الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

قراءة في المحددات السياسية لإنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي

اعداد : أ. فيصل براء متين المرعشي – المركز الديمقراطي العربي

 

ليتم قبول مطلب دولة ما كعضواً كاملاً في الاتحاد الأوروبي، يتوجب على هذه الدولة أولاً الإلتزام بمتطلبات كوبنهاغن، التي تتعلق بالوضع الاقتصادي والسياسي فضلاً عن قدرة الدولة الوفاء بالتزاماتها وتكييف هياكلها الإدارية لجعل الإتحاد ممكناً؛ من خلال موائمة تَطَلُعَات صانعي القرار السياسي مع تطلعات الإتحاد الأوربي؛ بحيث ألَّا تؤثر الدولة المُرشحَّة بشكل أو بآخر على هيكلية الإتحاد الذي له أثر كبير في إحلال السلام وإنتشال الدول الأوروبية من ويلات الحرب.[1]

الحال لا يختلف مع مطلب تركيا بالإنضمام للاتحاد الأوروبي، فتركيا التي غرَّبت من سياستها بعد إعلان الجمهورية عام  1923، أصبحت عضواً مُؤسِّساً في الأمم المتحدة عام 1946، ومجلس أوروبا عام 1950، وعضواً في حلف الشمال الأطلسي NATO عام 1952، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1961، كما عملت على توقيع إتفاقية أنقرة عام 1963، والبروتوكول الإضافي المؤرخ في عام 1970، الأمر الذي عزَّز التقارب بين السياستين التركية والأوروبية أكثر وأكثر، ودفع تركيا للتقدم بطلب للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي في 14 أبريل/نيسان عام 1987 بناءاً على أحكام المادة 237 من معاهدة الجماعة الاقتصادية الأوروبية – European Economic Community (EEC) التي منحت أي دولة أوروبية الحق في القيام بذلك.[2]

منذ ذلك الحين وحتى اليوم، طُرِحَتْ وتُطْرَحْ مُفَاوضات ومُناقشات مُستمرة حول إنضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، وعلى الرغم من قبول مطلب 12 دولة جديدة في الإتحاد الأوروبي بين عامي 2004 – 2007 إلا أنَّ تركيا ما تزال تواجه العديد من العقبات والمشاكل لإستكمال النظر في مطلبها.[3]

فبدءاً من تقديم تركيا الطلب رسمياً عام 1987، مروراً بمفاوضات الانضمام عام 2005، ومن ثم تجميد 18 فصل من الفصول الـ 35 المتعلقة بشروط ما قبل انضمام تركيا للاتحاد عام 2006، نرى أنَّ الإنقلابات العسكرية، والتعداد السكاني كانت مسباباً في تأخر مطلب تركيا، إلا أنَّ الأسباب السياسية والجيوسياسية تسيدت الموقف حتى اللحظة ومنها:

1الموقع الجغرافي لتركيا:

على الرغم من الموقع الجغرافي الهام للدولة التركية كحلقة وصل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، الذي يجعل منها فاعلاً دولياً وإقليمياً أساس في كل القضايا الدولية، إلا أنَّ هذا الموقع الجغرافي قد يخلق مشكلتين رئيسيتين في ذات الوقت، أولها أنَّ تركيا التي يبلغ مساحتها 783,562 km² تمتلك 3% منها فقط في القارة الأوروبية، فيما يمتد الباقي في قارة آسيا، كما يسكن 92% من سـكانها في القسم الآسيوي، مما يخلق حجج لمعارضي التدخل بأنَّ تركيا هي آسيوية أقرب من أن تكون أوروبية، وهذا ما عبَّرَ عنه الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان – Valéry Giscard d’Estaing بقوله في حوار مع صحيفة لومونـد – Le Monde  ”تركيا لها ثقافة مختلفة، نهج مختلف، طريقة حياة مختلفة…. عاصمتها ليست في أوروبا، يعيش 95% من سكانها خارج أوروبا. إنها ليست دولة أوروبية…. إن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سيذهب بالإتحاد الأوروبي إلى خارج القارة، ومطالب سريعة ستنهال علينا للقبول بدول أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبدأ بالمغرب“. وعندما سئل عن ماهية التأثير ، قال: ”في رأيي، ستكون نهاية الاتحاد الأوروبي“.[4]

أمَّا المشكلة الثانية وهي تتمثل بما تمتلكه تركيا من حدود بريَّة متوترة ففي حال تم قبول مطلب تركيا كدولة في الإتحاد الأوروبي، هذا يعني أن الإتحاد الأوروبي ستمتد حدوده إلى سورية جنوباً، والعراق وإيران شرقاً وأرمينيا ومنطقة القوقاز في الشمال الشرقي؛ مما سيقرب الإتحاد من مناطق الخطر وعدم الإسـتقرار، ويدخله في حـسابات أمنيَّة أُخـرى تتعلق بحماية الحدود الجديدة والحد من الهجرة.

2 القضية القبرصية:

على الرغم من أنَّ المسألة القبرصية تبدو وكأنَّها تتعلق فقط بالقبارصة الأتراك واليونانيين باعتبارهم الأشخاص المتأثرين بالمشكلة، إلا أنَّ هذه المشكلة تُعَدْ واحدة من المعوقات في قبول مطلب تركيا للعضوية الكاملة في الإتحاد الأوروبي؛ فقبرص الجنوبية التي لا تعترف تركيا بها حتى اليوم بناءاً على خلفيات تاريخية، اصبحت عام 2004 واحدة من دول الاتحاد الأوروبي، ناقلةً بذلك قضيتها من قضية قبرصية تركية، إلى قضية أوروبية تركية، وحسبما عبر الإتحاد الأوروبي في تقريره بعد بروتوكول الاتحاد الجمركي وتصريح تركيا، “أنَّ الاعتراف بجميع الدول الأعضاء هو مكون رئـيس مـن مكونـات عمليـة الانضمام إلى الاتحاد”، وهو ما أكَّده كذلك ممثل السياسة الخارجية والأمنيـة المـشتركة خـافيير سولانا – Javier Solana بقوله “لكي تكون عضواً في أسرة، يجب أن تعترف بجميع أفراد هذه الأسرة“.[5]

وبناءاً على ذلك قرر مجلس الإتحاد الأوروبي على وجه الخصوص تعليق المفاوضات على ثمانية فصول تتعلق بقيود تركيا فيما يتعلق بجمهورية قبرص، حتى تنفذ تركيا التزاماتها بموجب البروتوكول الإضافي الملحق بالاتحاد الأوروبي.[6]

وعلاوة على ذلك أعلنت قبرص الجنوبية خلال اجتماع مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي في 8 ديسمبر / كانون الأول 2009 عن إغلاق 6 فصول أُخرى لا يتم فتحهم إلا بعد تطبيع أحادي الجانب من الطرف التركي.[7]

3 القضية الأرمنية:

على غرار القضية القبرصية، شكلت القضية الأرمنية عائقاً أساسياً أمام انـضمام تركيـا للاتحـاد الأوروبي بـسبب الضغوط التي يمارسها اللوبي الأرمني الموجود في أوروبا والولايات المتحدة للحصول على الاعتـراف بالمجازر التي ارتكبت ضد الأرمن.

ففي 18 يونيو/حزيران 1987 أي بعد ثلاثة أشهر من تقديم تركيا طلب العضوية الكاملة في الإتحاد الأوربي، صدر أول قرار من قبل البرلمان الأوروبي المتعلق بالإبادة الجماعية للأرمن، حمل عنوان ”الحل السياسي للمشكلة الأرمنية“، واصفاً الأحداث التي جرت في الفترة من 1915 إلى 1917 بأنَّها إبادة جماعية وفقاً لاتفاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى أنَّ إنكار تركيا للإبادة الجماعية للأرمن سيشكل عقبة أمام عضوية تركيا.[8] ومع إزدياد الضغوط الممارسة من قبل اللوبيات الأرمنية في مختلف البلدان واستقلال أرمينيا في عام 1991، تعززَّ البعد الدولي للمشكلة، ففرض الاتحاد الأوروبي قضيتين على تركيا بشأن المشكلة الأرمنية مطالباً إياها بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، وفتح البوابة الحدودية مع أرمينيا، وذلك كشرط أساسي لدخول الإتحاد الأوروبي، إلا أنَّه لم يتحقق حتى الآن.[9]

4الهوية الدينية والحضارية:

بالرغم من أنَّه لا يوجد حتى هذه اللحظة أيَّ نص ثابت ومكتوب يدل على ضرورة أن تكون دول الاتحاد الأوروبي مسيحية، إلا أنَّنا نرى المخاوف من العامل الديني حاضرة على الساحة بالنسبة للأوروبيين، وذلك مما يُمَكّن الأتراك من استعادة نفوذهم في البلقان، ليس على مستوى المسلمين فحسب بل من الألبان والبوسنيين والأقلية التركية الموجودة في هذه المناطق، كما أنَّ وجـود دولـة إسـلامية يشـكل فيهـا المسـلمون نسـبة 96 % مـن الشـعب التركي داخـل الاتحـاد الأوروبـي، من الممكن أنّ يُهـدد الهويـة المسـيحية الأوروبيـة، فـالتراجع  السـكاني الأوروبـي يقابلـه تضـخم فـي الـولادات المسـلمة داخـل أوروبـا، مـا سـيحول أوروبـا إلـى هويـة مهـــددة أو علـــى الأقـــل غيـــر ممســـكة تمامـــاً بقراراتهـــا ومصـــيرها، ويطـــرح بعـــض الأوروبيـــين العامـــل الإسلامي كحاجز بين تركيـا والعضـوية فـي الاتحـاد، كمـا أن هنـاك خـوف مـن المـد الإسـلامي داخـل أوروبــا والــذي تعــده أوروبــا خطــراً وخطــاً أحمــر لا يجــوز تجــاوزه، وهــذا مــا جــاء فــي جــواب الــرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران – François Mitterrand عندما طلب منه الملك المغربي الحسن الثاني الانضـمام إلـى الاتحـاد الأوروبي، إْذ قال له بكل صراحة ووضوح إنه يستحيل قبول بلد مسلم في الاتحاد.

5 العامل الديموغرافي:

يُقدَّر عدد سكان تركيا لعام 2018 بما يزيد عن 80  مليون شخص مع معدل نمو سكاني يقارب 1.6%،[10] فيما تُعتبر ألمانيا أكبر دولة أوروبية من حيث التعداد السكاني بـ 82 مليون وفقاً لإحصائيات عام 2018 مع معدل نمو سكاني يقارب 1.2،[11] مما يعني في حال إنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، فستكون ثاني أكبر الدول الأوروبية من حيث عدد السكان، مما يمنحها حقوق تصويت متزايدة في جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك البرلمان والمجلس. من شأن هذه الحقوق أن تجعل تركيا واحدة من أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من حيث السلطة والنفوذ السياسيين وفقاً لنظام الثقل الانتخابي.[12]

الهوامش:

[1] Meltem Müftüler Baç, Turkey’s Accession to the European Union: Institutional and Security Challenges, available at: http://sam.gov.tr/wp-content/uploads/2012/01/Meltem-M+-ft+-ler-Ba+%F0.pdf , last visit: 2018/05/09, 12:07am.

[2] Republic of Turkey, Ministry of EU Affairs TURKEY-EU RELATIONS / History of Turkey- EU Relations, available at: https://www.ab.gov.tr/111_en.html ,last visit: 2018/05/06, 3:07am.

[3] Vincent L. Morelli, European Union Enlargement: A Status Report on Turkey’s Accession Negotiations, Congressional Research Service, August 5, 2013, Page 2
available at: https://fas.org/sgp/crs/row/RS22517.pdf ,last visit: 2018/05/06, 3:07am

[4] Stephen Castle in Brussels, Giscard predicts ‘end of EU’ if Turkey joins, An article published at the guardian newspaper in Saturday 9 November 2002 00:00 GMT, available at this link: https://www.independent.co.uk/news/world/europe/giscard-predicts-end-of-eu-if-turkey-joins-126910.html
last visit 2018/05/06, 01:42 pm.

[5] د. حسين طلال مقلد، تركيا والاتحاد الأوروبي، بين العضوية والشراكة، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية– المجلد 26- العدد الأول-2010، ص349، متاح على الرابط التالي:
http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/law/images/stories/335-395.pdf
تاريخ آخر دخول: 2018/05/06، الساعة: 5:30pm،

[6] Egemen Bağış, Turkey’s EU Membership Process: Prospects and Challenges EU, Diplomacy Papers, 5 / 2010, Page: 4.

[7] Republic of Turkey, Ministry of EU Affairs, Current Situation, available at: https://www.ab.gov.tr/current-situation_65_en.html ,last visit: 2018/05/12, 6:07am.

[8] EP Two Resolutions- 15 April, 2015 and June 18, 1987, ANI Arminian Research Center, an article available at: http://www.aniarc.am/2015/04/17/ep-two-resolutions-15-april-2015-and-june-18-1987/
last visit: last visit: 2018/05/12, 4:17pm

[9] Ass. Prof. Dr. Giray Saynur Derman, The Impact of Armenian Diaspora on Turkey-European Union Relations, an article published on Marmara University website available at: http://turksandarmenians.marmara.edu.tr/en/the-impact-of-armenian-diaspora-on-turkey-european-union-relations/ , last visit: 2018/05/12, 4:07pm

[10] Sabah newspaper, Türkiye‘nin il il 2018 nüfusu! Türkiye’nin son rakamlarla nüfusu, available at: https://www.sabah.com.tr/galeri/yasam/turkiyenin-il-il-2018-nufusu , last visit: 2018/05/06, 6:07am

[11] World Population Review, Germany Population 2018, available at this link: http://worldpopulationreview.com/countries/germany-population/ last visit: 2018/05/06, 6:10am

[12] Dr. Sotirios Zartaloudis, The challenges for Turkey and their application for EU Membership, an article Posted on 24 Mar 2016, at University of Birmingham site, available at this link: https://www.birmingham.ac.uk/news/thebirminghambrief/items/2016/03/The-challenges-for-Turkey-and-their-application-for-EU-Membership.aspx last visit: 2018/05/06, 6:07am

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى