه كل السلطات دون معارضة .[51]
ويطوي النظام البرلماني في طياته بذور الصدام في حال كانت الأغلبية البرلمانية ليست من نفس الحزب أو حال سحب الثقة من الحكومة. ولكن أيضاً النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي لا يملك حلولاً لهذا النوع من الأزمات حيث أنَّه في حال كان الرئيس ذا توجهات سياسية متعارضة مع حزب الأغلبية في البرلمان فإنَّ الأمر لا يخلو من صدام وأزمة سياسية . لكن النظام الرئاسي الذي تكون فيه سلطة الرئيس وسلطة البرلمان منفصلتين عن بعضهما البعض فهنا ينشأ هيكلين منفصلين من السلطات غير المتعارضة أي أنَّها متوازية. ومؤيدو النظام الرئاسي في تركيا دائماً ما يراودهم النموذج الأمريكي، لكن لا يُمكن النظر للنموذج الأمريكي بسبب النظام الحزبي الفريد داخل المجتمع الأمريكي حيث وجود حزبين كبيرين مختلفين من حيث التوجهات السياسية والأجندة والمصالح. [52] ولكن مع فوز رجب طيب أردوغان بمنصب الرئيس في أغسطس 2014، فإنَّ أولويته ستتركز على إنجاز خطوة جوهرية قادمة تتضمن اعتماد دستور جديد يوازن بين سلطات الحكومة والرئيس، عبر استحداث نظام رئاسي أو شبه رئاسي على غرار فرنسا. فأثناء حملته الانتخابية، حدد الآلية التي تحقق أولويته والنتيجة المترتبة عليها؛ فقال: “سوف نضع دستورًا جديدًا. تركيا القديمة أصبحت من الماضي”. ولكن في ظل السلطات المحدودة الحالية للرئيس، ما الذي يمكن لأردوغان أن يفعله في تحديد مستقبل تركيا؟ يذهب البعض إلى أن فوز أردوغان، بوصفه أول رئيس منتخب بشكل مباشر في تاريخ تركيا، سوف يسمح له بالسيطرة على مجلس الأمن القومي، واتخاذ قرار بشأن استخدام القوة العسكرية، مع الحفاظ على قبضته على الحكومة التي يديرها حزبه. كما سيكون قادرًا على تسمية أعضاء المحكمة العليا في تركيا. ويقول علي نهاد أوزكان، المحلل في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في أنقرة: “إنَّ إردوغان سيعزز سلطته كرئيس بمساعدة حكومة موالية، وهذا من شأنه أن يعطيه القدرة على السيطرة تمامًا على أداء الدولة” .[53]
من المتوقع أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات على الواقع الحزبي في تركيا لناحية تعزيز شرعية حزب العدالة والتنمية كحزب حاكم في البلاد وأن تشكّل هذه النسبة حافزًا جديدًا للفوز بهامش واسع على الأحزاب المعارضة. وفي النهاية يُمكن القول أنَّ المرحلة السابقة وحتى إستفتاء أكتوبر 2007 تعبر بشكل كبير عن الإنتقال من نظام الوصاية العسكرية إلى الإدارة المدنية.[54]
وما سيركز عليه الحزب الحاكم بعد وصول مرشحه وزعيمه رجب طيب إردوغان هو إعداد دستور جديد يتوافق مع ميوله، وربما ينحو نحو نظام رئاسي.[55]
المبحث الثاني
الأنشطة التعبوية والروابط غير الرسمية
أولاً: الأنشطة التعبوية
بدأ الحديث عن الأنشطة التعبويّة في تركيا منذ فترة، سواء التعبئة من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم أو من جانب المعارضة. وعند الحديث عن الأنشطة التعبوية جدير بالذكر أنَّ أبعاد تنامي دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وتدعيم سيطرتها عبر الأجهزة والأدوات السياسية، إلى جانب ما شهدته تركيا من أربعة إنقلابات عسكرية كان لها آثارها على السياسة والمجتمع التركي. تركز الدراسات المعنية بنمط العلاقات المدنية العسكرية أساساً على الترتيبات الصورية والدستورية والقانونية، في الوقت الذي تولي فيه اهتماماً ضئيلاً لتعقد تركيبة العلاقات على أرض الواقع بين النظم العسكرية والمدنية، فجاء أكثرها شيوعيا ليهتم بالأنساق التي ظل العسكريون فيها تحت سيطرة نظم ديمقراطية قائمة على أسس دستورية، والأنساق الخاضعة للسيطرة العسكرية [56]. ومن أهم الفرضيات التي تطرحها الدراسات التي تتناول مشاركة العسكريين في السياسة، هي أنه في الحالة “النموذجية” يبقى العسكريون غير مشاركين سياسياً. ومن هنا يثور السؤال الأهم: كيف تنشأ هذه المشاركة السياسية بعيداً عن فكرة أنَّ العسكريين قد يعملوا على إشراك أنفسهم في السياسة بطريقة أو بأخرى في حالات كثيرة؟ إضافة إلى ذلك فإنَّ بعض الدراسات تطرح سؤالين مستقلين، هما: لماذا وتحت أي ظروف يحتمل إلى حد كبير أن يشتغل العسكريون بالنشاط التشريعي والسياسي المقبول دستوريا؟ ولماذا وتحت أي ظروف يحتمل إلى حد كبير أيضا أن يساند العسكريون أو يعارضون – تماما أو بعض الشيء – السلطات المدنية؟ ومن هنا لابد للملاحظة الواقعية أن تراعي دور العسكريين سياسيًا، إذ إنَّ مشاركة العسكريين في الحياة السياسة ليست ظاهرة عابرة، ففي بلدان مثل بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وبعض أجزاء آسيا، تصل حكومات عسكرية إلى السلطة. وما دامت الظروف التنظيمية غير المستقرة سائدة، فمن المتوقع استمرار العسكريين في أداء دور حاسم في إدارة السلطة. وفي المقابل، ففي الديمقراطيات الغربية الأكثر استقرارا ونضجًا تعد السيطرة العسكرية بعيدة الاحتمال فيها، ولكن من المتوقع أيضا استمرار التأثير العسكري القوي في السياسة، كما هو حادث في كثير من البلدان الديمقراطية (البنتاجون في الولايات المتحدة ـ المؤسسة العسكرية في تركيا ـ العديد من المؤسسات العسكرية فيما اصطلح عليه بدول أوربا الشرقية)، ففي الوقت الذي فشلت فيه ظروف التوترات الدولية طويلة الأمد في إفراز “الدولة العسكرية” في الغرب، فإنها عززت موقع العسكريين، ليس في أمور عامة محددة في نطاق ضيق للدفاع الوطني فقط، بل أيضا في الحياة السياسية عامة والى حد ما. وتتركز التفسيرات السببية للتدخل العسكري ضد السلطات المدنية، إما على خصائص النظم العسكرية، وإما على عوامل غير عسكرية أوسع نطاقا.[57]
وعلى الرغم من اتخاذ حزب العدالة والتنمية خطوات جادة نحو إضعاف دور وتأثير المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية من خلال الإصلاحات الدستورية – التي سنتناولها في الفصل الثالث – فإنَّ ذلك لم يؤدي فعلياً إلى فك ارتباط الجيش تماماً من العملية السياسية، ولم يؤدي إلى إعادة التفكير في أدواره في القطاعات أو المساحات التي يجب أن تكون خاضعة للسيطرة المدنية. بكلمات أخرى فإنَّ اعتبار أنَّ الدور السياسي للمؤسسة العسكرية سيتدهور تلقائياً بمجرد القيام بهذه الإصلاحات الدستورية هو وهم لا يمت لأرض الواقع بصلة. [58]
أعلن إردوغان بعد فوز حزبه في انتخابات 2002 أنَّ أولويته هي الاستقرار الاقتصادي وعضوية الاتحاد الأوروبي، ولم يركز على القضايا الاجتماعية للأجندة الإسلامية، حيث تنبه إردوغان إلى أهمية الحديث بلغة الحداثة والاندماج في الاتحاد الأوروبي. لذا استطاع الحزب من خلال التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان أن يحجم تأثير المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية والقضاء تدريجياً على المؤسسة الكمالية الراسخة. [59]
وجدير بالملاحظة أنَّ توازن القوي بين المدنيين والعسكريين لم يعد يقتصر فحسب على هذين الطرفين، فالجيش لم يعد يمارس السلطة بمفرده كما أنه مازالت هناك نصوص قانونية يبني الجيش عليها نفوذه. وكان رد فعل حكومة العدالة والتنمية في هذه المرحلة يتجه دوماً نحو إنكار أي توتر وتجنب الصدام مع المؤسسة العلمانية ، والدفع دوماً بأنَّ هذه المؤسسة عليها محاربة المتطرفين وليس حزب العدالة والتنمية الذي يصف نفسه دائماً بأنَّه حزب ديمقراطي محافظ. وإذا حاولنا تفسير السياسة الدفاعية تلك لحزب العدالة والتنمية تجاه الجيش فقد نحتاج إلى تحليل أداء حكومة العدالة والتنمية، حيث أنَّ فشل الحكومة في تدعيم مبادئ الحوكمة الديمقراطية على القوات المسلحة بالتزامن مع تراجع الخطاب الديمقراطي للحزب وتزايد العداء مع الإتحاد الأوروبي وكذلك إعطاء الأولوية للحل الأمني تجاه القضية الكردية، وإعطاء الأولوية للأمن القومي على الأمن الإنساني، صب كل ذلك في بلورة تلك الإستراتيجية الدفاعية للعدالة والتنمية تجاه المؤسسة العسكرية.[60] وبالتالي فإنَّ تهاوي الأجندة الديمقراطية المدعومة من الإتحاد الأوروبي فإنَّ البدائل الديمقراطية الفعّالة في مسألة العلاقات المدنية العسكرية تمَّ تأجيلها من جانب العدالة والتنمية لحساب قضايا أخرى، وعليه فقد اعتبرت الحكومة أنَّ قضية المدني/العسكري هي مسألة فرعية في عملية الإصلاح السياسي. وأدت عدم الثقة المتبادلة بين الجيش وحزب العدالة والتنمية الحاكم – بسبب الصراع المتراكم بين الرؤية العلمانية والجذور الإسلامية للحزب – إلى تعزيز قيادة الحزب الحاكم حيث استند في بداية حكمه على دعم الاتحاد الأوروبي لمدنيّة الدولة في تركيا. ومنذ بداية تطبيق سياسة التعددية الحزبية عام 1946 اتبع القادة المدنيون سياسة براجماتية تجاه العسكريين حيث تعاملت مع التفوق السياسي للجيش على أنَّه من المسلمات الواجب تقبلها. كما تبنى القادة المدنيون نوعين متناقضين من الخطاب تجاه المؤسسة العسكرية فكانوا دائماً يتحدثون بلغة وقائية ضد النفوذ السياسي للعسكريين، وعندما يفشل هذا الخطاب يلجأون لخطاب استرضائي تجاه المؤسسة العسكرية، ومدلول الخطابين واحد حيث يسعى لإظهار الجيش بطريقة تبرر دوره الرقابي على الحياة السياسية وأيضاً العمل على تمجيد الإرادة الشعبية ودور البرلمان، وعلى نفس هذا المنوال سار حزب العدالة والتنمية في بداية حكمه. [61] ومثال ذلك نفي رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان – رئيس الجمهورية حالياً – وجود أي خلاف بين حكومته والمؤسسة العلمانية بشأن القضية القبرصية عندما تم إستئناف المحادثات بين اليونانيين وقادة قبرص التركية في فبراير 2004 وذلك بهدف تعزيز موقف تركيا في سعيها للإنضمام للإتحاد الأوروبي.
بعد سنوات من تزايد نفوذه في الوسطين الكردي والتركي، يدخل حزب الشعوب الديموقراطي مرحلة جديدة فيها الكثير من التحديات، وهي نابعة من الدور الذي تصدى له الحزب منذ البداية عندما طرح نفسه حزباً ديموقراطياً يسارياً ممثلاً للأكراد والأتراك معاً، في دولة لا يعترف دستورها إلا بالقومية التركية قومية سائدة تسخّر لها الإمكانات الاجتماعية والسياسية والثقافية والأمنية، مقابل تهميش بقية القوميات والمكونات العرقية وإقصائها، في بلد يعاني في الأصل من إشكالية الهوية والخيارات بحكم موقعه الجيواستراتيجي. عندما تأسس حزب الشعوب الديموقراطي عام 2012، وجد فيه كثير من الأكراد والأتراك الجسر السياسي لإيجاد حل سياسي للقضية الكردية في تركيا بعد أن أفضت التجربة الدموية للحرب بين حزب العمال الكردستاني والحكومات التركية المتتالية، إلى جروح عميقة لدى المجتمعين الكردي والتركي، فخطاب الحزب قام على السلام والقواسم المشتركة وحمل راية الفئات المهمشة، وبفضل ذلك حقق نجاحاً كبيراً، عندما تجاوز العتبة الانتخابية مرتين العام 2015 ودخل البرلمان. لكن، ومع وصول مسار الحل السياسي بين تركيا وحزب العمال الكردستاني إلى طريق مسدود، يجد الحزب نفسه أمام تحديات الحفاظ على خطابه السابق، إذ يكاد ينجرف نحو التعبئة القومية في ظل الحرب التي أعلنها أردوغان على الكردستاني، حيث يقول لسان حاله يومياً إنه سيواصل الحرب ضد المقاتلين الأكراد حتى القضاء عليهم، وبفعل هذه الحــرب عاد من جديد صوت الرصاص ليكون سيد الموقف، بعد أن بشر زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان قبل نحو سنتين بأن عهد الرصاص انتهى إلى غير رجعة. حزب الشعوب الديموقراطي وبفعل بنيته الاجتماعية الكردية ومنظومته الفكرية، يجد نفسه محكوماً برفع راية الدفاع عن الحقوق القومية الكردية، وعليه انتقل في مرحلة ما بعد دخوله البرلمان إلى طرح تصوره للتطلعات الكردية في حكم محلي يحقق الهوية للأكراد، وفي هذا السياق ينبغي النظر إلى تصريحات زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش خلال مؤتمر المجتمع الديموقراطي في 25 ديسمبر في مدينة دياربكر بشأن إقامة حكم ذاتي في جنوب تركيا وشرقها، بل والحديث للمرة الأولى عن إقامة دولة كردستان، وكانت التصريحات بمثابة صب الزيت على النار، إذ أثارت ردود فعل غاضبة في الشارع التركي على المستويين الرسمي والشعبي.[62]
ومن خلال النظر إلى العلمانية على أنها “أسلوب حياة”، أدارت الدولة المؤسسات الدينية، ونشرت الكتب الدينية، وقامت بتوظيف العاملين في الشؤون الدينية ودرست الإسلام من ناحية، ومن ناحية أخري، بقي دين الإسلام داخل كل حدود الأمور الفردية في المساحات الخاصة وليس المجال العام ولم يظهر في الحياة الإجتماعية أو السياسية. هذه العلاقة المتناقضة لا معنى لها، حيث تُترجم العلمانية على أنها “جهاز” للسيطرة على الدين وإقصاء القوى الإجتماعية المحافظة عن الساحة السياسية. لقد عمل الإقصاء على أساس العلمانية، على نزع الشرعية عن الجهات الفاعلة الإجتماعية والسياسية المحافظة، وفي الوقت ذاته جعل من النخبة الكمالية طليعة لحماية النظام. هكذا كانت العلمانية درعاً، عزز من خلالها الكماليون قوتهم ونفوذهم على حساب القوى المحافظة. ووضعت مهمة العلمنة الكماليين في موضع القوة. من الصعب الآن أن تفرض العلمانية كأسلوب حياة، وأن يتم التفرقة بين أولئك غير العلمانيين في أسلوب حياتهم، أو أن يتم إقصائهم من مراكز القوة والنفوذ.[63] هذا المفهوم للعلمانية الذي يستبعد المحافظين والجماعات الدينية، لا يمكن أن يستمر، نظراً لتغيرات موازين القوى على أرض الواقع، وعلى حساب الكماليين. لقد استفاد المحافظون من الديمقراطية والعولمة وحققوا مكاسب سياسية وإقتصادية، وإجتماعية أكثر من أي وقت مضى. وهكذا، فان هناك حاجة إلى دستور ما بعد الكمالية لإعادة تعريف العلمانية بطريقة أكثر ديموقراطية وليبرالية، على نحو يتم فيه إستيعاب الدين في الحياة العامة، وذلك لضمان حيادية الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات المختلفة، ووقف الدولة عن التدخل في الشؤون الدينية. كما أنَّ هناك حاجة إلى دستور ما بعد الكمالية لأنَّ الكمالية التي ترى الأمة متجانسة، كما ورد في تعريف المواطنة في الدستور الحالي، لا تعكس الواقع الإجتماعي للبلد. فالمادة 66 تنص على أن “كل من ينتمي إلى الجمهورية التركية من خلال المواطنة فهو تركي”. فليس هناك أي مجال للإفصاح عن وجود عنصر غير الأتراك في تركيا[64]. وعلى الرغم من التاريخ الطويل من الحرمان والقمع، لا تزال الهوية الكردية تنبض بالحياة. فتقدر نسبة الأكراد بنحو 15 في المائة من سكان تركيا، وتحصل الحركة السياسية الكردية على أكثر من 2.5 مليون صوت. هناك حاجة إلى الإعتراف بتعدد الأعراق. وبالطبع فإن وجود الأكراد، كعرق وهوية مختلفة لا يتناغم مع التخيل الكمالي بأمة متجانسة تحكمها طليعة النخبة الكمالية. لذلك تم قمع كل من رفض هذه الأفكار العلمانية الإقصائية. [65]
ثانياً: الروابط غير الرسمية في المجتمع التركي
في بداية حكم حزب العدالة والتنمية خاصةً في الثلاث سنوات الأولى من انتخابات نوفمبر 2002 وحتى بدء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2005 قام الحزب بمحاولات لتحجيم الدور السياسي للعسكريين من خلال تقليص الآليات الرسمية لتدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، ولكن الجيش ظل محتفظاً بنفوذه الواسع في السياسة من الآليات غير الرسمية.[66] بدأ مؤخراً الحديث عن دعم حركة الخدمة لحزب العدالة والتنمية الحاكم طوال فترة حكمه منذ 2002. وحركة الخدمة هي “إئتلاف إنساني” تم وصفها أنها حركة دينية ووصفها آخرون أنَّها حركة تعليمية وتربوية ، ومنهم من وصفها بأنَّها حركة إجتماعية ومن قال أنَّها مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني. [67] ورغم أنَّ زعيم حركة الخدمة الأستاذ فتح الله كولن هو مسلم سني من مواطني الجمهورية التركية إلا أنَّ حركة الخدمة لاتقتصر على الأتراك بل الذين يُشكلون جزء كبير من الحركة في تركيا منهم أكراد وشركس وبوشناق وعرب وذلك منذ نشأة الحركة. كما أنَّ الحركة تتلقى الدعم من الشيعة والعلويين والجعفـرية والكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليك. ولا يقتصر نشاط الحركة على أنحاء تركيا فهي منتشرة في أنحاء العالم. وبعد فوز حزب العدالة والتنمية عام 2002 وقيامه بتنفيذ إصلاحات كثيرة تتناسب مع معايير الإتحاد الأوربي كانت حركة الخدمة تدعم الحزب لا من أجل الحزب نفسه لكن من أجل المشاريع التي أعلت من مكانة تركيا في العالم. [68]
ومن الجدير بالذكر أنَّ حركة الخدمة لم يكن لها سوى نائبين فقط في البرلمان مرشحين عن حزب العدالة والتنمية – ذلك في الإنتخابات التي جرت عام 2011- بالتالي إن كان هناك تحالف بين الحركة والحزب لكان عدد البرلمانيين من حركة الخدمة أكبر بكثير. كما إنتقدت حركة الخدمة الحزب الحاكم في بعض سياساته في وقت كان الحزب فيه قوياً جداً عندما حاول الحزب تمرير قوانين من شأنها تحويل إردوغان لديكتاتور، كما عملت الحركة بشكل مميز في الإستفتاء على الدستور الذي جرى في العام 2010 ولم يكن ذلك لدعم العدالة والتنمية ولكن لدعم دستور البلاد الجديد.[69] ويعطي الخطاب الذي ألقاء إردوغان من على شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة عقب إعلان فوزه في الإنتخابات الرئاسية 2014، أعطت مؤشرات على توجهاته وأولويات سياساته الداخلية خلال المرحلة المقبلة ومنها: إستمرار الصراع مع جماعة فتح الله كولن “حركة الخدمة” ؛ إذ على الرغم من اللغة الإيجابية التي تحدث بها عن كونه يمثل جميع الأتراك من صوّتوا له ومن لم يصوّت أيضًا، إلا أنه أرسل رسالة واضحة إلى الجماعة عندما قال إنه سيواجه بحزم الجهات التي ستهدد الأمن القومي للبلاد داعيًا أتباع “التنظيم الموازي” – كما أسماهم – والصالحين منه إلى الابتعاد عنه وعدم الانصياع له. وليس من المستبعد في هذا السياق أن يشدّد إردوغان من ملاحقته لأتباع الجماعة أو أن يقوم بمحاولة ملاحقة زعيمهم مباشرة لمحاكمته أو الطلب من الإنتربول الدولي فعل ذلك، وكذلك تحقيق المصالحة الاجتماعية والإستمرار في عملية السلام التي تم إطلاقها سابقًا مع الجانب الكردي ( سنتحدث في هذا الصدد بالتفصيل في الفصل القادم) ، علمًا بأن الشد والجذب بين الطرفين سيتمحور في المرحلة المقبلة حول حجم ما يمكن للأكراد الحصول عليه في ظل توقعات بمطالب كردية لتحقيق نوع من الإدارة الذاتية غير المركزية الموسعة في بعض المناطق جنوب شرق تركيا؛ وهو أمر يتخوف كثير من الأتراك من أن يكون له تداعيات سلبية على مستقبل وحدة وتماسك البلاد.[70]
عرفت الأزمة بين رجب طيب إردوغان – رئيس الوزراء السابق ورئيس الجمهورية الحالي- وجماعة فتح الله كولن تصعيد ملحوظ، فمن جهة كشفت الحكومة عن عملية تنصت واسعة قامت بها عناصر في الدولة محسوبة على جماعة كولن، ومن جهة أخرى تضمنت هذه التسجيلات ما عُرف أنَّه مكالمة تُظهر تورط إردوغان وعائلته في قضايا فساد.[71] تندرج المواجهة بين إردوغان وكولن في سياق تقليد صاغ الدولة التركية الحديثة وهو الصراع الذي يكون أساسًا داخل الدولة؛ فمن قبل كان بين الجيش والكماليين من جهة في مواجهة الحركة الإسلامية وجماعة كولن من جهة ثانية، وقد تمكنت الجهة الثانية من التغلب على الأولى، ثم اندلع صراع جديد داخل الدولة بين حلفاء الأمس، إردوغان وكولن، للسيطرة على مقاليد الدولة التركية؛ فمن جهة تستعمل جماعة كولن نفوذها في القضاء والشرطة للتصدي لإردوغان فيرد عليها باستعمال السلطة التنفيذية والتشريعية للحد من حركتها. فخلال ثمان وأربعين ساعة، بين 24يومي و25 فبراير 2014، عاش الأتراك تطورًا سياسيًا لم يشهدوا مثله منذ سنوات طويلة؛ ففي صباح اليوم الأول، صدرت صحيفتا( ستار) و(يني شفق)، المؤيدتان لحكومة رجب طيب إردوغان، بقصة متشابهة على صدر صفحتيهما الأوليين، توضح حجم عملية تنصت هائلة، أُجريت منذ سنوات بأمر من وكيلي نيابة يتبعان لمكتب نيابة إسطنبول، لآلاف من السياسيين ورجال الأعمال والصحفيين والباحثين والأكاديميين. في مساء اليوم التالي، جاء رد الجهات المتَّهمة بالوقوف خلف عملية التنصت بنشر ما بدا أنه اتصالات هاتفية بين رئيس الحكومة، رجب طيب إردوغان، وابنه بلال، في 17 ديسمبر 2013، يأمر فيها رئيس الوزراء – رئيس الجمهورية حالياً- ابنه بالتخلص من أموال في منزله.[72] يقول التقريران اللذان نشرتهما صحيفتا ستار ويني شفق، باختلافات طفيفة بينهما: إن وكيلا نيابة إسطنبول استصدر أوامر قضائية في أوقات مختلفة، منذ 2011، للتنصت على هواتف خاصة ومتابعة الإشارات الإلكترونية ووضع أجهزة تنصت في مقار 2500، في رواية، و7000، في رواية أخرى، من رجال الدولة والحكم، السياسيين من كافة التوجهات: رجال أعمال من أنحاء البلاد المختلفة، ومدراء بنوك، وباحثين ومثقفين وأكاديميين وصحافيين وشخصيات عامة. بين من تم التنصت عليهم رئيس الحكومة شخصيًا، رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان، رئيس جهاز الاستخبارات، وعشرات من مساعديهم. أُجريت العملية بغطاء من تحقيقات حول منظمة إرهابية وهمية، باسم “سلام”، وشملت ملفاتها ليس أحاديث المستهدفين العامة والسياسية وحسب، بل والشخصية كذلك. ويبدو أن حصيلة عملية التنصت هذه قد أُرشِفت ليس في مكاتب نيابة إسطنبول فقط، بل وسُلّمت لجهات أخرى، غير محددة. رفع التقريران مستوى التوتر السياسي في البلاد، لا سيما أنَّ رئيس الحكومة –آنذاك- كان قد أشار في أكثر من مناسبة من قبل إلى أنه كان هدفًا لعملية تنصت من مجموعات “إجرامية لدولة موازية داخل الدولة”. لم يذكر أي من أطراف الجدل، الذي اندلع في الدوائر السياسية والإعلامية والقضائية، صراحة من المقصود بهذه الجماعات، ولكن الجميع يعرف أن وكلاء النيابة محل الاشتباه من الموالين لجماعة فتح الله كولن، التي تخوض معركة ضد إردوغان وحكومته. أصدر وكيلا النيابة المقصودان: آدم أوزجان وعدنان تشيمن، في اليوم التالي بيانًا أنكرا فيه صحة تقريري ستار ويني شفق، ولكنهما لم ينكرا أصل عملية التنصت، وطالبا المجلس الأعلى للقضاة ووكلاء النيابة، بفتح تحقيق حول المسألة؛ وهذا ما استجاب له المجلس بالفعل. ولكن، ما كاد المجلس يعلن الشروع في عملية التحقيق في القضية حتى كان رئيس نيابة إسطنبول، هادي صالح أوغلو، يُصدر بيانًا 25 فبراير، في واحدة من الحالات النادرة، أشار فيه السيد إلى أن عملية تنصت (فيزيائي وإلكتروني) واسعة النطاق قد أُجريت بالفعل من قبل مكتب يتبع لنيابة إسطنبول، بدون مبرر مقنع، وأن هذه العملية استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، بدون توفر مؤشرات ملموسة على وجود تنظيم إرهابي مسلح (وهو المبرر الذي فُتح ملف التحقيق بشأنه). كما اعترف رئيس نيابة إسطنبول، الذي من الواضح أن وكلاء النيابة المشتبه بقيامهم بعملية التنصت لم يبلغوه بالعملية ولا التحقيقات، بوجود ملفات لعملية التنصت، تشمل أحاديث خاصة وعامة للأشخاص الذين تم استهدافهم. لم يذكر صالح أوغلو عدد من تم استهدافهم، ولا هويتهم، ولكنه وعد ببدء تحقيق في الأمر، وذكر أنه أصدر أمرًا برفع ملفات التنصت من الشبكة الأرشيفية لوكلاء النيابة.[73]
وتظهر المؤشرات وجود استقطاب عالي الحدة في تركيا من مشاعر عدائية بين الطوائف المذهبية المختلفة، ويمثل عملية مُقلقة تخفى في باطنها العديد من عدم الاستقرار السياسي ، وأنَّ ما يحدث في تركيا اليوم لا يمت بصلة للتقدم التنموي، وتحقيق الديمقراطية، ودليل ذلك أحداث ميدان تقسيم الذي توفى فيه العديد من المواطنين الأتراك المعارضين لحزب العدالة والتنمية، وتؤكد الشواهد أنَّ المشروع الكردي الذي يطمح إردوغان إليه يرتبط بمعادلة إقليمية تشير لصعود الأكراد على المستوى الإقليمى سياسيا وعسكريا – سنتناول القضية الكردية في الفصل القادم[74].
وبسبب تاريخ الأمة والثقافة، تلقى الجيش التركي مستويات مرتفعة من الثقة العامة، ما أثر سلباً على ضعف دور المجتمع المدني تجاه الرقابة المجتمعية على الجيش. وفي بعض الأحيان تمت تعبئة بعض منظمات المجتمع المدني لتدعيم الأنشطة السياسية للجيش. [75] وبالنسبة للثقافة السياسية للشعب التركي فإنَّهم غالباً لا يرتبط تأييدهم للديمقراطية كنظام للحكم بالإهتمام بالحرية السياسية، حيث أوضحت دراسات قام بها باحث تركي معروف “يلماظ ايسمير” أنَّ نسبة الأتراك المؤيدين للديمقراطية كنظام للحكم هي 53% بينما نسبة من أيَّدوا الديمقراطية كنظام للحكم واهتموا فعلاً بالحرية السياسية لم تتجاوز 32%.[76] كما جمع العديد من المبحوثين بين تأييد النظام الديمقراطي والثقة في مؤسسات النظام وبشكل أخص الشرطة والجيش. ولما كانت هذه المؤسسات هي مصدر أساسي للإخلال بالديمقراطية التركية فإنَّ تأييدها يكشف عن إدراك ضعيف من قِبل الجماهير لأسس الممارسة الديمقراطية والحرية السياسية. [77]
ومن ثمَّ يمكن التمييز بين مؤشرين من مؤشرات غياب الثقافة السياسية الديمقراطية في تركيا. أولهما هو الفهم غير السليم لأسس الممارسة الديمقراطية، وثانيهما هو ضعف الإيمان بالديمقراطية وملاءمتها للحالة التركية.
ويجب الإعتراف أنَّ سلطة الجيش في تركيا على مستوى لا يمكن قياسه فقط بواسطة الآليات الرسمية وذلك يستدعي بالضرورة البحث في الآليات غير الرسمية للجيش التي قد تكون أكثر نفوذاً له من الآليات الرسمية فيما يتعلق بتسهيل تدخله في الحياة السياسية. وهو ما أرجعه البعض للتحولات الخاصة في العولمة والانتشار العالمي للقيم الديمقراطية وتبلور أعراف دولية لرفض الانقلابات العسكرية واعتبارها غير شرعية في ظل مرجعية نموذج الديمقراطية الأمريكي ومبدأ منرو الخاص بعدم الاعتراف بنظم الحكم القائمة عقب انقلابات عسكري .حيث أشارت دراسة جونثان باول وكلايتون ثاين التي نشرها مركز السلام النظامي قبيل نهاية عام 2013 إلي أن التدخل السياسي المباشر للعسكريين أخذ في الانحسار منذ ثمانيات القرن الماضي. [78]
رسم يُوضح تراجع مؤشر التدخل السياسي المباشر للعسكريين [79]
الفصل الثاني
أثر العلاقات المدنية العسكرية على الحريات المدنية والسياسية
المبحث الأول: الأقليات وقضايا التمكين
المبحث الثاني: الحقوق والحريات العامة
تمهيد:
مثلت بداية القرن الجديد نقطة تحول كبيرة في العلاقات المدنية العسكرية التركية، حيث خضعت تركيا للعديد من التغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية وثقافية كما أُطلقت الحريات السياسية والمدنية بشكل أكبر تزامناً مع سعيها للإنضمام للإتحاد الأوربي والإصلاحات التي أجرتها حكومة العدالة والتنمية بهذا الشأن. فقد أعاد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلى قيادة البرلمان ومن ثم تشكيل الحكومة في 2003 التوازن للعلاقات المدنية العسكرية بما يرجح كفة المدنيين لأول مرة من سنوات طويلة، بسبب توجه الحزب الوسطي المحافظ وقدرته على تحقيق نمو إقتصادي ملحوظ بالإضافة إلى محاربته الفساد. ثم كانت التعديلات الدستورية التي تمكنت الحزب من تمريرها من خلال أغلبيته البرلمانية والتي رجحت كفة المدنيين في مجلس الأمن الوطني الذي استخدمه العسكر لحكم البلاد حتى تحول إلى مجلس استشاري للحكومة، كما زادت فيه نسبة الأعضاء المدنيين. [80]
المبحث الأول
الأقليات وقضايا التمكين
أولاً: الأقليات ( الأكراد)
تعتبر القضية الكردية أقدم وأصعب المشاكل التركية منذ قيام الجمهورية، بل من قبل إنشائها؛ حيث قامت ضد الدولة العثمانية في أواخر عهدها عشرات الثورات والانتفاضات الكردية أسوة بكثير من المناطق الأخرى مثل الدول العربية والبلقان. لاحقًا، حَرَمت معاهدة لوزان الأكرادَ من تأسيس دولة قومية أو وطنية مثل نظرائهم الأتراك أو العرب، رغم امتلاكهم كل عناصر قيامها، مثل: الأرض والسكان والمصادر الطبيعية والوحدة الثقافية. في 1978، كان تأسيس حزب العمال الكردستاني نقلة نوعية في النضال الكردي في تركيا، لجهة التأثير ولجهة المرجعية الفكرية، إذ انعكس التأثر بالمدِّ اليساري في مختلف دول العالم على أيديولوجيا الحزب المؤسَّس حديثًا على مبادئ القومية الكردية واليسارية الماركسية. انتقل الحزب للعمل المسلح في مواجهة الدولة التركية مطالِبًا بالاستقلال والحكم الذاتي عام 1984، وهو صراع كلَّف تركيا خلال حوالي ثلاثين عامًا أكثر من 40 ألف ضحية و300 إلى 500 مليار دولار كخسائر مادية. [81] يتميز حزب العمال الكردستاني ببنية تنظيمية هرمية يتزعمها عبد الله أوجلان، يليه في السُّلَّم القيادي نزولًا المجلس الرئاسي، ثم اللجنة المركزية، ثم منظومة إقليمية لها فروع في عدة دول، خاصة تلك الأربع ذات الأقليات الكردية (إيران والعراق وسوريا إلى جانب تركيا)، ورغم ذلك يقوده أوجلان بمركزية شديدة؛ حيث أثبت أكثر من مرة أنه صاحب القرار الأول والأخير في الحزب حتى وهو وراء القضبان، وذلك لعدة أسباب، على رأسها: تاريخه “النضالي”، والكاريزما العالية التي يتمتع بها، وقدراته القيادية والتنظيرية، إضافة إلى اعتقاله عام 1999 بما يمثِّله ذلك من مشروعية التضحية.[82]
تصاعد إرهاب حزب العمال الكردستاني في فترة بداية حكم حزب العدالة والتنمية الأمر الذي أدى لتورط الجيش في السياسة. عندما أنهى حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار من جانب واحد في يونيو2004 وزادت هجمات المتمردين الأكراد وقتلوا عدد كبير من ضباط الجيش، لذلك اضطرت حكومة حزب العدالة والتنمية – بسبب هذه التهديدات الأمنية – لإعطاء أولوية الأمن على الديمقراطية. فقبلت تولي الجيش للحلول الأمنية للقضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني كما وافقت القيام بعمليات عابرة للحدود في شمال العراق عام 2008.[83]
وفي بداية حكم حزب العدالة والتنمية تبنى الحزب خطاب مدافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة، وقال رجب طيب إردوغان رئيس الوزراء آنذاك – ورئيس الجمهورية حالياً- في كلمة ألقاها في اغسطس 2005 في مدينة ديار بكر الكردية أنَّ الحكومة أخطأت في التعامل مع المسألة الكردية وأنَّها مشكلة أساسية أمام الديمقراطية حالياً. كما أعطت الحكومة امتياز كامل للقوات المسلحة في القضية الكردية عندما أعلنت أنَّ سياستها تجاه الأكراد لا تنفذ كاملة من جانب الحكومة نفسها. والنقطة الأهم هو تقديم الحكومة مشروع قانون مكافحة الإرهاب بإعتباره ضرورة فرضتها التهديدات المتزايدة التي يقوم بها المتمردين الأكراد منذ إنتهاء هدنة الخمس سنوات في يوليو 2004. وأكد ذلك القانون على عودة تبني الحكومة للمفهوم التقليدي للأمن القومي وتفضيل أمن الدولة على حريات المواطنين والأقليات، ويتأكد ذلك في خطاب الحكومة الذي يوضح دوماً أنَّ “لا تنسوا أنَّ الحريات لا نستطيع التمتع بها بدون الشعور بالأمن”.[84]
وشاركت حكومة حزب العدالة والتنمية الجيش في تحديد التهديد الشائع المتمثل في استقلال أكراد العراق بكيان مستقل في شمال العراق ووصفه بأنَّ تهديد مباشر وخطير للأمن القومي التركي.[85] واتفقت الحكومة مع الجيش على شن عمليات عابرة للحدود العراقية في حال فشل الحكومة العراقية والأمركية في منع هجمات الأكراد التي يتم شنها ضد تركيا. حيث أدَّت السياسة الطائفية لرئيس الحكومة العراقية – المالكي آنذاك- إلى انعكاسات سلبية خطيرة داخل العراق وفي المحيط الإقليمي، وقد انعكس ذلك -أيضًا- على دول الجوار (خاصة الذي يوجد بها أقليات كردية) ؛ إذ دفعت سياسة المالكي حكومة إقليم شمال العراق إلى سياسات أكثر استقلالية، وقد أجبرها وضعها الجغرافي على الانفتاح على تركيا بشكل كبير؛ لكونها الشريان الحيوي للإقليم، والمنفذ الوحيد له إلى العالم الخارجي، على الجانب التركي كانت هذه الخطوة بمثابة فرصة لتطبيع العلاقات مع الأكراد سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وأصلحت العلاقات الاقتصادية ما أفسدته السياسة، لكنَّ المالكي رأى في التعاون التركي-الكردي خطرًا كبيرًا على موقع ونفوذ حكومته المركزية.[86] ومع ذلك فإنَّ إعادة ظهور الحرب ضد الحركة الإنفصالية الكردية وأولوية مواجهة التهديدات الداخلية ساهمت في إعادة الجيش مرة أُخرى بوصفه عنصر أساسي في فرض النظام الداخلي وأيضاً السياسة الخارجية.[87]
لكن ذلك التوافق بين المؤسسة العسكرية وحكومة العدالة والتنمية فيما يتعلق بالمسألة الكردية انقطع في فبراير 2007 عندما قام رجب طيب إردوغان وعبدالله جول – رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك – بإعلان استعداد الحكومة لفتح محادثات مع قادة الأكراد العراقيين لتحجيم المتمردين في الشمال. لذا أعلن رئيس الأركان العامة آنذاك الجنرال “بويوكانيت” أنَّه لن يتحدث مع من يدعمون المتمردون الأكراد، مما دفع إردوغان إلى الرد في تصريح هجومي ليقول أنَّ ما يقوله الجنرال “بويوكانيت” يُمثِّل رأيه الشخصي ولا يعبر عن موقف المؤسسة العسكرية، فعبَّر الجنرال بإقتضاب على كلام رئيس الوزراء أنَّ رأيه لا يُمثِّل المؤسسة العسكرية فحسب بل إنَّه في ذاته “مؤسسة عسكرية”.[88] أمَّا المفاوضات السياسية فقد بدأت خارج البلاد بعيدًا عن الأضواء وعن طريق جهاز الاستخبارات وليس الحكومة، بيد أن كشف أمر اللقاءات السرية التي كانت تتم في العاصمة النرويجية أدى إلى استدعاء رئيس جهاز الاستخبارات في العاشر من فبراير2010 لأخذ إفادته بتهمة التخابر مع “منظمة إرهابية”، وهو تطور كاد أن يطيح بكل العملية السياسية، لولا تدخل الحكومة السريع والحاسم. استمرت المحادثات تحت عنوان “مشروع الوحدة والأُخوَّة” وتُوِّجت برسالة من عبد الله أوجلان تُلِيَت على المحتفلين بعيد النيروز في 21 مارس 2013، دعت إلى إلقاء السلاح وحلِّ القضية الكردية بالطرق السلمية، وهي ما اعتُبرت في حينها انعطافة تاريخية فارقة في تاريخ الحزب والقضية الكردية. [89] وجدير بالذكر أنَّه يوجد فرق فيما يتعلق بالسياق الداخلي للأزمة الكردية؛ ففي السابق لم تكن القضية الكردية في شكلها التفاوضي مطروحة أساساً على جدول أعمال السياسة التركية لكنها وُضعت وبشكل جدي منذ عام 2000.[90]
شهدت تركيا صراع مسلح بين جيش الجمهورية التركية وحزب العمال الكردستاني المسلح لمدة تقرب من العام ونصف منذ يونيو2011 وحتى نهاية العام 2013. فبعد أن إنهارت عملية السلام – مفاوضات أوسلو – التي كانت بين حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب إردوغان وبين حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان، إنهارت هذه المفاوضات وأصبحت المسألة الكردية تُمثل أزمة سياسية ودخل الصراع في طور جديد من أطوار العنف. في مطلع العام 2013 عندما قام مناصرو حزب العمال الكردستاني المعتقلين في السجون التركية بإعلان إضراب عام عن الطعام تدخل عبدالله أوجلان لإنهاء الإضراب وانصاع أتباعه لدعوته وهو ما أعاد أوجلان للمشهد السياسي بعد غيابه منذ عام1999 بسبب قضائه لعقوبة السجن مدى الحياة.[91] اتسم موقف حزب العدالة والتنمية بالإقصاء تجاه كل الأقليات غير التركية ولاسيما الأكراد والعرب واليهود والتركمان وغيرهم. وقد جاء حصول حزب الشعوب الديمقراطى المؤيد لحقوق الأكراد على 13% بـ 79 مقعدًا، ليتجاوز العتبة الفارقة وهي 10% لدخول البرلمان في إنتخابات يونيو 2015 وبالتالي سيكون أول تكتل أو حزب سياسى كردي يدخل البرلمان.[92]
وبالتالي صار الأكراد هم اللاعب الأقوى في تركيا بعد هذه الانتخابات وصاحب الدور الأكبر في تشكيل خريطة سياسية مغايرة في تركيا وهو بمثابة “الحصان الأسود في الانتخابات التركية”، وهم يعتبرون ثاني أكبر قومية في تركية (التي تضم 32 قومية) ونتيجة لذلك فد تم تدبير هجوم دموي في “دياره بكر” معقل الأكراد على تجمع لحزب الشعب الديمقراطي قبل الانتخابات بيومين وخلف قتيلين وعشرات الجرحى وأثيرت أقاويل حول دور حزب العدالة والحرية في هذا الهجوم. ومن زاوية أخرى يجب الإشارة إلى أن الملف الكردي لا ينحصر في تركيا فحسب، بل يمتد إلى العراق وسوريا المجاورتين وكذا إيران بدرجة أقل. وإذا عدنا لخلفيات حزب الشعوب الديمقراطي نجد أنه قد دخل انتخابات عام 2002 – وإن كان تحت اسم آخر هو السلام والديمقراطية – وحصل على 6.22% من أصوات الناخبين والتي ضمت بحكم الدستور إلى حزب العدالة والتنمية (لعدم تجاوز الحاجز الانتخابي). وفي الوقت الذي نجد أن انتخابات عام 2007، لم يشارك كحزب، لكنه تنافس فيها بمرشحين مستقلين وجعل منهم 22 نائبا عام 2007، ثم وصل عددهم في الانتخابات 2011 إلى 35 نائبًا بنسبة 6.57%.[93] ومنذ فوز العدالة والتنمية بأغلبية في الإنتخابات البرلمانية ووصول إردوغان للرئاسة أصبحت العين على المسألة الكردية، حيث يحتمل أن يجدد الحزب المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان تحديداً من موقع القوة هذه المرة، لينتزع من الأكراد اكبر قدر من التنازلات. وربما تبدأ مساومات لتأييد الأكراد لنظام رئاسي مقابل بعض الفتات لهم، حيث لن يقبلوا بأقل من الاعتراف بهويتهم في الدستور وهذا دونه معجزة.[94]
يقود الجيش التركي حالياً هجمات مُكثفة ضد حزب العمال الكردستاني، بدأت هذه الهجمات في يوليو 2015 ودخلت تركيا في موجة عنف استثنائية، بدت معها ملامح الوضع التركي أقرب إلى ما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي عندما شنَّ الحزب حرب شرسة ضد الحزب ذاته. ولكن هذه الموجة الجديدة من العنف مختلفة من حيث طبيعتها ونطاقها الجغرافي؛ وهو ما قد يُشكِّل تهديد مباشر وجوهري على التماسك التركي.[95] بعد سنوات من التهدئة وسير العملية السياسية بين الطرفين في ظل الإصلاحات المتدرجة التي نفذتها حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة، تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم على مفترق طرق مهم. فموجة التصعيد الأخيرة ماضية على قدم وساق، محوِّلة بعض أحياء مدن الجنوب الشرقي إلى ساحة حرب عصابات بكل ما فيها من خنادق وسواتر ترابية واشتباكات يومية وحظر تجول؛ حيث حصدت آلة الموت اليومي حتى الآن أرواح الآلاف من الطرفين خاصة المسلحين الأكراد، فيما بدأت تصريحات قادة حزب الشعوب الديمقراطي تستفز الدوائر السياسية والقانونية في تركيا؛ الأمر الذي أدَّى إلى بدء تحقيق مع دميرتاش وطرح فكرة نزع الحصانة والدبلوماسية عنه وعن بعض قيادات الحزب الذين نادوا بالإدارة الذاتية وهو ما يُعتبر انتهاكًا لدستور البلاد. لكن، رغم كل هذا التدهور في العملية السياسية، لا يزال الحل السياسي هو المخرج الوحيد والمفضَّل بالنسبة لكثير من المراقبين، فضلًا عن أنه خيار الدولة التركية التي ترى أن حالة التصعيد مقصودة لذاتها لإحراج الحكومة أمام الطيف الكردي من شعبها، وبالتالي فهي أمام امتحان الموازنة بين إحكام القبضة الأمنية والحفاظ على الحقوق والحريات. وعليه، فما زالت العملية السياسية أفقًا ممكنًا للحل، وفقًا لعدة اعتبارات مشجعة.[96] بعد عشرات السنوات من معاناة الأكراد في تركيا، وبعد سنوات من بدء العملية السياسية بين الحكومة وحزب العمال وراء الكواليس ثم في العلن، ثم بعد موجة التصعيد الكبيرة المستمرة منذ يوليو الماضي، تبدو القضية الكردية في تركيا أمام مفترق طرق وعلى أعتاب مرحلة جديدة والمنطقة برمتها .وفارقة، قد تصوغ مستقبل الأكراد وتركيا.
وبشكل عام ، فإنَّ العديد من الأكراد يحب الحكومة ، والتي بدورها قمعت فقط الأكراد القوميين . حتى إنَّ إردوغان بدأ المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني في عام 2012 على أمل انهاء التمرد، لكن هذه الآلية قد تغيرت خلال الانتخابات التركية التي جرت في يونيو 2015 ، عندما التفَّ الأكراد الليبراليين، المحافظين، والقوميين على حدٍ سواء حول الحزب الشعوب الديمقراطي الكردي القومية.[97]
وقد اتخذ نهج الرئيس رجب طيب إردوغان لتأمين ولاء الشعب الكردي في تركيا أشكالاً عديدة : منح الأكراد حقوق مدنية أقوى ، وتوسيع نطاق الجانب المسالم لحزب العمال الكردستاني في مقابل جانب التمرد في حزب العمال الكردستاني، والسماح لأول حزب موالٍ للأكراد للحصول على مقاعد في البرلمان التركي حيث يتم إزالة التنظيمات السياسية أيضاً من خطوة مع الإدارة الحاكمة بسرعة من السلطة . إلا أنَّ أيًا من هذه السياسات لم تؤدي إلى سلام آمن شامل . وعلى الرغم من زيادة التمثيل السياسي من جانب، و تمديد وقف إطلاق النار بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني لمدة عامين من جانب آخر، إلا أنَّ الجنوب الشرقي الكردي انفجر في الصيف الماضي. حيث تظهر الأنباء أنه قد توفي حوالي 300 جندي تركي و5000 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني حسب التقديرات منذ تجدد الاشتباكات في يوليو عام 2015. وفي الوقت نفسه، الإرهاب قد تحول إلى مشكلة وطنية كبيرة وعدد من العمليات الإرهابية والانتحارية التي قام بها حزب العمال الكردستاني لضرب أنقرة واسطنبول في الماضي شهرين ومستوحاة من تنظيم الدولة الإسلامية.[98]يسعى الآن إردوغان لتسوية النزاع مع القوة العسكرية الكردية . ولكن الطريقة الأفضل للتغلب على حزب العمال الكردستاني هي دفع النمو الاقتصادي في المناطق الكردية جنوب شرق تركيا. يجب على إردوغان أن يعزز وجود أمني قوي في جنوب شرق تركيا – ولكن ينبغي لهذه القوات العسكرية أن تكون موجهة للدفاع ، وتقوم بدور قوات الأمن. يمكن فعلياً أن يتم تعيين هذه القوات نفسها لحراسة مشاريع البنية التحتية الرئيسية ولمنع عناصر حزب العمال الكردستاني من مهاجمة مواقع مثل اليسو وسدود السيلفان، ولكن بدلاً من ذلك، هدمت هذه القوات المحلات التجارية و المناطق التجارية بأكملها كجزء من هجمات كبرى لتطهير المدن من مقاتلي حزب العمال الكردستاني. يجب الإعتراف أنَّ مضاعفة جهود التنمية الاقتصادية لا يضمن ولاء جميع أعضاء حزب العمال الكردستاني الحاليين والمحتملين . ولكن العلاقة بين التنمية الاقتصادية والإستقرار السياسي مؤثرة وفعّالة في جميع الاحوال. التخفيف من وطأة الأوضاع الإقتصادية السيئة لأكراد جنوب شرق تركيا قد يكون هو العنصر المفقود أساسياً في عملية السلام المتدهورة الآن مع حزب العمال الكردستاني وضمان الاستقرار في المنطقة. فبدون الدعم الاقتصادي والحل السياسي فإنَّ الحلول العسكرية لن تكون كافية لمنع تركيا من الانزلاق إلى العنف.[99]
ثانياً: المرأة
إنَّ العنف ضد المرأة يمنعها من ممارسة حقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية ويحد من مشاركتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما يُعيقها عن المساهمة في أي نشاط فعَّال في تركيا؛ حيث أنَّ العنف ضد المرأة التركية لا يهدد حياة المرأة فحسب بل يدمِّر مكانتها سواء داخل الأسرة أو في المجتمع. ربما يكون العنف الجنسي هو أكثر أنواع العنف ضد المرأة شيوعاً في تركيا إلا أنَّ المشكلة الحقيقية التي تعاني منها تركيا هي أنَّ العنف ضد المرأة يصعب رصده بسبب عد تبليغهن عنه بسبب الخوف من العقاب أو بسبب العادات والتقاليد أو البيانات والتقارير غير الدقيقة التي تقدم غير صحيحة عن عمد.[100]
تسعى المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة في تركيا منذ سنوات إلى زيادة الوعي بشأن ارتفاع مستويات العنف ضد النساء خلال العقد الماضي. ووفقاً لتقارير محلية، فإنَّ مستويات العنف ضد المرأة زادت بواقع 1.400 في المئة خلال الفترة بين 2003 و2010. وترى العديد من النساء أنَّ هذا يرتبط بسياسات أو خطاب الحزب الحاكم في تركيا ذي الجذور الإسلامية والذي يمسك بزمام السلطة في البلاد منذ عام 2002. وقالت المحامية هوليا غولبهار التي تتولى الدفاع عن قضايا المرأة إنَّ مقتل الطالبة أوزكه جان أصلان هو بمثابة القشة الأخيرة في أحداث العنف ضد المرأة. وكانت حادثة مقتل الطالبة أوزكه ثار لها الرأي العام حيث تعرضت أوزكه جان أصلان، وهي طالبة جامعية في العشرين من عمرها، في طريق العودة للمنزل لمحاولة اغتصاب في حافلة، لكنها قُتلت طعناً وهي تحاول الدفاع عن نفسها، ووُجدت آثار ضربات بقضيب حديدي في رأسها. وعثر على جثتها المحروقة وألقي القبض على ثلاثة أشخاص في ما يتصل بمقتلها. وبعد وقت قصير من الحادث، عُثر بعد أيام على أشلاء امرأة أخرى ملقاة في حاوية قمامة، وأقر زوجها بقتلها بعد زواج استمر 17 عاما. وأكدت المحامية أنَّ “الحكومة دأبت على إطلاق تصريحات دعائية مثل “النساء والرجال مختلفون بطبيعتهم” أو “الأمومة هي دور مقدس للنساء”، ولذا فإننا نواجه عنفاً سياسياً هنا. وفي نوفمبر 2014، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إنَّ “النساء لا يمكن معاملتهن على قدم المساواة مع الرجال”.[101]
- تقارير المنظمات الحقوقية عالمياً ومحلياً
خرجت مسيرات في عدة مدن تركية تطالب بوقف العنف ضد المرأة. تحتفل المرأة التركية، كمعظم نساء العالم، في الثامن من مارس من كل عام بيوم المرأة العالمي، ومع هذا الاحتفال يزداد الجدل في تركيا حول حقوق المرأة، وتعرضها للعنف في مجتمع لا تزال فيه الكلمة الأولى للرجل. وتحاول الهيئات والمؤسسات المدافعة عن حقوق المرأة في تركيا إثارة هذه القضايا للحصول على مزيد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة التركية. أشار تقرير للأمم المتحدة عن المرأة التركية عام 2011 إلى أنَّ 42% من نساء تركيا يتعرضن للعنف الجسدي والجنسي .أما التقارير الصادرة عن الهيئات التركية المدافعة عن حقوق المرأة فتشير إلى أنَّ واحدة من بين ثلاث نساء تتعرض للعنف والضرب، فضلاً عن تعرض عشرات النساء للقتل على يد أزواجهن أو أقاربهن كل عام لأسباب مختلفة .وتحمل الناشطة في مجال حقوق المرأة التركية بينال يازغان الحكومة مسؤولية هذا العنف المتزايد. وقالت لوكالة “بي بي سي” إن العنف ضد المرأة ارتفع بنسبة غير معقولة، وإنَّ الأسباب الاجتماعية لهذا الأمر هي سياسات الحكومة. وأضافت أنَّه من أجل الحد من ذلك يجب اتخاذ التدابير اللازمة بإجراء بحوث اجتماعية جادة، وهي مسؤولية وزيرة شؤون المرأة. وتشير إلى أنَّ ازدياد العنف ضد النساء في المجتمع التركي يرجع إلى القوانين الحالية غير الرادعة.[102]
أوضحت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته في 4 مايو 2011 إنَّ نظام الحماية التركي ضد العنف الأسري معيب ويترك النساء والفتيات في جميع أنحاء البلاد دون حماية ضد العنف الأسري حيث لا تتاح تدابير الحماية المعدة لإنقاذ الحياة، بما في ذلك أحكام المحاكم الخاصة بالحماية وتوفير مآوى الطوارئ لكثير من ضحايا العنف بسبب الثغرات القانونية والثغرات في التنفيذ. صدر ذلك التقرير تحت عنوان “إنه يحبك.. إنه يضربك: العنف الأسري في تركيا والوصول إلى الحماية”، ليقوم بتوثيق العنف الوحشي وطويل الأمد ضد المرأة والفتيات من قبل الأزواج، والشركاء، وأفراد الأسرة، وكفاح الضحايا لإلتماس الحماية. تركيا لديها قوانين حماية قوية، والتي تحدد متطلبات الحماية للنساء المُعنفَّات وأوامر الحماية القضائية. ورغم ذلك، فالثغرات القانونية وفشل الأمن والنيابة العامة والقضاة وغيرهم من المسئولين في إنفاذ القانون، يجعل نظام الحماية غير معلوم النتيجة في أفضل الأحوال، وفي بعض الأحيان يكون خطيراً بمعنى الكلمة. وقالت جوري فان جوليك، الناطقة باسم قسم حقوق المرأة والباحثة في هيومن رايتس ووتش وكاتبة التقرير: “مع وجود قوانين قوية في هذا الصدد، فإنَّه أمر لا يُغتفر أنَّ السلطات التركية تحرم ضحايا العنف الأسري من الحماية الأساسية”. مضيفة: “شهدت تركيا إصلاحاً نموذجياً في مجال حقوق المرأة، لكن البوليس والنيابة والقضاة والأخصائيين الإجتماعيين، في حاجة لجعل النظام مطبقا على مستوى الممارسة العملية، وليس فقط على الورق”.[103] ويُوضح الجدول التالي إحصائيات العنف الأسري وجرائم قتل النساء بين عامي 2008- 2015 [104]
عدد النساء اللاتي تعرضن للعنف المنزلي | عدد النساء اللاتي تعرضن للقتل | العام |
11.317 | 62 | 2008 |
18.269 | 110 | 2009 |
24.912 | 183 | 2010 |
29.031 | 122 | 2011 |
39.321 | 155 | 2012 |
82.205 | 226 | 2013 |
118.014 | 283 | 2014 |
2.094 | 64 | يناير، فبراير، مارس 2015 |
2.512.055 | 1.207 | المجموع |
( المصدر: المديرية العامة المعنية بأوضاع المرأة ومشكلاتها، قطاع الأمن العام، القيادة العامة للشرطة – جمعية دعم النساء المرشحات)
- المعارضة النسوّية في مقابل المعارضة “الإسلامية”
تتبنى المنظمات المعارضة نظرية تسبب السياسات الاجتماعية المحافظة منذ عام 2002-أي منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة – بارتفاع حاد في جرائم العنف ضد المرأة. وتتهم هذه المنظمات الحكومة بأنّها تتبنى موقفا معادياً للقيم الغربية حول المساواة بين الجنسين، وذلك بتبني استراتيجية، تهدف إلى تحويل المرأة إلى وسيلة ولادة أطفال من دون العمل على تمكينها. كما تتبنى المعارضة السياسية في الفترة الأخيرة اقتراحاً بأنّ ازدياد العنف ضد المرأة يرتبط بازدياد البطالة والفقر والفوارق الطبقية، رغم أن معدلات العنف كانت أقل خلال التسعينيات التي شهدت أزمة اقتصادية تركية خانقة. في المقابل، تتهم المنظمات الإسلامية المعنية بحقوق المرأة الناشطات النسويات المعارضات بأنهن فشلن على مدى عهود من فهم المجتمع التركي، بمحاولتهم فرض ما تطلق عليه “القيم الغربية الليبرالية” على مجتمع متدين من دون التأصيل لها. وتؤكد الناشطة زلال أيمَان أنّ “قوانين تركيا تعتبر الأفضل بين العشرات من الدول، لكن المشكلة في العقلية التي تطبق هذه القوانين”. وتشير إلى النجاحات الكبيرة التي حققها العدالة والتنمية للمرأة برفع حظر الحجاب في الجامعات والمؤسسات الحكومية، مما فتح آفاقا جديدة للمرأة التركية.[105]
لم يعد الانفصال المعنوي الذي تعاني منه المرأة في تركيا يرتبط فقط بالسياسات الإسلامية المتطرفة لحزب العدالة والتنمية، وإنَّما ترتبط أيضاً ببعض السياسات الليبرالية الجديدة الذي ينتهجها الحزب؛ ففي التقارير والإحصاءات الرسمية التركية يتم استثناء النساء من معدلات البطالة التركية بإعتبار النظرة الغالبة للمجتمع التركي أنَّ المرأة هي فقط للأسرة والعائلة وهي غير مضطرة للعمل؛ بل هي وعاء الأمة التركية. [106]
- الإنتخابات والمرأة
وكان من أكثر الظواهر التي جاءت بها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي سيكون لها دور مؤثر وبارز صعود دور المرأة في الانتخابات حيث حققت نسبة ملحوظة، فمجموع النساء الداخلات البرلمان صار 96 سيدة، أي بنسبة عامة 17.4% (هناك صوتان لأحزاب صغيرة)، نجد فمن هذا العدد منهن 15.9% لحزب العدالة والتنمية – حزب الأكثرية – ، و 84.1% لأحزاب المعارضة. ففي حزب الشعب الديمقراطي (مؤيد للأكراد) حصلت المرأة على 31 مقعدًا من جملة 80 مقعدًا حققها الحزب، وهي نسبة تسترعي الانتباه، خاصة مع وجود ابنة شقيق عبد الله أوجلان بينهن، خاصة إذا التفتنا إلى دور الأكراد وموقف تركيا، في الأزمة السورية الحالية، ودور الأكراد فيها وقبل ذلك في العراق.اللافت للنظر أن النتائج قد أظهرت ظاهرة بالغة الوضوح فحواها أن المرأة التركية قد اتجهت للسياسة باهتمام بالغ، وأن أغلب النائبات الجدد هن من أحزاب المعارضة، فبينما حاز حزب العدالة على 258 مقعدًا منها 41 مقعدًا للمرأة وهي المحجبات غالبًا أي بنسبة 15.9%. في حين نجد أن أحزاب المعارضة استحوذت على نسب عالية من السيدات، فحزب الشعوب الديمقراطي الكردي حاز على 80 مقعدًا منها 31 مقعدًا للمرأة، أي بنسبة 38.8% وحزب الشعب الجمهوري على 135 مقعدًا منها 20 مقعدًا للمرأة أي بنسبة 14.8%، بينما حزب الحركة القومية اليميني على 80 مقعدًا منها أربعة مقاعد للنساء بنسبة 5%. أي أن مجموع النساء الداخلات البرلمان صارت 96 سيدة أي بنسبة 17.4% (هناك صوتان لأحزاب صغيرة) منهم 15.9% لحزب الأكثرية و84.1% لأحزاب المعارضة.[107]
المبحث الثاني
الحريات السياسية والتنمية الإقتصادية والإجتماعية
أولاً: الحقوق المدنية والحريات العامة
يتم توجيه إنتقادات مؤخراً لحكومة العدالة والتنمية بأنَّ تركيا أصبحت تُدار بديكتاتورية، كما وجهت الإتهامات لشخص الرئيس رجب طيب إردوغان بأنَّه شخصية ديكتاتورية يطيح بمعارضينه ويضرب بالحقوق والحريات عرض الحائط دون الإكتراث بتوصيات الإتحاد الأوربي في هذا الصدد. ولكن يمكن القول أنَّ ” ديكتاتورية الصندوق ” ليست مجرد إدعاء أو إتهام، ولكنه تساؤل محل بحث ليس وفق الإنتماءات أو الميول ولكن وفق تقارير ومؤشرات – قابلة للقياس – لأوضاع الحقوق المدنية والحريات الفردية وآليات الشفافية في المجتمع التركي. [108]
تُمثِّل حرية الصحافة والإعلام في تركيا قضية آخذة في التفاقم منذ سنوات، خاصةً مع تعاظم نفوذ حزب العدالة والتنمية الحاكم وإنفراده بالسلطة منذ عام 2002. وبعد فترة الإصلاحات التي شهدتها تركيا – داخلياً وخارجياً – يتم الآن إنتقاد حزب العدالة والتنمية بشدة بسبب هيمنته على الرأي العام وبسبب سياسة الحزب الاستبدادية واتباع الحزب لأسلوب “النظام الأبوي” في السياسة. [109]
عبرَّت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي لعام 2016 إنَّ المناخ العام لحقوق الإنسان في تركيا تدهور في 2015. ارتفعت وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان عقب انهيار عملية السلام الكردية، والتصعيد الحاد في أعمال العنف جنوب شرق البلاد، وقمع الإعلام والمعارضين السياسيين لـ “حزب العدالة والتنمية” الحاكم. مع النجاح في إنتخابات ولاية رابعة في انتخابات نوفمبر 2015، التي أعقبت انتخابات يونيو التي لم تحسم الموقف، اتّبع الحزب الحاكم والرئيس رجب طيب إردوغان سياسات تقوّض حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون بشكل كبير في تركيا. قالت إيما سنكلير ويب باحثة أولى بـ “هيومن رايتس ووتش” في تركيا: “تتجه تركيا نحو الاستبداد وتفكيك الرقابة على سلطات قادتها. يُبرز انهيار عملية السلام الكردية والحملة ضد وسائل الإعلام والمعارضين السياسيين خلال العام الماضي أنَّ تركيا قادمة على أوقات مظلمة، وأنها حادت عن هدفها كدولة تحترم حقوق الإنسان.” درست “هيومن رايتس ووتش” التطورات التي حصلت في 2015، بما في ذلك السيطرة على محطات البثّ المستقلة ومحاكمة وسجن الصحفيين والمعارضين، والحظر المتكرر للتجمعات العامة، واتخاذ مزيد من الخطوات لوضع القضاء تحت سيطرة الحكومة، وعدم إحراز تقدم في مكافحة العنف ضد المرأة. وحللت عواقب انهيار عملية السلام الكردية وارتفاع الانتهاكات الحقوقية ضد السكان الأكراد في جنوب شرق البلاد. كما قيّمت هيومن رايتس ووتش معاملة تركيا للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، ولا سيما 2.2 مليون لاجئ سوري.[110] وقالت لجنة حماية الصحفيين، “حرية الصحافة في تركيا تحت الحصار”، مع تزايد عدد الصحفيين في السجن، ارتفاع معدل العنف ضد الصحفيين، ووضع كالات الأنباء في مواضع حرجة بالإضافة إلى المضايقات سواء بشكل رسمي أو من خلال إعاقة ممارسة مهامها. [111]
اهتزت تركيا بالمسيرات المناهضة للحكومة خلال العام 2013، وفي تلك المسيرات ستة من المتظاهرين قُتلوا، وهو إرتفاع غير معتاد في العنف خاصةً في مجتمع لم يُعرف عنه العنف. خمسة من هذه الوفيات حدثت خلال المظاهرات حديقة جيزي في يونيو 2013. وتعرَّض بركن إيلفان – وهو مراهق يبلغ 15 عام – في11 مارس من نفس العام لغيبوبة منذ أن أصيب في رأسه بقنبلة غاز خلال الاحتجاجات المتعلقة بحديقة جيزي ثُــمَّ وافته المنية . أثارت وفاة بركن إيلفان جولة واسعة من المظاهرات منها ما خرج فيها أكثر من 2 مليون شخص إلى الشوارع للإحتجاج على حكومة حزب العدالة والتنمية.[112]يعد حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 ما يمثل أطول حلقة في تاريخ تركيا الحديث للتهميش شبه الكامل لمجتمع الأقليات العلوية. وهوما يعيد صور الذاكرة التاريخية للتمييز والاضطهاد في ظل الامبراطورية العثمانية المتأخرة في تركيبة مع الإغتراب الحالي مما أثر بشكل كبير على المجتمعات الشيعية والعلويين.[113] والنتيجة هي غريزة سياسية واضحة حيث المعارضة النشطة لحزب العدالة والتنمية من خلال سياسات الشوارع والمظاهرات والتعبئة الشعبية. وهذه ليست ظاهرة قصيرة الأجل، فتركيا تواجه ببطء حريق إضطرابات العلويين وعلى الأرجح الأكثر إلحاحاً أنَّ الاضطرابات العلوية تغذيها الحرب السورية.[114]أطلق حزب العدالة والتنمية في سبتمبر 2013 حزمة إصلاحات ديمقراطية، كانت هذه الحزمة تستهدف تعزيز المسار الديمقراطي في البلاد فيما يتعلق بالحقوق العامة والخاصة المرتبطة بالأقليات والحريات الشخصية والدينية والنظام الانتخابي المرتبط بطبيعة النظام السياسي وكان الأكراد أبرز المستفيدين منها.[115]
لقد تخلى حزب العدالة والتنمية عن خطابه الديمقراطي المدافع عن الحريات – نتيجة فشل الحزب في اكتساب عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي – وتحول الخطاب السياسي للحزب إلى تبني المفهوم التقليدي للأمن القومي، الذي يحصره في الحل الأمني، وذلك بالطبع يقلل من سلطة الحكومة المدنية. ومن أمثلة إعلاء أمن الحكومة على ضمان الحريات؛ الحكم بالسجن على مفكرين وصحفيين وناشرين بارزين بالسجن ثلاث سنوات حيث تمَّ إتهامهم وفق قانون الجنايات بإزدراء القومية التركية، واتهام محرر الجريدة الأرمنية “hrant dink Agos” بنفس التهمة وتم ذبحه على يد مسلح متطرف في 19 يناير 2007، و اُتهم خمسة أكاديميين بنفس التهمة بسبب إنتقادهم لحكم محكمة ألغى مؤتمر أكاديمي عن المسألة الأرمنية كان سيعقد في جامعة Bilgi في سبتمبر 2005. [116]
يتجه اهتمام الديمقراطيين الأكفاء إلى تقليل التأثير السياسي أو الأهمية السياسية لمثل هذه الفوارق إلى أدنى حد فينبغي من ناحية أن تكون هناك تشريعات صارمة تكفل لجميع المواطنين حدًا أدنى من ضرورات العيش التي هي شرط لازم لممارسة أي مواطنة حقيقية، كما أنها الشرط الأساسي لممارسة الديمقراطية ذاتها. فمعايير الدولة العصرية تحدد للدولة من حيث المبدأ الحق في توسيع فكرة المواطنة، وكيف يمكن اكتساب حقوق المواطنة، وألا تتصرف السلطة السيادية بطريقة تنطوي على أي تمييز، سياسيًا كان أو اقتصاديا. فالمعايير الدولية لحقوق الإنسان توفر ضمانات معينة حتى لجماعات الأقليات ( دينية ـ ثقافية ـ قومية ـ عرقية ـ لغوية ) فلهذه الأقليات الحق، ليس فقط في أن تعترف الدولة بوجودها، بل في أن تحمي هويتها الخاصة، وأن تهيئ الظروف المناسبة لتعزيز تلك الهوية داخل إطار الدولة الأمة ككل أيضًا، وأن يكون لكل هؤلاء كل الحقوق على قدم المساواة، وأهمها الحقوق الاقتصادية . وهنا يطرح التساؤل التالي: هل تعتمد الديمقراطية على التنمية الاقتصادية؟ [117]
لكن بمقارنة وضع الحريات والحقوق في فترة حكم حزب العدالة والتنمية بالفترات التي سبقته يبدو أنَّها الأفضل فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي كعملية شاملة، وهو ما يوضحه الشكل التالي. [118]
ومؤخراً بدأت تتوجه الأنظار إلى ما يمكن أن يفعله حزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج.
في الداخل يرى بعض النشطاء والصحفيين الأتراك والمراقبين بشكل عام أنَّه ليس من أمل بإحداث تغيير في سياسات الحزب والرئيس القمعية والمكممة لحرية الصحافة والمعارضين له، بل ستزداد. أما أزمة الاقتصاد فأزمة بنيوية لا تتعلق فقط بالاستقرار، لأن التراجع حدث فيما كان حزب العدالة والتنمية وحده في السلطة ولم يحدث بين عشية وضحاها.[119]
ثانياً: التنمية الإقتصادية والإجتماعية
لقد تعهد إردوغان أنَّ حزبه لن يتراجع عن مسار الحداثة الذي أسسه أتاتورك، وأنَّه بحلول عام 2023 ستكون هناك “تركيا جديدة”. ومن أجل ذلك عمل الحزب على توسيع وتسريع عملية الإصلاحات الداخلية التي بدأت منذ عام 1999 في مجالات الاقتصاد والسياسة والحريات وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان وزيادة التمثيل المدني في مجلس الأمن الوطني كما تمَّ إلغاء التمثيل العسكري في مجلس التعليم العالي والمجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون ووُضعت القوات المسلحة تحت الرقابة الكاملة. ولقد ساعدت هذه التغييرات في إضعاف دور الجيش في الشئون السياسية وتقليص الطابع الأمني للسياسة على المستوى الداخلي والخارجي كما شكَّلت مسألة الإنضمام للاتحاد الأوروبي أرضية مشتركة بين أجمعت عليها النخب المدنية والنخب العسكرية.[120] كان حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى تحقيق نجاحات اقتصادية داخلية ملموسة تضفي مصداقية على خطاب التنمية الاقتصادية والازدهار اللذين يسعى لتحقيقهما. فعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدتها البلاد في عام 2001، عملت حكوماته منذ عام 2002 على تحقيق معدلات نمو متصاعدة. وبهذا الصدد، غالبًا ما يعقد الحزب مقارنات بين الوضع الاقتصادي لتركيا عند تسلمه السلطة، والوضع الذي وصلت إليه تركيا بعد نحو عقد واحد فقط وهي في ظل حكمه. فبين عامي 2002 و2011 مثلاً تحقق صعود اقتصادي كبير بحسب المؤشرات التالية: كان الناتج المحلي الإجمالي 230 مليار دولار أميركي وأصبح 774 مليارًا، وارتفع دخل الفرد من 3500 دولار إلى 10000 دولار، وارتفع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي من 28 مليار دولار إلى 110 مليارات، وكانت نسبة استثمارات رؤوس الأموال الثابتة في القطاع الخاص 28 مليار دولار فقفزت إلى 140 مليارًا. ولا يتوقف الأمر عن هذا الحد، فقد حدد برنامجًا لتركيا حتى عام 2023 يهدف من خلاله إلى أن تصبح ضمن الدول العشر الأوائل عالميًا على الصعيد الاقتصادي، وأن يصل حجم اقتصادها إلى تريليوني دولار، وحجم صادراتها إلى 500 مليار دولار، ودخل الفرد فيها إلى 25 ألف دولار.[121]
مر الاقتصاد التركي بمرحلة تحول كبيرة طوال السبع سنوات التي وقعت في الفتره ما بين الأزمة الإقتصادية الداخلية عام 2001 والأزمة الإقتصادية العالمية 2008 وكان من نتائج هذا التحول زيادة الناتج القومي التركي بين عامي 2002 و2008 من 300مليار دولار الي 750مليار دولار بمعدل نمو بلغ 6,8 % في متوسطه , فضلاً عن ما تحقق من انخفاض معدلات التضخم والزياده المطردة في حجم الاستثمارات وبذلك احتلت تركيا المركز الــ 16 في اقتصاديات العالم في عهد حزب العدالة والتنمية. ففي فبراير 2001 دخلت تركيا في دوامة أكبر أزمة اقتصادية منذ عهد الجمهورية وانقلبت كافة الموازين وعينت الحكومة رئيس المصرف الدولي وزيراً للدولة للشئون الإقتصادية وتم الحصول علي بعض القروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولكن بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم بدأت خطط الإصلاح الإقتصادي المتبعة من قبل الحكومة في جني ثمارها. [122] والجدير بالذكر أن عام 2003 علي وجه الخصوص قد شهدت استقرار سياسي وتطبيق للمعايير التي أهلتها للانضمام للاتحاد الأوروبي أنه قد سجلت تركيا معدلات نمو هي الأعلي علي المستوي الأوروبي والثالث علي المستوي العالمي بعد الصين والهند زياده معدل النمو في تركيا مقارنه بالاتحاد الأوروبي.
منذ 2002 والاقتصاد التركي قد زاد حجمه حوالي الضعف فوصل إلى 1.1 تريليون دولار. وبوصفها بالفعل أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط فإنَّ تركيا يمكن أن تنافس اسبانيا وإيطاليا لتكون أكبر اقتصاد في منطقة البحر المتوسط. وثمة عامل رئيسي يشرح هذا النمو هو “النافذة الديموغرافية”: وهي الفرصة السانحة التي لا تقابلها كل دولة إلا مرة واحدة في تاريخها. فبعد أن عاشت الدولة نمواً سكانياً نضجت نسبة سكانها من اليافعين في النهاية إلى درجة أن أغلبية السكان يقعون بين الفئة العمرية من 15 إلى 64 وتلك ظاهرة معروفة باسم “النافذة الديموغرافية” وهي التي تؤدي إلى الإبداع والحراك. وشريطة أن تتوفر حوكمة جيدة فإنها أيضاً تفرز نمواً اقتصادياً معجزاً. فدول مثل كوريا الجنوبية قد مرت مؤخراً بهذه “النافذة الديموغرافية” واستفادت من النمو الاقتصادي المصاحب لها بمعدلات مذهلة. والآن يجيء دور تركيا. فتوقعات اتحاد رجال الأعمال والصناعة الأتراك تؤكد أنَّ تركيا قد قطعت نصف الطريق عبر نافذتها الديموغرافية حيث يترجح أن تظل غالبية سكانها في الفئة العمرية المُنتجة من 15 إلى 64 حتى عام 2020. ومن هنا كانت معجزة 2002-2020 الاقتصادية التركية. وبالطبع فإنَّ النافذة الديموغرافية وحدها لا يمكن أن تبرر النمو الاقتصادي السنوي بنسبة من 6 إلى 8 بالمائة الذي شهدته تركيا خلال العقد الماضي. فالحوكمة الرشيدة هي العامل الرئيس في النهضة الإقتصادية.[123]
كان للإنجازات الاقتصادية دور كبير في مساعدة إردوغان على مواجهة الدولة العميقة فاستطاع في الفترة الاولى لرئاسته الحكومة (2002-2007م) تقوية الاقتصاد التركى, ورفع مستوى رفاهية الشعب التركى، وزيادة الدخل القومى التركى، فقد وصلت حكومة العدالة والتنمية إلى الحكم والبلاد تعاني من أزمة اقتصادية حادة، فقامت الحكومة بتغيير مجموعة من الافتراضات والمبادئ الأساسية التي اعتمد عليها صندوق النقد الدولي في وصْفته لعلاج الاقتصاد التركي، ووضعت نصب عينيها هدفًا يتمثل في أنْ تتجاوز معدّلات الاستثمار نسبة 30% من الناتج القومي الإجمالي، وحدّدت العديد من الإجراءات التي يتعين اتّخاذها لتحقيق هذا الهدف منها: زيادة التقشف وخفض النفقات، جذب رؤوس الأموال الخارجية بشكل مباشر، تأمين الطاقة وضمانها بأسعار اقتصادية على المستوى البعيد، إصلاح التعليم المهني وحل مشكلة نقص الأيدي الماهرة، وتحسين بيئة العمل و إصلاح الجهاز الإداري للدولة وضمان الشفافية والمراقبة والمحاسبة.[124]
ونجحت حكومة العدالة والتنمية في تخفيض نسبة التضخم من 37% إلى 9% تقريباً وكذلك تخفيض نسبة الفائدة الحقيقية من 65% إلى 15% تقريباً، وارتفعت قيمة العملة التركية, حيث راهنت حكومة حزب العدالة والتنمية على ذلك من خلال حذف ستة أصفار من الليرة التركية وزعمت جميع الأحزاب الأخرى وجميع الصحف المساندة لها أنَّ حزب العدالة لن ينجح في ذلك، ولكنه نجح وأصبحت الليرة التركية قريبة من الدولار الأمريكى ، كما كان متوسط دخل الفرد التركى عند مجىء الحزب إلى السلطة 2500 دولار تقريبا، وارتفع نتيجة التحسن الاقتصادى إلى 5500 دولار تقريبا، وزادت الصادرات التركية من 36 مليار دولار عند تسلمه الحكم إلى 95 مليارا، كما تم تخفيض ديون تركيا لدى صندوق النقد الدولى من 23 مليار دولار، إلى 9 مليارات فقط.[125]
وكما هو معروف أنه في ظل تعدد الحكومات الائتلافية في تسعينيات القرن الماضي سادت موجه واسعة من “عدم الاستقرار السياسي” كانت لها تداعياتها المباشرة على الاقتصاد التركي، فارتفع الدين المحلي والأجنبي بسبب ارتفاع التضخم -والذي وصل إلى نسبة 55% مع بداية القرن الحادي والعشرين- وحدث عجز في الموازنة، وعجز في الحساب التجاري، ومع صعود حزب العدالة والتنمية عام 2002 ثم وضع إستراتيجية جديدة لإنقاذ الاقتصاد التركي تقوم على هدف طموح أن تصبح تركيا من أكبر عشر اقتصادات في العالم بحلول عام 2024 ومن خلال التركيز على قوامه مثلث سياسات تركز على الاعتماد على الخصخصة وتحفز الاستثمار الأجنبي، والانضباط المالي، وإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية المختلفة، الأمر الذي قاد إلى خفض معدلات التضخم من 55% عام 2002 إلى أقل من 10% بداية عام 2014.[126] كما ارتفع معدل الدخل السنوي للفرد إلى نحو 11 ألف دولار عام 2014 بعد أن كان 3500 دولار عام 2002. وكذلك سددت تركيا كل ديونها لصندوق النقد الدولى عام 2013 وأصبحت نموذجًا اقتصاديًا يحتذى به عندما تعافت سريعًا من الأزمة العالمية عام 2008. على أنه مع قدوم عام 2012 انخفض نسبة النمو إلى 2.2% نتيجة لعامل خطير هو انتشار معدلات الفساد الذي قاد إلى حدوث تراجع ثم انحدار اقتصادي عام 2014. كما تراجع النمو المحلي ليسجل 1.7% على أساس سنوي في الربع الثالث من 2014 بدلًا من توقعات لنموه بنسبة 3%. أمَّا في عام 2015 تراجع النمو إلى 2.9% بحسب بيانات “رويترز” ووصل معدل البطالة إلى 11.2% في المتوسط خلال الفترة من يناير إلى مارس، مقارنة مع 10.2% في نفس الفترة من عام 2014. الأمر الذي حتم على وزير الاقتصاد التركي “نهاد زيبكس” للتصريح “بأنه من الصعب أن تصبح بلاده ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم بحلول عام 2025” لتنتهي بذلك مرحلة “المعجزة” ويصبح التعامل مع الواقع المؤلم حتميًا.[127] وقد كان لتطبيق سياسة الخصخصة المندفعة التي انطلقت منها تركيا من أجل حصد نمو سريع آثار على مستوى الإنتاج الصناعي، فقد تراجع النشاط عمومًا، وكثرت الاحتجاجات العمالية المطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل.
وجدير بالذكر أنَّ إعادة توجيه تركيا لسياستها الخارجية في العقد الماضي بعيداً عن أوروبا وبإتجاه الشرق الأوسط قد أثمرت نفعاً وذلك بالسماح للدولة بالنجاة من آثار التقلبات في الاقتصاديات المتقدمة منذ 2008. ومثلما تحولت سياستها الخارجية نحو الشرق الأوسط تحولت تجارة تركيا أيضاً إليه. وقبل أن يأتي حزب العدالة والتنمية إلى السلطة كانت 53 % من تجارة تركيا مع أوروبا. وأما اليوم فقد هبطت تلك النسبة إلى 42 بالمائة. وبالمقارنة فإنَّ تجارة تركيا مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد زادت من 13 بالمائة في 2002 إلى 26 بالمائة اليوم، وهي آخذة في الصعود.[128]
الفصل الثالث
أثر العلاقات المدنية العسكرية على إستقلال القضاء
المبحث الأول : التعديلات الدستورية
المبحث الثاني: محاكمات الضباط وموقف الإتحاد الأوروبي
تمهيد:
العلاقات المدنية العسكرية في تركيا تحكمها جذور تاريخية وأيديولوجية متعلقة ببناء الدولة ذاتها على يد مصطفى كمال أتاتورك على الأسس العلمانية، والتي كان للمؤسسة العسكرية دور كبير فيها بإعتبارها المؤسسة الوحيدة الناجية من إنهيار الدولة العثمانية وبالتالي لعبت دوراً هاماً في بناء الدولة القومية، كما أنها ليست صراعاً على السلطة فقط وإنما هي صراع على هوية الدولة أيضاً حيث يعتبر الجيش نفسه الضامن للأيديولوجية الأتاتوركية العلمانية . لذلك فقد جاء تطور تلك العلاقة محكوماً بتغيرات سياسية في المحيط الداخلي والخارجي، لتتحول العلاقة من ترجيح كفة المؤسسة العسكرية في السيطرة على سياسات الدولة إلى ترجيح كفة السلطة المدنية المنتخبة. فعلى عكس دولة الخلافة العثمانية، أنشأ أتاتورك الدولة علي فكرة القومية التركية الخالصة، لا علي أساس الإنتماء الديني. لذا سنتناول في المبحث الأول من هذا الفصل البناء الدستوري والقانوني للمؤسسة العسكرية وتأثير هذا البناء على استقلال القضاء ودوره في مسار التحول الديمقراطي وكذلك قضايا الفساد ومحاكمات الضباط التي تمت خلال حكم حزب العدالة والتنمية. وفي المبحث الثاني سنتناول توصيات الإتحاد الأوروبي ودورها في التحول الديمقراطي التركي وتقييم التجربة التركية.
المبحث الأول
التعديلات الدستورية
أولاً: البناء الدستوري والتعديلات الدستورية
مع وضع الدستور التركي في عشرينيات القرن الماضي تم تحجيم وحصر دور الدين بما يقرّ العلمانية التامة للدولة.[129] ومنذ ذلك الوقت مالت كفة السلطة لصالح المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها حامية العلمانية، والتي قامت بثلاثة انقلابات عسكرية على مدار 30 عاماً عطلت بها المسار الديمقراطي للدولة، ، بهدف الحفاظ على نظام ومؤسسات الدولة بالشكل العلماني الذي تراه المؤسسة العسكرية. . وحدثت تلك الانقلابات بمعدل إنقلاب كل 10 سنوات في أعوام (1960،1971، 1980) بالإضافة للانقلاب الناعم الذي أطاح بحكومة نجم الدين أربكان معتمدين في ذلك على الإعلام الذي عمل على إثارة مخاوف الشعب من حكومة أربكان الإسلامية حتى قدم استقالته في يونيو 1997. وقد حدثت تلك الانقلابات تحت رعاية القانون الداخلي للجيش الذي أعطاه مسؤولية الحماية والحفاظ على تركيا الوطن الأم والجمهورية التركية كما عرفها الدستور.[130] “العسكر يحمي الدستور.. والدستور يحمي العسكر” صيغة يمكنها أن تعبِّر عن العلاقة الأبوية بين كلا الطرفين:”العسكر والدستور” على مدار تاريخ الجمهورية التركية.[131]
كان من أهم التغييرات التي أسسها دستور 1961 هي إنشاء مجلس الدفاع الوطني ، حيث كان الهدف من وراء إنشائه هو ضمان تدخل العسكريين في السياسة المتعلقة بكل القضايا الأمنية وذلك وراء ستار تقديم المساعدة وتقديم الآراء لمجلس الوزراء وتأمين التنسيق في قضايا الأمن الوطني. وأُعطيت المزيد من السلطات والصلاحيات لمجلس الدفاع الوطني من خلال التعديلات الدستورية لدستور 1961 في أثناء فترة الحكم العسكري 1971 – 1973 . وتم تعديل نص المادة 111 التي تحدد أعضاء المجلس، حيث غيّر التعديل كلمة “ممثلي القوات المسلحة” بعبارة ” قادة القوات البرية والبحرية والجوية والقائد العام لقوات حرس الحدود”، وعليه فإنَّ هذا التعديل حول التمثيل العسكري لتمثيل مؤسسي ( للمؤسسة العسكرية) يتبع الهيراركية العسكرية بدلاً من كونه تمثيل رمزي. وهكذا لم يتجاوز عدد الأعضاء المدنيين عدد الأعضاء العسكريين داخل المجلس، كما زادت سلطة المجلس من خلال إضافة عبارة “يراعي مجلس الوزراء قرارات المجلس بعين الإعتبار الأولى”. [132]
ولذا ركزت تقارير الأداء التي كان يعدها الإتحاد الأوروبي من 1998 إلى 2001 على إنتقاد الدور الكبير الذي يلعبه مجلس الدفاع الوطني في الحياة السياسية وطالبت بجعله مجلس إستشاري لمجلس الوزراء[133] وسنتناول هذه النقطة بتوضيح أكثر في المبحث القادم في جزئية الإتحاد الأوروبي. وعليه جرت التعديلات الدستورية في اكتوبر 2001 التي شملت 37 مادة كان من ضمنها المادة 118 الخاصة بمجلس الدفاع الوطني حيث وسعت التعديلات من عدد أعضاءه المدنيين حيث أدرجت التعديلات عضوية وزير العدل ونائبي رئيس الوزراء وبالتالي رجحت كفة الأعضاء المدنيين داخل المجلس من حيث العدد. كما شملت التعديلات طبيعة وقيمة قرارات المجلس حيث أُلغيت عبارة ” يراعي مجلس الوزراء قرارات المجلس بعين الإعتبار الأولى” ووضعت مكانها عبارة “يقوم مجلس الوزراء بتقييم قرارات مجلس الدفاع الوطني” . وكانت هذه التعديلات يمثابة طفرة عكسية في العلاقات المدنية العسكرية حيث أنَّ مجلس الدفاع الوطني منذ إنشائه وكل التعديلات الدستورية الخاصة به ( تعديلات دستور 1960، تعديلات 1971، دستور 1980) كانت دائماً في إتجاه تعزيز النفوذ العسكري سواء من حيث بنية المجلس أو طبيعة قراراته. [134] وكانت التعديلات الدستورية التي صادق عليها البرلمان التركي في يونيو 2003 بمثابة نقطة تحول الأقوى في العلاقات المدنية العسكرية التركية حيث استهدفت هذه التعديلات الحد من دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية من خلال تقليص وضعيته القانونية والدستورية. فقد تمَّ تعديل المادة 15 من قانون مجلس الأمن الوطني وأمانته العامة حيث تم إلغاء البند المتلق بوجوب تعيين الأمين العام لمجلس الأمن الوطني من بين أعضاء القوات المسلحة لتنص بعد تعديلها على إمكانية تعيين شخصية مدنية ليكون الأمين العام لمجلس الأمن الوطني.[135] كما تم إلغاء المواد 9،14،19 من القانون نفسه مما قلص كثيراً من سلطات المجلس، كما تم تعديل المادة الرابعة التي كانت توكل للمجلس وأمانته العامة مهمة المتابعة والتقييم الدائم لعناصر القوى الوطنية ومتابعة أوضاع الدولة السياسية والإقتصادية وأنَّ المجلس هو الحامي للنظام الدستوري والقائم على تأكيد القيم الوطنية الأتاتوركية، فإقتصرت المادة الرابعة بعد تعديلها أنَّ مهمة المجلس الوطني هي رسم وتطبيق سياسة الأمن الوطني من خلال تقديم آرائه لمجلس الوزراء وانتظار ما يُسند إليه من مهام، وبهذا يكون المجلس تحول إلى هيئة استشارية لمجلس الوزراء.[136]
لكن في الفترة التي تلت ذلك استطاع الجيش أن يكون في وضع هجومي لكي يوازن ما فقده من النفوذ السياسي من خلال صنع أدوات جديدة تستخدمها لإستعادة نفوذها، فمثلاً معظم وظائف مجلس الأمن الوطني التي أُلغيت تم تحويلها لقيادة الأركان العامة.
كانت التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب التركي في استفتاء 2010 بمثابة نهاية لنظام الوصاية العسكرية في تركيا حيث لم يعد بإمكان الجيش التدخل في الحياة السياسية وجردته من الحصانة القضائية فأصبح من الممكن محاكمة العسكريين الذين لايزالون في الخدمة أمام محاكم مدنية ، كما أصبح من الممكن مقاضاة قادة انقلاب 1980 على الجرائم التي اقترفوها. [137]
شملت هذه التعديلات الدستورية والقانونية إمكانية رفع دعاوى قضائية لإستجواب الجنرالات القدامى ومقاضاتهم بشأن قضايا الفساد والسماح للعسكريين بالإدلاء بتصريحات إعلامية فقط في الشأن العسكري والأمني أيضاً تحت إشراف القيادة المدنية وأيضاً إلغاء إمكانية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. كما قامت حكومة حزب العدالة والتنمية بتعديلات عديدة وافق عليها الشعب في استفتاء سبتمبر 2010 بهدف تحجيم التأثير السياسي والقضائي للجيش، ووفقاً لذلك حددت التعديلات الدستورية السلطة القضائية للمحاكم العسكرية إلى حدود القضايا المتعلقة بالخدمة العسكرية. وقد تم تعديل الدستور التركي مراراً وتكراراً منذ انقلاب 1980. ولكن جوهره هذه التعديلات كان دائماً معادي للديمقراطية. لقد اعتمدت معظم التعديلات السابقة على اتفاقيات بين الحاكم ( العسكري غالباً) وأحزاب المعارضة ، ولم يطرح للتصويت الشعبي. هذه المرة ، تصرف حزب العدالة والتنمية من تلقاء نفسه، وتمكن بالكاد من حشد الصفوف من أجل الأغلبية المطلوبة لإجراء الاستفتاء .[138]
وبالنسبة لإستقلال دور القضاء ، يجدر الإشارة لدور القضاء في إنقلاب 1997 فإنَّه على الرغم من أنَّ الدستور التركي أقرَّ بإستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإنَّ واقع الحال يشير إلى أنَّ هذه السلطة خاضعة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لنفوذ وتأثير الأوساط العلمانية وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي تعد نفسها حارسة للعلمانية الكمالية في البلاد، فبعد ستة أشهر من وصول حزب الرفاه إلى السلطة، أي في منتصف يناير 1997، بات من الواضح أنَّ حزب الرفاه قد خطا خطوات واسعة في طريق النجاح، مما يجعل احتمالية تفوقه في أول انتخابات تشريعية قادمة عالية، وخطورة ذلك هي إمكانية تشكيله حكومة بمفرده، فكانت أولى الخطوات العملية تعيين أورال سواش رئيساً جديداً للإدعاء العام، بعد أن وعد بأنه إذا ما تم اختياره لهذا المنصب فإنه سينفذ سياسة إقصاء حزب الرفاه ليس من السلطة فحسب بل من الحياة السياسية برمتها. وفي 15 فبراير 1997 دعت جمعية رجال الأعمال التركية إلى لقاءٍ حضره سواش وعدد من القانونيين والأساتذة الجامعيين للتباحث في أفضل الإجراءات القانونية
لحل حزب الرفاه، وكانت المادة (103) من الدستور لا تسمح بحل الحزب، ومن ثم فإن أي إجراء قانوني للحل يجب أن يأتي بعد إلغاء هذه المادة، فتم الإيعاز للمحكمة الدستورية بالانعقاد ونقض المادة، الأمر الذي مهد الطريق لرفع دعوى قضائية ضد الرفاه ومن ثم إصدار قرار بحله، وبالفعل ففي 16 يناير 1998 صدر قرار بحل حزب الرفاه ومصادرة ممتلكاته ومنع زعيمه نجم الدين أربكان من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات، وأعقب ذلك صدور قرار بمنع الطالبات المحجبات من التعليم وصادق على القرار حكومة بولنت أجاويد بإيعاز من المجلس القومي، كما صدر قانون التعليم المستمر لمدة ثماني سنوات في المرحلة التعليمية الأساسية الذي كان غرضه محاصرة الأئمة والخطباء وتقليل عدد خريجيها، كما صدرت تهديدات لموظفي بعض وزارات الدولة بالطرد إذا علم أنَّ لهم أي ارتباطات بالتيار الإسلامي ويكتفى في ذلك بشهادة اثنين من مفتشي وزارة الداخلية لفصل أي موظف من وظيفته، كما تم إغلاق العديد من الشركات والمصانع التي لها علاقة بالإسلاميين.[139]
ومما سبق يتضح أنَّ الإنقلابات عادة كانت تقوم على تحالف الجيش مع القضاء والبيروقراطية، ذلك ان الجيش يتولى المهمة السياسية والدور العسكري، لكن ذلك لم يكن يكتمل ويحقق مراده من دون اسهام القضاء وتجاوب أجهزة الإدارة البيروقراطية، إن شئت فقل إن القضاء والبيروقراطية ظلا طوال العقود الخالية من الأدوات التي استخدمها الجيش في تسويغ ممارساته وبسط سلطاته، وخير دليل على ذلك أنه في تسع حالات استخدم الجيش المحكمة الدستورية في حل ٩ أحزاب إسلامية وكردية في الفترة ما بين عامي ١٩٧١ و٢٠٠٩.[140]
لذا عملت حكومة العدالة والتنمية على إدخال مجموعة كبيرة من الإصلاحات الدستورية لتدعيم الديمقراطية والتخلص من المود التي أدخلها الجيش في دستور 1983 بعد الإنقلاب العسكري، والتي كانت تسبب عقبة في سبيلها وتركز التعديلات الدستورية على مسألتين أساسيتين، الأولى: إعادة هيكلة مؤسسات القضاء (زيادة عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى 17, وعدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين من 7 إلى 22), فضلا عن تغير آليات انتخاب كبار القضاة والمدعين العامين وطريقة تعينهم ( يتم اختيارهم من قبل المجلس الوطني التركي الكبير ورئيس الجمهورية، بدلاً من تعيينهم من قبل المؤسسة العسكرية)، الثانية: محاكمة العسكريين بما في ذلك كبار قادة الجيش أمام المحاكم المدنية بدلا من العسكرية, وهذه مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لحزب العدالة في ظل المعركة المستمرة مع شبكة الأرجنكون ومحاكمة الضباط المتورطين في المحاولة الانقلابية – المعروفة بالمطرقة- ضد حكومة رجب طيب أردوغان.[141]
ثانياً: قضايا الفساد
يعد الفساد كما هو الحال في كثير من الدول النامية من أكبر المشكلات التي تواجه تركيا، لذا يجب اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته في أقصر فترة ممكنة. حيث أنَّ التحول الديمقراطي وتحقيق العدالة في توزيع الدخل بالتوازي مع النمو الاقتصادي يؤدي إلى الحد من الفساد وآثاره السلبية. لذلك فإنَّ التطور الديمقراطي له أهمية ليس فقط في مجال حقوق الإنسان ولكن أيضاً في تقاسم الثروة. إضافة إلى ذلك يعد زيادة مستوى الدخل وضمان الشفافية وتحسين النظام القانوني والحد من البيروقراطية من الأدوات التي يمكن أن تساعد في مكافحة الفساد.[142]
شهدت الفترة التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة أعمال فساد كبيرة في تركيا حيث قام العديد من السياسيين ورجال الأعمال بنهب البنوك الرسمية الحكومية, وفي بعض التقديرات يصل ما تم نهبه ما يزيد على 46 مليار دولار, تم تهريب معظمها للخارج, فجاء إردوغان ووضع يد الدولة على أملاك هؤلاء، وقدمهم للمحاكمة. قد شملت عمليات التطهير مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة، من أبرزهم تانسو تشيللر ومسعود يلماظ – وهما من رؤساء الوزراء السابقين- حيث تم التحقيق معهم، مما يؤكد توجهها نحو الإصلاح، وخفضت الحكومة نفقاتها إلى أبعد مدى، فخفضت عدد الوزارات، وباعت الآلاف من السيارات الحكومية والبيوت الفاخرة التي كانت مخصّصة للنوّاب. وشكّلت لجانًا برلمانية لتعقّب الفاسدين الذين سرقوا البنوك الحكومية والخاصّة، وأصدرت قانونًا يسمح لها بمصادرة أموال أصحاب هذه البنوك ومديريها، وأموال أقاربهم من الدرجة الأولى والثانية، واسترداد قيمة ما نُهب من هذه الأموال وتحويلها إلى خزينة الدولة.[143]
أعلنت وسائل الإعلام قيام السلطات التركية بالقبض على 20 شرطياً على الأقل تتهمهم بالتنصت على محادثات هاتفية لسياسيين، وموظفين حكوميين، ورجال أعمال، بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء التركية الرسمية. وقالت وكالة الأناضول إنَّ ضباط الشرطة قبض عليهم في مداهمات على منازلهم في 12 مدينة تركية. وكان عشرات آخرون قد قبض عليهم خلال عام 2014 بتهم مماثلة. ولم تحدد الوكالة هوية من تعرضوا لهذا التنصت، وتقول الحكومة إنّ التنصت على المحادثات الهاتفية كان جزءا من حملة عليها يقودها رجل الدين المقيم في أمريكا، فتح الله كولن، بهدف الإطاحة بالحكومة، ولكن كولن ينفي هذه التهم. وتقول الحكومة إنَّ حركته كانت وراء سلسلة من التسجيلات المسربة التي أفضت إلى التحقيق مع أربعة وزراء سابقين في الحكومة بتهم فساد، وأدى التنصت على المكالمات الهاتفية إلى استقالة ثلاثة من وزراء الحكومة خلال تحقيق واسع النطق بشأن الفساد، أغلق ملفه بعد ذلك. [144] كما اعتقلت السلطات التركية 23 شخصاً في يناير 2015 بينهم مسئولون كبار سابقون في مؤسسات اتصالات ووكالات علمية بتهمة المشاركة في عمليات تنصت على مسؤولين حكوميين، بينهم الرئيس رجب طيب إردوغان. وقالت وكالة أنباء الأناضول الحكومية إنَّ المدعي العام في القضية أصدر مذكرات اعتقال بحق 28 شخصاً في أنقرة وإسطنبول ومدن أخرى، كما أضافت الوكالة أنَّ هذه هي الموجة الرابعة من الإعتقالات التي تطال مشتبهين بالمشاركة في عمليات التنصت المرتبطة بإدعاءات الفساد التي صدرت ضد إردوغان ومقربين منه في العام 2014. وبرز إدعاء مبني على الأشرطة الصوتية المسربة في شهر فبراير من العام 2014 بأنَّ اردوغان طلب من ابنه بلال التخلص من مبلغ 30 مليون يورو نقداً. وعقدت الجلسة الأولى للمحاكمة في 2 يناير، حيث مثل 13 متهما أمام المحكمة متهمين بالتجسس على اردوغان حين كان رئيسا للوزراء،وبين المتهمين حارسه الشخصي السابق ورئيس قسم الأمن في رئاسة الوزراء. [145] وقد طردت حكومة اردوغان الآلاف من رجال الشرطة وعددا كبيرا من القضاة، ودفع رئيس الوزراء باتجاه سن قانون يحكم قبضة الدولة على القضاء، مما أثار القلق في تركيا والخارج على وضع الديمقراطية.[146]
وزاد الحديث عن الفساد في تركيا، خاصةً بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم. وتستند المعايير الشائعة في عمل المقارنات بين الدول وفي الدراسات التجريبية إلى الدراسات التي تجريها المنظمات الدولية المختلفة، وكما يُوضح الشكل ترتيب تركيا بين الدول في الفساد.
ترتيب تركيا | عدد الدول الموجودة في الدراسة | مؤشر الفساد في تركيا | العام |
54 | 85 | 3.4 | 1998 |
54 | 99 | 3.6 | 1999 |
50 | 90 | 3.8 | 2000 |
54 | 91 | 3.6 | 2001 |
64 | 102 | 3.2 | 2002 |
77 | 133 | 3.1 | 2003 |
77 | 145 | 3.2 | 2004 |
65 | 159 | 3.5 | 2005 |
60 | 163 | 3.8 | 2006 |
64 | 179 | 4.1 | 2007 |
( المصدر: الموقع الرسمي لمنظمة الشفافية العالمية www.transperancy.org)[147]
مثلت فضيحة “بنك خلق” التي تورط فيها عدد غير قليل من المسئولين الحكوميين والمقربين من أردوغان، في تقديم رشاوى وظهور حلقات من الفساد المالى، الأمر الذي جعل مؤشر الفساد الدولى لتركيا يتراجع من المركز 53 عام 2013 إلى المركز 64 عالميًا ضمن 175 دولة – كما أشار لذلك مؤشر الفساد الدولي الصادر عن منظمة الشفافية الدولي – وبحسب صحف معارضة، رصد البنك المركزي تدفق تحويلات مالية وصلت عام 2014 إلى تسعة مليارات دولار، لكن دون الإفصاح عن مصادرها، مما يزيد الشكوك بشأن ممارسات فاسدة، كما أن الأمر تكرر بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، حيث خرجت كميات من النقود السائلة والذهب والألماس دون مراقبة. كما كان للصراع السياسي مع حركة “فتح اللـه كولن” الأثر الأكبر في التأثير السياسى على الاقتصاد والخلط بينهما حيث فرضت حكومة أردوغان حمايتها على بنك “آسيا الإسلامي” المملوك “لكولن”. وبدأت “فضيحة الفساد” تهز ثقة المستثمرين في وقت تشهد فيه الليرة التركية هبوطًا نحو مستويات قياسية، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم وتباطؤ النمو، ويعتمد تأييد حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية على التزامه المعلن بمكافحة الفساد وعلى سجله الاقتصادي. وأدت هذه الفضيحة التي تفجرت في 17 ديسمبر 2013 باعتقال رجال أعمال قريبين من الحكومة وأبناء ثلاثة وزراء في الحكومة مما أدى إلى استقالة ثلاثة وزراء (الدفاع، والبيئة، والاقتصاد). كما وجهت إتهامات لوزراء آخرين ومسئولين عديدين بقبول رشاوى بشأن مشروعات لتنمية مناطق حضرية ومنح ترخيص بناء وأودع 20 آخرون من كبار المسئولين في الحكومة التركية في السجن. وفي تقرير نشرته مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية في نهاية عام 2014، والذي أكد على أن نحو 20 مليون تركي يتقاضون الرشوة سنويا، وأن 53% ممن يشتغلون كأفراد شرطة مرور يتقاضون الرشوة، وأن 59% من العاملين يرتشون أيضا، و33% من أفراد الشرطة العامة، و11% من العاملين في السلك القضائي، و59% من العاملين في شركات الكهرباء العامة جميعهم مرتشون. وأضاف التقرير: أن هناك هيئات ومصالح الجمارك في تركيا احتلت المرتبة الأولى في إجمالي حجم المبالغ المتقاضون سنويا على سبيل الرشوة، بنحو 634 مليون دولار سنويا، وتليهم المديريات والبلديات العامة بنحو 380 مليون دولارا سنويا، ثم السلك القضائي 350 مليون دولار سنويا، وأخيرا الهيئات الضريبية بنحو 137 مليون دولار سنويا. [148]
هذا وكان وزير العدل التركي قد صرح أن “عدد القضايا التي تم البت في جرائم الفساد خلال عام 2012 قد وصلت إلى 84 ألف قضية، بعد أن كانت 50 ألف قضية خلال عام 2009 كما أن جرائم التهريب وصلت إلى 22 ألف قضية بعد أن كانت 13 ألفا وذلك خلال الثلاثة أعوام الأخيرة. وكذلك ما أثير عن مدى قرب رجل الأعمال الشاب الإيراني الأصل التركي الجنسية “رضا ضراب” من أردوغان وابنه بلال بعد القبض على رضا في 17 ديسمبر 2013 والذي كشف مسألة تزاوج السلطة مع رأس المال خاصة عقب اتهامه بالعديد من قضايا الرشوة وتحويل أموال واستثمارات غير مشروعة والفساد، وتقديم رشى لوزير الداخلية للحصول على الجنسية التركية، ووزير الاقتصاد للتستر على مخالفاته في تجارة الذهب، ووزير البيئة والتخطيط العمراني للحصول على مخالفات أعمال مخالفة للقانون، ووزير شئون الاتحاد الأوربي لتسهيل أعماله، وتوزيعه رشاوى على موظفي القطاع العام التركي من أجل تسهيل غسيل 87 مليار دولار، واللافت للنظر أن أردوغان قد دافع (عندما كان رئيس الوزراء) أثناء تحقيقات الفساد في تركيا، والتي تم القبض على رضا ضراب ، وقال “إنه رجل يفعل الخير” كما أن المسئولين في حكومته أزالوا كل العناصر التي قد تؤدي إلى حبس ضراب حتى لا يحبس ويضطر لإفراج أردوغان، فأفرج عنه ومعه عدد من أبناء الوزراء والشخصيات الرفيعة لعدم كفاية الأدلة وكذلك فإنه من ناحية أخرى فإن “ضراب”، كما كشفت تحقيقات مجلس الشورى الإيراني في قضايا الفساد، قد تورط في وقائع اختلاس ضخمة في إيران، بل أبرزت هذه التحقيقات بأن ضراب هو “مفتاح اختلاس 2.7 مليار دولار في إيران”. [149]
يتجه البعض إلى اتهام حركة الخدمة بأنَّها قامت بتنفيذ عمليات الفساد في ديسمبر 2013 على الرغم من أنَّ الحركة نشرت مرات عديدة بيانات للتكذيب والتوضيح والتصحيح. كما قال زعيم حركة الخدمة فتح الله كولن “إنَّ بعض النوابِ العامّين وقواتِ الشرطة المكلّفة بتنفيذ القانون، قد أدّوا المهمة التي يطلبها القانونُ منهم دون أن يعلموا أنَّ مطاردة المجرمين صار يُعتبر جريمة، أي إنهم لم يتخيّلوا أن أضرارًا ستلحق بهم جراء أداء وظائفهم. بالرغم من ذلك، فإنَّ الذين أشرفوا على تحقيقات 17 ديسمبر، بل الآلاف من الموظفين الذين لم يكن لهم أيّ صلة بتلك التحقيقات، تعرّضوا للنفي والتشريد دون مراعاة حقوقهم وحقوق أفراد عائلاتهم قط. ثم بادر أعضاء الحكومة إلى اتهام “الخدمة” ومهاجتمها وكأنّ شيئًا لم يحدث وكأن فسادًا لم يقع. وعمدوا إلى اختلاق أكاذيبَ ونشرها واحدة تلو الأخرى، وما زالوا يفعلون ذلك .قبل كلّ شيء، فإنَّ تحقيقات الفساد والرشوة لم تأت فجأة، فجهاز المخابرات قد أعدّ قبل نحو 8 أو 9 أشهر تقريرًا قدمه لرئيس الوزراء، وأكد فيه أن بعضًا ممن يحتمل أن يكونوا جواسيس لإيران، قد سيطروا على وزراء في الدولة وبعضٍ من أبناء الوزراء، بل حتى تسلّلوا إلى مجلس الوزراء للقيام ببعض الأشغال الغامضة، ولكنه تم التجاهل والتغاضي عن هذا التقرير تمامًا. فضلًا عن ذلك، فإن وسائل الإعلام المقربة من الحكومة قد نشرت أخبارًا في صفحاتها بهذا الشأن، إلا أنها لم تلقَ اهتمامًا كذلك. لم يفكّروا في منع وقوع أعمال الفساد. ولما بدأت تحقيقات الـ17من ديسمبر، لم يجدوا مخرجًا من هذا المأزق، فقرّروا التخلّص منها عن طريق كيل الاتهامات واختلاق الجرائم لأناس أبرياء[150].”
ثالثاً: محاكمات الضباط
في بداية حكم حزب العدالة والتنمية احترم الجيش وقتها فوز الحزب في الإنتخابات ولم يسعى الجنرال “حلمي أوزكوك” لإجبار قادة الحكومة والنخبة السياسية لتبني رأي الجيش في القضايا الأمنية الخلافية، كما فضّل الحلول الديمقراطية وأساليب التفاوض والإقناع لحل المسائل الخلافية بين القيادات العسكرية والنخبة السياسية. كما لم يسعى لتدخل الجيش في تحقيقات ومحاكمات قضية أرجنكون ودعّم دخول تركيا للإتحاد الأوروبي. [151]
بالإضافة إلى تمكن الحكومة على مدار العقد المنصرم من أن تستبعد العسكريين بشكل كبير من القضاء والجهاز الإداري للدولة، وعلى الرغم من تلك الجهود المبذولة لترسيخ الديمقراطية المدنية إلا أن النفوذ الفعلي للعسكر لا يزال قوياً على المستوى المؤسسي بسبب الاستقلال النسبي للمؤسسة العسكرية، والمجتمعي بسبب قوة التيار العلماني. وإن كان ذلك النفوذ في تآكل مستمر بسبب صراع الحزب مع العسكر لترسيخ الحكم المدني عن طريق العديد من المعارك السياسية والقانونية والتي كان آخرها الاستقالة الجماعية لكبار قيادات الجيش في أغسطس 2011 احتجاجاً على رفض الحكومة ترقية زملائهم المعتقلين بتهمة التآمر على النظام، وهو التصرف الذي يعكس خضوع غير مسبوق من العسكر لقرارات الحكومة المدنية، خاصة مع نجاح الرئيس عبد الله جول في تعيين رئيساً جديداً لهيئة أركان القوات المسلحة بدلاً عن المستقيل.[152]
وكما سبق أن تم التوضيح في المباحث السابقة من الدراسة أنَّ حكومة حزب العدالة والتنمية قد قامت في تقليص نفوذ العسكريين بإستخدام آليات مؤسسية من تحجيم نفوذ ووظائف مجلس الدفاع الوطني ومحاكم أمن الدولة وكذلك آليات قانونية ودستورية استناداً على حزم المواءمة مع الاتحاد الأوروبي. كذلك تمكَّن الحزب من توظيف عدد من الجرائم الذي اٌتهم فيها أعضاء سابقين وحاليين في المؤسسة العسكرية مثل قضية “شيمندلي” و “أرجنكون” ، واستغلهم الحزب إعلامياً من أجل التأثير على الصورة النمطية للجيش الراسخة في أذهان العديد من الأتراك على أنَّه الحارس الأمين للديمقراطية والجمهورية العلمانية، بهدف تراجع ثقة الشعب في الجيش وهو ما نجح فيه الحزب نسبياً.[153]
كانت قرارات المحكمة الصادرة في سبتمبر 2012 ضد 365 جنرال وضابط في قضية المطرقة واستقلال القضاء التركي ضد النفوذ العسكري، وأيضاً رادعاً لأي محاولة عسكرية لقلب نظام الحكم المدني المنتخب. وقضية المطرقة هي اسم المؤامرة التي يُفترض أنَّ مجموعة من العسكريين قد حاولوا القيام بها بهدف الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية وذلك من خلال تنفيذ سلسلة من الهجمات المتطرفة والإرهابية في داخل تركيا لتبرير تدخل الجيش لإستعادة الأمن.
كذلك قضت المحكمة في في اغسطس 2013 على قائد الجيش السابق الجنرال إيلكر باشبوغ بالسجن المشدد مدى الحياة وأحكام مشددة على ما يقرب من 300 متهم من بينهم جنرالات ورتب أخرى متقاعدين وحاليين من الجيش التركي وأساتذة جامعات وصحفيين وأعضاء في حزب الشعب الجمهوري وحزب العمال وحزب الحركة الوطنية وذلك بتهمة تورطهم في تنظيم “أرجنكون” والتخطيط لإنقلاب عسكري لقلب نظام الحكم. فضلاً عن قرار المدعي العام في اغسطس 2013 بإعتقال 22 عسكرياً من بينهم سبعة جنرالات في قضية “مواقع الانترنت” التي اشترتها هيئة الأركان في فترة رئاسة إيلكر باشبوغ ، وبثت من خلالها أخبار غير صحيحة لتشويه صورة حزب العدالة والتنمية الحاكم بهدف إثارة الرأي العام ضده وتهيئة الأجواء لتدخل الجيش والقيام بإنقلاب عسكري، لذا أصدرت المحكمة قرار بضم قضية “مواقع الانترنت” إلى قضية المطرقة المعروفة بـــ ” التخطيط للقضاء على حزب العدالة والتنمية وحركة فتح الله كولن الإسلامية”. [154]
تنظيم “أرجنكون”
إنَّ “الدولة العميقة” ليست اكتشافاً جديداً، لأنَّ المصطلح متداول في دول عدة، بعضها في أميركا اللاتينية، ثم إنَّه مشهور وله تأثيره الخاص في تركيا بوجه أخص منذ أكثر من نصف قرن. ويقصد به شبكة العملاء الذين ينتمون إلى تنظيم غير رسمي، له مصالحه الواسعة وامتداداته في الداخل والخارج. ونقطة القوة فيه أن عناصره الأساسية لها وجودها في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية. الأمر الذى يوفر لتلك العناصر فرصة توجيه أنشطة مؤسسات الدولة الرسمية والتأثير في القرار السياسي. وللدولة العميقة وجهان، أحدهما معلن وظاهر يتمثل في رجالها الذين يتبوأُون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة والجيش والبرلمان والنقابات إلى جانب مؤسسات الإعلام ونجوم الفن والرياضة. الوجه الآخر خفي غير معلن يتولى تحريك الأطراف المعنية في مؤسسات الدولة لتنفيذ المخططات المرسومة. المتداول في أوساط الباحثين أنَّ المخابرات المركزية الأميركية هي من غرس بذرة الدولة العميقة في تركيا عام 1952. واستهدفت من ذلك ضمان التحكم في قرارات قيادات الجيش وصناع القرار وغيرهم من السياسيين الكبار في مختلف مواقع وأجهزة السلطة. وبمضي الوقت استشرت الدولة العميقة وتطورت، حتى أصبحت كياناً موازياً للدولة الرسمية، وقادراً على الضغط على الدولة الأخيرة وابتزازها. يطلقون عليها في تركيا اسم “أرجنكون”. [155] منذ تأسيسها ظلت منظمة أرجنكون على خصومة مستمرة مع الهوية الإسلامية في البلد الذي يمثل المسلمون أغلبية سكانه. صحيح أنَّ المنظمة مارست أنشطة عدة، مثل غسل الأموال والاتجار في السلاح والمخدرات، لكن تلك الخصومة احتلت المرتبة الأولى، لأنها تذرعت بالدفاع عن العلمانية، التي يعتبرها الكماليون قدس الأقداس في تركيا.
حين تولى حزب العدالة والتنمية السلطة بعد أن فاز بالأغلبية عام 2002، قرر الحزب ذو المرجعية الإسلامية أن يفتح ملف الدولة العميقة، حيث كان مفهوماً أنَّ الصدام قادم لا محالة على منظمة أرجنكون، وقد سارع بفتح الملف أن أجهزة الأمن كانت تراقب شقة سكنية بإحدى ضواحي إسطنبول. وحين اقتحمتها عثرت فيها على مخزن للأسلحة وعدة وثائق بالغة الأهمية. وكانت تلك الوثائق بين الخيوط المهمة التي تتبعتها أجهزة الأمن والتحقيق التي توصلت إلى ملفات أخرى في تنظيم أرجنكون. نشرت صحيفة “حريث” التركية في 4 مايو 2012 أنَّ 19% من جنرالات الجيش أصبحوا خلف القضبان بعدما أدت التحقيقات في قضية أرجنكون إلى اعتقال 68 جنرالاً منهم. وقد اتهموا بتنفيذ مخطط سياسي وإعلامي للإطاحة بحكومة أربكان عام 1997، من خلال الضغط على بعض النواب والساسة ووسائل الإعلام للتحريض ضد الحكومة وإسقاطها، إضافة إلى تصفية مؤسسات اقتصادية وجمعيات إسلامية، وتقديم كشوفات بأسماء حوالى ستة ملايين شخص فصلوا من عملهم بأجهزة الدولة أو تمَّ وضعهم تحت المراقبة أو مُنعوا من العمل أو التقدم بأي نشاط سياسي أو اقتصادي. كما نشرت صحيفة الحياة اللندنية في 17 إبريل أنَّ قراراً صدر باعتقال الجنرال المتقاعد والنائب السابق لرئيس الأركان شفيق بيير وتسعة من رفاقه، بعد اتهامهم بتنفيذ الانقلاب على حكومة أربكان. وأضافت أنَّ الجنرال بيير خضع لتحقيق مطول تطرق إلى سؤال عن دور إسرائيلي أو أميركي في الترتيب للانقلاب. كما سئل عن تعاون فنانين وممثلين معه لإنتاج مسلسلات درامية تحدثت عن خطر الإسلاميين وعمدت إلى إشاعة الخوف من تأسيس جماعات إسلامية متطرفة، للإيحاء بأن ثمة خطراً يهدد البلاد.[156]
في اغسطس 2013 أصدرت المحكمة الخاصة بقضية أرجنكون قراراتها بحق 275 متهماً تمت محاكمتهم بتهمة محاولة الانقلاب على الحكومة التركية، أو تعطيلها عن أداء مهامها، وشملت المحاكمة عدداً كبيراً من ضباط الجيش السابقين، وصحفيين وأعضاء فى أحزاب سياسية، متهمين بتشكيل منظمة إرهابية، والتخطيط وتهيئة الرأى العام من أجل القيام بانقلاب على السلطة المنتخبة. وأعلنت المحكمة الحكم على رئيس أحد رجال المافيا المتعاملين مع “الدولة العميقة” “سدات بكر”، ورئيس جامعة “19 مايو” السابق البروفسور “فريد بيرني”، ورئيس جامعة “أولوداغ” السابق البروفسور “مصطفى عباس يورت قوران” ، والمحرض على اغتيال السياسى التركى “أكن بيردال”، المدعو “سميح طوفان جول ألطاي”، ومدير الجنايات السابق فى مديرية الأمن بإسطنبول “عادل سردار ساجان”، تمَّ الحكم على كل أولئك بالسجن ما لايقل عن عشر سنوات فيما تم تبرئة 21 متهماً. كما حكمت المحكمة على الجنرال بحرى متقاعد “علاء الدين سويم” بالحبس، وعلى الجنرال المتقاعد “إسماعيل حقى بكين” فيما حكمت على العقيد المتقاعد “عارف دوجان” بالسجن كذلك. إلى ذلك حكم على الكاتب “إرجون بويراز” بالسجن 29 عاما، و7 أشهر وعلى “بدرخان شينال” بالسجن 18 عاما و8 أشهر، وحكم على البروفسور “إرول مانيسالي” بالسجن 9 سنوات، و8 أشهر فيما حكم على رئيس مجلس التعليم الأعلى السابق “كمال جوروز” بالسجن 13 عاما، و11 شهرا، وعلى رئيس البلدية السابق لمنطقة “إسن يورت” فى اسطنبول “جوربوز تشابان” بالسجن عاما، و3 أشهر، وعلى البروفسور “أوميت ساين” بالسجن 4 سنوات.[157]
قامت محكمة تركية بإلغاء أحكام الإدانة الصادرة في قضية “أرجنكون”، وذلك بعد عامين من إدانة العشرات. وقالت المحكمة إنَّ دليل الإدانة تم الحصول عليه بصورة غير قانونية. ووفقاً لما نقلته وكالة الأناضول التركية الرسمية، فإنَّ محكمة الاستئناف في أنقرة، لم تؤيد الرأي الصادر عن محكمة محلية بأنَّ “أرجنكون” منظمة إرهابية.[158]
المبحث الثاني
توصيات الإتحاد الأوروبي و تقييم التحول الديمقراطي التركي
أولاً: الإتحاد الأوروبي
تقدمت تركيا في يوليو 1959 رسميا بطلب الانضمام الي السوق الأوروبية المشتركة وهو مالم يرفضه الأوروبيون , وانما اقترحوا حتي مع وقوع الانقلاب العسكري الأول في تركيا 1960 اتفاق انتساب بين الطرفين لحين توافر الظروف المناسبة لضمها بالكامل في السوق وجري توقيع الاتفاق في أنقره في سبتمبر 1963 وارتكز علي انشاء اتحاد جمركي بين الجانبين .وفي إبريل 1987تقدمت تركيا بطلب رسمي بطلب للعضوية الكاملة في الجماعة الأوروبية استنادا للماده 237 من معاهده انشاء السوق الأوروبية ولكن جاء الطلب التركي مفاجئ لكل الاطراف لعده أسباب منها أن تجربة أوزال في السلطة منذ 1983 تضمنت قدر كبير من التصالح مع الانتماءات الدينية المحافظة بالمجتمع ,وبالتالي كان هذا الأمر سبب للاستفسار عن مدي تناغم تركيا بماضيها مع أوروبا ومستقبلها.[159]
كان السعي للإنضمام للإتحاد الأوروبي بمثابة قوة دفع خارجية لإعادة هيكلة العلاقات المدنية العسكرية كما مثلت تحدي أمام حزب العدالة والتنمية في بداية حكمه. حيث اعتمدت حكومة العدالة والتنمية في بداية حكمها استراتيجية “تجنب المواجهة” وذلك وفق المعايير الأوروبية في السياسة الخارجية وكذلك أجندة الإصلاح الداخلية، وذلك بهدف تقليل مراكز القوى التقليدية للقوات المسلحة. كانت تقارير الأداء التي أعدها الإتحاد الأوروبي في الفترة 1998- 2001 والتي ركزت على إعادة تنظيم مجلس الدفاع الوطني دستورياً – كما ذكرنا سابقاً- تقدم وعداً ببدء مفاوضات إنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي فور إنتهاء تركيا من تطبيق المعايير الأوروبية. [160]
جاء في التقرير الدوري للإتحاد الأوروبي لعام 2004 أنَّ ” السيطرة المدنية على العسكريين قد تعززت في تركيا” وكذلك أكد التقرير على أنَّ الإصلاحات القانونية والدستورية والمؤسسية التي قامت بها حكومة العدالة والتنمية قد دفعت العلاقات المدنية العسكرية من الوضع الحرج الذي كان الجيش فيه يتمتع بدور سياسي فعّال وواسع، ولكن مازالت العلاقات المدنية العسكرية تقع في المنطقة الرمادية أي أنَّ إصلاح العلاقات المدنية العسكرية مازال يحتاج مزيد من الخطوات للوصول للمنطقة الآمنة. [161] ونتيجة لتبني تركيا حزمة قانونية ثامنة مع الإتحاد الأوروبي في عام 2004 أقرّ البرلمان التركي مشروع قانون ينص على إلغاء نظام محاكم أمن الدولة وتعديل قانون المحاكم الجنائية[162]، وعليه اُتخذت خطوات مهمة فيما يتعلق بالعدالة الجنائية وأيضاً سمحت التعديلات الدستورية كما ذكرنا سابقاً إمكانية رفع الدعاوى القضائية لمقاضاة الجنرالات القدامى ومقاضاتهم بشأن قضايا الفساد المتورطين بها .
وقد وجدت حكومة حزب العدالة والتنمية دعم دولي لسعيها الحثيث لمواكبة قوانينها مع القوانين الأوروبية، وتأكد ذلك خلال زيارة رومانو برودي – رئيس الاتحاد الأوروبي آنذاك – حيث أكد على دعمه وانبهاره بالتقدم المتواصل في أداء تركيا وعليه فُتح باب التفاوض مع تركيا في أكتوبر 2005 . وعلى الرغم من نجاح الحزب في القيام بتعديلات دستورية إلا أنَّ التخوف بعض الدول الأوروبية من انضمام تركيا أدى إلى تزايد مشاعر المجتمع التركي تجاه التشكك في أوروبا، لذا لم يعد إصلاح العلاقات المدنية العسكرية من أولويات حزب العدالة والتنمية فأصبحت سياساته تجاه المؤسسة العسكرية غير متوازنة، كما تخلى الحزب عن خطابه المدافع عن حقوق الإنسان وانشغل الحزب بالقضايا التقليدية والأمنية.
ويمكن تحديد القضايا ذات التأثير علي إنضمام تركيا إلي الإتحاد الأوروبي، حيث
تنحصر القضايا الخلافية بين تركيا والاتحاد الأوروبي في أربع قضايا رئيسية يمكن عرضها كالتالي :[163]
- القضية الأرمنية: بدأت القضية الأرمنية في نهاية عهد الدولة العثمانية عندما ظهرت مطالبات داخلية وخارجية تتعلق بالأعراق والأديان الأُخري في الدولة, عقب بزوغ النزاعات القومية في أواخر عهد الدولة العثمانية وكان الأرمن يدَّعوا بأنهم تعرضوا إلى مذابح تطهير راح ضحيتها مليون أرمني تقريبا بينما الأتراك يدَّعوا أنهم قاموا بمجازر جماعية ضد المواطنين الأتراك . ولكن تركيا حققت في الفترة الأخيرة إنجازات مهمة في مجال تلبيه مطالب الأقليات ومن بينها الأقلية الأرمنية وذلك في إطار تحقيق المعايير السياسية من معايير “كوبنهاجن” علي طريق إنضمام تركيا إلى عضوية الإتحاد الأوروبي .
- قضية الأقلية الكردية: قضية الأكراد من أهم القضايا التي تهدد وحدة الدولة التركية, وإحدى العقبات أمام إنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي حيث يطالب الأكراد بإقامة حكم ذاتي لهم في جنوب شرق تركيا. وبدأت القضية تهدد الوحدة التركية مع بدء عمليات حزب العمال الكردستاني الإنفصالي في عام 1984 وامتدت المواجهات بين الجيش التركي وبين الانفصالين الأكراد إلي منطقة شمال العراق حيث أكراد العراق والذين يتمتعون بالحكم الذاتي .ولكن استمرت العمليات العسكرية في منطقة جنوب شرق تركيا وتطورت في عام 2007 إلى توغل الجيش التركي داخل الأراضي العراقية في إطار ملاحقة المتمردين الأكراد إلا أنَّها لم تحقق نتائج حاسمة. اتجهت تركيا إلى تقوية علاقاتها مع العراق, بما يضمن قيام الأخيرة بدور أكبر في مقاومة التمرد الكردي .
أمَّا بالنسبة للخيارات المستقبلية لتركيا فهي تتلخص في :الخيار الأول هو الانضمام للاتحاد الأوروبي فالبعض يري أنَّه ليس هناك خيار لدي تركيا سوي الانضمام الي الاتحاد الأوروبي والاستمرار فيه مهما كانت التحديات .أما بالنسبه للخيار الثاني تأسيس دوله اقليمية مركزية من خلال تقوية علاقات تركيا مع الدول العربية وإيران وآسيا الوسطي ويؤدي هذا الخيار إلى التخلص تدريجياً من جاذبية العضوية الأوروبية التي تهيمن علي تركيا وحظي هذا الخيار أهميه كبيرة في ظل سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم .الخيار الثالث وهو التقارب من الشرق الأوسط وهذا يعتبر مزيج بين الخيارين ويتأسس علي التطورات المتصلة بالأهمية الاستراتيجية التركية , وعلي التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وذلك يسهم في تقويه موقف تركيا. ويعتبر هو الخيار الأكثر واقعية لأنه يتماشى مع ركائز ومحددات الحركة التركية
أنَّ قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ينطوي علي احتمالات أكثرها إيجابي خاصه بالنسبة لتركيا لأنَّ أوروبا ستجني مصالح متنوعة إذا أصبحت تركيا عضو كامل في ناديها متعدد الأبعاد سواء سياسي أو ثقافي أو اقتصادي ومع ذلك لم يصدر الجانب الأوروبي أي قرار بقبول العضوية أو رفضها وأخيراً في مارس 2009 صدر قرار البرلمان الذي عبر عن حاله قلق لتأخر أنقرة في تنفيذ إلتزاماتها وخاصة تراجعها عن تعديل الدستور.[164]
ساد التوتر العلاقة بين تركيا والإتحاد الأوروبي بعد رفض الإتحاد الأوروبي في الاستفتاءات العامة في فرنسا وهولندا في مايو 2005 رفض عضوية تركيا. وما زاد من قلق الليبراليين والديمقراطيين الأتراك الداعمين لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي هو تراجع الخطاب الديمقراطي لحزب العدالة والتنمية الحاكم والحد من الحريات العامة.
واستبدل الإتحاد الأوروبي شروط جديدة قاسية لإنضمام تركيا لعضوية الإتحاد الأوروبي، واستجابةً لتخوفات الرأي العام الأوروبي استحدث الاتحاد الأوروبي وضع العضوية الخاصة بدلاً من العضوية الكاملة. ولذلك قدَّم حزب العدالة والتنمية خطاباً أكثر شدة وقسوة تجاه الإتحاد الأوروبي وأكد أنَّ تركيا لم تحصل على العضوية ليس نتيجة عن عدم تحقيق تركيا متطلبات الإنضمام ولكن بسبب تطبيق الإتحاد الأوروبي سياسة المعايير المزدوجة حيث اتهم الحزب العدالة والتنمية الاتحاد الأوروبي أنَّه متحيز ضد تركيا بسبب كونها دولة مسلمة مستخدماً ملف حقوق الإنسان والثقافة التركية كستار. كما تحولت تركيا في عهد إردوغان شرقاً ، بعيداً عن أوروبا بحثاً عن نفوذ في أراضي الامبراطورية العثمانية القديمة،حيث تمَّ توثيق العلاقات مع القوى في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية . وبسبب الانتقادات الاوروبية لانتهاكات حقوق الإنسان و قمع حرية الصحافة في تركيا اعطى إردوغان أحيانا الانطباع بأنه يرغب في إلغاء محادثات الاتحاد الأوروبي تماماً. [165]
ومؤخراً بدا أنَّ الإتفاق بين الإتحاد الأوروبي وتركيا في ما يخص قضية اللاجئين قد أعاد مسألة الإنضمام مرة أُخرى إلى الأذهان. هل أحيت أزمة اللاجئين والإرهاب الدولي آمال تركيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي؟ أم أنَّ القضية أعمق من ذلك بكثير على الرغم من الحاجة إلى التعاطي مع المستجدات والتطورات الأخيرة، سواء من جانب الاتحاد الأوروبي أو من جانب تركيا؟ سؤال العضوية المثير يكاد يتردّد يومياً على لسان عدد من المسؤولين الأتراك والأوروبيين، وكانت فيدريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي قد قالت في مؤتمر صحفي، إن “أزمة اللاجئين والإرهاب تظهر لنا أننا في القارة نفسها ونواجه التحدّيات ذاتها، وأننا كلّما طوّرنا سياسات مشتركة أصبحنا جميعاً في وضع أفضل”.[166]
لقد وقعت أزمة اللاجئين والإرهاب الدولي والحروب والنزاعات الأهلية والتطرّف الإسلامي في مناطق مجاورة لدول الاتحاد الأوروبي ولم يكن بإمكانه تجاهلها، لأن تأثيراتها ستكون خطرة فيه، الأمر الذي أعاد مسألة إحياء عضوية تركيا، خصوصاً أن الأزمة المركبة والمزدوجة، أهمية إشراكها، على الرغم من المخاوف التاريخية بشأن انضمامها. التطورات التي حصلت لا تسمح اليوم بتقديم استنتاج حاسم على الرغم من بعض التغيير الذي شهده موقف الاتحاد الأوروبي، لاسيّما بوعد تركيا بالمساعدة في وقف تدفّق اللاجئين من أراضيها إلى أوروبا، مقابل دعم مالي وتسهيلات في تأشيرات الدخول، وإعادة إحياء المفاوضات لانضمامها للاتحاد الأوروبي، التي كانت أنقرة قد بدأتها على نحو مكثف منذ العام 2005، وخصوصاً بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في انتخابات العام 2002.[167] إنَّ عضوية تركيا على الرغم من التقدّم في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والتي شملت حقولاً كثيرة لا تزال تواجه معارضة شديدة، وخصوصاً من جانب فرنسا وألمانيا، وكذلك من قبرص التي يرتبط شمالها بعلاقات خاصة مع تركيا. وكانت المفوضية الأوروبية في أحدث تقرير لها قد عبّرت عن قلقها من تنامي نفوذ الرئيس التركي الطيب أردوغان الذي يتهمّه كثيرون بالتسلّط.
وفي نفس السياق، كشفت دراسة حديثة العناصر الأساسية للاتفاق الذي أُبرم بيت الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن أزمة اللاجئين، وتفاصيل خطة إعادة طالبي اللجوء إلى تركيا؛ وتتضمن هذا الاتفاق تنازلات من كلا الطرفين، حيث وافق الجانب الأوروبي على إعادة فتح مشروع إنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي إلى جانب وعود بإلغاء تأشيرة دخول الأتراك إلى دول أوروبا في أكتوبر المقبل ( أكتوبر 2016) ودفع ثلاثة مليارات يورو لدعم إستضافة تركيا لـ 2 مليون لاجئ. وفي المقابل وافق الجانب التركي على السماح بعودة المواطنين غير الأتراك إلى أراضيها.[168]
ومن ناحية أخرى، يتعين على الاتحاد الأوروبي التغلب على المخاوف التي لم تعد منطقية لما يُطلق عليه “الغزو العثماني”. يجب على فرنسا أن تقبل مقاربات مختلفة ولكن بنفس القدر كريمة فيما يتعلق بالدين، والدولة، والحياة الاجتماعية في تركيا. يجب على ألمانيا أن تبدي تفهماً أنَّ قوة إقليمية في الشرق الأوسط ليس بالضرورة أن يكون منافس و حتى يمكن أن تصبح حليفاً إقليمياً كشراكة رائدة في جنوب شرق أوروبا. لقد انتهى العهد العثماني، لا يوجد شيء مثل يعكس “سلطان” إردوغاني جديد ، حتى لو كان يجب تقليل موقفه السلطوي والحد من طموحاته للتحول لنظام رئاسي من أجل تركيا للمشاركة في الاتحاد الأوروبي. وجدير بالذكر أنَّ كلا الجانبين يهدف للإستفادة : هناك بلد في البحث عن دور إقليمي أكبر يمكن أن يسترجع هيبته الماضية، وسوف تستفيد من التوجيه الأوروبي حول حقوق الإنسان وقضايا الديمقراطية . وهناك القارة الأوروبية التي تواجه أزمات في العديد من القطاعات التي يجب أن تحتضن من جديد الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط كعضو تاريخي ومعاصر رئيسي في المنطقة.[169]
ثانياً: تقييم تجربة التحول الديمقراطي التركي
إنَّ أزمة العلاقات المدنية العسكرية لا تنشأ في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية أوتنتقل نحو
التحول الديمقراطي فحسب ، وإنما تنشأ أيضا في الديمقراطيات المستقرة مثل الولايات المتحدة.[170]
لماذا تقوم القوات المسلحة بالتدخل في السياسة ولماذا تقوم القوات المسلحة بالعودة مرة أخرى
إلى ثكناتها؟ تذهب بعض الدراسات للقول أنَّ الجيوش في هذه الدول تستخدم القومية لإضفاء
الشرعية علي تدخلها في الحياة السياسية ، وتؤكد أنَّ إنسحابها يحدث عندما تتم حماية الهوية
القومية. القومية تُستخدم من قِبَل المؤسسة العسكرية التركية للتغطية علي الإختلافات الإثنية
والثقافية للأقليات داخل الدولة.[171] ويرى باول إرنست لينز أنًّ استخدام القومية من قِبَل المؤسسة
العسكرية للتدخل في السياسة في تركيا لا يؤدي إلى تقوية الدولة القومية ، بل بدلا ً من ذلك
يؤدي إلي تدعيم وتقوية الدولة العميقة .[172]
يجب الاشارة إلى أسس الممارسة الديمقراطية عند الحديث عن التجربة التركية، فالديمقراطية لا
تعني إجراء انتخابات فحسب، بل الممارسة الديمقراطية تتضمن عنصرين أساسيين هما المشاركة
والتنافس؛ وهو ما يرى بعض المراقبين أنَّ تركيا تفتقده. فمن أبرز التهديدات التي تواجه عملية
التحول الديمقراطي هي “ديكتاتورية الصندوق” حيث مارست العديد من الحكومات المدنية
سياسات إقصائية وأساليب قمع للحريات العامة وانتهاك الحقوق المدنية والسياسية. عملية التحول
الديمقراطي تحتاج لحقوق الإنسان ولحكم القانون والحكم الرشيد وأن تعمل المؤسسات الديمقراطية
بشكل فعال ولا يمكن إرساء الديمقراطية بالتدخل العسكري. [173]
الخاتمة:
تشترك كلاً من عملية إصلاح العلاقات المدنية العسكرية وعملية التحول الديمقراطي في أهدافهم المحدد. حيث تشتمل عملية التحول الديمقراطي على إصلاحات جوهرية في العلاقات المدنية العسكرية، ومن جانب آخر تسعى عملية إصلاح العلاقات المدنية العسكرية إلى تدعيم الشفافية والمحاسبية داخل المؤسسة العسكرية بهدف دمقرطة القطاع الأمني.[174]
ومن خلال دراسة الحالة التركية يُمكن الإشارة إلى أنَّه كانت هناك بعض العوامل الدافعة لعملية التحول الديمقراطي منها مثلاً مسألة الإنضمام للإتحاد الأوروبي مما دفع الحكومات إلى تبني سياسات الإصلاح السياسي. كما كانت هناك عوامل معوِّقة لعملية التحول الديمقراطي مثل التحديات الإقتصادية حيث كانت السياسات الإقتصادية الشعبوية سبباً في تقلص حجم الطبقة الوسطى التركية التي هي عماد الديمقراطية. لكن تبني حكومة العدالة والتنمية منذ 2002 سياسات جادة نحو الإصلاح الإقتصادي كان من شأنه دفع عملية الدمقرطة.[175]
لم يؤد التحول اللافت للنظر في العلاقات المدنية العسكرية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة إلى عملية دمقرطة شاملة. فعلى الرغم من أن إصلاحات الاتحاد الأوروبي حجمت من نفوذ وصلاحيات الجيش الرسمية وغير الرسمية، وعلى الرغم من أن محاكمات الانقلابات التي وقعت حديثًا وقديمًا ربما تظهر أن المؤسسة العسكرية تخضع للسلطة المدنية، الا أن دمقرطة العلاقات المدنية العسكرية بشكل تام بحاجة إلى توازن قُوى بين المدنيين والعسكر: ففي حين أن على المؤسسة العسكرية التخلي عن دور الوصاية، يجب على المدنيين أيضًا العمل لاستعادة ثقة ضباط الجيش التي فُقدت خلال محاكمات أرغنكون وقضية المطرقة. عندئذ يمكن أن تصل العلاقات المدنية العسكرية التركية إلى مستوى ديمقراطي حقيقي، وتتوطد الديمقراطية في البلاد. منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، هدفت حكوماته إلى تقليص سلطة الجيش في السياسة من خلال إجراء تغيرات قانونية ومؤسسية. وكان بدايتها ، إصلاحات الاتحاد الأوروبي التي قامت بها حكومة حزب العدالة والتنمية أفقدت الجيش آلياته الرسمية: ثانيًا، نتيجة لمحاكمات أرغنكون والمطرقة فقد ضباط الجيش مصداقيتهم بسبب اتهامهم بالتخطيط للانقلاب علي الحكومه وأيضا فقدت آلياتها الغير رسميه مثل: الخطب العامة.
إن المناخ السياسي الجديد، الذي عزز فيه الحزب الحاكم قواه من خلال فوزه في أربعة إنتخابات متتالية، أوضح أن الجيش لا يمكنه الحفاظ على القوة التي تمتع بها طوال الفتره السابقه، عندما استغل ضعف الساسة المدنيين ، خسر الجيش مؤخرًا سلطته المؤسسية، من خلال التعديلات الدستورية لعام 2010 التي حدت من اختصاص المحاكم العسكرية، وألغت حق الجيش في القيام بعمليات أمنية داخلية من دون الحصول على موافقة من السلطات المدنية والإشراف المدني على النفقات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، عدلت الحكومة مؤخرًا المادة 35 من قانون الخدمة الداخلية التي تمنح القوات المسلحة الحق في التدخل في مواجهة التهديدات الداخلية الإرهاب، ومِن هنا هذه العلاقات غير المستقرة لا تشجع على تحول العلاقات المدنية العسكرية التركية إلى نموذج ديمقراطي، ولذلك فهي تعيق ترسيخ الديمقراطية في تركيا.
قائمة المراجع:
القسم الأول: قائمة المراجع باللغة العربية
أولاً: الرسائل
- إبتسام علي مصطفى، “التحول الديمقراطي في تركيا في الفترة ما بين عامي 1990 – 2004 “، رسالة ماجيستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2007.
- مصطفى غلام نبي ، “التحول الديمقراطي في أفغانستان والعراق 2001:2010 من منظور مقارن ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2012.
- أميرة إبراهيم حسن دياب ، “التحول الديمقراطي في المغرب ودور المؤسسة الملكية 1992-1998” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002.
- إسراء أحمد إسماعيل ، “العلاقات المدنية العسكرية وعملية التحول الديمقراطي دراسة مقارنة مصر والجزائر ” ، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2015.
- هبة الحسيني محمد عبدالمعطي ، “العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في باكستان 1999-2012″ ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2015.
- مروة صبحي محمد ، ” أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي : دراسة مقارنة تركيا وإندونيسيا ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،
- محمد عبدالله يونس ، “أثر العلاقات المدنية العسكرية على السياسة الدفاعية الإسرائيلية 2000: 2007 ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2012.
- أنعام عبدالله محمد ، “تأثير بنية النظام السياسي على العلاقات المدنية العسكرية : دراسة حالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2013 .
- هاني سليمان إسماعيل على ، “العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا منذ1990 دراسة حالتي ليبيريا وكوت ديفوار ” ، جامعة القاهرة ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، 2015.
- باول إرنست لينز ، ” العلاقات المدنية العسكرية في الديمقراطيات الإسلامية :التدخل العسكري والإنسحاب في الجزائر وباكستان وتركيا “ ، رسالة دكتوراه ، جامعة واشنطن ، 2011 .
- إيمان أحمد عبدالحليم مهدي ، “التحول الديمقراطي والأمن القومي : مع التطبيق على حالة مصر والعراق 1991 : 2005 ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2008 .
- هالة جمال ثابت ، “ظاهرة التحول الديمقراطي في أوغندا 1986-1996 دراسة تحليلية في الأسباب والنتائج ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1999 .
- أميرة إبراهيم حسن دياب ، “التحول الديمقراطي في المغرب ودور المؤسسة الملكية 1992:1998 ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002 .
- هارولد آنتاناس ترينكوناس ، ” بلورة هيمنة مدنية على القوات المسلحة : الصراع السياسي والتصميم المؤسسي والتيعية العسكرية في الديمقؤاطيات الناشئة ” ، رسالة دكتوراه ، جامعة ستانفورد ، 1999 .
- روكفيك في و جيفتك زد وإيفانس ، “العلاقات المدنية العسكرية والسيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة في جمهورية الصرب ” ، جامعة بيلجراد ، 2013 .
- ماثورين هوينجنيكبو ، “حماية الحراس: العلاقات المدنية العسكرية والحكم الديمقراطي في إفريقيا ” ، جامعة الدفاع الوطني ، الولايات المتحدة ، 2013 .
- يو بي يلدز ، ” إعادة التفكير في العلاقات المدنية العسكرية في تركيا: مشاكل الحكم الديمقراطي في قطاعات الأمن والدفاع ” ، جامعة ازمير ، قسم العلاقات الدولية ، 2014 .
- يو سيزر ، ” إشكاليات الحوكمة الديمقراطية للعلاقات المدنية العسكرية في تركيا ومنطقة نفوذ وتوسع الإتحاد الأوربي ” ، الجريدة الأوربية للبحوث السياسية ، جامعة بيلنكت ، 2004 .
- بيستون عمر نوري، “السياسة التركية تجاه إقليم كردستان العراق 2004-2012“، رسالة ماجيستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2014.
ثانياً: الكتب
- د. طارق عبدالجليل ، “العسكر والدستور في تركيا : من القبضة الحديدية إلى دستور بلا عسكر“، دار نهضة مصر للنشر، 2012.
ثالثاً: الدوريات
- محمد عبدالله يونس، “التحولات الراهنة للعلاقات المدنية العسكرية في مصر”، في سلسلة الملف الساخن، “مصر منذ 30 يونيو: تحولات الدولة والمجتمع” ، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، مايو 2014 ) .
- آية إبراهيم إبراهيم عطا الله، ” العلاقات المدنية العسكرية وأثرها على مسار التحول الديمقراطي في تركيا 2002-2013″، المركز الديمقراطي العربي، 2015.
- محمد عبدالقادر خليل، “نهاية الأردوغانية تركيا ومرحلة ما بعد الإنتخابات البرلمانية”، شئون تركية ، العدد الأول / صيف 2015.
- محمد عبدالقادر خليل، “محركات وتحديات فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات البرلمانية”، شئون تركية، العدد الثاني خريف 2015.
- أرجون أوزبدون ، ” تركيا بين النظام الرئاسي والبرلماني” ، شئون تركية ، العدد الأول ، صيف 2015.
- د.كمال حبيب، “حزب العدالة والتنمية من الديمقراطية المحافظة إلى الديكتاتورية المتسلطة”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015.
- مراد صوفو أوغلو، ” الفرسان الأربعة في حركة الفكر الوطني ” ، شئون تركية ، العدد الأول / صيف2015.
- التقرير الإستراتيجي العربي ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2006-2007.
- شريف شعبان مبروك، ” صعود الإسلام السياسي في تركيا ( انجيل راباساواف، وستيفن لارابي)” ، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016.
- محمد سمير، “الاستقطاب العرقي والديني والسياسي في تركيا”، شئون تركية ، العدد الأول، صيف 2015.
- رجائي فريد، “تركيا والقضية الكردية تحديات الإحتواء وتداعيات المواجهة”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015.
- جمالي أونال ، ” هل دعمت حركة الخدمة حزب العدالة والتنمية” ، شئون تركية ، العدد الأول ، صيف 2015.
- د.حسن يوجال باش دمير، “منظمات المجتمع المدني والتيار الليبرالي في تركيا”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015.
- هند عثمان، “حلقة نقاشية: حدود وأبعاد الصراعات الداخلية في تركيا”، السياسة الدولية،30 نوفمبر 2014، الموقع الالكتروني من:
http://www.siyassa.org.eg
- د.وهاب جوشكون، “مستقبل عملية السلام الداخلي في تركيا”، شئون تركية، العدد الأول، صيف 2015.
- ميشيل تنشوم، “بين أنقرة وطهران: كيف يؤدي الزحف الكردستاني لإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية”، شئون تركية، العدد الأول، صيف2015.
- جون فرنسوا بيروز، “تركيا والأكراد … العودة لشبح التسعينيات”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015.
- محمد محمود السيد، “بسبب دوكومجولار .. هل تشهد تركيا عودة مرحلة السقوط الحر؟”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016.
- د.ملتم اينجه ينلمز، ” أبعاد ومظاهر العنف ضد المرأة في تركيا”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015.
- سولماز بهرنك، روناهى شورشكر، “الكفاح الطبقي: الجنسية ومشكلة القومية.. مسيرة الحركات السياسية والاجتماعية في تركيا”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016.
- صبغة الله قايا، “هل انتهى العمر الإفتراضي لحزب العدالة والتنمية؟” ، شئون تركية ، العدد الأول صيف 2015.
- عمر فوزي، “مقياس الإعلام التركي عام 2014″، شئون تركية، العدد الأول، صيف 2015.
- آدم بلابياك، “اليسار التركي: العلويون وجدلية العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطية”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016.
- قادر قرا كوز، مراد قرا كوز ، “الفساد والنمو الإقتصادي والإنفاق العام في تركيا: دراسة إمبريقية”، شئون تركية، العدد الأول، صيف 2015.
- ستيف بيرس، مانويلا رومان، “خطة سمسوم : اللاجئون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016.
رابعاً: الصحف
- جريجوري فوستر ، “ثقافة البيروقراطية العسكرية : العلاقات المدنية العسكرية في ديمقراطيات اليوم ” ، مجلة المدير العام ، صيف 2000 .
- عمر سمير ، ” المؤسسة العسكرية والتحول الديمقراطي في تركيا 1981 : 2011 ” ، جريدة الشرق الأوسط ، 15 يناير 2015 ، الموقع الإلكتروني للجريدة ، من:
http://fekr-online.com
- نارلي ، “ إصلاحات هيمنة الإتحاد الأوربي والتحول الديمقراطي ونمط جديد من العلاقات المدنية العسكرية في تركيا ” ، 2009.
- محمد نورالدين ، ” تركيا بعد الإنتخابات : ما الذي سيغيره إنتصار إردوغان ” ، جريدة السفير ، 3 نوفمبر 2015 ، الموقع الإلكتروني للجريدة من:
http://assafir.com
- خورشيد دلي ، ” حزب الشعوب الديمقراطي وتحديات المرحلة في تركيا” ، جريدة الحياة، 14 يناير 2016، من الموقع الالكتروني :
http://www.alhayat.com
- احسان داغي، “لماذا تحتاج تركيا إلى نظام ما بعد الكمالية” ، رؤية تركية، من الموقع الالكتروني:
http://rouyaturkiyyah.com
- ندى غانم، ” 3 إنقلابات تنتهي بسيطرة المدنيين” ، جريدة الوطن ، 12 يوليو 2012، من الموقع الإلكتروني للجريدة :
http://www.elwatannews.com
- باسم دباغ، “لا محاسبة لمعنفِّي النساء في تركيا”، جريدة العربي الجديد، 13 يونيو 2015، من الموقع الالكتروني:
https://www.alaraby.co.uk
- سونر جاغيتاي، “المعجزة الإقتصادية التركية”، 23أكتوبر 2011، The Washington Institute، من الموقع الالكتروني:
http://www.washingtoninstitute.org
- جريدة اليوم السابع، 5 اغسطس 2013، من الموقع الالكتروني للجريدة:
http://www.youm7.com
- “محكمة تركية تلغي أحكام الإدانة في قضية أرجنكون”، جريدة البيان، الموقه الالكتروني للجريدة من:
http://www.albayan.ae
- د.عبدالحسين شعبان، “تركيا وعقدة عضوية الاتحاد الأوروبي” ، جريدة السياسة الدولية، 30 ديسمبر 2015.
خامساً: مواقع الانترنت
- د.عبدالفتاح ماضي ، “ ورقة العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي ” ، مؤتمر تحولات الديمقراطية في العالم العربي ، مركز عصام فارس للشئون اللبنانية ، بيروت 28 يونيو 2012 ، الموقع الإلكتروني لدكتور عبدالفتاح ماضي ، من :
http://www.abdelfattahmady.net
- الموقع الرسمي للبرلمان التركي “مجلس الأمة التركي الكبير” ، من:
https://global.tbmm.gov.tr
- ساركان كويبشي، “نظرة في قانون الإنتخابات التركي” ، مجلة نون بوست ، 23 مايو 2015 ، الموقع الإلكتروني للمجلة من:
https://www.noonpost.net
- جين لويز كاندور ، “هل النظام الإنتخابي التركي هو الأكثر إجحافاً في العالم؟ ” ، الموقع الإلكتروني مجلة نون بوست ، 6 يونيو 2015 ، من:
https://www.noonpost.net
- وكالة RT ، “تركيا…حزب العدالة والتنمية يفوز في الإنتخابات البرلمانية” ، الإنتخابات التركية ، نوفمبر 2015 ، الموقع الإلكتروني للمؤسسة من:
https://arabic.rt.com
- د.أحمد موسى بدوي، “تغيير إستاتيكي: قراءة في نتائج الإنتخابات الرئاسية التركية” ، المركز العربي للبحوث والدراسات ، 12 أغسطس 2014 ، من الموقع الإلكتروني للمركز :
http://www.acrseg.org
- على حسين باكير، “تركيا الجديدة قراءة في نتائج الإنتخابات الرئاسية وإنعكاساتها المستقبلية” ، مركز الجزيرة للدراسات، 14 أغسطس 2014 ، من الموقع الإلكتروني للمركز، من:
http://studies.aljazeera.net
- عماد قدورة، ” الجمهورية التركية الثانية: المفهوم – المنجزات – المتطلبات” ، مركز الجزيرة للدراسات، 13 اغسطس 2014.
- صبري سعيد،”مع تعقد العلاقات المدنية العسكرية:كيف تنشأ المشاركة في السياسة” ، المركز العربي للبحوث والدراسات، نوفمبر 2014، من الموقع الإلكتروني للمركز:
http://www.acrseg.org
- مركز الجزيرة للدراسات، “إردوغان وكولن: حرب علنية على خصم خفي” ، 10 مارس 2014، من الموقع الالكتروني:
http://studies.aljazeera.net
- مروة صبحي منتصر،”صعود الدور السياسي للجيوش في الدول النامية”، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 10 اغسطس 2014، الموقع الالكتروني من :
http://www.rcssmideast.org
- د.سعيد الحاج، “عملية السلام مع أكراد تركيا أمام مفترق طرق”، مركز الجزيرة للدراسات، 19 يناير 2016، من الموقع الالكتروني:
http://studies.aljazeera.net
- علي حسين باكير، ” العراق في حسابات تركيا الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية”، مركز الجزيرة للدراسات، 18 يناير 2015، من الموقع الالكتروني:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/01/201511895950841529.html
- د.ضياء الدين زاهر، “السيناريوهات السبع: تركيا بعد الإنتخابات إلى أين” ، المركز العربي للبحوث والدراسات ، 17 أكتوبر 2015، من الموقع الإلكتروني للمركز :
http://www.acrseg.org
- “تزايد المطالب بحماية المرأة في تركيا بعد مقتل ضحية اغتصاب”، تقارير بي بي سي ، 20 فبراير 2015، الموقع الالكتروني من:
http://www.bbc.com
- عبدالناصر سنكي، “تركيا: جدل حول حصول المرأة على مزيد من الحقوق”، وكالة أنباء بي بي سي، 8 مارس 2011، من الموقع الالكتروني:
http://www.bbc.com
- Human Rights Watch، “تركيا لا أحد يحمي المرأة”، 4 مايو 2011، من الموقع اللكتروني للمنظمة:
https://www.hrw.org
- Human Rights Watch، “تركيا تدهور مناخ الحقوق”، 27يناير 2016، من الموقع الالكتروني: https://www.hrw.org
- علي حسين باكير، “حزمة الإصلاحات الديمقراطية في تركيا: التفاعلات الداخلية والتوقعات المستقبلية”، مركز الجزيرة للدراسات، أكتوبر 2013.
- د.كامل فتحي كامل، “الدولة العميقة في الخبرة التركية”، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، الموقع الالكتروني للمركز من:
- د.طارق عبدالجليل، “الساسة والعسكر في تركيا واقع العلاقة ومآلها” ، 16 أكتوبر 2012 ، مركز الجزيرة للدراسات.
- لقمان عمر محمود النعيم، “القضاء ساحة للصراع- كماشة القانون بديل للانقلابات العسكرية”، 2012، موقع الجزيرة من:
http://www.aljazeera.net
- بي بي سي ، “السلطات التركية تقبض على 20 ضابط شرطة آخرين بتهمة التنصت على سياسيين ورجال أعمال”، 5 يناير 2015.
- بي بي سي العربية، “اعتقال 23 في تركيا على صلة بعمليات التنصت على إردوغان” ، 20 يناير 2015، الموقع الالكتروني من:
http://www.bbc.com
- مقابلة مع (فتح الله كولن)، جريدة زمان التركية، 27 مايو 2015، الموقع الالكتروني للجريدة من:
- فهمي هويدي، “سؤال الدولة العميقة في مصر”، مركز الجزيرة للدراسات، 12يونيو 2012، من الموقع الالكتروني للمركز:
http://www.aljazeera.net/home
القسم الثاني: المراجع باللغة الإنجليزية
- Sule Toktas, Umit Kurt, The Turkish Military’s Autonomy, JDP Rule and EU Reform Process in the 2000s : An Assessment of the Turkish Version of Democratic Control of Armed Forces.
- Ozbudun,Ergun,.”contemporary turkish politics :challenges to democratic consolidation”, 2000.
- Umit Cizre, The Justice and development party and the military: recreating the past after reforming it? .
- Soner Cagaptay,”Turkey Is In Serious Trouble”,The Washington Institute, October 2015.
- Ben Sollenberger, “The Economic Dimension of Peace in Turkey”, The Washington Institute, March 31, 2016.
- Roy Greenslade, ”Press freedom in Turkey is ‘under siege’, says CPJ”, The Guardian, 8 March 2016, website from:
http://www.theguardian.com/media/greenslade/2016
- Soner Cagaptay,” Turkey’s Slow-Burning Alevi Unrest, The Washington Institute, March 24, 2014.
- David L.Epstein, Robert Bates, Jack Goldstone, Ida Krisensen and Sharyn O’Halloran,” Democratic Transitions”, American Journal of Political Science, 2006, p 557. From:
\http://www.jstor.org.
- Haldun Gulalp, “The battle for Turkey’s Constitution”, The Guardian, 4 September 2010, website from:
http://www.theguardian.com/commentisfree/2010/sep/04/turkey
- Metein Heper, “The Justice and development party government and the military in Turkey “, Turkish Studies , vol.6, no.2, June 2005
- Nykanen, Johanna , “Turkey’s Kurdish Question and the EU’s Dialogue-less Approach”, Jstor ,2011
- Simom Tisdall,” Could Turkey really join the EU by 2020?”, The Guardian, 22 May 2016, website from:
http://www.theguardian.com/politics/2016/may/22/vote-leave-turkey
- Maurizio Geri, “The Case for Turkey’s EU Membership”, The Washington Institute, January 28 , 2016.
[1]) إبتسام علي مصطفى، “التحول الديمقراطي في تركيا في الفترة ما بين عامي 1990 – 2004 “، رسالة ماجيستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2007، ص 21.
[2] ) د.عبدالفتاح ماضي ، “ ورقة العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي ” ، مؤتمر تحولات الديمقراطية في العالم العربي ، مركز عصام فارس للشئون اللبنانية ، بيروت 28 يونيو 2012 ، الموقع الإلكتروني لدكتور عبدالفتاح ماضي ، من :
http://www.abdelfattahmady.net/research/conferences-and-seminars/459-2014-04-24-20-37-37.html
( تاريخ دخول الموقع 4 مايو 2016 )
[3] ) عمر سمير ، ” المؤسسة العسكرية والتحول الديمقراطي في تركيا 1981 : 2011 ” ، جريدة الشرق الأوسط ، 15 يناير 2015 ، الموقع الإلكتروني للجريدة ، من:
http://fekr-online.com/index
( تاريخ دخول الموقع 3 مايو 2016 )
[4] ) عبدالفتاح ماضي ، مرجع سابق.
[5] ) مصطفى غلام نبي ، “التحول الديمقراطي في أفغانستان والعراق 2001:2010 من منظور مقارن ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2012 ص 19.
[6] ) أميرة إبراهيم حسن دياب ، “التحول الديمقراطي في المغرب ودور المؤسسة الملكية 1992-1998” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002، ص 25.
[7] ) إسراء أحمد إسماعيل ، “العلاقات المدنية العسكرية وعملية التحول الديمقراطي دراسة مقارنة مصر والجزائر ” ، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2015، ص 22.
[8] ) المرجع السابق ، ص 23: 24.
[9] ) هبة الحسيني محمد عبدالمعطي ، “العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في باكستان 1999-2012″ ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2015، ص 18.
[10] ) مروة صبحي محمد ، ” أثر العلاقات المدنية العسكرية على التحول الديمقراطي : دراسة مقارنة تركيا وإندونيسيا ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2015 ، ص 225.
[11] ) محمد عبدالله يونس ، “أثر العلاقات المدنية العسكرية على السياسة الدفاعية الإسرائيلية 2000: 2007 ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2012.
[12] ) أنعام عبدالله محمد ، “تأثير بنية النظام السياسي على العلاقات المدنية العسكرية : دراسة حالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2013 .
[13] ) هاني سليمان إسماعيل على ، “العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا منذ1990 دراسة حالتي ليبيريا وكوت ديفوار ” ، جامعة القاهرة ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، 2015.
[14] ) جريجوري فوستر ، “ثقافة البيروقراطية العسكرية : العلاقات المدنية العسكرية في ديمقراطيات اليوم ” ، مجلة المدير العام ، صيف 2000 .
[15] ) باول إرنست لينز ، ” العلاقات المدنية العسكرية في الديمقراطيات الإسلامية :التدخل العسكري والإنسحاب في الجزائر وباكستان وتركيا “ ، رسالة دكتوراه ، جامعة واشنطن ، 2011 .
[16] ) مصطفى غلام نبي ، مرجع سابق.
[17] ) إيمان أحمد عبدالحليم مهدي ، “التحول الديمقراطي والأمن القومي : مع التطبيق على حالة مصر والعراق 1991 : 2005 ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2008 .
[18] ) إبتسام على مصطفى ، مرجع سابق .
[19] ) هالة جمال ثابت ، “ظاهرة التحول الديمقراطي في أوغندا 1986-1996 دراسة تحليلية في الأسباب والنتائج ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 1999 .
[20] ) أميرة إبراهيم حسن دياب ، “التحول الديمقراطي في المغرب ودور المؤسسة الملكية 1992:1998 ” ، رسالة ماجيستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002 .
[21] ) إسراء أحمد إسماعيل ، مرجع سابق .
[22] ) هبة الحسيني محمد عبدالمعطي ، مرجع سابق .
[23] ) هارولد آنتاناس ترينكوناس ، ” بلورة هيمنة مدنية على القوات المسلحة : الصراع السياسي والتصميم المؤسسي والتيعية العسكرية في الديمقؤاطيات الناشئة ” ، رسالة دكتوراه ، جامعة ستانفورد ، 1999 .
[24] ) روكفيك في و جيفتك زد وإيفانس ، “العلاقات المدنية العسكرية والسيطرة الديمقراطية على القوات المسلحة في جمهورية الصرب ” ، جامعة بيلجراد ، 2013 .
[25] ) ماثورين هوينجنيكبو ، “حماية الحراس: العلاقات المدنية العسكرية والحكم الديمقراطي في إفريقيا ” ، جامعة الدفاع الوطني ، الولايات المتحدة ، 2013 .
[26] ) مروة صبحي محمد محمد ، مرجع سابق.
[27] ) يو بي يلدز ، ” إعادة التفكير في العلاقات المدنية العسكرية في تركيا: مشاكل الحكم الديمقراطي في قطاعات الأمن والدفاع ” ، جامعة ازمير ، قسم العلاقات الدولية ، 2014 .
[28] ) نارلي ، “ إصلاحات هيمنة الإتحاد الأوربي والتحول الديمقراطي ونمط جديد من العلاقات المدنية العسكرية في تركيا ” ، 2009.
[29] ) يو سيزر ، ” إشكاليات الحوكمة الديمقراطية للعلاقات المدنية العسكرية في تركيا ومنطقة نفوذ وتوسع الإتحاد الأوربي ” ، الجريدة الأوربية للبحوث السياسية ، جامعة بيلنكت ، 2004 .
[30] ) محمد عبدالله يونس، “التحولات الراهنة للعلاقات المدنية العسكرية في مصر”، في سلسلة الملف الساخن، “مصر منذ 30 يونيو: تحولات الدولة والمجتمع” ، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، مايو 2014 ) .
[31] ) هاني سليمان إسماعيل علي، “العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا منذ 1990 دراسة حالتي ليبيريا وكوت ديفوار” ، رسالة ماجيستير، جامعة القاهرة ، معهد البحوث والدراسات الإفريقية ، 2015، ص35 : 37.
[32]) مروة صبحي محمد محمد منتصر، مرجع سابق، ص 8.
[33]) إسراء أحمد إسماعيل ، مرجع سابق، ص 31: 32.
[34]) آية إبراهيم إبراهيم عطا الله، ” العلاقات المدنية العسكرية وأثرها على مسار التحول الديمقراطي في تركيا 2002-2013″، المركز الديمقراطي العربي، 2015.
[35] ) الموقع الرسمي للبرلمان التركي “مجلس الأمة التركي الكبير” ، من:
https://global.tbmm.gov.tr/index.php/AR/yd/icerik/14
(تاريخ دخول الموقع 30 إبريل 2016 )
[36] ) ساركان كويبشي، “نظرة في قانون الإنتخابات التركي” ، مجلة نون بوست ، 23 مايو 2015 ، الموقع الإلكتروني للمجلة من:
https://www.noonpost.net/content/6772
(تاريخ دخول الموقع 1 مايو 2016 )
[37] ) جين لويز كاندور ، “هل النظام الإنتخابي التركي هو الأكثر إجحافاً في العالم؟ ” ، الموقع الإلكتروني مجلة نون بوست ، 6 يونيو 2015 ، من:
https://www.noonpost.net
( تاريخ دخول الموقع 1 مايو 2016 )
[38]) المرجع السابق.
[39] ) محمد عبدالقادر خليل، “نهاية الأردوغانية تركيا ومرحلة ما بعد الإنتخابات البرلمانية”، شئون تركية ، العدد الأول / صيف 2015 ، ص 45: 49 .
[40] ) المرجع السابق، ص 50: 52.
[41] ) وكالة RT ، “تركيا…حزب العدالة والتنمية يفوز في الإنتخابات البرلمانية” ، الإنتخابات التركية ، نوفمبر 2015 ، الموقع الإلكتروني للمؤسسة من:
https://arabic.rt.com/news
( تاريخ دخول الموقع 15 مايو 2016 )
[42] ) محمد عبدالقادر خليل، “محركات وتحديات فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات البرلمانية”، شئون تركية، العدد الثاني خريف 2015 ، ص 53: 64 .
[43]) آية إبراهيم إبراهيم عطا الله، مرجع سابق .
[44] ) د.أحمد موسى بدوي، “تغيير إستاتيكي: قراءة في نتائج الإنتخابات الرئاسية التركية” ، المركز العربي للبحوث والدراسات ، 12 أغسطس 2014 ، من الموقع الإلكتروني للمركز :
http://www.acrseg.org/10101
(تاريخ دخول الموقع 21 مايو 2016)
[45] ) على حسين باكير، “تركيا الجديدة قراءة في نتائج الإنتخابات الرئاسية وإنعكاساتها المستقبلية” ، مركز الجزيرة للدراسات، 14 أغسطس 2014 ، من الموقع الإلكتروني للمركز، من:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2014/08/201481411456784444.html
( تاريخ دخول الموقع 20 مايو 2016 )
[46] ) د. أحمد موسى بدوي ، مرجع سابق.
[47]) Sule Toktas, Umit Kurt, The Turkish Military’s Autonomy, JDP Rule and EU Reform Process in the 2000s : An Assessment of the Turkish Version of Democratic Control of Armed Forces.
[48] ) أرجون أوزبدون ، ” تركيا بين النظام الرئاسي والبرلماني” ، شئون تركية ، العدد الأول ، صيف 2015 ، ص 12.
[49] ) المرجع السابق، ص 13.
[50] ) المرجع السابق، ص 15.
[51]) د.كمال حبيب، “حزب العدالة والتنمية من الديمقراطية المحافظة إلى الديكتاتورية المتسلطة”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015، ص 76.
[52] ) المرجع السابق، ص 15: 17.
[53] ) عماد قدورة، ” الجمهورية التركية الثانية: المفهوم – المنجزات – المتطلبات” ، مركز الجزيرة للدراسات، 13 اغسطس 2014.
[54] ) مراد صوفو أوغلو، ” الفرسان الأربعة في حركة الفكر الوطني ” ، شئون تركية ، العدد الأول / صيف2015 .
[55] ) محمد نورالدين ، ” تركيا بعد الإنتخابات : ما الذي سيغيره إنتصار إردوغان ” ، جريدة السفير ، 3 نوفمبر 2015 ، الموقع الإلكتروني للجريدة من:
http://assafir.com/Article/1/454626
( تاريخ دخول الموقع 30 إبريل 2016 )
[56] ) صبري سعيد،”مع تعقد العلاقات المدنية العسكرية:كيف تنشأ المشاركة في السياسة” ، المركز العربي للبحوث والدراسات، نوفمبر 2014، من الموقع الإلكتروني للمركز:
http://www.acrseg.org/20405
( تاريخ دخول الموقع 15 ديسمبر 2015 )
[57]) المرجع السابق.
[58] ) التقرير الإستراتيجي العربي ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2006-2007.
[59]) شريف شعبان مبروك، ” صعود الإسلام السياسي في تركيا ( انجيل راباساواف، وستيفن لارابي)” ، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016، ص 190: 191.
[60] ) المرجع السابق.
[61]) Ozbudun,Ergun . “contemporary turkish politics :challenges to democratic consolidation“, 2000.
[62]) خورشيد دلي ، ” حزب الشعوب الديمقراطي وتحديات المرحلة في تركيا” ، جريدة الحياة، 14 يناير 2016، من الموقع الالكتروني :
http://www.alhayat.com/Articles
( تاريخ دخول الموقع 20 مايو 2016)
[63]) محمد سمير، “الاستقطاب العرقي والديني والسياسي في تركيا”، شئون تركية ، العدد الأول، صيف 2015، ص 198: 201.
[64]) رجائي فريد، “تركيا والقضية الكردية تحديات الإحتواء وتداعيات المواجهة”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015، ص90.
[65] ) احسان داغي، “لماذا تحتاج تركيا إلى نظام ما بعد الكمالية” ، رؤية تركية، من الموقع الالكتروني:
http://rouyaturkiyyah.com
( تاريخ دخول الموقع 13 يونيو 2016)
[66] ) مروة صبحي محمد محمد منتصر، مرجع سابق، ص 121.
[67] ) جمالي أونال ، ” هل دعمت حركة الخدمة حزب العدالة والتنمية” ، شئون تركية ، العدد الأول ، صيف 2015 ، ص 18.
[68]) المرجع السابق، ص 19: 20.
[69] ) المرجع السابق، ص 21: 23.
[70] ) على حسين باكير، مركز الجزيرة للدراسات ، مرجع سابق.
[71]) د.حسن يوجال باش دمير، “منظمات المجتمع المدني والتيار الليبرالي في تركيا”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015، ص 103: 104.
[72] ) مركز الجزيرة للدراسات، “إردوغان وكولن: حرب علنية على خصم خفي” ، 10 مارس 2014، من الموقع الالكتروني:
http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2014/03/201436154217329133.html
( تاريخ دخول الموقع 15 يونيو 2016 )
[73] ) المرجع السابق.
[74]) هند عثمان، “حلقة نقاشية: حدود وأبعاد الصراعات الداخلية في تركيا”، السياسة الدولية،30 نوفمبر 2014، الموقع الالكتروني من:
http://www.siyassa.org.eg
(تاريخ دخول الموقع 30مارس 2016)
[75]) مروة صبحي، مرجع سابق، ص 169.
[76]) إبتسام علي مصطفى، مرجع سابق، ص267: 268 .
[77]) المرجع السابق، ص 268.
[78]) مروة صبحي منتصر،”صعود الدور السياسي للجيوش في الدول النامية”، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 10 اغسطس 2014، الموقع الالكتروني من :
http://www.rcssmideast.org/Article
( تاريخ دخول الموقع 10 ابريل 2016)
[79]) المرجع السابق.
[80]) ندى غانم، ” 3 إنقلابات تنتهي بسيطرة المدنيين” ، جريدة الوطن ، 12 يوليو 2012، من الموقع الإلكتروني للجريدة :
http://www.elwatannews.com/news/details/26184
(تاريخ دخول الموقع 20 إبريل 2016)
[81]) بيستون عمر نوري، “السياسة التركية تجاه إقليم كردستان العراق 2004-2012“، رسالة ماجيستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2014، ص 79: 81 .
[82]) د.سعيد الحاج، “عملية السلام مع أكراد تركيا أمام مفترق طرق”، مركز الجزيرة للدراسات، 19 يناير 2016، من الموقع الالكتروني:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/01/201611965618119165.html
( تاريخ دخول الموقع 30 مايو 2016 )
[83]) د.وهاب جوشكون، “مستقبل عملية السلام الداخلي في تركيا”، شئون تركية، العدد الأول، صيف 2015، ص 91 : 93.
[84]) Sule Toktas, Umit Kurt, Op,cit.
[85]) بيستون عمر نوري، مرجع سابق، ص 91: 92.
[86]) علي حسين باكير، ” العراق في حسابات تركيا الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية”، مركز الجزيرة للدراسات، 18 يناير 2015، من الموقع الالكتروني:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/01/201511895950841529.html
( تاريخ دخول الموقع 3 يونيو 2016)
[87]) ميشيل تنشوم، “بين أنقرة وطهران: كيف يؤدي الزحف الكردستاني لإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية”، شئون تركية، العدد الأول، صيف2015، ص 144: 146.
[88]) Umit Cizre, The Justice and development party and the military: recreating the past after reforming it? .
[89]) د.سعيد الحاج، مرجع سابق.
[90]) جون فرنسوا بيروز، “تركيا والأكراد … العودة لشبح التسعينيات”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015، ص 16.
[91]) د.وهاب جوشكون، مرجع سابق، ص 92.
[92]) المرجع السابق، ص 92: 93.
[93]) د.ضياء الدين زاهر، “السيناريوهات السبع: تركيا بعد الإنتخابات إلى أين” ، المركز العربي للبحوث والدراسات ، 17 أكتوبر 2015، من الموقع الإلكتروني للمركز :
http://www.acrseg.org/39481
(تاريخ دخول الموقع 24 مايو 2016)
[94]) محمد نور الدين ، مرجع سابق.
[95]) محمد محمود السيد، “بسبب دوكومجولار .. هل تشهد تركيا عودة مرحلة السقوط الحر؟”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016، ص 32: 33.
[96]) د.سعيد الحاج، مرجع سابق.
[97]) Soner Cagaptay,”Turkey Is In Serious Trouble”,The Washington Institute, October 2015.
[98]) Ben Sollenberger, “The Economic Dimension of Peace in Turkey”, The Washington Institute, March 31, 2016.
[99])Ben Sollenberger, Op.Cit.
[100]) د.ملتم اينجه ينلمز، ” أبعاد ومظاهر العنف ضد المرأة في تركيا”، شئون تركية، العدد الثاني، خريف 2015، ص 116: 117.
[101]) “تزايد المطالب بحماية المرأة في تركيا بعد مقتل ضحية اغتصاب”، تقارير بي بي سي ، 20 فبراير 2015، الموقع الالكتروني من:
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/02/150220_turkey_women_protection_feature
( تاريخ دخول الموقع 16 مايو 2016)
[102]) عبدالناصر سنكي، “تركيا: جدل حول حصول المرأة على مزيد من الحقوق”، وكالة أنباء بي بي سي، 8 مارس 2011، من الموقع الالكتروني:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2011/03/110308_turkey_woman
( تاريخ دخول الموقع 16 مايو 2016)
[103]) Human Rights Watch، “تركيا لا أحد يحمي المرأة”، 4 مايو 2011، من الموقع اللكتروني للمنظمة:
https://www.hrw.org/ar/news/2011/05/04/242871
( تاريخ دخول الموقع 1 يونيو2016 )
[104]) د. ملتم اينجه ينلمز، مرجع سابق، ص 119.
[105]) باسم دباغ، “لا محاسبة لمعنفِّي النساء في تركيا”، جريدة العربي الجديد، 13 يونيو 2015، من الموقع الالكتروني:
https://www.alaraby.co.uk/society/2015
( تاريخ دخول الموقع 13 يونيو 2016)
[106]) سولماز بهرنك، روناهى شورشكر، “الكفاح الطبقي: الجنسية ومشكلة القومية.. مسيرة الحركات السياسية والاجتماعية في تركيا”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016، ص 184. 0
[107]) د.محمد ضياء الدين زاهر، مرجع سابق.
[108]) صبغة الله قايا، “هل انتهى العمر الإفتراضي لحزب العدالة والتنمية؟” ، شئون تركية ، العدد الأول صيف 2015، ص 55.
[109]) عمر فوزي، “مقياس الإعلام التركي عام 2014″، شئون تركية، العدد الأول، صيف 2015، ص 218: 219.
[110])Human Rights Watch، “تركيا تدهور مناخ الحقوق”، 27يناير 2016، من الموقع الالكتروني: https://www.hrw.org/ar/news/2016/01/27/286040
( تاريخ دخول الموقع 30 ابريل 2016)
[111]) Roy Greenslade, ”Press freedom in Turkey is ‘under siege’, says CPJ”, The Guardian, 8 March 2016, website from:
http://www.theguardian.com/media/greenslade/2016/mar/08/press-freedom-group-in-turkey-is-under-siege-says-cpj
( browsing date 30 April 2016)
[112]) Soner Cagaptay,” Turkey’s Slow-Burning Alevi Unrest, The Washington Institute, March 24,2014.
[113]) آدم بلابياك، “اليسار التركي: العلويون وجدلية العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطية”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016، ص 27: 28.
[114]( Soner Cagaptay,Op.Cit.
[115]) علي حسين باكير، “حزمة الإصلاحات الديمقراطية في تركيا: التفاعلات الداخلية والتوقعات المستقبلية”، مركز الجزيرة للدراسات، أكتوبر 2013.
[116]) Sule Toktas, Umit Kurt, Op.Cit.
[117]) صبري سعيد، مرجع سابق.
[118] (David L.Epstein, Robert Bates, Jack Goldstone, Ida Krisensen and Sharyn O’Halloran,”Democratic Transitions”, American Journal of Political Science, 2006, p 557. From:
http://www.jstor.org.
[119]) محمد نورالدين، مرجع سابق.
[120]) عماد قدورة، مرجع سابق.
[121]) المرجع السابق.
[122])آية إبراهيم إبراهيم عطا الله، مرجع سابق.
[123]) سونر جاغيتاي، “المعجزة الإقتصادية التركية”، 23أكتوبر 2011، The Washington Institute، من الموقع الالكتروني:
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/turkish-wirtschaftswunder
( تاريخ دخول الموقع 25 مايو 2016)
[124]) د.كامل فتحي كامل، “الدولة العميقة في الخبرة التركية”، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، الموقع الالكتروني للمركز من:
( تاريخ دخول الموقع 30 ابريل 2016 )
[125]) المرجع السابق.
[126]) د.ضياء الدين زاهر، مرجع سابق.
[127] ) المرجع السابق.
[128]) سونر جاغيتاي، مرجع سابق.
[129]) إبتسام علي مصطفى، مرجع سابق، ص 203: 206.
[130]) ندى غانم، مرجع سابق.
[131]) د.طارق عبدالجليل ، “العسكر والدستور في تركيا : من القبضة الحديدية إلى دستور بلا عسكر” ،دار نهضة مصر للنشر، 2012، ص10: 11.
[132] ) المرجع السابق، ص 108: 110.
[133] ) EU Commission 2002, Regular Report from the Commission on Turkey, Internet access from:
http://europa.eu.int/comm/enlargment/report.net
[134] ) د.طارق عبدالجليل، “الساسة والعسكر في تركيا واقع العلاقة ومآلها” ، 16 أكتوبر 2012 ، مركز الجزيرة للدراسات.
[135] ) المرجع السابق.
[136]) إبتسام علي مصطفى، مرجع سابق، ص 216: 219.
[137] ) د.طارق عبدالجليل ، ” العسكر والدستور في تركيا ” ، مرجع سابق.
[138]) Haldun Gulalp, “The battle for Turkey’s Constitution”, The Guardian, 4 September 2010, website from:
http://www.theguardian.com/commentisfree/2010/sep/04/turkey-constitution-undemocratic
( browsing date 20 May 2016)
[139]) لقمان عمر محمود النعيم، “القضاء ساحة للصراع- كماشة القانون بديل للانقلابات العسكرية”، 2012، موقع الجزيرة من:
http://www.aljazeera.net
)تاريخ دخول الموقع 10 ابريل 2016)
[140]) د.كامل فتحي كامل، مرجع سابق.
[141]) المرجع السابق.
[142]) قادر قرا كوز، مراد قرا كوز ، “الفساد والنمو الإقتصادي والإنفاق العام في تركيا: دراسة إمبريقية”، شئون تركية، العدد الأول، صيف 2015، ص 119.
[143]) المرجع السابق.
[144]) بي بي سي ، “السلطات التركية تقبض على 20 ضابط شرطة آخرين بتهمة التنصت على سياسيين ورجال أعمال”، 5 يناير 2015.
[145]) بي بي سي العربية، “اعتقال 23 في تركيا على صلة بعمليات التنصت على إردوغان” ، 20 يناير 2015، الموقع الالكتروني من:
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/01/150120_turkey_arrests
( تاريخ الدخول على الموقع 30 مايو 2016)
[146]) المرجع السابق.
[147]) قادر قرا كوز، مراد قرا كوز، مرجع سابق، ص 111.
[148]) د.ضياء الدين زاهر، مرجع سابق.
[149]) المرجع السابق.
[150]) مقابلة مع (فتح الله كولن)، جريدة زمان التركية، 27 مايو 2015، الموقع الالكتروني للجريدة من:
( تاريخ دخول الموقع 3 ابريل 2016)
[151]) Metein Heper, “The Justice and development party government and the military in Turkey “, Turkish Studies , vol.6, no.2, June 2005
[152]) ندى غانم، مرجع سابق.
[153]) التقرير الاستراتيجي العربي، مرجع سابق.
[154] ) د.طارق عبدالجليل، “العسكر والدستور في تركيا” ، مرجع سابق.
[155]) فهمي هويدي، “سؤال الدولة العميقة في مصر”، مركز الجزيرة للدراسات، 12يونيو 2012، من الموقع الالكتروني للمركز:
http://www.aljazeera.net/home
( تاريخ دخول الموقع 25 مارس 2016)
[156]) المرجع السابق.
[157]) جريدة اليوم السابع، 5 اغسطس 2013، من الموقع الالكتروني للجريدة:
http://www.youm7.com/story
( تاريخ دخول الموقع 30 مارس 2016)
[158]) “محكمة تركية تلغي أحكام الإدانة في قضية أرجنكون”، جريدة البيان، الموقه الالكتروني للجريدة من:
http://www.albayan.ae/one-world/overseas/2016-04-22-1.2623675
( تاريخ دخول الموقع 31 مارس 2016)
[159])آية إبراهيم إبراهيم عطا الله، مرجع سابق.
[160] ) د.طارق عبدالجليل،”الساسة والعسكر في تركيا واقع العلاقة ومآلها” ، مرجع سابق.
[161] ) التقرير الإستراتيجي العربي، مرجع سابق.
[162] ) د.طارق عبدالجليل، “الساسة والعسكر في تركيا واقع العلاقة ومآلها”، مرجع سابق.
[163] ) أية إبراهيم إبراهيم عطا الله، مرجع سابق.
[164]) Nykanen, Johanna , “Turkey’s Kurdish Question and the EU’s Dialogue-less Approach”, Jstor ,2011, 73 – 75
[165]) Simom Tisdall,”Could Turkey really join the EU by 2020?”, The Guardian, 22 May 2016, website from:
http://www.theguardian.com/politics/2016/may/22/vote-leave-turkey-warning-ignorance-european-realities
( date of browsing 1 June 2016)
[166]) د.عبدالحسين شعبان، “تركيا وعقدة عضوية الاتحاد الأوروبي” ، جريدة السياسة الدولية، 30 ديسمبر 2015.
[167]) المرجع السابق.
[168]) ستيف بيرس، مانويلا رومان، “خطة سمسوم : اللاجئون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”، شئون تركية، العدد الثالث، شتاء 2016، ص 105: 106.
[169]) Maurizio Geri, “The Case for Turkey’s EU Membership”, The Washington Institute, January 28 , 2016.
[170]) جريجوري فوستر، مرجع سابق.
[171]) باول إرنست لينز، مرجع سابق.
[172]) المرجع السابق.
[173]) مصطفى غلام نبي، مرجع سابق.
[174]) مروة صبحي محمد محمد منتصر، مرجع سابق، ص 257.
[175]) إبتسام علي مصطفى، مرجع سابق، ص 325.