حلايب : كعب أخيل العلاقات المصرية – السودانية
اعداد السفير: بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر
- المركز الديمقراطي العربي
اشار موقع MIDDLE EAST MONITOR في 18 مايو 2017 إلي التصريح الذي أدلي به Della Medicin نائب وزير الخارجية الإثيوبي إلي وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية Ethiopia News agencyوالذي أوضح فيه ” إن منطقة حلايب قد أدارتها السودان منذ عام 1956 وأنها كانت موضوعاً لإتفاقيات بين السودان والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك , إذ أن المنطقة كانت نطاقاً لترتيبات تعاون مُشترك , وإذا ما كانت السودان ومصر تريدان بصدق تنمية المنطقة , فيلزم أولاً الإتفاق علي أنها تنتمي للسودان ووقتها يمكن وضع إتفاقات مُنفصلة بشأن الإستخدام الممكن لها ” ثم أردف فأشار إلي أن الوثائق التاريخية تثبت أيلولة المنطقة للسودان الذي أودع شكواه ضد مصر في هذا الشأن لدي مجليس الأأمن الدولي عام 1958 ويجددها كل عام أملاً في أن يُطرح النزاع يوماً علي محكمة العدل الدولية .
في الواقع فإن التدخل الإثيوبي الرسمي علناً في النزاع المصري / السوداني علي منطقة حلايب غير مسبوق وهو تدخل تتيحه في كل وقت الحالة السيئة المزمنة التي عليها العلاقات المصرية / الإثيوبية , لكنها أول مرة تبادر الحكومة الإثيوبية بإبداء وجهة نظرها الرسمية فيه علناً , مما يعني أن الوقت الحالي هو الأنسب لتوجيه هذه الضربة للسياسة المصرية , ومما يؤكد خطورة التدخل العلني الإثيوبي في النزاع علي حلايب أن لا دولة أفريقية أو قوة دولية أدلت بوجهة نظرها فيه , وبالرغم من أن إثيوبيا تحديداً علي سوء علاقتها بمصر تعد الدولة الأقل إحتمالاً في الإدلاء بدلوها في هذا النزاع لأن بينها وبين السودان نفسه نزاع حدودي أكبر وأكثر أهمية من الوجهة الإقتصادية , ومن الضروري عرضه لبيان القدر الواضح من الإزدواجية وعدم الإتزان في المنطق المُستخدم في بعض القضايا السياسية مثل هذه القضايا التي من المُفترض تناولها بالقدر الذي يناسبها من النضج والإستقامة , كذلك فإن بيان الخلاف الحدودي الإثيوبي/ السوداني سيُظهر إلي مدي تم إستخدام ملف النزاع علي حلايب إستخداماً توظيفياً مفرطاً خدمة لقضايا أخري لا تتعلق به بصفة مباشرة وهو ما يصفه البعض بالنفاق السياسي :
النزاع الحدودي السوداني / الإثيوبي :
تعد العلاقات الإثيوبية / السودانية الأقوي نسبياً في فترة حكم ” ثورة الإنقاذ الوطني 30 يونيو 1989 حتي الآن ” , إذا ما قيست بمجمل فترات الحكومات التي تعاقبت قبلها علي حكم السودان منذ إستقلاله في أول يناير 1956 , وكذلك هي , إذا ما قيست بالعلاقات الثنائية بين كل منهما ودول جوارهما في شرقي أفريقيا , من جهة أخري فالعلاقات الثنائية بين السودان ومصر في الفترة من 1990 حتي الآن تعد الأسوأ إذا ما قيست بالفترات السابقة منذ إستقلال السودان وحتي 6 أكتوبر 1981 وذلك علي الرغم من أن هذه العلاقات تُوصف إعلامياً بأنها تاريخية وأزلية إلا أن بنيانها تعرض منذ تولي الرئيس مبارك السلطة في مصر في أكتوبر 1981 ومازال يتعرض لشروخ عميقة , وفي هذه الفترة الطويلة التي تردت فيها العلاقات المصرية / السودانية تمددت العلاقات الإثيوبية السودانية فشغلت معظم المساحة التي كانت كبيرة نسبياً للعلاقات المصرية / السودانية والتي إنتقلت بإرادة مُشتركة متأثرة بتقاطع العوامل السلبية لعلاقات السودان العدائية مع مصر وأرتريا وعلاقات إثيوبيا التي لا تقل عدائية معهما أيضاً , فأنتقلت من نموذج المواجهة ودعم كل منهما لقوي المعارضة المُناوئة لهما إلي نموذج التنسيق والبحث عن المصالح المُشتركة لتطويرها والبناء عليها , إلا أن أحد القضايا القليلة الشائكة التي لم تستطع الدولتان تجاوزها أو حلها حتي يومنا هذا هي قضية التنازع علي الخط الحدودي الفاصل بين البلدين , وسأعرض في نفس هذا الإطار لوضعية الخط الحدودي بين أرتريا والسودان أيضاً لأثبت – مع أن الأمر لا يحتاج عادة لذلك – أن أديس أبابا والخرطوم لأنهما أرادتا العمل علي قاعدة إستراتيجية فقد تجاوزتا الخلاف الحدودي بينهما , فيما لم ترد أسمرا ولا الخرطوم ذلك بل عملا كل بوسائله , علي إتخاذ الآخر خصما بل عدواً للآخر بالرغم من أن لا خلاف بينهما علي الحدود إذ إنها مُتفق عليها كما سيتبين من العرض اللاحق وهو مأخوذ عن وثيقة رسمية سودانية صادرة عن مصلحة المساحة السودانية , وإن أكد هذا الوضع شيئ فهو يؤكد أن هناك إمكانية لتجاوز السودان نزاعه الحدودي مع مصر لولا أن الخلاف المنهجي المصري السوداني مع نموه وصل إلي حد الخلاف الإستراتيجي بين القاهرة والخرطوم ممكا أسبغ علي النزاع علي حلايب بصمة النزاع الإستراتيجي مع أنه خلاف حدودي إستطاع الرئيس عبد الناصر تجاوزه مع الفريق عبود ولم يمنع التوصل إلي التوقيع علي الإتفاقية الوحيدة بين دولتين من دول حوض النيل العشر أعني إتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل بالقاهرة في 8 نوفمبر 1959 ولم يمنع الرئيسين السادات ونميري من إرساء أهم إتفاق حدث في علاقات البلدين بل في علاقاتهما الدولية أعني إتفاق التكامل عام 1974 وهو شكل ناضج من أشكال الوحدة , وهو ما يشير إلي وهن الإرادة السياسية في الذود عن مجمل بنيان العلاقات الثنائية المصرية / السودانية , بمعني آخر فإن الخلافات الحدودية يمكن أن تكون حبراً سرياً تُكتب به سطور العلاقات أو مُظهراً لهذا الحبر السري وكلا الوضعين رهناً بالإرادة المُشتركة , وفيما يلي وضعية خط الحدود بين السودان الجنوبي والسودان الشمالي من جهة وإثيوبيا وأرتريا من جهة أخري ثم مقارنة بين التناول السوداني/ المصري لنزاع الحدود بينهما بشأن مثلث حلايب :
الحدود السودانية مع إثيوبيا :
تحددت الحدود بين إثيوبيا والسودان في مستهل القرن العشرين نتيجة إتفاقيات أُبرمت عام 1902 و1907 والمعاهدة الإثيوبية البريطانية لتعيين الحدود عامي 1903 و 1909 , وفي الواقع هناك لغط وشكوك تُثار تتعلق بصفقة سرية لعملية إعادة تحديد وتعليم حدود البلدين تمت بين البلدين في وقت غير مُحدد بدقة إلا أن ذلك – وفقاً لهؤلاء – يقع في الفترة السابقة لعام 2009 , وفي الواقع فإن تعيين الحدود في أفريقيا عموماً عمل يتسم بصعوبة بالغة وحالة السودان مع إثيوبيا أوضح مثال علي ذلك, فهذه الحدود (قبل إنفصال جنوب السودان عن شمالهفي 9 يوليو 2011) تبلغ 1600 كم وهناك تشابه بين البلدين حتي في مسماهما فإثيوبيا باللغة اليونانية القديمة تعني “الأسود” والسودان في اللغة العربية يعني أيضاً ” أسود ” , إضافة إلي أن قبائل النوير والأنواق والبيرتا يعيشون في الأراضي الإثيوبية وفي الأراضي السودانية المجاورة وتجري أنهار تنبع من إثيوبيا هي العطبرة والنيل ABAY و MEREB والسوباط لتصل علي الجانب الآخر في السودان , ويُلاحظ أن الحدود الإثيوبية / السودانية الدولية تبدأ من الحدود الأرترية مع السودان لتصل حتي النيل الأزرق حيث مناطق التيجراي والأمهرا ( وهو تحديد يعبرعن مدي التقسيم الذي أحدثه خط الحدود الفاصل بين البلدين فنفس القبيلة تجدها علي جانبي الحدود) لكن – وهذه مفارقة – لم يؤد هذا الإنسجام العرقي للقبيلة الواحدة علي جانبي الحدود الإثيوبية / السودانية إلي اللجوء لتحديد خطوط إدارية للحدود كما فعلها الإنجليز في حالة حلايب , وربما لا أبالغ إن وصفت حالة الحدود الإثيوبية / السودانية بأنها الأكثر تعقيداً من حالة مثلث حلايب حيث يدخل في عوامل التعقيد تنوع الأنشطة الزراعية / الرعوية و الإقتصادية والتجارية للقبائل الواحدة التي شطرها خط الحدود , لكن مع ذلك ظل نزاع الحدود الإثيوبية / السودانية مكتوماً وهو لذلك الأقل دوياً علي كل حال .
وضع الحدود بين السودان من جانب وإثيوبيا وإرتريا من جانب آخر :
يوضح التقرير الصادر عن مصلحة المساحة السودانية والمُؤرخ في 31 مارس 1966 وضع الحدود الإثيوبية (والإرترية) / السودانية أي قبل 26 سنة من إعلان إستقلال إرتريا في 23 مايو 1993 , مع ملاحظة ان الحدود الإثيوبية المُبينة بهذا التقرير يقع موضوعها علي ثلاث قطاعات من الحدود الأول قطاع الحدود الإثيوبية مع السودان والثاني قطاع الحدود الإثيوبية مع جنوب السودان بعد إعلان إستقلال الأخيرة في 9 يوليو 2011 , والثالث قطاع الحدود السودانية مع أرتريا (بعد إعلان إستقلالها عن إثيوبيا وإعتراف الأمم المتحدة بها رسمياً كدولة عضو ومستقلة في 28 مايو 1993) , وفيما يلي ما ورد بهذا التقرير الرسمي الذي قسمت بموجبه مصلحة المساحة هذه الحدود إلي قسمين :-
- القسم الأول / ويتعلق بالجزء الشمالي من إثيوبيا وطوله 1315 كم تقريباً .
- القسم الثاني / ويتعلق بالجزء الجنوبي من إثيوبيا وطوله 290 كم تقريباً .
ألف : الحدود الإثيوبية / السودانية :
يبدأ الجزء الشمالي من حدود السودان وإثيوبيا من نهاية حدود إرتريا وينتهي في تقاطع خط العرض 6 درجة شمالاً مع خط الطول 35 شرق جرينتش , وقد تم الإتفاق علي تعيين الحدود في هذه المنطقة بموجب معاهدة 1902 التي وقع عليها الجانبين البريطاني والإثيوبي , وقد أُرفقت مع المعاهدة خريطة توضح الحدود المُقترحة وهي المُشار إليها ” بالخط الأحمر” , كما نصت المادة الثانية من هذه المعاهدة علي قيام لجنة حدود مُشتركة لوضع الحدود المُقترحة علي الطبيعة , وبالفعل قامت الحكومة البريطانية من جانبها بتعيين الماجوركوين للإضطلاع بهذه المهمة .
أشار الجانب السوداني في تقريره هذا بأن هناك بعض التقارير ورد بها أن الإمبراطور منليك الثاني طلب من الحكومة البريطانية أن يمثل الماجور كوين الجانب الإثيوبي , علي أنه لا توجد وثيقة تثبت هذا التفويض , وقام الماجور كوين بمسح الحدود علي الطبيعة ووضع لها وصفاً عاماً ضمنه بروتوكول الحدود المُوقع عليه من الحكومة البريطانية في 27 يونيو 1903 والذي لم توقع عليه الحكومة الإثيوبية وبالتالي فهي لم تعترف به حتي أيامنا هذه .
أورد تقرير مصلحة المساحة السودانية أنه ” وبناء علي ما تقدم فإن بروتوكول كوين 1903 يعطي تفسيراً عملياً مقبولاً لمعاهدة 1902 , كما أن تفويض الإمبراطور منليك الثاني لكوين يعتبر بمثابة موافقة مبدأية علي بروتوكول الحدود , هذا في حالة وجود وثيقة تثبت هذا التفويض , وأن لجنة الحدود السودانية في تقريرها المؤرخ في 21 مارس 1966رأت أن تقوم الخارجية السودانية بالإتصالات الدبلوماسية اللازمة للحصول علي موافقة إثيوبية رسمية علي هذا البروتوكول وإلا أصبح لا مناص من قيام لجنة مُشتركة من الجانبين لإعادة النظر في هذا البروتوكول ” .
سلكت إثيوبيا في تحديد الجزء الجنوبي من الحدود نفس المسلك الذي سلكته في تحديدالجزء الشمالي ويمتد خط الحدود الجنوبي من عند تقاطع خط العرض 6 شمالاً مع خط الطول 35 درجة شرق جرينتش إلي بحيرة رودلف . تنظم الحدود في هذه المنطقة الإتفاقية المعقودة بين الحكومتين البريطانية والإثيوبية في 6 ديسمبر 1907 , وكان الغرض منها تنظيم الحدود بين إثيوبيا وشرق أفريقيا البريطانية ( الجزء الشمالي الشرقي من السودان آنذاك) وأوغندا ( الجزء الجنوبي الشرقي من جنوب السودان حالياً) .
من بين أهم الملاحظات الرسمية التي أبدتها مصلحة المساحة السودانية بشأن هذا الإتفاق :-
– أن الإمبراطور منليك الثاني وقع علي النسخة المكتوبة بالأمهرية لهذه الإتفاقية بينما لم يوقع علي النسخة الإنجليزية .
– أنه لم يرد ذكر السودان في الإتفاقية المُشار إليها , ذلك أن حدود السودان المعروفة في ذلك الحين كانت تنتهي عند خط العرض 6 شمالاً مع خط الطول 35 شرق جرينتش , ولكن وبعد أن تم عقد إتفاقية 1914 بين السودان وأوغندا والمعروفة بخط أوغندا 1914 , أصبح السودان مُلزما تلقائياً بإتفاقية 1907 والتي كان مُرفقاً بها خريطة توضح باللون الأحمر الحدود المُقترحة , وقد نصت الإتفاقية المُشار إليها علي تشكيل لجنة مُشتركة لتخطيط الحدود علي الطبيعة ورشحت بريطانيا الماجور كوين علي رأس هذه اللجنة فيما لم تعين إثيوبيا ممثلاً لها فيها , رغم أن الماجوركوين ظل لشهرين في اديس ابابا ينتظر تعيين حكومة إثيوبيا لممثلها ولما لم تفعل إثيوبيا ذلك أضطر الماجور إلي مغادرة أديس أبابا .
– أن كوين وجد أن الخط الأحمر شمال بحيرة رودلف لا يصلح حداً بين إثيوبيا وأوغندا (السودان الجنوبي حالياً ) لعدم صلاحيته إدارياً , وعليه فقد قام بتعديله ليتمشي مع المعالم الطبيعية , وقد رفع كوين تقريراً لوزارة المُستعمرات البريطانية في الأول من نوفمبر 1909 أرفق به بروتوكول للحدود تضمن وصفاً عاماً لها من نقطة البداية بشرق أفريقيا حتي ملتقي نهري البيبور و أكوبو ( بجنوب السودان حالياً) .
– أخطر مجلس الوزراء الإثيوبي الوزير المفوض البريطاني بأديس أبابا في نوفمبر 1910 بأن حكومة إثيوبيا لا توافق علي التحديد الذي قام به الماجوركوين وأنها تعتبر الخط الأحمر المُبين بالخريطة المُرفقة بمعاهدة 1907 هو الحد النهائي وقد رد الوزير المفوض البريطاني بأن بريطانيا لا توافق علي هذا الرأي .
– أوضح تقرير مصلحة المساحة السودانية في هذا الشأن أن الخط الأحمر بمعاهدة 1907 يوضح الخطوط العريضة للحدود بالمنطقة وأنه قابل للتعديل حسب المعالم الطبيعية والحدود القبلية .
– تري الحكومة الإثيوبية من جانبها – وفقاً للتقرير السوداني – الإعتراف بمعاهدة 1902 وخريطة الحدود المُرفقة بها وعدم الإعتراف ببروتوكول 1903 .
لكن الوضع الراهن لهذه الحدود يشير إلي أن هناك تنازعاً بين البلدين فيما يتعلق بحدودهما خاصة مع إستمرار المزارعين الإثيوبيين في إنتهاك الحدود المبينة بتقرير المساحة السودانية , فهؤلاء المزارعون يقومون بالزراعة والحصاد في المناطق الزراعية السودانية المُتاخمة للحدود مع إثيوبيا بالفشقة والدمازين وهي من المناطق الخصيبة , ووفقاً لتصريحات متكررة من المسئولين بالبلدين فإن هناك إتجاه لتسوية هذا النزاع الحدودي , ومن بين هذه التصريحات تصريح أدلي به علي كرتي وزير خارجية السودان بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي Hailemariam Desalegn للخرطوم في 3 ديسمبر 2013 أشار فيه إلي ” أن السودان وإثيوبيا أنهيا خلافهما الحدودي بمنطقة الفشقة وأن الرئيسان سوف يوقعان وثيقة تاريخية تضع الخطوط الحدودية بصفة نهائية ” من جهة أخري صرح وزير الخارجية الإثيوبي Tederos Adhanom بأن ” الجانبان يعملان علي جعل الحدود هادئة سلمية بينهما “, وبعد إجتماع عقده عسكريين من الجانبين في ولاية Gambellaالإثيوبية وقعت الحكومتان عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للخرطوم في ديسمبر 2013علي إتفاق يقضي بالعمل المُشترك لوضع تدابير من شأنها مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية بتأمين السلام علي حدودهما المُشتركة , وأعلن في 18 أغسطس 2014 عن أن أعمال الدورة الحادية عشر المعنية بالمسائل العسكرية في إجتماعها في أديس أبابا توصلت إلي إتفاق بإنشاء قوة عسكرية مشتركة من البلدين بقيادة موحدة لتأمين الحدود تعمل في 8 مواقع لمواجهة المهددات الحدودية وأن هذه القوة سيتم تمركزها في هذه المواقع في سبتمبر 2014, وقد علقت صحيفة Sudan Tribune علي هذا بأنه وإزاء عدم ثقة الرأي العام بالبلدين في تصريحات الحكومة الإثيوبية وحكومة الرئيس البشير بهذا الشأن , فإن الجانبان يحاولان التوصل لإتفاق يضع نهاية لخلاف قديم , وأحالت علي مسئوليين إثيوبيين قولهم أن إتفاقاً أمنيا يضع نهاية لهذا الخلاف الحدودي يعتبر أمراً ضرورياً في إستراتيجية الدفاع الإثيوبية فهو يمكنها من تجنب أي نشاط هدام Sabotage محتمل ضد مشروع سد النهضة الذي يقع علي مسافة 40 كم من الحدود السودانية / الإثيوبية , لكن وبالرغم من كثير من التصريحات الإيجابية في شأن هذا النزاع المزمن علي الحدود , فإن الموقف بشأنه ما لبث أن إشتعل مجدداً , ففي 30 يونيو 2014 نشرت بعض وسائل الإعلام ومنها وسائل إثيوبية أن الموقف الحدودي عاد للتأزم بعد أن قتلت قوة إثيوبية مجهولة بإستخدام المورتار والأسلحة الآلية جندياً سودانيا بالمنطقة الحدودية بين البلدين وأن القوات السودانية ردت علي الفور علي مصدر النيران .
نشرت صحيفة Sudan Tribune وأذاع راديو Dabanga في16 يناير 2016 أن اللجنة الفنية المعنية بإعادة رسم الحدود تخطط لإستكمال عملها هذا العام وأحالت علي رئيس الجانب السوداني باللجنة قوله ” إن عملية ترسيم 725 كم من الحدود تمضي قدما بشكل جيد ” , وتزامن مع هذا التصريح تصريح آخر لوزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور أشار فيه إلي أن الحكومتان الإثيوبية والسودانية تتعاونان لتطويق أنشطة العصابات بولاية القضارف السودانية بشرق السودان , وأكد في تصريحه علي أن منطقة الفشقة منطقة سودانية ( تبلغ مساحتها 250 كم مربع وبها 600,000 فدان يتم ريهم من أنهار العطبرة وستيت و Baslam , وأن الحكومة السودانية في إطار إتفاق ثنائي مع إثيوبيا تسمح للمزارعين الإثيوبيين بتجاوز الحدود الإثيوبية للزراعة في هذه المنطقة السودانية , ومازال الخلاف الحدودي لم يسو ثنائياً بعد .
باء :الحدود السودانية مع أرتريا :
وفقاً لتقرير مصلحة المساحة السودانية فإن حدود السودان مع الجزء الشمالي من إثيوبيا (إرتريا) تحدد حدود إرتريا مع السودان وفقاً للآتي :-
ألف – بروتوكول 15 أبريل 1891 بين بريطانيا وإيطاليا الذي يُوضح مناطق نفوذ الدولتين في شرق أقريقيا ما بين رأس قصار علي البحر الأحمر إلي الجزء الجنوبي من النيل الأزرق . ( تقرير هرتسلت نمرة289 صفحة 949)
باء – إتفاقية 1895 بين مصر وإيطاليا والموُقع عليها بالقاهرة في 25 يونيو وأسمرا في 7 يوليو1895 , وتبين هذه الإتفاقية الحدود بين الدولتين في المنطقة الواقعة بين رأس قصار علي البحر الأحمر إلي تقاطع خط العرض 17 درجة شمالاً مع خط الطول 37 درجة , كما تنظم علاقات العرب الرحل التابعين لكل من الدولتين ( هرتسلت نمرة 338 صفحه 1108) *( وهو نفس الوضع الذي من أجله وُضعت من أجله الحدود الإدارية في حلايب) .
ج – لائحة ACT تنازل إيطاليا لمصر عن طابية كسلا التي وقعها الجانبان في 25 ديسمبر 1997. (هرتسلت نمرة 339 صفحة 1109)
د – إتفاقية 7 ديسمبر 1898 بين مصر وإيطاليا والتي تُعرف بإتفاقية بارسونز- مارتسيزيني وتتضمن وصفاً للحدود بين السودان وأرتريا من رأس قصار علي البحر الأحمر إلي تقاطع خور أمبكتا مع خور(نهر) بركة , وقد نص فيها علي قيام لجنة حدود مُشتركة من الجانبين لوضع الحدود علي الأرض في مدي ستة أشهر من تاريخ توقيع الإتفاقية . ( هرتسلت نمرة 340 صفحة 1110)
هاء – إتفاقية الأول من يونيو 1899 بين السودان وإرتريا وهي تشتمل علي المنطقة ما بين تقاطع خور أمبكتا مع خور (نهر) بركة وهي النقطة التي إنتهت عندها إتفاقية 1898 المُشار إليها بالفقرة (د) منها حتي سبدرات , وقد تم تحديد هذا الجزء مع الوارد في إتفاقية 1898 وأُرفق مع الإتفاقية جدول به وصف للعلامات التي وُضعت علي الأرض وعددها 27علامة وقد وقع علي هذا الجدول الماجور ولتر في 12 يوليو 1899 . (هرتسلت نمرة 342 صفحة 1113)
واو – إتفاقية 16 ابريل 1901 بين السودان وإرتريا والمعروفة باسم إتفاقية تالبوت – كوللي , وهي تُعرف الحدود من سبدرات آخر نقطة في الإتفاقية المُشار إليها في فقرتها (هاء) إلي جبل أبو جمل فنهر العطبرة حتي تقاطعه مع نهر ستيت ثم إلي نقطة تودلك علي نهر القاش , وقد أُلحق مع الإتفاقية جدول يصف العلامات التي وضعها علي الأرض وعددها 11 علامة . ( هرتسلت نمرة 343صفحة 1115)
ز – التصريح DECLARATION الصادر عن الحكومتين البريطانية والإيطالية في 22 نوفمبر 1901 والذي بموجبه تم تعديل إتفاقية تالبوت -كوللي بفقرتها (واو) بحيث أصبح الخط الممتد من ابو جمل إلي ملتقي خور أم حجر مع نهر ستيت هو الحد الفاصل بين السودان وإرتريا , ونتيجة لهذا التعديل أصبحت الأراضي السودانية الواقعة شرق هذا الخط والأراضي الإرترية هي الواقعة غربه . (هرتسلت نمرة 291 صفحة 1020)
ح – معاهدة 15 مايو 1902 بين حكومات بريطانيا وإيطاليا وإثيوبيا وهي بمثابة تأييد للبيان المُشار إليه المُتعلق بتعديل إتفاقية تالبوت – كوللي في فقرته ( ز) . (هرتسلت نمرة 100 صفحة 433 المادة الثانية)
ط – وُصفت علامات الحدود التي تم وضعها في 18 مارس 1903 ببروتوكول تالبوت – ماريللي بواسطة لجنة مُشتركة من الجانبين السوداني والإرتري , وتغطي هذه العلامات المنطقة من جبل أبو جمل حتي منحني نهر ستيت وهي المنطقة المواجهة لمصب خور رويان , وتم بموجب بروتوكول تكوين هذه اللجنة تنفيذ بيان 22 نوفمبر 1901 والإتفاقيتين المُشار إليهما في الفقرتين (ز) و ( و) أعلاه مع تعديل نقطة النهاية بحيث أصبحت النقطة الجديدة تبعد نحو 11 كيلو متر غرب النقطة المُشار إليها في المعاهدتين سالفتي الذكر . (هرتسلت نمرة 344 صفحة 1117)
ف – التقرير الخاص بتعديل الحدود المُشار إليها في إتفاقية 1898 الفقرة (د) أعلاه في المنطقة الواقعة بين جبل جابالكي وجبل تفلني (مساحة قدرها عشرة ونصف كيلومتر مربع ) والذي وضعه الجانبين الارتري والسوداني في 19 يناير 1904 . (هرتسلت نمرة345 صفحة 1118)
ك – التقرير الخاص بتحديد علامات الحدود في المنطقة ما بين جبل إنجاها ورأس قصار (تقع ضمن المنطقة التي شملتها إتفاقية 1898) وقد تم الإتفاق علي ذلك بين الجانبين السوداني والإرتري في 18 ديسمبر1907 ووضعت 50 علامة حدود إضافية علي طول 35 كيلومتر تقريباً . (هرتسلت نمرة 377 صفحة 1213)
ل – وُصفت علامات الحدود في المنطقة الواقعة بين جبل دوبادوب وجبل نبيجر والذي تم الإتفاق عليه بين الجانبين الإرتري والسوداني في أول ديسمبر 1922 ووافقت عليه الحكومتين الإيطالية والبريطانية بتبادل المذكرات في 19 مايو 1924 و18 يونيو 1924 علي التوالي , وقد أُرفق مع هذا الإتفاق جدول لوصف العلامات الحدودية التي تم وضعها وعددها 36 علامة ووقع علي هذا الجدول مندوبا السودان وإرتريا في كسلا في 26 ديسمبر 1932 .
لكن ليس معني أن حدود السودان بإرتريا خالية أو تكاد من النزاعات الفنية أن أمر الحدود مُطمئن للجانب السوداني , ففي الواقع أن النظام القائم في إرتريا لأسباب متعددة يتبني إستراتيجية ولا اٌقول سياسة , هجومية ضد السودان ومن بين الأدلة العديدة أسوق أكثرها خطورة , فقد صرح رئيس لجنة الحسبة بالمجلس الوطني السوداني (البرلمان) لصحيفة ” ألوان ” اليومية الصادرة بالخرطوم في 12 مارس 1997 ” أن أرتريا نشرت مؤخراً خريطة جديدة تضم فيها مساحة واسعة من الأراضي السودانية في منطقة ” طوكر” , وأن لها مطامع توسعية في المنطقة الواقعة علي ساحل البحر الأحمر وتسعي لضم أربع محليات بالقرب من طوكر ” وأضاف مؤكداً ” أن هناك مُخططاً أرترياً لإنتهاك حرمة المياه الإقليمية السودانية وتهديد موانئ السودان علي البحر الأحمر , وأن القوات الأرترية تربض علي بعد أميال من السودان وتريد ضرب مينائي بورسودان وسواكن وأن القوات الأرترية وُضعت قبالة الحدود في كل من رأس قصار وجبل حليباي .
علي وجه الإجمال فإنه يتضح من عرض مرجعيات تحديد حدود إرتريا والسودان – وفقاً لتقرير مصلحة المساحة السودانية – أنها تختلف تماما عن حالة حدود السودان مع إثيوبيا التي أوصي التقرير ” أنه لكي تتحدد فلابد من أن يتم إتصال من الخارجية السودانية لحث الجانب الأثيوبي علي الموافقة علي بروتوكول 1903 ” , كما أنه يُلاحظ أن حدود السودان بإرتريا حددتها خطوات أكثر من تلك التي أُتخذت مع إثيوبيا ويبدو أن السبب من وراء ذلك النفوذ المصري الذي كان يُخشي منه ومن تمدده علي جانبي البحر الأحمر خصوم مصر والقوي الإستعمارية المختلفة وعلي نحو خاص البريطانية والإيطالية اللتين كانتا متجهتان للتوسع في شرقي أفريقيا ذلك أن النفوذ المصري وصل إلي هناك وكرس مكانة مصر في هذه المنطقة التي كان الحزب الوطني الذي أسسه مصطفي كامل في ديسمبر 1907 لا ينقطع عن المناداة منذ تأسيسه إلي وحدة وادي النيل لا مصر وحدها بل ومعها السودان وثلاث موانئ علي البحر الأحمر هي زيلع ومصوع وهرر , والتي ورد ذكرها في فرمانات عهد محمد علي باشا والخديو إسماعيل وكانت هذه الموانئ الثلاث تُسمي بالملحقات في هذه الفرمانات فهي كانت مُلحقة بالدولة المصرية وفقاً للفرمان السلطاني المؤرخ في 13 فبراير عام 1841 الذي قلد بموجبه السلطان العثماني لمحمد علي باشا فضلاً عن ولاية مصر مقاطعات دارفور والنوبة وكردفان وجميع توابعها وملحقاتها الخارجة عن حدود مصر بغير حق التوارث وإنما بإدارتها لحساب الدولة العثمانية , وأستطاعت مصر أن تؤمن البحر الأحمر أو تكاد بحركتها النشطة في سياق إستراتيجية في تقديري لم تقتصر علي تأمين المياه العذبة فقط أي مياه النيل بل وتأمين البحر الأحمر أيضاً نظراً لإرتباطه الوثيق إستراتيجيا بقناة السويس التي أُفتتحت عام 1865 .
مقارنة لتناول السودان ومصر نزاعهما الحدودي مع نزاعاتهما الحدودي مع دول أخري :
بإستعراض شديد الإيجاز لملفات الحدود لدي مصر والسودان نجد أن مصر سوت نزاعاً مع إسرائيل علي العلامات الحدودية بحدودها الدولية معاً وأهم هذه العلامات التي في طابا ولا نزاعاً حدودياً قائماً بين مصر و ليبيا لكن هناك نزاعاً خلافياً بين مصر وقبرص بشأن الحدود البحرية وهو قد عالجته الحكومة المصرية مُؤخراً بإستخفاف وبأقل قدر من المسئولية وبمنهج مُشابه للمنهج الذي إتبعته ومضت به حتي توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بخليج العقبة مع السعودية بالقاهرة في 8 أبريل 2016 في إطار توقيع 17 إتفاقية أخري ليبدو التصرف المصري وكأنه إنجازاً لصالح العلاقات الثنائية التي تتحمل 17 إتفاقية تُوقع في يوم واحد (؟) وهي إتفاقية لمن لا يعلم وُضعت بصفة مُحددة لسلخ جزيرة تيران كلها وثلث جزيرة صنافير عن الوطن المصري , وفي الواقع فإن هذه الإتفاقية وُقعت ومصر في أضعف مراحل تاريخها وهي لذلك فتحت باباً لإنتقام مُؤجل بين دولة قديمة كمصر ودولة لم تنشأ إلا منذ أقل من مائة عام مع كل الإحترام للشعب السعودي الذي تعلم قيادته أن الوقت الذي إختارته لقنص جزء من الأرض المصرية لم يكن يكن هو الأنسب لمصر وإن كان كذلك للقيادة السعودية التي فضلت التجارة مع الحاضر وبيع مستقبل العلاقات المصرية / السعودية بشكل بدت للبعض أن سلب تيران إنتقام من آل سعود من المصريين بسبب حملة إبراهيم باشا وهدم الدرعية علي رؤوس آل سعود في 9 سبتمبر من عام 1818وتعامله الوحشي غير اللائق مع الوهابيين مما ترك جرحاً لم يندمل في علاقات البلدين , وكان التعامل المصري في تسوية النزاع الحدودي مع إسرائيل خاصة بشأن علامة “طابا” من خلال موافقتها وإسرائيل علي اللجوء إلي التوفيق ثم التحكيم بموجب المادة الاولى فقرة (1) من معاهدة السلام الإسرائيلية / المصرية والذي إنتهي إلي صدور حكم محكمة التحكيم فى 29 سبتمبر 1988بحق مصر في علامة طابا , وبقي النزاع علي حلايب مع السودان مفتوحاً ليستنزف ما تبقي من عافية تحييده بل وتطويعه إيجابياً أحياناً لصالح تنمية العلاقات الثنائية , فيما لا خلاف موضوعي بشأن الحدود بين ارتريا والسودان , أما الملفين الحدودين المتعلقين بحلايب والحدود مع جنوب السودان في منطقة Abyei فما زالا قيد التنازع بين السودان وكل من مصر وجنوب السودان .
تناولت كل من مصر والسودان بدرجة أو بأخري نزاعهما علي حلايب بأسلوب إستثنائي ومختلف عن القاعدة التي إلتزماها في نزاعاتهما الحدودية مع الدول الأخري , فحلايب إقترب نزاعهما عليها بفعل المنهج المتبع من كلاهما , من حد المواجهة العسكرية لولا تداركهما الأمر عقب زيارة اللواء الزبير محمد صالح نائب رئيس مجلس ثورة الإنقاذ ونائب رئيس الوزراء السوداني للقاهرة ولقاءه بالرئيس المصري في 10 فبراير 1992 والإتفاق بينهما علي المضي نحو تسوية النزاع علي حلايب من خلال لجنة خاصة عقدت ثلاث دورات تفاوضية لإيجاد حل للنزاع أولها بالقاهرة في 16 مارس 1992 برئاسة د أسامة الباز وكيل أول وزارة الخارجية المصرية , وكانت هذه اللجنة في الواقع بلا صلاحيات ميدانية وحضرت جولتها الثالثة بالخرطوم وأستطيع أن أُؤكد أنها لم تكن إلا مجرد مكباح لمنع المواجهة العسكرية بعد تمركز عناصر القوات المسلحة المصرية بالمثلث في مارس 1992 ولأول مرة في تاريخ هذا النزاع فلم تكن صلاحياتها واضحة ولا تفويضاتها مُحددة وهو ما أدركه الجانب السوداني , ويمكن تفهم ضبط النفس الذي مارسته الحكومة السودانية بعدم الإقدام علي رد فعل مماثل – علي الأقل – بسبب خوضها وقتذاك نزاعاً أكبر وأخطر علي أمن السودان القومي في جنوب السودان وكانت حكومة السودان معنية بإنهاء هذا الصراع حرباً أوتفاوضاً مع متمردين مدعومين من القوي الكبري وصراحة من الولايات المتحدة ( في عهد الرئيس كلينتون أعلنت الإدارة الأمريكية عن تقديم دعم عسكري لأوغندا وكينيا لمواجهة الحكومة السودانية) ومن طابور خامس ممثل في باقة مُنسقة من المنظمات غير الحكومية .
كما تقدمت الإشارة فخلافاً لطريقة تناول نزاعها مع السودان علي حلايب سعت مصر إلي إيجاد حل لمشكلة العلامات الحدودية بمنطقة طابا وخط الحدود الدولية مع إسرائيل من خلال معاهدة السلام فلجأت للمادة السابعة منها التي تنص علي (1) تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق التفاوض . (2) إذا لم يتيسر حل أي من هذه الخلافات عن طريق التفاوض فتحل بالتوفيق أو تُحال إلي التحكيم , وقد أستمرت معركة التحكيم بشأن طابا حوالي عامين علي الأقل أي منذ التوقيع علي مشارطة التحكيم بين مصر وإسرائيل في 11 سبتمبر 1986 وحتي صدور حكم هيئة التحكيم الدولية في 29 سبتمبر 1988 , فيما لم تدم مناقشات الجانبين المصري والسوداني من خلال لجنة “حلايب ” سوي عام واحد تقريباً بعدها لم تجتمع هذه اللجنة أبداً فقد عقدت جولات ثلاث أولها بالقاهرة في 16 مارس 1992 وآخرها في الخرطوم في 22 فبراير 1993, بالإضافة إلي أنه لم يتم تفعيل التفاوض من خلال لجنة الإتصال التي أُنشأت بالتوازي مع لجنة حلايب , وكما لم يكن هناك إتجاه مصري نحو التوفيق أوالتحكيم بشأن هذا النزاع فإنه فوق ذلك تُرك هذا النزاع جرحاً مفتوحاً لوثته الأفكار المسبقة لدي طرفيه والتي لا يُجهر بها في العادة لتُضاف إليه شرائح مُركبة من سوء الفهم والتوتر مع نقاط إختناق أخري في العلاقات الثنائية تداعت بفعل الإختلاف المنهجي بين نظامين , فقد كان نظام مبارك القابض علي مقاليد السلطة بوسائل و أساليب الديموقراطية الصورية التي تشف أكثر مما تستر مُتحرراً من التمسك بهوية محددة للدولة وهو ما جعله لا يدرك أنه بمواجهته غير الرشيدة للسودان ليس في ملف حلايب وإنما كنظام سياسي يري في منهجيته الإسلامية خطراً علي نظامه الشائه الذي لا يمكن لدارس للعلوم السياسية أن يتعرف علي هوية محددة له , فنظامه لم يكن إلا مثالاً حياً لشخصية دوريان جراي في قصة Oscar Wilde الخالدة ” صورة دوريان جراي ” بحيث أنه في كل يوم أو عام يمر علي نظامه بأفعاله النكراء تزداد صورته تشوهاً , لذلك كان بنيان الدولة المصرية متهالكاً ضعيفاً إذ من الثابت أن الدول ذات الهوية الثابتة نظريات أمنها القومي ثابتة لا تتزعزع , ولذلك ولأن الدولة بلا هوية محددة مُطبقة في أركانها فقد كان النظام السياسي الهش شديد المرونة والغموض معاً في إختياراته لأنها لا تقوم علي معايير ثابتة للأمن القومي و إستطاع بناء علي ذلك أن يتخذ موقفاً سلبياً من المهددات التي حاقت به بل وأصابت دائرة الأمن القومي الحيوية لمصر في السودان الذي ناصبه نظام مبارك العداء لإعلانه عن خياره الإٍسلامي والذي شرع في تنفيذ بعض تطبيقاته علي الأرض ( إنشاء ديوان الزكاة ومحاولة إقامة نظام الحسبة ألخ ) , ويجدر بالذكر أن الجانب السوداني أوضح خلال جولات إنعقاد لجنة حلايب رغبته في التحكيم بتسوية النزاع الحدودي , لكن حالت الصلاحيات المحدودة للجنة وعدم رغبة الجانب المصري أيضاً في تجاوز الجانبين للحيز المحدود “للكلام ” عن حلايب إلي حيز التفاوض أو التوفيق أو التحكيم بشأنها حلاً للخلاف بصفة نهائية حتي لا تظل نتوءاً غير طبيعي في بنيان العلاقات .
يُضاف أيضاً في معرض بيان تناقض الموقف المصري في تناوله لنزاع حلايب بالمقارنة بمواقف مصرية أخري في نزاعات أو خلافات حدودية أخري , القول بأن الموقف المصري بالنسبة للحدود البحرية المصرية مع قبرص ظل لفترة طويلة موقفاً شبه مُتجمد لا حركة واضحة فيه وكأن مصر غير معنية بهذه الحدود , خلافاً لموقف إسرائيل منها التي أتسمت بالحركية والمبادرة بشأن حدودها البحرية مع قبرص, وإذا ما أستبعدنا سوء النية من متخذ القرار السياسي أو حتي الجهل أو قل الغفلة – وهو أمر أستبعده – لأني شخصياً أثناء عملي في قبرص أرسلت محضر مقابلة مع مدير شركة بريتش بتروليوم في قبرص في يناير 2001 ضمنته معلومة مفادها أن قبرص بدأت في إستكشاف البترول والغاز مع شركته وشركات اخري في المياه الإقليمية التي تتماس مع المنطقة الإقتصادية البحرية المُشتركة لمصر وقبرص بالبحر المتوسط , قغاية ما يفعله الدبلوماسي أن يضع الحقائق أمام أجهزة الدولة كي تتحرك , إلا أن الحركة المصرية لم تعني بذلك بالعكس تحركت في إتجاه آخر تماماً وهو ترك قبرص واليونان تحددان مصير حدود مصر البحرية في شرق المتوسط , وعقد صفقات خاسرة في الغاز الطبيعي مع إسرائيل وأسبانيا بأسعار متدنية أماطت اللثام عن أن من يديرون مصر حفنة من اللصوص العملاء والخونة مهمتهم المكلفين بها هي صناعة الفقر للمصريين , فالموقف المصري من الحدود البحرية مع قبرص ظل جامداً بشكل ملفت إلي أن تم مع قبرص واليونان مؤخراً بشكل أثار جدلاً , ولو قُورن أمر تسوية الحدود البحرية لمصر مع السعودية وقبرص واليونان نجد أنها سُويت بهدوء تام وبمذكرات متبادلة في مراحلها الأولي , فيما نجد أن النزاع الحدودي البري علي مثلث حلايب يُدار من الجانبين بشكل تحريضي فالمثلث الذي بقي مهملاً منذ إستقلال السودان عن مصر في أول يناير 1956 حتي دخول القوات المسلحة المصرية إليه في مارس 1992 تتسم الحركة فيه بنشاط غير إعتيادي منها مثلاً إعلان مصر عن إنشاء قسم شرطة فيه ومديريات للتعليم والصحة ومكتباً لشئون القبائل ألخ بل وتحركت صوبه فجأة أجهزة الدولة المصرية ومثال لذلك ما أعلنه سيد أبو الفتوح رئيس الوحدة المحلية لمدينة شلاتين من أن مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة بدأ العمل في إقامة أول مزرعة نموذجية بمنطقة وادي حوضين علي مساحة 58 فدان وأنه سيتم توسيع زراعة الخضر والفاكهة مستقبلاً , كما أشار إلي الإنتهاء من عدة مشروعات جديدة بالمنطقة منها المركز السياحي علي مساحة ألف متر بتكلفة 5,5 مليون جنيه مصري وأنشاء مدرستين واحدة في شلاتين والأخري في أبي رماد علاوة علي معهد أزهري وتزويد قريتي حلايب وحميرة بمولدي كهرباء ألخ . * ( صحيفة الأهرام بتاريخ 16 أبريل 2002) , كما أن الجانب السوداني بدوره يفعل ذلك ومن بين أمثلة عديدة أعلن في الصحف السودانية عام 1994 عن عقد مؤتمر للإدارة المحلية السودانية بحلايب , وطبعاً المؤتمر عُقد ولكن في الجزء السوداني الواقع جنوب خط 22عرض درجة شمالاً الفاصل بين الحدود السياسية بين مصر والسودان إذ أن حلايب في التقسيم الإداري السوداني نصفين أحدهما شمال خط عرض 22 درجة شمالاً والآخر جنوبه ألخ , هذا مع العلم بأن مصر والسودان بهما مساحات شاسعة لا ظل إداري للدولة عليها وبالتالي لا تنمية بها .
خطي السودان في نزاعه الحدودي مع جنوب السودان نحو قبول التحكيم بشأن منطقة Abyei التي هي أيضاً أحد منتجات التقسيمات الإدارية التي إفتعلها البريطانيون إبان فترة الحكم الثنائي الأنجلو/ مصري 1899 – 1953, وإن دل ذلك علي شيئ فإنما يدل علي أن السودان يمكنه الأخذ في نزاعه مع مصر بخيار التحكيم , مع الأخذ في الإعتبار أننا نجد أن نزاع Abyei بالرغم من أن الحكم الصادر بشأنه أعتبر لصالح السودان إلا أنه لم يجد سبيلاً للتنفيذ حتي الآن وربما – من وجهة نظر البعض – كان في قبول التحكيم وتجميد تطبيقه خياراً وجدت حكومة الخرطوم أنه ضرورة في مواجهة الضغوط الأمريكية التي عملت علي محور ثنائي ودولي لتكثيف هذه الضغوط خاصة وأن الخرطوم لا تملك حلفاء حقيقيون لا في الحرب ولا في التفاوض وهذه حقيقة مؤسفة لا تُنسب للسودان بقدر ما تُظهر المساحة الحقيقية من التأثير التي يشغلها الحلفاء العرب في سياسة الولايات المتحدة , وهي حقيقة أدركها السودان مبكراً ولهذا مضي في سبيل التفاوض مع التمرد الجنوبي مُتمثلاً في الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون جارانج لحسم الصراع في الجنوب الذي حاول الأخوة في السودان منعه لولا أنهم كانوا في ساحة الوغي وحدهم ولا يتذكرهم الأشقاء العرب الإفتراضيين إلا عندما يتذكرون ” سلة غذاء العالم ” , وأعتقد أن التاريخ عندما يذكر هذه الفترة – علي الأقل من سنة 1952حتي الآن – علي مستوي العالم العربي سيقرر أن العالم العربي تولي أمره أناس غير مؤهلين بالمرة لقيادة دول وأن إمكاناتهم الذهنية والنفسية لا تناسب عصر الدول , ولذلك تمت إدارتهم من قبل الأعداء بالترغيب والترهيب وكان غضبهم وقسوتهم وغباءهم أي هؤلاء القادة الإفتراضيون موجهاً لشعوبهم فقط , فكانت النتيجة هزائم ونكبات وتدهوراً إقتصادياً وتجريفاً للتربة السياسية ومزيد من القطرية بحيث أصبحت الجامعة العربية مقصفاً يرتاده هؤلاء القادة وبطاناتهم وحوارييهم لتسوية أمور لا علاقة حقيقية أو عملية لها بالدول ولا بالأوطان .
مع ذلك فلم يكن السودان هو الأخر بأقل من مصر تناقضاً في تناول ملفات نزاعاته الحدودية فلو تأملنا ملف النزاعات الحدودية السودانية قبل إنفصال جنوب السودان في 9 /7/2011 أو بعده وليومنا هذا لوجدنا تبايناً واضحاً بين تناول السودان لنزاعه مع مصر علي حلايب وبين نزاعاته الحدودية الأخري وأهمها النزاع الحدودي السوداني الإثيوبي في مناطق الفشقة وهي منطقة زراعية خصيبة تبلغ مساحتها حوالي 1700 كم مربع وهي من أجود الأراضي الزراعية في السودان وتقابلها من الناحية الإثيوبية (من وجهة النظر السودانية ) منطقة صحراوية أصيبت بالقحط والجفاف , وينشب خلاف متكرر علي هذه المنطقة ويذكر الجانب السوداني أن المزارعين الإثيوبيين طردوا المزارعين السودانيين من هناك ويقومون بزراعة المنطقة تحت حماية القوات الإثيوبية حتي الحصاد ونقل المحاصيل لأديس أبابا , وبالرغم من أن هناك من الأخوة السودانيين من يبرر هذا التناقض بين موقف السودان في قضية حلايب وموقفه المُهادن في قضية الحدود مع إثيوبيا بأنها مرتبطة بنطاق إستراتيجي أكبر تدخل فيه موضوعات حيوية كملف مياه النيل والعداء الأرتري للسودان – بالرغم من النظام الإثيوبي مختلف كالنظام المصري في توجهاته الخارجية عن السودان – لكن هناك أيضاً من يقول أن السودان وإثيوبيا بحثا عن نقطة مشتركة إلتقيا عندها ومضيا يؤكدانها ويوسعان نطاق حركتهما المشتركة إنطلاقاً منها , ويُؤكد ذلك أن معظم اللجان المُشتركة بين السودان وإثيوبيا التي تناولت موضوع الحدود تلك إلا أن الجانبان العسكريان السوداني والإثيوبي وقعا في 18 إبريل 1995 علي محضر المباحثات الثنائية بمدينة القلابات الحدودية أشار نصه في فقرة منه علي أهمية التنسيق المُشترك في مجالات الزراعة والحفاظ علي الغطاء النباتي ومواصلة اللقاءات المُباشرة بين المسئولين وعقد إجتماع ربع سنوي للمتابعة وهذه الإشارة مقصود بها المنطقة الحدودية المُتنازع عليه وسُميت ” بالغطاء النباتي” وليس الفشقة أو القلابات وهو أسمها علي الخرائط , وبالرغم من كل هذا إلا ان إنتهاك الإثيوبيين لمنطقة الفشقة مُستمر حتي أيامنا هذه , بل ويلفت الإنتباه في معرض التأكيد علي تناقض أو علي الأقل التمييز والإنتقائية في تناول السودان لملفات نزاعاته الحدودية أن منطقة النزاع الحدودي مع إثيوبيا وهي منطقة من أخصب أراضي السودان وقربها من منابع النيل يتم تناولها في إطار ” لجنة تنمية الحدود الإثيوبية / السودانية ” التي عقدت إجتماعها العاشر بمدينة جامبيلا الإثيوبية ولمدة ثلاثة أيام بدءاً من 19 أكتوبر 2007 شارك فيها 150 شخص من الرسميين والفعاليات الشعبية, وترأسها عن الجانب السوداني والي القضارف وعن الجانب الإثيوبي حاكم إقليم جامبيلا الإثيوبي وتُعقد إجتماعاتها سنوياً حتي الآن , ونقل الإعلام السوداني وقتذاك عن رؤساء أقاليم أمهرا وجامبيلا وتيجراي الإثيوبية قولهم أن هذا الإجتماع سيعزز العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والزراعية , وكانت هذه اللجنة في إجتماعها الثامن قد أوصت بالإسراع في عملية ترسيم الحدود بين البلدين خاصة مع تكرار إختراق المزارعين الإثيوبيين للحدود السودانية والزراعة في مناطق بالقلابات السودانية وهو ما لم يتم , أما في حالة النزاع الحدودي مع مصر علي حلايب وهي منطقة نائية عن الإدارتين المصرية وكذلك السودانية وجرداء فقد أنشأت السودان من أجلها عام 1992 ما أسمته ” لجنة الدفاع عن العقيدة والوطن” بمعني أن الدفاع عن حلايب دفاع عن العقيدة أي عن الإسلام ذاته وهي مساحة بالغة الإتساع لا تتناسب ونزاع حدودي بين دولتين بينهما والولايات المتحدة التي فصلت جنوب السودان عن شماله ودعمت إسرائيل في كل حروبها مع مصر أفضل العلاقات وأبعدها عن العقيدة , أما مصر فقد غفلت عن أن توسيع السودان لمفهومها عن النزاع بحيث يرقي إلي مستوي الدفاع عن العقيدة والوطن إنما يعني أنها تري في مصر خصماً في هويتها وأنها تعرض أمنها القومي للخطر , وهو ما لم تعيه الإدارة السياسية المصرية لهذا النزاع الذي تناولته بوسائل التسويف والإهمال التام لردود فعل الجانب السوداني وهو ما لم تفعله – علي الأقل من وجهة نظر سودانية – في ملفات نزاعها الحدودي مع إسرائيل والسعودية .
المُثير في الأمر وتأكيداً للتناقض أن والي القضارف السودانية – المُشار إليه آنفاً – أوضح في حديث له بمناسبة الإجتماع الثامن للجنة المُشار إليها في مارس 2005 أن لجنة ترسيم الحدود بين البلدين يعتريها الكثير من الضبابية خاصة فيما يلي حدود ولاية القضارف السودانية مع إثيوبيا طيلة السنوات الماضية , وأن هذه اللجنة قامت بجهد كبير أسفر عام 2002 عن تطابق كامل في وجهات النظر علي المستوي “النظري” أي الخرائط وأن الجانب الإثيوبي لم يتقدم بخرائط غير الحدود المُتعارف عليها في الأطالس والمؤسسات ليطوي هذا الملف نهائيا وأن المطلوب الآن أن يُطبق ذلك علي الأرض من خلال إعادة الترسيم أي وضع العلامات , وأن هذا ما يجري الإتفاق عليه بين الجانبين , وأن الإتفاق سيساعد علي التعرف علي حدود السودان وبالتالي تحديد تبعية الأماكن التي يقوم المزارعين الإثيوبيين بالزراعة فيها , وتصبح هناك خيارات لحل هذه الإشكالية , منها السماح بالزراعة داخل حدود السودان وفقاً للقوانين السودانية أو يغادروا الأراضي السودانية واصفاً ” تمدد” وإنتشار الإثيوبيين داخل منطقة جبل دقلاش بأنه غير شرعي ومرفوض من قبل الولاية التي لم يسبق أن أنتشر فيها المزارعين الإثيوبيين مثلما إنتشروا سابقاً في الفشقة الكبري والصغري .
بالرغم من هذا التناقض وإستخدام والي القضارف وغيره من المسئوليين السودانيين للفظ ” تمدد ” بدلاً من ” إنتهاك ” الحدود في حديث الرسميين السودانيين عن تجاوز الإثيوبيين للحدود السودانية لزراعة أراض سودانية , إلا أنه تجب الإشارة إلي أن السودان يعي قدر الخطورة البالغ علي أمن السودان القومي خاصة في شقه الإقتصادي والعسكري لمنطقة الحدود مع إثيوبيا تحديداً , ذلك أنها قريبة نسبياً من مناطق الثقل الإقتصادي بالسودان التي بها منشآت إقتصادية كخزاني الروصيرص وسنار ومصانع سكر كنانة ومناطق الزراعة الكثيفة وهي جميعاً في مرمي المدفعية الإثيوبية (من جهة أخري فسد النهضة لا يبعد بأكثر من 40 كم عن الأراضي السودانية) , كما أن إثيوبيا بدورها ليست في وارد تصعيد نزاع الحدود مع السودان الذي يسعي بنفس الدرجة لكبح أي نزاعات حالية أو مرتقبة مع إثيوبيا التي تريد إبعاد إحتمالات دعم السودان للمعارضة الإثيوبية خاصة في نطاق مسلمي الأرومو والتيجراي , كما أنها وبعد إستقلال إرتريا فقدت أي إثيوبيا منافذها علي البحر الأحمر التي اصبحت داخل سيادة أرتريا التي فرضت رسوم باهظة علي واردات وصادرات إثيوبيا بميناء عصب مما جعل إعتماد إثيوبيا مقصوراً علي جيبوتي وبورسودان , يُضاف إلي ذلك أن السودان أمد إثيوبيا بالبترول من مصفاة الجيلي (خارج الخرطوم) بصفة منتظمة فوصلت العلاقات الإثيوبية السودانية لنقطة إتزان تكاد أن تكون غير مسبوقة وهي في كل حال تجاوزت منسوب العلاقات المصرية السودانية بكثير , ونخلص من المقارنة بين تناول مصر والسودان لنزاعهما الحدودي مع حالة نزاع الحدود السودانية الإثيوبية لنلاحظ ما يلي :-
– طبيعة وجغرافية منطقة حلايب صحراوية والثروات بها تعدينية , فيما منطقة النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان يقع في نطاق زراعي بإمتياز .
– فيما تناولت لجنة مُخصصة نزاع حلايب برئاسة وكيلي وزارتي الخارجية السوداني والمصرية توقفت بعد 3 جولات , نجد أن النزاع السوداني مع إثيوبيا تتناوله لجنة دائمة أخذت مُسمي لجنة تنمية الحدود يرأسها محافظي منطقتي الحدود الواقع في جزء منها النزاع الحدودي , وهي لجنة إجتماعاتها متتالية مستمرة حتي الآن وإن كانت غير منتجة إلا أنها تحقق هدف مُشترك كامن لدي الطرفين – كل بدوافعه – ألا وهو تحييد النزاع عن مجمل العلاقات الثنائية النشطة .
– حشدت السودان وبقدر اقل مصر الرأي العام بإستخدام وسائل الإعلام في قضية النزاع الحدودي , فيما لم يحظ النزاع الحدودي بين السودان و إثيوبيا بنفس القدر من الإهتمام .
– أنشأت السودان في مستهل أزمة حلايب مع مصر في ديسمبر 1992 ما يُسمي ” بلجنة الدفاع عن العقيدة والوطن ” التي نظمت مظاهرات جابت شوارع الخرطوم وحاصرت السفارة المصرية عامي 1993 و1994 بالخرطوم للتعبيرعن إحتجاجها علي الإجراءات العسكرية التي إتخذتها السلطات المصرية في حلايب .
– حرصت السودان وبدرجة ما مصر أيضاً علي بيان أن النزاع في حلايب قضية قومية وإستراتيجية .
التقدير :
في تقديري أنه وبالرغم من الأهمية الهامشية لحلايب في الخريطة التنموية لمصر والسودان معاً إلا أن النزاع علي هذه المنطقة كان وسيظل كعب أخيل أي نقطة الضعف الظاهرة في جسد العلاقات الثنائية تستغلها إثيوبيا لتدمير ما قد يكون قد تبقي من بنيان العلاقات المصرية / السودانية, فحلايب تكتسب أهميتها من أنها نزاع يستعرض فيه أو من خلاله النظامين بالقاهرة والخرطوم ما يتصورانه علي أنه قوة أو نفوذاً علي الآخر , بالرغم من أن حلايب منطقة تقع في أقل أقاليم السودان ومصر نمواً فهي في إقليم شرق السودان الذي يشكو سكانه ومعظمهم من قبيلة البجا وما يتفرع عنها كالهدندوة والبني عامر والشارية والعبابدة من التهميش التنموي والسياسي وتوصلت حكومة الخرطوم معه لإتفاق لم يغير كثيراً مما علي أرض الواقع إلا قليلاً , وهي نفس الحال في مصر فالصحراء الشرقية ومحافظة البحر الأحمر تحديداً التي تقع حلايب إدارياً في نطاقها لا نصيب لها من التنمية فيما وراء الغردقة ومرسي علم وكلاهما لا تنمية حقيقية مستديمة بهما فالتنمية بهما قائمة علي النشاط السياحي التي يصب نفعه في جيوب القلائل من رجال الأعمال المنتمين ذهنياً لعصر مبارك المؤسس الأول للفساد الكمي Mass Corruption في مصر , ولذلك فقد دفع هذا الوضع بعض المهتمين بأمر التنمية بمفهومها الشامل في مصر إلي الدعوة لتقسيم إداري جديد لمصر فنظرة لخريطة التقسيم الإداري وحدود المحافظات المصرية نجد انه تقسيم عفوي لم يوضع إستناداً إلي فكر ودراسة علمية بل إستناداً للموروث السلطوي والفكر الأمني غالباً فالتقسيم عفوي يعني بالمساحات الزراعية فقط (متوسط المساحات الزراعية في محافظات قبلي وبحري 400ألف فدان أي 2000 كم مربع) وفرض الضرائب عليها مع إحكام السطوة الامنية عليها , اما ما عدا ذلك من مساحات صحراوية فالفراغ وعدم وجود الظل الإداري للدولة وخدماتها أو ما يُعرف بإنعدام التنمية فيها كفيل – من وجهة نظر السلطة – وحده بلإحكام السيطرة الأمنية عليها , وتبلغ مساحة المحافظات الغالب عليها الطابع الصحراوي بمصر حوالي 900,000 كم مربع وتعتبر في كل تعداد رسمي الأقل سكاناً وتتوزع هذه المساحة بين الصحراء الشرقية وتشغلها محافظة البحر الأحمر ومساحتها 200,000 كم مربع والصحراء الغربية وتشغلها محافظتي الوادي الجديد بمساحة 300,000 كم مربع ومرسي مطروح بمساحة 250,000 كم مربع ثم محافظتي سيناء التي تعد من وجهة نظري الدليل الدامغ العملي علي فقر الفكر لدي النظام الناصري والمباركي والحالي وهي أضعف مواقع أمن مصر القومي , ومساحتهما 60,000 كم مربع , ولمواجهة الضعف التنموي بهذه المحافظات فإن هناك ضرورة للنظر بشكل علمي في تقسيم المحافظات الصحراوية بأسلوب مختلف منها مثلاً تقسيمها لمساحات أصغر ودمج جزء من مساحاتها الحالية بمحافظات زراعية متاخمة ووضع حدود إدارية جديدة تكفل تقسيما عادلاً من ناحية المساحة والمرافق والثروات وصولاً لتغيير وتوزيع الكثافة السكانية بين كل المحافظات وسهولة إدارتها * (كتاب رؤية عصرية لخريطة مصر . دكتور حسين كفافي . الهيئة المصرية العامة للكتاب . الطبعة الثانية .1990) فأنت تجد أن المسافة بين عاصمة البحر الأحمر وحدودها الجنوبية عند حلايب 800 كم ولهذا فلا إمكانية ملموسة لدمج قبائل حلايب في جسم الدولة التنموي والحالة هذه , وتكررت هذه الدعوة بشكل آخر وإن بشكل مختلف مفاده حتمية إنشاء محافظات صحراوية جديدة لمواجهة الإنفجارات السكانية * (مقال بعنوان حول حتمية قيام محافظات صحراوية جديدة . د. فهمي الجايح . صحيفة الأهرام . 6 يوليو 2002) وفي الواقع ومن وجهة نظري أنه من الأيسر بل والمنطقي أن تكون التنمية نابعة من المقومات المُتاحة بالفعل في المحافظات الصحراوية سواء في ولاية البحر الأحمر بالسودان أو محافظة البحر الأحمر في مصر بمعني أنهما تطلان علي البحر الأحمر ومن ثم فأنشطة الصيد والتعدين والطاقة وما يرتبط بها من صناعات , ستعمل علي تغيير النمط والتوزيع السكاني بالإضافة إلي أن الإهتمام بالإستثمار في إقامة بشبكة طرق تصل بينهما يؤدي إلي مد خط مستقيم للتنمية بالبلدين علي البحر الأحمر مما يعمق من الإرتباط الإستراتيجي المدني والعسكري , فتلك هي القضية الحقيقية التي كانت أجدر بالخلاف والإتفاق بشأنها وليست حلايب لكنها دول بلا خطة ولا إستراتيجية .
في الواقع أن النزاع علي حلايب لم يُثر إلا في الفترات التي تناقص فيه منسوب العلاقات الثنائية المصرية / السودانية عن الحد الذي يتناسب مع دولتين كانتا إقليماً واحداً في الفترة ما بين 1821 حتي 1953 , وعليه فنلاحظ مثلاً أن الفترة التي حكم فيها الرئيس السادات من 1970- حتي 1981 لم تشهد أي نوع من المواجهة اللهم إلا المذكرة الإنذارية شديدة اللهجة التي وجهتها الخارجية المصرية للسفارة الأمريكية بالقاهرة والمُؤرخة في 4 نوفمبر 1980 والتي وردت فيها هذه العبارة بشأن تواجد شركة بترولTexas Eastern الأمريكية بحلايب دون إذن من الحكومة المصرية ” إن هذه الشركة الأمريكية تقوم بإجراء مساحة جيولوجية وجيوفيزيقية دون الحصول علي الترخيص اللازم من السلطات المصرية المُختصة وفقاً للقوانين المصرية ” ومضت المذكرة فأشارت إلي ما نصه ” وتطالب وزارة الخارجية المصرية السفارة الأمريكية بالتنبيه علي الشركة الأمريكية بوقف هذه الأعمال فوراً , وإلا أضطرت السلطات المصرية المختصة إلي إجراءات شديدة في مواجهتها فضلاً عن تحميلها كافة النتائج القانونية والتعويضات المُترتبة علي ما ترتكبه من أعمال غير مشروعة ” , وقد إبتلع بنيان العلاقات الثنائية المتنامي القوة بفعل حياته في بيئة التكامل بين البلدين الذي كان مُطبقاً في هذه الفترة في كل المجالات , فقد أدي ميثاق التكامل المصري / السوداني منذ توقيعه عام 1974 مثلاً إلي أن تمتنع السودان عن سحب سفيرها بالقاهرة بسبب توقيع مصر لمعاهدة كامب ديفيد مع مصر عام 1979 مثلما فعلت الدول العربية الأخري , وقد شعر المصريون والسودانيون بالفعل أن مصيرهم وحياتهم واحدة في ظل هذا التكامل إلي أن تولت حكومة الصادق المهدي التي أضعفته عمداً بإستبداله بما يُعرف بميثاق الإخاء إلي أن توقفت هذه المسيرة نهائياً بعد الإطاحة بحكومة الصادق المهدي المدنية المُنتخبة بالإنقلاب العسكري في 30 يونيو 1989 الذي وللحق كانت لديه ميول تكاملية لكن طبيعة نظام مبارك الشائهة حالت دون المضي في التكامل مرة أخري والذي يعتبر أحد الحلول الراقية من وجهة نظري للنزاع علي حلايب ويؤيده دبلوماسيين سودانيين منهم المرحوم بإذن الله تعالي السفير أحمد عبد الحليم سفير السودان الأسبق بالقاهرة وآخرين , وذلك بالرغم من أنني حصلت إبان خدمتي بالسودان علي مستند بريطاني رسمي مُؤرخ في عام 1955 صادر من المفوض البريطاني ببورسودان وموجه لشركة تعدين سودانية يحظر علي أي شركة تعدين سودانية تجاوز خط عرض 22 درجة شمالاً تجاه حلايب بإعتبارها أرضاً مصرية , وأصل المستند لدي الجهة المختصة بالقاهرة وهو كوثائق رسمية متعددة تثبت تبعية جزيرة تيران للأرض المصرية .
الفرق القائم بين النزاع علي منطقة حلايب بين السودان ومصر والنزاع الحدودي في منطقة الفشقة والقلابات بين السودان وإثيوبيا هو الفرق في أسلوب التعاطي مع الدولة المُتنازع معها أكثر من كونه مع موضوع النزاع ذاته , أما إن كنا سنتكلم عن التشابه مع تناول مصر للنزاع علي طابا مع إسرائيل فهو قد طُبق في حالة النزاع الحدودي بين شمال السودان وجنوبه في Abyei التي تبلغ مساحتها حوالي 10,546 كم مربع حين إتفق الرئيس السوداني عمر البشير مع نظيره رئيس جنوب السودان في يونيو 2008 علي إحالة النزاع علي السيادة بمنطقة Abyei علي المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهايPCA (مع ذلك لم يسو النزاع نظراً لكون المفهوم الذي أشارت إليه هذه المحكمة في حكمها عن ” المقيم في Abyei مازال خلافياً وبالتالي مازال هذا الخلاف مُعلقاً) , وعلي أية حال فالتشابه مع قضية حلايب تشابه نسبي وليس مُطلقاً ومع ذلك فقد تناول السودان النزاع في Abyei لأسباب ربما تتعلق بطبيعة الصراع بين الشمال والجنوب السوداني وتداخل القوي الدولية فيه (خاصة الولايات المتحدة) بنفس الأسلوب القانوني أو القضائي الذي تناولت به مصر نزاعها الحدودي مع إسرائيل علي طابا أي بالتحكيم في النهاية , لكن طبيعة النزاعين الحدودين بين السودان من جهة ومصر وجنوب السودان من جهة أخري فيه بعض التشابه , ذلك أن حلايب نشأت كنزاع بسبب ما سُمي بالحدود الإدارية كما أن النزاع الحدودي بين دولتي جنوب السودان والسودان علي Abyei كان بسبب مفهوم الحدود الإدارية في دولة واحدة غير مُقسمة فالحدود بين شمال السودان وجنوبه في أغلبها تم تخطيطها وتعديلها بالأسلوب والمدي الذي أشرنا إليه بواسطة البريطانيين الذين جعلوا جنوب السودان منطقة مغلقة بموجب مرسوم أصدروه عام 1929 وبموجبه يجب علي كل من يريد دخول مناطق جنوب السودان أو يتجر فيها أن يحصل علي تصريح , وبتالي أصبح السودان منذ هذا التاريخ مُهيئاً لإنفصال , ففي الواقع كانت هناك منطقتين منفصلتين كلية ومن المرجح ان بريطانيا عمدت إلي هذه الخطوة أولاً لمنع مصر من بسط السيادة الكاملة علي جنوب السودان وكذلك التمهيد لفصل الجنوب توطئة لضمه لمستعمرات بريطانيا في شرق أفريقيا , وعلي كل حال فقد كانت السياسة البريطانية في مجملها تعمل علي سلخ الجنوب من جسد السودان وأوضحت ذلك بجلاء في كثير من المناسبات من أهمها من حيث المغزي ما قاله سير رالف ستيفنسون سفير بريطانيا لدي مصر لوزير الخارجية المصري / محمد صلاح الدين خلال المباحثات بين الوفدين بشأن السيادة علي السودان في 26 أغسطس 1950 حيث قال مانصه ” … إن السودانيين يبلغون 7,5 مليون منهم 2,5 مليون من الوثنيين وهؤلاء يتكلمون اللغة العربية , والواقع أن أن البلد لا تستطيع حتي الآن أن تحكم نفسها , وطلب مصر الجلاء عن السودان ليس ممكناً من الوجهة العملية , وحتي لو أمكن ذلك وحاولنا تنفيذه وإحلال المصريين محل رعايانا فلن تجدوا عدداً كافياً من المصريين للذهاب إلي السودان “. * (الكتاب الرسمي الصادر عن مجلس الوزراء المصري عن السودان . المطبعة الأميرية .1953) .
إن التدخل الإثيوبي في قضية النزاع علي حلايب بالإعلان علي لسان مسئول بالحكومة الإثيوبية عن دعم وجهة النظر السودانية في هذا النزاع بالإضافة إلي كونه تعبير عن حالة من حالات الإنفصال الشبكي Retinal detachment التي تصيب في كثير من الأحيان السياسيين بالدول المتخلفة , فهي نفاق لا مبرر له من الجانب الإثيوبي إذ أن دعم إثيوبيا لوجهة النظر السودانية لن يقدم أو يُؤخر فالسياسة المصرية تأكد الجانب السوداني أنها حالياً تولي وجهها شطر منظومة مجلس التعاون الخليجي (بإستثناء قطر) بحثاً عن الدعم السياسي والمالي علي خطي نظام مبارك تماماً وهو دعم مفعوله كمفعول عقاقير منع الحمل وله كثير من المضار الجانبية إلا أن من يتناوله , يتناوله ظناً منه أنه نوع من الفيتامينات , كما أن الخرطوم ليست في حاجة لمزيد من التدهور في علاقاتها بمصر فالتباين بين السياسة المصرية والسودانية واضح بشكل حاد في موقفهما من نظام Salva Kiir Mayardit ووصل إلي محطته النهائية فعلي حين تدعمه القاهرة وفقاً لبعض التقارير الصحفية والمعلومات الإستخباراتية بالسلاح والذخيرة بالإضافة إلي دعمه سياسياً في مجلس الأمن إذ إمتنعت مصر ومعها روسيا والصين ودول أخري علي مسودة إقترحها مندوب الولايات المتحدة علي المجلس في نوفمبر 2016 تتضمن الإشارة إلي حظر السلاح علي طرفي الحرب الأهلية القائمة بجنوب السودان منذ ديسمبر 2013 حتي الآن , كما إمتنعت مصر ومعها روسيا والصين وفينزويلا عن التصويت علي قرار آخر وافقت عليه 11 دولة صدر عن مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2304بتاريخ 12 أغسطس 2016 مُتضمناً تجديد مهمة قوة حفظ السلام القائمة بالفعل في جنوب السودان حتي 30 يونيو 2017 ورخص بدعمها بعدد إضافي لتعزيز حماية المدنيين , وقد صوت ممثلي 11 دولة عضو بالمجلس بالموافقة علي هذا القرار , نجد أن حكومة الخرطوم تدعم موقف Riek Macharالنائب السابق لرئيس جنوب السودان Salva Kiir وقائد حركة تحرير شعب السودان SPLM-IO المُعارضة والمُسلحة ضد الرئيس Kiir وهذا التباين المصري / السوداني في شأن جنوب السودان يؤكد بصفة فعلية إنهيار نظرية الأمن القومي المصري / السوداني المُتميزة بالصفة التبادلية فجنوب السودان من وجهة نظر الأمن المائي لمصر والسودان أكثر أهمية من حلايب ففي جنوب السودان تقع منطقة فواقد المياه بمنطقة السدود التي أشارت إليها إتفاقية الإنتفاع الكمامل من مياه النيل الموقعة في 8 نوفمبر 1959 والتي إن تم إستغلالها من خلال إستئناف شق قناة Jonglei البالغ طولها 170 كم والتي توقف العمل فيها بسبب تدمير التمرد الجنوبي للحفارعام 1983عندما لم يكن مُتبقياً إلا القليل علي إتمامها أو حوالي 30 أو 40 كم ممنا منع مصر والسودان من إستكمال شق هذه القناة لتجميع الفواقد بها ومن ثم الحصول علي زيادة في مواردهما المائية تبلغ أكثر من 4 مليار متر مكعب / مياه , ومن المشكوك فيه قدرة القاهرة علي إقناع نظام Salva Kiir بإستئناف إستكمال حفر قناة Jonglei مقابل الدعم المصري له , علماً بأن نظام Salva Kiir لم يعلن رسمياً إعترافه بإتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل المُبرمة مع السودان عام 1959 طبقاً لمبدأ توارث الإتفاقيات المعمول به في حالة إنفصال إقليم من الدولة عن الدولة الام , مما يجعل المرء يتساءل عن الثمن الذي تتلقاه مصر مقابل دعم تقدمه لنظام منهار بالقاييس المختلفة , وعلي كل فإن كان هناك ثمن فهو بالتأكيد بخس مقابل الأمن المائي .
الدعم الإثيوبي لوجهة النظر السودانية لا يتعدي كونه نفخ في نار مُتقدة وإن أثبت هذا شيئاً فإنه يثبت حقيقة أن السياسة مع البعض لا خلاق لها .
الـــــســـفــيــر :بـــــلال الــمـــصـــري – ســفــيــر مصر السابق في أنجولا وساوتومي والنيجر
تحريرا في 22- 5 -2017