السلوك التصويتي المصري في مجلس الأمن بين جنوب السودان وفلسطين
اعداد الـسـفـير :بــلال الـمـصـري – سفير مصر السابق لدي جمهوريات أنجولا وساوتومي والنيجر
- المركز الديمقراطي العربي
قام الرئيس المصري بدعوة من الرئيس الأوغندي بزيارة أوغندا ليوم واحد في 18 ديسمبر 2016 , وأثناء لقاءهما في عنتيبي ألقي الرئيس Yoweri Kaguta Museveni كلمة رحب فيها بالقرارالمصري بشأن المساهمة في قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة بجنوب السودان منوهاً بأن مصر ليس بينهما وبين جنوب السودان حدود مُشتركة كحالة أوغندا , ومن ثم فسوف لا تتُهم بالإنحياز في الموقف هناك , يعني في الحرب الأهلية القائمة هناك بين الرئيس Salva Kiir Mayardit ونائبه السابق Rick Machar , كما دعا إلي أن تعيق مصر سياسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (مصر عضو غير دائم حالياً بمجلس الأمن) الرامية إلي فرض عقوبات علي جنوب السودان وهو ما من شأنه إحداث فراغ في القيادة هناك , ومن جانبه أكد الرئيس المصري في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعنتيبي رغبة مصر في أن تكون جزءاً من قوة الحماية الأممية , وعلي الأهمية الإستراتيجية التي توليها مصر لعلاقاتها بأوغندا وللتنسيق السياسي والأمني معها .
إحتلت قضية جنوب السودان إذن حيزاً في مباحثات الجانبين فقد نُوقشت مسألتين إحداهما مثار لإهتمام العسكرية المصرية وهي مساهمة مصر في قوة الحماية الأممية التي تشكل جزءاً من قوات الأمم المتحدة لجنوب السودان UNMISS التي تموضعت بموجب القرار رقم 1996الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 8 يوليو2011 أي قبيل إعلان إستقلال جنوب السودان ثم تجددت بالقرار رقم 2155 الصادر في في 27 مايو 2014 لمواجهة تبعات الموجة الثانية من الحرب الأهلية التي إندلعت في 15 ديسمبر 2013 مما تطلب لاحقاً الدعوة إلي دعم وزيادة هذه القوة حتي بلغ قوامها حالياً 14,000, وإزاء إشتداد وتيرة الحرب الأهلية منذ أغسطس 2016 أقر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2327 لعام 2016 مد ولايتها لعام آخر ينتهي في 15 ديسمبر 2017بعد مفاوضات صعبة بين الأعضاء الدائمين , والمسألة الثانية كانت دعوة أوغندا لمصر حتي تستخدم عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن حالياً لمحاولة الحيلولة دون إتخاذ المجلس قرار حظر السلاح لجنوب السودان والذي تسعي الدبلوماسية الأمريكية إلي إستصداره من المجلس لولا معارضة روسيا والصين له .
الموقف الأوغندي من فرض حظر علي السلاح لجنوب السودان :
عارضت أوغندا مبكراً الموقف الأمريكي المًتجه إلي تمرير مشروعها الذي قدمته الولايات المتحدة لمجلس الأمن الدولي والذي يدعمه الإتحاد الأوروبي أيضاً منذ يوليو 2016 ويتضمن فرض حظرعلي السلاح وعقوبات علي قادة الموجة الثانية من الحرب الأهلية بجنوب السودان , ففي 18 يوليو2016 صدر بيان رئاسي أوغندي أشار إلي معارضة أوغندا لخطة الأمم المتحدة بفرض حظر علي السلاح بدعوي أنه سيُضعف جيش جنوب السودان في الوقت الذي تحاول قواتها إحتواء التمرد عليها , وهو ما أكدته أوغندا مرة أخري في قمة الإتحاد الأفريقي في رواندا في 16 يوليو2016 وأحاطت سكرتير عام الأمم المتحدة بمضمونه , وبالتالي فقد إتفق الموقف الأوغندي مع مواقف مبكرة لمصر وروسيا والصين بالإضافة إلي اليابان مُؤخراً التي كان ومازال موقفها معارضاً لخطة الولايات المتحدة الهادفة إلي فرض حظر أممي للسلاح لجنوب السودان وهو ما كان مثاراً لتساؤل Samantha Power مندوبة الولايات المتحدة الدائمة حيث صرحت في 19 ديسمبر 2016 بأن موقف اليابان المُعارض لحظر السلاح يتعارض مع مساهمتها في الشهر الماضي بقوة يابانية إنضمت إلي قوة الحماية المدنية المُلحقة بالقوة الأممية للأمم المتحدة التي يتطلب الأمر منطقياً فرض حظر علي السلاح حتي يمكن تأمين القوة اليابانية وغيرها , ولإن زيارة الرئيس المصري لأوغندا في 18 ديسمبر 2016 أي قبل أيام قليلة من تجديد الولايات المتحدة محاولاتها لفرض حظر السلاح علي جنوب السودان بموجب مشروع قدمته بالفعل في 23 ديسمبر 2016 , لذلك فقد إنتهز الرئيس الأوغندي – الذي فاز بنسبة 60% بدورة رئاسية جديدة في إنتخابات مطعون فيها جرت في 20 فبراير 2016 – فرصة زيارة الرئيس المصري لعنتيبي ليطلب منه دعم مصر – بإعتبار شغلها حالياً مقعداً غير دائم بمجلس الأمن- لإعاقة أي قرار أممي بفرض حظراً علي السلاح لجنوب السلاح رغم سابق علمه بمعارضة مصر لفرض هذا الحظر لكنه في الواقع كان يستهدف إسباغ قدر من مصداقية يفتقدها في الصراع الدائر حالياً بالجنوب , ففي تقدير الكثير من المراقبين أن الرئيس موسيفيني يقوم بدور مزدوج في الحرب الأهلية الدائرة بجنوب السودان ومن بين الأدلة علي ذلك التصريح الذي أدلي به في 31 أغسطس 2015 Riek Machar قائد حركة تحرير شعب السودان SPLM-IO المعارضة المسلحة للرئيس Silva Kir حيث قال ” إننا نلاحظ أن الرئيس موسيفيني يتخذ نهجاً إيجابياً في تأمين السلام بجنوب السودان , وعندما كان هنا خلال القمة رأيت تغيراً في موقفه وإلتزامه بدعم إتفاق السلام , وأضاف Machar أنه أرسل وفداً من 11 عضو لكمبالا للقاء الرئيس موسيفيني من أجل تعزيز إنخراط أوغندا في تنفيذ إتفاق السلام الموقع بين الحركة والرئيس Silva Kir لوضع نهاية للحرب الأهلية القائمة منذ 20 شهر” , ومن الواضح من الإستدلال علي التحركات الأوغندية تجاه الحرب الأهلية في جنوب السودان أن موسيفيني أميل لإطالتها لإضعاف دولة جنوب السودان وتعميم حالة عدم الإستقرار بها للإحتفاظ بميزة علاقاته العسكرية مع الولايات المتحدة من خلال قيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM التي قد ينافسه فيها جنوب السودان إن كان مُستقراً , كما أن هناك سبب آخر وراء إشادته بالمساهمة المصرية المُحتملة في قوة الحماية الأممية المُلحقة بقوة UNMISSوهو أن موسيفيني في إطار دوره المزدوج يريد نفي ما يتردد عن إزدواجية موقفه الذي تؤكده مجمل تحركاته الدبلوماسية والعسكرية من خلال إرساله لقوة أوغندية دعمت موقف Silva Kir العسكري في مواجهة قوات Riek Machar وهي القوة التي وصفها James Gatdet Dak المتحدث باسم Machar بأنها ” تدافع عن قيادة Kiir السيئة للدولة وتعطيه حيزاً يتنفس فيه وأنهم أي القوة الأوغندية بجنوب السودان تحمي نظام Kiir في Bor وجوبا وتقصف المدنيين بالمدفعية بدون تمييز في أرجاء البلاد وتستخدم قنابل مُحرمة دولياً ” إلا أنه يبدو أن ريك مشار كانت بينه وبين الرئيس الأوغندي قناة إتصال لم تُغلق فعندما فاز بالإنتخابات الرئاسية في فبراير 2016 أرسل له مشار رسالة تهنئة بدون علم الفصيل المتمرد الذي يقوده والذي عبر عن دهشته من تصرف مشار الذي برر أحد مساعديه ذلك بأنه ” ليس هناك ثمة عدو دائم” بالرغم من سبق تصريح أحد أبرز مساعدي مشار في 27 ديسمبر 2014 بأن تواجد القوة الأوغندية في جنوب السودان لمساعدة الرئيس Kiirغير مقبول , كما أن John Ken-Lukyamuzi زعيم المعارضة بالبرلمان الأوغندي ورئيس حزب المحافظين وصف هذه القوة الاوغندية المُرابطة في جنوب السودان UPDF في مقال رأي بصحيفة Ugandan Observer بأنها بمثابة خرق للقانون الدولي مُشيراً إلي أن الرئيس موسيفيني لم يوضح للبرلمان الظروف ولا المبررات التي أدت إلي إرسال هذه القوة . (لأوغندا قوة عسكرية في إطار قوة الإتحاد الأفريقي في الصومال AMISOM منذ عام 2007 تواجه حركة الشباب الصومالي ومن المُقرر إنسحابها من هناك في ديسمبر 2017)
مصر ومشروع القرار الأمريكي بشأن حظر السلاح علي جنوب السودان :
عندما طُرح المشروع الأمريكي بفرض الحظر علي السلاح علي جنوب السودان مُجدداً في 23 ديسمبر 2016 كان مرناً هذه المرة إذ نص علي حظر لمدة عام علي توريد وبيع ونقل الأسلحة والذخائر ومركبات النقل العسكرية والمعدات لجنوب السودان ووضع عدد من القادة العسكريين منهم ريك مشار ووزير إعلام جنوب السودان ميشيل ماكوي ورئيس الأركان بول مالونج علي اللائحة السوداء وتجميد أصولهم وحظر سفرهم , وقد أيد هذا القرار عند التصويت عليه الوفدين الفرنسي والبريطاني إلا أنه ووجه بتحفظات من قبل كل من مصر وأنجولا والسنغال كما رفضته روسيا والصين واليابان وماليزيا وفنزويلا , وبالتالي لم يحظ المشروع بموافقة إجماعية , وذلك بالرغم من التقارير الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تشير وبعضها يؤكد أن ثمة عمليات تطهير عرقي تحدث في جنوب السودان جراء إستمرار تصاعد وتيرة القتال المُتبادل هذا بالإضافة إلي تدفق اللاجئين من جنوب السودان بأعداد مُضطردة إلي دول الجوار ونشوء أزمة إنسانية تتسع , ولهذا أعلن أمين عام الأمم المتحدة Ban ki- Moon عن دعمه لمشروع القرار الأمريكي بإعتباره للحظر أداة تؤدي إلي تناقص قدرة أطراف الحرب الأهلية علي مواصلة الحرب .
ألحت الولايات المتحدة علي ضرورة طرح مشروع الحظر قبل نهاية العام (وكان قد طُرح في نوفمبر 2016 وأُتفق علي إرجاؤه لإفساح فرصة للتفاهم مع الصين وروسيا اللتان تتمتعان بحق الإعتراض) وهو ما تم فعلاً في 23 ديسمبر لكن جهود الدبلوماسية الأمريكية مُنيت بالفشل سواء تلك التي بُذلت في نطاق بعثتها بنيويورك أو التي أُجريت مع عواصم الدول دائمة العضوية وغير دائمة العضوية ومنها مصر والسنغال وأنجولا التي صرح مندوبهاIsmael Abraao Gaspar Martins في 20 ديسمبر 2016 بأن ” هذا القرار ربما لن يُحترم وبالتالي فستنجم عنه مشاكل أخري ” (تعرضت أنجولا إبان الحرب الأهلية 1975- 2002 لقرار أممي في تسعينات القرن الماضي بفرض حظر علي توريد السلاح إليها) , وإذا ما فحصنا موقف مصر من المشروع الأمريكي نجد أنه يستند علي سياسة مصرية ثابتة حيال جنوب السودان مُفترض أنها تتعلق بالأمن القومي المصري مفادها ضرورة دعم جنوب السودان لما له من علاقة بالأمن المائي المصري وتطبيقا لذلك كانت مصر من أول الدول المُؤيدة لإستقلال وقيام دولة جنوب السودان بعد إعلانها في 9 يوليو 2011 وبادرت بتنفيذ مشروعات إعادة إعمار جنوب السودان في مجالات التعليم والصحة والكهرباء والتدريب وإغاثة المُتضررين من الفيضانات والسيول ورفع القدرات وفي مجال الري والموارد المائية , فمصر تري للآن أن جنوب السودان حتي يومنا هذا لم يتخذ موقفاً مُؤيداً للإتفاق الإطاري لمياه النيل الذي وقعته وصادقت عليه برلمانات إثيوبيا وأوغندا وبوروندي وكينيا وتنزانيا ورواندا بالرغم من أن توقيع ست دول من عشر دول تمثل حوض النيل يُسبغ علي هذا الإتفاق قوة قانونية – من وجهة نظر المُوقعين عليه فقد سبق وصرح دانيال ميبوما المتحدث الإقليمى باسم مبادرة حوض النيل ومقرها فى عنتيبى بأنه “وبعد توقيع بوروندي للإتفاق الإطاري في الأول من مارس 2011 بات من الممكن أن تدخل الإتفاقية الإطارية حيز التنفيذ ” , مضيفا أنه وبموجب القانون الدولى السارى كان لابد من أن توقيع ست من الدول الأطراف على الإتفاقية حتي تكون نافذة وهو ما حدث بالفعل , وهو ما يعني في تقديري أن توقيع مُحتمل لجنوب السودان علي هذه الإتفاقية لن يضيف الكثير لكنه فقط سيكون ضربة نفسية لمصر , لكن ومع هذا يبقي السؤال عن ديمومة موقف جنوب السودان إزاء التوقيع علي الإتفاق الإطاري مُثاراً , فبالرغم من تراجع جنوب السودان عن موقف مواتي من التوقيع سبق وأعلنه وزير الموارد المائية بدولة جنوب السودان في 18 يونيو 2013عندما قال ” أن بلاده ستوقع علي الإتفاقية الأطارية قريباً ” , إلا أن مصر مازال يحدوها الأمل في ثبات موقف جنوب السودان الذي إضطر لتجميد حركته بإتجاه التوقيع نظراً لأن الموجة الثانية والأكثر شراسة من الحرب الأهلية إندلعت بين الرئيس ونائبه في 15 ديسمبر 2013 أي بعد أقل من 6 أشهر من هذا التصريح ومن مصلحة نظام Kiir توسيع شبكة الدعم الخارجي له ولذلك كان لمصر منذ بدء هذه الحرب موقف داعم له عسكرياً وسياسياً .
إن الموقف المصري الرافض لفرض حظر علي السلاح لجنوب السودان رغم أنه يتأسس نظرياً علي موجبات الأمن المائي المصري إلا أن ذلك الموقف في تقديري يظل عرضة للجدل فمصالح جنوب السودان الإستراتيجية يعتبر مجالها الحيوي محصوراً بصفة مبدئية في نطاق إقليمها المباشر أي مع أوغندا(رغم الخلاف الحدودي في Moyo) وإثيوبيا وكينيا التي ترد منها وتذهب إليها الحركة التجارية بين جنوب السودان والعالم الخارجي عبر الموانئ الكينية , كما أن مهددات الأمن القومي لجنوب السوداني وهو بالتأكيد مُفتقد حتي إشعار آخر تنطلق من هذه الدول بالإضافة إلي شمال السودان الذي بينه وبين ريك مشار خصم الرئيس Kiir روابط إيجابية أكدها توقيعه وست فصائل مُنشقة عن حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جارانج علي إتفاقية الخرطوم للسلام في 21 أبريل 1997, ومن ثم فإن ما تعتقده القاهرة بأنه مصالح ثابتة لها في جنوب السودان ومع نظام حكم قائم حالياً يتولاه متمردون شقوا عصا الطاعة علي الحكومة المركزية في الخرطوم إلي أن نجحوا بعون إستراتيجي أمريكي من إنشاء دولة داخل شرخ أحدثه الدعم والتعهد العسكري والدبلوماسي والإقتصادي الأمريكي داخل جدار دولة السودان , لكن طبيعتهم المُتمردة تغلبت غليهم فأنشقوا علي أنفسهم تحت وطأة النزعات القبلية التي طالما بقيت هكذا فلن تكون للدولة هوية وطنية أو قومية , هذه المصالح لن تظل ثابتة طالما حكم جنوب السودان قادة تمرد , وهاهم الأمريكيين يتجرعون سم هذه الدولة المُصطنعة بإيديهم فقد نجح الصينيون خصم الولايات المتحدة الرئيسي في أفريقيا من إختراقها إقتصادياً وها هم يستزرعون مصالح في مختلف أوجه إقتصادها .
كذلك لا يمكن إغفال أن الأمن المائي المصري تضرر بقيام دولة جنوب السودان فإتفاق الإنتفاع الكامل من مياه النيل الذي وقعته مصر والسودان بالقاهرة في 8 نوفمبر 1959 لا تلتزم به حالياً حكومة جنوب السودان كما لا تعترف به باقي دول حوض النيل , فقد نص هذا الإتفاق علي الحقوق المُكتسبة في مياه النيل وأقامة المشروعات التي تستغل الفاقد من مياه النيل في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال الواقعة بجنوب السودان كما نص علي تشكيل لجنة فنية دائمة مشتركة تتولي وضع الخطوط الرئيسية لمشروعات زيادة إيراد النهر والإشراف عليها , وحاولت مصر تطبيق ذات المبدأ مع باقي دول النيل لكنها أخفقت , ذلك أن باقي دول الحوض أعلنت مراراً أنها لا تعترف بالإتفاقيات السابقة وأنها تسعي للإتفاق علي إتفاقية جماعية تحقق حصص عادلة ومنصفة من مياه النهر وكان أن وضعت بالفعل إتفاقاً إطارياً وقعته حتي الآن 6 دول نيلية فيما عدا مصر التي ترفضه علناً لتعارضه مع القانون الدولي وعدم إشارته للحقوق التاريخية لها وللسودان , ويُذكر أن الإتجاه الذي تسير عليه دول الحوض الآن هو إنكار مبدأ الحق التاريخي , لذلك ففي تقديري أنه بالرغم من أن حكومة جنوب السودان لم تُوقع بعد علي الإتفاق الإطاري إلا أنها تفعل ما يؤدي للإضرار بأمن مصر المائي لكن بطريقة مختلفة فإحجام جنوب السودان حتي الآن عن إستئناف شق قناة جونجلي البالغ طولها 170 كم والتي توقف العمل فيها بسبب تدمير التمرد الجنوبي للحفارعام 1983ولم يكن مُتبقياً إلا القليل علي إتمامها إلا 30 أو 40 كم منع مصر والسودان من شق القناة لتجميع الفواقد بها ومن ثم الحصول علي زيادة في مواردهما المائية كانت ستوفرها هذه القناة بإستغلال فواقدها البالغة 18 مليار متر مكعب / عام , وعليه فالموقف المصري بدعم نظام Kiir لا يمكن في الواقع إسناده بمبرر المحافظة علي الأمن المائي المصري بصفة مُطلقة أو لوقت أطول , فمن المُتوقع أن تنضم حكومة جنوب السودان للتوقيع علي الإتفاق الإطاري بعد زوال مهددات الحرب الأهلية لنظام Kiir بمعني أن إمتناع مصر عن التصويت علي مشروع قرار حظر السلاح إنما هو تصويت غير إيجابي مضاد لمشروع القرار الأمريكي ويخدم أهداف مصر في الأجل القصير التي ضحت بسخاء بإمتناعها عن التصويت بأهداف الأجل الطويل التي من بينها أهداف تمس أسس العلاقات المصرية الأمريكية التي من مظاهرها إنعقاد جولات من الحوار الإستراتيجي بين الدولتين , ومن المفارقات أن إسرائيل المُتهمة بتوريد السلاح لجنوب السودان – وهي تهمة مُثبتة – كان أولي بها معارضة النهج الأمريكي لحظر السلاح , لكن المعارضة صدرت عن مصر عندما إمتنعت عن التصويت بالرغم من أنه ليس من مصلحتها علي الأمد الطويلتدفق السلاح لجنوب السودان وإستمرار عدم الإستقرار في جنوب السودان .
مصر وقرار مجلس الأمن بشأن قوة الحماية الأممية في جنوب السودان :
كان لمصر موقفاً ثابتاً حيال قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان فقد سبق لها أن إمتنعت عن التصويت عندما طُرح موضوع تشكيلها إتساقاً ودعماً من مصر لموقف الرئيس Kiir الرافض لدعم قوة حفظ السلام الأممية لجنوب السودان UNMISS وبررت مصر موقفها ذاك بأن ” الضرورة العملياتية والعملية كانت تستدعي موافقة حكومة جنوب السودان قبل تقرير تمركز هذه القوة هناك ” , وفي الحقيقة فإن مصر وعلي قاعدة من التنسيق مع حكومة جنوب السودان وضعت في إعتبارها السبب الذي أعلنه الرئيس Kiir في معارضته لتمركز هذه القوة وهو أنها تتعارض مع سيادة دولة جنوب السودان مع علمه المُسبق بأن هذه القوة تصر الولايات المتحدة علي تشكيلها بسبب تدهور الأوضاع الأمنية بالجنوب , ولذلك قادت الدبلوماسية الأمريكية في الربع الثالث من أغسطس 2016 جهوداً تفاوضية في الأمم المتحدة لإستصدار قرار من مجلس الأمن للترخيص بزيادة إضافية لقوة حفظ السلام الأممية بجنوب السودان UNMISS بواقع 4000 عنصر للحماية ولتأمين العاصمة جوبا ودعم القوة الأممية لجنوب السودان UNMISS المتواجدة هناك بالفعل وقوامها 12,000 رجل وقد صدر هذا القرار بالفعل عن مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2304بتاريخ 12 أغسطس 2016 مُتضمناً تجديد مهمة قوة حفظ السلام القائمة بالفعل في جنوب السودان حتي 30 يونيو 2017 , كما رخص بدعمها بعدد إضافي لتعزيز حماية المدنيين , وقد صوت ممثلي 11 دولة عضو بالمجلس بالموافقة علي القرار فيما إمتنع عن التصويت ممثلي الصين وروسيا ومصر وفينزويلا , وبالرغم من نجاح الجهود الأمريكية التي بُذلت لتمرير قرار الدعم العددي للقوة الأممية بجنوب السودان إلا أن قوة حفظ السلام في جنوب السودان UNMISS ذاتها مازالت عرضة للإنتقاد لضعف أداءها ميدانياً ولهذا أصدر أمين عام الأمم المتحدة قراراً في مستهل نوفمبر بعد الإطلاع علي تقرير رُفع إليه في الأول من نوفمبر 2016 بإقالة قائدها الكيني , فقد تضمن التقرير إنتقاداً شديداً لضعف رد القوة الأممية علي الهجوم الذي تعرض له المبني التابع للأمم المتحدة بالعاصمة جوبا والمُخصص لإيواء نحو 27,000 نازح جنوبي مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 73 جنوبي , هذا بالإضافة لأوجه قصور أخري , وإزاء هذا الأمر أعلنت الحكومة الكينية في 2 نوفمبر2016عن سحب مساهمتها في هذه القوة والتي تبلغ 1,000 جندي إحتجاجاً علي إقالة قائد القوة بدون التشاور المُسبق معها , ولذلك كان لابد من ربط هذا الهجوم بموضوع حظر السلاح , ذلك أن القوات الموالية للرئيس Kiir وفقاً لتقرير سري صادر عن الأمم المتحدة – حصلت وكالة أنباء Associated Press علي نسخة منه في سبتمبر 2016 – هي التي قامت بالهجوم بتوجيه من مستويات عليا بحكومة Kiir وإن دل ذلك علي شيئ فإنما يدل علي (1) أن Kiir يأمن العقوبة أو علي الأقل يعلم أن حبال الصبر الأمريكية عليه طويلة نسبياً و(2) أن موردي السلاح لنظام Kiir ومنهم الصين وروسيا وإسرائيل ودول بحوض النيل يعلمون بدرجة أو بأخري أن الوقت مبكر للخشية من إثارة موضوع حظر السلاح المُرتبط بإقتراف جرائم حرب , كما أنهم واثقون من أن حق الإعتراض لدي روسيا والصين كفيل بكبح الرغبة الأمريكية لفرض هذا الحظر .
لكن وفيما يتعلق بقوة الحماية الأممية إستطاعت الولايات المتحدة في النهاية وبعد مفاوضات شاقة تضمنت تسويات ومقايضات مع روسيا والصين تجاوز رفضهما والتوصل معهما إلي حل وسط بإمتناعهما عن التصويت وهو الإمتناع الذي إن صدر من قوتان لهما حق الإعتراض أو VETO فسيعني الموافقة فيما يمكن إعتبارإمتناع مصر عن التصويت بمثابة ممانعة لكونها لا تملك حق الإعتراض أما إمتناع فينزويلا فيتسق مع علاقتها السلبية مع الولايات المتحدة , وعلي هذا الوضع تم إقرار مشروع قرار دعم القوة الأممية بقوة حماية قوامها 4,000 رجل وبالتالي أذاب الجهد الدبلوماسي الأمريكي مقاومة الرئيس Salva kiir فصدر القرار 2327 لعام 2016 مُتضمناً إشارة إلي إمكانية النظر في فرض حظرعلي السلاح وأخري لتقوية ولاية هذه القوة بسلطات إضافية لحماية المدنيين والتعبير عن النية للنظر في عقوبات ضد كل من يقترف أفعالاً تقوض السلام والإستقرار والأمن في البلاد , وتوازي مع الجهد الدبلوماسي الأمريكي مع أعضاء مجلس الأمن ومع الوفدين الصيني والروسي بصفة خاصة ممارسة الأمريكيين لضغوط مصحوبة بتهديدات مؤثرة وجهوها للرئيس Kiir مما إضطره في النهاية إلي الإذعان بالرغم من رفضه العلني في بداية طرح المقترح الأمريكي لتمركز قوة حماية أممية في جوبا بدعوي أنه سيؤثر سلباً علي سيادة الدولة , إلا أنه قبل مُرغماً جراء مزيج من الضغوط والوعيد الأمريكي , ما يعني تناقص قدراته قياساً علي البأس الأمريكي الذي يمكن لو مُورس كاملاً علي دولته الهشة لأنهارت .
لكن الملفت للنظر في الموقف المصري الممتنع عن التصويت Abstaining أو غير الإيجابي للولايات المتحدة فيما يتعلق بإتشاء قوة الحماية أنه لم يمنع الحكومة المصرية من الإحجام عن طلب المشاركة في هذه القوة للإتساق مع نفسها علي الأقل , لكننا وجدنا الرئيس موسيفيني يثني علي ” القرار” المصري بالمساهمة في هذه القوة , وإذا ما كان ترحيب الرئيس الأوغندي بهذا القرار المصري – والذي يدعم الأمل المصري بإستخدام مكانة الرئيس الأوغندي لدي الأمريكان كي يستجيبوا لقبول هذه المساهمة بالرغم من سبق إمتناعها عن التصويت الإيجابي – مفهوماً بإعتبار أنه يلعب علي مسارات مُختلفة وربما مُتعارضة ويستطيع ذلك , لكن ما هو مبرر القرار المصري بالمساهمة فيها بعد إقرار مجلس الأمن لهذه القوة بالرغم من سبق معارضة مصر لها أو إمتناعها عن التصويت عليها بالإتفاق مع الرئيسين Kiir وموسيفيني لإعتراض سبيلها عند التصويت علي مشروع القرار بشأنها في مجلس الأمن ؟ في الواقع هناك إجابات متعددة منها مثلاً أن مصر وإستخلاصاً منها للمزايا المتعددة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المُوقعة في 26 مارس 1979, كان عليها أن توزع طاقات العسكرية المصرية غير المُستغلة بناء علي ذلك في إنشطة ليست بالضرورة ذات علاقة ما بالأمن القومي المصري كان منها المساهمة في قوات حفظ السلام التابعة للإتحاد الأفريقي و / أو الأمم المتحدة , ففيما يتعلق بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتي يبلغ مجموع أفرادها حتي 31 أغسطس 2015 نحو 106,506 منهم 91,132 من العسكريين و1,811 خبير عسكري و13,563 يتوزعون في 24بلد من خلال 37 بعثة أممية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا , ولذلك سعت مصر – وهي من أوائل الدول الأفريقية التي ساهمت في عمليات حفظ السلام بالقارة عندما أرسلت قوة عام 1960 للكونجو إبان الأزمة السياسية بها – إلي تكثيف مساهماتها بهذه العمليات خاصة بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل حتي بلغ مجموع مساهماتها 30,000 رجل بمكونين عسكري وشرطي , وأصبحت مصر بذلك خامس أكبر مساهم بعمليات حفظ السلام الأممية منها العملية الهجين (الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة) في دارفور والتي كان قوامها 19,550 فرد وهي التي عملت مصر في أكتوبر 2007 علي زيادة مساهمتها فيها بدعم من حكومة السودان وثار بشأن هذه المشاركة المصرية تحفظ أو جدل لأن إدارة عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة تستعين بعدة معايير لتقرير المشاركة والعدد ونوع المشاركة ومن هذه المعايير المعيار الدولي ومعيار التوازن الجغرافي .
العلاقة بين التصويت المصري في شأني جنوب السودان وفلسطين:
بإعتبار أن قضيتي القرار الأممي بإضافة قوة حماية المدنيين لقوة الأمم المتحدة لجنوب السودان UNMISS ومشروع القرار الأمريكي حظر السلاح لجنوب السودان من جهة وقضية مشروع القرار الذي سحبته مصر قبل طرحه علي مجلس الأمن والخاص بتعليق أو وقف المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية من جهة أخري مختلفتين موضوعياً إلي حد ما إلا أنه وبتمرير خط بياني بين الموقف والأداء التصويتي المصري علي هذه القضايا الثلاث في مجلس الأمن يمكن إستنباط بعض تداعيات التصويت المصري عليها في مجلس الأمن وأورد بعضها علي النحو التالي :
1- أن المسافة الحقيقية بين موجبات الأمن القومي المصري والتصويت علي القضايا الدولية والإقليمية المُتصلة به تتباعد بإضطراد , فمصر التي لم تحز بعد ضماناً من حكومة جنوب السودان بعد إنفصالها عن السودان في 9 يوليو 2011 بالحفاظ علي أمن مصر المائي , إذ لم تعلن حكومة جنوب السودان رسمياً أو تتصرف علي أنها مُلتزمة بإتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل الموقعة في نوفمبر 1959 بين مصر والسودان علي الأقل بناء علي قاعدة توارث المعاهدات , كما أنها لم تبد ميلاً لإستئناف شق قناة جونجلي حتي يمكن لمصر والسودان زيادة مواردهما المائية التي من المُؤكد تناقصها بالنسبة لمصر بعد إتمام سد النهضة الإثيوبي , وهو وضع يضع شكوكاً في ثبات الموقف الجنوب سوداني من الإتفاق الإطاري الذي ينكر علي مصر والسودان حقوقهما التاريخية في مياه النيل , إذن فموقف جنوب السودان في مياه النيل مُتجه لأن يقبل القسمة علي عشرة وليس علي ثلاث منهم حكومة السودان وبينهما عداء مصيري , وفي إتجاه آخر قامت مصر – وبدون الحصول علي أي مكاسب إفتراضية من الكيان الإسرائيلي – بسحب مشروع كان من المُقرر أن تطرحه علي مجلس الأمن للتصويت عليه ويتضمن إدانة ومطالبة إسرائيل ” بتعليق الأنشطة الإستيطانية في الضفة الغربية من أجل إنقاذ حل الدولتين” , وكان الوفد المصري قد وزع مسودته في مساء 21 ديسمبر علي أعضاء مجلس الأمن الدولي ثم سحبه وأرجئ التصويت عليه مُبلغاً أعضاء المجلس بذلك يوم التصويت عليه , وهو تصرف أشادت به إسرائيل وأشارت الأنباء إلي أن مصر قررت سحب المشروع بعد إتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي المُنتخب Donald Trump والرئيس المصري , لكن ما حدث وأضر أبلغ الضرر بالموقع الفريد والتاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية أن المشروع بعد سحب مصر له تقدمت به دول أخري غير عربية هي فينزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلاند (التي لها تاريخ غير إيجابي في التصويت علي قرارات تخص القضية الفلسطينية) وحازعلي إجماع أعضاء مجلس الأمن فيما إمتنعت الولايات المتحدة عن التصويت مما يعتبر موافقة ضمنية منها عليه في أول سابقة من نوعها في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية , فالقرار إعتبر المستوطنات الإسرائيلية انتهاكا للقانون الدولي وعقبة أمام تنفيذ حل الدولتين , وبالنظر إلي أهمية هذا القرار في دعم الموقف العربي من قضية فلسطين فإن سحب مصر له ينطوي علي دلالات في منتهي السوء منها أن مصر أعلنت إنحيازها لمجمل الرؤية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية التي لم تعد مركزية والحالة هذه للسياسة المصرية , كما أن النقطة التي إنتهي عندها النزاع المصري السعودي بشأن قضية تيران والتي كانت من الوجهة العسكرية المصرية تعتبر سلاحاً بحرياً مُستقلاً بذاته بقدر ما هي مفتاح مدخل خليج العقبة حيازة مصر له مكنتها من خنق ميناء إيلات المُطل علي هذا الخليج , مما يعني أن هناك ثمة هضم مصري للرؤية الإسرائيلية أدت إلي توقيع إتفاق الحدود البحرية بين مصر والسعودية في إبريل الماضي ومن ثم التنازل عن جزيرة تيران للمملكة السعودية , وكانت تلك في تقديري المقدمة المنطقية لسحب مصر لمشروع إدانة الإستيطان الإسرائيلي الذي تقدمت به نيابة عن المجموعة العربية بالأمم المتحدة .
2- أن قرار مصر المساهمة في قوة الحماية للمدنيين بجنوب السودان الذي وضعته الولايات المتحدة والذي إمتنعت مصرعن التصويت لصالحه مع دول أخري أدي إلي سحب الكثير من رصيد مصداقية الموقف المصري جراء إتخاذ قرار المشاركة في هذه القوة بعد نجاح الولايات المتحدة في إستصدار مجلس الأمن قرار دعم القوة المتواجدة بقوة حماية للمدنيين في جوبا بعد أن إمتنعت روسيا والصين عن التصويت ضده, وبغض النظر عن تحقيق مصر لهذه المشاركة في قوة الحماية بوساطة أوغندية مع الأمريكان أو بدونها , فإن إمتناعها عن التصويت وهو وحده أي بدون الإمتناع الروسي الصيني غير مُؤثر , لم يكن إلا إستجابة غير مدروسة للعواقب من الجانب المصري وقد تكلفه الكثير بشكل ما لدي الولايات المتحدة بل ولدي حلفاؤها بحلف الأطلنطي ومعظمهم بالإتحاد الأوروبي , وقد أكدت (الدبلوماسية المصرية) بهذا السلوك التصويتي خروجها عن المقاييس والمعايير التقليدية والتاريخية الثابتة عندما كررت نفس الخطأ بإمتناعها عن التصويت علي مشروع القرار الأمريكي بفرض حظر علي السلاح لجنوب السودان وإنضمت بإصرار (حيث لم تكن هذه هي المرة الأولي لطرح الولايات المتحدة لهذا المشروع) لدعم الموقف الروسي والصيني الذي يعكس مصالحهما الكثيفة مع الحكومة القائمة بجنوب السودان والتي لا يمكن مقارنة المصالح المصرية بها , لذلك لم يكن كافياً الإصرار المصري علي التنسيق مع الرئيس Kiir والإتفاق معه أو التماهي معه بالإمتناع عن التصويت علي المشروع الأمريكي , لأنه وببساطة لا يملك قدرة حقيقية لمواجهة غضب وبأس الولايات المتحدة , كما أنه مما يدل علي التقدير الروسي والصيني المُتدني للرئيس Kiir أنهما وبعد عملية تسوية أو مقايضة مارستها الولايات المتحدة معهما للإمتناع علي التصويت علي مشروع قرار دعم قوة الحماية للمدنيين بجنوب السودان وافقا بعد فترة من الإعتراض فتم تمرير هذا القرار بدون أن يأبها برأي الرئيس Kiir الذي أذعن هو نفسه وقبل في النهاية بنشر هذه القوة في جوبا .
3- بإعتبار إستحالة التطابق بين مقومات وأهداف الأمن القومي المصري والأوغندي , وهو ما يؤكده من بين عناصر متعددة توقيع أوغندا للإتفاق الإطاري لمياه النيل الذي لا تعترف به مصر لإنكاره حقوقها التاريخية , فإن موقف أوغندا من قضيتي قوة الحماية وحظر السلاح لجنوب السودان مُؤسس علي موقع أوغندا الجغرافي والأمني من قضايا شمال السودان وجنوبه وهو جد مختلف بل شديد الإختلاف عن موقع مصر من هاتين القضيتين , يُضاف إلي ذلك شخصية الرئيس موسيفيني الخلافية في أفريقيا , بمعني أنه كان علي(الدبلوماسية) المصرية توخي الحيطة والحذر من الإستجابة والتماهي مع وجهات النظر الأوغندية فبعد توقيع ومصادقة 6 دول نيلية منهم أوغندا علي الإتفاق الإطاري لم يعد إلا القليل معهم لتخسره مصر التي إستبدلت هذه الخسارة بخسارة فادحة لكن من نوع آخر مع الولايات المتحدة عندما إمتنعت – وكانت تستطيع الموافقة – عن التصويت علي مشروع القرار الأمريكي بحظر السلاح وقبله إمتنعت عن التصويت علي قرار أمريكي آخر بإنشاء قوة الحماية في جوبا مما لابد أن تراه الإدارة الأمريكية إنحياز لموقف رئيس جنوب السودان الذي تقدر الإدارة الأمريكية أنه يُفضي إلي إستمرار الحرب الأهلية بوتيرة مُنتظمة بجنوب السودان , و / أو أنه إنحياز للموقف الروسي الصيني المُناهض للولايات المتحدة .
4- كانت مصر حتي في ذروة تدني علاقاتها مع الخرطوم في الفترة من 1992 حتي عام 2000 تبدي بعض الحرص علي موجبات أمنها القومي التي من بينها تجنب إضعاف الدولة السودانية فعندما جرت محاولة إغتيال الرئيس المخلوع مبارك في أديس أبابا في 26 يونيو 1995 لم تستجب مصر لدعوات تحريضية أمريكية لإدانة حكومة السودان ووصمها بالإرهاب في الوقت الذي ردد فيه قطاع كبير من الإعلام المصري غير المُؤهل وكال للسودان تهم الإرهاب والإجرام والتطرف ألخ , وكان هذا الموقف الرسمي المصري يعي أن السودان يُشكل لمصر الرقم الأكبر في أمنها المائي بل والديموجرافي في قول آخر , فهي الدولة الوحيدة التي ترتبط مصر معها بإتفاق مُنتج بشأن مياه النيل وُقع عام 1959 الذي نشأت عنه اللجنة الفنية المُشتركة الدائمة لمياه النيل التي تجتمع دورياً في القاهرة والخرطوم , أما أوغندا أو حتي إثيوبيا فلا يربط مصر بهما من الوجهة السياسية بصفة رئيسية حالياً إلا تهديدهما لموجبات الأمن القومي المصري وما الإتفاق الإطاري الذي وقعته هاتين الدولتين مع 4 دول أخري إلا دليلاً علي ذلك , لهذا أري أن السياسة المصرية تقفز الآن وبدون تحسب للعواقب علي حقائق سلبية إستجدت ونمت في العلاقات بينها وبين دول حوض النيل بل وأفريقيا بسبب سوء الإدارة السياسية و تناقص القدرة علي إتخاذ القرارات بعد ربطها بموجبات الأمن القومي المصري , الأمر الذي يتطلب عملية تصويب للإدارة السياسية ولعملية إتخاذ القرارات معاً وبكوادر مختلفة عن الكوادر الحالية التي سمتها الرئيسية القدرة الفذة علي إقتراف أخطاء تمس أمن مصر القومي .