الأزمة السياسية “البلوكاج الحكومي” أو عندما تصاب الحقيقة في مقتل !
اعداد : حمزة بن جعفر – المركز الديمقراطي العربي
بلغ اللغط الإعلامي ذروته بشأن أزمة تشكيل الحكومة المغربية التي تعيش البلاد على وقعها منذ الإعلان على حصيلة الانتخابات التشريعية لاقتراع 7 من أكتوبر الفارض. فبعد مرور ما يربو عن ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، لم يفلح رئيس الحكومة المعين من طرف الملك لولاية ثانية على رأس الحكومة، السيد عبد الإله بنكيران، في مساعيه من أجل تشكيل أغلبية حكومية جديدة.
لا أدل على خطورة هذة الأزمة السياسة التي تمر منها البلاد، والتي ستكون لها تداعيات سياسية واقتصادية سلبية بفعل تعطيل عمل الحكومة والبرلمان طوال هذه المدة، من الندوة الصحفية التي عقدها بنكيران الأسبوع الماضي وهو يروي على مضض تفاصيل مشاوراته مع نظرائه السياسين لأجل تشكيل الحكومة.
الى حدود اللحظة، لم تؤدي مساعي رئيس الحكومة الى ايجاد مخرج لهذ الأزمة والبادي أن مساعيه وصلت الى الباب المسدود. الأنكى، أن جلالة الملك، أعلى سلطة في البلاد، أرسل مستشاريه قبل ثلاثة أيام فقط للقاء بعبد الإله بنكيران و إبلاغه رغبة الملك في تشكيل الحكومة في أسرع الآجال، وهو ما يضع السيد بنكيران تحت ضغط حرج وفي وضع لا يحسد عليه.
المثير للاهتمام حقا هو الجدل الواسع الذي أثارته هذه الأزمة و الظاهر بجلاء من خلال تضارب القراءات والتأويلات بخصوصها. تتمايز توصيفات أزمة تشكيل الحكومة بين جهة تنعتها “بالأزمة السياسية”، وفي ذلك تحامل مبطن ضد رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية بكونه المسؤول الأول عن عرقلة المسار السلس لسير المؤسسات بعد الانتخابات لفشله في بناء أغلبية برلمانية وحكومية، وبين من يطلق عليها في الجهة المقابلة توصيف أزمة “بلوكاج حكومي” من منطلق السعي الى رفع حرج ومسؤولية بناء التوافق بشأن الأغلبية الحكومية من على عاتق رئيس الحكومة.
وبين هاذين التوصيفين الأيديولوجيين (الأيديولوجيا بمعناها الماركسي الكلاسيكي من حيث هي وعي زائف) الذين تروج لهما إعلاميا أطراف سياسية بعينها في صراعها الدؤوب من أجل السلطة ولأجل استمالة الرأي العام تصاب حقيقة أزمة الوضع السياسي بالمغرب في مقتل.
إن أزمة تشكيل الحكومة بالمغرب اليوم ليس في حقيقة الأمر إلا ظاهرا فوقيا وعرضيا لأزمة بنيوية عميقة من طبيعة النظام المخزني المغربي ونهجه السلطوي في تسيير الدولة.
فالمؤسسة الملكية وجهازها المخزني (الدولة العميقة) قد أفلح ومنذ الاستقلال، بالرغم من كل محاولات الإصلاح الحكومية المتتالية على اختلاف تصوراتها الأيديولوجية والسياسية، في إحباط كل محاولة جادة من أجل بناء دولة مغربية بمؤسسات قوية وديمقراطية، ونخب سياسية نزيهة وفاعلة في عملها السياسي.
لا غرو أن يتكرس واقع الأزمات المشابهة و تنتهي كل محاولات الاصلاح من داخل المؤسسات و في ظل الهامش الضيق الذي يسمح به منطق السلطة المخزنية الى الفشل، وتمنى كل ارادة شعبية في التغيير الديمقراطي بالهزيمة.
إن الدرس الذي، ولو على بساطته، لم يستوعبه بعد المتهافتون على فكرة الإصلاح التدريجي من داخل المؤسسات، وفي ظل هيمنة المخزن، هو أن مشاريعهم من أجل الاصلاح والتغيير لا تملك القدر الكافي من الخصوبة لتحصد مكاسب سياسية مهمة على قدر طموح الشعب في بناء دولة المغرب النزيهة و الديمقراطية الملتزمة بمبادئ الحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية.
إن مسعى التغيير من داخل المؤسسات و تحت رحمة سلطوية المخزن وهيمنته السياسية والاقتصادية والدينية وتعنته في إقرار مبدأ فصل السلط، و عدم رغبته في إشراك مؤسسات الدولة المنتخبة ديمقراطيا في التسيير الحقيقي والفعلي لشؤون البلاد هي الأزمة الحقيقية بما تفوت على البلاد من فرص للتغيير الحقيقي والدمقرطة الفعلية التي يأملها المغاربة.
ما تلزم الاشارة إليه بخصوص هذه الأزمة، هو أن شخص الملك هو الكفيل الوحيد بحلها اذا ماتعثرت جهود بنكيران في تشكيل الحكومة، خاصة وأن الأحزاب الإدارية المشكلة للأغلبية الساحقة في المشهد السياسي دائما على إستعداد للانصياع التام لأمر القصر إما بالتوافق مع بنكيران ومن ثم تشكيل الحكومة، أو رفض التوافق وبالتالي استمرار الأزمة على ما هي عليه حتى يتدخل الملك لتعيين شخص أخر من الحزب المتصدر أولا أو ثانيا في الانتخابات لبدء مشاورات بناء أغلبية حكومية من جديد أو الإعلان عن إنتخابات مبكرة.
وما نشاهده اليوم في مخاض تشكيل الحكومة يوحي بأن القصر الملكي يدفع بشخص عزيز أخنوش، وهو برجوازي بارز مقرب من القصر والذي قدم لرئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار بعد الانتخابات، لفرض شروط الدولة العميقة بشأن تشكيل الحكومة وذلك، كما ورد على لسان بنكيران بنفسه، بإقصاء حزب ألاستقلال، وهو حزب وطني عريق، من الحكومة المقبلة علما أن هذا الأخير أبدى على رغبة جادة في التحالف مع العدالة والتنمية.
بات واضحا أن القصر هو الذي يدفع ببعض أحزابه الإدارية وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار بالخصوص من أجل عرقلة مشاورات تشكيل الحكومة وبالتالي شل مؤسسات الدولة، وذلك للضغط على بنكيران للقبول بشروط الدولة العميقة وبناء حكومة شكلية لا تملك حرية قراره السياسي ليبقي مجال تحكم القصر في المعترك السياسي والاقتصادي والديني والاجتماعي مجالا محتكرا من طرف القصر من خلال تسير أحزابه المشاركة في التوافق الأغلبي الذي سيشكل الحكومة بما يوافق منطق الدولة العميقة.
إن الشجاعة السياسية و التزام الوضوح مع المغاربة، فالوضوح هو الحقيقة على حد قول مهدي عامل، يقتضي من النخب السياسية المغربية مصارحة ناخبيهم وعموم الشعب بواقع الأزمة في حقيقتها لا الالتفاف على الواقع بمخاتلات لغوية مداهنة(أزمة سياسية/ بلوكاج حكومي) تثقل قاموسنا السياسي بتعبير إضافي ليخسر الواقع حقيقة جوهرية.
فالأزمة السياسية الحقيقية إذن ليست أزمة حكومة أو أحزاب بل هي بالأساس أزمة بنيوية من طبيعة نظام المخزن الذي يرفض مشاركته الحكم ومنافسته في مجال السلطة. لذلك فهو يسعى لفرض منطقه في الحكم من خلال فرض حكم توافقي وتشكيل حكومة شكلية تستمد شرعيتها من خلال قناع الديمقراطية والانتخابات بينما يبقى له امتياز الهيمنة و احتكار السلط في الأخير ومن وراء ستار.