أثر الهويات الفرعية في بناء الدولة الوطنية
اعداد : د. شاهر إسماعيل الشاهر
أستاذ القانون والعلاقات الدولية – في جامعتي دمشق والفرات – مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات
- المركز الديمقراطي العربي
تعد مسألة الهوية من أهمّ القضايا التّي لاقت اهتمام العديد من المفكرين والسياسيين في ظل فشل بعض الدول والنخب السياسية في التوليف بين الهويات وتشكيل ما يعرف بالتعايش الهوياتي، خاصة في دول العالم الثالث[1].
ففي أي إقليم نجد مجموعة من الأفراد يسكنون ويمثلون صفات عددية (العدد، الكثافة، الحركية، النمو الديمغرافي)، وصفات أو ميزات نوعية (اللغة، الدين، الثقافة، مستوى المعيشة) فكلمة فضاء اجتماعي ثقافي تعني خصيصاً الميزات النوعية للشعوب. ولهذا قد نجد في إقليم واحد شعب داخل حدود دولة واحدة. ولكن تفرق بينه حدود اجتماعية وثقافية تعطينا في الأخير عدة شعوب داخل إقليم واحد.
ونشير إلى أن هذه الفضاءات لم يشر إليها راتزل في كتاباته وإنما اهتم فقط بالدولة، لكنها أصبحت اليوم من صميم موضوعات الجغرافية السياسية، خاصة بعد طرح مقاربة صامويل هنتنغتون سنة 1997 في ما يسمى ب”صدام الحضارات.
وأول من تبنى دراسة هذه الفضاءات الاجتماعية الثقافية هو كنافو Cnafouعام 1997 من خلال مقاربة ديمغرافية، في حين نجد معظم الجغرافيين والدراسات البشرية منذ سنين لا تهتم إلا بالصفات العددية لهذه الفضاءات لأنها أكثر استخدام وأسهل، وهذه الفضاءات قد نجدها في شكل مهني كالنقابات واتحادات العمال، الفلاحين …الخ. وقد نجدها في شكل ديني من خلال وجود معتقد واحد كمسلم، مسيحي وبوذي…الخ، وقد نجدها في شكل أيديولوجي كاشتراكي، شيوعي أو رأسمالي…الخ[2]. وحتى في شكل فكري إعلامي، مثل ما يوجد الآن من فضاءات للتواصل الاجتماعي كالفيسبوك، التويتر…الخ[3].
وقد أعد تيفي وسميث فرضيات حول الدولة والأمة تصلح للتحليل والقياس، وهي[4]:
- يتألف العالم من فسيفساء من الأمم.
- يتوقف النظام والاستقرار في المنظومة العالمية على التفاعل الحر لهذه الأمم.
- الأمم هي الوحدات الطبيعية للتعبير عن المجتمعات.
- تتمتع كل أمة بثقافتها الخاصة القائمة على نسب وتاريخ مشترك.
- كل أمة تحتاج إلى دولتها السيادية التي تعبر من خلالها عن ثقافتها.
- تتمتع الأمم (وليس الدول) بالحق المطلق في أرضها أو وطنها.
- لابد لكل إنسان فرد أن ينتمي إلى أمة.
- الولاء الأول لكل إنسان فرد إلى أمته.
- لا حرية حقيقية للإنسان الفرد إلا من خلال أمته.
وتعمل الدولة- الأمة في جوهرها على تزويد مواطنيها وقومها بالمتطلبات الأساسية التي تؤكد لهم هويتهم المكانية- الزمانية وتحدد لنا الأبعاد الزمانية والمكانية التي تنتمي إليها.
وقد ترتب على التقدم الكبير في تقنيات الاتصالات، وخاصةً الفضائيات، تحطم الحواجز الجغرافيّة والحدود السياسية أمام الوارد الثقافي من خارج البلاد، ولم يعد أمام الدول التي تحرص على الحفاظ على هويتها الثقافية إلا أن تتقدم في العلم لتقديم بديل ثقافي أرقى، أو لسد منافذ الاقتحام الثقافي والإعلامي الخارجي غير المرغوب فيه[5].
أولاً- اللغة وأثرها على الهوية الوطنية:
تعد اللغة أحد أهم العناصر التي تدرسها الجغرافيا بشكل عام, والجغرافيا السياسية على وجه الخصوص، فهي عنصر من عناصر توحيد الشعوب، وتسهم في نقل الأفكار، ووسيلة للتفاهم بين الشعوب.
والتجانس اللغوي بين سكان الدولة من أهم عوامل توحيدهم. بينما الاختلاف اللغوي غالباً ما يؤدي إلى التفرقة بينهم. ويتحدث سكان العالم اليوم بما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، بعضها يتكلم بها مئات الملايين من البشر كالصينية والانكليزية، وبعضها يتحدث بها جماعات قليلة محدودة كلغات قبائل الأمازون في أمريكا الجنوبية وقبائل نيو غينيا وأجزاء من آسيا[6].
فاللغة الواحدة تساعد على:
- اندماج الشعوب.
- ترابطها ثقافياً وفكرياً واجتماعياً.
والدولة التي يتحدث شعبها لغة واحدة ينصهر في بوتقة ثقافية واحدة, أما الشعوب التي تتحدث أكثر من لغة في الدولة الواحدة فإن اللغة قد تكون أحد عوامل الانفصال في الدولة.
وتعد اللغة من أهم مقومات الدولة والأمة والقوميات، ووسيلة للتخاطب والتعبير. ويعد تنوع اللغات عبئاً على الدولة، من حيث عدد المتكلمين بها واصرار كل قومية في الدولة الواحدة على اتخاذ لغتها لغة رسمية للدولة، وقد يؤدي اختلاف اللغة إلى انفصال جزء من الدولة عن الدولة الأم.
وتضم قارة أفريقيا مجموعات لغوية تتراوح ما بين 700- 1000 لغة ولهجة، إلا أن توزيع اللغات في قارة أفريقيا يمتاز بالتعقيد الشديد لعدة أسباب، منها[7]:
أ- تعرضها للاستعمار الغربي الذي فرض عليها لغاته.
ب- التركيب اللغوي المعقد للقبائل الافريقية.
ج- تأخر التعليم في معظم الدول الافريقية.
وينقسم العالم إلى عدة مجموعات لغوية رئيسة، وتنقسم كل مجموعة لغوية رئيسة إلى مجموعات لغوية فرعية، ولكل دولة لغة رسمية خاصة بشعبها, ويمكن أن توجد أكثر من لغة رسمية للدولة الواحدة مثل: سويسرا أو بلجيكا أو كندا.
وتختلف معاناة دول العالم فيما يتعلق باللغة، فالدول التي تتصف بعدد سكان كبير مثل الصين وروسيا والهند وباكستان ونيجيريا واندونيسيا تعاني من مشكلات لغوية معقدة, بينما هناك دول لا تعاني من هذه المشكلات مثل: اليابان وألمانيا وفرنسا واسبانيا.
وفي ضوء ما تقدم يمكن تصنيف لغات العالم إلى أربع مجموعات[8]:
1– لغات تتكلمها عدة دول: مثل الانكليزية والاسبانية والفرنسية والبرتغالية والألمانية والعربية.
2– لغات تستخدم في دولة واحدة فقط: مثل البولندية واليابانية والأيسلندية.
3- بعض الدول تسود فيها عدة لغات: مثل الهند وسويسرا وبلجيكا.
4- بعض اللغات توجد في دولتين أو أكثر: مثل الكردية في مناطق الأكراد في سورية والعراق وتركيا وإيران، والباسك في أسبانيا وفرنسا.
ثانياً- الدين وأثره على الهوية الوطنية:
لا تقل أهمية التجانس الديني عن غيرها من عوامل التجانس السكاني للدولة. ويعد الدين عنصراً رئيساً في تكوين الدولة ونشأتها وقوتها السياسية، وهو من العوامل المؤثرة في الجغرافيا السياسية للدولة.
ولم يكن الدين عاملاً موحداً لنشأة الدولة، فالدولة العثمانية كانت تمثل الخلافة الإسلامية، لكنها كانت تحكم رعايا مسيحيين ويهوداً، ولا شك أن بعض الدول حاولت أن تجعل الوحدة الدينية سائدة داخل حدودها كنوع من تدعيم السلطة، لكن ذلك لم يكن تاماً ولا ناجحاً، ففي العصور الوسطى حاولت بعض دول أوروبا أن تكون موحدة دينياً أمام موجة الإصلاح الديني وظهور البروتستانتية، لكن كان على هذه الدول في النهاية أن تتقبل وجود عدة أديان ومذاهب كما هو الحال في سويسرا. وخلاصة القول أن الإمبراطوريات التاريخية الكبرى (الرومانية – العثمانية – العربية – النمسا والمجر) كانت تضم داخل حدودها متجمعات مختلفة سلالية ولغوية ودينية[9].
والدين عامل هام في بناء المجتمع, إلا أنه في المجتمعات الغربية ليس عاملاً حاسماً في تكوين القومية, بل ربما كانت اللغة أعمق أثراً في التمييز بين الشعوب، وتكوين القوميات من الدين.
ينتثر العديد من الديانات والمعتقدات في جميع أنحاء العالم والتي تختلف من حيث طبيعتها وعدد اتباعها, فهناك بعض الديانات التي تنتشر في جميع أنحاء العالم من حيث تواجد أتباعها في معظم دول العالم ومن هذه الديانات:
- المسيحية. ب- الاسلام. ج- البوذية.
وتنقسم هذه الديانات إلى عدد من المذاهب، فعلى سبيل المثال ينقسم الدين الاسلامي إلى قسمين رئيسين هما: ( السنة والشيعة، واللذين ينقسمان بدورهما إلى عدة مذاهب فرعية أخرى)، والمسيحية تنقسم: إلى البروتستانت والكاثوليك.
وهناك أديان توجد في مجتمع واحد أو دولة واحدة، مثل: الكونفوشيوسية في الصين. والشنتو في اليابان، والهندوسية في الهند.
ويلعب الدين دوراً مهماً في نشأة الدولة، وذلك من خلال العلاقة بين المؤسسات الدينية من جهة والدولة التي تمارس دورها في حماية الدين ورجاله من جهة أخرى. إلا أن هذه العلاقة تعرضت للتغيير في الوقت الراهن فقد اتجهت بعض الدول حديثاً نحو فصل الدين عن الدولة، أو ما يعرف بالدولة العلمانية والتي يقصد بها: إلغاء اعتراف الدولة بالدين أو الأديان على أساس أن هذا الإلغاء يخلق تعاوناً وتسامحاً بين الأديان.
وقد يؤدي ظهور أنظمة دينية جديدة إلى خلق مجتمع جديد أو أقلية قومية جديدة، وقد يؤدي ظهور عوامل غير مواتية في ثقافتين دينيتين إلى حدوث انفصال في الدولة، وقد يتطور الأمر إلى حدوث منازعات، مثال ذلك النزاع في سيريلانكا الذي يرجع في الأساس إلى فروق دينية بين الأكثرية الشنهاليزية والأقلية التاميلية. ومثال ذلك أيضاً انفصال بلجيكا عن هولندا عام 1830 والذي يرجع إلى رغبة سكان بلجيكا الكاثوليك بالانفصال عن هولندا الكالفينية*.[10]
وقد تختلف دول العالم من حيث تركيبها الديني والعقائدي، فهناك دول أدى اختلاف أديان سكانها إلى انقسام الدولة على نفسها، ومن أمثلة ذلك شبه القارة الهندية التي انقسمت إلى دولتين هما الهند وباكستان، وتضم شبه القارة الهندية حالياً ثلاث دول، هي: ( الهند – باكستان – بنجلادش).
– ايرلندا التي انقسمت إلى دولتين: أحدهما مسيحية كاثوليكية والأخرى مسيحية بروتستانتية.
ومن أمثلة الدول التي تتميز بالتجانس الديني: ( الدول الإسكندنافية البروتستانتية – دول أمريكا الجنوبية الكاثوليكية).
وتأثير الدين كعامل مؤثر في الجغرافيا السياسية بدأ يخف في بعض الدول نتيجة لزيادة النزعة العلمانية في هذه الدول، وظهور العوامل السياسية والاقتصادية الأخرى إلا أنه يمكن اعتبار الدين عامل اساسي في نشأة الدول، ومثال ذلك: ( الجمهورية الاسلامية الايرانية وباكستان) .
وتختلف الدول من حيث توزيع الأديان، فهناك دول يسود فيها دين واحد مثل المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية, ودول تتعدد فيها الاديان والمذاهب، مثل: الولايات المتحدة والعراق, كما يوجد في الدولة الواحدة عدد من العقائد والمذاهب، مثل: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ودول أخرى بها أقليات دينية مثل العراق والكويت.
وكما يعمل الدين على نشأة الدولة فإنه يعمل على تفككها، ومن الامثلة الصارخة على دور الدين كعامل لتفكك الدولة يوغوسلافيا السابقة، حيث أدى انقسام الامبراطورية الرومانية خلال القرن الخامس الميلادي بين الكاثوليك في الغرب والارثوذوكس في الشرق حيث كان خط الحدود الذي يمر بين جزئي الامبراطورية يقسم يوغوسلافيا إلى قسمين، ولا يقتصر الأمر على الدين فقط، بل تعد اللغة عاملاً لتفكك الدولة, ففي يوغوسلافيا السابقة كان الصرب الذين يدينون بالأرثوذوكسية يتكلمون اللغة السيريليكية بينما كان الكروات والسلوفينيين يدينون بالكاثوليكية ويستخدمون اللغة اللاتينية, بينما كان البوسنيون يدينون بالإسلام الذي تحولوا إليه في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين على يد الأتراك العثمانيين.
وخلاصة القول: تنقسم الدول من حيث الدين، إلى:
1- دول يسود فيها دين واحد: مثل معظم الدول العربية والاسلامية, اسبانيا, البرتغال, إيطاليا, فرنسا ( دول مسيحية كاثوليكية), السويد النرويج, فنلندا ( دول مسيحية بروتستانية).
2- دول يهيمن فيها دين على دين آخر مثال ذلك: الولايات المتحدة.
3- دول تتعدد فيها الأديان, ومن أمثلتها: كندا, سويسرا, العراق, الهند.
خريطة الأديان في العالم:
أصدرت مؤسسة «بيو» الأمريكية لأبحادث الأديان والحياة العامة، دراسة بعنوان: “المشهد الديني العالمي: تقرير عن حجم وتوزيع المجموعات الدينية في العالم اعتباراً من سنة 2010”. وقد شملت الدراسة 230 بلداً وإقليماً، وأكدت أن العالم لا يزال ينزع نحو التدين، إذ يعتنق 84 % من سكان المعمور الأديان السماوية، أو ينتسبون إلى الأديان التي ابتكرها البشر على كثرتها، أو يعتقدون بشيء ما، أي حوالي 5.8 مليار شخص من أصل 6.9 يسكنون العالم. بينما يعيش 16.3 % (1.1 مليار شخص) إما ملحدون أو لا قدريون، غير أن الملفت في نتائج الدراسة، أن العالم العربي الأكثر إيماناً، فلا تتجاوز نسبة اللا دينيين سوى 0.2 % من إجمالي عددهم في العالم، ولا يتعدى عددهم مليونين ومائة ألف شخص، ومقارنة مع التعداد السكاني لمجمل الدول العربية فهم يشكلون 0.6 % من السكان التي تبلغ 341 مليون و20 ألف شخص[11].
وصنف «بيو» العالم إلى ثماني مجموعات دينية؛ تعد المسيحية المجموعة الدينية الأولى نظراً لانتماء 31.5 % إليها، والإسلام ثاني المجموعات يعتنقه 23.2 %، ويعد اليهود أقل المجموعات الدينية على الإطلاق بنسبة لا تتعدى 0.2 %، بينما يشكل الهندوس والبوذيون الذين يتركزون في «مهد» هذه الديانات بدول محددة بآسيا والمحيط الهادئ نسبة 15 و7 %على التوالي. في حين ما يزال حوالي 6 % من سكان المعمور يعتنقون الديانات الشعبية «البائدة»، وتشمل الأديان التقليدية الصينية والإفريقية التي مارسها الأفارقة قبل مجيء المسيحية والإسلام (مثل السانتريا، أمباندا، فودو، وغيرها)، وأديان سكان أستراليا وأمريكا الأصليين (دين أزتيك، ودين الإنكا والمايا).
وبخلاف باقي الأديان الأخرى، فالإسلام وحده الديانة المتوسعة جغرافيا؛ فالدراسة أبرزت، أن 73 % من المسلمين يعيشون أغلبية، وذلك في 49 بلداً بما فيها 19 من أصل 20 بلداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأزيد من ربع المسلمين يعيشون في باقي دول العالم على شكل «أقلية»، حيث لا تكاد تجد منطقة، كما تظهر البيانات، لا تعرف حضوراً للمسلمين. وبالمقابل، أكدت الدراسة الأمريكية، انحصار «التبشير» خلال السنتين الماضيتين، وعدم وجود المسيحيين على غرار الهندوس والبوذيين إلا كأغلبية.
ومن المعطيات المثيرة التي تكشفها الدراسة، أن متوسط عمر المسلمين لا يتجاوز 23 سنة، وهي الأقل مقارنة مع كل الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية، إذ تعد كل المجموعات الدينية الأخرى باستثناء الهندوس من كبار السن، حيث يبلغ متوسط عمر المسيحيين 30 سنة ويتجاوز متوسط عمر اليهود 36 سنة، كما أن متوسط عمر المسلمين أصغر من متوسط عمر سكان العالم الذي هو 28 سنة؛ وهذا الأمر يؤكد توسع المسلمين بشكل أكبر في المستقبل على اعتبار أن غالبية معتنقيه من الشباب[12].
«الديانات الشعبية».. ما يزال يعتنقها 6 % من سكان العالم!
405 مليون شخص عبر العالم يعتنق «أدياناً شعبية»، والمقصود بها حسب الدراسة الممارسات المحلية التي يلجأ إليها الناس لإشباع رغباتهم الروحية، وتشمل الأديان التقليدية الصينية والإفريقية التي مارسها الأفارقة قبل مجيء المسيحية والإسلام (مثل السانتريا، أمباندا، فودو، وغيرها)، وأديان سكان أستراليا وأمريكا الأصليين (دين أزتيك، ودين الإنكا والمايا)، وأوضحت الدراسة، أن 6 % من سكان العالم يعتنق هذه الممارسات «البالية» والضاربة جذورها في أعماق التاريخ. غير أن معتنقي هذه الأديان ينحصرون بنسبة 90 في المائة في دول بعينها بآسيا (حوالي 365 مليون نسمة)، والبقية تتوزع على دول مختلفة بإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 6.6 في المائة وفي الأمريكيتين بنسبة 3 %. وتشير البيانات أن معتنقي هذه الأديان يتركزون أساساً في عشر دول بآسيا وإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 91 %، وفي مقدمتها الصين التي ينتمي إليها 22 % من سكان البلد (حوالي 294 مليون نسمة) ويشكلون لوحدهم نحو 73 % من عددهم الإجمالي في أنحاء العالم، وأيضاً يعتنق هذه الأديان 45 % من سكان الفيتنام والتايوان على التوالي، ونحو 33 % من مواطني دولة جنوب السودان التي استقلت عن الخرطوم، فضلاً عن بضع ملايين متمركزة في كل من بوكينافاسو ونيجريا بإفريقيا والهند وكوريا الشمالية وبرورما ميانمار بآسيا والبرازيل بأمريكا اللاتينية[13].
ويشكل اللا دينيون (إما ملحدون أو لا أدريون) ثالث أكبر المجموعات في العالم بعد المسيحية والإسلام؛ إذ كشفت الدراسة، عدم انتساب 16.3 % (حوالي مليار و100 ألف شخص) إلى الأديان سواء السماوية أو التي ابتكرها البشر.
بيانات الدراسة، أظهرت أن حوالي 52 % من اللا دينيين في العالم يتركزون في دولة واحدة تعد أهم قلاع الشيوعية؛ وهي الصين التي ينتمي 62 % من مواطنيها إلى هذه المجموعة الدينية، وحكمها ماو تسي تونغ أحد قادة الشيوعية فكراً وممارسة ثلاثين عاماً. وأبرزت أن غير المنتسبين دينياً يشكلون أغلبية في ست دول قاسمها المشترك تاريخها الشيوعي، فإلى جانب الصين لا يعتنق 76 % من مواطني جمهورية التشيك أياً من الأديان، ولا ينتسب71 % من سكان كوريا الشمالية إلى أي مجموعة دينية، ولا ينتمي 59 %من سكان إستونيا بشرق أوروبا إلى الأديان السماوية والوثنية، ولا يؤمن 57 % من مواطني دولتي اليابان وهونغ كونغ بما جاءت به الأديان وتدعو إليه. وعلى المستوى الكمي، يتركز 86 % من إجمالي منتسبي هذه المجموعة الدينية في عشر دول، تبنت غالبيتها الشيوعية باستثناء فرنسا وألمانيا التي لا يدين ربع سكانها بأي دين، والولايات المتحدة الأمريكية التي لا يعتنق 1 من كل 8 مواطنين الأديان.
اللا دينيون لا وجود لهم في العالم العربي إلا بنسبة لا تكاد تذكر، فالدراسة بينت أنهم يشكلون 0.6 % فقط من سكان العالم العربي، ويقدر عددهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمليونين و100 ألف شخص من إجمالي السكان الذي يزيد عن 341 مليون نسمة[14].
ومن بين المعطيات المثيرة التي تشير إليها الدراسة، أن خريطة الأديان ما يزال يؤثثها وجود الديانتين الهندوسية والبوذية التي ابتكرها البشر بنفس القوة العددية، فمعتنقي الديانتين يقتربون من عدد المسلمين عبر العالم، إذ يشكلون 22 % موزعة بين 15 % من الهندوس و7 % من البوذيون. إلا أن أهم خاصية تميز الديانتين على حد سواء هو تركزها في مهدها بدول آسيا بنسبة 99 %.
ووفقاً للبيانات الحسابية، فإن الغالبية الساحقة من الهندوس (نحو 94 % من عددهم الإجمالي) يعيشون بالهند التي يشكلون بها أزيد من ثلاثة أرباع سكان البلد، فيما تستقر نسبة 6 % الأخرى بدول أخرى مثل النيبال والبنغلادش وإندونيسيا وباكستان وسيريلانكا وماليزيا وبورما، مع وجود أقلية من معتنقي هذه الديانة بالولايات المتحدة الأمريكية (مليون و790 شخص) وبريطانيا (800 ألف شخص).
وعلى غرار ذلك، يعيش غالبية البوذيون بدول آسيا والمحيط الهادئ، حيث يتمركز النصف الأول بدولة الصين لوحدها، والنصف الثاني يتوزعون على التايلاند واليابان وبورما وسيريلانكا والفيتنام وكمبوديا وكوريا الشمالية والهند وماليزيا على التوالي.
ثالثاً- المجموعة السلالية كأساس للدولة
الوحدة الإثنية قد تشجع على ولادة دولة، مثل المجر أو بلغاريا أو تايلاند، لكن دولاً عديدة تتكون من عدة شعوب وسلالات مثل الولايات المتحدة والبرازيل، حيث نجد كافة سلالات العالم متمثلة في مواطني هاتين الدولتين. كذلك لوحظ أن الدولة حينما تنشأ وتنمو تحاول أن توجد لنفسها طابعاً إثنياً أو سلالياً بصورة مصطنعة، وأكبر دليل هو ألمانيا النازية التي ادعت لنفسها سلالة آرية نقية بعد أن كانت ألمانيا قد توحدت في دولة مركزية واحدة منذ ١٨٧٠[15].
وتنقسم المجموعة السلالية إلى الآتي:
أ- الجنسية: ويقصد بها الشعور بالولاء نحو دولة معينة، أو هي الصفة القانونية لفرد من أفراد أي شعب.
ب- السلالة: السلالة جماعة من البشر يتصفون بصفات جسمانية معينة تميزهم عن غيرهم من المجموعات، ويقصد بها السلالة العرقية التي ينتمي إليها الفرد أو الشعب, وقد تعرضت السلالات البشرية إلى الاختلاط الشديد، بحيث يندر وجود سلالة نقية في العالم.
وينقسم سكان العالم إلى سلالات رئيسة، وهي:
- السلالة القوقازية.
- السلالة المغولية.
- السلالة الزنجية.
وتلعب السلالة دوراً مهما ًفي الجغرافية السياسية، من خلال تحديد قوة الدولة أو ضعفها، وذلك من خلال انسجام السلالات أو تنافرها داخل الدولة الواحدة، ومن أمثلة ذلك مشكلة الزنوج في الولايات المتحدة، أو سياسة الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقاً[16].
ويؤدي التباين في السلالات في الدولة إلى ظهور التمييز العنصري بين أفراد الشعب, فعلى سبيل المثال: تمنع استراليا هجرة الملونين إليها، باستثناء العنصر الأبيض، والذي يمثله الأوربيون. وجنوب افريقيا التي كانت تتبنى سياسة الفصل العنصري قبل إلغائه، وكذلك اسرائيل التي تنتهج سياسة الفصل العنصري والتي تتكون من خليط من الشعوب وتقدم امتيازات لليهود الغربيين على اليهود الشرقيين، كما تفرق في المعاملة ما بين العرب والإسرائيليين، ويؤدي التباين العرقي والاثنوغرافي في الدولة إلى التفكك وضعف القوة السياسية في الدولة.
التركيب الديموغرافي للسكان:
يقصد بالتركيب الديموغرافي للسكان دراسة الخصائص العمرية والنوعية والحضرية والثقافية للسكان.
فمثلاً تدرس الجغرافية السياسية التركيب العمري للسكان الذي ينعكس على قوة العمل الاقتصادي وبالتالي ينعكس على قوة الدولة، ومثال ذلك انخفاض نسبة السكان العاملين في الدول النامية الذي يؤدي إلى تزايد العبء على القوة العاملة وضعف التقدم الاقتصادي.
ومن العوامل التي تؤدي إلى تغيير التركيب الديموغرافي للسكان الحروب وما ينجم عنها من هجرات قسرية للسكان.
كما تهتم الجغرافيا السياسية للدولة بتوزيع السكان، وتحليل هذا التوزيع نظراً لأن السكان لا يتوزعون بصورة منتظمة، ومن المقاييس التي تستخدم لدراسة توزيع السكان:
1– الكثافة الحسابية: الكثافة السكانية تساوي عدد سكان الدولة / إجمالي مساحة الدولة.
وذلك لتحديد العلاقة بين عدد السكان ومساحة الدولة, ولا تعبر هذه المعادلة عن الوضع الحقيقي للكثافة السكانية لسكان الدولة وتستخدم معادلة أخرى، وهي:
2– الكثافة الفيزيولوجية: وتستخدم لتحديد الكثافة السكانية لفئة معينة من سكان الدولة. مثال ذلك الكثافة السكانية للدولة في القطاع الزراعي على النحو الآتي:
الكثافة الفيزيولوجية تساوي عدد سكان الدولة / مساحة الاراضي الزراعية في الدولة.
3- الكثافة الاقتصادية ( الدخل القومي ): حيث يتم من خلالها تحديد نصيب الفرد من اجمالي الدخل القومي للدولة.
رابعاً- الجغرافيا السياسية للهجرة وقضايا اللاجئين:
تعرف الهجرة بأنها انتقال الأفراد من مكان إلى آخر للاستقرار فيه، بصفة دائمة أو مؤقتة. وتعد الهجرة ظاهرة جغرافية سياسية بشرية اقتصادية اجتماعية, ويرجع نشوء ظاهرة الهجرة إلى عدد من العوامل، منها:
1- عوامل اقتصادية: مثل البحث عن موارد الرزق أو الهرب من المجاعات.
2- عوامل سياسية: مثل الحروب واللجوء السياسي.
3- عوامل اجتماعية: مثل ازدحام السكان والتنافس على الثروات.
4- عوامل دينية: مثل الاضطهاد الديني.
5- أو تلك العوامل مجتمعة، وعادة ما يكون غالبية المهاجرين من فئة السكان النشيطين من الشباب والفنيين.
وقد تؤدي الهجرة إلى خلق مشكلة استنزاف العقول والموارد المالية والخبرات من الدولة، مما يؤدي إلى ضعف قوتها.
وعادة ما يتوجه المهاجرون إلى البحث عن بلاد آمنه، وتؤثر الهجرة على السكان بعدة مظاهر منها:
1- ادخال تعديلات سلالية وفسيولوجية على الجماعات المهاجرة وذلك من خلال التزاوج.
2- تؤدي إلى تغيير الشخصية للمهاجرين، وذلك من خلال التعديلات التي تطرأ على الأنماط الثقافية للمهاجرين.
3- إدخال تعديلات على اللغة بين المهاجرين والسكان الأصليين للمنطقة.
ولقد شهد العالم هجرات بشرية ضخمة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ومن أمثلتها نتيجة لتقسيم شبه القارة الهندية بين الهندوس والمسلمين إلى دولتين مستقلتين ( هجرة نحو 6.6 مليون مسلم إلى باكستان), ونحو 5.4 مليون هندوسي ومن السيخ إلى الهند. وهجرة مئات الآلاف من اليهود إلى فلسطين مع مطلع القرن العشرين, والهجرة البشرية بالمقابل لنحو 720 ألف فلسطيني، الذين يعدون أصحاب الأرض الشرعيين إلى الدول العربية المجاورة.
كما شهد الاتحاد اليوغوسلافي سابقاً، هجرة قسرية صاحبها الكثير من العنف بين المجموعات العرقية المختلفة التي كان يتكون منها الاتحاد اليوغوسلافي، وتفككه إلى عدة دول قامت على أساس عرقي وديني نتيجة للهجرة القسرية, كما شهدت قارة آسيا أنواع من الهجرة القسرية مثل: هجرة الملايين من الأفغان نتيجة لغزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وكذلك هجرة الملايين من السكان في كل من العراق وايران والأكراد نتيجة للحرب العراقية– الايرانية وهجرة الشعب الكويتي نتيجة الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وتصنف الهجرة إلى:
- هجرة دولية: من دولة إلى دولة.
- هجرة داخلية: وتتم ضمن الدولة.
الأثار السياسية للهجرة:
الهجرة حلاً جزئياً ومؤقتاً لمشكلة الكثافة السكانية، بالإضافة إلى أنها تؤدي بالدولة إلى فقد خيرة شبابها؛ وعلمائها، وهذا بلا شك يضعف من قوتها خاصة لو كانت متخلفة تكنولوجيا.
والهجرات الضخمة التي لا تخضع لأي قواعد دولية قليلة في التاريخ ومن أمثلتها هجرة رعاة الاستبس من وسط آسيا إلى الشرق الأقصى (الصين)، وشرق أوروبا، والشرق الأوسط خلال الفترات التاريخية المختلفة. وهجرة المسلمين التي خرجت من شبه الجزيرة العربية شرقاً إلى الفلبين وجزر الهند الشرقية، وغرباً إلى شمال إفريقيا وإسبانيا، وشمالاً إلى الشام وتركيا والبلقان، حيث أدت على تغييرات ديموغرافية وحضارية واقتصادية وسياسية بعيدة الأثر في المناطق التي حلوا فيها.
وفي التاريخ الحديث يمكن التمييز بين ثلاثة موجات رئيسة للهجرة:
الموجة الأولى: مع الكشوف الجغرافية، وصحبها اتجاه كبير للأوروبيين نحو العالم الجديد، وكان معها عمليات خطف للزنوج من إفريقيا وبيعهم كرقيق للعمل في مزارع البيض.
الموجة الثانية: مع الثورة الصناعية خرجت جموع الأوروبيين نحو العالم القديم إفريقيا وآسيا بغرض استغلال مواردها الطبيعية.
الموجة الثالثة: في أواخر القرن العشرين، وجاءت نتيجة لتقدم وسائل النقل والمواصلات، وتعدد أنواعها البري والمائي والجوي وتتميز الهجرة بأنها كانت في جميع الاتجاهات، ولكن يلاحظ عليها أنها كانت هجرة للفقراء والعلماء، حيث خرجت هجرات كثيرة من البلاد العربية الفقيرة ومن أقطار جنوب شرق آسيا قاصدة الدول العربية البترولية والبلاد المتقدمة في أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية.
وقدرت هيئة الأمم المتحدة عدد المهاجرين بحوالي 20 مليون منهم 12 مليون في العالم الثالث، وأثارت هذه العمالة حساسيات سياسية كثيرة مثل: الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، والدول الأوربية. وهناك أثر كبير أيضاً على الدول المصدرة للهجرة ألا وهو هجرة العقول من البلاد النامية إلى البلاد المتقدمة، وتأتي هذه العقول من الهند وباكستان والفلبين ومصر وبنجلاديش. ولكن لا ينفي ذلك وجود مزايا للأطراف الثلاثة الدول المرسلة، والمستقبلة والعمالة، مثل تنمية البلاد المستقبلة، وتخفيف حدة البطالة في الدول المرسلة، ومن التحويلات المالية والاستفادة المادية للعمالة.
اللاجئون:
يمكن تعريف اللاجئ بأنه: من يلجأ إلى دولة غير دولته، لأسباب سياسية، أو اضطهادات دينية، وغالباً ما يكون الخوف على الحياة هو الدافع الأساس لهذه الهجرة.
وتعرف الأمم المتحدة اللاجئ بأنه: شخص ترغمه ظروف الخوف من الاضطهاد لأسباب عرقية أو دينية أو قومية أو لرأي سياسي.
وتختلف أسباب الهجرة الدولية اختلافاً واضحاً، ومن هذه الأسباب نذكر ما يلي:
– سوء حالة المهاجر في وطنه الأصلي ورغبته في تحسين حالته المعيشية، وخاصة إذا كان مجتمعه يشكو من التضخم السكاني وسوء الأحوال الاقتصادية وعدم كفاية الإنتاج القومي.
– الاضطهاد السياسي وانتشار مظاهر الحكم المطلق في بعض الدول، مما أدى إلى هــــجرة الأفــــراد إلى الخـــارج رغبة منهم في الحصــول علي الحريات التي قد تعذر عليهم الحصول عليها في أوطانهم.
وهذا السبب ورد فيه نص ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالضبط في المادة(14): “لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحــــــاول الالتجاء إليهما هرباً من الاضطهاد”.
– قد تكون الهجرة لأسباب سياسية وأساليب استعمارية، كهجرة الايطاليين إلى ليبــيا، والفرنسيين إلى سـوريا ولبـنان والجــزائر قبل استقــــــلال هذه البلدان.
– المـغامرة والطمـــوح والسعــي وراء الشهرة أو الثراء، وقد يكون ذلك انقياداً وراء مواطنين أو أقرباء سبق لهم أن هاجروا وصادفهم التوفـيــــق وكونوا ثروات ضخمة.
خامساً: الجغرافيا السياسية للأقليات (التركيب الأثنوغرافي):
الجغرافية السياسية تهتم بمستقبل الدول سياسياً، وتهتم باستشراف المستقبل، بمعنى أنها تتعامل مع الدول كظواهر ليست ثابتة أو ساكنة وإنما تخضع للتمدد والانكماش، وظاهرة الأقليات (كأي أقلية) أيضاً ليست ثابتة وساكنة وتخضع للتمدد والانكماش[17].
وكل ما يتعلق بدارسة الأقليات وتوزيعها وأسباب نشأتها واستشراف مستقبلها يُدرس في فرع الجغرافيا السياسية. فوفق إحصائيات منظمة اليونيسكو يوجد في العالم نحو 10000 الف أقلية عرقية ولغوية ودينية[18].
وتندرج الأقليات تحت إطار كلي جامع في المجتمعات الإنسانية؛ سواء كانت هذه المجتمعات إسلامية أو غير إسلامية، فلا تكاد أمة من الأمم على وجه الأرض تخلو من وجود أقليات فيها، سواء أكانت هذه الأقلية أقلية لغوية مثل الأقلية الفرنسية في كندا، أم أقلية عرقية مثل: الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية، أم أقلية طائفية مثل: الشيعة في المملكة العربية السعودية، أم أقلية قومية مثل: الأقلية الكردية في العراق، أو الأكراد في تركيا. فالأقليات ظاهرة جغرافية اجتماعية, بشرية, سياسية, اقتصادية, عالمية.
- تعريف الأقلية:
تختلف تعريفات الأقلية بحسب الانتماء والموقع والهدف والوظيفة الذي ينطلق منه التعريف، ويمكن إيجاد بعض التعاريف للأقلية[19]:
تقول المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات (الواردة الإعلان العالمي)، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني والاجتماعي أو الثروة أو الميلاد، أو أي وضع آخر دون تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم، فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو للبقعة التي ينتمي إليها الفرد، سواء أكان هذا البلد أو البقعة مستقلاً أم تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتي.
تعرف منظمة الأمم المتحدة لحقوق الانسان الأقليات بأنها: جماعات متوطنة في المجتمع، تتمتع بتقاليد خاصة، وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة، تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما، وترغب في دوام المحافظة عليها.
تعريف محكمة العدل الدولية: مجموعة من الأفراد يعيشون في قطر ما أو منطقة، وينتمون إلى أصل، أو دين، أو لغة، أو عادات خاصة، وتوحدهم هوية قائمة على واحدة أو أكثر من هذه الخصائص. وفى تضامنهم معاً يعملون على المحافظة على تقاليدهم، والتمسك بطريقة عبادتهم، والتأكيد على تعليم ونشأة أولادهم طبقاً لروح هذه التقاليد، مقدمين المساعدة لبعضهم البعض، والعيش المشترك وفقاً للقوانين المتبعة داخل بلدهم.
تعريف الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية: الأقلية جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفراد المجتمع، عرقياً أو قومياً أو دينياً أو لغوياً. وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم، يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية.
تعريف مسودة الاتفاقية الأوربية لحماية الأقليات: الأقلية جماعة عددها أقل من تعداد بقية سكان الدولة، ويتميز أبناؤها عرقياً أو لغوياً أو دينياً عن بقية أعضاء المجتمع، ويحرصون على استمرار ثقافتهم أو تقاليدهم أو ديانتهم أو لغتهم.
ويمكن تعريف الأقلية بأنها: سلالة بشرية أو قومية معينة، تقطعها الحدود السياسية وتلحقها بقومية أخرى، أو دولة أخرى.
ب- العوامل التي تؤدي إلي تشكيل أقلية معينة:
إن عملية التخلي عن هوية الأقلية لصالح هوية الأغلبية كانت أمراً شائعاً في القرن الماضي، لكن الأقليات، في كل أرجاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، ترفض اليوم التخلي عن هويتها.
هناك مجموعة من العوامل التي تؤدي إلي تشكيل أقلية معينة، وهذه العوامل هي:
1- اللغة. 2- الإثنية. 3- الدين.
ج- العوامل التي تؤدي إلى ظهور الأقليات، فهي:
محور قضية الأقلية بني على صفات خاصة، نتج عنها عدم التفاعل الاجتماعي مع مجتمع الأكثرية. وهذه الصفات قد تكون عرقية، وهي سمات واضحة في مجتمع جنوب أفريقيا والأمريكتين، أو تكون لغوية مثل جماعات الوالون في بلجيكا، أو تبنى على فوارق ثقافية كحال جماعات اللاب في إسكندنافية. وأبرز هذه السمات الملمح الديني، وهذا شأن الأقليات المسلمة في بعض أنحاء العالم، وبصفة خاصة في شعوب جنوب شرقي آسيا، فالأقليات المسلمة تنتمي إلى أصول عرقية واحدة تربطها بالأغلبية، لكن التفرقة هنا تأتت من الفوارق الدينية، والقضية هنا عقائدية[20].
وهناك مجموعة من العوامل التي تؤدي إلي ظهور أقلية معينة، وهذه العوامل هي:
- الصراع بين الجماعات.
- الغزو أو العزلة الجغرافية.
- النزوح من منطقة لأخرى.
- النقل القسري لفئة من السكان.
د- الخصائص التي تشترك فيها الأقلية:
تشترك الأقليات بخصائص عدة، أهمها[21]:
1- العادات والتقاليد.
2- نوع العامل المؤثر وقوته (اللغة، الدين، الإثنية).
3- المشاعر المشتركة.
4- التاريخ.
5- الموقع الجغرافي..
هـ- الظهور السياسي للأقليات:
الظهور السياسي للأقليات ظاهرة عالمية، إذ أن هذه الأقليات في جميع دول العالم النامي أصبحت أكثر تصريحاً ومطالبة بحقوقها وتسعى للاعتراف بوجودها المستقل ولغاتها وعرقيتها وثقافتها وحقوقها التعليمية[22].
إلا أنه مع ظهور أفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير في النصف الثاني من القرن العشرين أصبح من الصعب إنكار حق الأقليات العرقية أو الدينية في المساواة. وقد بدأت هذه الأقليات تطالب بالاعتراف بهويتها وحقوقها[23].
فهذه الأقليات في جميع دول العالم النامي أصبحت أكثر تصريحاً ومطالبة بحقوقها وتسعى للاعتراف بوجودها المستقل ولغاتها وعرقيتها وثقافتها وحقوقها التعليمية. وحتى الغرب ليس حصيناً من هذه الاتجاهات، إذ إننا نجد في بريطانيا على سبيل المثال أن الويلزيين والأسكتلنديين حصلوا على حكم ذاتي، وأصبحت لهم برلماناتهم الخاصة بهم خلال العقد الأخير.
كما أن الكتالونيين في إسبانيا يطلقون اسم الدولة على إقليم كاتالونيا. وتواجه فرنسا ضغوطاً لمنح البريتانيين والكورسيكيين حقوقهم الثقافية.
أما في الولايات المتحدة التي يعتبر كل مواطن فيها تقريباً مهاجراً فلا توجد فيها أقلية عرقية متركزة في منطقة واحدة، ولذلك فإنه من غير المحتمل مطالبة أي مجموعة عرقية فيها بحكم ذاتي أو حتى بالانفصال على الرغم من أن المكسيكيين المتمركزين في جنوب غرب الولايات المتحدة قد يطالبون يوما ما بالاستقلال الثقافي.
إن الأقليات العرقية الأميركية تمارس الحياة السياسية وتبحث عن نفوذ، واللوبيات العرقية في كل مكان، فهناك الكوبيون والإيطاليون واليهود والعرب والصينيون والكوريون والمكسيكيون وغيرهم.
ختاماً:
قد تكون الأقليات عنصر من عناصر الدولة، ومثال ذلك الأقليات البيضاء الأوربية التي هاجرت من أوربا واستقرت في كندا وأمريكا. وقد تكون الأقليات عنصر ضعف في النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة، ومثال ذلك الأكراد واليونانيين في تركيا، أو الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تختلف الأقليات من حيث الانتشار، فهناك أقليات واسعة الانتشار، مثال ذلك: الزنوج في الولايات المتحدة، وأقليات ضئيلة الانتشار، مثال ذلك: شعب الباسك في إسبانيا.
من المرغوب فيه من حيث المبدأ رؤية جميع الأقليات تنصهر في مجتمعاتها التي تعيش فيها. ولكن حتى في الولايات المتحدة نفسها لا نجد هذه الأقليات منصهرة في المجتمع الأميركي بكل ما في الكلمة من معنى.
واليوم مع تزايد الاتجاه نحو الديمقراطية فإن الأقليات تسعى لأن تجاهر بالمطالبة بحقوقها وتنظم المظاهرات لهذا الغرض وتخلق مشكلات للدولة وتؤثر على نتائج الانتخابات، فكيف سيتعامل العالم العربي مع هذه القضية؟ وهناك دول إسلامية أخرى مثل إيران وأفغانستان وباكستان تعاني من مشكلات الأقليات العرقية بشكل أكبر مما تعانيه بعض الدول العربية. كما أن الدول الأفريقية تواجه مشكلات معقدة هي الأخرى تتمثل في تنافس المجموعات العرقية داخل الدولة الواحدة.
وأعتقد أن النشاط السياسي للأقليات العرقية سيكون مألوفاً في كل العالم في المستقبل ويعكس الاتجاه نحو الديمقراطية وحقوق المجتمعات العرقية والدينية، والأقليات المسلمة على سبيل المثال تبحث عن حقوقها وعن المساواة في الهند وروسيا والصين.
[1] – جارش عادل + العيفاوي جمال، “النزاع الإثني في ظل وجود أزمة التعددية الاختلاف الأكاديمي بين المفكرين”، المركز الديمقراطي العربي، على الرابط: https://democraticac.de/?p=2346
[2]– Rosière (Stéphane) : Géographie politique et Géopolitique 2eme édition, Paris, Ellipses Edition Marketing S.A, 2007.p 76.
[3] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018، ص 92.
[4] – ذبيتر تيلور وكولن فلنت، الجغرافية السياسية لعالمنا المعاصر، ترجمة: عبد السلام رضوان وإسحق عبيد، ط1، 2002، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
[5] – ماهر حمدي عيش، الجغرافية السياسية، شبين الكوم: دار الوثائق، 2005، ص 105.
[6] – عبد الله عطوي، الدولة والمشكلات الدولية: دراسة في الجغرافية السياسية، بيروت: مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، 1994، ص 178.
[7]– Main Currents of Western Thought: Readings in Western Europe Intellectual History from the Middle Ages to the Present. New Haven: Yale University Press .
[8] – فتحي محمد أبو عيانة، دراسات في الجغرافية البشرية، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2000، ص94.
[9] – محمد رياض، الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا، دار الهنداوي، ص94-98.
* – الكالڤينيّة (والمعروفة أيضاً باللاهوت المصلح)، هي مذهب مسيحي بروتستانتي يعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جون كالفن، وكان هذا الأخير قد وضع بين عامي 1536م و 1559م مؤلّفه (مبادئ الإيمان المسيحي)، والذي يعده الكثيرون من أهم ما كتب في الحركة البروتستانتية.
[10]– Weber, Max “The Protestant Ethic and The Spirit of Capitalism” (Penguin Books, 2002) translated by Peter Baehr and Gordon C. Wells –
[11] – محمد كريم بو خصاص، خريطة الأديان في العالم.. نصفه يعتنق الديانات السماوية وربعه “وثني” وثمنه “لا ديني“، تاريخ 24/12/2012، على الرابط: http://www.maghress.com/agadir24/34099
[12] – ياسر المختوم، وقفات مع دراسة “بيو” حول “خريطة الأديان في العالم”، تاريخ 25/3/2013، على الرابط: http://www.nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=217
[13] – محمد كريم بو خصاص، مرجع سابق.
[14] – محمد كريم بو خصاص، مرجع سابق.
[15] – محمد رياض، الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا، مرجع سابق، ص94-98.
[16] – فالح عبد الجبار+ هاشم داود، الإثنية والدولة، بغداد- بيروت: الفرات للنشر والتوزيع، 2006، ص145.
[17] – إبراهيم الديب، الجغرافيا السياسية منظور معاصر، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، بدون تاريخ، ص11.
[18] – سلطان جاسم، مدخل للجغرافيا السياسية، الدوحة، 21 فبراير 2010، (مركز التنوع للدراسات).
[19] – محمد عبدالقادر بافقية، توحيد اليمن القديم، الصراع بين سبأ وحمير وحضرموت من القرن الأول إلى القرن الثالث الميلادي، سلسلة تاريخ اليمن (2)، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء، 2007.
[20] – محمد عبد الغني سعودي، الجغرافيا والمشكلات الدولية، القاهرة: المكتبة النموذجية، 1977، ص61-65.
[21] – عبدالله عطوي، مرجع سابق، ص193.
[22] – عبدالله عامر الهمالي، الأقليات، ليبيا: المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، ط1، 1985، ص10-15.
[23] – غراهام فولر، الأقليات في العالم العربي، تاريخ 3/10/2004. على الرابط: http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2004/10/3/%D8%A7%
- تحريرا في 20-8-2017