الجماعات الاسلاميةالدراسات البحثية

أدب الإرهاب : ثقافة تنظيم “داعش” والتربية على القتل

اعداد:  م.د حسن سعد عبد الحميد – كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد :

يشكل التعليم أحد اهم عناصر التنمية البشرية والاستقرار المجتمعي ، وهو اساس المجتمع ومن خلاله تكتسب المعرفة وتتناقل جيلاً بعد جيل . إذ يسهم التعليم في الحفاظ على حياة المجتمعات وتجديدها واتاحة الفرص أمام الإنسان لاكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لضمان المستقبل الامثل له ، وتعبر عن نوعية حياته مستقبلاً . فالتعليم يقود إلى التفكير والذي بدوره يقود إلى العمل والابداع .

ومن هنا تتضح اهمية التعليم فضلاً عن خطورته في حال تعرضه لأزمات وهزات عنيفة قد تطيح بدوره التربوي المنشود والسليم بسبب عدم الاستقرار السياسي واضطراب الوضع الأمني وانتشار الإرهاب والفكر المتطرف . وبقدر تعلق الأمر بالعراق يعد التعليم فيه قوة منتجة لمواجهة التحديات وتحديد نقاط القوة والضعف في مجتمعه ، حيث تعرض ذلك البلد ومنذُ (2003م) إلى جملة من التغيرات السياسية والاجتماعية والتي انتجت جدلاً كبيراً حول الهويات والصراعات المتعلقة بالمذهب والطائفة والدين ، والتي ولدت من رحمها لاحقاً ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني بدءاً من القاعدة وصولاً إلى تنظيم داعش الإرهابي ، ذلك التنظيم الذي عاث فساداً بالنظام التربوي العراقي في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته لمدة طويلة وفق رؤيته التعليمية العنفية في التفكير والتلقين والسلوك ، ليصبح الفكر التربوي الداعشي من ابرز مهددات الامن المعرفي العراقي مستقبلاً .

ومن خلال هذه الورقة البحثية نسعى الى التعرف على واقع النظام التعليمي الذي اتبعة داعش في المجتمعات التي كانت تحت سيطرته ، ومعرفة طبيعة المناهج التي كان يتبعها في التعليم للاطفال والشباب في المدارس ومدى تأثيرها على سلوكهم مستقبلاً وانعكاساتها المستقبلية أمنياً واجتماعياً على العراق ، فضلاً عن تحديد سبل التعامل معها واحتواءها مستقبلاً .

أهمية البحث:

تتجسد أهمية البحث باهمية المرحلة التي يمر بها الأمن الوطني العراقي في سعيه للقضاء على ما تبقى من تنظيمات إرهابية ، وسعيه الجاد لوضع حلول وسياسات لمعالجة مخلفات الإرهاب التي اصابت المجتمعات التي كانت تحت سيطرته تعليمياً وتربوياً ووضع خطط علاجية لها . كما تكمن اهمية البحث في مساعدة صانع القرار العراقي في وضع سياسات وبدائل عدة لحماية الواقع التعليمي والتربوي في العراق من تهديدات الإرهاب والارهابيين .

مشكلة البحث:

تتضح مشكلة البحث في فكرة اساس مفادها أن للتنظيمات الإرهابية استراتيجيات محددة في الجانب التربوي في غسل دماغ الناشىء وتهيئته لبيئة التطرف فكرياً وبدنياً ، فضلاً عن امتلاكهم برامج واضحة لتربية الاجيال على القتل والعنف في ظل غياب البرامج المضادة .

فرضية البحث:

أن التعليم هو حجر الاساس للمجتمعات المتقدمة والمستقرة ، وأي خلل يصاب به سينعكس سلباً على واقع تلك المجتمعات ، مما يحتم عليها وضع ستراتيجيات متنوعة لمواجهة تلك التهديدات وإلاَ كان العنف والارهاب هو المنطق السائد بها .

منهجية البحث:

ولكي يستقيم عرض الورقة البحثية بصورة علمية ومنهجية كان لزاماً الاعتماد على منهج بحثي واضح لتحقيق الغرض الاساس من كتابة هذا البحث ، لذلك وجد الباحث في المنهج الوصفي التحليلي الأنسب في عرض افكار البحث بصورة علمية ومنسقة .

أولاً :المنهج التعليمي للعقيدة الإرهابية

منذُ ظهور تنظيم داعش وإلى اليوم اصبح العالم عموماً والعراق خصوصاً على ادراك جيد للاساليب الإرهابية الهمجية التي تنتهجها تلك الجماعة ، وفي هذا المحور نسعى لتسليط الضوء على طبيعة المناهج الفكرية والتعليمية للإرهاب في ظل الافتقار البحثي للدراسة المنهجية لتلك المناهج والكتب.

تشتمل مناهج تنظيم داعش الإرهابي كتباً دراسية وكراسات ورقية ومنشورات اخرى تدل على وجود اسلوب منهجي لكيفية عرض المواد الدراسية من اجل تبرير عقائدها التافهة الخاصة بتشجيع العنف ، والتحريض على اتباع ممارسات شيطانية تعتبرها داعش من صميم الايديولوجية الإسلامية حسب تعبيرهم . حيث تتوزع اصدارات داعش بين كتب تعالج مواضيع دينية في القرآن والشريعة والعقيدة الإسلامية ، وكتب واصدارات خاصة بالاعداد البدني والمهارة العامة كالاستعداد البدني ، الرياضيات ، اللغة العربية ، النحو . ففي ما يتعلق بالاصدارات الدينية يسعى تظيم داعش الإرهابي إلى اضفاء الطابع السلفي عليها وتدعيشها ( إذ جاز التعبير ) ، والعمل على تعميق فهم افراده بها ، وإعادة تعريف الإسلام وفق مدرستها الفكرية باعتبار داعش هي الجهة الوحيدة المخول لها تطبيق تعاليم الإسلام ، والعمل على ايجاد المبررات للإرهاب والعنف ضد كل من يعيش خارج اراضي داعش أو ترفض الدخول في عقيدتهم .

أن اصدارات داعش الدينية* تعمل على المزاوجة بين الصفاء السلفي وبين تمكين داعش باعتباره الجهة المطبقة للإسلام الوحيدة ، ووصف من يرفض الاعتراف بها بانهُ غير مسلم وهمجي أو مسلم مزيف . حيث تركز تلك الاصدارات على اعادة برمجة المنهج الإسلامي الصحيح وفق المنهج الداعشي والترويج لافكار منظريها تحت عنوان الدعوة الجهادية الحقة . وبهذا المجال

أشارات الباحثة المتخصصة ( نهى الدرويش ) إلى ان المنهج التعليمي لداعش في العراق يعمل

* بهذا الصدد أشار الباحث ( يعقوب اوليدروت ) في احدى اصداراته إلى ان طبيعة ايديولوجية داعش يمكن ان نفهمها من خلال منشوراتها التعليمية ، فتلك الجماعة تمتلك على الإقل دار نشر واحدة متعددة الافرع ، وهذه الدار تتولى مهام نشر وطبع المناهج الخاصة بالتنظيم ، مما يعزز من اهمية تلك المطبوعات الفكرية لما تضيفه على التنظيم الإرهابي من شرعية دينية تساعدهُ على التمدد والبقاء . وتخضع هذه المنشورات لجمع وتنقيح المعلومات ومراجعة تحريرية وتحت اشراف قيادات التنظيم التنظيرية .

على المزاوجة بين التربية الروحية والتربية البدنية ، فالتربية الروحية تتجسد في المسجد الذي يعد المسكن الروحي للتنظيم ومنها تنطلق سلوكيات داعش في محاربة دور السينما ومحلات بيع الخمور والكثير من الفتاوي الضالة ، اما التربية البدنية فهي تعتمد على اسلوب التدريب الجماعي وممارسة فنون القتال في اجواء صراعات وتحمل نفسي(1) . كما أشارت الباحثة إلى ان هدف التنظيم من مناهجه وكتيباته التعليمية هي نقل ايديولوجيته والمحافظة عليها وديمومتها ، ويتم ذلك عبر نشر كتب فكرية ودعوية وتربوية ترسخ لدى المتعلم الخاضع تحت سيطرة التنظيم من هو الاخر الكافر ، فضلاً عن تعليمه عقيدة ومنهج الولاء والبراء ، أي الولاء للعقيدة الداعشية والبراء من كل من عاداها ، حيث يركز التنظيم على الاعتماد على المصادر الاصلية لفكر التكفير والغاء كل افكار المفكرين الاوائل من غير الاصوليين ورفضهم وتصنيفهم بوصف علماء الطاغوت والسلطان ، وعدهم جزء لا يتجزأ من منظومة الظلم والحكم بغير ما انزل الله(2) .

وفي سبيل تحقيق تلك الافكار تحرص داعش على تبني مناهج معينة وتلقينها للآخرين ولو بالقوة ، كما أن لديها خططها الخاصة في اعداد وتأهيل المعلم والمدرس الداعشي لأجل ترسيخ فكرة التيار الجهادي الداعشي لديه ، وحثه على إعادة برجمة مصطلحاته وافكاره بما يتناسب مع عقيدة التنظيم الإرهابي في حالة اشبه بالغسيل الدماغي . إذ يتم تلقينه الفكر التكفيري والتاريخ الجهادي أولاً ، ومن ثم تزويده بالمعلومات عن منهج سيد قطب ومفاهيم الهجرة ، الكراهية ، الانقياد التام للبغدادي والخليفة ، وعادة ما تكون الجهات المسؤولة عن ذلك تتوزع على اربعة محاور :-(3)

  • 1- صنف الكتاب والمنظرين والذين عادة ما يتواجدون ضمن مجالس الشورى والهيئات الشرعية والقضاء الداعشي ، ومن ابرزهم ( القاضي الضرير علي الجبوري ، أبو عبد الرحمن العراقي ، عبد الستار الجنابي ) .
  • 2- صنف الدعاة والناشرين كالخطباء وطلاب العلم الشرعي على منهج الفكر التكفيري القطبي ،

1) نهى الدرويش ، استراتيجية داعش في تربية اجيال داعشية ، التربية على التوحش ، في مجموعة باحثين ، الأمن التربوي ، كراس النهرين ، ط1 ، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ، بغداد ، 2016م ، ص 8 .

2) المصدر نفسه ، ص 7 .

3) هاشم الهاشمي ، عالم داعش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ، ط1 ، دار بابل للطباعة والنشر والتوزيع ، بغداد ، 2015م ، ص 141 ، ص 142 .

أمثال ( طه النبي ، أبو محمد العدناني … ) .

  • 3- صنف المؤمنين بالفكر التكفيري وهم على نوعين ، الأول مؤمن بالفكر والمنهج التكفيري أصالة ، والثاني بعثي تأب ومتغير إلى الفكر التكفيري باعتباره مؤمن حسب العقيدة الداعشية ، أمثال ( أبو مسلم التركماني ، أبو مهند السويداوي وأخرين كثر ) .
  • 4- صنف التابع والمؤيد والمستمر في الولاء لذلك الفكر .

   ثانياً : مناهج التلقين التكفيري

كما هي عادة وسلوكيات المجموعات الإرهابية على اختلاف انواعها ومنها تنظيم داعش الإرهابي عندما يسيطرون على منطقة معينة يباشرون بالتدخل في جميع نواحي الحياة فيها ، وفي مقدمتها التعليم ، إذ قام تنظيم داعش بعد سيطرته على بعض المناطق والمحافظات العراقية بتهديم المدارس* وألغاء المناهج الرسمية واستبدالها بمناهجه الخاصة ، من اجل تفكيك البيئة التعليمية التي ألفها مجتمع تلك المنطقة أو المحافظة ، والعمل على اعادة هيكلتها وفق مذهبه الإرهابي المتطرف بدءاً من أصغر مرحلة دراسية في المدرسة . فغالباً ما يعمد تنظيم داعش الإرهابي إلى الغاء مناهج الفيزياء والكيمياء والاحياء بوصفها مناهج شركية حسب فهمه وهي مستوردة من الغرب ، فضلاً عن مواد الفن وبعض المناهج الأخرى ، مكتفياً ببعض مناهج التربية الإسلامية ومطلقاً عليها احكامه الخاصة وتفسيرها بمزاجيه بما يتلائم وفكره التكفيري .

وبعد هذه المرحلة يقوم تنظيم داعش بفتح مدارس خاصة به تعتمد مناهج خاصة تواءم تفكيره العنفي المغلق ناسباً إليها للشريعة الإسلامية الصحيحة . وقبل الخوض في تفاصيل تلك المناهج فان تنظيم داعش قبل كل شيء يعمل على خلق ظروف وبيئة مناسبة للبيئة التعليمية الداعشية من

* حول هذا الموضوع انظر ،حيدر صالح هادي ، مهددات الامن الوطني النابعة عن استهداف الامن التربوي وسبل التصدي لها ، في مجموعة باحثين ، الأمن التربوي ، كراس النهرين ، ط1 ، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ، بغداد ،  2016م ، ص 28 .

    حيث :-(1)

  • 1- ضمان العزلة المجتمعية في المناطق الواقعة تحت سيطرته عن المناطق الاخرى وقطع خطوط الاتصال بها .
  • 2- ضمان العزلة الشرعية للمجتمع الداعشي والحد من اختلاط أفراده مع الأخرين .
  • 3- زرع فكرة التحريم في المدارس والجامعات ومنع الاختلاط بين الجنسين ، على اساس ان المنظومة التعليمية السابقة تسمح بالاختلام المحرم واباحة التبرج وهي سلوكيات تخدم اعداء الله حسب وصفهم .
  • 4- تعميق حدة الكراهية وزرعها ضد المخالفين عن الدين الإسلامي .

ومن هنا تكمن خطورة فلسفة داعش والتي تأتي بالتزامن مع تطبيق تلك الافكار بمناهجهم الخاصة ، والعمل تطبيقياً بها عبر فتح مراكز ومعاهد لتأهيل الطلبة والاطفال مثل :-(2)

  • 1- المعهد الشرعي لتأهيل الاشبال والشباب في مدينة تلعفر وتدريبهم على القتال واعطاءهم دروس عقائدية واستمالتهم عقلياً ونفسياً .
  • 2- معسكر اشبال العز في مدينة الطبقة السورية ، حيث يجند فيها الأطفال بين عمر ( 7-13 ) سنة واعادة توجيهم فكرياً .
  • 3- مخيم الشريعة المخصص للأطفال (15-16) سنة ، حيث يتم تعليمهم الجهاد والانتحار وذبح ما يسمونهم الكفار لنيل الجنة الموعودة حسب وصفهم .

إلى جانب ذلك أنشىء  ما يسمى ( ديوان التعليم في دولة الخلافة ) الذي يختص بتغير المناهج وإلغاء بعضها واستحداث اخرى جديدة ، وتحديد مشرفين على المدارس لمتابعة تلقين تلك المناهج من اجل انشاء وتوسيع دولتهم المزعومة ، حيث يقوم هذا الديوان بانشاء قاعدة بيانات خاصة

1) نهى الدرويش ، مصدر سبق ذكره ، ص 7 .

2- ثأئر احمد حسون ، مصادر تهديد الأمن التربوي في العراق التحدي والاستجابة ، في مجموعة باحثين ، الأمن التربوي ، كراس النهرين ، ط1 ، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ، بغداد ،  2016م ، ص 62 ، ص 63 .

بجميع المدارس الخاضعة لسيطرتهم تشتمل على اسماء الطلبة والمدرسين وعناوينهم وأدق التفاصيل عنهم ، كوسيلة للضغط لتطبيق الفكر الداعشي عن طريق التهديد المباشر للمدرسين ولأسرهم(1) .

أن اعتماد تنظيم داعش الإرهابي على المدارس لا يأتي ضمن تحقيق غايات تربوية وتعليمية ، بل لاستقطاب أكبر عدد من الاطفال والشباب وتعليمهم بطرق تتيح لهم الأنضمام لصفوفه والقتال ، فضلاً عن زرع المفاهيم المشددة بنفوسهم والتركيز على فقه الجهاد الخاطىء والاهتمام بالتأهيل البدني لشن الهجمات الإرهابية .

كما تكمن أهمية المدارس بالنسبة لداعش في تحقيق مجموعة اهداف ومنها :-

1- تعد المدارس الطريقة الأمثل لدعوة الطلبة للتجنيد الاجباري في صفوف التنظيم ومبايعة الخليفة والذهاب للجهاد عبر زجهم في ساحات القتال باعتبارهم جند الخلافة .

2- اباحة التحرش الجنسي بالفتيات عبر تكريس الفصل العنصري في التعليم والدفع باتجاه تجهيل الفتيات والتحقير بمكانتهن .

3- اعتماد سياسة الدورة الشرعية للمعلمين والمدرسين وهي بمثابة جهاز لغسيل الدماغ ، وبمثابة اعتراف المدرس أو المعلم بانه كان كافراً وتاب عن ذلك .

4- ألغاء المواد الدراسية التي تحث على الفكر والنقد والتفكير البناء ، والتركيز على مناهج التربية الجهادية وشطب اسم جمهورية العراق من المناهج ومنع رفع العلم العراقي في الساحات .

5- اعتماد المدارس كوسيلة لاتقان صنع العبوات الناسفة وتخزين الاسلحة وزرع الافخاخ وتهيئة الحاضنات .

   كما كانت المدارس بيئة عامة لتلقين الطلاب بعضاً من معتقدات داعش الخاطئة وأجبارهم إلى جانب أسرهم على تطبيقها بالاستنادعلى العشرات من الفتاوي المشبوهة ومنها :-

– منع وتحريم اكل لحم الماعز لأن عورتها مكشوفة .

– تحريم الجمع بين الخيار والطماطم في طبق واحد لأن احدهما ذكر والأخر أنثى .

1) ثائر احمد حسون ، المصدر السابق ، ص 62 .

– منع الفتيات من الجلوس على الكراسي ! .

– منع النساء من زيارة الأطباء ذي الاختصاص النسائي من المعالجة .

– تحريم وضع لافتات مراكز التزيين النسائية .

– تمنع المرأة من قيادة السيارة إلا في حال كانت السيارة معدة للتفخيخ والتفجير وبرفقة رجل .

– أصطحاب الطلبة مع قيادات التنظيم لمشاهدة حالات تنفيذ الاعدامات وقطع الرؤوس وبشكل روتيني من اجل غرس قيم العنف والتكفير في أذهانهم ، فضلاً عن معاداة المخالفين لفكر البغدادي.

إلى جانب ذلك اصدر تنظيم داعش الإرهابي كتاب عن السبي والرقاب والذي أجاز به ما حرمه الدين الإسلامي والشريعية الإسلامية ، إذ أجاز جواز نكاح والجمع بين الاختين ، مثلما اجاز نكاح الأسيرات وخصوصاً غير المسلمات من مسيحيين وايزيدين وغيرهم ، وآباحة معاملتهم بصورة متوحشة والتمثيل بهم واخضاعهم لعنف جسدي ونفسي وجنسي وعرضهم في سوق النخاسة .

أذ سعى داعش إلى ترسيخ هذه الافكار الضالة في عقول الشباب ومخاطبة غرائزهم الجنسية ضمن مفاهيم الخلافة الإسلامية  ، مما يشكل خطراً مستقبلياً في طريقة تفكير الاجيال التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم .

ثالثاً : سبل معالجة السلوك التربوي لتنظيم داعش الإرهابي

في الحقيقة أن الحرب على تنظيم داعش الإرهابي هي حرب ثقافية وتربوية ، حرب ضد الكتب والكتيبات والمنشورات التي يؤمن بها أنصار داعش والمتعاطفين معهم ، حرب ثقافية وتربوية يسعى الإرهاب الى الظفر بها عبر أصدارات ورقية ومرئية ومسموعة ، يسعى من خلالها إلى التلقين بالحرف والكلمة في سبيل الابداع بسفك الدم وجعلها قاعدة اجتماعية يومية عبر صبغها دينياً بالمئات من الفتاوي المشبوهة لإعادة برمجة عقل الإنسان داخل المناطق التي يسيطرون عليها . فبعد أن استطاعت داعش أن تسيطر على بعض المدن لمدة طويلة ، فمن المنطقي أن تكون داعش قد استطاعت نوعاً ما في إعداد جيل من المتعاطفين والكتاب والمقاتلين المؤمنين بتلك الافكار والتوجهات والنظريات العنفية ، وبالتالي فأن المعالجة تتطلب نهج مسارات عدة بين التوعية الأمنية للطلبة ولاولياء أمورهم والهيئات التعليمية ، فضلاً عن دعم النشاطات والمناخات ذات الطابع الديني الوسطي التي تسهم في تحشيد جميع الإنساق والفعاليات الاجتماعية بصورة تكاملية لمحاربة الفكر التكفيري الداعشي والتي قد تسهم في تعزيز الارتباط الأسري في المجتمع .

إلى جانب ذلك يجب تفعيل دور المدرسة في تشخيص الطلبة ذوي الميول للانخراط في السلوك والتطرف الفكري والكشف المبكر عنها ، ووضع المعالجات اللازمة لتصحيح افكارهم وسلوكهم وخلق نوع من التواصل بين الأسرة والمدرسة .

في الختام نقول أن الرؤية العراقية المطلوبة اليوم هي بجعل الاختلاف المجتمعي وسيلة للبناء وتلاقح الافكار وعدم ألغاء الأخر ، وهو السلوك الأكثر مصداقية للتعامل مع المجتمعات والافراد في  بيئة ما بعد داعش والعمل على وضع برنامج وتصور مستقبلي يحيلنا إلى إدبيات الوئام المجتمعي والوحدة الوطنية .

أن الدولة والمجتمع اليوم في العراق بكل شرائحة وفئاته على حد سواء يتحمل المسؤولية تجاه التأكيد وتوطيد التسامح بين جميع افراده ، فسيادة القيم العنفية المتطرفة المناقضة للحوار والتسامح في مناطق وبقاع معينة سيؤثر على استقرار الدولة والمجتمع على المدى القريب والبعيد ، لذلك فأن محاربة الافكار المتصلة بالارهاب التي رسخها داعش في نفوس بعض الناس هي مسؤولية عامة لتلك الشرائح والفئات ، وإذا ما كتب لهذه الممارسات بالاستمرار فأن المجتمع العراقي لن يعرف الاستقرار مستقبلاً ،لما تتركه هذه الافكار من تشظي وانقسام  . لذا فأن المطلوب جعل الوحدة والتسامح حقيقة اجتماعية وثقافية ومجتمعية ، لا بل جعلها ثقافة وطنية تنبذ العنف وثقافة الإرهاب وتعمل على توطيد أسس التفاهم الوطني في المحيط الاجتماعي العراقي .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى