تركيا بعد الأنقلاب والتطورات القادمة بين الحرب والسلام في المجتمع التركي
بقلم : د. توفيق حمدوش
إن محاولة الأنقلاب العسكري في تركيا التي جرت في يوم 15 تموز/يوليو 2016 رغم فشلها حدثت تغييرآ كبيرأ في تركيا والتغييرات الكبرى قادمة فيما بعد وليس بمدة طويلة وإنمان ستتلاحق بسرعة ديناميكية كبيرة أكثر من التوقعات المتوقعة سابقآ وخاصة بعد عملية التوقيف والتصريح والملاحقة الأمنية وطرد الألاف من المدنيين من الوظائف مثل عمداء الجامعات والحكام والقضات بالمئات والألاف لم يختصر هذا الوضع فقط على الجيش الأنقلابي وأتباعه وإنما توسع وشمل فئات كبيرة من الدوائر والمؤسسات المدنية والتربوية ووسائل الأعلام في تركيا بشكل لا مثيل له في التاريخ التركي وبهذه السرعة الزمنية التي لم يتوقع أحدآ ان تجري بهذا الشكل.
هذا إن دل على شىء وإنما يدل على أن الحكومة التركية كانت تراقب الوضع صاغية وجاهذة وهي كانت تخطط وتحضر أيضآ منذ فترة طويلة إلى إنقلاب مدني في المجتمع التركي وكان من الضروري أن يكون له سبب من أجل التنفيذ والقيام بهذه العملية.
إن كانت عملية الأنقلاب مدبرة أوكانت فعلآ عملية جدية فكلا الطرفين كانوا على العلم مايفعله الطرف الأخر لذا نستطيع القول بأن هذه العملية التي جرت في تركيا ليست من باب الصدفة وإنما كانت لها تحضيرات وطموحات وأبعاد سياسية وإجتماعية ولها تأثيرات كبيرة وستقود لاحقآ إلى تغييرات كبيرة غير متوقعة وعن قريب سيكون لها أبعاد جزرية في تغيير بنية المجتمع التركي الأتاتركي والصراع القائم على الحكم منذ الأزل بين العلمانية المدنية والدولة العسكرية وطموحات الدولة الإسلامية على غرار الدولة العثمانية وفي هذا الخضم والصراع القائم تكونت مجموعات وتنظيمات مختلفة في التوجهات السياسية والأجتماعية منها مدنية تنظيمات مرخصة ومنها سرية داخل المؤسسة العسكرية مثل مجموعة أركاكون أخرى مدنية يسارية من الطلبة قامت بعمليات مسلحة وبعدها قيام التنظيم الكوردي المسلح حزب العمال الكوردستاني في تبني القضية الكوردية في تركيا وكذلك التجمع العلوي الذي يطالب بحقوق الطائفة العلوية في تركيا وإضافة هناك تنظيمات آخرى منها مدنية دينية مثل مجموعة فتح الله غولان المقيم في أمريكا والذي يقدم ويمول في 140 دولة في العالم مؤسسات خيرية لها أهداف سياسية من أجل تغيير البنية الأجتماعية عن طريق تقديم الخدمات والمساعدات للطبقة الفقيرة ليس فقط في تركيا وإنما عالميا.
إن هذا التنظيم لقى دعمآ وترحابآ من قبل الأحزاب التركية الدينية مثل حزب أربقان وكذالك من النخبة العسكرية الموالية لهذه الأفكار وأيضأ من الولآيات المتحدة الأميركية ومؤسساتها المختلفة ومنها الأستخباراتية من أجل السيطرة وتوجيه الحركات الدينية إلى صفوف الدولة العلمانية والسيد أردوغان الرئيس التركي الحالي وهو ليس تركيآ في الأصل وإنما من أصل جورجي ترعرع في عهد الطفولة في مدرسة دينية وتلقى هذا التعليم وحصل على المساعدة والدعم الكامل من قبل المجموعات الدينية ورفع على الأكتاف من قبل مجموعة غولان حتى وصل إلى سيادة الحكم ولكن هذا الوفاق أنتهى ووصل إلى درجة الخصومة بعد تفرد السيد أردوغان وإنقلابه على سيده ووالده المعنوي.
والأنقلاب الحقيقي بدآ منذ ذالك اليوم في المسار السياسي بقيادة حكومة أردوغان وشخصه الذي لايسمح لأي رأي أخر إلى جانب توجهاته وقراراته السياسية المنفردة. في خضم هذا التغييرات المتتالية التي جرت ستأتي بنتائج عكسية لم يتوقعها أو لم يهتم بها السيد أردوغان وحزبه الحاكم والرد العكسي سيكون قريبآ وسيأتي معه التغيير في بنية المعارضة في تركيا وأنضمام أطراف أخرى إلى المعارضة العلمانية منها تكتل الطائفة العلوية أفراد ومجموعات مدنية ومجموعات من أفراد الجيش وعوائلهم المتضررة من سياسة أردوغان .
إضافة إلى كل هذا تأتي المجوعات الدينية التي لا توافق سياسة أردوعان الحالية ومنها أكتر تأثيرآ ستكون مجموعة فتح الله غولان وفي خضم هذه التطورات سنتضم الحركة التحررية الكوردية بقيادة حزب العمال الكوردستاني بتنظيماتها المدنية إلى المعارضة العلمانية .
ولكن ليس بعيدآ ان يبقي الصراع في تركيا فقط صراعآ مدنيآ سلميآ هناك توقعات كبيرة التي تقول وتتوفع بأن تركيا ليست خالية أو بعيدة من تطورات وإضطرابات مسلحة لآحقة تصل بها الحالة كما هو الوضع في العراق وسوريا وفي النتيجة ستذهب تركيا إلى حرب شعبية داخلية وستأدي إلى نتائج وخيمة أكثر عنفآ وقساوة من الوضع القائم في العراق وسوريا.
وهنا يقال ويلاحظ حتى لو تقاعست المعارضة المدنية في أداء واجبها لن تكن تركيا معصومة من الأضطرابات القادمة و من العمليات الأرهابية وبشكل أكثر تكثيفآ وحدة في المرحلة القادمة بعد هذه التحولات التي جرت في تركيأ لأن البيئة الإجتماعية وشكل التعامل مع غير مناصري أردوغان وصل إلى درجة العدواة بلآ رجعة وهذا رغم وقوف أحزاب المعارضة إلى جانب الحزب الحاكم يوم الأنقلاب لأنهم وقفوا ضد الأنقلاب العسكري.
ولكنهم ضد حكومة أردوغان وأسلوبه في التعامل السياسي مع خصومه وهكذا يحارب أردوغان أحزاب المعارضة عندما رفع الحصانة عن أكثر من 150 نائبآ في البرلمان التركي وهذه التطورات هي أخطر نقطة تحول في المسار السياسي والأجتماعي في تاريخ دولة تركيا الحديث.
ولكل هذا ما يلوح في الأفق ويعطي النتيجة التالية السيد أردوغان لن يتوفق في مساره السياسي بهذا الشكل وهو يقود البلاد إلى الهاوية والخطر الكبير قادم منها ستكون أضطرابات ربما ستصل إلى مستوى الحرب الأهلية ويفتح الباب أمام عمليات إرهابية مكثفة وقيام تنظيمات سرية جديدة الموازية لتنظيات داخل الدولة.
وهنا نقول لكن إذا عاد السيد أردوغان إلى المعارضة وتعامل معها بشكل أوسع وفتح الباب من جديد أمام محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني لإجاد حل سياسي سلمي للقضة الكوردية في تركيا وإقامة علاقات أخوية طبيعية مع الكورد في سوريا والعراق من أجل علاقات حسن الجوار والتعايش السلمي المشترك لكافة الأطياف في المنطقة عندها نستطيع القول بأن الباخرة التركية بقيادة أردوغان ستقود البلاد إلى برالأمان
د. توفيق حمدوش 24.07.2016
info@Syrian-Report.com