الاعلاميةالجماعات الاسلاميةالدراسات البحثية

توظيف التنظيمات الارهابية لشبكات التواصل الاجتماعى فى استقطاب الشباب “الاستراتيجيات وآليات المواجهه”

إعداد: أمانى المهدى – باحثة ماجستير فى مجال تكنولوجيا الاتصال

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

أصبح الإرهاب ظاهرة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الداخلى للدول وتعوق خطط التنمية بكافة أشكالها، ما جعل الدول تستنفر كل طاقاتها وجهودها لمحاصرة هذه الظاهرة والعمل على الحد من آثارها ، وعلى الرغم من شيوع الظاهرة وخصوصا فى الآونة الأخيرة – إلا أنه لا يوجد تعريف محدد يفسر ظاهرة الإرهاب على المستوى النظرى؛ بسبب تباين الأطر الأيديولوجية المفسرة للظاهرة، وأيضاً لاختلاف الثقافات وتباينها من مجتمع إلى آخر([1])، وذلك لما يعتري هذا المفهوم من خصوصية سياسية وعقائدية فما هو إرهاب عند المحتل يكون سلوكا مشروعا عند المقاوم، وما هو إرهاب عند المعتدي يكون مشروعا عند المدافع، وهذا ما دفع الدول العربية للاجتماع على تعريف موحد للإرهاب وجاء ذلك فى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وبهذا حسمت هذه الاتفاقية مسألة التعريف حيث حددت تعريفًا موحدًا ينص على أن الإرهاب يشير إلى ” كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيًّا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذ لمشروع إجرامى فردي أو جماعى ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر([2]).

ومع تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعى بشكل مستمر بين كافة الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية المختلفة بدأت التنظيمات الإرهابية فى توظيف مواقع التواصل الاجتماعى لنشر التطرف والفكر الإرهابى، وهنا أصبح من الضرورى التركيز على الدور الذى تلعبه هذة المواقع فى تجنيد الشباب واستقطابهم لتنفيذ أغراضها([3])، حيث سخرت هذه الجماعات المتطرفة الشبكة الرقمية لأغراضها الدعائية، فمنذ شرع تنظيم القاعدة قبل نحو عقد من الزمن فى بث بياناته عبر الإنترنت، حتى برز نشاطه الرقمى الفعال، لتسويق هذه البيانات وصور فعالياته عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لاسيما فيسبوك وتويتر، فى سعيه لتعزيز إستراتيجية لا تهدف إلى نشر ثقافته المتطرفة و “التكفيرية” فحسب، بل إلى شن حرب نفسية للتأثير فى الخصوم، والسعى إلى استقطاب الشباب، للتطوع فى صفوفه والقتال فى البلدان التى يحارب فيها مثل أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ودول أخرى([4]).

كما نجد أن تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم (داعش) لا ينظم صفوفه فقط ميدانيا وعسكريا، ولكن أيضا يقود معركة كبيرة وينظم صفوفه إعلاميا، كما جدد من فكره فأصبح يلجئ إلى استخدام أفضل الوسائل التكنولوجية التى تتعلق بالحقل الإعلامى فى تطوير معاركة التى يخوضها سواء اعلاميًا أو عسكريًا([5])، فتنظيم داعش لا يفوته استغلال برامج التواصل الحديثة لنشر أفكاره وتجنيد المزيد للانضمام لصفوفه.ومن المؤكد أن المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل “اليوتيوب” و”تويتر” و”الفيسبوك” و”الواتس أب” و”الانستغرام” أصبحت الأداة الأهم في يد الجماعات الإرهابية لنشر أفكارها ومعتقداتها ووضع خططها وتنفيذ أهدافها وتجنيد أعضائها، ومما يؤكد تطور استغلال داعش لمواقع التواصل الحديثة تأتي تصريحات وزير الداخلية الإسباني خورخى فيرنانيث دياث بمجلس النواب، والتي تتضمن أن 80% من عمليات التجنيد الآن تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بينما 20% فقط تتم داخل السجون أو المساجد، فيما كانت هذه النسبة منعكسة في عام 2012، حيث كان يتم تجنيد الجهاديين في السجون ودور العبادة بنسبة ثمانية أشخاص من كل عشرة، بينما 20% فقط كان يتم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فيما يعكس تطورا ملحوظا في إدراك أهمية الوسائل الإلكترونية([6]).

العوامل التى تدفع الشباب للإنضمام للتنظيمات الإرهابية:

هناك العديد من العوامل التى قد تدفع الشباب للانضمام للجماعات المتطرفة أو المنظمات الإرهابية، منها ما يتعلق بعوامل اجتماعية أو سياسية أو عوامل فكرية وعقائدية، أو حتى عوامل اقتصادية ومن أهم تلك العوامل ­البطالة والفقر التى قد تدفع الشباب إلى الانحراف أو التطرف، إذ إن الحاجة للمال لإشباع الاحتياجات الضرورية أو الكمالية، أو حتى الحاجة لتحقيق الذات، والتى قد لا تتوافر لدى الفقير أو العاطل قد تدفع الفرد للانحراف، وقد تدفعه للانتماء للتنظيمات المتطرفة التى تقوم بإشباع حاجته المادية مقابل تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، كما أن عامل غياب القيم الاجتماعية يؤدى إلى نجاح التنظيم المتطرف بعد تجنيد الفرد إلى تغيير القيم الاجتماعية التى يؤمن بها ضمن ما تلقاه من مؤسسات التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعى، وغرس قيم اجتماعية جديدة تتعارض مع قيم المجتمع، بيد أنها تتواءم مع معتقدات وقيم التنظيم، ولها سلطة نافذة على الفرد تجعله يعتنقها بشدة حتى أنه قد يبذل روحه فى سبيل المحافظة على تلك القيم والمعتقدات، ومن هنا يكون الفرد رهينًا لهذه القيم الخاصة التى يرفضها المجتمع، وهذا ما يجعل الجرائم الإرهابية التى قد يكلف التنظيم الفرد للقيام بها وتنفيذها تجد قبولاً سريعًا وتنفانيًا فى تحقيقها من قبله، واعتقادا منه بأنها القيم الصحيحة الواجب تعزيزها والمحافظة عليها([7]).

ويعد عامل الاضطهاد والإحساس بالظلم من أهم العوامل التى تدفع الأفراد للإنضمام للجماعات الإرهابية، فحين يشعر الفرد بانه مضطهد وأن حقوقه مسلوبة فى المجتمع، فإن ذلك يساعد الفرد على الانضمام لأى جهة أو فرد فى إزالة ما وقع عليه من تعسف ومساعدته فى الحصول على حقوقه، وهنا تكون الفرصة مواتية لأفراد التنظيمات المتطرفة لاحتواء مثل هؤلاء، واستغلال هذه الدوافع والاستمرار فى تضخيمها، ونجد أيضاً أن الفهم الخاطئ بأصول العقيدة وقواعدها والجهل بمقاصد الشريعة عاملاً مساعداً على تطرف الشباب، إذ ان حفظ النصوص دون فقه وفهم، والابتعاد عن العلماء الثقاة سبب مباشر لبروز ظاهرة الغلو وانتشاره، فالجهل بأصول الدين الصحيحة من أهم أسباب الإرهاب، وأن الغلو فى الدين وتفسير النصوص الشرعية على غير حقيقتها أدى إلى ظهور الفكر المنحرف الذى يخلط بين الإرهاب والإجتهاد، بالإضافة إلى هذه العوامل نجد عامل الانفتاح الإعلامى له تأثير كبير فى دفع الشباب للانتماء للتنظيمات المتطرفة والإرهابية بشكل مباشر وغير مباشر، حيث تستفيد هذه التنظيمات من وسائل الإعلام المتعددة، والمفتوحة جماهيريًا فى بث أفكار التنظيم والترويج له لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب، خاصة من يتوافر لديهم دوافع تساعد على الانتماء لمثل هذه التنظيمات، حيث استخدام الارهابيون شبكة الانترنت فى نقل الرسائل والتعليمات التنظيمية، ولهم مواقع دعائية على الشبكة تنطق باسمهم وتدعو لأفكارهم، وتجند الأعضاء والأنصار الجدد([8]).

استغلال الانترنت و الشبكات الاجتماعية كوسيلة لنشر الإرهاب:

تُعد شبكة الانترنت عالماً شديد النمو وسريع التطور، ونتيجة لذلك فقد تغيرت النظرة نحو الإرهاب الإلكتروني التى كانت تنحصر فى الأعمال التخريبية، وأصبحت تشمل أنشطة أكثر خطورة تمثلت فى الاستخدام اليومى للإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعى من قبل المنظمات الإرهابية لتنظيم وتنسيق عملياتهم المتفرقة والمنتشرة حول العالم، ويتسم الوجود الإرهابى النشط على الشبكة العنكبوتية بالتنوع الكبير، فهو فى حالة تجديد دائم حيث سرعان ما يغير نمطه الإلكتروني حال اكتشافه، ثم يختفى ليظهر بصورة أخرى بعنوان إلكترونى جديد، كما يلاحظ أن المواقع الإلكترونية لتلك المنظمات لا تخاطب أعوانها ومموليها فحسب وإنما توجه رسائلها أيضًا للإعلام والجمهور الخاص بالمجتمعات التى تقوم بترويعها وإرهابيها، وذلك بهدف شن حملات نفسية ضد التيارات والدول المعادية لها([9])، فأهم ما يميز الكثير من المواقع الإلكترونية التى تروج للتطرف والعنف أنها دائمة التجديد، وتلاحق الحدث، ويرجع ذلك لإيمان العاملين عليها بأنهم فى جهاد وأنهم يسدون ثغرًا ويساندون شباب الجهاد، ويبدو هذا واضحا فى التصميم واختيار العناوين المشحونة بالشجن والتدفق العاطفى مثل ذكر الثواب والجنة، كما نجد أن هناك تحولات واضحة فى طريقة تلقى الأموال باستخدام التقينة، إذ تشير التقارير إلى وجود مؤشرات لاستخدام نظام (Mpayment) وبعض خدمات الدفع بالهواتف المحمولة لنقل الأموال إلكترونياً، علاوة على عدم استحالة توظيف إمكانات نقل وتخزين الأموال عبر أنظمة دفع إلكترونية مثل (Cashu) أو (- e – gold)، وهناك دلائل على إمكانية حدوث بعض هذه العمليات فى بعض الدول التى لا يوجد فيها نظام مالى حازم، خاصة فى مجال استخدام الهواتف الجوالة التى تبدو أكثر جاذبية لتحويل الأموال، وبصورة عامة فقد كانت شبكة الانترنت ذات أثر واضح فى تسهيل الحصول على التحويل بالنسبة للإرهابيين حين وفرت الشبكة وسائل رخيصة وسريعة وأقل مخاطرةً للمرسل والمستقبل([10]).

ووفقاً للإحصاء الذى قام به موقع “Opinion Way” عام 2013 أصبحت شبكة الانترنت تدريجياً المجال المفضل لنشر الخطابات التى تبث الكراهية وهو ما نجده بشكل أكثر فى منشورات مواقع التواصل الاجتماعى والمنتديات، وبالتالى يعمل الشباب على التضخيم من هذه المنشورات التى تستهين بالكراهية والعنف، بالإضافة إلى ما أوردته شرطة الخيالة الكندية الملكية عام 2013 أن جميع الدراسات التى تناولت العنف الإلكترونى والكراهية الإلكترونية تحذر من هذه القضية ومن قابلية الشباب للتأثر بها وهذا لأن العنف بينهم أصبح أمراً مألوفاً ، والجدير بالذكر أن الغياب التام للخطاب المضاد يترك المجال خالياً لنظريات المؤامرة والنظريات العنصرية([11]).

وتتمتع شبكات التواصل الاجتماعى بعدد من المميزات التى سهلت استخدامها من قبل الجماعات الإرهابية، كالتفاعلية وآنية النشر، وسهولة الوصول والاستخدام ، وإمكانية متابعتها وإعادة المتابعة فى أى زمان ومكان، إلى جانب تخويلها أى شخص بنشر المعلومات والوصول إليها، حيث تستخدم التنظيمات والجماعات الإرهابية هذه الوسائل لعدة أسباب أهمها أن لهذه الوسائل شعبية لدى الجماهير المستهدفة ومن ثم تسهل لهذه الجماعات عملية استهداف الجماهير، كما أنها بعيدة عن الرقابة والسيطرة الحكومية، بالإضافة إلى أن هذه المواقع سهلت للإرهابيين طرق أبواب الزوار على عكس المواقع الإلكترونية القديمة التى كان الإرهابيون ينتظرون الزوار بأن ياتوا إليهم([12])، فقد استطاع تنظيم داعش أن يطور استراتيجية إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعى كافة، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وطرقها في عالم تقنية المعلومات، ليبث فيديوهات وأفلاما دعائية بتقنيات وجودة عالية تضاهي إنتاج أكبر الشركات الإنتاجية العالمية، ولينفذ دعاية “تويترية” نجحت في نشر أفكاره، فضلا عن ابتكار طرق تقنية وتطبيقات لمواصلة فتح حساباته المغلقة على شبكات التواصل الاجتماعي، ومعاودة نشر فيديوهاته المحذوفة من الشركات العالمية، وعلاوة على ما أشار إليه الخبراء من ميزات لدى التنظيم في مجال شبكات التواصل الاجتماعي، فقد ذهب “التنظيم” أبعد من ذلك على المستوى التقني ليبتكر ويوجد له مواقع بديلة لنشر أخباره وأفكاره وفيديوهاته، وليتجاوز ذلك أيضا بدخوله عالم الألعاب الرقمية بإطلاقة لعبة رقمية تحمل اسم “صليل الصوارم” في مسعى منه لرفع معنويات عناصره وتدريب الأطفال والمراهقين على مقاتلة قوات التحالف الغربي والإقليمي، الذي شكلته الولايات المتحدة ضده([13]) ، ومن ثم يمكن القول بأن مثل هذه التنظيمات والجماعات الإرهابية بلورت صراعات وتبدلات وتحولات ذات أبعاد داخلية وإقليمية ودولية، مرتكزة على دعامتين رئيستين : الأولى هى آلياتها العسكرية وضرباتها الإرهابية، والثانية مضختها الإعلامية الهائلة التى تنفق عليها بسخاء لكى تروج لهذه الأعمال الإرهابية مستغلة بذلك المواقع الإلكترونية، والتى استطاعت من خلالها بث أحداث العنف التى تنتجها تلك التنظيمات بكفاءة ومهنية عالية الدقة والجودة، محملة برسالة بالغة الشدة والعنف إلى العالم أجمع([14]).

استراتيجيات التنظيمات الإرهابية لاستقطاب الشباب عبر الشبكات الاجتماعية:

  • تستخدم التنظيمات والجماعات الإرهابية شبكات التواصل الاجتماعى لأغراض منها: الدعاية ونشر التطرف، والتجنيد أو جذب جهاديين جدد، حيث تحدد الجماعات الإرهابية بعض الصفحات على مواقع التواصل ومن ثم تعمل على محاولة جذبهم ودعوتهم للانضمام إليها، وأن ذلك يتم وفق استراتيجيات محددة على النحو الآتى:

– تسمح شبكات التواصل الاجتماعى للجماعات الإرهابية باستخدام استراتيجية التحديد (narrowcasting) وهى استراتيجية تقوم على نشر الرسائل إلى قطاعات محددة من الجمهور، يتم اختيارها بناءً على القيم التى تتبناها وتفضيلاتها، واهتماماتها، وسمات ديموغرفية أخرى، كما يتم اختيار صور ومقاطع مصورة ورسال متضمنه استمالات تتناسب مع فئات اجتماعية معينة متواجدة عبر هذه الوسائل، وهذه الأساليب تمكن التنظيمات الإرهابية من استهداف جماهيرها وبخاصة الشباب، فعلى سبيل المثال اهتم تنظيم داعش بالجانب الإعلامى، وكان الظهور الأول لهذا التنظيم عبر شبكات التواصل الاجتماعى وبخاصة تويتر، ويمتلك التنظيم العديد من القنوات على موقع يوتيوب مثل مؤسسة الفرقان للإنتاج، ومؤسسة الاعتصام، والمنبر الإعلامى الجهادي، ومؤسسة غرباء وغيرها، ويقوم داعش بإنتاج الأفلام والمقاطع بطرق فنية تعتمد على المونتاج والإثارة والتشويق يرافقها أناشيد دينية من أجل إرهاب الأعداء وجذب المؤيدين والدعاية للتنظيم، وقد أشار البعض أن 80% من الذين انتسبوا لداعش تم تجنيدهم عبر شبكات التواصل الاجتماعى، وأن نحو 200 ألف مستخدم يقرؤون يوميا رسائل يبثها التنظيم، وأن داعش ينشر ويعيد نشر ما يزيد عن 90 ألف مادة إعلامية دعائية يومياً على الشبكات الاجتماعية، وأن هناك أكثر من 2600 موقع إنترنت وشبكة تواصل اجتماعى ترتبط بالتنظيم وتخاطب العالم بلغات متعددة منها الإنجليزية والعربية والفرنسية([15]).

الدعاية الإلكترونية المتطرفة: أكد رئيس الوزراء البريطانى دايفد كاميرون على أن عددا متزايدا من الشباب تجذبهم الدعاية المتطرفة على مواقع التواصل، حيث توصلت بعض الدراسات الأكاديمية إلى أن تنظيم داعش كسب أعدادًا كبيرةً من المنتمين له ممكن يحملون جنسيات غربية أو شرق آسيوية عبر نشاطه الإعلامى عبر المدونات والتى تلقى رواجاً وإقبالاً فى عدد من الدول المستهدفة، ومن أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية؛ إذ تقوم الهيئة الإعلامية للتنظيم بترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية عديدة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والأوردو وغيرها، إضافة إلى إصدار مجلات بلغات متعددة وهو ما أكسبة الكثير من الأفراد من مختلف الجنسيات، وأوضحت الدراسة  أن التنظيم يلجأ إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر- فيس بوك- انستغرام) لتدبير الهجمات الإرهابية وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر إرهابي بلغة مفهومة لهم وغالبا تكون عبارة عن رموز لها دلالات معينة، كما أشارت إلى أن عناصر داعش يلجأون إلى الحصول على المعلومات للمنشآت التي يسعون إلى استهدافها من خلال شبكة الإنترنت حيث إن 80 % من مخزونهم المعلوماتي معتمدا في الأساس على المواقع الإلكترونية([16])، ويستخدم جهاز الدعاية لدى داعش وسائل اقناع فنية لاظهار مدى قوة والتزام مقاتليه، فقد نشر عام 2014 مقطعاً فيديوياً لمقاتلين أجانب تابعين للتنظيم في سوريا يحرقون جوازات سفرهم ليعلنوا التزامهم الدائم بالجهاد، فنجد أن الفلم المصور، بشكل محترف، يقدم رسالة تشير الى التزام مقاتلي داعش بالعمليات المسلحة وعدم مغادرة سوريا الا بعد تحقيق أهدافهم، وعزز جهاز الدعاية لدى داعش أساليبه الفنية في عرض المحتوى الاعلامي باستخدام تقنيات الايضاح الجديد أو ما يعرف بالانفوغرافيك من منطلق ادراكه حقائق علمية اكدت ان هذا الفن الاخراجي سهل الاستيعاب وممتع للمشاركة ويزيد التفاعل بشكل كبير، وأشارت دراسة إلى أن نسبة الزيادة في زيارات المواقع التي تستخدم الانفوغرافيك تبلغ 12% لما تحملة من معنى دلالياً قيمياً، ويعوض الانفوغرافيك عن المزايا التي تنطوي عليها الصورة الميدانية، فهو مزيج منها ومن وسائل مكملة أخرى كالخطوط والرسوم البيانية والتخطيطات اليدوية([17]).

الحرية والخطاب الشبابى الدارج: حيث أهتم تنظيم الدولة بنوع الجمهور وفئاته، فهو يستهدف بالأساس فئة الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين30:16 عاماً، وهى الفئة الأكثر تواجدا في وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، والأكثر انفعالا وتأثرًا بمنهج التنظيم، كذلك لا يهمل تنظيم الدولة باقي فئات المجتمع الأخرى وإن كانت بنسب متفاوتة، كما يحرص على شريحة النساء والتي تعد سندًا قويًا له، لذلك أدركت داعش أهمية الخطاب الشبابي، ففي الوقت الذي كان يظهر فيه كبار تنظيم القاعدة مثل بن لادن والظواهري ومجموعة من كبار السن والشيوخ، ركز تنظيم داعش الإرهابي على ظهور شباب، في مختلف إصداراته خاصة المصورة والمرئية، حيث يعكس القوة والفتوة، فالمتابع لإصدارات تنظيم الدولة يجد أن الشباب والقوة والفتوة عناصر حاضرة بقوة في إعلام تنظيم الدولة، وهي رسالة مهمة مضمنة داخل هذه الإصدارات، جيل جديد يجيد استخدام أنواع الأسلحة، يجيد استخدام أنواع مختلفة من التقنية، وبنفس الوقت مؤمن بفكرته وهدفه([18])، وتعمل التنظيمات الإرهابية أيضًا من خلال توفير خدمات تتجاوز حجب المواقع وتقدم كل جديد من خلال التواصل المنتظم مع الأعضاء، والتحديث المستمر للمحتوى ومواكبة الأحداث وملامسة رد الفعل الانساني العفوي للمسلم تجاه الشعوب الاسلامية والتعليق عليها وفق وجهة النظر التي يؤمنون بها، واستقطاب كتاب لهم تأثيرهم وعلماء معتبرين لرفع مستوى الثقة في الموقع، ويتم التنسيق بين هذه المواقع لنشر البيانات والخطب والمواد الجديدة التي يقدمها أحد قادة التنظيمات أو مفكريه وصناعة نجوم لهذه المنتديات ومؤازرتهم سواء من حيث حجم الردود أو تمييز مواضيعهم عن غيرها وتوفير المواد السمعية والمرئية والكتب وغيرها من المواد لطالبيها بشكل سريع وفي صور فنية محترفة بالإضافة الي تشجيع كتابة المذكرات للذين شاركوا في الجهاد في مناطق العالم الاسلامي مثل أفغانستان والعراق لإلهام الشباب وتحفيزهم للاقتداء بهؤلاء (الشجعان) وكذلك تقديم المعونة الفنية لمساعدة المتصفحين لإخفاء الأثر من خلال مواقع وسيطة أو برامج معينة و توزيع الأدوار في إدارة الموقع لأشخاص ذوي مقدرة متميزة وينتمون إلى بلدان مختلفة، وتقديم مجموعة من الخيارات الثقافية المصاحبة مثل خدمة تحميل الكتب والاستشارات في شئون الأسرة والصحة وغيرها، ويضاف إلي ذلك جاذبية خطاب التحريض على العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث أن  للخطاب العنيف ذي الروح السياسية الدينية جاذبية خاصة لأنه يلامس الضعف الانساني حيال المشكلات التي يتعرض لها الانسان في حياته الشخصية أو ما يراه في عالم تسوده الصراعات والفتن ، كما أن الأحداث والصراعات العنيفة والمؤلمة ومظاهر التكالب العالمي على موارد العالم العربي والاسلامي تشعل الانفعالات وتثري العواطف ولا يجد مستخدمو الانترنت من الشباب صدى لهذه الانفعالات للتنفيس  في وسائل الاعلام الخاضعة لسياسات ومصالح الدول، من هنا يظهر الاعلام الالكتروني بالمحتوى البديل على مواقع ومنتديات الانترنت([19])، وقد أشارت بعض الدراسات التى تناولت مدى اقتناع الشباب العربى بأفكار التنظيمات الإرهابية المتطرفة فكرياً، إلى أن الشباب العربى بشكل عام ذو اتجاه محايد، وتعتقد الباحثة أن مجرد أن يكون الشباب العربى ذو اتجاه محايد لا إيجابى ولا سلبى فإن هذا منعطف خطير لأنه من السهل أن يتم جذبه لأفكار هذه التنظيمات المتطرفة وبالتالى تجنيده ليكون إحدى أدوات القتل وسفك الدماء لدى هذه التنظيمات، كما يدل هذا أن هذه التنظيمات استطاعت استخدام مواقع التواصل الاجتماعى لنشر أفكارها وانتشار التعاطف مع قضاياها فى محاولة منها لبلورة كتلة أيديولوجية من جمهور منصهر المواقف والاتجاهات والسلوكيات وصولا إلى قولبة وتنميط وعى المستخدمين باتجاه النظام القيمى للتنظيم وممارساته الاجتماعية والسياسية؛ مما ينتج عنه فى النهاية خطاب مؤيد له([20]).

– ويعمد تنظيم داعش بهدف كسب الشباب وتطويعهم الى ما يعرف بقاعدة اطلاق التسميات والفاظ التعميم البراقة في الدعاية، من خلال تشكيل افواج أو كتائب مسلحة تابعة للتنظيم تحت اسماء تاريخية أو رمزية موحية لخلق نوع من الامتداد مع الماضي أو أظهار الصلة التي تربط (الخلافة) كدولة التنظيم بالخلافة الاولى والحقبة الرسالية، ومن ذلك تسمية كتيبة دابق وجيش الخلافة وجيش العسرة وكتائب الاقتحامات وغيرها من المسميات([21])، فهم يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمى الإنترنت مع قضاياهم، ويجتذبون هؤلاء بعبارات براقة وحماسية، ونحن نعلم أن تسلية الشباب والمراهقين هى الجلوس بالساعات الطويلة أمام الإنترنت والتحدث مع جميع أنواع البشر فى مختلف أنحاء العالم([22]).

– اغتنم «داعش» وغيره من الجماعات المتطرفة ذات المنهجية فى الحشد للتجنيد فعالية شبكة الإنترنت التي قد تبدأ بـ«تويتر» و«يوتيوب» وغيرهما من المواقع الأخرى، حيث اهتمت الجماعات الإرهابية باستخدام الفيسبوك ودعت إلى غزوه نظراً لفعاليته وتحقيق الأهداف المختلفة من خلاله كتقديم المعلومات الخاصة بصناعة القنابل والقيام بعمليات القتال وتقديم مختلف المعلومات للمنتسبين([23])، وفى ظل استخدام تنظيم داعش للتكنولوجيا الرقمية استطاع أن يطور من نسخته من الفيسبوك تسمى (مسلم بوك) أو ( خلافة بوك)، وأطلق تطبيقاً للهاتف المحمول يوفر لمستخدميه أحدث أخبار التنظيم([24])، كما تعتبر خدمة اليوتيوب من أهم المنابر المستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية لنشر ثقافة الإرهاب وتجنيد الشباب عبر العالم، من جهة أخرى يستخدم اليوتيوب لبناء شبكات التواصل بين أعضاء ومنتسبي ومناصرى ومتتبعى الجماعات الإرهابية مما يسمح بإرسال رسائل خاصة للمستخدمين وكذلك التعرف على بعضهم البعض مما ينتج فى النهاية مجتمع إرهابى افتراضى، وترتكز استخدامات الجماعات الإرهابية لتويتر على نشر الدعاية وضمان الاتصال الداخلى وتوجيه المستخدمين إلى روابط أخرى تستعملها الجماعات على الشبكة، كما استغلت تلك الجماعات انستغرام وفليكر لأغراض الدعاية لتمجيد روادها([25])،  كما يعتمد أنصار تنظيم داعش على استخدام تطبيق Ask للإجابة على بعض الأسئلة عن الحياة اليومية، ويتجاوز التنظيم هذه التطبيقات إلى استخدام برامج ذات سرية أعلى مثل برنامج KIK وهو تطبيق للرسائل عبر الهواتف الذكية، حيث يتم تبادل المعلومات باستخدام برامج التشفير المتقدمة، وتسمح هذه البرامج والتطبيقات لأعضاء التنظيم بالتواصل مباشرة مع المجندين وتسهيل عبورهم للحدود، وقد أعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI جيمس كومي أن استخدام داعش للبرامج المشفرة يحول دون الحد من محاولات تنظيم “داعش” تجنيد الأمريكيين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأضاف أن فك التشفير بالنسبة لـ FBI مسألة صعبة، كما أوضح أن هناك توازنا بين الرغبة في اعتراض الاتصالات وبين القلق المتزايد بشأن الخصوصية([26])، كما يعتمد التنظيم على استراتيجيته لإخفاء مصدر أنشطته وبقائه مجهولاً، حتى يصعب على الحكومات تعقبه وذلك من خلال تقنيات عديدة تعتمد على الشبكات الخاصة الافتراضية، والتى يطلق عليها الشبكة السوداء Dark net التى تخفى عنوان بروتوكول الإنترنت الذى يمكن من خلاله تحديد مكان الشخص([27]).

– توجيه النقاشات عبر الإنترنت إلى الإتجاه المرغوب عن طريق إستعمال تكتيك دبلوماسية الهاشتاج، حيث ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن تنظيم “داعش” يتفوق علي الولايات المتحدة بكثير فيما يتعلق بـ”دبلوماسية الهاشتاج”، أو التأثير في الرأي العام من خلال الهاشتاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” ، مشيرةً إلى أن التنظيم يخوض حملة دعائية “مؤثرة ببراعة”، واعتبرت المجلة أن “داعش” لديه قدرة رائعة على صياغة “رسائل مثيرة”([28])، حيث يقوم التنظيم بإستعمال الهاشتاج الدارج في التويتر لجذب إنتباه الأشخاص التي تبحث عن موضوع معين، ومع هذا التكتيك، يمكن لداعش إرسال تغريدات عن طريق إستعمال الهاشتاج، هذا بالإضافة لاعتمادها على برنامج لإرسال التغريدات مثل تطبيق “فجر البشائر” الذي كان متوفر فى الأونة الأخيرة في عدة متاجر مثل Google play، وعمل هذا التطبيق على إمداد المستخدمين بالأخبار حول الأحداث في سوريا والعراق لحظة بلحظة، كما تضمن إمكانية الإرسال التلقائي للتغريدات الداعشية بهدف وصول التغريدات إلى الآلاف او حتى مئات آلاف الحسابات، لإعطاء إنطباع بأن مضامينهم أكبر وأكثر شعبية من الواقع([29]).

– اعتمد تنظيم داعش على استخدام الألعاب الإلكترونية للتواصل مع الأطفال والمراهقين، في محاولة لتجنيدهم في صفوفه، وسط تصاعد الدعوات إلى الحد من هذه الظاهرة والتحذير من مخاطرها، حيث يتم التجنيد باستخدام اللعبة عن طريق تصميم شخصيات وأعلام، وإضافة أصوات وتبديل الشعارات، فلعبة كصليل الصوارم التي رأيناها على اليوتيوب اعتمد المونتاج في عملها على تَمكّن مبرمجوها من تسخير مونتاجهم على هواهُم كي يُظهروها بشكل قوي ومؤثر([30]).

آليات مواجهة الفكر المتطرف عبر الشبكات الاجتماعية:

تعانى مختلف دول العالم مشاكل عدة فى محاربة الإرهاب ومواجهته وعندما يتعلق الأمر بالإرهاب الإلكترونى فالأمر يكون فى غاية الصعوبة نظراً لأن خصائص الإرهاب الإلكترونى أكثر تعقيدًا من الإرهاب بشكله التقليدى، والإشكال الذى يطرح عندما يتعلق الأمر بمواجهة الإرهاب الإلكترونى هو المساس بالحريات الفردية وخصوصية الأفراد وحرية التعبير والرأى والتواصل، وحذر الكثير من المختصين من خطر التعدى على الديمقراطية والحرية باسم محاربة الإرهاب، حيث أنهم يؤكدون أن الانترنت يتناغم تماماً مع مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير، فالمطلوب هو التعامل مع المشكلة بمهنية وحرفية وبطرق منهجية ومنظمة، وهنا يجب التركيز على فهم آليات الإرهاب الإلكترونى وخصائصه وتطوره من قبل الهيئات المعنية، فعلى جميع المنظمات والمؤسسات والهيئات المعنية أن تطور من قدرتها فى دراسة الإرهاب الإلكترونى ورصد استخدامات الجماعات الإرهابية للإعلام الجديد([31])، ومن الإجراءات والآليات التى يجب أن تتخذها الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب الإلكترونى ما يلى:

– في ظل الفهم الحالي للتأثير الكبير للرسالة الاعلامية التي يتم ترويجها على مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي فلابد من وضع استراتيجية موحدة ومحكمة لمواجهه هذه الجماعات المتطرفة التي تقوم بتجنيد الارهابيين من خلال اقناعهم بالفكر الارهابي عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الترويج للفكر الوسطي المعتدل وبيان ضلال هذه الافكار وانها ليست من صحيح الدين بالإضافة للدور الامني في هذا الاطار من تتبع هذه المواقع ورصد ما يدور فيها والتنسيق مع المجتمع الدولي لضبط العناصر التي تقوم بنشر الفكر الارهابي ومنهج العنف ضد البنية التحتية للدول والابرياء من الناس الذين تستهدفهم تلك العمليات الارهابية لمجرد ذيوع الصيت ونشر الفكر واستعراض القوة(([32]، بالإضافة لضرورة تحديث الرؤية والاستراتيجية الإعلامية وأن لا تكون رد فعل لما يتم بثه، بل يجب أن يتمتع الإعلام برؤية واضحة لبلورة درع أمان لصد هذه الهجمات الإرهابية، وتنمية الفكر لدى الشباب عن طريق إعمال العقل، فعلى المؤسسات الإعلامية أن تهتم بنشر قيم المسؤلية الاجتماعية والرقابة الذاتية وأن تجعل الرقابة غير مختصة بالمؤسسات الحكومية، ولكن رقابة ذاتية نابعة من المواطنين لمصلحة الوطن وذلك بالتعاون مع المؤسسات الدينية وخاصة التى لديها مكانة لدى الجمهور مثل الأزهر الشريف، وضرورة اعداد كوادر أمنية مؤهلة تأهيلاً اعلامياً يمكنها صياغة رسائل إعلامية دقيقة ومؤثرة ذات مصداقية حتى يمكن من خلالها مواجهة الأكاذيب التى تبثها مواقع الجماعات الإرهابية([33]).

– تكاتف كافة الجهات من مجتمع مدني وقطاع خاص واعلام الى جانب أهمية دور الدولة، في العمل على مواجهة الأسباب الدافعة إلى لجوء الشباب للاستخدام السلبي للتكنولوجيا، مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر، وهي تربة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والجريمة داخل المجتمع والعمل على نشر ثقافة الحوار والنقاش، وعلى المؤسسات الحكومية والأهلية التي تشارك وتتفاعل مع شبكات التواصل الاجتماعي إعادة النظر في أسلوب ومنهجية الردود والحوار([34])، والعمل على إنشاء مراصد إعلامية محلية وعربية ودولية بلغات متعددة مختصة بمواجهة الأفكار المتطرفة والرد عليها، وكشفها أمام الرأى العام، وإعداد تقارير تحليلية شهرية وسنوية حول التعامل الإعلامى مع ظاهرة الإرهاب([35]).

– الاستفادة من منظومة القيم الدينية والأخلاقية، واستخدام الموروث الثقافى الشعبى، لذلك فإن الأسلوب الأول الواجب إتباعه فى مواجهة الاستراتيجيات التى ينتهجها الإرهابيون عبر الإنترنت لتجنيد أعضاء جدد هو أسلوب الكلمة والإقناع، من خلال فريق مدرب ومؤهل يتمتع ببعض المهارات الإتصالية ومزود بالمعرفة فى مجال دراسة السلوكيات، وحالات انفصام الشخصية وكيفية التعامل معها، وأنواع التصرفات العنيفة والسيطرة على الغضب للتعامل بشكل مباشر مع مواقع التواصل الاجتماعى وغرف الدردشة، وتتضمن هذه الآلية استخدام ذات الأسلوب الذى يستخدمه الإرهابى من خلال نشر إعلام مضاد من محاضرات وفتاوى وأناشيد تضمن بيان عدم صحة ادعاءتهم من خلال أئمة وعلماء ومختصين، ولابد من التكامل بين محتوى برامج التوعية واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة التى تشكل عامل مؤثر فى تحقيق برامج التوعية لأهدافها المرجوة([36]).

– إيجاد جهاز تنفيذى مؤهل لمواجهة الجرائم الإلكترونية بشكل عام وجرائم الإرهاب الإلكترونى بشكل خاص، حيث أن أى خطة شمولية لمكافحة الإرهاب الإلكترونى لا يمكنها أن تحقق أى من الأهداف دون جهاز تنفيذى كفء، ومؤهل مستند فى عمله وواجباته إلى قواعد قانونية يوفرها له التشريع التخصصى، ومطلع على كل ما هو جديد فى ميدان الأدلة الجنائية الإلكترونية، فهناك حاجة ماسة إلى متخصصين فى ميدان قانون تكنولوجيا المعلومات وفرع الإرهاب الإلكتروني، وكفاءات متقدمة فى ميدان الاستراتيجيات الأمنية وخطط الإنقاذ، إلى جانب وجود متخصصين فى إدارة الأزمات الإلكترونية، لأن سلامة التعامل مع هذا النوع من الإرهاب يحتاج إلى كفاءة فى الأداء ضمن مختلف مراحل مكافحة الفكر الإرهابى عبر الإنترنت([37])، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد منظومة قانونية دولية تحت مظلة الأمم المتحدة يعهد إليها توحيد وتوثيق جهود الدول فى مكافحة ومواجهة الإرهاب الإلكترونى، ويتفرع منها جهة أو هيئة محايدة تتولى التحقيق فى هذه الجرائم، ويكون لها سلطة بضبط وإحضار المجرم للتحقيق أي كان مكان وجوده وجنسيته وبلده، والعمل على عقد الاتفاقيات بين الدول بخصوص جرائم الإرهاب الإلكترونى وتنظيم كافة الإجراءات المتعلقة بالوقاية من هذه الجريمة وعلاجها وتبادل المعلومات والأدلة فى شأنها بما فى ذلك تفعيل اتفاقيات تسليم الجناة فى جرائم الإرهاب الإلكترونى([38]).

– اطلاق مواقع دينية على مواقع التواصل الاجتماعى تخاطب الآخر وفق مفاهيم تقوم على مضامين أنسانية راقية، تعكس مفهوم الدين الإسلامى الحنيف كدين محبة وتعاون وسلام وإبراز الوجه المشرق للثقافة الإسلامية كوسيلة لإغلاق الباب أما تلك الجماعات التى تتخذ من الدين ستارًا لبث أفكارها الهدامة والمسمومة لدى الشباب العربى([39])، بالإضافة إلى ترجمة الكتب والدراسات الإسلامية المتخصصة إلى لغات متخلفة وتوزيعها على المؤسسات التربوية ومراكز البحث العلمى وطرحها فى المكتبات لإيضاح الصورة الصحيحة للإسلام ووضعها فى متناول الشباب، والعمل على تفعيل الاتصال بين علماء الدين والشباب والإلتقاء بهم والسماع منهم ومحاورتهم، حتى تصل كلماتهم إلى القلوب وحتى لا يكون هناك فجوة بينهم([40]).

– ضرورة تعاون كافة مؤسسات المجتمع المدنى فى مواجهة ظاهرة الإرهاب الإلكترونى، والقيام بالدور الوقائى حتى يتنسنى مواجهة هذه الظاهرة([41])، من خلال المشاركة فى وضع استراتيجيات وبرامج وخطط لمواجهة‌ الإرهاب فى المجالات الفكرية والثقافية والفنية والاجتماعية للتأكید على علاقة الشراكة بین الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، ابتداءً من التخطیط إلى التنفیذ وصولًا إلى التقییم، والعمل على نشر ثقافة التسامح والاستنارة من خلال أنشطتها المتنوعة فإنها تساهم بشكل حقيقى فى تحصين الشباب ضد التطرف والاستجابة لمحاولات تجنيدهم للمنظمات الإرهابية، واهتمامها ببرامج وانشطة نشر ثقافة الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر، ونبذ ممارسات الاقصاء والتهميش ضد أي مجموعة عرقیة أو اجتماعیة، ونشر ثقافة إنماء الحس الوطني والوحدة الوطنیة لدى المواطن، والعمل كشريك لمؤسسات الدولة على النهوض بمستوى معيشة الفئات المهمشة وسكان الاحياء العشوائية ومساعدتهم فى ايجاد المسكن الآدمى والعمل المنتظم وادماجهم فى المجتمع وتمكينهم من التعرف على القيم الانسانية الرفيعة من خلال العروض السينمائية والمسرحية فى اماكن اقامتهم وفى مراكز الشباب والاندية ليكونوا على صلة بالثقافة الانسانية والقيم الايجابية من خلال هذه العروض الفنية والندوات الثقافية والاجتماعية، وهذا لا ينفى مسئولية مؤسسات الدولة فى المقام الاول عن توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، ولكى تستطيع منظمات المجتمع المدني القيام بدورها فى مواجهة الارهاب، فهذا يتطلب أن تكون مرجعيتها القانونية تؤمن لها حرية العمل والاستقلالية بعيدا عن الاجراءات البيروقراطية او المقيدة لعملها وهذا لا يعفيها من أن تكون منظمات تخضع للمحاسبة والشفافية, فالشرعیة والحریة والاستقلالیة ھي عناصر أساسیة وهامة لمنظمات المجتمع المدني، باعتبارها حقوقاً، والمساءلة والمحاسبة والشفافیة باعتبارها مسؤولیة أساسیة لمنظمات المجتمع المدني، ولذلك فلابد من توفير البيئة المناسبة بتفعیل المواد الدستوریة التى تضمن العمل الفعال لمنظمات المجتمع المدنى([42]).

وأخيراً يمكن القول أن الإرهاب الإلكترونى هاجسا يشغل الدول التى أصبحت عرضة لهجمات التنظيمات الإرهابية، وقد أصبحت هذه التنظيمات تمارس نشاطها الإرهابى فى أى مكان فى العالم، وفى أى لحظة، كما أن مخاطرها تتفاقم يوما بعد الآخر، وقد سعت بعض الدول إلى اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لمواجهة الإرهاب الإلكترونى، إلا أن هذه الجهود قليلة وما زالت بحاجة إلى المزيد من الجهود والبحوث والدراسات والتنسيق والتنظيم، كما أنها بحاجة إلى استعدادات كبيرة من قبل كل دولة سواء من الناحية المعرفية أو اللوجيستية أو القانونية والتشريعية لاحتواء هذه الظاهرة الخطيرة.

المراجع:

[1]) محمد عبد الوهاب الفقية، دور شبكات التواصل الاجتماعى فى إمداد الشباب العربى بالمعلومات والأخبار حول ظاهرة الإرهاب : دراسة مقارنة بين الشباب فى أربع دول عربية ,المجلة العربية للإعلام والاتصال , الجمعية السعودية للإعلام والاتصال , السعودية, 2017, ص 275.

[2]) عبد الله أحمد عبد الله، الإرهاب والتطرف فى ظل تطور شبكة المعلومات العالمية “الإنترنت” : الممارسة والأبعاد الاجتماعية وسبل المكافحة، المجلة الليبية العالمية، كلية التربية بالمرج، جامعة بنغازى، ليبيا، 2016، ص3.

[3]) وداد حمدى، استغلال مواقع التواصل الاجتماعى من قبل التنظيمات الإرهابية، متاح على: http://ajo-ar.org ، تقرير المرصد العربى للصحافة، تاريخ النشر 7 أبريل 2017.

[4]) غادة البطريق، تعرض الشباب العربي للمواقع الإلكترونية المتطرفة فكريا وعلاقته بإدراكهم للمنطق الدعائي للتنظيمات الإرهابية : دراسة ميدانية في إطار نظرية تأثير الشخص الثالث، مجلة بحوث العلاقات العامة الشرق الأوسط، الجمعية المصرية للعلاقات العامة، القاهرة، ديسمبر 2016، ص177.

[5]) رضا ابن مقلة، الإعلام الإلكترونى المتطرف وسبل مواجهته: تنظيم داعش نموذجا، مجلة الحكمة للدراسات الإسلامية، مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2015، ص 154.

[6]) مرصد الأزهر، استخدام داعش لوسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ النشر: 4/12/2015، متاح على : http://www.azhar.eg/observer/replies/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A

[7]) مجدي الداغر، دور الإعلام الجديد فى تشكيل معارف واتجاهات الشباب الجامعى نحو ظاهرة الإرهاب على شبكة الإنترنت: دراسة ميدانية، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، العدد 36، الكويت، 2016، ص89:88.

[8]) معتز محيي عبد الحميد، الارهاب وتجدد الفكر الأمنى، ط1، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان، 2014، ص43.

[9]) مجدى الداغر، مرجع سابق ، ص96:95.

[10]) عبد الله أحمد عبد الله، مرجع سابق، ص 11:10.

[11]) تقرير مترجم بمرصد الأزهر، هل يبدأ حقاً التطرف العنيف من الإنترنت؟، 30/1/2017، ص 7 متاح على: www.azhar.eg/observer

[12]) محمد عبد الوهاب الفقية، مرجع سابق ، ص 276.

[13]) ابراهيم المبيضين، شبكات التواصل الاجتماعي منصة داعش الافتراضية ومغناطيس الشباب، تاريخ النشر: أكتوبر 2014، متاح على:  http://alghad.com/articles/831679

[14]) غادة البطريق، مرجع سابق، ص 180.

[15]) محمد عبد الوهاب الفقية، مرجع سابق ، ص 276-277.

[16]) داعش التعبئة والتجنيد يبدأن من (تويتر)، تقرير قناة العربية، تاريخ النشر 25 مايو 2015، متاح على:  https://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/saudi-press/2015/05/25

[17]) أحمد عبد المجيد، الاساليب الاقناعية لتنظيم داعش فى تجنيد الأفراد (مقاربة علمية)، مجلة الباحث الإعلامي، العدد 31، 2016، ص97.

[18]) أساليب داعش فى تجنيد الشباب، شبكة الاسلام العتيق، متاح على: www.islamancient.com/asaleeb.pdf

[19]) ايمن حسان، دور مواقع التواصل الاجتماعى فى نشر الفكر المتطرف، المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، تاريخ النشر 30 سبتمبر 2017، متاح على: www.europarabct.com/دور-مواقع-التواصل-الاجتماعى-فى-نشر-الف

[20])  غادة البطريق، مرجع سابق، ص 203.

[21]) أحمد عبد المجيد، مرجع سابق، ص 98.

[22]) أسماء الجيوشى، دور مؤسسات المجتمع المدنى فى التصدى للإرهاب، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2014، ص82.

[23]) محمد قيراط، الإعلام الجديد والإرهاب الإلكتروني :آليات الاستخدام و تحديات المواجهة، الحكمة للدراسات الاتصالية والإعلامية، العدد التاسع، 2017، ص 25.

[24]) نورا بندارى عبد الحميد، دور وسائل التواصل الاجتماعى فى تجنيد أعضاء التنظيمات الإرهابية دراسة حالة (داعش)، المركز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، تاريخ النشر 19 يوليو 2016، متاح على: https://democraticac.de/?p=34268

[25]) محمد قيراط، مرجع سابق، ص 25-26.

[26]) مرصد الأزهر، استخدام داعش لوسائل التواصل الاجتماعي، مرجع سابق.

[27]) نورا بندارى عبد الحميد، مرجع سابق.

[28]) شريف اللبان، حروب الجيل الرابع: حروب الهاشتاج من داعش إلى الرياضة المصرية، المركز العربى للبحوث والدراسات، تاريخ النشر 14 أبريل 2015، متاح على: http://www.acrseg.org/37863

[29]) أساليب داعش فى تجنيد الشباب، مرجع سابق.

[30]) الجهاد السيبرانى لتنظيم داعش، ذراع قوى لتجنيد الشباب فى أوروبا، المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، تاريخ النشر 12 أكتوبر 2017، متاح على: www.europarabct.com/الجهاد-السيبراني-لتنظيم-داعش،-ذراع-قو

[31]) محمد قيراط، مرجع سابق، ص 30-31.

[32]) ايمن حسان، مرجع سابق.

[33]) غادة البطريق، مرجع سابق، ص 205.

[34]) صفاء سيد، دور التكنولوجيا الحديثة فى الجرائم الإلكترونية وكيفية مواجهة الإرهاب، مجلة لغة العصر، تاريخ الشر: 8 ديسمبر 2017، متاح على: http://aitmag.ahram.org.eg/News/86772.aspx

[35]) مجدي الداغر، مرجع سابق، ص260.

[36]) فراس الرشيد، مكافحة تجنيد الإرهابيين عبر الإنترنت، الحلقة العلمية فى مكافحة الإرهاب، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الأردن، 2012، ص12.

[37]) نفس المرجع السابق، ص 13-14.

[38]) محمد قيراط، مرجع سابق، ص 32.

[39]) غادة البطريق، مرجع سابق، ص 205.

[40]) عمر بن حزام، دور مؤسسات المجتمع المدنى فى الوقاية من الإرهاب، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم العدالة الجنائية، كلية الدراسات العليا، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2007، ص 257.

[41]) نفس المرجع السابق، ص 256.

[42]) أحمد أبوالمجد، دور المجتمع المدنى فى مواجهة ظاهرة الإرهاب، المركز المصرى لدراسات السياسات العامة، متاح على: http://ecpps.org/index.php/ar

  • خاص المركز الديمقراطي العربي
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى