الدراسات البحثيةالمتخصصة

النزاع الهندي – الباكستاني حول كشمير

اعداد الباحث: مصطفى لمغاري – المغرب

  • المركز الديمقراطي العربي

 

 

مقدمة:

يعتبر الصراع الهندي الباكستاني حول كشمير من بين الصراعات الأولى التي شهدتها القارة الآسيوية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث خاض الطرافان العديد من المواجهات فيما بينهما قصد أن يظفر به أحد الأطراف ويضمه إلى سلطته على حساب الطرف الاخر، الامر الذي ولد ردود فعلية دولية حيث بادرت إلى التدخل في القضية بغية الوصول إلى حل سلمي يمكن من خلاله توصل الطرفان إلى حل مناسب لفض النزاع دون الدخول في المواجهات العسكرية التي يكون من نتائجها زهق أرواح الأبرياء.

تهدف هذه الورقة البحثية إلى دراسة هذه القضية من بداية النزاع سنة 1947م إلى غاية اتفاقية شملا سنة 1972م، باعتبار أن هذه الفترة بالذات شهدت العديد من التطورات الدولية أبرزها الحرب الباردة التي ساهمت في تغيير مسار القضية، حيث سعى كل معسكر إلى كسب أحلاف جديدة. وعليه فهذهالبحثيسعى إلى دراسة هذه القضية من خلال الإجابة على التساؤلات التالية:

  • ماهي جذور النزاع؟
  • ما هو تاريخ النزاع وتطوراته؟
  • ماهي الأطراف الرئيسية والثانوية لهذا الصراع؟
  • أين تتمظهر قضايا النزاع؟ وما أهمية الإقليم بالنسبة لكل طرف؟
  • ما هي أبرز الاتفاقيات التي وقعت بين الأطراف في هذه المدة لتسوية النزاع؟
  • كيف ساهمت الوساطة الدولية والحلول المقترحة في تسوية النزاع؟
  1. جذور النزاع:

تعود جذور النزاع حول كشمير إلى فترات غابرة في التاريخ، فكما هو معلوم فالمنطقة كانت تابعة للعديد من الدول، بدءا بالدولة الإسلامية أيام الدولة الاموية واستمرت تحت كنفها إلى غاية ظهور المغول على مسرح الاحداث الذين نزعوها من المسلمين، ثم دخلت في طاعة الهندوس سنة 1819م إلى حدود الاستعمار البريطاني للقارة الهندية سنة 1846م، وفي نفس هذه السنة عقدت بريطانيا اتفاقية أمرتسر مع “جولاب” بمبلغ قدر ب 7,5 مليون روبية كثمن لخيانته للسيخ[1]. ومن هذه السنة بدء مسلمي كشمير يعانون معانات شديدة من طرف السيخ، وبدأت قضية كشمير تغلي ببطء إلى أن انفجرت سنة 1947، واحتدم الصراع بين الهند والباكستان حولها.

  1. تاريخ النزاع: ديناميته وأطرافه.

يرجع تاريخ النزاع الهندي الباكستاني حول كشمير إلى سنة 1947م، بحيث لم يتقرر انضمامها للهند أو باكستان، والسبب في ذلك أن بريطانيا أعطت إلى الامارات التي كانت تحكمها سابقا بالهند حرية الانضمام للهند أو باكستان وفقا لرغبة سكانها[2]، لكن  بسبب تضارب الأراء بين الشعب والحاكم[3] أدى إلى اندلاع حرب بين الهند وباكستان حولها سنة1947م. بادرت الأمم المتحدة إلى التدخل لوقف القتال وجرد الامارة من السلاح وإجراء استفتاء حر محايد سنة 1947 تحت إشرافها[4]. لكن الهند لم توافق على توصيات هيئة الأمم خاصة الاستفتاء.

وكانت الأحداث التي كان يعيشها في هذه الفترة تنذر بحروب أخرى حول الإقليم نظرا لأهميته، ولأنه بقي بدون حل يرضي الأطراف سواء المتنازعة عليه أو الشعب الذي لم يحدد مصيره بنفسه،واستمر الوضع على ما هو عليه دون تقدم يذكر في القضية إلى أن نشب صراع بين الصين والهند سنة 1962م حيث استغلت باكستان هذه الهزيمة التي تلقتها الهند لتوجيه ضربة قاضية لها إزاء التصاريح التي أدلى بها وزيرها الأول والذي اعتبر كشمير جزء من التراب الهندي بدون أي استفتاء[5]. وأفضى بهما الأمر إلى حرب ثانية سنة 1965م. وتدخل مجلس الأمن لوقف القتال بين الطرفين في 22 سبتمبر 1965[6].

وبالرغم من جميع الجهود المبذولة لتسوية الخلاف، إلا أن المسألة ظلت معلقة، غير أن الأحداث التي كانت تمر بها باكستان في هذه المرحلة استغلتها الهند بدورها أحسن استغلال لضرب وحدة باكستان ووحدة الامة الإسلامية في آن واحد عن طريق تقديم الدعم لشعب البنغال في محاولته الانفصالية عن باكستان، وهذا ما أدى إلى توتر العلاقات الهندية-الباكستانية[7] من جديد إزاء هذه المساعدة وعلى إثرها نشبت الحرب الثالثة بينهما سنة 1971م. أبرز ما نتج عنها ظهور دولة بنغلاديش عام 1971م[8]، وتوقيع اتفاقية شملا 1972م برئاسة الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو ورئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي سنة 1972م[9].

  • أطراف النزاع
  1. الأطراف الرئيسية:

تتمثل في الهند وباكستان اللتين خاضتا الحروب السالفة الذكر فيما بينهما من أجل أن يضفر بها أحد الأطراف على حساب غريمه، حيث تدخل كل واحد منهم لمساندة الطرف الأخر، فكما هو معلوم أن حاكم كشمير هاري سينغ طلب مساعدة الهند في القضاء على الثورة التي اندلعت في كشمير مقابل الانضمام لها بموجب رسالة بعثها للهند[10]. وتدخلت باكستان بدورها لنصرة إخوانهم المسلمين بكشمير لما كانوا يعانونه من الظلم من قبل حاكمهم، كما ساعدتهم على تكوين الجيش والحكومة الحرة[11]. هذا مع العلم بأن الهند تهيمن على الجزء الكبير من مساحة الإقليم والذي تقدر نسبته  بحوالي %48 من مجموع ترابه، في حين استحوذت باكستان على نسبة %35[12]. الجدير بالذكر أن كشمير بذاتها تعد من أطراف النزاع الذي دار حولها حيث أن السكان المسلمين فضلوا الانضمام لباكستان عن الهند، في حين حاكمها أراد العكس. فقد سبق وأن أشرنا إلى هذا الأمر آنفا في تاريخ النزاع. دون نسيان بريطانيا التي تعتبر من الأطراف الرئيسية في هذا الصراع، بل المسبب الرئيسي له بسبب السياسة التي نهجتها في عملية تقسيم شبه القرة الهندية التي كانت تابعة للتاج البريطاني أيام الاستعمار، فقد تركت لتلك الامارات التي كانت تظمها هذه القارة مسألة انضمامها إلى الدولة التي ترغب فيها (الهند أو باكستان) على أساس العامل الطائفي والفوارق الدينية والمذهبية[13].

بالإضافة إلى الصين والتي تعد هي الأخرى من الأطراف الرئيسية في هذا النزاع خاصة في فترة الستينات لأنها خاضت حربا ضد الهند سنة 1962م على إثر غزوها للجزء الشمالي لكشمير من جهة التبت من أجل السيطرة والذي قدرت نسبته بحوالي %17[14]. تجر الإشارة في هذا السياق إلى أن الصين رغم اعتبارها من الأطراف الرئيسية في هذه القضية إلا أنها كانت متقاربة مع باكستان لعدة أسباب سياسية خاصة وأن في هذه الفترة كانت أمريكا – العدو الأول للصين- تقدم الدعم للهند في المواجهة التي جمعت بينهما، دون نسيان التحالف الذي قام بين الهند والاتحاد السوفياتي الذي لم يكن على وفاق مع الصين. أما الأسباب الدينية فتتجلى في وجود أقليات إسلامية بالصين، هذا ما جعل الصين تلعب على الوتر الحساس بخلق انسجام أكثر مع باكستان قصد احتواء تحرك الحركات الانفصالية الإسلامية بإقليم “كسينجانغ”، وسعت إلى تتقارب معها من خلال تقديم الدعم العسكري والمالي لباكستان[15].

هذا، إلى جانب حلف جنوب شرقي آسيا “السانتو” الذي انضمت إليه باكستان في فترة الخمسينات من القرن الماضي، وقدم لها المؤنة العسكرية، وهذا ما عبر عنه  جواهر لال نهرو حيث أشار إلى أن “تقديمالمعونةالعسكريةإلىباكستانغيرتغييراجوهريافيوضعالقضية الكشميريةوأهدرتماماالنتائجالتيتوصلتإليهاجميعالمفاوضاتالسابقة”[16]. فهو بذلك يلقي اللوم على كاهل باكستان بانضمامها لهذا الحلف ويحملها مسؤولية فشل القرارات التي توصل إليها الأطراف، ليبرئ الهند التي رفضت تلك القرارات.

  1. الأطراف الأخرى:

عديدة هي الأطراف الثانوية التي تدخلت في القضية لتسويتها نذكرها في النقاط التالية:

  • هيئةالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي:

يعزى سبب تدخلاهما في القضية قصد البحث عن حل يرضي الأطراف المتنازعة حوله، لاسيما وأن تدخلاهما كانبطلب كل من الهند وباكستان. عموما فقد قامت هيئة الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي بإصدار العديد من القرارات منها وقف القتال في كل نزاع، وإجراء استفتاء شعبي[17] والذي من خلاله سيحدد شعب كشمير مصيرهم.

  • الولايات المتحدة الامريكية:

تدخلت في الصراع من منطلق حليفتها باكستان لمواجهة التحالف السوفياتي الهندي في إطار معاهدة الصداقة التي وقعت بينهما. وفي فترة الستينات دخلت إلى جانب الهند في المواجهة التي جمعتها مع الصين سنة 1962 من خلال تقديم المساعدات للحكومة الهندية[18].

  • الاتحاد السوفياتي:

بادر الاتحاد السوفياتي بدوره إلى التدخل في الصراع خوفا من قيام الولايات المتحدة الأمريكية من استغلال مثل هذه الاضطرابات التي تشهدها آسيا لصالح المعسكر الغربي أو لصالح الصين التي لم تكن على وفاق متكامل معها أنذاك، مع العلم بأن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي كانت على أشدها في هذه الفترة، تجلى هذا الدخول في وقوفها إلى جانب الهند في إطار عقد معاهدة صداقة بينهما[19].

  • إيران:

تميز موقفها بالتناقض، ففي بداية الصراع ساندت باكستان لكن بانهزامها سنة 1971 تخلت عنها وسارعت إلى التقارب مع الهند، وتصريح شاه إيران دليل على ذلك ” يجب على إيران عدم تقديم أية مساعدات لباكستان في حال بدئها بالعدوان على الهند الصديقة[20].

  • الامارات العربية المتحدة:

يعزى سبب دخول الامارات في هذا الصراع إلى جانب باكستان ومعارضتها التوسع الهندي في كشمير، إلى كون إيران العدو الرئيسي للإمارات العربية حليف للهند، هذا مع العلم بأن إيران يجمعها عداء تاريخي لكون هذه الأخيرة احتلت الجزر الامارتية الثلاثة وهي جزر طنب الكبرى والصغرى وجزر أبو موسى[21].

  • مصر:

تميز موقفها اتجاه القضية بالحياد قصد تحقيق توازن في علاقاتها مع البلدين، وهذا الحياد يعود إلى عهد جمال عبد الناصر الذي كانت علاقاته مع الهند، لأن كلا الطرحان الهندي والمصري يتماشيان معا في نفس المسار خاصة فيما يتعلق بمواجهة الكيان الإسرائيلي، حيث صرح مهاتما غاندي برفض قرار قيام دولة إسرائيل في أرض فلسطين[22].

  1. قضايا النزاع حول كشمير

سبقت الإشارة أعلاه إلى أن المنطقة شهدت ثلاثة حروب تباينت من حيث الأسباب التي كانت وراء كل حرب على حدة، غير أن القضايا التي كان وراء تلك الموجهات يتمثل في الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية التي يتمتع بها الإقليم خاصة الثروة المعدنية الهائلة[23]، كما أن هذا الصراع قام على أساس الصراع الطائفي لأن باكستان دولة إسلامية في حين الهند تعتبر خليط من الديانات، وقد فضل سكان كشمير خاصة المسلمين الانضمام لباكستان عوض الهند، إزاء هذا علمت على ضرب وحدة باكستان ووحدة الامة الإسلامية في آن واحد.

وتتجلى الأهمية الاقتصادية التي تحظى بها كشمير بالنسبة لباكستان في وجود الأنهار التي تعد المورد الرئيسي الذي تستفيد منه باكستان في الفلاحة والزراعة، تنبع من الإقليم وهي السند، جليم، جناب. كما يعتبر بمثابة خط دفاع حيوي لباكستان، واحتلاله من قبل الهند سيهدد كيان باكستان ثم أن غالبية السكان مسلمين الذين يبلغ عددهم حوالي %85 من سكان الإقليم.[24]

بالإضافة إلى الأهمية الجيو-ستراتيجية التي يحظى الإقليم من الناحية الحربية بالنسبة لباكستان، لأن وقوعه في يد قوة معادية لباكستان بوسعه القضاء عليها في أية لحظة. بالإضافة إلى أن كشمير من الناحية الجغرافية تعد جزءا من باكستان التي تشترك معها في حدود طولها عدة مئات من الكيلومترات ولا يربطها بالهند سوى شريط ضيق من الأرض، وتؤكد الروابط الجغرافية والاقتصادية والثقافية بين كشمير وباكستان ضرورة ضمها لباكستان، وذلك تأسيسا على رغبة الغالبية العظمى من الشعب المسلم[25]. ناهيك على أن أقربمنفذبحريطبيعيلتجارةكشميرالخارجيةهيكراتشيعاصمة باكستان[26]. هذه القضايا هي التي جعلت باكستان تتمسك بكشمير ولا تسمح للهند بالسيطرة عليها كما فعلت مع بعض الامارات التي احتلتها بالقوة.

ومن زاوية الهند فهذا الإقليم له أهمية استراتيجية أمام الصين خاصة بعد أن تمكنت من السيطرة على التبت وتطور النزاع الهندي الصيني على طول الحدود في جبال الهملايا[27]. كما أن الهند تعتبره امتداد جغرافي وحاجز طبيعي أمام فلسفة الحكم الباكستاني القائم على أسس دينية الأمر الذي يهدد الأوضاع الداخلية للهند ذات الأقلية المسلمة الكبيرة العدد، زد على ذلك خوف الهند من استقلال كشمير على أسس دينية أو عرقية، لأن ذلك سيؤدي إلى فتح باب لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية التي تغلب فيها عرقية معينة أو يكثر فيها معتنقي ديانة معينة[28]،  وبالتالي فإن هاته الاعتبارات هي التي جعلت الهند شديدة التمسك بها رغم أغلبية المسلمين الذين يمثلون السواد الأعظم من سكانها.

فهذه الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها كشمير تكون قد لعبت دور هام في الدفع بالأطراف المتنازعة حوله إلى خوض هذه الحروب فيما بينهم قصد انضمامه لواحد منهم، خاصة إذا علما بأن المسيطر على هذا الإقليم سيستفيد من الثروات التي تتواجد بها وكذلك ربط علاقات مع الدول المجاورة التي تطل عليها خاصة الصين وأفغانستان.

  1. الاتفاقيات التي وقعت بين الأطراف في هذه المدة لتسوية النزاع
  • اتفاقية شملا:

عقدت هذه الاتفاقية في ظرفية كانت فيها باكستان تعيش وضعية متأزمة لأنها خرجت منهزمة من الحرب بل الأكثر من ذلك فقدت إقليم بنغلاديش الذي كان ضمن مجالها الجغرافي ليصبح دولة قائمة بذاته منذ سنة 1971م سميت بنفس اسم الإقليم، بالرغم ذلك فقد جاءت بعض بنود هذه الاتفاقية في صالحها مثل استعادتها لكل الأقاليم التي فقدتها في حرب 1971م، وفي مقابل ذلك الانسحاب من قطاع البنجاب وصحراء راجستان لصالح الهند،  كما شكلت هذه الاتفاقية تحركا بين البلدين نحو تطبيع العلاقات من خلال استئناف الاتصالات والمعاملات الاقتصادية فيما بينهم، ثم تسوية قضية كشمير المتنازع عليها في إطار ثنائي[29].

من خلال هذه الاتفاقية سعت الهند إلى إخراج قضية كشمير من مبدأ حق تقرير المصير الذي لا يتماشى مع الطرح الهندي تحت ذريعة أنه لا يمكن لباكستان إثارة هذه القضية مرة أخرى أمام الأمم المتحدة، بموجب التوقيع على اتفاقية شملا، وأن القضية قد تمت تسويتها باعتبار كشمير جزء من التراب الهندي[30].

إن صياغة هذه الاتفاقية بهذا الشكل الذي يخدم المصالح الهندية خاصة ما يتعلق بقضية كشمير بداعي أن توقيع باكستان على تلك الاتفاقية أعطى الضوء الأخضر للهند بضم كشمير إلى كنفها لم يلقى الترحيب من طرف باكستان، بل رفضته وأعلنت أنه لا يمكن تسوية كشمير إلا بإجراء استفتاء شعبي يقرر فيه الشعب الكشميري مصيره بنفسه.

  • اتفاقية طشقند:

سنتطرق إلى أهم ما جاء فيها في المحور المتعلق بالوساطة الدولية من خلال المقترحات التي قدمها الاتحاد السوفياتي لتسوية القضية.

  1. الوساطة الدولية والحلول المقترحة لتسوية النزاع
  • الوساطة الدولية

شهدت قضية كشمير منذ بزوغ فجرها عدة صراعات بين الهند وباكستان من أجل الظفر بها فيما بينهما، لعل أبرزها الحروب التي عرفتها الفترة المدروسة والمتمثلة في حرب 1947م، ثم الثانية 1965م، والثالثة سنة 1971م التي ترتب عليها ظهور دولة بنغلاديش على إثر انفصالها عن باكستان. الأمر الذي دفع بالعديد من الدول خاصة العظمى إلى الإسراع لمعالجة القضية عن طريق تقديم الحلول المقترحة لتسوية النزاع بين الأطراف الرئيسية المتصارعة حول إقليم كشمير، وقد تدخلت هيئة الأمم المتحدة في هذه القضية بطلب من الهند.

  • الأمم المتحدة

أبرز المحاولات التي قامت بها هذه الهيئة منذ الارهاصات الأولى للأزمة تجلت في إرسال لجنة -الأمم المتحدة الخاصة بالهند وباكستان- إلى المنطقة لدراسة الوضع وتقديم الحلول المناسبة لمعالجة القضية المطروحة، وسعت إلى اتخاذ موقف وسطي للتقريب من الطرفين. كان من أبرز قراراتها المتعلقة بتسوية النزاع انسحاب القوات العسكرية الباكستانية الهنديةمن ا كشمير مع تنصيب حكومة انتقالية للإشراف على الوضع هناك، وحق تقرير المصير من خلال إجراء استفتاء شعبي حر ومحايد في الإقليم تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة[31]، والذي من خلاله سيقوم الشعب الكشميري باختيار الانضمام للهند أو لباكستان أو يحظى باستقلاله الذاتي دون الانضمام لأية دولة من الدولتان المتنازعتان حوله. فإذا كانت كل الدولتان قد وافقتا على جميع قرارات الهيئة بما فيه الاستفتاء الشعبي، فإن الهند سرعان ما عملت على رفضه لأنه لا يصب لصالحها. ففي إطار الشرعية الدولية تطمح الهند إلى الوصول لتسوية لا تتماشى مع حق تقرير المصير ولو على حساب باكستان، بينما ترى هذه الأخيرة عكس ذلك أي ضرورة إعطاء كشمير حق تقرير المصير. ولعل سبب فشل جميع قرارات هيئة الأمم بخصوص التسوية يعزى إلى تناقض الآراء الهندية الباكستانية وتباينها بخصوص كشمير، أضف إلى ذلك إصرار الهند على تسوية الوضع بينها وبين باكستان في إطار ثنائي دون اللجوء إلى وساطة دولية.

  • الوسطاء الدوليين

بعد فشل الأمم المتحدة في الوصول إلى حل يمكن من خلاله تسوية النزاع بشكل سلمي، تم تعيين “أوين ديكسون” كوسيط دولي بدلا عن هيئة الأمم، الذي سعى بدوره إلى البحث عنما فشلت فيه الهيئة، بيد أنه سرعان ما فشل هو الاخر حيث باءت جميع مجهوداته بالفشل، وفي هذا الصدد صرح قائلا “اقتنعت في النهاية بأن موافقة الهند على نزع السلاح لن يتم الحصول عليها أبدا وبأي شكل من الأشكال، وكذلك الحال بالنسبة للشروط التي تحكم فترة الاستفتاء أيا كانت طبيعتها بما يتيح حسبما أرى فرصة لإجراء الاستفتاء في ظروف تحول بما يكفي دون الترهيب وأشكال التأثير الأخرى وسوء التعامل قد تجعل حرية إجراء الاستفتاء وعدالته عرضة للخطر”[32]. وسيرا على نفس المنوال نجد “فرانك جراهام” قد فشل في مهمته بسبب صلابة الموقف الهندي[33].

  • الاتحاد السوفياتي

سارع إلى التدخل في هذا الصراع حيث قام بترتيب مؤتمر للصلح بين الأطراف المتنازعة بطشقند العاصمة الأوزباكستانية سنة 1966م[34]، وقد دعت هذه الاتفاقية إلى الحل السلمي للنزاع وسحب القوات بين الطرفين في موعد أقصاه 25 يوما، مع مراعاة شروط وقف إطلاق النار وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين[35]. وبالرغم من تدخل الاتحاد السوفياتي في القضية حيث دعهما إلى عقد مؤتمر طشقند والذي كان من أبرز قراراته تجميد الموقف، غير أن المؤتمر باء بالفشلعلى إثر وفاة رئيس الوزراء الهندي شاستري بنوبة قلبية[36].

تأسيسا على ما سبق يتضح بأن السبب الحقيقي في فشل جميع جهود الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين والاتحاد السوفياتي في عدم تمكنهم من الوصول إلى حل يمكن من خلاله تسوية قضية كشمير من خلال الاستفتاء الشعبي الذي سيقرر مصير الإقليم، راجع إلى معرفة الهند بالنتائج المسبقة التي سيسفر عنها والتي لا تصب في مصلحته ولا تحقق مسعاه لأن أغلبية الشعب مسلمين ويفضلون الانضمام لباكستان، كذلك الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها كشمير جعلتها تتمسك بها ولا تفكر حتى في التنازل عنها لدرجة إقدامها ارتكاب مجازر في صفوف المسلمين إبان الحرب. إلى جانب إصرارها على ضم الإقليم إليها بموجب الرسالة التي بعثها المهراجا هاري سينغ مستنجدا بالقوات الهندية على مساعدته لإخماد الحرب التي شهدتها المنطقة أنذاك، في مقابل ذلك تنضم كشمير إلى الهند، فقد تشبثت بهذه الرسالة معتبرة إياها نص مقدس يجب تنفيذه على أرض الواقع، ولو كان ذلك على حساب رغبة الشعب.

  • الحلول المقترحة لتسوية النزاع

شهدت هذه القضية منذ بداية ظهورها على مسرح الأحداث المحلية والعالمية العديد من الحلول المقترحة لفض النزاع حولها بشكل سلمي إلا أنها لم تطبق على أرضية الواقع بسبب الموقف الهندي المتصلب. وإذا جاز لنا القول أن نقدم بدورنا حلول لهذا الإقليم الذي بقي معلقا تتجاذبه المصالح الدولية فيما بينها، وعليه فالحلول التي أميل إليها وأراها مناسبة لإنهاء الأزمة تتمثل في النقاط التالية:

  • إقامة دولة بكشمير قائمة بذاتها.
  • إقامة دولة تشرف عليها كل من الحكومة الهندية والباكستانية في سبيل خلق منطقة تكامل اقتصادي بين الهند وباكستان في المنطقة.
  • اقتسام الإقليم بين الهند وباكستان من خلال ضم هذه الأخيرة للجزء الذي سكانه مسلمين على أن تضم الهند للجزء الذي يقطنه الهنود والسيخ.

خـــــــــــــــــــاتـــــــــــــــــــمــــــــــــــــة:

من خلال هاته الدراسة نلخص إلى أن قضية كشمير تعتبر قضية من بين القضايا المتنازعة عليها في القارة الآسيوية بين الهند وباكستان والتي دارت حولها العديد من الصراعات منذ ظهورها عقب استقلال شبة القارة الهندية عن التاج البريطاني، والذي أعطى الامارات التي كان يحكمها في تلك الرقعة الجغرافية حق تقرير مصيرها بحسب رغبة الشعب بالانضمام إما للهند أو لباكستان، لكن هذا الإقليم قدر له أن يقاسي الويلات بسبب تضارب الرأي بين حاكم المنطقة والشعب. الأمر الذي أفحمها في صراعات غير متناهية منذ سنة 1947م والتي شهدت فيها أول حرب ومرورا بالتجارب النووية التي قامت بها الهند وباكستان إلى الفترة الراهنة. فهي تعد أول قضية رفعت إلى هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها، وتسارعت هذه الأخيرة للبحث عن حلول لتسوية النزاع حولها بين الأطراف المتنازعة بشأنها، غير أن استمرار الموقف الهندي في الرفض لجميع الاقتراحات التي قدمتها وكذلك جهود الوسطاء الدوليين بما فيها إجراء الاستفتاء الشعبي الذي من خلاله سيقرر شعبها مصيره، جعل المسألة تظل معلقة وبدون حل، وفي مقابل ذلك ترى الهند بأن هذه القضية يجب أن تحل بينها وبين باكستان في إطار اتفاقية ثنائية بينهما ولا حاجة لتدخل طرف ثالث في القضية. كل هاته المبررات التي تقدمها الهند تنذر بأن المنطقة سوف تشهد العديد من الحروب خاصة النووية في المستقبل إذا لم يحسم في تسوية النزاع حولها.

القائمة البيبليوغرافية

المراجع:

  • ياغي محمود شاكر، إسماعيل أحمد. تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 987-1400هـ/ 1492-1980م، الجزء الأول الجناح الآسيوي، الرياض، دار المريخ للنشر، 1984م.
  • جبران، فرج. تعال معي إلى باكستان، القاهرة، مؤسسة هنداوي للعليم والثقافة.
  • علاوي، ستار جبار. باكستان دراسة في نشأة الدولة وتطور التجربة الديمقراطية، دار الجنان للنشر والتوزيع، 2012.
  • عربي عوده، فلة. قضية كشمير بين المواقف الاقليمية والتأثيرات الدولية، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر 3، 2011.
  • خواتمياني، كنزة. سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان وآثره إقليميا ودوليا 1998-2012، رسالة ماجستير، جامعة الجيلالي بونعامة خميس مليانة، 2014-2015.
  • Basic Fact about the United Nation. Department of Public Information New York, 2011.
  • World Kashmir freedom movement. Kashmir Center, Brown house Road, London.
  • Stein, Burton. A History of India. Oxford University Press. 2010.

المواقع الالكترونية:

[1]– فلة عربي عوده، ” قضية كشمير بين المواقف الاقليمية والتأثيرات الدولية “، (رسالة ماجستير، جامعة الجزائر 3، 2011)، ص15.

[2]– World Kashmir freedom movement, Kashmir Center, Brown house Road, London. W13, p 6.

[3]– إسماعيل أحمد ياغي محمود شاكر، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر 987-1400هـ/ 1492-1980م، (الرياض، دار المريخ للنشر، 1984م)، الجزء 1 الجناح الآسيوي، ص 278.

[4]– محمود شاكر، مرجع سابق، ص 278-279. انظر كذلك:

– Basic Fact about the United Nations, Department of Public Information New York, 2011. P 99.

[5]-“سياسة الخصوصية في غوغل”، آخر تحديث في 1 دجنبر2016

http://www.hadaracenter.com/pdfs/%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9%20%D9%83%D8%A7%D8%B1

%D8%AC%D9%8A%D9%84.pdf

[6]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص 22.

[7] – Stein, Burton: A History of India. Oxford University Press. 2010. Page 358.

[8]– ستار جبار علاوي، باكستان دراسة في نشأة الدولة وتطور التجربة الديمقراطية، (دار الجنان للنشر والتوزيع، 2012) الطبعة 1، ص5.

[9]– كنزة خواتمياني، “سباق التسلح النووي بين الهند وباكستان وآثره إقليميا ودوليا 1998-2012″، (رسالة ماجستير، جامعة الجيلالي بونعامة خميس مليانة، 2014-2015)، ص60.

[10]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص17.

[11]– محمود شاكر، مرجع سابق، ص 287.

[12]– كنزة خواتمياني، مرجع سابق، ص 56.

[13]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص 18.

[14]– نفسه، ص 56.

[15]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص 70.

[16]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص 20.

[17]– محمود شاكر، مرجع سابق، ص 278-279. وفلة عربي عوده: مرجع سابق، ص19. انظر كذلك:

– Basic Fact about the United Nations, Department of Public Information New York, 2011. P 99.

[18]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص 70.

[19]– نفسه، ص 40.

[20]– نفسه، ص 76.

[21]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص 78.

[22]– نفسه، ص 80.

[23]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص13.

[24]– فرج جبران، تعال معي إلى باكستان، (القاهرة، مؤسسة هنداوي للعليم والثقافة)، ص 79.

[25]– محمود شاكر، مرجع سابق، ص 277-278.

[26]– فرج جبران، مرجع سابق، ص 79.

[27]– محمود شاكر، مرجع سابق، ص 278.

[28]– “سياسة الخصوصية في غوغل”، آخر تحديث في 1 دجنبر2016،

http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075F650-9B70-45BB-8A7E-5BB30024D254

[29]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص24-25.وكذلك:

-Basic Fact about the United Nations. Op, cite. P99.

[30]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص25.

[31]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص31. ومحمود شاكر، مرجع سابق، ص279.

[32]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص ص37-38.

[33]– نفسه، ص38.

[34]– “سياسة الخصوصية في غوغل”، آخر تحديث في 1 دجنبر2016،

http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075F650-9B70-45BB-8A7E-5BB30024D254

[35]– فلة عربي عوده، مرجع سابق، ص23.

[36]– “سياسة الخصوصية في غوغل”، آخر تحديث في 1 دجنبر2016،

http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/2075F650-9B70-45BB-8A7E-5BB30024D254

  • تحريرا في 22-6-2017
1/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى