تركيا: من فشل الانقلاب العسكري إلى التعديل الدستوري والتحول نحو النظام الرئاسي
شهدت تركيا يوم الأحد 16 نيسان (أفريل) 2017 حدثا تاريخيا في مسارها السياسي، ويتعلق الأمر بإجراء استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية المقترحة لتغيير نظام الحكم. وقد أفرز هذا الاستفتاء نتائج رسّمت بشكل صريح تحول النظام السياسي التركي في بنائه الدستوري من الشكل البرلماني إلى الشكل الرئاسي، وأن تركيا دخلت عهدا جديدا وهي على مقربة من الاحتفال بمئوية تأسيس جمهورية تركيا الحديثة (1923-2023). ولهذا، فإن أهمية هذا الحدث تتطلب تحليلا عقلانيا وموضوعيا لنتائجه ودلالاته وإفرازاته على طبيعة النظام السياسي التركي من حيث دمقرطته، وفي نفس الوقت البحث عن خلفيات ومقاصد التحول نحو النظام الرئاسي، والانعكاسات التي سيفرزها الاستفتاء على مكانة حزب العدالة والتنمية داخل النظام السياسي التركي.
السياق العام للتعديلات الدستورية:
من المعلوم أن تركيا تشهد منذ بداية القرن الواحد والعشرين مسارا انتقاليا نحو الديمقراطية، وفي نفس الوقت تشهد مسارا تنمويا ناجحا على المستوى الاقتصادي أدى إلى بروزها من أهم القوى الصاعدة على مستوى الشرق الأوسط، وكذلك على المستوى العالمي.
في مثل هذه الحالات الانتقالية تمر الدولة عادة بمراحل عديدة وبصفة تدريجية كي تستكمل مسارها التحولي والتنموي، ولعل أهم المراحل هنا هي مرحلة تفكيك النظام القديم التسلطي بمختلف أجهزته وقيمه وفئاته المنتفعة منه ثم الانتقال نحو مرحلة بناء مؤسسات جديدة، أساسها التعددية والحرية والتنافس النزيه في الانتخابات والتداول على السلطة والمشاركة الواسعة في إدارة الدولة. لتليها مرحلة ترسيخ الديمقراطية في المجتمع، حيث تصبح الديمقراطية قيمة أساسية من قيم المجتمع يؤمن بها الأفراد ويمارسونها في سلوكياتهم، ويتخذونها كأساس لبناء النظام السياسي ومؤسساته، وهنا يصبح المجتمع غير قابل للتنازل أو التراجع عن الديمقراطية.
بناء على ذلك، يبدو أن حكومة العدالة والتنمية في تركيا اختارت منذ سنة 2002 الدخول في مسار إصلاحي شامل وتدرجي للنظام السياسي مع مراعاة البيئة الداخلية والخارجية لتركيا، والأخذ بعين الاعتبار عدم إثارة القضايا التي تعيق هذا المسار وترك كل مسألة في وقتها المناسب. وفي هذا السياق، تأتي التعديلات الدستورية كمرحلة من هذا المسار التحولي للدولة التركية سياسيا واقتصاديا، داخليا وخارجيا. وهذا يعني أن التعديلات الدستورية الأخيرة ليست هي نقطة النهاية، وإنما هي مرحلة سابقة لمراحل أخرى ستأتي في السنوات القادمة لإضفاء مزيد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية على النظام السياسي في تركيا.
الانقلاب العسكري الفاشل:
في ثنايا هذا المسار الانتقالي الذي تمر به تركيا، تظهر الفئات المتضررة منه لتقاوم أي محاولة للتغير الايجابي وتحاول استعادة نفوذها والرجوع إلى النظام القديم المبني على محورية دور المؤسسة العسكرية في الدولة والنظام السياسي. ولعل الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا يوم 15 جويلية 2016، يبيّن لنا بوضوح أن هناك تيارا متغلغلا في أجهزة الدولة التركية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية مازال يطمح لإعادة تركيا إلى الماضي ويريد إعادة بناء نظام سياسي يحكمه الجيش، لكن هذا الانقلاب لم ينجح وفشل أصحابه في الوصول إلى أهدافهم.
إن القراءة التقييمية للمحاولة الانقلابية الفاشلة، توحي أن الديمقراطية والانتخابات أصبحت هي الأسلوب المفضل لدى الأتراك في الوصول إلى السلطة وممارستها. ولعل ما يؤكد ذلك هو خروج أعداد كبيرة من الشعب التركي إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للانقلاب. إضافة إلى الموقف الرافض الذي عبرت عنه منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بما فيها المعارضة، حيث رفضت هذه القوى إعطاء أي غطاء سياسي للانقلاب العسكري أو منحه الشرعية. وبالتالي، فإنّ فشل الانقلاب العسكري هو بمثابة إعلان القطيعة مع حكم العسكر، وهو يشكل نقطة اللارجوع عن المسار الديمقراطي الذي انعكس إيجابا على الحياة العامة للشعب التركي.
مضمون التعديلات الدستورية:
يحتوي مشروع “التعديلات الدستورية” المقترحة مجموعة من البنود التي من شأنها تغيير طبيعة نظام الحكم في تركيا، إضافة إلى تعديلات أخرى ذات طابع مؤسساتي. فمشروع التعديلات يتضمن ثلاثة مستويات:
على مستوى السلطة التنفيذية، يشير مشروع التعديلات أن رئيس الجمهورية سيكون على رأس الحكومة، وأن السلطة التنفيذية ستكون بيد رئيس الجمهورية الذي يمكنه المحافظة على علاقته مع حزبه. وفي نفس الوقت تضمنت التعديلات أن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية يجب أن يحصل على 100 ألف صوت على الأقل للترشح، ويمكنه الترشح لهذا المنصب لدورتين على الأكثر مع إجراء انتخابات رئاسية مرة واحدة كل 5 سنوات. ورئيس الجمهورية هو الذي يتولى تعيين نوابه ووزرائه، ويستطيع أن يصدر قرارات في المواضيع المتعلقة بالسلطة التنفيذية. وعند ارتكاب رئيس الجهورية لجريمة ما، إذا صوت مجلس النواب بأقلية من مجموع الأعضاء سيطلب فتح تحقيق بحقه، وإذا صوت المجلس بثلث النواب في تصويت سري، سيعطى قرار بفتح وبدء التحقيق، وإذا صوت المجلس بأغلبية ساحقة عن طريق التصويت السري، سيتم تحويل الملف إلى المحكمة العليا. [1]
على مستوى السلطة التشريعية، تتضمن التعديلات الدستورية أن عدد النواب في البرلمان سيرتفع من 550 إلى 600 نائب، وتخفيض سن الترشح إلى 18 سنة فقط، وأن الانتخابات التشريعية تجرى مرة واحدة كل 5 سنوات، ويستمر البرلمان كذلك في استخدام سلطاته بوضع وتغيير القوانين. أما على مستوى السلطة القضائية، أشارت التعديلات الدستورية إلى إزالة المحاكم العسكرية، وتخفيض أعضاء المحكمة الدستورية من 17 إلى 15 عضوا.[2]
نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية:
قبل إجراء الاستفتاء الشعبي تم عرض التعديلات الدستورية على البرلمان لمناقشتها والتصويت عليها، وهذا ما تم بالفعل حيث صادق البرلمان التركي على تلك التعديلات المقترحة يوم 21 يناير 2017 بأغلبية 339 صوتًا ومعارضة 142 نائبا. وقد امتلك حزب العدالة والتنمية الحاكم (صاحب مشروع التعديلات) 316 صوتًا في البرلمان المكون من 550 عضوًا، وبمساعدة بعض أعضاء حزب الحركة القومية اليميني تم تمرير التعديلات الدستورية على هذا النحو بعد جدل واسع في البرلمان. وقد صوّت حزب الشعب الجمهوري ضد التعديلات، رافضًا فكرة تغيير شكل نظام الحكم، في الوقت الذي قاطع فيه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عملية التصويت داخل البرلمان. بعد ذلك، وقّع الرئيس رجب طيب أردوغان على القانون المتعلق بالتعديلات الدستورية يوم 10 فبراير 2017، وأحاله إلى رئاسة الوزراء بهدف طرحه للاستفتاء الشعبي[3].
وبالفعل عرض مشروع التعديلات الدستورية على الاستفتاء يوم الأحد 16 أفريل 2017، حيث جرت عملية التصويت في ظروف هادئة. و بعد نهاية عملية التصويت وفرز الأصوات ظهرت نتائج مبشّرة للرئيس أردوغان وحكومة العدالة والتنمية، حيث بلغت نسبة المشاركة 85.46 بالمائة إضافة إلى 46.95 بالمائة نسبة مشاركة الأتراك في الخارج، وكلاهما تعبران عن المشاركة الشعبية الواسعة في الاستفتاء سواء داخل تركيا أم خارجها. لكن الأهم من ذلك هو التصويت بـ “نعم” بنسبة 51.4 بالمائة مقابل 48.6 بالمائة صوتت بـ “لا” من مجموع الأصوات المعبر عنها. سُجلت أعلى نسبة تأييد في مدينة بايبورت على البحر الأسود بنسبة 81.79% وأعلى نسبة رفض في تونجالي مسقط رأس زعيم المعارضة بنسبة 80.04% في حين رفضت عدة مدن كبيرة التعديل بنسب متفاوتة، تأتي في مقدمتها محافظة إسطنبول 51.4 %ومحافظة أنقرة %51.2 وأزمير %68.88وديار بكر %61.66.[4].
مقاصد التحول نحو النظام الرئاسي:
وفقا لمضمون التعديلات الدستورية المقترحة، يظهر أن هناك العديد من المقاصد التي تسعى النخبة الحاكمة في تركيا إلى الوصول إليها. وفي هذا الإطار، يجب الابتعاد عن التحليلات السطحية التي تشير إلى أن الرئيس أردوغان يريد احتكار السلطة لوحده أو يريد التوجه نحو نظام ديكتاتوري.
وإنما هذه التعديلات الدستورية ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق المقاصد الآتية:
- ترسيخ تمدين الحكم، والقطيعة مع الانقلابات العسكرية التي تعد سمة بارزة في تركيا، وتشكل أهم تهديد لاستقرار النظام السياسي التركي. وبحكم أن دستور 1982 تم وضعه بعد الانقلاب العسكري سنة 1980، فإن مضمونه جاء لحماية مصالح المؤسسة العسكرية وضمان نفوذها عبر تبني نظام حكم برلماني غير واضح المعالم، وجعل رئيس الجمهورية ينتخب من طرف نواب البرلمان لكنه يتمتع بصلاحيات معتبرة. من جهة أخرى، استغلت المؤسسة العسكرية في الكثير من الحالات وجود مجلس الأمن القومي والقضاء العسكري للتدخل في الشأن السياسي أو التأثير في السياسات المنتهجة لاسيما السياسة الخارجية. ولهذا، فإن التحول نحو النظام الرئاسي وإلغاء القضاء العسكري يهدف إلى إعادة الاعتبار إلى مؤسسة الرئاسة من حيث جعل رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من طرف الشعب، وكذلك منحه الصلاحيات الدستورية اللازمة ليكون هو الرئيس الفعلي للدولة في إطار نظام رئاسي واضح.
وبحكم أن التعديلات الدستورية تزامنت مع الانقلاب الفاشل، فقد زادت قناعة النخبة الحاكمة بضرورة التحول نحو النظام الرئاسي، لإحداث القطيعة مع ظاهرة الانقلابات العسكرية. وكذلك إعادة بناء علاقات مدنية عسكرية على أسس ديمقراطية، بحيث تصبح المؤسسة العسكرية ملتزمة فقط بصلاحياتها الدستورية في مجال الدفاع والأمن القومي، وتخضع للسلطة المدنية المنتخبة مثلما هو سائد في البلدان الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.
- القضاء على ازدواجية صنع القرار التي كانت سائدة في الدستور التركي لسنة 1982 بوجود رأسين للسلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء)، مع العلم أن كل طرف له صلاحيات مهمة، مما أوجد حالة من تضارب الصلاحيات. وقد زادت هذه الازدواجية منذ أن أصبح رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من طرف الشعب. ولهذا، فإن التعديلات الدستورية جاءت لتوحيد رأس السلطة التنفيذية، حيث يكون رئيس الجمهورية هو نفسه رئيس الحكومة وهو الذي يختار الوزراء ويعينهم. وفي المقابل يصبح البرلمان هو فضاء المعارضة، بمعنى أن البرلمان سيصبح ميدانا للصراع السياسي بين النخبة الحاكمة والمعارضة، وفيه ستحسم القضايا الخلافية بآليات مؤسسية ودستورية.
- بناء الاستقرار المؤسساتي، والتخلص من الحكومات الائتلافية التي تعتبر ميزة مرتبطة بالنظام البرلماني لاسيما في نظام التعددية الحزبية المطلقة وفي المجتمعات الانقسامية، حيث يصعب على أي حزب سياسي أن يشكل الحكومة بمفرده ويجد نفسه مجبرا على التحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة تتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان. وقد شهدت تركيا هذه الحالة في انتخابات جوان 2015، حيث فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية 40 بالمائة فقط من الأصوات منعته من تشكيل الحكومة بمفرده، وفي نفس الوقت، فإن الانسداد السياسي الحاصل آنذاك بين الأحزاب والتيارات السياسية لم يساعد على تشكيل حكومة ائتلافية مستقرة، فتم إجراء انتخابات مبكرة في نوفمبر 2015 مرة ثانية.
إن الحكومات الائتلافية في ظل التعددية الحزبية المطلقة وفي ظل مجتمع انقسامي كالمجتمع التركي، هي حكومات تعيق الاستقرار المؤسساتي بحيث تتزايد حدة الاستقطاب السياسي بين الأحزاب مما يجعل الحكومات مهددة بالسقوط في أي لحظة، وبالتالي يتم اللجوء في كل مرة إلى إعادة الانتخابات، وهذا من شأنه إهدار الوقت والمال، وإضعاف الأداء التنموي لمؤسسات الدولة. وبحكم أن تركيا تعيش مرحلة من التحول ومسارا تنمويا ناجحا، فان النخبة الحاكمة وجدت نفسها بحاجة ماسة إلى استقرار مؤسساتي على مستوى الحكومة وعلى مستوى السلطة التشريعية، حيث تصبح الانتخابات الرئاسية والتشريعية تنظم مرة واحدة كل 5 سنوات، وفي نفس الوقت المرشح الذي يفوز بالأغلبية المطلقة يشكل حكومته التي ستكمل العهدة الرئاسية، وهذا من شأنه تعزيز الأداء السياسي والتنموي للسلطتين التنفيذية والتشريعية.
- تفعيل السياسة الخارجية واستكمال بناء القوة التركية، وهذا الأمر مرتبط بالعناصر السابق ذكرها. فتركيا حاليا بحاجة إلى مؤسسات سياسية قوية بشرعيتها ومستقرة، تمكنها من استكمال مسارها التنموي الناجح. ولهذا، فإن التحول نحو النظام الرئاسي يأتي كإصلاح دستوري بهدف بناء مؤسسات سياسية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية لاسيما في ظل التحولات الإقليمية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط على إثر الثورات العربية، وكذلك في ظل تزايد حدة التنافس الإقليمي والدولي. كما أن تركيا الحالية تطمح إلى تحقيق مسعاها بالتحول من “بلد جسر” إلى “قوة عالمية” حسب ما ذكره أحمد داوود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي”. وهذا الطموح يتطلب وجود قيادة سياسية فاعلة، ولديها القدرة على رسم وتفعيل توجهات السياسة الخارجية التركية.
حزب العدالة والتنمية، حزب حاكم يتوجه نحو حزب مهيمن:
تعالج الأدبيات النظرية المتعلقة بالظاهرة الحزبية تصنيف الأحزاب السياسية، وقد اختلفت معايير التصنيف في هذا الشأن بين المعيار البنيوي (أحزاب الأطر، وأحزاب الجماهير)، والمعيار الإيديولوجي (أحزاب ليبرالية، أحزاب اشتراكية، …الخ)، ومعيار الحجم (أحزاب كبيرة، وأحزاب صغير)، وغيرها من المعايير. غير أن هناك معيار آخر يتعلق بمكانة الحزب داخل النظام السياسي، حيث تصنف الأحزاب السياسية إلى أحزاب حاكمة تتولى الحكم لفترة محددة، وأحزاب معارضة تمارس دور المعارضة السياسية سواء داخل المؤسسات السياسية أو خارجها، وهناك أحزاب مهيمنة تصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية النزيهة والشفافة، لكنها تتمكن بفضل أدائها الناجح من البقاء في السلطة لفترة طويلة في الحكم، مما يمكنها من التأثير في سياسات النظام وأبنية الدولة.
انطلاقا من هذا التوصيف النظري لتصنيف الأحزاب السياسية، يبدو أن معيار مكانة الحزب داخل النظام السياسي معيار ملائما لتصنيف الأحزاب السياسية في تركيا، وبصفة أخص إعطاء تصنيف يلائم وضعية حزب العدالة والتنمية كفاعل في السياسة التركية منذ سنة 2002.
يعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى يوم 16 نيسان (أفريل) 2017 هو الاستحقاق الانتخابي رقم 12 الذي يفوز فيه حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة على إثر الانتخابات النيابية في نوفمبر 2002. ويدل هذا على تجذّر شعبية الحزب في المجتمع التركي وتزايد وعائه الانتخابي، فليس من السهل أن يحافظ حزب سياسي على الأغلبية في 12 استحقاقا انتخابيا متتاليا بين انتخابات نيابية، وانتخابات محلية، ثم انتخابات رئاسية أجريت سنة 2014.
إن هذه الاستحقاقات الانتخابية المتتالية التي جعلت من حزب العدالة والتنمية الحزب الأول في تركيا خلال 15 سنة كاملة، توحي بأن الاستفتاء على التعديل الدستوري الأخير يعد تتويجا للمسيرة الناجحة لهذا الحزب في قيادة الدولة، لاسيما النجاحات الكبرى التي حققتها تركيا في مسارها التنموي، وكذلك فعالية السياسة التركية على المستوى الإقليمي والدولي رغم ما شابها من تذبذب في السنوات الأخيرة.
إن نجاح الاستفتاء ونجاح الحكومة في تمرير التعديلات الدستورية فتحت المجال واسعا أمام حزب العدالة والتنمية للتحول من حزب حاكم إلى حزب مهيمن داخل النظام السياسي التركي، وهذا بالنظر إلى أن شخصية هذا الحزب وأفكاره وسياساته أصبحت تطبع النظام السياسي والدولة التركية معا. وبمعنى أوضح، فإن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وحكومة العدالة والتنمية نجحوا في إعادة هندسة النظام السياسي التركي وفق رؤية جديدة تضمن إعادة إحياء تركيا كقوة صاعدة.
إن تحول حزب العدالة والتنمية نحو حزب مهيمن لا يعني بالضرورة التراجع عن المسار الديمقراطي والتوجه نحو الديكتاتورية، فمادام أن الانتخابات تتوفر على معايير النزاهة والشفافية وحرية التصويت وكذلك تتميز بالتنافسية، فلا خوف على الديمقراطية في تركيا.
[1] تعرف على أهم المواد في التعديلات الدستورية الجديدة، تركيا بوست، 11 يناير 2017، في:
http://www.turkey-post.net/p-183028/
[2] الموقع نفسه.
[3] أسامة الصياد، “الجمهورية الجديدة…أبرز ملامح مشروع تعديلات الدستور التركي،” نون بوست، 2 مارس 2017، في:
https://www.noonpost.org/content/16881
[4] سعيد الحاج، “إقرار النظام الرئاسي بتركيا…الدلالات وخارطة الطريق،” الجزيرة، في:
www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2017/4/17