الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

توظيف القوة “الصلبة” في السياسة الخارجية الامريكية

اعداد : د. سليم كاطع علي – رئيس قسم دراسات الازمات – مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ــ جامعة بغداد

  • المركز الديمقراطي العربي

 

عند الرجوع الى فترة تأسيس النظام الامريكي يتضح لنا بصورة واضحة إن هذا النظام لم يتكون إلا بعد سلسلة من الأحداث الدامية، ومن الحروب الأهلية التي إستخدمت فيها نظرية القوة بكل قسوة، إذ إستخدمت القوة للسيطرة على مناطق الهنود الحمر، ثم للتحكم بإرادة الملايين من العبيد الذين جاؤوا بهم من أفريقيا.

لقد كتب ماكس بوت وهو أحد منظري تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الامريكية في مقالة مشهورة له بعنوان ” الإمبراطورية الأمريكية ” يقول فيها: ” إن أكثر الإستجابات واقعية للإرهاب هي أن تسعى أمريكا ليكون لها دور إمبريالي”.

فإستخدام القوة العسكرية في السياسة الأمريكية لم يكن أمراً جديداً ظهر عقب الحرب العالمية الثانية، وإنما هو تقليد قديم وراسخ في السياسة الخارجية الامريكية، ومن ثم فإن عزلتها كانت نسبية، وأنها كانت تتحرك لحماية مصالحها بما في ذلك إستخدام القوة، فمنذ حرب 1812 بين الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وحتى الحرب العالمية الاولى نجد أن معظم الرؤوساء الامريكان أما إستخدموا القوة أو هددوا بإستخدام القوة ضد البلدان الاخرى.

أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد كانت مواجهة الولايات المتحدة الامريكية مع الإتحاد السوفيتي السابق مواجهة مفتوحة، وعلى كافة الأصعدة، إذ إن إستخدام القوة بين القوتين الرئيسيتين كان أمراً مرشحاً نظراً لإمتلاكهما لقدرة تدميرية هائلة ولسعي كلا الطرفين الى فرض إرادته وسيطرته على الآخر وعلى النظام الدولي الذي كان قائماً آنذاك.

ولقد ساهم ظهور تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الامريكية كونهم يشكلون مجموعة مؤثرة في رسم السياسة الخارجية الامريكية إلى دفع صانع القرار الامريكي نحو المزيد من التشدد في إستخدام القوة الصلبة في سياسة الولايات المتحدة تجاه البلدان الاخرى، إذ ترجع أفكارهم الى المفكر الأمريكي الألماني الأصل ( ليو ستراوس )، والذي ذهب إلى وضع تقسيم ثنائي للأنظمة السياسية القائمة في العالم الى أنظمة ديمقراطية تمثل الفضيلة في نظره، وأنظمة معادية لها كالفكر الشيوعي، وأنظمة سيئة واخرى جيدة، وهو ما مثل لاحقاً مصطلح محور الشر ومحور الخير الذي يمثله حسب تصوره الفكر الغربي الديمقراطي.

ويمكن التمييز بين جيلين رئيسيين شكلوا بأفكارهم وطروحاتهم تيار المحافظين الجدد، إذ نشأ الجيل الاول في ستينيات القرن الماضي وإستمر حتى فترة التسعينيات، ومثلته أفكار أيرفنج كريستول، جايمس ويلسون، وجون بودهورتيز، وقد طور هذا الجيل أفكاره نتيجة للظروف التي عاشها والمتمثلة بمحاربة الشيوعية وخاصة في التطبيق الستاليني لها، كما طرح منظوراً فكرياً أكد على العلاقة الوثيقة بين طبيعة النظام القائم وسياسته الخارجية، إذ وجدوا متأثرين بأفكار ستراوس إن النظم الديكتاتورية لابد وأن تقود الى سياسات خارجية عدوانية، ولابد أن تنعكس خصائصها السلطوية على شخصية شعبها ونظرته للآخر.

لقد آمن المحافظون الجدد بوجود دور أخلاقي للسياسة الخارجية الامريكية وللقوة العسكرية الامريكية في العالم، فضلاً عن وجود الشر في العالم وبدور أمريكا في قيادة العالم لمكافحة هذا الشر وعدم التغاضي عنه، مستخدمةً مختلف الأساليب وفي مقدمتها القوة العسكرية، كما تبلور في تدخل الولايات المتحدة من أجل هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، ومن ثم فقد نظر المحافظون الجدد الى إستخدام القوة العسكرية بأنها أداة دبلوماسية وليست وسيلة أخيرة، وكونها خياراً ضرورياً لا ينبغي إهماله في الصراعات الدولية.

كما ذهب ذلك التيار إلى تصوير الجنود الامريكيين بأنهم يمثلون المجتمع الامريكي، وكونهم يحملون أفضل القيم الامريكية كالتضحية وحب الوطن وإحترام القيم التقليدية كالسعادة والقوة وكرم الأخلاق، وبالتالي يجب إستخدام القوة العسكرية في سبيل نشر تلك المفاهيم والقيم الامريكية في العالم، فضلاً عن دور السينما ووسائل الاعلام الامريكية التي ذهبت إلى تصوير الجندي الامريكي على إنه شخص خير بطبعه يهرب من حياة اللهو داخل المجتمع ليجد حياة التضحية والإلتزام، ومحاربة الأشرار دون أن يفقد فرصة الإستمتاع خلال مغامراته العسكرية.

وقد أدت الفترة اللاحقة لحرب فيتنام إلى تراجع في أفكار وطروحات المحافظين الجدد من خلال تراجع شعبية الجيش الامريكي، ومبدأ إستخدام القوة العسكرية كأداة لتحقيق أهداف أمريكا على المستوى الخارجي. حيث سعت الولايات المتحدة الى إعادة بناء الجيش، والنأي به عن أية مغامرات شبيهة بفيتنام من خلال الحد من سلطة القيادة المدنية على الجيش، وتوعية الرأي العام بمخاطر زج الجيش في حروب جديدة، وضرورة الإعتماد على التسلح والتكنولوجيا المتقدمة التي تمكن الجيش من تحقيق النصر في الحرب بأقل خسائر بشرية ممكنة، فضلاً عن ضرورة أن يكون إستخدام القوة العسكرية مرتبطاً بمصلحة قومية حيوية وذات هدف محدد يمكن تحقيقه على المستويين السياسي والعسكري.

أما الجيل الثاني فقد ظهر في عقد التسعينيات من القرن الماضي، إذ أدت نهاية الحرب الباردة وإنفراد الولايات المتحدة بموقع دولي لا نظير له إلى تشجيع (المحافظون الجدد) على التنظير بحرية لكيفية إستخدام القوة العسكرية الامريكية دون أي رادع.

وقد مثلت هذا الجيل أفكار ويليام كريستول، روبرت كاجين، وتشارلز كروثهمر، إذ أدت أحداث بداية عقد التسعينيات والمتمثلة بالعدوان الامريكي على العراق في عام 1991 أثر دخول القوات العراقية للكويت إلى فتح صفحة جديدة من التاريخ العسكري الامريكي، بحيث زاد الإعتماد على الجيش من قبل المفكرين والساسة الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

وقد زاد تأثير المحافظين الجدد في السياسة الامريكية بعد مجئ جورج دبليو بوش إلى السلطة عام 2000، إذ طرحوا مشروع القرن الامريكي الذي يهدف الى فرض الهيمنة الامريكية على العالم بعد أن إنفردت الولايات المتحدة بزعامة العالم أثر تفكك الإتحاد السوفيتي السابق.

كما إستطاع المحافظون الجدد توظيف أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 في تحقيق أهدافهم المتمثلة في تغيير السياسات الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة الامريكية من خلال التركيز على زيادة الإنفاق العسكري، إذ يتعدى وفقاً لبعض الاحصائيات مجموع الإنفاق العسكري لبقية دول العالم مجتمعة، كما أنه يفوق إنفاق أمريكا خلال الحرب الباردة بنسبة 12% في المتوسط. لا سيما بعد سيطرة النخبة العسكرية الصناعية على الإنتاج الصناعي والصناعات العسكرية وشركات الإستثمار والمال الكبرى في الولايات المتحدة والعالم، وهي تدير القسم الأعظم من الشركات المتعددة الجنسيات التي تقوم على إستراتيجية حماية التفوق الامريكي في العالم، ومنع سيطرة أية قوة معادية لها في اوربا وشرق آسيا وعلى حرية التجارة لضمان الحصول على المواد الاولية. فضلاً عن إلغاء دور الامم المتحدة والدول الكبرى، وإعتماد إستراتيجية جديدة للأمن القومي الامريكي، قامت عليها سياسة بوش الخارجية والتي اعلنت في عام 2002 وتضمنت عدم السماح بظهور قوى منافسة للولايات المتحدة إقليمياً ودولياً، وإنتهاج إسلوب الضربة العسكرية الوقائية ضد الدول التي يحتمل أن تصبح عدواً للولايات المتحدة مستقبلاً، والقيام بهجمات إستباقية ضد الدول الاخرى. ولا شك فأن هذه الإستراتيجية لم تستهدف العراق بمفرده وهو ما مثله الغزو الامريكي للعراق في عام 2003، وإنما يكشف أيضاً عن التحرك الامريكي في العالم العربي والاسلامي المستهدفين من الحملة الامريكية ضد الارهاب بعد أحداث 11/أيلول، تلك الحملة التي تهدف الى تذويب الثقافة الإسلامية وإفساح المجال لتكريس النموذج الثقافي الامريكي الذي يمثل الأساس الآيديولوجي للسياسة الخارجية الامريكية الجديدة كونها الأرقى مقارنة بالثقافات الاخرى.

وبنظرة واقعية نجد إن أفكار(المحافظون الجدد) كان الهدف من ورائها هو التنظير لصانع القرار الامريكي وإيجاد المبررات المناسبة لإستخدام القوة العسكرية في التعامل مع القضايا العالمية الاخرى، وجعلها خياراً ضرورياً للولايات المتحدة، ولم يكن القصد منها هو إبراز صورة امريكا الحقيقية للعالم، فأغلبية الجنود الامريكيين في الوقت الحاضر لا يكادون يمثلون الشعب الامريكي، إذ ينتمي أفراد الجيش الامريكي إلى طبقات وشرائح فقيرة قليلة التعليم، ففي عام 2004 شكل أبناء الاقليات نسبة 42% من الجيش الامريكي، كما بلغت نسبة الجنود الذين حصلوا على تعليم جامعي 6،5% من الجيش الامريكي مقارنة بنسبة 46% داخل المجتمع الامريكي .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى