هل الهجرة مصدرا للإزدهار والتضامن الدولي أم رمزا للوحشية والتوتر الإجتماعي ؟
-المركز الديمقراطي العربي
بعد أيام من إثارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غضبا دوليا بعدما أشارت تقارير إلى أنه اشتكى من المهاجرين القادمين من دول وصفها بـ”الحثالة”، سعت حكومته إلى تحويل مسار النقاش عبر ربط عدد من برامج الهجرة الحالية بالتهديدات الإرهابية.
وأفاد تقرير جديد صادر عن وزارتي العدل والأمن الداخلي أن نحو ثلاثة أرباع الإدانات بالإرهاب الدولي البالغ عددها 549 التي أصدرتها المحاكم الأميركية منذ اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 ترتبط بأفراد ولدوا في الخارج تم منح 148 منهم الجنسية بعد وصولهم الى الولايات المتحدة.
وأضاف التقرير أنه تم منع مئات الإرهابيين المحتملين الذين حاولوا دخول البلاد بشكل شرعي أو غير شرعي.
من جهتها، رأت المسؤولة عن ملف سياسة الهجرة في اتحاد الحريات المدنية الأميركي لوريللا برايلي أن اجراءات الإدارة الأخيرة “ليست إلا الحلقة الأخيرة في سلسلة تصرفات عدائية تستهدف المهاجرين الشباب في أنحاء أميركا”.
- تعد إدارة الهجرة أحد أعمق التحديات أمام التعاون الدولي في عصرنا هذا.
نشرت صحيفة” الغارديان“البريطانية مقال بقلم”أنطونيو غوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة حيث يقول:
الهجرة تحرك النمو الإقتصادي وتحد من أوجه عدم المساواة وتربط مختلف المجتمعات. ومع ذلك فهي أيضا مصدر للتوترات السياسية والمآسي الإنسانية. ويعيش غالبية المهاجرين ويعملون على نحو مشروع. ولكن ثمة قلة يائسة تُعرّض حياتها للخطر للدخول إلى بلدان قد تواجه فيها الريبة وإساءة المعاملة.
ومن المرجح أن تؤدي الضغوط الديموغرافية وتأثير تغير المناخ على المجتمعات الهشة إلى زيادة الهجرة في السنوات المقبلة. وكمجتمع عالمي، فإننا نواجه خيارا:
- هل نريد أن تكون الهجرة مصدرا للإزدهار والتضامن الدولي، أم رمزا للوحشية والتوتر الإجتماعي؟
وفي هذه السنة، ستتفاوض الحكومات، من خلال الأمم المتحدة، حول اتفاق عالمي بشأن الهجرة. وسيكون هذا هو أول اتفاق دولي شامل من هذا القبيل. ولن يكون معاهدة رسمية. ولن يفرض أي التزامات واجبة على الدول.
وبدلا من ذلك، فهو فرصة غير مسبوقة كي يواجه القادة الخرافات الخبيثة المحيطة بالمهاجرين، وكي يضعوا رؤية مشتركة بشأن كيفية جعل الهجرة مُجدية لجميع دولنا.
وهذه مهمة عاجلة. فقد شهدنا ما يحدث عندما تجري الهجرة على نطاق واسع من دون آليات فعالة لإدارتها. وقد أصيب العالم بصدمة عند رؤية مقطع فيديو ظهر مؤخرا لمهاجرين يُباعون كرقيق.
ومع أن هذه الصور مُروِّعة، فإن الفضيحة الحقيقية هي أن آلاف المهاجرين يُعانون من المصير نفسه كل سنة، دون أن يُسجّل ذلك. وترتهن أعداد أكبر بكثير لوظائف مُهينة وخطرة تكاد تكون رقا على أي حال.
وهناك زهاء ستة ملايين من المهاجرين المرتهنين للسخرة اليوم، وفي كثير من الأحيان في اقتصادات متقدمة النمو.
- فكيف يُمكننا إنهاء هذه المظالم ومنعُ تكرارها في المستقبل؟
فعند رسم اتجاه سياسي واضح بشأن مستقبل الهجرة، أعتقد أن المناقشات حول الإتفاق ينبغي أن تستهدي بثلاثة اعتبارات أساسية.
- مساهمات هائلة
أولها هو الإعتراف بمنافع الهجرة وتعزيزها، وهي منافع كثيرا ما تضيع في النقاش العام.
فالمهاجرون يُقدّمون مساهمات هائلة لكل من البلدان المضيفة والبلدان الأصلية. ويضطلعون بوظائف لا تستطيع القوى العاملة المحلية أن تشغلها، مما يحفز النشاط الإقتصادي. والكثيرون منهم مبتكرون ومباشرو أعمال حرة. وزهاء نصف المهاجرين من النساء، اللاتي يبحثن عن حياة وفرص عمل أفضل.
ويُسهم المهاجرون أيضا إسهاما كبيرا في التنمية الدولية من خلال إرسال التحويلات المالية إلى بلدانهم الأصلية. فقد بلغ إجمالي التحويلات المالية نحو 600 بليون دولار في السنة الماضية، أي ثلاثة أضعاف المعونة الإنمائية كلها.
والتحدي الرئيسي هو تعظيم فوائد هذا الشكل النظامي المثمر من أشكال الهجرة مع القضاء على الإعتداءات وأوجه التحيّز التي تجعل الحياة جحيما لقلة من المهاجرين.
- قوانين أفضل :
وثانيا، ينبغي للدول أن تعزز سيادة القانون التي تقوم عليها سبل إدارة وحماية المهاجرين، وذلك لصالح اقتصاداتها ومجتمعاتها والمهاجرين أنفسهم. فالسلطات التي تضع عقبات كبرى أمام الهجرة – أو تضع قيودا شديدة على فرص عمل المهاجرين – تُـلـحـق بنفسها ضررا اقتصاديا لا مسوِّغ له، حيث تفرض حواجز تحول دون تلبية احتياجاتها للعمالة بطريقة قانونية نظامية.
وأسوأ من ذلك، فهي تشجع من غير قصد الهجرة غير المشروعة. فالمتطلعون إلى الهجرة، الذين يُحرمون من مسارات مشروعة للسفر، يلجؤون حتما إلى أساليب غير نظامية. ولا يجعلهم ذلك في أوضاع هشة فحسب، بل يقوِّض أيضا سلطة الحكومات.
وأفضل وسيلة لإنهاء وصمة عدم المشروعية والإستغلال المحيطة بالمهاجرين هي، في الواقع، أن تتيح الحكومات المزيد من مسارات الهجرة القانونية، بإزالة الحوافز التي تدفع الأفراد إلى انتهاك القواعد، مع تحسين تلبية احتياجات أسواق العمل لديها من العمالة الخارجية.
كما ينبغي للدول أن تعمل معا على نحو أوثق لتقاسم منافع الهجرة، وذلك، على سبيل المثال، من خلال إقامة شراكات لتحديد الثغرات في المهارات الهامة في بلد ما التي يكون المهاجرون من بلد آخر مؤهّلين لسدها.
- تعاون دولي:
ثالثا وأخيرا، فإننا بحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي لحماية الفئات الضعيفة من المهاجرين، ومن اللاجئين، ويجب أن نعيد إرساء سلامة نظام حماية اللاجئين بما يتماشى مع القانون الدولي.
فمصير الآلاف الذين يموتون في جهود مهلكة عبر البحار والصحارى ليس مجرد مأساة إنسانية. إنه يمثل أيضا أشد فشل في السياسات: فحركات النزوح الكبرى وغير النظامية في ظروف بائسة تؤجّج الشعور بأن الحدود معرضة للتهديد وأن الحكومات لا تسيطر عليها.
وهذا يؤدي بدوره إلى ضوابط حدودية مفرطة الصرامة تقوض قيمنا الجماعية وتساعد على إدامة المآسي التي كثيرا ما شهدناها تتكشف في السنوات الأخيرة.
ويجب الوفاء بالتزاماتنا الأساسية بحماية الأرواح وحقوق الإنسان لهؤلاء المهاجرين، الذين فشل النظام الحالي في حقهم.
ويجب أن نتخذ إجراءات عاجلة لمساعدة حبيسي مخيمات العبور، أو من يتعرضون لخطر الإسترقاق، أو من يُواجهون حالات عنف حادة، سواء في شمال أفريقيا أو أمريكا الوسطى. وعلينا أن تتوخى اتخاذ إجراءات دولية طموحة لإعادة توطين من لا يجدون ملجأ يأويهم.
كما ينبغي أن تتخذ خطوات – عن طريق المعونة الإنمائية وجهود تخفيف آثار تغير المناخ ومنع نشوب النزاعات – لتفادي هذه الحركات الكبرى لنزوح الناس في المستقبل. فالهجرة لا ينبغي أن تعني المعاناة.
ويجب أن يكون هدفنا هو إيجاد عالم نستطيع أن نحتفل فيه بمساهمات الهجرة في الإزدهار والتنمية والوحدة على الصعيد الدولي. ويكمُن تحقيق هذا الهدف في قوتنا الجماعية. ويمكن أن يكون الإتفاق العالمي لهذا العام معلما بارزا على طريق جعل الهجرة مُجدية للجميع حقا.