الدراسات البحثيةالمتخصصة

لماذا جزيرة تيران ؟

اعداد السفير:بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

” المنح والمعونات مُتاحة في العالم وتُخصص للدول التي لها مكانة خاصة وتتمتع بعلاقات مُتميزة وفر لنا الرئيس هذه المكانة فحصلنا خلال العشر سنوات الماضية علي 1091109 مليون دولار منحاً , أُستخدمت جميعها في مشروعات التنمية والتحديث والتطوير ” *  (صحيفة الأهرام القاهرية بتاريخ 30 ديسمبر2002)  , هذا نصاً ما قاله رئيس مجلس الوزراء المصري د . عاطف عبيد وهو يُلقي ببيان الحكومة المصرية أمام مجلس الشعب المصري في 29 ديسمبر 2002  وهو كلام ينسخ كل ما ورد بمراجع الديموقراطية والأمن القومي والعلوم السياسية خاصة تلك التي تتناول موضوعي المكانة والدور , وقد يسأل سائل ما علاقة هذه الفقرة من بيانه بقضية تيران , والإجابة بوضوح وإستقامة هي أن من يديرون دولة بحجم مصر عن طرق التسول لا يمكنهم رؤية أو التعرف علي وجه الكرامة والسيادة , فهم يفاخرون بكمية ما يتسولونه ويعقدون علاقة شاذة ما بين التسول وقبول المنح والمساعدات وبين المكانة , غافلين عن حقيقة لا ريب في وضوحها وهي أن المكانة لمن يعطي ويمنح فاليد العليا لا السفلي هي يد من له المكانة لا لمن يتقبل الصدقات والذي إن لم يجدها تسول , هؤلاء هم من أنتجوا فكراً لا يستقيم يواصل الإعتقاد فيه ويطبقه من بعدهم الصف التالي من القادة الذين يقبلون بالتفريط والتخلي مقابل المكانة المزعومة الآتية من المحسنين والمتصدقين .
إن تخلي مصر عن جزيرة تيران مصدره الرئيسي هذه الروح التي سكنت في روع القادة المصريين منذ عهد حسني مبارك الذي إختاره الموت … موت السادات ليتولي دون مؤهلات حقيقية لرئيس ذخيرته ملكات قيادية نقية مسئولية حكم مصر , وما لا تعلمه السعودية أن مصر المتخلية عن جزء من سيادتها أبداً لن تذود عنهم فمن تقمصت روحه صفة التخلي , لن يتمسك بمبدأ ولن يكون بمكنته لا الذود عن وطنه ولا عن وطن غيره , كما أن قضية إنتزاع السيادة المصرية من جزيرة تيران سوف تؤثر بصفة سلبية ولوقت طويل في مسار العلاقات السعودية المصرية إلي أن تنتزعها مصر في وقت ما وبروح أخري روح من إستعاد القيم الإيجابية مرة أخري , إن إنعاش المطلب السعودي بالحصول علي وليس إستعادة جزيرتي تيران وصنافير – كما سيتضح بعد – منشأه دافع أمريكي – وليس سعودي – تحول إلي حاجة أمريكية من أجل مزيد من الإحكام لأمن إسرائيل , فبعد أن سكن الصراع العربي الإسرائيلي بتسوية إسرائيل له علي ثلاثة مراحل تكاد وأن تكون منفصلة أولها بتوقيع معاهدة السلام مع مصر في 26 مارس 1979 ثم توقيع إتفاق إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني مع السلطة الفلسطينية في واشنطن في 13 سبتمبر 1993 وتوقيع إتفاقية السلام أو إتفاق وادي عربة مع الأردن في 25 يوليو1994 , بدأت المملكة العربية السعودية وبعد أن طُردت مصر من الجامعة العربية وفقاً لمقررات القمة العربية الطارئة في بغداد في 1980 وتبني قمة فاس العربية في 9 سبتمبر 1982 لمشروع سلام أشار في أحد نقاطه إلي وضع مجلس الأمن الدولي ضمانات سلام لجميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية المُستقلة ما يعني إعتراف ضمني بإسرائيل , بدأت المملكة وبعد تحول الفكر العربي الرسمي إزاء تسوية الصراع مع إسرائيل في الدخول بمبادرات تسوية صادرةعنها أهمها وآخرها خطة الأمير عبد الله أو المبادرة السعودية للسلام التي تبنتها قمة بيروت العربية عام 2002 متزامنة مع أفكار طرحها القذافي علي قمة عمان السابقة علي قمة بيروت , ومن أهم ما تضمنته خطة السلام السعودية ” إعتبار أن الصراع العربي / الإسرائيلي قد إنتهي والدخول في إتفاق سلام مع إسرائيل وإعتبار الأمن حاجة لكل دول المنطقة , وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام بل ودعوة رئيس قمة وأمين عام الجامعة العربية لتشكيل لجنة تضم الدول أعضاء الجامعة المعنية وأمين عام الجامعة للإضطلاع بالإتصالات الضرورية للحصول علي التأييد لهذه المبادرة علي كافة الأصعدة ” , ولقد وصف وزير الخارجية الأمريكي في تصريح له في 4 مارس 2002مبادرة الملك عبد الله بأنها ذات مغزي ويمكن بها كسر بعض العقبات من أمام خطة ميتشيل للسلام أي أنهم متمسكون بخطتهم , إذن نحن والحالة هذه أمام جاهزية وقابلية سعودية للتعامل المباشر مع إسرائيل منذ مشروع الملك فهد في ثمانينات القرن الماضي , ومنذاك الوقت يمكن تصور بدء السعودية في فتح قناة إتصالية مع إسرائيل بدءاً من هذا التاريخ المبكر, فتحت ثورات الربيع العربي طريقاً مزدوجاً بين السعودية ومعها دول الخليج وإسرائيل إذ أنهم جميعاً رأوا في ثورات الربيع العربي الديموقراطية وهي آتية لتلتقي مع أشواق الجماهير العربية وهذا أمر مؤلم لكل هؤلاء , فعملوا علي إلحاق الهزيمة بالديموقراطية ولما تم لهم هذا كان من المنطقي أن تتحرك السعودية في ملف جزيرتي تيران وصنافير في توقيت هو الأسوأ لمصر وهي في غاية الضعف والإنقسام السياسي بعد الفشل المرحلي لثورة 25 يناير 2011 تماماً كما فعلت إثيوبيا بإعلانها عن الشروع في تنفيذ سد النهضة في أبريل 2011 , وقد بدأت الإتصالات السعودية بمصر في شأن ملف الجزيرتين عندما أشار بيان صادرعن الرئاسة المصرية إلي أن مصر والسعودية إتفقتا علي ترسيم حدودهما البحرية بالبحر الأحمر وأن هذا الأمر تم الإتفاق عليه بين الرئيس المصري ووزير الدفاع السعودي الذي شارك أثناء زيارته لمصر في الإحتفال بتخريج دفعة من الأكاديمية العسكرية نهاية يوليو 2015 * ( موقع Cairo Post بتاريخ 30 يوليو 2015وموقع جريدة العربي الجديد بتاريخ الثاني من اغسطس  2015) , ويعتبر ملف الحدود البحرية بين البلدين من الملفات القليلة المُعلقة ، وفي الواقع فإن توقيت التحرك السعودي من أجل فتح هذا الملف الدقيق هو ما أثار القلق لدي البعض والشك لدي البعض الآخر والحيرة لدي آخرين .
لست بمستهدف الحديث عن الأدلة الدامغة عن تبعية جزيرة تيران علي وجه التحديد للسيادة المصرية فقد زارهما الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان في جولة بحرية شملت الجزر المصرية بخليج العقبة وساحل البحر الأحمر المصري حتي حلايب * ( مذكرات كريم ثابت سكرتير الخاص للملك فاروق سلسة أقرأ الصادرة عام 1944) وأنا شخصياً أثناء أدائي لفريضة الحج في نوفمبر 2011 إطلعت في مكتبة الحرم النبوي الشريف علي أطلس المملكة العربية السعودية في طبعته الأولي الصادرة عن وزارة التعليم العالي (الأمانة العامة للإحتفال بمرور مائة عام علي تأسيس المملكة) بتاريخ 1419 هجرية 1999 ميلادية , وأسترعي نظري أنه وفي أحد خرائطه للأراضي السعودية علي خليج العقبة وجدت أن جزيرتي تيران وصنافير تُركتا دون تلوين ضمن باقي أراضي المملكة علي تلك الخريطة كما انه لم يكن أمامهما إية إشارة كإشارة نصف الدائرة التي توضع أمام الجزر التابعة للدولة في الخرائط كما جرت العادة بما يعني إنهما غير تابعتان للإقليم السعودي .
كما أنه وبمراجعتي للملحق (ألف) الخاص بالأسماء الجغرافية والمُرتبة أبجدياً والتي يتضمنها الأطلس بأكمله تحققت من أن جزيرتا تيران وصنافير غير مُدرجتين في ثبت الأسماء الجغرافية لهذا الأطلس, لكني سأطرق القضية من باب :
– لماذا تيران ؟ 
الإجابة عن هذه ” الماذا ” تتطلب تشريح الطلب السعودي وهذا ما فعلته فوجدت أن الطلب في مبدأه ليس سعودياً بل أمريكيا والأدلة غير المعلنة مختلفة وتتعلق أساساً بضرورة نزع سيادة مصر عن تيران وهو أمر بدأ تحديداً بالنقاش حامي الوطيس في مجلس الأمن الدولي بجلسته في 5 فبراير 1954 وكان أطرافها المندوب المصري والإسرائيلي والأمريكي ومندوبين آخرين وخلالها تظلم المندوب الإسرائيلي وكان أبا إيبان (وزير خارجية إسرائيل لاحقاً) من إجراءات الزيارة والتفتيش والغنائم التي تتخذها السلطات المصرية ضد إسرائيل ليس فقط في قناة السويس بل وفي خليج العقبة أيضاً وطالب بوقف هذه الإجراءات ورد عليه في هذه الجلسة ممثل مصر أحمد جلال الدين عبد الرازق بما يلزم , لكن المندوب الإسرائيلي إستأنف كلامه فأشار إلي أن مصر ذهبت إلي أبعد مدي إذ أضحت كل سفينة تدخل خليج العقبة مُهددة بإطلاق النار عليها بمقولة أنها مُتجهة إلي إسرائيل وقال أن مصر قد إحتلت جزيرتين تسيطران علي الطريق ومنهما تُملي إرادتها علي الذين يدخلون الخليج أو يخرجون منه وهو ما يخالف مقتضي قرار مجلس الأمن في أول سبتمبر 1951 وإتفاق الهدنة وهو ما رد عليه المندوب المصري بقوة وبحجة , ثم وفي جلسة 15 فبراير 1954 أُستؤنف النقاش وفيه رد المندوب المصري علي الكلام المتكرر لإسرائيل في هذه النقطة فقال أن الهدنة قائمة لكنها لا تنهي حالة الحرب وأن نص المادة الأولي منها تشير إلي أن الهدنة خطوة نحو السلم ثم تعرض في موضع آخر من كلامه عن خليج العقبة فقال أنه منذ أكتوبر 1951 مرت في الخليج 267 سفينة منها 214 سفينة تحمل قوات بريطانية و35 سفينة ألمانية وخمس سفن تحمل قوات أمريكية وثلاث نرويجية وثلاث يونانية وسفينتان سوريتان وواحدة تركية وأخري تابعة لبنما وأخري من باكستان وواحدة إيطالية وسفينة دانمركية , وأوضح أن هناك عدد لا يُستهان به من تلك السفن كان يحمل بضائع لإسرائيل ولم يجر التفتيش إلا بالنسبة لثلاث سفن منها فمن بين 267 سفينة فُتشت واحدة ولم يُصادر شيئ قط من البضائع سواء أكانت وجهتها إسرائيل أم لا , أما الجزر التي تحتلها مصر وهما جزيرتا تيران وصنافير علي البحر الأحمر فإن القوات المسلحة المصرية تحتل الجزيرتين قبل زحف القوات الإسرائيلية صوب خليج العقبة بزمن طويل , وفي أوراق الحرب العالمية الثانية ما يقطع بأن القوات المصرية كانت تحتل الجزيرتين وتقوم بأعمال مصر الدفاعية أثناء الحرب وسهرت القوات البحرية المصرية بالتعاون مع سلاح الجو المصري علي حماية ظهر قوات الحلفاء في البحر الأحمر ضد هجوم الغواصات وسوف تستمر مصر في الدفاع عن مداخلها , وقد رد المندوب الإسرائيلي فقال في أحد مواضع كلامه أن إسرائيل طلبت بواسطة سفير الولايات المتحدة في تل أبيب من الحكومة المصرية في 14 يناير عام 1950 توضيح بواعث إحتلالها لجزيرتي تيران وصنافير , وأن وزير الخارجية المصري سلم السفير الأمريكي بالقاهرة جيفري كافري في 28 يناير 1950 رد الحكومة المصرية والذي أشار إلي أن مصر قامت بذلك الإحتلال بالإتفاق مع الحكومة السعودية وأنها فعلت ذلك لتؤكد سيادتها علي الجزيرتين بحكم موقعهما الجغرافي الذي يبعد بأقل من أربعة أميال عن الساحل السعودي , وأشار إلي أن الحكومة المصرية أوردت في الفقرة الثالثة من تلك المذكرة إلي أن ذلك الإحتلال لا يرمي إلي تعويق الملاحة البريئة في الخليج وأن هذا الممر سيظل حراً في إطار ما جري عليه العمل دولياً وأحكام القانون الدولي , وفي 15 فبراير 1954أخطرت مصر مجلس الأمن الدولي أن الجزيرتين شكلتا أراض مصرية منذ عام 1906 عندما تم تعليم الحدود بين مصر والإمبراطورية العثمانية وأن سجلات الحرب العالمية الثانية تتضمن شواهد رسمية بأن وحدات مصرية أستخدمت الجزيرتين بإعتبارهما جزءاً من النظام الدفاعي المصري خلال الحرب , وبالرغم من هذا فإن الموقف السعودي كان موقفاً أقل ما يُوصف به بأنه كان مسئولاً , ذلك أنه بعد إحتلال القوات الإسرائيلية لشبه جزيرة سيناء فيما سُمي بالعدوان الثلاثي علي مصر وإزاء رفض إسرائيل الإستجابة بتنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قضت بإسحاب القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء وربط إنسحابها بمطالب أهمها ضمان حقها في المرور من قناة السويس وخليج العقبة , قام الملك سعود بالإتصال بالرئيس جمال عبد الناصر وأكد إستعداده وجيشه للوقوف صفاً واحداً بالرجال والمال والسلاح مع مصر وقررت المملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية بالمملكة المتحدة وفرنسا لإعتدائهما علي مصر وأبلغت الخارجية هذا القرار لسفيري الدولتين في 6 نوفمبر 1956وقررت أيضاً حظر توريد البترول السعودي إليهما , ثم أبرق الملك سعود للرئيس الأمريكي Eisenhower طالباً منه إيقاف العدوان علي مصر مُحذراً إياه من أنه إذا لم تعمل الولايات عملاً إيجابياً فسوف يتطور الأمر إلي حدوث هوة كبيرة بين الشرق الأوسط والغرب وقال الملك للسفير الأمريكي ” إن الملك عبد العزيز وأنا نفسي كنا نعيش في الخيام منذ خمسين عاماً ولا غضاضة علي أن أعود للخيام مرة أخري إذا وجدت ضرورة لذلك دفاعاً عن العرب وعن مصر , إذ أن عيشة الخيام أفضل لي من أن تتحكم الدول الإستعمارية في العرب “ , وأمام الموقف الغربي المؤيد لحق إسرائيل في الملاحة في قناة السويس وخليج العقبة والذي تجلي عندما تعاونت الولايات المتحدة مع أمين عام الأمم المتحدة في تنفيذ القرار الأممي بشأن حرية الملاحة في خليج العقبة فأرسلت في أبريل 1957 نقل شحنة بترول مقدارها 16 ألف طن وصلت لميناء إيلات تحت حراسة قوة الطوارئ الدولية لتؤكد بذلك علي مبدأ حرية الملاحة بخليج العقبة , لذلك رأت المملكة أن هذا الموقف مكافأة لإسرائيل علي عدوانها لذلك عممت الحكومة السعودية في 31 مارس 1957 مذكرة علي بعثات الحكومات الصديقة في جدة وفيها أكدت علي أن الجزيرتين من أملاك السعودية ثم وفي أبريل 1957 قدمت مذكرة للأمين العام للأمم المتحدة طلبت توزيعها علي الدول أعضاء الأمم المتحدة أشارت فيها إلي إعتداءات إسرائيل علي العرب , وفندت مساعيها لإصطناع حق وهمي للمرور عبر خليج العقبة الذي أوضحت بشأنه أنه خليج عربي تقع في مدخله الجنوبي جزيرتا تيران وصنافير السعوديتان , وأشارت المذكرة في هذا الشأن إلي أن مدخل الخليج لا يزيد عرضه عن تسعة أميال وهو أضيق بكثير من مضايق أخري يعتبرها القانون الدولي مياهاً إقليمية , وهو ما أكدته تماماً ” معاهدة القسطنطينية عام 1888 ” التي ضمنت حرية الملاحة في قناة السويس وأعتبرت المذكرة بذلك أن خليج العقبة بحيرة عربية مُغلقة لا ينطبق بشأنها مبدأ حرية الملاحة الدولية وأن إعطاءه صفة دولية يعد إعتداءاً علي سيادة المملكة العربية السعودية وتهديداً لسلامتها الإقليمية وأكدت هذه المذكرة أن
الجزيرتين والمضايق الفاصلة بينهما تحت سيادة وقانون المملكة العربية السعودية .
لكن عقب حرب 1956 بذلت الولايات المتحدة جهوداً دبلوماسية علي المستوي الرئاسي وما دونه مع المملكة العربية السعودية لخلق الطلب علي جزيرة تيران علي نحو خاص ومن بين أدلة متنوعة أورد وثيقتين صادرتين عن الرئاسة والخارجية الأمريكية كما يلي :
الوثيقة الأولي :
وهي عبارة عن خطاب من الرئيس الأمريكي Dwight David Eisenhower  للملك عبد العزيز آل سعود مُؤرخة في 14 فبراير 1957(حُذفت حالياً من موقع الخارجية الأمريكية) محفوظ بأوراق الرئيس Eisenhower  تحت رقم 38 , ويُلاحظ أن السعودية عممت مذكرتها علي البعثات الدبلوماسية بالسعودية في 31 مارس 1957 ثم أرسلت مذكرة أخري لأمين عام الأمم المتحدة وُزعت علي ممثلي الدول أعضاء الأمم المتحدة في أبريل 1957 وكلاهما بشأن بيان تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لا لمصر , وكان توقيت المذكرتين تالياً لزيارة ولقاء الملك عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي Eisenhower بواشنطن في فبراير 1957 وحديثهما عن مضايق تيران وغزة ,
وفيما يلي نص هذا الخطاب الكاشف للقوة الدافعة والمنشأة للطلب السعودي للحصول علي جزيرتي تيران وصنافير :
” جلالة الملك : خلال زيارتكم الأخيرة لواشنطن ناقشنا سلسلة من الموضوعات تتعلق بالشرق الأوسط . وإتفقنا أيضاًعلي أنه ووفقاً لما قد تتطلبه الظروف في المستقبل علي الإتصال فيما بيننا للنظر في الموضوعات ذات الأهمية , وأحد هذه الموضوعات مسألة الإنسحاب الإسرائيلي من غزة ومنطقة مضايق العقبة (يعني مضايق جزيرة تيران)  التي تصدرت إهتمامات الأمم المتحدة منذ مغادرتكم , ووفقاً لذلك فقد أعطينا إهتماماً جديداً لهذا الموضوع الهام , إن أفكارنا نُوقشت مع الأمين العام للأمم المتحدة وهي معروفة من قبل ممثلي مصر وإسرائيل , إن الموضوع نُوقش أيضاً مُؤخراً مع نائب وزير خارجيتكم وسفير جلالتكم , هناك دوائر صحفية قد قامت بالتضليل , ولتجنب أي سوء فهم فإني أريد أن أُعيد التأكيد علي جلالتكم ما يتعلق بموقفنا , إننا نقف أولاً وقبل كل شيئ مع إنسحاب إسرائيلي عاجل من غزة ومضايق العقبة , وجهودنا مُوجهة لتحقيق هذا وبصفة عاجلة , كما أننا لا نعتقد أن إسرائيل ينبغي لها أن تجني مميزات من غزوها أو أن علي مصر أن تبذل وعوداً جديدة لإسرائيل لتؤمن إنسحاباً إسرائيلياً  , وفي نفس الوقت , وكما أشرنا لجلالتكم في واشنطن فإننا نعتقد ونظل نعتقد دائماً أن المياه بخليج العقبة لها صفة دولية . ونحن نفهم أن هذه النظرة نشارك مصر فيها كما أشارت إلي ذلك مذكرة من الجكومة المصرية  عام 1950 سُلمت للسفير الأمريكي والتي نُص فيها بأن الإحتلال المصري للجزيرتين تيران وصنافير بمدخل خليج العقبة فقط لحماية الجزر نفسها ضد أي ضرر أو إنتهاك , وأن ” هذا الإحتلال ” لا يكون علي أي وجه من الأوجه إنطلاقاً من روح عرقلة وإعتراض المرور البرئ عبر مدي المياه الفاصلة  ما بين هاتين الجزيرتين والساحل المصري بسيناء, وتابعت المذكرة بالقول أن هذا الممر هو الممر العملي الوحيد وأن مصر تقر بمبادئ قانون الأمم ” .
” لقد أكدنا في نظرنا للموضوع وفي كل نقاشاتنا بشأنه علي أن إستخدام هذا الممر من قبل أي أمة من الأمم موضوع ذا أهمية قصوي بحيث يجب إحترام مرور الحجاج القاصدين تماماً , ونؤمن بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس لديها سلطة لأن تطلب سواء من مصر أو من إسرائيل تعديلاً جوهرياً في إتفاق الهدنة والذي يعطي مصر الآن الحق والمسئولية في إحتلال قطاع غزة , كما أننا نُؤمن أيضاً  وفقاً لهذا بأن إنسحاباً إسرائيلياً من هناك يجب أن يكون فورياً وبلا شروط , ولندع مستقبل قطاع غزة للعمل عليه من خلال الجهود والمساعي الحميدة للأمم المتحدة , إننا نؤمن بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة والأمين العام عليهما البحث في تحرك قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في ممارستها لمهامها بإتجاه المنطقة وأن تكون علي الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة , وسوف تستخدم الولايات المتحدة جهودها لتأكيد (تحقيق) هذه النتائج والتي نُؤمن بأنها تمت بواسطة قرارين صادرين عن الجمعية العامة في 2 فبراير 1957 ” .
” إن نقاشاتنا اللاحقة علي مغادرتكم عكست أن لا تغييراً في الموقف المُتخذ هنا مع جلالتكم وذلك بالرغم من الإنطباع العكسي الذي لا شك أن الروايات الصحفية الخاطئة قد أدت إليه , إننا قلنا ببساطة أننا نؤمن بأن علي إسرائيل الإنسحاب الفوري وفقاً لقرارات الأمم المتحدة , والتي بعدها نعتقد أن قواعد وأحكام القانون الدولي يجب أن تُطبق علي الملاحة لكل الأمم بخليج العقبة , وبالطبع وفيما يتعلق بذلك , سنعتبر أن أي قرار لمحكمة العدل الدولية ملزم , لو أن هذا القرار تعرض إلي ذلك , وهكذا فنحن نؤمن بأن إسرائيل سوف لا تحصل علي أي حقوق أو مزايا لا يقر لها به القانون الدولي ” .
” إنني علي إتصال بكم بشأن هذا الموضوع تعزيزاً لرغبتي في التشاور معكم بشأن المشاكل الواقعة في نطاق المصلحة المُتبادلة وفي ضوء المناقشات الكاملة والصريحة التي بيننا , فهذه النقاشات كانت مصدراً لسعادة بالغة ومفيدة لي , وإنني وبصفة شخصية ورسمية أثمن عالياً الصداقة التي أرسيناها , وآمل أن تكونوا جلالتكم طيبين وأستمتعتم بزيارتكم لبلدان أخري صديقة في طريقكم لمملكتكم  ” . المخلص دوايت  د . إيزينهاور
الوثيقة الثانية :
وهي عبارة عن برقية مُفرج عنها تعلقت بأزمة مضيق تيران مؤرخة في 17 يناير 1968 مُرسلة من وزير الخارجية الأمريكية Dean Rusk للسفارة الأمريكية في إسرائيل سلم السفير الأمريكي محتواها لوزير الخارجية الإسرائيلي آبا إيبان , أشار فيها وزير الخارجية الأمريكي لنظيره الإسرائيلي إلي ” أن وجود القوات الإسرائيلية المُستمر في جزيرة تيران كان من المسائل التي نوقشت خلال المناقشات الودية التي جرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي Eshkol في Texas , ولقد لاحظنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدوه الرغبة في إظهار بلاده لمؤشرات علنية بشأن ترحيبها بالتوصل إلي تفاهم مع العرب وأقترحت أن يكون إنسحاب قواتكم من تيران مثالاً علي ما يدور في خلدنا , ولقد عبر رئيس الوزراء عن تفهمه لوجهة النظر تلك , لكنه أشار إلي أنه سيكون من الصعوبة بمكان التفكير ملياً في موضوع الإنسحاب من تيران في غيبة تأكيدات بالنسبة لنتائج هذا التصرف علي إسرائيل , وحيث أن تبادل وجهات النظر في هذا الشأن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي Levi Eshkol كان مُشجعاً فقد وجهت سفير الولايات المتحدة لدي المملكة العربية السعودية بإستكشاف أكثر لهذه المسألة مع الملك فيصل , وبالفعل أجري سفيرنا نقاشاً صريحاً عن هذا الموضوع مع جلالته في 13 يناير (1968) , وكان تعليق الملك علي ذلك أن قال بوضوح أنه ينظر إلي جزيرة تيران علي أنها (1) جزء من المملكة العربية السعودية , وأن حكومته منحت إمتياز يغطي الجزيرة  (لم تشر الوثيقة لمن أعطي هذا الإمتياز) و (2) أنه ليس لديه خطة لعسكرة تيران أو إستخدامها لعرقلة حرية الملاحة في مضيق تيران .”  , ومضي وزير الخارجية الأمريكي ليشير لوزير الخارجية الإسرائيلي إلي ” أنه شعر بتشجيع كبير من واقع موقف ملك السعودية حيال هذا الأمر , وأنه بناء علي تأكيداته لسفيرنا , فإني أعتقد أن المشاكل التي يتوقعها الجانب الإسرائيلي إذا ما أنسحبت حكومتكم (القوات الإسرائيلية) سوف لا تنشأ , كما أنني وبصفة محددة أتوقع ألا يتغير الموقف السعودي بشأن هذا الجزء من الأراضي السعودية ولا أتوقع أيضاً العسكرة أو إستخدامها (تيران) في أي نوع من التدخل في حرية الملاحة عبر مضايق تيران , ولهذا يحدوني الأمل في أن حكومتكم ستنظر الآن في إمكانية إنسحاب قواتكم من الجزيرة بدون تكبد أية نتائج وخيمة علي إسرائيل , وكما أشرت لحكومتكم في وقت مبكر فإن من شأن هذا التصرف (الإنسحاب الإسرائيلي من جزيرة تيران) أن يزيل مشاكل خطيرة عالقة في علاقتكم مع السلطات السعودية , ولذلك فإني أتطلع لتلقي رداً مواتياً من حكومتكم , وسيتم إبلاغه في الحال بالطبع للملك فيصل وإني لمتأكد من الأثر العملي المفيد لذلك ” . وقد ذيل وزير الخارجية الأمريكي خطابه لنظيره الإسرائيلي في شأن إقتراح إنسحاب القوات الإسرائيلية من جزيرة تيران بملاحظة مفادها إبقاء الأمر سرياً .
لكن الطلب (الإقتراح) الأمريكي وُوجه ببعض العقبات فقد طلب وزير الخارجية الإسرائيلية آبا إيبان أنه وقبل عرض الأمر علي مجلس الوزراء الإسرائيلي فهو بحاجة لبعض التوضيحات منها إن كان يمكن للولايات المتحدة أن تحصل من المملكة العربية السعودية علي إعتراف بأن مضايق تيران ممر مائي دولي , وما إذا كان يمكنها الحصول من المملكة علي تعهد خطي مكتوب بأن جزيرة تيران ستظل غير مأهولة بالسكان بصفة دائمة , وما إذا كانت الولايات المتحدة تقبل مثل هذه التعهدات السعودية بحيث تجعلها مسئولية وإلتزاماً من قبل الولايات المتحدة قبل إسرائيل ( برقية برقم 111432 للسفارة الأمريكية بتل أبيب عام 1967 – الأرشيف الوطني – الملفات المركزية الأمريكية 1967-1969 ) , وفي برقية من القنصلية الأمريكية بجدة تحت رقم 27766 أشارت إلي أن ” السفيرEilts في جدة لدي إسرائيل إقترح شروطاً سوف لا يمكن للملك فيصل أن يقبلها , وأن من شأن طرح هذه الشروط الإسرائيلية أن تثير مسألة أخري وهي ما إذا كانت إسرائيل لديها أي نية لترك تيران ما لم تكن مُجبرة علي ذلك .
 قد تكون هناك ثمة أهداف إقتصادية وراء المطلب السعودي لكن هذه الأهداف قد تتحقق كمنتج عرضي By – Product للتحرك الأمريكي المبكر بشأن تيران والذي بدأ منذ عام 1954 وربما قبله خاصة مع ثبوت عدم رغبة مصر في الإنضمام إلي منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط أو قيادة الشرق الأوسط التي دعت إليها بريطانيا بعد إلغاء مصر لمعاهدة 1936 التي رتبت لها وجوداً عسكرياً في قاعدة قناة السويس وتبنتها الولايات المتحدة في إطار سياسة الإحتواء Containment والمواجهة الأمريكية للقوي الشيوعية بزعامة الإتحاد السوفيتي , ولذلك وعلي ضوء هذه الخلفية تحركت الولايات المتحدة لإنتزاع السيادة المصرية عن الجزيرتين (لمصر 13 جزيرة بالبحر الأحمر) والتي يؤكدها من وجهة النظر المصرية من بين أدلة كثيرة قرار لرئيس مجلس الوزراء المصري قضي بتحديد إحداثيات الجزيرتين توضح أن جزيرة تيران بأكملها تقع داخل البحر الإقليمي المصري فهذه الجزيرة تبعد عن الساحل المصري في شبه جزيرة سيناء بنحو 3,5 ميل بحري ويوجد جزر أخري في هذه المنطقة التي بين الساحل المصري وجزيرة تيران وهي جزيرة شوشة  (تبعد عن شرق جزيرة صنافير بمسافة 8,5 ميل وهي سعودية) وجزيرة برقان ( وتقع علي مسافة 7 ميل شرقي جزيرة شوشة) أي في المياه الإقليمية المصرية , وعليه فإن جزيرة تيران وفقاً لإتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 تؤول للسيادة المصرية , لكن الوثيقتين الأمريكتين تؤكدان أن الهدف الأمني العسكري واللوجيستي الإسرائيلي هو المبرر الرئيسي لتنشيط الولايات المتحدة لتحركها مجدداً بإتجاه المملكة العربية السعودية لإنتزاع الجزيرتين من اليد المصرية لمحو أي إحتمال للعسكرية المصرية لتهديد الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة وبالتالي تحويل إيلات المنفذ البحري لإسرائيل بإتجاه آسيا وشرق أفريقيا إلي مدينة أشباح خاصة وأن إسرائيل قد بدأت تطبيق إستراتيجية تطوير علاقاتها بالقارة الأفريقية تُوجت مرحلتها الرئيسية والأولي بعقد قمة إسرائيل / أفريقيا في العاصمة التوجولية لومي في منتصف أكتوبر 2017  .
إن الوثيقة الأمريكية الثانية تشير إلي أهم أساس من أسس نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وهو إقامة نطاق بري عازل خال أو يكاد من السكان أي Demographic Vacuum وهو عين ما طلبته إسرائيل من السعودية – وفقاً للوثيقة الأمريكية – بأن تظل جزيرة تيران غير مأهولة مُطلقاً بالسكان , بمعني أن نظرية الأمن القومي الإسرائيلي أحد متطلباتها إيجاد منطقة عازلة بينها وبين جيرانها المحتملين أو أعداءها الحاليين أو المرتقبين ولهذا عندما لم تتعهد السعودية تعهداً كتابياً بجعل تيران خالية من السكان توقف التحرك الأمريكي في إتجاه تسليم إسرائيل لتيران وصنافير للسعودية , إذ أن الإسرائيليين رأوا أنهم لن يمكنهم المضي في تسليم الجزيرتين للسعودية لعدم حيازتهم قدر كاف من الثقة في التعهدات الشفوية السعودية , وكان هدف إسرائيل من هذا التحرك مزدوجاً بحيث أنه سيُدخل السعودية في إتفاق سلام مُنفرد معها وفي نفس الوقت سيمحو التهديد المصري مُستقبلاً بإستخدام جزيرة تيران لتهديد الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة الذي يبلغ طوله 100 ميل تقريباً من إيلات وحتي جزيرة تيران ( يبلغ طول خليج السويس 170 ميل) ويتراوح عرضه ما بين 7 إلي 8 ميل , وهو ضحل نسبياً عند رأسه ويزداد عمقاً حتي أنه يصل إلي 2160 تقريباً تقريباً وأعمق نقطة فيه هي تلك التي عند منتصف الخليج ففيها يصل العمق إلي 46000 قدم , وتُقسم جزيرتا تيران وصنافير مدخله الجنوبي الذي يبلغ عرضه 6 ميل إلي 3 أجزاء أو ممرات أوسعها الذي يقع بين الساحل السيناوي وبين جزيرة تيران فعرضه يبلغ 3,7 ميل .
يُضاف إلي ما تقدم أن الإفراغ الديموجرافي أو السكاني Demographic Vacuum حققته إسرائيل أو كادت بموجب أحد مواد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية , فقد أشير في متن الملحق(1) منها بشأن البروتوكول الخاص بالإنسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن إلي أنه من ضمن واجبات القوات الدولية ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران كما أن الخريطة رقم (1) المُرفقة بهذه المعاهدة يظهر فيها الخط الأخضر الذي يحدد المنطقة (ج) ويضم هذا الخط جزيرتي تيران وصنافير معاَ بإعتبارهما داخل نطاق المنطقة (ج) أو (C) وفقاً للمادة الثانية بند (ج) من هذه المعاهدة * ( الكتاب الأبيض الصادر عن وزارة الخارجية المصرية عام 1979عن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وملحقاتها . صفحة 53) والمنطقة (ج) خالية من أي تواجد عسكري مصري بالإضافة إلي أن ما يجري في رفح المصرية الآن لا يخرج عن كونه إفراغ سكاني وبالتالي فهو تحقيق إضافي لنظرية الإفراغ السكاني بالمنطقة (ج) , أي أن هناك معاهدة أصبحت لها أو يكاد أن يكون لها الصفة الدولية تشير لجزيرتي تيران وصنافير بإعتبارهما أراض مصرية تتواجد عليهما أو بشأنهما بجانب الوجود الشرطي المصري بعض من عناصر قوات متعددة جنسيات لمراقبة الملاحة في مضيق تيران بتشاور وموافقة من الحكومة المصرية , ولم تتحفظ المملكة العربية السعودية ولو عبر الوسيلة الدبلوماسية في حينه علي تضمين معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية لجزيرتي تيران وصنافير ضمن واجبات القوة متعددة الجنسيات المُتمركزة في شرم الشيخ أو ضمن المنطقة (ج) أو (C) وفقاً للتقسيم الذي إختصت به هذه المعاهدة شبه جزيرة سيناء من أجل الترتيبات العسكرية والأمنية , وقد إتفقت حكومتا مصر و إسرايل علي ترتيبات بشأن القوة المُتعددة الجنسيات والمراقبين من بينها تشغيل نقاط مراجعة ودوريات إستطلاع ونقاط مراقبة علي إمتداد الحدود الدولية وعلي الخط (ب) وداخل المنطقة (ج)  . * ( القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين . وزارة الخارجية المصرية عام 1983 .صفحة 22) .
يتكامل ما توجبه نظرية الأمن القومي الإسرائيلي من الإفراغ السكاني لشبه جزيرة سيناء مع موقف الحكومة المصرية السلبي إبان عهد الرئيس المخلوع مبارك من قضية تنمية شبه جزيرة سيناء من خلال تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء والذي كان مُخططاً له رسمياً أن يتم في الفترة ما بين 1994 حتي 2017   *(المشروع القومي لتنمية سيناء . وزارة الإعلام – الهيئة العامة للإستعلامات – أبريل 1996) وهو المشروع الذي بدأ التفكير فيه قبل إتمام الإنسحاب الإسرائيلي من سيناء في 25 أبريل 1982 , فلقد كان لدي الحكومة المصرية توجه مؤكد تجاه تعمير سيناء فمثلاً ورد في البيان الذي ألقاه في 11 يناير 1977عن سياسة مصر الخارجية السيد نائب رئيس الوزراء ووزيرالخارجية المصري الأسبق إسماعيل فهمي علي السادة أعضاء لجان مجلس الشعب المصري أشارة مباشرة لهذه القضية , فتحت عنوان ” إعادة بناء سيناء ضرورة إستراتيجية ”  أوضح سيادته ” إن إعادة بناء سيناء ليس مجرد تعمير أوعملية ديموجرافية , إنه عنصر أساسي ولا غني عنه لضمان موقفنا الإستراتيجي علي خط المواجهة مع إسرائيل وسوف تكون أساساً لتحرير الأرض كاملة في ظروف متاحة نحمي فيها قواتنا المُسلحة ضد أخطار معركة تجري في منطقة قاحلة حيث لا أثر لحياة فيها ” ( Egypt,s Foreign Policy .Before the commitees of Peoples, Assembly . Cairo 11th January 1977. Ministry of Information – State Information Service  ) , وقد أقر مجلس الوزراء المصري في 13 أكتوبر 1994 هذا المشروع ونشر الإعلام المصري أن الرئيس مبارك أقره في 14 أكتوبر 1994 , وأشار محافظ شمال سيناء إلي أنه يعتبر أول مشروع تنموي قومي لسيناء بهدف تحويلها لمنظومة تنموية مُتكاملة ضمن برنامج متكامل لتنمية سيناء من خلال إطار عام للمشروع يتحدد إجمالي التكلفة الإستثمارية له بحوالي 110,6 مليار جنيه لشمال سيناء منها 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46,4 مليار جنيه لجنوبها وإجمالي سكان سيناء المُستهدفين بالتنمية حتي عام 2017 ومجموعهم يُقدر بـ 3,25 مليون نسمة بإجمالي فرص عمل التي تنتج عن هذا المشروع القومي تبلغ 837 فرصة عمل , طبعاً بالإضافة لتنمية الموارد الطبيعية وخاصة المائية والمساهمة في تحقيق التوازن السكاني علي مستوي الجمهورية من خلال جذب وتوطين ما يزيد عن 3 مليون مواطن ( وهو ما لا ترغب فيه إسرائيل التي تعمل في إتجاه إفراغ سيناء سكانياً) مع تحقيق تنمية بشرية فعالة وتحقيق العدالة الإجتماعية . ( الأهرام 24 أبريل 2003) , والمُلفت للتأمل أن المشروع القومي لتنمية سيناء خُطط لتنفيذه ليتزامن مع البداية الفعلية للشح المائي المُتوقع أن يُواجه مصر عام 2017 , فوفقاً لنشرة أصدرتها وزارة الري المصرية في أغسطس 1999(عندما كان عدد السكان وقتذاك 63 مليون نسمة ) فإن حصة الفرد المصري من المياه التي تبلغ أقل من 936 متر مكعب سنوياً وقتذاك ستبلغ  نصف هذه الكمية خلال الـ 25 عاماً القادمة بسبب تزايد السكان وأشارت هذه النشرة إلي أنه سيبلغ عام 2025 حوالي 582متر مكعب / عام بينما الحد الأدني لنصيب الفرد المُوصي به عالمياً يبلغ 1000 متر مكعب / عام , لكن الذي يلفت النظر أيضاً ويجعل المرء مندهشاً أن هذه النشرة التي كان عنوانها ” المياه وموقف مصر ” والتي وُضعت علي شكل أسئلة وإجابات , أجابت عن سؤال : “هل يمكننا زيادة مواردنا المائية ؟”  إجابة حالمة ومنفصلة عن الواقع المحيط بمصر , وهي إجابة تُظهر وزارة الري وكأنها أحد المساهمين الفعليين في صياغة واقع وردي يُرضي مؤسس نظرية الإستقرار ومحاربة الإرهاب بأي ثمن ودون النظر للواقع وهو الرئيس المصري الذي تولي حكم مصر بعد تحرير سيناء , فقد كانت الإجابة بالنص ” علي الرغم من ثبات حصة مصر من مياه النيل عند 55,5 مليار متر مكعب / عام إلا أن وزارة الأشغال العامة والموارد المائية تتوقع زيادة كمية المياه المُتاحة بين عامي 1990 و2017 وذلك من خلال تنفيذ مشروعات أعالي النيل مثل قناة جونجلي وهي أحد المشروعات التي تسعي الدولة جاهدة لتنفيذها , حيث ستوفر لمصر حوالي 2 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل , لكن لُوحظ التباطؤ في وتيرة تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء ومن بين المؤشرات علي ذلك ما أشار إليه  اللواء منير شاش محافظ شمال سيناء الأسبق من أنه تم إختزال المشروع القومي لتنمية سيناء في ترعة السلام (والتي إنحرف تنفيذها بحيث لم تسر في المسار المُخطط لها بل إنحرفت لتقترب من الأراضي التي تتميز بدرجة أكبر من الملوحة ) , كما أن وزارة الموارد المائية والري أصدرت نشرة صادرة عن الجهاز التنفيذي بها لمشروع تنمية شمال سيناء بمعني أن التنمية لا تنسحب علي كل سيناء بل شمالها وفي هذا المنشور أشار الجهاز التنفيذي إلي أن المشروع يستهدف إقامة مجتمع زراعي جديد ومتطور علي مساحة 400 ألف فدان بأراضي شمال سيناء وجعل سيناء إمتداداً طبيعياً لوادي النيل وتقوية وتدعيم سياسة مصر الزراعية وجذب أعداد كبيرة من سكان الوادي الضيق للإقامة في سيناء  .
قياساً علي ما وُصف به المشروع القومي لتنمية سيناء في الدوائر الرسمية المسئولة وفي الإعلام المصري , يمكن للمرء أن يصل إلي نتيجة مُحققة مفادها أن المشروع لم يكتمل إلا جزئياً ومما قيل في تبرير التباطؤ في تنفيذه ثم توقفه أن نظام مبارك أوقف مشروع تنمية سيناء عام 1997 وحول تمويله لمشروع طموح آخر وهو مشروع توشكي , يُضاف إلي ذلك أن وتيرة التناول الإعلامي بشأن مشروعي تنمية سيناء وتوشكي معاً إنخفضت بشكل حاد وملحوظ فنجد مثلاً أن رئيس مجلس الوزراء د . عاطف عبيد عندما أدلي ببيان تفصيلي لحكومته أمام مجلس الشعب في 29 ديسمبر 2002 لم يذكرهما بالأسم وآثر أن يدخلهما في عبارة عامة مقتضبة عندما قال ” أكملنا جميع المشروعات القومية الكبري وأصبحت جاهزة الآن للمشاركة في التنمية “ , أخيراً وتدليلاً علي أن المشروع القومي لتنمية سيناء لم يتحقق داخل إطاره الإستراتيجي المعروف بإعتباره تغيير ديموجرافيا أو الكتلة السكانية السيناوية كماً وكيفاً بإضافة ما يربو عن 3 مليون مواطن للإستيطان داخل سيناء وفقاً لمعايير تنموية مُخططة وهو ما لم يحدث بسبب الضغوط وربما التهديدات الإسرائيلية / الأمريكية للرئيس المخلوع مبارك الذي كان داخل مصر ديكتاتور وخارجها تابع ذليل , وتأكيداً لكل ذلك نقرأ أن اللواء أحمد عبد الحميد محافظ شمال سيناء أشار في حديث صحفي في أبريل 2002 إلي أنه ” غير راض عن معدلات التوطين الحالية حيث يظل العدد أقل من طموحاتنا وهذا المعدل المتواضع سببه عوامل عديدة ترتبط بثقافة المواطن المصري أكثر من إرتباطها بعوامل وظروف الإقليم , بالإضافة إلي ان غالبية من يرغب في الإستقرار في سيناء يشترط أن يحصل علي المركز الجيد بديلاً عن موقعه المتواضع في الوادي وأن يحصل علي راتب لا يقل عن ضعف راتبه السابق قبل وصوله إلي هنا ” . ( الأهرام 25 أبريل 2002) , وقد شاركت في أحد إجتماعات لجنة الأمن القومي بمجلس الشوري عام 2002 وكان مُخُصصاً لمناقشة الأوضاع في غزة ولاحظت سيلاً من الإنتقادات التي أبداها أعضاء اللجنة الذين وبالرغم من أن غالبيتهم من الحزب الوطني إلا أنهم أشاروا في حسرة إلي التباطؤ المثير للشك في تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء وربط بعضهم هذا التباطؤ المثير للشك بضغوط إسرائيلية تُمارس علي الرئيس المصري بألا يُقدم علي تغيير الخريطة السكانية لسيناء ولإبقاء عليها كمنطقة ساكنة راكدة Static مصمته في نظرية أمن مصر القومي يجب عزل الجزء الأكبر منها عن الحدود مع إسرائيل وعن غزة , خاصة وأن الأحداث المريرة كانت قد بدأت في التتابع بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر مع قطاع غزة ومحاولة مصر الإبتعاد عن هذه المشكلة وهو أمر كان أيضاً مثاراً للإنتقاد من أعضاء اللجنة في حينه . 
إذن من اليسير في ضوء ما تقدم بيانه التأكيد ثانية علي أن الإصرار السعودي علي أيلولة جزيرة تيران تحديداً للملكة العربية السعودية وراءه ضغط أمريكي تثبته الوثيقتين المُشار إليهما والمادة الثانية من الملحق (1) من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بنزع السلاح في المنطقة (ج) من سيناء والمتاخمة للحدود الدولية المصرية الإسرائيلية تحقيقاً لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي, ولا يمنع ذلك أن تكون إيلولة الجزيرة رغبة سعودية لكنها كما تلبي إحتياج سعودي تلبي أيضاً متطلبات الأمن القومي الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة .
إن قضية جزيرة تيران لا يمكن فصلها عن إنهيار نظام الأمن الجماعي العربي وبالرغم من أن السيادة المصرية علي جزيرتي تيران وصنافير حسمها القضاء المصري ( مجلس الدولة) ومن قبله القطاع الحر المُنضبط وطنياً من الشعب المصري , إلا أنه تجب الإشارة إلي أن هناك إحتمال مُرجح في أن ينجح الطامعون في إتمام صفقة الإستيلاء علي هذا الجزء النائي العزيز من الوطن المصري الذي هان في الوقت الحاضر علي قطاع آخر من الشعب المصري , في الوقت الذي يمارس هؤلاء الطامعون أسوأ صنوف الإغراء بإستعراض  قدراتهم المالية لسلب مصر حقها السيادي , وهم إن نجحوا الآن في ذروة عزهم المالي فهم لن يتمكنوا يوم أن يملك المصريون أمرهم من الإحتفاظ بها فسيستردها المصريون يوم تحقيقهم طموحهم في الديموقراطية وإمتلاك بأسهم الذي أضاعه من هم علي شاكلة رئيس مجلس وزراء أدعي أن مكانة مصر تتحقق بالتسول ولو حتي ممن هم دون مصر في حيازة ماض تليد وتراث حضاري …. ستسترد مصر كل ما ضاع منها بمعونة الله تعالي القيم والأرض أي ستسترد كل ما أُخذ منها غيلة وغدراً .
إن أيلولة جزيرة تيران للسعودية ليست بالضبط إنتقال للسيادة السعودية فقبل ذلك هي إنتقال لمفهوم أو منهج Methodologyعسكري مختلف فالسعودية لم تكن عسكريتها في يوم من الأيام في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل كمصر التي خاضت مواجهات عسكرية مباشرة ضد إسرائيل منذ ما قبل مايو 1948 وحتي 26 مارس 1979 أو أنها (السعودية) علي الأقل لا تعد من دول المواجهة مع إسرائيل , صحيح أنها ودول الخليج دعمت مصر والأردن وسوريا مالياً بموجب مقررات مؤتمر القمة العربية بالخرطوم عقب نكبة 5 يونيو 1967 وهذا موقف نبيل منهم جميعاً بلا أدني شك إلا أن السعودية لم  تدفع ضريبة دم للإحتفاظ بتيران كما فعلت مصر , ولذلك وبمقاييس اليوم لابد أن نقر أن أيلولة تيران للسعودية يعني – وهذا ما أكده المسئوليين الإسرائيليين – أن السعودية ستتعامل مع مدير القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء المصرية المُنشأة بموجب بروتوكول تم التوقيع عليه في واشنطن بتاريخ 3 أغسطس 1981 بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل , ولأن تيران ستصبح ضمن الأراضي السعودية فسينصرف معني ومبني الإتفاقات والتعهدات العسكرية التي وُقعت بين السعودية والولايات المتحدة عليها , وبالتالي فيمكننا – من الوجهة الموضوعية – تصور تمركز عسكري أمريكي في تيران تابع مثلاً للقيادة المركزية العسكرية الأمريكية USCENTCOMالتي يقع مقر قيادتها الرئيسية في البحرين جنباً إلي جنب مع عناصر القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء .
عندما نتكلم عن الصراع بين العرب وإسرائيل فلابد لنا أن نتذكر بكل ما في القلب من أسف علي ما يقوله القادة العرب ولا يفعلونه , فلقد قال ياسر عرفات في تصريح له للواشنطن بوست في مارس 1970 ” إن هدف نضالنا هو نهاية إسرائيل ولا حل وسط في هذا ” ثم قال لصحيفة الموندو . كاراكاس  بفزويلا في فبراير 1980 ” إن السلام بالنسبة لنا يعني تدمير إسرائيل ” , وقال لإذاعة مونت كارلو في أغسطس 1994 ” سوف لا تمتد يدي أبداً لتلغي فقرة واحدة من الميثاق الوطني الفلسطيني ” وغير ذلك كثير من التصريحات المشابهة , لذلك فالسبب الوحيد لضياع العرب هو ضلال قياداتهم وتخليهم عن الهوية الإسلامية وعروبتهم ومعهما إفتقادهم الإرادة الحرة المُستقلة وكان عرفات نموذجاً لذلك , وإذا علمنا ثم أدركنا تمام الإدراك أن قادة إسرائيل لم يتخلوا أبداً عن هويتهم اليهودية الصهيونية – والفرق بينهما صنعه الإعلام وغفلتنا – وأنهم مُسلحين بإرادة وعزم ثابت لا يتزعزع بعدالة قضيتهم علي ما بها من باطل , لما عثرنا علي نموذج شاذ سياسياً كالذي تصوره أوضح تصوير رغبة السعودية الحثيثة في إستئصال جزيرة تيران من جسد الأرض المصرية نظير ثمن لا يقل عن حقد المصريين عليهم , وذلك نظير مقابل خارج نص ما يُسمي بالأمن الجماعي العربي .
إن قضية تيران أنشأت رغبة مصرية مُؤجلة في الإنتقام وفي نفس الوقت وأدت مرة واحدة وللأبد ما يُسمي بالأمن الجماعي العربي , وذلك ليس من قبيل المبالغة ولا التشاؤم إنه صور الحاضر ورسائلة المُرسلة للمستقبل العربي .

القاهرة . تحريراً في 6 أبريل 2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى