إيران تستعد لرؤية انتقال سياسي كبير سوف يؤثر على الشرق الأوسط بأكمله
-المركز الديمقراطي العربي
قد يشكل رحيل الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني ضربة موجعة للمعتدلين والإصلاحيين في البلاد، لأنهم برحيله خسروا أكبر المؤيدين والمؤثرين في المؤسسة الإسلامية.
حيث إن “رفسنجاني كان له تأثير خلال حياته إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في الحياة السياسية، فقد كان قائداً ثابت الخطى بعد الثورة ضد الشاه المدعوم من الولايات المتحدة”.
وأن “نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المفاجئة في عام 2013 والتي جلبت صديقه الروحي حسن روحاني إلى سدة الرئاسة ، أعطت رفسنجاني دوراً في الجهود الاعتدالية التي دعمت جهود روحاني نحو المحادثات النووية المباشرة مع واشنطن”.
لعل الوفاة الغير متوقعة لأكبر هاشمي رفسنجاني هي المشهد الأول على المسرح الانتقالي للقيادة الناشئة في إيران، في مسرحية لم تُكتب بعد على الأرجح مشاهدها اللاحقة. فقد لعب الرئيس السابق دوراً فريداً في ترسيخ نفوذ كل من مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، وخليفته المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفي وقت لاحق، مهّد الطريق أمام بروز محمد خاتمي كرئيس “إصلاحي” بعد أن تبوّأ هو نفسه هذا المنصب لولايتين. وفي عام 2013، فاز تلميذه المشهور حسن روحاني بالرئاسة، بفضل الدعم الحيوي الكبير الذي قدمه له رفسنجاني.
ولذلك فمن المهم النظر في كيفية تبلور العمليات الانتقالية المقبلة في إيران – أي الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2017 والمهمة النهائية المتمثلة بتحديد خليفة لخامنئي المسن – في غياب رجل ترك بصمته تقريباً على كل لحظة مماثلة على مدى العقود الأربعة من تاريخ النظام الإيراني، وتمسّك في سنواته الأخيرة بقدرته على التسبب بمضايقات كبيرة لخامنئي.
نشر معهد واشنطن مقالا تحليلا للباحث “مهدي خلجي” وهو زميل “ليبيتزكي فاميلي” ، ومؤلف الدراسة المقبلة، “القيادة المقبلة في إيران والعالم الشيعي” حول وفاة رفسنجاني حيث يرى أنه يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة أن تستعد لرؤية انتقال سياسي كبير في إيران خلال السنوات الأربع المقبلة، بما في ذلك وفاة آية الله خامنئي وصعود مرشد أعلى جديد.
ويضيف الباحث أنه بغض النظر عما إذا كان هذا الانتقال سيؤدي إلى حدوث تحول فعلي داخل إيران أم لا، فسوف يؤثر ذلك من دون شك على الشرق الأوسط بأكمله.
وأن خلف خامنئي مؤهلٌ ليرث سيطرته الفعلية على الشبكة العسكرية والمالية الشيعية الواسعة في المنطقة، وهذا الواقع – إلى جانب شيخوخة آية الله علي السيستاني، رجل الدين القوي الذي مقره في العراق ويمثل البديل الوحيد المتبقي لطهران من حيث المرجعية الشيعية العابرة للأوطان – يجب أن يضع المرشد الأعلى الجديد في موقع مريح لتوسيع نفوذ إيران في الخارج وتحدي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها بحسب “مهدي خلجي”.
ومن الناحية العملية، من المفترض أن يُملأ المنصبان اللذان شغلهما رفسنجاني كرئيس “مجمع (مجلس) تشخيص مصلحة النظام” وعضو بارز في “مجلس خبراء القيادة” بشخصيةٍ أكثر ولاءً لخامنئي ومعسكر المتشددين التابع للنظام – وهذا ليس بالمستغرب نظراً إلى مطالبته باستبدال منصب المرشد الأعلى بمجلس قيادة.
ولكن تعيين مثل هذه الشخصية لن يفضي بالضرورة إلى توحيد جبهة المتشددين. فإذا زاد تهميش “المعتدلين” في النظام بعد وفاة أحد أبرز داعميهم، من المحتمل أن تظهر انقسامات جديدة في صفوف المتطرفين بينما تناور عدة شخصيات في سعيها للحصول على مناصب من أجل تولي السلطة بعد رحيل خامنئي.
وإذ يوضح الدستور الآلية القانونية لتعيين خلف المرشد الأعلى، لم يصل الخميني ولا خامنئي إلى السلطة بهذه الآلية. فـ “مجلس خبراء القيادة” وأعضاؤه الثمانية والثمانون بلقب آية الله هم المؤسسة القانونية الوحيدة المسؤولة عن تعيين خلفه.
وفي حال وفاة المرشد الأعلى واحتياج المجلس إلى المزيد من الوقت لشغل هذا المنصب، يتم إدارة البلاد من قبل مجلس مؤقت مؤلف من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وعضو من “مجلس صيانة الدستور” يتم اختياره من قبل “مجلس تشخيص مصلحة النظام”.
لكن الدستور لا يأتي على ذكر المهلة الزمنية لانتهاء صلاحية هذا المجلس الثلاثي، وقد يجادل البعض قائلاً إن الإجراء المؤقت لأجل غير مسمى أفضل من مرشد أعلى جديد.
ومع ذلك، ينبغي للمرء أن لا يفترض أن هذا المجلس سيتبنى نهجاً أقل تشدداً من خامنئي – فرئيس السلطة القضائية الحالي والغالبية الساحقة من أعضاء “مجلس الخبراء” و”مجلس صيانة الدستور” جميعهم راديكاليون ثابتون على مبادئهم، كما أن «الحرس الثوري الإسلامي» المتشدد له مصلحة ثابتة بالتحكم بعملية صنع القرار ما بعد خامنئي.
وحتى وجود روحاني لن ينجح في التخفيف من حدة هذه الضغوط المتشددة، على افتراض أنه سيعاد انتخابه في حزيران/يونيو.
ومع أن “مجلس خبراء القيادة” لا ينوي مناقشة إجراءات الخلافة أو المرشحين المحتملين لمنصب المرشد الأعلى بشكل علني، إلا أن أحمد خاتمي وغيره من أعضاء المجلس قد أشاروا كلّاً على حدة إلى إنشاء لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص للنظر في المرشحين المؤهلين وتقديم قائمة مختصرة بالأسماء إلى خامنئي وحده.
لكن بالرغم من السرية العالية التي تتمتع بها هذه القائمة، جرى طرح أربعة أسماء مرشحين بشكل متكرر داخل الأوساط السياسية الإيرانية وفي تحليلات وسائل الاعلام الأجنبية، وهي:
· صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية
· محمود الهاشمي الشاهرودي، عضو “مجلس صيانة الدستور” و”مجلس تشخيص مصلحة النظام” ورئيس الهيئة العليا لحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث
· مجتبى خامنئي، الابن الثاني للمرشد الأعلى
· ابراهيم رئيسي، سادن العتبة الرضوية المقدسة (“مرقد الإمام علي الرضا”)
قد يخيَّل للوهلة الأولى أن الشاهرودي هو المرشح الأنسب نظراً إلى منصبه الديني الأقدم (فهو المرجع الوحيد بين هؤلاء المرشحين) وموقفه الأقل وضوحاً ضد “الإصلاحيين”، الأمر الذي قد يزيد جاذبيته. ولكن خامنئي نفسه لم يكن على الورق كخلف طبيعي لخميني، ولذلك فإن لائحة المؤهلات الطويلة لا تعني بالضرورة حظوظاً أوفر بالترشيح.
والأهم من ذلك هو أن أياً من هؤلاء الأربعة أقل تطرفاً من خامنئي بشأن السياسات الداخلية أو الخارجية.
ومع ذلك، ليس هناك شيء مضمون، فالمرشد الأعلى المقبل قد يكون شخصاً آخر كلياً. ففي مرحلة الخلافة السابقة التي حدثت عام 1989، لم يُعتبر خامنئي سياسياً بارزاً كما أنه افتقر إلى الهيبة والمؤهلات الدينية التي تحلّى بها سلفه. ولكنه لم يُتهم أبداً بالفساد الاقتصادي أو بدور مباشر في انتهاك حقوق الإنسان، أو قمع المعارضين، أو إسكات المنتقدين.
بالإضافة إلى ذلك، كان «الحرس الثوري» الإيراني هيئة مختلفة كلياً آنذاك – فقد كان عبارة عن هيئة عسكرية شعبية لعبت دوراً روحانياً بطولياً في الحرب بين العراق وإيران ولم يكن قد وصل إلى نفوذه الحالي في شؤون النظام.
ومع ذلك، فمن الصعب اليوم العثور على شخصية بارزة، متشددة كانت أم “معتدلة”، لم تتعرض لاتهامات علنية بالفساد الهائل، أو انتهاكات حقوق الإنسان، أو قمع المجتمع المدني (على سبيل المثال، أن كلاً من لاريجاني وروحاني والشاهرودي كان موضع تقارير وبيانات واسعة الانتشار عن الفساد المالي). كما أن «الحرس الثوري» الإيراني قد تحوّل إلى هيئة عسكرية سياسية مالية لها دور رسمي وخفي لا مثيل له في التحكم بكافة جوانب الحياة العامة والاقتصاد والسياسة في إيران.
ولم يعد بوسع النظام الاعتماد بالقدر نفسه على المشاعر الثورية لكسب دعم الشعب الذي يتعاظم استياؤه يوماً بعد يوم. ولذا، فمن شأن هذا النقص في الشرعية أن يحول دون إتمام عملية الخلافة بالسلاسة نفسها التي عرفتها عام 1989.
وثمة تعقيدٌ آخر يكمن في أن العديد من المؤسسات “الثورية” – ليس فقط «الحرس الثوري» الإيراني، بل أيضاً “لجنة الإمام الخميني”، و”مؤسسة المستضعفين وذوي الاحتياجات الخاصة”، وغيرهما – قد خضعت لتحوّلات كبرى على مر السنين. ومن المحتمل أن يُضطرها حجمها الهائل ودورها الاقتصادي/السياسي الحيوي إلى التدخل في آلية الخلافة بدرجة معيّنة.
وهو الأمر بالنسبة للشبكات الضخمة المرتبطة بـ “مرقد الإمام الرضا” التي ستبحث حتماً عن مكانة مميزة في رسم معالم القيادة المستقبلية. ومن المثير للاهتمام أنه قد يُثبت أن رجال الدين – الذين يفترض بهم من الناحية النظرية أن يكونوا الركيزة الأساسية لطابع النظام شبه الديني – هم أقل نفوذاً بكثير في هذه العملية بسبب اعتمادهم المالي والسياسي المتزايد على الحكومة وتراجع شعبيتهم.
وباختصار، بينما كان صانعو القرار الرئيسيون في تعيين خلف المرشد الأعلى في عام 1989 عبارة عن حفنة من الأشخاص النافذين والمتعاونين إلى حد كبير مثل نجل الخميني ورفسنجاني، من المحتمل أن تكون الخلافة المقبلة في يد مجموعة كبيرة من المؤسسات المتنافسة وعلى رأسها «الحرس الثوري» الإيراني.
ونتيجة لذلك، قد تكون هوية المرشد الأعلى المقبل أقل أهميةً مما كانت عليه في الماضي لأن المؤسسات التي ستوصله إلى السلطة سوف تتوقع منه تطبيق أجندتها، وذلك باستخدام نفوذها الكبير لإقناعه بحماية مصالحها فوق كافة المصالح الأخرى.
وفي هذه الحالة، سيكون من المنطقي الافتراض أن «الحرس الثوري» سيكون الخلف الفعلي لخامنئي.
المصدر:معهد واشنطن + المركز الديمقراطي العربي