الاصلاح المؤسسي في مجال العدالة الانتقالية
(تدريب رجال الشرطة في المرحلة الانتقالية علي احترام حقوق الانسان نموذجا )
لواء دكتور / شادن نصير
عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة
يُعتبر نشر ثقافة حقوق الإنسان وسيلة هامة لخلق ثقافة حقوق الإنسان، وهي التي لا يمكن تحقيقها فقط من خلال الحصول على قيم معينة والمعرفة بها، وإنما أيضًا من خلال نقل وتشكيل والاتجاهات والمهارات، فالاستعداد للدفاع عن معايير حقوق الإنسان واتباعها في الحياة اليومية، وخلق أنماط سلوك ومهارات سلمية وغير عنيفة هي المؤشرات النهائية للتقدم المحرز في بناء ثقافة حقوق الإنسان
ويُعد نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع عملية متواصلة وشاملة، تعم جميع صور الحياة، ويجب أن تَنْفُذ إلى جميع أوجه الممارسات الشخصية والمهنية والثقافية والاجتماعية والسياسية والمدنية، ومن الضروري لكافة المهن أن ترتبط بمقاييس أداء تلتزم بقيم تُسْتَلهم من الحقوق الأساسية للإنسان.
ويتعلق نشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الشرطة بالمنظور التأهيلي للرؤية المتكاملة التي أعدتها وزارة الداخلية لحماية حقوق الإنسان، وصون حرياته الأساسية، ويَسْتَمد هذا المنظور تكوينه من قناعة الوزارة بمدى أهمية حقوق الإنسان في استظهار العدالة بشكل يقيني، وأن أي مساس بأي من تلك الحقوق دون مبرر قانوني يؤثر بصورة أخرى على تيار العنف بالزيادة، ولا سيما العنف الموجه إلى السلطة، فضلاً عن أن ذلك المساس لا يتصور معه قيام الجمهور بدوره في منع الجريمة لعزوفه عن التعاون مع أجهزة الشرطة .
إن نشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الشرطة هو في الجوهر مشروع عام لتمكينهم من الإلمام بالمعارف و المهارات الأساسية اللازمة لممارسة عملهم الأمني بصورة تتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، وتنمى مقومات الشعور بالمسئولية تجاه حقوق المواطنين والمصالح العامة.
وبمعنى آخر، فإن تضافر المعرفة والممارسة هو الهدف الجوهري لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الشرطة، ويمكن أن يوضع ذلك في إطار السياسة الراسخة لوزارة الداخلية بتأسيس رسالتها الأمنية على قوة القانون وليس قوة القانون.
و قد لقيت مسألة نشر ثقافة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية اهتمامًا كبيرًا، ولم يكن الباعث في هذا الاهتمام مجرد مسايرة الاتجاهات العالمية بل كانت هناك قناعة تامة لدى الوزارة بحتمية هذا التوجه، ولعل أهم الأسباب الموضوعية الكامنة وراء ذلك:
( أ ) التدريب على التفكير القانوني : ليس الهدف من النشر تعليم رجال الشرطة نظامًا قانونيًا، والذي يمكن العثور عليه في الكتب والدوريات العلمية، بل يتمثل الهدف الأساسي في تعلم طريقة محددة للتفكير بما يُتيح القدرة على اختيار وتطوير ثقافة بعينها.
(ب) تعزيز مفهوم العدالة : لا تتمثل الوظيفة الأمنية في تقديم حلولاً نمطية لمشكلات نمطية تحدث على فترات منتظمة، بل هي فن استيعاب القانون نصًا وروحًا، وفهم ظروف كل حالة على حدة. فيجب أن يقدررجال الشرطة على التمييز بين درجات لا حصر لها من اللون الرمادي، وليس مجرد التمييز السهل بين الأسود والأبيض، والخطأ والصواب .
(جـ) احترام حقوق الإنسان التزام أخلاقي : لا يكفي أن يعرف رجل الشرطة أن تصرفاته يجب أن تكون مشروعة وغير تعسفية. فلكي تكون هذه التصرفات صحيحة فلابد أن تكون معتقداته الشخصية فيما يتعلق بالخير والشر، والصواب والخطأ متوافقة مع مبادئ حقوق الإنسان .
( د ) خلق صورة إيجابية عن جهاز الشرطة : إن رسالة الشرطة هي أحد العناصر الظاهرة في عمل الدولة، ونادرًا ما يُنظر إلى التصرفات الفردية لرجال الشرطة باعتبارها تصرفات فردية، بل يُنظر إليها في الغالب الأعم كمؤشر لسلوك هيئة الشرطة في مجموعها. فإذا كانت تلك التصرفات الفردية تمثل إفراطًا في استعمال القوة أو التعذيب، فإنها تترك صورة سلبية عن جهاز الشرطة ككل .
(هـ) خلق صورة إيجابية عن الدولة : إن الالتزامات التي تقع على الدولة بموجب القانون الدولي تبدأ بتعديل التشريعات الوطنية بما يتلاءم مع أحكام معاهدات حقوق الإنسان الموقعة والمصدق عليها. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل يتعين على رجال الشرطة أن يعززوا ويحترموا ويحموا حقوق الإنسان. ويترتب على هذا الالتزام نتائج واضحة بالنسبة لتدريب رجال الشرطة في هذا المجال، وتنمية مهارات وتكتيكات مناسبة لديهم
و في الختام قد يكون مفيدًا إلقاء الضوء على بعض النقاط الهامة التي نرى أنها ضرورية لإثراء أي توصيات لتعليم و تدريب العنصر البشري بالشرطة في مجال حقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية :
(1) أن تكون مبادئ حقوق الإنسان جزءً لا يتجزأ من كافة عناصرمناهج تعليم و تدريب العنصر البشري بالشرطة بصفة عامة سواء كانت المناهج قانونية او شرطية ، نظرية أو عملية ، إذ لا يجب أن تكون شيئًا إضافيًا كما لا يجب ان تكون منفصلة عن جوانب التعليم و التدريب الأخرى . وبمعنى آخر أن يبرز (المحاضر/ المدرب) صلة المادة بحقوق الإنسان، سواءً كانت تلك الصلة مباشرة أو غير مباشرة و هو ما يدعو لتنمية مهارات المحاضرين و المدربين أنفسهم في هذا المجال مسبقا .
(2) أن يضع تعليم و تدريب العنصر البشري بالشرطة في مجال حقوق الإنسان في اعتباره سياق “العالم الحقيقي” لقضايا حقوق الإنسان بصفة عامه و في المرحلة الانتقالية بصفة خاصة ، وألا يكون نموذجًا نظريًا فقط. إن رجال الأمن يحتاجون إلى تجذير مقاربتهم في خبرة العالم الواقعي. وينبغي أن يقدم عملهم الأمني الإحساس بأهمية ونكهة السياق الذي تدور فيه قضايا حقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية الحالية .
(3) يجب أن يكون أحد أهداف وزارة الداخلية من نشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الشرطة في المرحلة الانتقالية تنمية الوعي بعدد من القضايا والمسائل الأساسية، وأهم هذه المسائل التي ينبغي أن ينطلق منها عملها :
= ما هي المعارف و المهارات التي ينبغي التركيز عليها في المرحلة الانتقالية ؟
= ما هي مسؤولياتنا فيما يتعلق بحقوق الانسان في المرحلة الانتقالية ؟
= كيف نشجع علي الالتزام بحقوق الانسان في المرحلة الانتقالية ؟
(4 ) إن دعم قدرات رجال الشرطة في مجال حقوق الإنسان في المرحلة الانتقاليه لا يجب أن يقتصر على دعم القدرات المعرفية، بل يجب أن يهتم بالدرجة الأولى بدعم القدرات الفنية والمهارية المتعلقة بممارسة الوظيفة الأمنية في الواقع العملي، فلا يبدو مناسبًا أن يترك لرجل الشرطة تطبيق المعارف النظرية التي تلقاها على ممارساته الوظيفية لاحقًا، بحيث كلما تعرض لموقف تستدعي ذاكرته الإطار النظري الذي تلقاه بل يجب تدريبه منذ البداية علي القدرات الفنية و المهارية
(5) هناك ضرورة لأن يتضمن تعليم و تدريب رجل الشرطة المواثيق الدولية الاتية :
( مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون ـ المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية ـ مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن ـ إعلان المبادئ الأساسية للعدالة فيما يتعلق بضحايا الجريمة وسوء استخدام السلطة ـ إعلان القضاء على العنف ضد المرأة ـ القواعدالنموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ـ اتفاقية حقوق الطفل)، إضافة إلى بعض الدراسات التي تتناول وظيفة إنفاذ القانون من منظور حقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية.