الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

 القرار الأمريكي بالانسحاب من مجلس حقوق الأنسان يميط اللثام عن إدعاءاتها الزائفة

اعداد : شيماء محمود عبد الرحيم – المركز الديمقراطي العربي

 

 

لم يكن هذا القرارالأول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب  الذي تولي مقاليد الحكم في العشرين من يناير 2017 الذي انسحب بمقتضاه من منظمة دولية أواتفاقية دولية, فقد سبق وانسحب عام 2017 من “الشراكة عبر المحيط الهادي” وفض اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا”, كما حظر المساعدات المالية عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، وأوقف دعم الولايات المتحدة لوكالة  (UNRWA)الفلسطينيين وانسحب من اليونسكو ومن معاهدة باريس للمناخ.                                                      

الانسحاب الدراماتيكي من المجلس وأسبابه المعلنة:

أعلنت الولايات المتحدة عن طريق سفيرتها لدي الأمم المتحدة “نيكي هيلي” الانسحاب من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة – الذي تأسس في العام 2006 كوريث للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والذي يضم47 عضواً – معلله ذلك بأن المجلس ” منافق وأناني”, وظهر هذا القرار بعد سلسلة من التهديدهات الأمريكية للأنسحاب من المجلس المذكور إذا لم يتم إصلاحه متهماً إياه بمناهضة إسرائيل استناداً علي البند السابع للمجلس.

وأظهرت كلمة وزير الخارجية البريطاني”بوريس جونسون” في الدورة الثمانية والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان أن بريطانيا تحمل نفس توجه الولايات المتحدة حيث رأت الأولي أن المجلس استخدم منصته دوماً لمناهضة إسرائيل, والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد انسحبت في عهد الرئيس جورج بوش لمدة ثلاث سنوات قبل ان تعود إليه إدارة أوباما ولذات الأسباب التي روجتها إدارة ترامب لتبرير انسحابها اليوم .

كواليس القرار الأمريكي

عند إمعان النظر في ذلك القرار يتكشف لنا أسباباً اخري أكثر منطقية  تقف وراء أخذ الإدارة الأمريكية هذه الخطوة بعد تهديدات واسعة, منها نجاح المنظمة في تعرية بعض الأنظمة القمعية الحليفة للولايات المتحدة ( القطب الأوحد في النظام العالمي) مما اثار غضب الأخيرة ومن هذه الأنظمة القمعية – ليس علي سبيل الحصر- السعودية والبحرين حيث تجاهلت الولايات المتحدة الإنتهاكات التي تعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية والبحرين وتصفية المعارضة السياسية وتجاهلها أحكام الإعدام بحق المعارضين ووجود الألاف منهم بالسجون فضلاً عن اسقاط جنسيات المئات, وتأتي الإنتقادات التي وجهها المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان “الأمير زيد بن رعد الحسين” للولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الإجراءات التي اتخذتها ضد المهاجرين كسبب أخر كان بالنسبة للولايات المتحدة القشة التي قصمت ظهر البعير.

والحقيقة أن هذا ليس بجديد في سياسة الولايات المتحدة حيث كانت وراء العديد من الانقلابات في العديد من البلدان مثل تشيلي حيث رأت حينئذ أن “سلفادور ألليندي”  يشكل خطر كبير يهدد مصالحها، لكنها لم تستطع الطعن والتشكيك في شرعيته لذا قررت إزاحته عن الحكم  وكان رجلها المختار لهذا هو الجنرال” أوغستو بينوشيه” قائد الجيش الذي استولى على السلطة عن طريق انقلاب في 11 سبتمبر عام 1973, فدعمته حتي تولي الحكم ووفرت الحماية المطلقة له ومنعت محاكمته بالرغم من جرائمه ضد الإنسانية, كذلك تدخلها في بنما والهجوم علي قصر “نرويجا” والقبض عليه والسر في ذلك طمع نروييجا في نصيب أكبر من صفقات الاتجار بالمخدرات التي كانت تتم بالشراكة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية, بل وأكثر من ذلك بما لا تتسع له سطورنا.

إماطة اللثام عن إدعاءات زائفة  

      علي الرغم من حرص الدستور الأمريكي منذ إصداره عام 1787علي مسألة حقوق الإنسان- بعد الكفاح طويل الأمد للاستقلال عن العرش البريطاني- فإن الولايات المتحدة كثيراً ما وظفت شعارات الديموقراطية وحقوق الانسان لتبرير تدخلاتها الدولية بعد أن برزت إلي المجتمع الدولي كدولة مدافعة عن الحقوق والحريات بل وأخذت علي عاتقها مهمة حماية الحريات وتحقيق الديموقراطية والعدالة الدولية.

وعند إسقاط هذه الإدعاءات علي ارض الواقع نري مدي زيفها ليس الأن فقط بل منذ أمد بعيد مثل -علي سبيل المثال وليس الحصر – احتلال امريكا للمكسيك عام 1898, احتلالها نيكاراغوا عام 1921وتأسيسها منظمة وطنية تحت مسمي الحرس الوطني, دخلت لبنان عام 1958, دخولها كوبا والتي كانت احد أهم أهداف الإرهاب الأمريكي عام 1960, دعم الولايات المتحدة للاحتلال اندونيسيا لتيمور الشرقية في عام 1975 وقتل في غضون شهرين ما يقرب من ستين الف شخص بفضل الدعم الأمريكي المتزايد, نظمت العديد من عمليات المخابرات المركزية الامريكية في لاوس وكمبوديا واندونيسيا وصولاً إلي تدخلاتها الشرق أوسطية وعلي رأسها التدخل في الأزمة السورية.

فكثيراً ما كانت الولايات المتحدة متحرره من قيود القانون الدولي والأعراف الدولية فتنطلق وفقاً لما يحقق المصلحة العليا بعد تحديد – بالطبع- محور الشر حيث جرت العادة علي قيام كل رئيس أمريكي بعد توليه الحكم بتحديد “محور الشر” أو “الدول المارقة”  وعليه حدده ترامب ب( كوريا الشمالية, إيران), بيد أن المنطق يوحي بأن أمريكا هي الدولية المارقة وذلك كما نعتها نعوم تشومسكي في كتابه ” الدول المارقة استخدام القوة في الشؤون العالمية”.

يعد هذا القرار الصريح من الولايات المتحدة بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان تعبيراً صريح عن زيف الادعاءات الأمريكية بحماية حقوق الأنسان وتأييدها للكيان الصهيوني علي حساب حقوق الشعب الفلسطيني والانتهاكات الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني والاستخدام المفرط  للقوة ضدهم, وقد لاقي هذا القرار ترحيب كبير من الجانب الإسرائيلي حيث صرح  “داني دانون” السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة “لقد كان مجلس حقوق الإنسان عدواً لأولئك الذين يهتمون حقًا بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم, وقد أثبتت الولايات المتحدة مرة أخرى التزامها الحقيقي بالعدالة وعدم استعدادها للسماح للكراهية العمياء لإسرائيل في المؤسسات الدولية بالمرور دون تحد”, وذلك علي عكس المجتمع الدولي الذي أدان القرار إدانة كبيرة ويعتبر أنه تخلي صريح من الولايات المتحدة عن وظيفتها المنوطه بها.

بيد أن ذلك القرار لا يفاجئنا كثيراً فقد عبر عن شئ موجود بالفعل حيث كانت ولا تزال الولايات المتحدة تستخدم شعارات معلنة تبعد كل البعد عن الممارسات الفعليه وليس ذلك بجديد علي أسماعنا فإن المتمعن في سياسات الولايات المتحدة الخارجية يتضح له ذلك بوضوح جم.

تداعيات القرار وتأثيره

إن اتخاذ امريكا ذلك القرار إن دل علي شئ فإنه يدل علي تغيير النهج الأمريكي الدبلوماسي واتباع سياسة جديدة من نوعها وهي التهديد بشكل علني” وهو ما رأيناه جلياً في الأزمة الكورية الشمالية وتصاعد حروب كلامية بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون, معلناً انتهاء سياسة “الصبر الأستراتيجي”.

وعلي ذلك أكد الكثيرون ومنهم الدبلوماسي المصري السابق أحمد محمود- ونؤيده من جانبنا-    أن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لا يضع المجلس في أزمة أو يجبره على الانحياز إلى إسرائيل لوجود آليات تحكم عمل هذا المجلس, حيث أن أمريكا انسحبت بعدما وجدت نفسها في موقف العاجز عن تغيير الخط العام المخالف لرؤيتها ومصالحها. ولقد تحسبت الدول الأعضاء في المجلس لهذا الانسحاب المتوقع بعد تصريحات المندوبة الأمريكية نيكي هيلي بأن واشنطن ستراجع عضويتها وقد تنسحب مالم يتوقف الإنحياز ضد إسرائيل.

تعاون خفي : أمريكا والموساد

تلقت  الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبالغ مادية كبيرة من الجماعات المسيحية واليهودية المتشددة، الذين من بينهم الملياردير شيلدون أديلسون، الذي قدم مبالغ طائلة لحملة الرئيس الجمهوري وبحسب الصحيفة البريطانية قد اشترطت تلك الجماعات عليه الغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي تم في عهد الرئيس السابق اوباما عام 2015, وكذلك اشترطت نقل العاصمة الأمريكية القدس وهو ما تم بالفعل اواخر العام السابق ليثبت ترامب أنه رجل أفعال وليس أقوال.

وذكرت الإندبندنت أن ترامب لا يُعد المسؤول الوحيد في الإدارة الأمريكية  حيث يسعي ترامب دوماً  لكسب ود القاعدة المسيحية المتشددة ” الإنجيليين” ، وأشارت الصحيفة إلي نائبه مايك بنس وأوضحت دوره في الضغط من أجل نقل السفارة إلى القدس، وهناك أيضاً نيكي هالي، سفيرة واشنطن في الولايات المتحدة، التي بذلت قصارى جهدها للتصدي للانتقادات التي وُجهت للرئيس الأمريكي.

إن تحليل السياسة الخارجية الأمريكية بعيداً عن ذلك البعد الهام يقودنا إلي طريقاً زائف في عصر بدأ فيه قرع طبول الفوضي الخلاقة كما أطلقتها كوناليزا رايس.

المراجع:

أولاً الكتب

نعوم تشومسكي, تعريب أسامة إسبر ,الدول المارقة ” استخدام القوة في الشؤون العالمية”, –

– محمد ناصر بوغزالة, السياسة الأمريكية تجاه قضايا حقوق الإنسان بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر ألفين وواحد, مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية

2003/2004,

– انيس الدغيدي ,الحياة السرية لصدام حسين من القصور إلي الجحور,( دار الكتب العربي : دمشق, القاهرة, 2004,الطبعة الأولي)

– محمد السيد سليم, تحليل السياسة الخارجية, (مكتبة النهضة المصرية: القاهرة2013,الطبعة الثالثة)

ثانياً المواقع الإليكترونية

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى