الاقتصاديةالدراسات البحثية
دور الاتفاقيات الثنائية في تطوير مبادئ القانون الدولي للاستثمارات الأجنبية
اعداد : الدكتور عبد المومن بن صغير – المركز الديمقراطي العربي
من المسلم به أن كل دولة من دول العالم المختلفة تسعى إلى إحداث قفزة نوعية نحو بلوغ التنميةبجميع أبعادها، لاسيما النمو والتقدم الاقتصاديين، والذي يلزم لتحقيقه توافر مجموعة من العوامل وتضافرها، سواء كانت قانونية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، ويأتي في مقدمة تلك العوامل “الخبرة الفنية والعلمية” أو التكنولوجيا، بالإضافة إلى “رأس المال”، الذي يعتبر شريان التنمية الاقتصادية في العصر الحديث وينقسم المجتمع الدولي من الناحية الاقتصادية إلى قسمين رئيسين: أحدهما متقدم، يملك رأس المال والخبرة العلمية والفنية، وآخر نام يحتاج لأحد العنصرين أوكليهما معا، وعليه يمكن أن تنشأ علاقة اقتصادية قانونية بينهما، فالبلدان النامية لطالما عجزت عن تحقيق التنمية بالاعتماد على إمكانيتها الذاتية بسبب ضعف الادخار المحلي تارة، وانخفاض مستوى الدخل القومي تارة أخرى، فضلا عن غياب التكنولوجيا “التقنيـة” الحديثة التي تعتبر رأس كل تقدم، لذلك تظهر الحاجة إلى ضرورة استقطاب المال الخارجي للإسهام في عملية التنمية الاقتصادية .
في المقابل فالدول المتقدمة بحاجة إلى إيجاد أسواق تستثمر فيها رؤوس الأموال الفائضة لديها، من هنا يعد انتقال رأس المال والخبرة العلمية والفنية أحد أهم المعالم الرئيسية التي يرتكز عليها الاقتصاد العالمي في وقتنا الراهن، خاصة في ظل بزوغ العولمة المالية وتحرر الأسواق، ولعل القناة الرئيسية التي يتجسد عبرها هذا الانتقال هي ما اتفق على اصطلاحه بالاستثمار الأجنبي.
وقد مر الإستثمار الأجنبي بعدة تطورات تاريخية ساهمت بشكل كبير في البحث عن الوسائل والأدوات القانونية لإضفاء صبغة الحماية الدولية عليه، وقد تكرس ذلك تاريخيا ابتداء من ظهور بعض القواعد العرفية الدولية التقليدية للقانون الدولي، والتي تبلورت من خلال ما وضعته من قواعد تنظم الوضع القانوني للأموال الأجنبية عموما، وهو ما تجسد في الحد الأدنى للحماية الدولية الموضوعية والإجرائية.
بعد ظهور العولمة وتطور العلاقات الاقتصادية الدولية من خلال بروز الشركات المتعددة الجنسيات وسيطرتها على الاقتصاد العالمي بصفة عامة، وأثرها على توجهات الاستثمار الدولي بصفة خاصة، وفي خضم تلك الظروف اتضح للدول النامية مدى قصور القواعد الدولية العرفية التقليدية وعجزها عن توفير الحماية الضرورية واللازمة للاستثمارات الأجنبية من خلال انعدام الحماية ضد المخاطر غير التجارية الواقعة في ظل الظروف الاستثنائية بالإضافة إلى محدودية التعويض في إطار الأعراف الدولية، أضف إلى ذلك الصعوبات والإشكاليات التي تثيرها ممارسة الحماية الدبلوماسية في حالات انعدام وتعدد الجنسيات وكذا اعتبارات الدولة السياسية. إن التغير الذي حدث في العلاقات الدولية، وما صاحب ذلك من تطور خاصة في الميدان الاقتصادي الدولي هو الذي أدى إلى ظهور فكرة التخلي عن الأعراف الدولية كسبيل لحماية الاستثمارات الأجنبية ، فالدول النامية قد تشكل لها هاجس إزاء هذه الأعراف التي لم تشارك في وضع قواعدها والتي لم تكن تراها إلا مظهرا من مظاهر تكريس الهيمنة الاستعمارية، فهذه القواعد قد وضعت خصيصا لحماية وتغليب مصالح الدول المصدرة لرؤوس الأموال على حساب الدول المستوردة لها من خلال مرحلة تاريخية أعطت فيها الدول الأوربية لنفسها حق تنظيم الشؤون الدولية، وسلطة مراقبة قواعد القانون الدولي، مما دفع بالكثير منها وخاصة حديثة الاستقلال إلى التشكيك في تلك القواعد معتبرة إياها مجرد مرحلة استعمارية تميزت فيها العلاقات الدولية بالهيمنة والاستقلال، الأمر الذي دفعها إلى المطالبة بإعادة النظر فيها واستبدالها.
فالدول النامية كانت ترى انه لا معنى لوجود قواعد القانون الدولي التقليدي، ما لم يكن لهذه الدول الحق في فرض سيادتها على ثرواتها الطبيعية،حيث أرتبط مفهوم مبدأ سيادة الدولة من وجهة النظر التاريخية بظهور الدولة الحديثة فبعد أن كان الاتجاه القديم يرى أن للدولة سيادة مطلقة، ولا يقيدها في ذلك إلا إرادتها، استقر الفقه التقليدي على أن سيادة الدولة مقيدة بما تفرضه قواعد القانون الدولي العام من التزامات تعلو على إرادة الدول، غير أن غالبية الفقه الحديث يتمسك بمفهوم السيادة كركيزة أساسية لحماية مصالح الدول، ولضمان ممارستها لسيادتها الدائمة على مواردها وثرواتها الطبيعية، والتي تعود ملكيتها للدولة صاحبة الإقليم، تستعملها بكل حرية بما يتلاءم مع مصالحها ومتطلبات تنميتها، فسيادة الدولة على مواردها وثرواتها الطبيعية تستند على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعلى مبدأ التساوي في السيادة بين جميع الدول، ولكل الدول وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وما تقره قواعد القانون الدولي العام وذلك تجسيدا لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، وحقها في التأميم ومراقبة الأشخاص الأجانب الموجودين على إقليميها، في حين كانت ترى الدول المصدرة لرؤوس الأموال بأن القانون الدولي يمنح للأجانب حق التمتع بالحد الأدنى من الحماية الدولية لا يجوز للدولة المضيفة تجاهله .
وفي خضم المواقف المتعارضة واتسام الوضع الدولي بالتعقيد،كان لابد من ضرورة وضع قواعد دولية جديدة يتم من خلالها وضع حدود لحرية وسلوك ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات، خاصة وإن القانون الدولي قد شهد صراعات بين البلدان المستقبلة للاستثمار و المستثمرين الرامين إلى وضع حدود لحرية البلدان المستقبلة للرأسماليين. وسعيا نحو محاولة التوفيق بين المصالح المتضاربة، بدا من الضروري التفكير في إيجاد نظام دولي شامل وموحد لتنظيم الاستثمارات الأجنبية، حيث ظهرت جهود المجتمع الدولي سواء على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي في إطار ما يعرف ب”محور الجهود الجماعية الدولية”، وذلك للبحث عن آليات دولية فعالة يتم بموجبها وضع إطار دولي عادل ومتوازن لضبط سلوك الشركات المتعددة الجنسيات من جهة وحماية المصالح المشتركة من جهة أخرى.
وقد ظهرت بوادر التفكير في إيجاد مشروع عالمي موحد للاستثمارات الأجنبية إلى بداية الثلاثينات بعد الأزمة التي عرفها الاقتصاد العالمي، مما دفع بعصبة الأمم المتحدة عام 1929 إلى تبني الفكرة، و قد تمحور موضوعها حينه حول إنشاء ميثاق متعدد الأطراف يكون بمثابة النمط السلوك ثم توالت الجهود والمحاولات الدولية الساعية لوضع قواعد منظمة لنشاط الاستثماري على المستوى الدولي ، سواء من قبل المنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية “NGOS“، واعتبر ميثاق هافانا الذي انشأ المنظمة الدولية للتجارة في سنة 1948 كأول محاولة للتنظيم على المستوى الحكومي للاستثمارات الدولية . ثم جاءت محاولات أخرى في إطار المنظمات الدولية الحكومية ،مثل ما هو الشأن بالنسبة لمؤتمر التجارة والتنمية سنة 1964، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 1965، كما وضعت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية “OCDE ” مشروع اتفاقية حماية الأموال الأجنبية التي تمت الموافقة عليه في 12نوفمبر1967، ودور الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 ، وكذا الإعلان الثلاثي الصادر عن منظمة العمل الدولية عام 1977.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد بادرت منظمات دولية حكومية اقتصادية ومالية على غرار ما قامت به المنظمات السياسية السابقة مثل الأطروحة التي تقدم بها صندوق النقد الدولي بشأن الاستثمار الأجنبي، والخطوط الموجهة التي وضعها البنك الدولي، بالإضافة الاتفاق حول إجراءات الاستثمار في إطار المنظمة العالمية للتجارة “OMC“ .
ولنفس السبب بذلت محاولات من اجل وضع تقنين شامل للقواعد التي تنظم حقوق وواجبات هذه الاستثمارات على المستوى العالمي، وضبط حرية سلوك ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات والتقيد من تصرفها إزاء تعاملها مع البلدان النامية خاصة فيما يتعلق بطرح قضايا تتعلق بالتعويض في حالة التأميم وإعادة التفاوض حول عقود الامتيازات وخاصة المتعلقة باستغلال المواد الأولية ، وذلك من قبل منظمات دولية غير حكومية.
وقد كان لهذه المنظمات دور فعال ومشاركة قوية في إرساء السياسات المتعلقة بالاستثمارات الدولية، ورغم أن هذه المساهمات ليست بطبيعتها حكومية وليست ملزمة إلا أنها تشكل مقاربة جديدة في التعامل مع المواضيع المصيرية ،التي لها علاقة مباشرة بحياة الشعوب ومستقبلها التنموي .
بعد الجهود العالمية نحو إيجاد نظام موحد للاستثمارات الأجنبية ، اتجهت الدول إلى العمل الإقليمي وقد ظهرت مجموعة من المحاولات الجهوية، نذكر على سبيل المثال تقنين اندين في أمريكا اللاتينية الذي ظهر على مستوى الدول المستقبلة لرؤوس الاموال ، ومبادرة اللجنة الأوروبية ، بالإضافة إلى تنظيم الاستثمار على المستوى العربي . منذ ذلك الوقت والمجتمع الدولي يسعى جاهدا نحو الوصول إلى ميثاق عالمي متعدد الأطراف لحماية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، غير انه فشل قي تحقيق تلك الغاية لصعوبة التوفيق بين ضرورة توفير معاملة عادلة وضمان معاملة فعالة لها من جهة، واحترام سيادة الدول المضيفة خصوصا الدول النامية من جهة أخرى، مما أوجد تباينا في مواقف الدول حول التعامل مع هذه الاستثمارات، فالدول الغربية المصدرة لرأس المال ترى أن انتقال الحر لرؤوس الأموال الخاصة على أسس تجارية يؤدي إلى النمو المتوازن للاقتصاد العالمي، ومن ثم يدعم مجهودات التنمية في الدول المتخلفة. لذا فان هذه الدول تعترض على محاولات الدول المضيفة إخضاع الاستثمار الأجنبي لرقابتها أو فرض قيود عليه، بينما الدول النامية المستوردة لرأس المال لا تحبذ ترك الحبل الغارب للاستثمارات الأجنبية، بل لابد من أن يكون تشجيع هذه الاستثمارات في إطار خطة الدولة الاقتصادية والأهداف التي تبتغي تحقيقها من جراء تشجيعها للاستثمارات الأجنبية مما يقتضيه ذاك من إخضاع هذه الاستثمارات لما تفرضه الدولة من قيود وضوابط تخدم أهدافها القومية.
وبسبب فشل المجتمع الدولي بدا واضحا أن فكرة توقيع اتفاق دولي لحماية الاستثمارات الأجنبية، أضحى أمرا مستعصيا إن لم نقل مستحيلا، لذلك لم يكن أمام الدول إلا البحث عن وسائل قانونية أخرى لتحقيق هذه الغاية ولكن في نطاق أضيف من العالمية فكان الاتجاه نحو إبرام الاتفاقيات الثنائية بغرض حماية وتشجيع هذه الاستثمارات وتعتبر الاتفاقيات الثنائية أهم وسيلة ناجعة لتنفيذ الاستثمارات الأجنبية، حيث أصبحت في العصر الحديث الأكثر استعمالا على مستوى العلاقات الاقتصادية الدولية، ولعل الدور الكبير الذي تضطلع به هو الذي كان سببا رئيسيا في توسعها.
يتمثل دور هذه الاتفاقيات في تطوير النظام القانوني الدولي للاستثمارات الأجنبية من خلال ما تحتوي عليه هذه الاتفاقيات عموما على تعريف جد واسع للاستثمار.وذلك بهدف تمكين الدول المصدرة للرساميل خاصة من ضمان حماية فعالة لها .
كما تنص الاتفاقيات الثنائية في مجال معاملة الاستثمار على مبدأ المعاملة الوطنية وشرط الدولة الأكثر رعاية، وتؤكد تلك الاتفاقيات على أن أفضل المبدئيين يطبق على الاستثمارات المعنية، والنص على هذين المبدئيين يكتسي أهمية خاصة في حالة ما إذا كان البلد المستقبل للاستثمار يمنح للمستثمرين الأجانب مزايا لا يمنحها لرعاياه، كما تلعب الاتفاقيات الثنائية دورا كبيرا في منع الازدواج الضريبي الذي يشكل أهم عقبة تعترض سبيل المستثمر الأجنبي.
أسباب اختيار الموضوع:
مما سبق فقد جاء اختياري لموضوع البحث: “دور الاتفاقيات الثنائية في تطوير مبادئ القانون الدولي لاستثمارات الأجنبية”، و ما دفعني إلى هذا الاختيار عدة اعتبارات منها:
– الأهمية المتزايدة التي اكتسبتها الاتفاقيات الثنائية في العصر الحديث، حيث أصبحت أهم وسيلة فعالة لتنفيذ الاستثمارات الأجنبية.
–إن الاتفاقيات الثنائية تضم أحكام سهلة مماثلة لتلك التي ينص عليها القانون الوطني، وإنها تعطي للمستثمر الأجنبي حرية واسعة ومعاملة أفضل من تلك التي توفرها له المشروعات الدولية لتوحيد القواعد الدولية لمعاملة الاستثمارات الأجنبية.
–إن الاتفاقيات الثنائية تتميز بالمرونة والبساطة والدقة في تحديد الحقوق والالتزامات وتنوعها وذلك لأنها تستجيب لرغبة المتعاقدين وتراعي ظروفهما المشتركة ، من خلال محاولة إقامة وتثبيت التوازن بين مصالح الأطراف المتعاقدة.
–تضم الاتفاقيات الثنائية آليات قانونية سهلة لتسوية النزاعات بين الدولة والمستثمر الأجنبي، فهي تجنب الخلاف بين الدولتين المتعاقدتين حول تكييف وتطبيق أحكام الاتفاقية مما يقلل من المنازعات بينهما، خاصة في ظل عدم توصل المجتمع الدولي إلى إنشاء آليات لهيئة التحكيم العالمية تتولى توحيد الحلول القانونية بشأن منازعات الاستثمار.
–إن ضعف الأنظمة القانونية الوطنية في التصدي للمعوقات التي تعترض سبيل الاستثمارات الدولية، هو الذي شجع إلى اللجوء لإبرام الاتفاقيات الثنائية التي تحتوي على أحكام تكفل للاستثمار الأجنبي الحماية القانونية له، خاصة في منع الازدواج الضريبي.
–ضعف القواعد العرفية الدولية التقليدية في توفير الحماية الضرورية واللازمة للاستثمار.
–إن الاتفاقيات الثنائية تتضمن ضمانات إجرائية لحماية وتشجيع الاستثمار الأجنبي، فهي تحيل إلى التحكيم الدولي الذي يكفل بدوره تسوية النزاعات بطريقة سريعة وسهلة، كما أنها تضفي عليه حماية قوية بخلاف ضعف الحماية القانونية لأنظمة الاستثمار الوطنية، فبالرغم من قيام العديد من بلدان بإصلاحات قانونية، منها منح المعاملة المتساوية للاستثمارات الأجنبية والوطنية، ومنع المصادرة والنص على التعويض السريع والكافي والفعال عند حدوث التأميم، إلا أنها مازالت تعاني من السماح الضمني بالمصادرة التعسفية، ومن ضعف النظام القضائي الذي يفرغ مفهوم التعويض السريع والكافي من محتواه، هذا إضافة إلى أن إلزام المستثمر الأجنبي بإتباع طرق فض النزاعات عبر الوسائل التقاضي المحلية، يجعل ذلك المستثمر أمام قضاء ضعيف ومعيب يقلص من ثقته في مناح الاستثمار.
–إن الاتفاقيات الثنائية تتضمن مسألة حرية إنهاء الاستثمارات التي تعتبر عامل من عوامل تشجيع، حيث تحتوي على حلول وسطى في موضوع الإنهاء، وهي حلول تتمثل أساسا في إمكانية إنهاء المستثمر لمشروعه الاستثماري كليا أو جزئيا، وأن لا تعترض الدولة المستقبلة على ذلك الإنهاء، إلا أنه يمكن لها تنظيم ذلك الإنهاء أخذة في ذلك أهداف خططها الاقتصادية بعين الاعتبار.
تلك هي أهم الاعتبارات التي حملتني على البحث في موضوع:” دور الاتفاقيات الثنائيــــــــــــة في تطوير مبادئ القانون الدولي الاستثـمارات الأجنـــــــبية “، وإثناء انجازي لهذا العمل واجهت العديد من الصعوبات أهمها:
-قلة المراجع والمعلومات المتعلقة بالموضوع ، وخاصة المراجع المتخصصة ، فهو موضوع حديث على مستوى المكتبة الجزائرية على الأقل ولم يلق عليه الضوء سابقا من طرف الباحثين والمهتمين بمجال الاستثمارات الدولية.
-وجود بعض المراجع شبه متخصصة في الموضوع ، ولكن بلغات أجنبية خاصة الفرنسية والإنجليزية وهو ما شكل لي صعوبة كبيرة في مجال الترجمة إلى اللغة العربية لاسيما الترجمة في المعنى.
-إن مجموعة من المراجع العربية تناولت هذا الموضوع ولكن من جانب جزئي ضيق جدا عن موضوع دارستي، فعالجت مسألة الاستثمار الأجنبي والاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف بينما دراسة الاتفاقيات الثنائية تبقى لها خصوصياتها التي تميزها عن غيرها من الاتفاقيات الدولية الجماعية.
-إن ارتباط هذا الموضوع بمواضيع معقدة لها علاقة وطيدة بمفهوم الاستثمار الأجنبي ، خاصة وأن عملية الاستثمار هي عملية مركبة تجمع بين المفهوم القانوني والاقتصادي ، كما أن هذه المواضيع في حد ذاتها متباينة فمنها ذو الطابع السياسي ومنها الاقتصادي بالمعنى الفني ومنها المالي وكذا التجاري ، وهذه الأسباب جميعها تعيق الدراسة النظرية لتطبيق اتفاقيات الاستثمار الثنائية.
تحديد إشكالية الدراسة:
تتمثل المشكلة في أن موضوع البحث عن نظام دولي موحد خاص بالاستثمارات الأجنبية يطرح معادلة صعبة، تتجلى في صعوبة التوفيق بين المصالح المتضاربة للدول النامية و الشركات المتعددة الجنسيات، فالأولى – أعني الدول المضيفة –تسعى إلى خلق مناخ استثماري ملائم من أجل جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية الخاصة، ولا شك أن وجود قدر كاف من الحماية لرأس المال الأجنبي، ووجود طريقة ملائمة لتسوية المنازعات والتعويض عن الأضرار يشكل أحد العوامل الجوهرية في خلق مناخ جيد لنجاح الاستثمارات الأجنبية هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحبذ المحافظة على مبدأ سيادتها، وعدم ترك مجال واسع وحرية للدول المصدرة للرساميل (الشركات متعددة الجنسيات ).
وإذا كان النظام القانوني الذي يحكم الاستثمارات الأجنبية في الدولة المضيفة من شأنه أن يلعب دورا هاما في تشجيع واجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، و يقدم ضمانا لازما لها، غير أن عدم ثقة المستثمر الأجنبي بهذه التشريعات (الأنظمة القانونية الوطنية) جعل منها أداة قانونية غير فعالة.
من أجل ذلك كان من الطبيعي و اللازم البحث عن الوسائل المناسبة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية و بصفة خاصة الوسائل الوسائل التي تمنح المستثمرين الاطمئنان الذي ينشدوه، وذلك لتوفير الضمان والحماية لاستثماراتهم في مواجهة المخاطر غير التجارية التي قد تتعرض لها هذه الاستثمارات في الأقطار المضيفة.
ودعما لهذا الاتجاه فقد ابتدعت عدة وسائل قانونية لإسباغ حماية موضوعية و إجرائية على الاستثمارات الأجنبية في الدول المضيفة ، وذلك استنادا إلى بعض المبادئ القانونية المقررة بمقتضى العرف الدولي من أجل توفير الحماية اللازمة للاستثمارات الأجنبية.
و نتيجة لتطور الحياة الاقتصادية الدولية فقد بدا واضحا عدم قدرة القواعد الدولية التقليدية المقررة بمقتضى العرف الدولي في توفير الضمان الكافي و الحماية اللازمة لرأس المال الأجنبي، لذلك بدا من الضروري البحث عن نظام دولي موحد للاستثمارات الأجنبية خاصة و أن وظيفة القانون الدولي لم تعد تقتصر في المجتمع الدولي المعاصر على تنظيم العلاقات بين الدول فحسب، و غنما أصبحت مطالبة أيضا ببلوغ غاية معينة تتمثل في تحسين الظروف التي تعيشها الشعوب على كافة المستويات عن طريق تنميتها ، فقد تدخل المجتمع الدولي في تنظيم الحركة الدولية لانتقال رؤوس الأموال الأجنبية، ووضع القواعد القانونية الكفيلة بحمايتها، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي.
يمكن القول بصفة عامة أن المحاولات الجماعية متعددة الأطراف تقوم على أساس التسليم بالفوائد التي تعود على جميع الدول من وجود و انتشار الاستثمارات الأجنبية الخاصة، وأنها تتوخى غاية واحدة هي وضع مجموعة من المبادئ القانونية الموحدة بين الدول المصدرة لرؤوس الأموال و الدول المستقبلة لها، تكون بمثابة قواعد دولية تنظم سلوك الدول في مواجهة الاستثمارات الأجنبية الخاصة ، غير أن ذلك قد باء بالفشل ، و لإعطاء الموضوع حقه في الدراسة و التحليل ينبغي تحديد الإشكالية التي تطرح لتكون محلا لتناول الموضوع بالبحث ، فكانت في شكل تساؤلات على النحو التالي:
-ما هي أسباب و دوافع لجوء الدول إلى إبرام اتفاقيات الاستثمار الثنائية؟ و إلى أي مدى نجحت المقاربة الثنائية في تطوير النظام القانوني الدولي للاستثمارات الأجنبية ؟
-ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الاتفاقيات كآليات بديلة و فعالة لتنفيذ الاستثمارات الأجنبية ؟
– هل سيؤدي نجاح الاتفاقيات الثنائية إلى اعتبار الأدوات المتعددة الأطراف والجهود الدولية التي بذلت وسعت في إيجاد نظام دولي موحد للاستثمارات الأجنبية أدوات تجاوزها الزمن؟ ولا تمثل سوى معلما من حقبة انتقالية في تطور القانون الدولي للاستثمارات، وخاصة في ظل التطور الذي عرفته العلاقات الاقتصادية الراهنة؟.
الجواب يتوقف على مدى التقدم الذي تحققه اتفاقيات الاستثمار الثنائية.
منهج البحث:
يتعين على الباحث عند قيامه بإعداد أي بحث بصفة عامة اختيار الأسلوب أو المنهج الذي يمكنه من الوصول إلى النتيجة التي يهدف إليها، ومن جانبنا فقد رأينا من بين مناهج البحث، وهو أسلوب تاريخي وصفي تحليلي، فهو أقرب المناهج إلى تحقيق النتيجة التي نهدف إليها من دراستنا، حيث اعتمدت في دراستي لإنجاز هذا العمل المتواضع على المنهج التاريخي ، حيث استعرضت مختلف التطورات التي حصلت على مستوى الاستثمارات الدولية من خلال الجهود الدولية العالمية و الإقليمية التي بذلت نحو إيجاد نظام دولي موحد و منظم للاستثمارات الأجنبية ابتداء من 1929 إلى غاية آخر المحاولات التي قامت بها منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية OCDE عام 1995.
و التزمت قدر الإمكان التقيد بحدود الإشكاليات القانونية موضوع الدراسة ، معتمدا في ذلك على الأسلوب الوصفي من خلال تعداد حقائق و مزايا و أدوار الاتفاقيات الثنائية الخاصة بحماية وتشجيع الاستثمار الأجنبي ، وكذا الأسلوب التحليلي ، تحليل المبادئ القانونية الخاصة بالحماية الموضوعية و الإجرائية للمال الأجنبي، و المقررة بمقتضى أحكام العرف الدولي لمعرفة مدى كفاية هذه المبادئ في توفير الحماية اللازمة و الكافية للاستثمارات الأجنبية.
كما أجرينا تحليلا لنصوص عدد من الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف والثنائية التي تعنى بحماية الاستثمار وتشجيعه، وعلى ضمان المخاطر التي يواجهها المستثمر في الأقطار المضيفة.
و قد قمنا بمناقشة الأفكار و تحليلها وفق ترتيب محدد من شأنه أن يخرج هذه الدراسة سعيا منا لإضفاء تكامل البناء و تناسق الأفكار قدر ما استطعت، كان واقعنا في ذلك تقديم عمل أكاديمي يضاف إلى سابق الأعمال لتشكل جميعها رصيد علمي متنوع ، يثري المكتبة و ينير السبل أمام كل دارس طالب للمعرفة و العلم.
هدف البحث و خطة الدراسة:
لعل من بين أهم الأهداف التي نسعى لتحقيقها من جراء دراستنا لموضوع البحث ” المقاربة الثنائية لحماية و تشجيع الاستثمار الأجنبي ” تبيان دور وأهمية الاتفاقيات الثنائية في تطوير النظام القانوني للدولي للاستثمارات الأجنبية، حيث تشكل أداة أساسية لتنظيم الاستثمار الأجنبي وحمايته و تشجيعه، حيث أتاح هذا النوع من المعاهدات تحديد ماهية الاستثمار، وكذا ضمان الحقوق المتعلقة به بخصوص حق الملكية، تحويل الأرباح، وكذا التعويض في حال نزع الملكية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عملت هذه الاتفاقيات على رفع الحد الأدنى للحماية الدولية العرفية الموضوعية والإجرائية، وبالتالي ما يميز هذه المعاهدات هو القواعد و الإجراءات الواردة فيها بشأن تسوية المنازعات، بحيث تستبعد تطبيق القواعد المتعلقة بنظام الحماية الدبلوماسية، وذلك إما بالتخلي عن الشروط المتصلة بممارستها أو بالتخفيف منها، ولهذا فهي تسعى لإخراج المنازعات المتعلقة بهذه الاستثمارات بين الدول المستقبلة والمستثمرين الأجانب من دواليب الآلية التقليدية للحماية الدبلوماسية، فالقواعد المتصلة منها بجنسية المطالبات واستنفاذ طرق الطعن الداخلية غير ضرورية هنا، وهذا ما يفضي إلى فرق واضح من نظام الحماية الدبلوماسية، فالأجراء هنا ذو طابع مباشر ودولي، وتعد الاتفاقية متعددة الأطراف لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى أحسن مثال يضرب في هذا الصدد.
وفي نظام تسوية المنازعات الخاصة بالاستثمارات الدولية، وخصوصا عندما تكون العلاقات القانونية تأخذ طابعا عبر دولي، و ذلك غالبا بوجود دولية نامية كأحد الأطراف وشخص خاص ينتمي لبلد مصنع كطرف ثان، فإن الآليات الخاصة بتسوية النزاعات في هذا الإطار تتجنب الوقوع في قاعدة سمو القانون الوطني لأحد الأطراف، وذلك بالخضوع لقواعد دولية خاصة محايدة.
و لذا تنص بعض بنود معاهدات الاستثمار الثنائية على التسوية المباشرة للنزاعات المتعلقة بالاستثمارات التي قد تنشأ بين المستثمر الأجنبي والدولة المستقبلة أمام هيئات تحكيم دولية معينة، أو هيئة منشأة لهذا الغرض أو أمام “المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى”،كما قد تحيل بعض معاهدات الاستثمار الثنائية بخصوص تفسير أو تطبيق نص ذي صلة بالمعاهدة إلى هيئات تحكيم بين دولة جنسية المستثمر (شركة أو حامل أسهم) و الدولة المضيفة، و يكون لكل منهما الحق في اللجوء إلى هذه الهيئات، و هكذا توفر هذه المعاهدات وسائل انتصاف للأفراد المستثمرين تجاريا في الخارج، مما يجعل استثماراتهم أكثر أمنا، بحيث يمكن لهم اللجوء بموجبها مباشرة إلى هيئات تحكيمية في حالة نشوب أي نزاع مع الدولة المضيفة بشأن هذه الاستثمارات، شريطة أن توافق الدولة المدعى عليها و دولة المواطن المستثمر على هذه الإجراء.
و لبيان و جلاء تلك المعاني و الأفكار، ارتأيت معالجة هذه الدراسة ضمن فصلين مقسمين كما يلي:
الفصل الأول: تناولت فيه الأسباب والدوافع الرامية إلى اللجوء لاتفاقيات الاستثمار الثنائية، فكان المبحث الأول منه يخص قصور القواعد الدولية العرفية التقليدية للقانون الدولي في توفير الحماية اللازمة والضرورية للاستثمار الأجنبي، و فيه وقفت على المظاهر التي تجسدت فيها هذه الحماية، ثم التطرق بعد ذلك إلى العوامل التي ساهمت على قصور القواعد الدولية العرفية في حماية الاستثمارات.
أما المبحث الثاني فقد خصص لفشل المجتمع الدولي نحو إيجاد نظام موحد للاستثمارات الأجنبية، و فيه أشرت إلى مظاهر الجهود الدولية سواء على المستوى العالمي و الإقليمي و الوطني في وضع قواعد منظمة للنشاط الاستثماري، ثم ذكرت ذلك في نوع من التحليل إلى أسباب فشل هذه الجهود و المحاولات.
الفصل الثاني: فقد خصص لبيان ماهية الاتفاقيات الثنائية ودورها في تطوير النظام القانوني الدولي للاستثمارات الأجنبية، حيث تطرقت إلى تحديد ماهية الاتفاقيات الثنائية، انطلاقا من المبادئ العامة التي تحكم المعاهدات الدولية وفقا للقانون الدولي، فقمت بتعريف هذه الاتفاقيات الثنائية انطلاقا من المبادئ العامة التي تحكم المعاهدات الدولية وفقا للقانون الدولي، فقمت بتعريف هذه الاتفاقيات، وتبيان الخصائص التي تحكمها وتميزها عن غيرها من المفاهيم والمصطلحات المشابهة لها، ثم تناولت الإطار القانوني لمفهوم الاستثمار في ظل هذا النوع من الاتفاقيات، بالإضافة إلى ذكر القواعد الموضوعية التي تحكم تنظيم الاستثمار في ظل الاتفاقيات الثنائية، وذلك في نوع من التفصيل في المبحث الأول. في حين تطرقت في المبحث الثاني إلى إبراز دور الاتفاقيات الثنائية في تطوير النظام القانوني الدولي للاستثمارات الأجنبية من خلال تبيان دور الاتفاقيات الثنائية في حماية وتشجيع الاستثمار الأجنبي. وفيه تطرقت في فرع أول إلى الحماية الموضوعية للاستثمارات الأجنبية الخاصة في الاتفاقيات الثنائية، والتي تجلت في الحماية الاتفاقية ضد مخاطر التأميم و نزع الملكية، وتناولت بعد ذلك الاتفاق على قدر التعويض وأوصافه.
أما في الفرع الثاني فقد تطرقت فيه إلى الحماية الإجرائية للاستثمارات الأجنبية في اتفاقيات الاستثمار الثنائية ، من خلال تبيان مبررات و أسباب اللجوء إلى التحكيم في ظل منازعات الاستثمار، ثم إلى دور هذه الاتفاقيات في حل منازعات الاستثمار، ثم إلى دور هذه الاتفاقيات في حل نزاعات الاستثمار، بالاعتماد على التحكيم الدولي، إما بصفة متممة أو رئيسية،وقد تطرقت في مطلب ثان إلى حدود الاتفاقيات الثنائية في منع الازدواج الضريبي، و فيه تناولت مشكلة الازدواج الضريبي وأثره في إعاقة المستثمر الأجنبي، ثم إلى مكافحة الازدواج الضريبي في ظل هذه الاتفاقيات ، مع ذكر نماذج بعض الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين دولتين في مجال منع الازدواج الضريبي.
و استعرضنا في خاتمة عامة أهم النتائج المتوصل إليها من خلال هذه الدراسة.
دار الأيام للنشر والتوزيع ، عمان، الأردن، البعة الأولى، 2015.