اللغة العربية و انكسار البنية القيمية في وسائل الإعلام الحديثة: مقاربة تحليلية نقدية
اعداد : د. عائشة عباش – جامعة الجزائر
- المركز الديمقراطي العربي
إن الأصل في اللغة أنها حامية حضارة الأمم وقيمهم ، فهي وعاء يحوي أسمى ما يمكن أن يتعلق به الفرد من معان ، فهناك ارتباط متلازم ما بين اللغة وقيمتها ، فاللغة تنشئ متعلميها على إتقان استخدام الكلمات والمفردات في سياقاتها التعبيرية والقيمية وفق ضوابط وقواعد محددة ، وتنفرد اللغة العربية تاريخيا بقدرتها على امتلاك القيمة وتمثلها لها بفعل أنها لغة القرآن الكريم ، أي أنها لغة مقدسة تضفي هيبتها على متحديتيها متى التزموا بقواعدها ومعانيها ، دون إفساد لغوي أو عنف لساني الذي يؤدي إلى إخلال بالبنية القيمية ، فاللغة تحيا وتؤثر إيجابا في المتلقي إذا كانت مشحونة بالقيم ، وتنحصر أو تصبح غير فاعلة إذا خلت وتم إفراغها جزئيا من ذلك المضمون على النحو الذي يلاحظ حديثا في لغة المحاثة اليومية و على وجه التحديد في الإعلام بشتى أنواعه بمستويات متباينة.
إذ فقد تأثرت اللغة العربية سلبا بمرور الوقت بما أدخله الأفراد المتحدثون من ألفاظ وتعابير مستحدثة ، خصوصا في ظل انتشار الحديث كظاهرة صوتية سادت مع الثقافة الشفوية وتوسع مجال الإعلام الحديثة، التي ساهمت بقدر كبير في استفحال ظاهرة العنف اللساني ، وهذا الأخير مرتبط أساسا باستخدام اللغة أو فعل الكلام وليس باللغة ذاتها فهذه الأخيرة منزهة عن ذلك وخاصة العربية لغة القرآن، وهو ما أدى إلى ضعف واهتزاز العلاقة التلازمية ما بين اللغة و البنية القيمية.
ومن ثم فالعنف اللساني هو ما تعلق بفعل الكلام وتداعياته على اللغة ، لكون هذه الأخيرة تتأثر باللفظ المنطوق من قبل المستخدمين له.
وفي دراستنا هذه نعالج الموضوع على مستوى وسائل الإعلام و نطرح إشكالية انتهاكه لحرمة اللغة العربية علانية و ما تداعيات ذلك على اللغة وعلى القيم وعلى المجتمع بصفة عامة ؟.أو بتعبير أخر ما مصير اللغة العربية في ظل انتشار ظاهرة العنف اللساني في وسائل الإعلام العربية ؟ و ما هي آليات وسبل إرجاع هيبة ومكانة اللغة العربية الفصحى في ظل اكتساح العامية واللهجات المحلية للمجال الإعلامي ؟.
وهو ما سووف نتطرق إليه في هذه العناصر التالية:
1-تأثير الإعلام على التربية و القيم الأخلاقية للمجتمعات :
كانت المدرسة إلى عهد قريب تساهم مساهمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية للفرد ، وفي تزويده بالمعرفة والقيم الأخلاقية والاجتماعية ، إلا أن انتشار وسائل الإعلام أثر على مردودية المدرسة ، حيث لم تعد المصدر الرئيسي للمعرفة والقيم الأخلاقية . خصوصا في ظل انتشار ظاهرة العولمة الثقافية التي تحاول تنميط العالم وإلغاء الخصوصية الثقافية للدول والشعوب ، فهي تعكس ثقافة القوة وسياسة الهيمنة التي تفرضها الدول الغربية وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية ، معتمدتا في ذلك على مجموعة من الوسائل دعائية وإعلامية ضخمة وجد متطورة ، حيث تعمل من خلالها على انتهاك المحظورات و الترويج لقيم العنف والإباحية …عبر مسلسلات و وبرامج الأطفال ،وقد تبنى الكثير من شباب العالم الإسلامي تلك القيم بطريقة لاشعورية لأنها تصل إليهم بالمجان وبطرق وتقنيات مدروسة تؤهلهم للتلقي والاستجابة ،مما يجعلهم يعيدون تشكيل معتقداتهم بل ويتحولون إلى ناشرين لتلك القيم في مجتمعاتهم على حساب قيمهم ومعتقداتهم الأصلية .3
وتتجلى مظاهر العولمة الثقافية جملة من الأفكار التي تم تداولها في شكل مشاريع أو برامج إعلامية أو تربوية يختلف مظهرها عن مضمونها ، حيث تروج الدول الغربية لمبادئ الكراهية على حساب مبادئ التسامح والاختلاف في خطابتها وبرامجها الثقافية ، كما سعت إلى صناعة عدو وهمي لها ونسبته للإسلام لكن ذلك العدو تحول من العالم الافتراضي إلى واقع وأضحى يهدد العالم برمته .
ولقد أثبتت الدراسات المنصبة حول تأثيرات المواد الإعلامية الأجنبية والغزو الثقافي والانفتاح التليفزيوني أن من بين المضامين المصدرة للدول النامية هناك برامج مصممة بعناية لاستهداف عقول الشباب في هذه الدول بغرض زعزعة سلوكياتهم وإضعاف شخصيتهم العربية ، فالدول النامية ولأجل سد العجز في الإنتاج الإعلامي تستورد المادة إعلامية من مجتمعات ذات تركيبة سوسيولوجية وسياسية مختلفة تماما عن تلك السائدة في دولها ، وهي بذلك و بدون وعي تشوه إدراك أفرادها بقيمهم ومبادئهم ، فحتى البرامج الترفيهية لا تخلو من أهداف خفية أي ليست حيادية ،فحسب الباحث ” إريك بارنو” أن الترفيه هو في الأساس دعاية تروج للوضع الراهن ، أي أنه يوجه عواطفنا نحو تدعيم الأفكار المقبولة والمقررة وهناك مكافأة عاطفية مباشرة تتولد عن الترفيه وهي التخفيف من التوتر” ، إذ يحاول مصممو تلك البرامج تمرير قيم وسلوكيات معينة ، مستغلين حالة نقص الإدراك للمشاهد.
2- علاقة اللغة بالبنية القيمية للمجتمعات : مفاهيم وممارسات
إن الأصل في اللغة هو احتواء البنية القيمية للمجتمعات ونقلها كما دلت على ذلك الكتب السماوية ،فاللغة وعاء يحوي أسمى ما يمكن أن يتعلق به الفرد من معان ، والبداية كانت ” الكلمة” أما ما أدخله الأفراد المتحدثون من ألفاظ أو تعابير مستحدثة فذلك يعتبر لغة أخرى تم إدخالها إيجابا أو سلبا على اللغة الأصلية تبعا لحالات فردية أو اجتماعية أو تاريخية معينة . مما يعني أن العنف اللساني ظاهرة دخيلة على اللغة العربية ، حيث انتشرت تلك الظاهرة بسبب التداخل بين اللغة وفعل الكلام خاصة مع تراجع مكانة اللغة تاريخيا وانتشار الحديث كظاهرة صوتية سادت مع الثقافة الشفوية وتوسع وسائل الإعلام .
فاللغة قائمة على فقه الكلمة المعبرة عن القيمة ، أي الارتباط متلازم بين اللغة وقيمتها ، فاللغة تنشئ متعلميها على إتقان استخدام الكلمات والألفاظ في سياقاتها التعبيرية والقيمية وفق ضوابط وقواعد محددة : ففي الفقه أصول ، وفي النحو تراكيب، وفي الأصوات أنغام ، وفي المعاني دلالات ،…وقد ورد في الحديث النبوي ” إن الله إذا أراد بالعبد خيرا فقهه في الدين ” ، نظرا لأن هذا التفقه يصون الفرد من الانحرافات اللسانية وغيرها التي يتعرض إليها الفرد في مسار حياته المعنوية والمادية .
وتنفرد اللغة العربية تاريخيا بقدرتها على امتلاك القيمة وتمثلها لها بفعل أنها لغة القرآن الكريم ، أي أنها لغة مقدسة تضفي هيبتها على متحدييها متى كانت قواعدها ومعانيها لم تتعرض إلى ” الإفساد اللغوي” ، وما يترتب عنه من عنف لساني أيضا[1]4 .
3-مفهوم العنف اللساني وأنواعه
العنف اللساني معناه أخلال بالبنية القيمية للغة إلى جانب البنيات الأخرى التي تحدث عنها علماء الألسنية كقواعد النحو والاشتقاق وضوابط مخارج الحروف والصوت … ، وإن المقصود بالكلمة ” العنف” في الاتصال والإعلام ، هو مرتبط باستخدام اللغة أو فعل الكلام أو تقنيا “فعل التلفظ” ، وليس باللغة ذاتها التي تبقى معصومة نسبيا من هذا الإفساد خاصة ما تعلق باللغة العربية[2]5 .
4- واقع استخدام اللغة العربية في وسائل الإعلام العربية :نماذج وتحليلات
لايزال الإعلام بأشكاله المختلفة المشكل الأول لقيم المجتمعات ، وله التأثير الأكبر على قيمها وأخلاقها وعاداتها ، كما يعد الوسيلة الأخطر والأكثر فعالية في تغيير قيم وقناعات المجتمعات.
من خلال بث رسائل واقعية أو خيالية تتصل بموضوعات معينة على أعداد كبيرة من الناس مختلفين بينهم في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية يوجدون في مناطق متفرقة.
كما يعتبر الإعلام ظاهرة عامة ومنتشرة تقوم بدور لا غنى في تحقيق التفاعل الفكري والحضاري داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة أي أن المعلومة سواء كانت واقعية أو خيالية تتحقق من خلال عملية مشاركة بين المرسل والمستقبل من عملية التغذية العكسية الناتجة عن التفاعل بين المرسل والمستقبل .
وعليه فالمحور أو الوظيفة الأساسية في الإعلام هو الاتصال ، هذا الأخير يقوم في جملته على أشكال رمزية مستمدة من الثقافة التي يرتبط بها الشخص أو يتعلمها من خلال الخبرة الشخصية ، فالطفل حينما يتعلم كلمة معينة فإنها ترتبط في ذهنه بمعنى محدد كالصلاة مثلا ، وبالتالي هذه الكلمة مستمدة من الثقافة ، أما حينما يختار المراهقون كلمة معينة ليعطوها معنى خاص فإنهم في هذه الحالة يتعلمون من الخبرة الشخصية ، ولكن كلا الشكلين قابل للانتقال طالما أن الرموز مسائل يمكن للإنسان أن يتعلمها .
وبالتالي فالإنسان هو الذي يعطي للرموز معناها من خلال استجابته لها ، وهذه الاستجابة تتحدد في إطار بيئة ثقافية واجتماعية مشتركة ، تتحقق من خلال المشاركة في المعنى وإعطاء الرموز مدلولاتها الخاصة بها ، استنادا لتشكل الاطار المرجعي لعملية الترميز تلك وتضفي عليها درجة عالية من الفهم والتوقع لمعنى الرمز الذي يستقبله أو يرسله. ونستطيع التعبير عن النسق الرمزي باتجاهين : التعبير اللفظي ، والتعبير غير اللفظي.
وهذا الأخير يتم من خلال استخدام الرموز اللفظية ويطلق عليها اللغة ، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو منطوقة ، ويشمل كل أنواع الاتصال التي يستخدم فيها اللفظ كوسيلة لنقل المعاني ، إلا أن اللفظ ذاته يدخل فيه أيضا التنوع والاختلاف ، مثل درجة وشدة وحدة الصوت ، ونوع الكتابة ووضوح الصورة ، وكذا وضوح المعنى فهناك المعنى المتضمن للكلمة و المعنى المشار فيه …فالأمر يتوقف على قدرة الإنسانعلى فهم دلالات الرموز ومعناه كما يقصده المرسل.
تأسيسا عمّ سلف نبحث في وضعية استخدام اللغة العربية في وسائل الإعلام العربية وجدير بالذكر أن التعبير اللفظي ضرورة لكل مجتمع إنساني ، حيث من خلال اللغة يتم صناعة الفكر ، ونقل الخبرات والثقافات من زمان لأخر ومن مكان لأخر .
وهناك عدة معايير تؤثر في الإعلام قوة وضعفا منها:
- قوة المصدر ومدى مصداقيته ، فالإعلام الذي يكذب في نقل الخبر يفقد جمهوره.
- قوة المجتمع المعرفية والوعي عند الناس
- تأثير النخبة الموجهة من العلماء والمفكرين والدعاة [3]6.
5- أثر الإعلام على اللغة العربية الفصحى:
إن وسائل الإعلام خربت اللغة العربية ، فالتناحر السياسي وحب الذات والإقليمية فرضت على الإعلام لتكون هناك لغات متعددة ولهجات متباينة، وقد أخذ بعض الكتاب ينخرون في جسمها ، فكثرت الأشعار النبطية في الجرائد ، وأخذ بعض المسؤولون يستعملون اللغة العامية في خطاباتهم الرسمية عبر وسائل الإعلام وهو ما أثر بشكل كبير على اللغة الفصحى ، وقد ساد في السنوات الأخيرة سيطرت بعض اللهجات العامية على الإعلام العربي ، مثلما نجد اللهجة اللبنانية الممزوجة بكلمات إنجليزية ، حيث طغت تلك اللهجة على شتى وسائل الإعلام خاصة المرئية ، فأصبحت ، في البرامج الإخبارية والفنية والإشهارية..7.
وامتد الترويج للعامية حتى في برامج الأطفال سواء من حيث تقديم الطفل أو المنشط بشكل عام للبرنامج أو من حيث المسلسلات الكرتونية…من جانب أخرى روج الإعلام للغات الأجنبية على حساب اللغة العربية ، وهو ما خلق تهافت كبير وسط الشباب العربي المثقف نحو اللغات الأجنبية .
6-نماذج حول انهيار القيم وانتشار العنف اللساني في بعض البرامج التليفزيونية:
تعمل بعض القنوات العربية في برامجها النقاشية إلى شحن واستفزاز الضيوف ،بأسئلة أو مواقف معينة ، وهو ما يترتب عليه انحراف كبير وواضح في مواضيع المناقشة ، وإفساد الذوق العام للمستمع أو المشاهد ، وانتشار واسع للعنف اللساني ، بل في كثيرا من الأحيان يتطور الأمر إلى مشادات وضرب مابين الضيوف مع بعضهم أو الضيوف مع صاحب البرنامج ، وطبعا الأمثلة عن ذلك لا تحصى ، نذكر مثلا برنامج في قناة الجزيرة الفضائية ، وما تؤول إليه النقاشات ما بين الضيوف من ضرب وشتم …
ومن المؤسف جدا أننا نجد بعض تلك البرامج لها صدى لدة المشاهد العربي ، بالرغم أنها تخرج عن السياق القمي للمجتمع.
وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على العجز الذي يعرفه الإعلام على شتى المستويات ، سواء من ناحية تكوين القائمين على البرامج الإعلامية ، أو من حيث محتوى هذه الأخيرة ، وهوما خلق فجوة كبيرة بين قيم المجتمع و وسائل الإعلام .
ففي فضائنا العربي المعاصر، مثلما يرى الإعلامي الأردني- مالك العثامنة- انتشرت كالفطر نماذج الجهل كمنهجية في تغييب العقل والحوار، طبعا أستثني بعضا لا يزالون لهم حضورهم المحترم، لكن نتحدث هنا عن تلك النماذج التي لا تعرف أي معايير مهنية جعلت منهم يحملون مسؤولية الحوار أمام الكاميرا.
لا يقتصر الأمر على برامج الحوار الثقافي أو السياسي، بل حتى الحوار الترفيهي أو برامج التسلية صارت خاضعة لإيقاع شارع الهرم لا إيقاع الفن المحترم.
ويضيف الإعلامي ” مالك العثامنة” ، لا يمكن لك إلا أن تشعر بالحرج والخجل وأنت تتابع «سي بي سي إكسترا» المصرية في حلقة تلك المذيعة، التي حاورت الدكتور عاصم دسوقي، الأستاذ الجامعي في علوم التاريخ، بما يشبه الاستجواب الأمني بأقصى درجات الاستفزاز فيه.
تابعت الحوار وأدهشني مدى الاستفزاز، الذي قامت به تلك الفتاة التي هي فعلا كما عقب الدكتور دسوقي، تحصيل حاصل للمستوى التعليمي في مصر، مستوى ينتج نماذج تعتقد أن إثارة أزمة غبية أمام الكاميرا قد يخلق نجومية ما.
نموذج تلك المذيعة ليس جديدا، هي فقط أقصى تجل لمشاريع انفجار الضحالة الموجودة كخلايا جهل نائمة في غالبية المحطات العربية الفضائية لا المصرية وحسب، فقد أتحفتنا حقبة الفضاء العربي الديجيتالي المعاصر بمجموعة نخب تحت مسمى «إعلاميين» أسوأ صيغة تمثلهم هم مجموعة شباب وفتيات، يعتقدون في داخلهم أنهم قيادات نخبوية مدججة بالمعرفة، وهي معرفة لا تتجاوز قراءات فيسبوكية أو إطلاعاتيوتيوبية محددة، تكفي – في نظرهم- ليكونوا مؤهلين معرفيا، كما في حالة تلك المسكينة، التي تضخمت فقاعتها الهوائية إلى درجة قلة الأدب في الحوار مع رجل يعرف ما يقوله، وقد شاء سوء حظه أن يتحاور مع مذيعة مستجدة تهرف بما لا تعرف8.
وفي سياق الحديث عن صناعة الإبهار في الفضاء التلفزيوني العربي، فإن هناك ظاهرة بدأت تنتشر في برامج الحوار الفضائي، وهي طرد الضيف، ويبدو أنها تقليعة جديدة باتت مدروسة ومتعمدة للفت انتباه صانعي الأخبار إلى البرنامج، الذي عادة ما يكون مغمورا بمقدم مغمور، فيصبح بعملية طرد ضيفه مشهورا وحديث الأخبار.
سنصل إلى مرحلة ما في برامج الحوار بدل أن يستهل فيها المقدم كلامه بقوله «نستضيف الليلة معنا السيد أو السيدة فلان وفلانة» إلى مرحلة يقول فيها «ومعنا الليلة ممن سنطردهم لاحقا بعد قليل السادة فلان وفلانة».. أو في مقاطع الفقرات نسمع «تابعونا بعد الفاصل، كيف نطرد ضيوفنا»!.
فالصحافي – في المعنى الحرفي للكلمة – هو الذي يملك أدوات تلك المهنة سعيا لتقديم مادة حقيقية للمتلقي، ليس من المطلوب أن يكون سياسيا ولا أن يكون بحرا في العلوم، بل المطلوب منه أن يشتغل بعناية على مادته ويقدمها مكتوبة أو مسموعة أو مرئية. لهذا المتلقي بات اليوم ضائعا في متاهة كونية من الفضاء التلفزيوني أو الإلكتروني الملتبك والمتشابك.
من هنا، فإن الفضاء التلفزيوني، الذي أتخم نفسه بنجوم الإبهار، فقد البوصلة كثيرا لتصبح الصحافة آخر أولوياته في الإعداد والتقديم فننتهي بحوارات ولقاءات فضائية لا تقدم أي قيمة مضافة وتتكىء على الإبهار في الإنتاج والديكور والإخراج الفخم، بلا محتوى حقيقي.[4]9.
7-آليات وسبل حماية اللغة العربية
حسب رأي الرئيس التنفيذي والمؤسس للمشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية بلال التل قال إن ما وصل إليه واقع اللغة العربية بات حقيقة مؤلمة ويظهر ذلك جليا ليس فقط في وسائل التواصل الاجتماعي وإنما ايضا في أسماء المحال التجارية والمطاعم والفنادق إضافة إلى تراجع مساحة اللغة العربية في المناهج الدراسية ، معتبرا أن تقليص مساحة العربية في المناهج الدراسية هو ما أضعف استخداماتها لهذه الدرجة في وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة.
ويؤكد علماء الاجتماع أن وجود اللغة يعني وجود الأمة فلا أمة بدون لغة، كما دعى بلال التل إلى ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات من أجل الحفاظ على هوية اللغة العربية وتعزيز استخدامها بين الأجيال أهمها البدء بالقانون حيث أن تشريعاتنا جميعها تؤكد أن اللغة العربية هويتنا و تؤكد أن اللغة الرسمية للبلاد هي العربية مما يعني أن تكون جميع معاملاتنا بالعربية، وأضاف أن هناك قانونا لحماية اللغة العربية مطالبا بتفعيله، وداعيا وزارة التربية والتعليم إلى الاهتمام باللغة العربية وتنمية مهارات الطلبة بحصص للخط العربي وأخرى للتعبير والبلاغة وتشريب الأجيال لغتهم في المدارس والجامعات، مشيرا إلى أننا نحن الأمة الوحيدة التي تعلم في جامعاتها غير لغتها، لذا بعد هذه الأعوام فشلت جامعاتنا بإحداث نهضة حقيقية10.
يقول الجابري في كتابه “نقد العقل العربي”، بأن اللغة العامية لم تولد بشكل مفاجئ وإنما هي نتاج تطور اللغة العربية الفصيحة مع الزمن، التي انبثقت من القرآن الكريم، ومن ثم أصبحت لغة أهل قريش وتطورت مع اندماج لهجات وشعوب مختلفة، حيث دخل الكثير من المصطلحات التركية والفارسية والأجنبية والبربرية، جراء تغيرات سياسية وجغرافية شهدتها المنطقة، إضافة إلى تأثير الاستعمار على بعض الدول العربية، وما نتج عنه من إضافة للعديد من المصطلحات لتخرج لهجة جديدة .
فالكثير من الأخطاء الشائعة تصدر عن مؤسسات إعلامية وكتب تعليمية في المدراس والجامعات، وحتى الكتب الثقافية، وهذه الأخطاء ليست نتاج تطور اللغة وتحولها وإنما نتاج جهل توارثته مع الأجيال دون أي تصحيح له.
واللغة العربية لم تمت، وإنما تتطور مع الزمن، ولكنها للأسف تتطور بشكل بطيء وكسول فمثلاً هناك عدد قليل من المفردات تعرّب وتدخل للمعاجم العربية، بينما يدخل معجما لاروس وروبير الصغير الفرنسيّان ١٠٠ كلمة جديدة مُولّدة كل سنة.
ومن ثم فمسؤولية النهوض باللغة العربية منوطة بمجامع اللغة في وطننا العربي، إلى جانب المؤسسات الثقافية والعلمية والمعاهد والجامعات العربية ، وهذه المسؤولية تستدعي جهوداً حقيقية.
إنالإشكالية في الإعلام العربي، أن كثيرين ممن دخلوا الإعلام بقصد الترفيه أو سهولة الحصول على الوظيفة، أو للشهرة، لا يؤمن بأهمية استخدام اللغة العربية السليمة في عمله، ولقد ظهر جيل إعلامي يشجع على اللهجة المحلية، لأنه لا يستطيع إجادة اللغة العربية، وهذا جنوح مقيت، يجب أن يتصدى له مدراء القنوات والمحطات الإذاعية، لأن من يؤيد و ينشر اللهجات المحلية، لأنه غير قادر ولا يريد أن يتقن لغة القرآن، يركب الموجة السهلة ، والطريق الأقصر نحو الشهرة، وهذا يجب أن يتوقف.
وبذلك لسنا بأننا بحاجة إلى قانون لحماية اللغة العربية، فللغة ربٌّ يحميها، ولكننا بحاجة إلى “تصريف” كل الذين دخلوا إلى مجال الإعلام دون أن تكون لديهم الخلفية اللغوية والثقافية التي تؤهلهم للقيام بالعمل الإعلامي11.
الخاتمة:
إن انفصال اللغة عن القيم، يتمثل في تفكك الروابط بين الكلام وبين دوره القيمي الأخلاقي ، والاهتمامات التي تنحصر في التحليل الفلسفي للغة ، فاللغة تحيى وتؤثر إيجابا في المستمع إذا كانت مشحونة بالقيم وتنحصر أو تصبح غير فعالة أو أداة محايدة إذا خلت وتم إفراغها جزئيا من هذا المضمون على النحو الذي يلاحظ حديثا في لغة المحادثة اليومية والإعلام مثلما يرى الدكتور عزي عيد الرحمن.
فالواقع الإعلامي المنفصل عن القيم ، قد أفرغ اللغة من هذا التسديد القيمي ، وعلامة ذلك ما يحدث على مرائينا ومسامعنا من طوفان الأقوال.
المراجع:
الكتب:
1- السويدان ،طارق ، نشر الفكر، سلسلة علمتني الحياة 8، الكويت : الإبداع الفكري ، 2016
2-العلواني،طه، “القيم بين الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية في المنهج المعرفي القرآني” ، في نادية محمود ، مصطفى ،القيم في الظاهرة الاجتماعية، أعمال الدورة المنهجية في كيفية تفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية”مصر : جامعة القاهرة (6 – 11 فبراير 2010) ، ص103
3-عبد الفتاح ،سيف الدين، “قيم الواقع وواقع القيم” ، في نادية محمود ، مصطفى ،القيم في الظاهرة الاجتماعية، أعمال الدورة المنهجية في كيفية تفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية”
مصر : جامعة القاهرة (6 – 11 فبراير 2010) ، 47-49
4-عزي، عبد الرحمن ، الإعلام وتفكك البنيات القيمية في المنطقة العربية، تونس: الدار المتوسطية للنشر ، 2009
المقالات:
1—العثامنة، مالك ، ” المذيعة الجاهلة والفضائية المستفزة أمام أستاذ التاريخ وفيديوهات القطامين وتنافس خلايا الجهل النائمة في الفضائيات”، جريدة القدس العربي ،24 أكتوبر 2017.
2- العثامنة، مالك ، ، ” حوار الصحافي والمسؤول في الأردن ثنائية حمادة وحجو وعبقرية الدراما السورية ، وكيف تطرد ضيفك على الهواء مباشرة”، جريدة القدس العربي ،31 أكتوبر 2017-
3-علاوشيش ، آمال، علاوشيش،” رهائن العولمة“، مجلة التربية والأبستمولوجيا ، العدد 04 ،2013 ، ص36-39 –
المواقع الإليكترونية:
1- حمرين نيوز“تحديات عصيبة تواجه اللغة العربية مع تقدم الزمن” المؤتمر http://www.arabiclanguageic.org/view_page.php?id=2316 الدولي للغة العربية بتاريخ 14-11-2017
2- د. يوسف عز الدين ، “الإعلام وإفساد الذوق اللغوي ” في مجلة الأدب الإسلامي – المجلد التاسع – العدد السادس والثلاثون 1424 هـ – 2003
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/861/#ixzz4yUuLpLSx
3-هاجر ، بوغنامي، “أكاديميون ونقاد: اللغة العربية بحاجة إلى وعي نخبوي أكثر من حاجتها لقرار ، الرابط الموضوع –
https://www.al-sharq.com/news/details/456163 بتاريخ 22-12-2017
-علاوشيش ، آمال، علاوشيش،” رهائن العولمة“، مجلة التربية والأبستمولوجيا ، العدد 04 ،2013 ، ص36-39 -3
4-عبد الرحمن ، عزي ، الإعلام وتفكك البنيات القيمية في المنطقة العربية، تونس: الدار المتوسطية للنشر ، 2009، 25-30
5- نفس المرجع السابق ، ص 75-79
7– د. يوسف عز الدين ، “الإعلام وإفساد الذوق اللغوي ” في مجلة الأدب الإسلامي – المجلد التاسع – العدد السادس والثلاثون 1424 هـ – 2003
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/861/#ixzz4yUuLpLSx–
88- مالك ، العثامنة” المذيعة الجاهلة والفضائية المستفزة أمام أستاذ التاريخ وفيديوهات القطامين وتنافس خلايا الجهل النائمة في الفضائيات”، جريدة القدس العربي ،24 أكتوبر 2017.
- 9-مالك ، العثامنة ، ” حوار الصحافي والمسؤول في الأردن ثنائية حمادة وحجو وعبقرية الدراما السورية ، وكيف تطرد ضيفك على الهواء مباشرة”، جريدة القدس العربي ،31 أكتوبر 2017-
10-حمرين نيوز“تحديات عصيبة تواجه اللغة العربية مع تقدم الزمن” المؤتمر الدولي للغة العربية بتاريخ 14-11-2017
http://www.arabiclanguageic.org/view_page.php?id=2316
–11- هاجر ، بوغنامي، “أكاديميون ونقاد: اللغة العربية بحاجة إلى وعي نخبوي أكثر من حاجتها لقرار ، الرابط الموضوع –
https://www.al-sharq.com/news/details/456163 بتاريخ 22-12-2017
- خاص – المركز الديمقراطي العربي – ألمانيا – برلين