التوعية الديمقراطيةالمتخصصةالنظم السياسي

الأمن القومي العربي بين النظرية والتطبيق

اعداد الباحث: أحمد أمين عبد العال – كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية- جامعة الإسكندرية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

يعد مفهوم الأمن القومي من المفاهيم الشائكة والمعقدة التي تستخدم بشكل مكثف ليس فقط في الخطابات السياسية العربية وإنما أيضاً في الخطابات السياسية لدول العالم المختلفة، وهو ما دفعها إلى السعي إلى تحديد جذور وأبعاد المصطلح والمصطلحات المتداخلة معه وما أبرز الفروق بينهم وبين الأمن القومي، إلى جانب تناول رؤية نظريات العلاقات الدولية خاصة الواقعية والليبرالية للأمن القومي وكيفية تحققه، ثم سنتناول الحالة العربية كتطبيق على إطارنا النظري عن الأمن القومي.

تعريف الأمن القومي:

ظهور المصطلح:

في حقيقة الأمر يمكن القول أن مفهوم الأمن القومي قد ظهر مع ظهور عصر الدولة القومية مع معاهدة ويستفاليا عام 1648م والتي كان من أهم مبادئها مبدأ الولاء القومي الذي رسخ الملكيات القومية في أوروبا، ولكن رغم ذلك فإن مصطلح الأمن القومي في تلك الفترة كان يتم التعبير عنه عملياً دون التنظير له، واستمر على ذلك حتى عام 1947م حينما أسست الولايات المتحدة مجلس الأمن القومي الأمريكي، وهو الأمر الذي أدى إلى تنظيم السلوك الخارجي الأمريكي وفقاً لهذا المفهوم، ولاحقاً تبنته معظم دول العالم مع ربطه بظروفها الخاصة وفق مصالحها.

تعريف الأمن:

قبل الحديث عن تعريف الأمن القومي فإنه يجب بداية تحديد مفهوم الأمن ذاته وهو المفهوم الذي يدور حوله مفهومنا بشكل رئيسي. في بداية الأمر يجب القول إن الأمن هو أحد الاحتياجات الرئيسية للإنسان بجانب المسكن والملبس والمشرب بل وتتفوق عليهم؛ فالأمن ضروري حتى يتمتع الإنسان بمأكله ومسكنه ومشربه، وما ينطبق على الفرد هنا في مجال الأمن انطبق بالضرورة على الأمم والشعوب المختلفة وتطور المفهوم ليواكب تطورات المجتمعات السياسية عبر التاريخ الإنساني وصولاً إلى عصرنا الحالي.

أما عن تعريف الأمن لغوياً فإنه نقيض الخوف ويعني السلامة وهو مصدر الفعل أمن والذي يعني اطمئنان النفس وسكون القلب، أما من حيث تعريفه الاصطلاحي فقد عرفته دائرة المعارف البريطانية بـ “حماية الأمه من القهر على يد قوة أجنبية”، إلى جانب ذلك فقد عرف هنري كيسنجر الأمن بأنه “أي تصرفات يسعى عن طريقها المجتمع إلى حفظ حقه في البقاء”. وقد شهد مفهوم الأمن تفريعات عدة؛ فأمكن تقسيمه من حيث عموميته إلى الأمن العام والأمن الخاص، ويشمل الأمن العام كل مناحي الحياة الإنسانية؛ حيث هناك الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والبيئي والثقافي وغير ذلك ويعرف أيضاً هذا النوع من الأمن بالأمن الشامل، وهذا المفهوم يعد أحد المفاهيم التي تتداخل مع مفهوم الأمن القومي كما سنوضح لاحقاً، وعلى الجهة الأخرى هناك الأمن الخاص والذي يختص بعلوم الأمن ذاتها كأمن المعلومات على سبيل المثال. وعلى الجانب الآخر فإن مفهوم الأمن أيضاً قد تم تصنيفه على أساس جغرافي فأصبح لدينا الأمن القومي أو الوطني، وهو مفهومنا الرئيسي الذي سنتناوله بشيء من التفاصيل في دراستنا، أيضاً هناك الأمن الإقليمي والأمن الدولي أيضاً.[1] [2]

مفهوم القومية:

تعد “ق و م” هي المادة اللغوية للقومية والقوم تعني الرجال دون النساء في اللغة، وجمعها أقوام، والفعل الثلاثي لها هو قام والرباعي أقام والذي يفيد بالارتباط بالمكان، ومن هنا ارتبط مفهوم القوم بالارتباط بمكان ما؛ ما يعني أن القوم هم جماعة يرتبطون بمكان معين.

أما من الناحية التاريخية فارتبط مفهوم القومية بالتطورات في أوروبا في العصور الوسطى خاصة مع تحقق الوحدة القومية الألمانية والإيطالية، وإن كانت معاهدة ويستفاليا هي السبب الرئيسي في ظهور مفهوم القومية حينما أكدت على الولاء القومي للأسر المالكة في أوروبا، ومع الثورة الفرنسية عام 1789م ازدهر مفهوم القومية وتعالت الدعوات في أوروبا بأن يكون لكل أمة دولتها القومية الخاصة بها، وقد أفضى ذلك إلى ظهور الدولة القومية في أوروبا ومنها إلى باقي دول العالم، والتي تقوم على جانب مؤسسي يقوم على وجود مؤسسات مستقلة تمارس من خلالها الدولة صلاحياتها، وتحتكر أدوات الإكراه المادي مع تجريد الباقي منها، بالإضافة إلى جانب  ثقافي يقوم على عنصر التجانس القومي والذي يعتبر هو المقوم الرئيسي للدولة القومية، وقد أختلف الباحثين حوله فالبعض رأى ضرورة أن تتكون الدولة القومية من أمة واحدة متجانسة قومياً، لكن هذا الرأي واجه مشاكل فلا توجد دولة حالياً تتكون من أمة واحدة أو عرقية واحدة فقط، فدولة مثل الولايات المتحدة تتكون من عرقيات متعددة، وحتى الدول الأخرى التي توجد بها هيمنة لعرقية واحدة يوجد بداخلها عرقية ما، ومن ثم جاء الرأي الثاني ليحسم الجدل حول هذه المسألة؛ حيث رأى أن توافر عنصر الرغبة في العيش المشترك هو جوهر عنصر التجانس القومي، نظراً لأن رغبة قوميات مختلفة في العيش المشترك سيؤدي إلى صهرهم جميعاً في بوتقة دولتهم القومية الواحدة.

وعلى الرغم من أن مفهوم القومية قد ظهر بشكل رئيسي بغرض توحيدي، إلا أنه استخدم أيضاً في مجال التفكيك مثل العرقيات التي تعاني من الاضطهاد وتطالب بالانفصال لتكوين دولتهم الخاصة مثل الأكراد أو للانضمام إلى دولة أخرى مثل إقليم كيبك في كندا، كما استخدم أيضاً كمبرر للقمع تحت شعار الوطنية والتي قد تتطرف لتصبح شوفينية والتي تعني الإفراط في الوطنية، وعلى كل حال فقد ارتبطت القومية بالشكل الحديث للمجتمعات السياسية وهي الدولة القومية القائمة على مؤسسات مستقلة تخضع لقانون سابق يعرف بالدستور، إلى جانب وجود عنصر التجانس القومي والذي يتوقف على الرغبة المشتركة في العيش المشترك.[3] [4] [5] [6]

الأمن القومي كمفهوم:

كما أوضحنا في السابق فإن الأمن القومي ظهر بشكل عملي قبل أن يتم التنظير له كمفهوم مع معاهدة ويستفاليا 1648م، واستمر في التطور إلى أن أصبح مفهوماً متداولاً على مستوى عالمي مع إنشاء الولايات المتحدة مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1947م، وقد اختلف الباحثون حول مفهوم الأمن القومي ومدلولاته؛ حيث رأي البعض منهم أن الأمن القوم يعني أمن الدولة من أي اعتداء خارجي، ومن ثم كان تحقيق الأمن القومي يقتصر على تقوية القدرات العسكرية للدولة بحيث تكون في مأمن من أية اعتداءات عسكرية، ولكن تلك النظرة تعد ضيقة فكثيراً ما كان انزلاق الدولة لسباق تسلح سبباً في نقص أمنها بدلاً من زيادته وفي كثير من الأحيان أدى إلى زوال الدولة ذاتها من الخريطة السياسية وكان آخر مثال لدينا على ذلك الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان قد تفكك رغم امتلاكه ترسانة ضخمة متنوعة تمتلك أعتى الأسلحة التي عرفها العالم في تلك الفترة، ولكن لم يحل ذلك دون تفككه.

ونتيجة لقصر تلك النظرة توجه كثير من الباحثين لوضع تعريفات واسعة يمكنها أن تشمل أبعاداً أخرى للأمن القومي تتساوى في الأهمية مع الأمن التقليدي القائم على تعزيز القدرات العسكرية للدولة، فقدم أرنولد ولفرز تعريفاً قوامه حماية قيم الدولة الداخلية من الاعتداء الخارجي، ومن ثم فقد رأي أن الأمن القومي هو موقف من خلاله تستطيع الدولة حماية قيمها الجوهرية، ولكن هذا التعريف جعل الأمن القومي مفهوم غير موضوعي ولا يوجد به مقاييس يمكن بها قياس تهديد قيم الدولة الجوهرية؛ ما جعل هناك صعوبة في وضع تعريف واضح ومحدد للأمن القومي خاصة وأنه متعدد الأبعاد ومن ضمن التعريفات العربية التي تناولت الأمن القومي من زاوية عربية تعريف د. زكريا حسين، الرئيس السابق لأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، الأمن القومي العربي بـ “أنه قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر على الأمن القومي العربي”[7]، ويلاحظ من هذا التعريف أنه اهتم بالأدوات الدبلوماسية إلى جانب العسكرية، إلى جانب تعزيز قدرات الدولة في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، مع أخذه المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية في الاعتبار؛ ومن ثم فهو واحد من أشمل التعريفات التي تناولت الأمن القومي، وإن كان أيضاً لم يضع مقاييس موضوعية يمكن من خلالها قياس الأمن القومي، ومن جهة أخرى يواجه مفهوم الأمن القومي أيضاً شأنه شأن باقي المفاهيم في العلوم الاجتماعية مشكلة تداخله مع عدد من المفاهيم الأخرى التي سنتحدث عنها لاحقاً، كذلك واجه الأمن القومي تحديات داخلية أيضاً تهدد بنية ووحدة الدولة وسلامتها مثل خطر العرقيات والدعوات الانفصالية، إلى جانب التفاوت الطبقي خاصة في دول العالم الثالث فضلاً عن التحديات الخارجية، وهو ما زاد من صعوبة الوصول إلى تعريف شامل للأمن القومي، وهو أمر طبيعي في العلوم الاجتماعية بشكل عام.

ومن ثم نستطيع أن نخلص من العرض السابق إلى أن تعدد أبعاد الأمن القومي وتزايد مهدداته الداخلية إلى جانب الخارجية خاصة مع بروز ظاهرة العرقيات ما بعد الحرب البادرة، كل ذلك أدى إلى صعوبة توصل الباحثين إلى اتفاق بصدد تعريف الأمن القومي، واستناداً لما سبق يمكننا أن نضع تعريفاً مقترحاً للأمن القومي يقوم على “المزج بين قدرات الدولة الناعمة والصلبة بهدف حماية بنيان الدولة الداخلي والمساهمة في تحقيق مصالح الدولة الخارجية”.

المفاهيم المتداخلة مع الأمن القومي:

الأمن القومي والسياسة الخارجية:

في البداية يمكن القول إن هناك تداخلاً منطقياً بين مفهوم الأمن القومي وعدد آخر من المفاهيم التي تتداخل معه في نفس اهتماماتها، ويأتي على رأس تلك المفاهيم مفهوم السياسة الخارجية للدولة الذي يهتم بشكل رئيسي بالبيئة الدولية التي تتفاعل معها الدولة وكيفية صنع القرارات الدولية، إلى جانب دراسة سلوك الفاعلين الدوليين في إطار الحفاظ على مصالح الدولة الحيوية والعمل على تحقيقها، وهو أمر يتداخل مع اهتمام الأمن القومي أيضاً؛ فكما أوضحنا من تعريفات الأمن القومي كلها تصب في كيفية حماية الدولة لقيمها الجوهرية والتي تعد مصالحها القومية التي تسعى لحمايتها وتحقيقها في البيئة الدولية، علاوة على كونها مكون أساسي من صياغة السياسة الخارجية للدولة؛ حيث تعرف السياسة الخارجية للدولة على أنها “برنامج عمل الدولة في العالم الخارجي بالاستناد إلى أهداف ومصالح الدولة القومية”، ولكن على الرغم من هذا التداخل فإن هناك أمراً يميز بين المفهومين؛ فالأمن القومي لا يفرق بين الخارج والداخل أو بمعنى آخر الأمن القومي يتناول الأمن للدولة كوحدة واحدة ومن ثم فالسياسات الداخلية والخارجية تقع ضمن نطاق اهتمام الأمن القومي بوصف حماية قيم الدولة وحفظ سلامتها لا يقتصر فقط على الاعتداءات الخارجية وتحقيق مصالح الدولة في الخارج إنما يمتد أيضاً ليشمل سلامة الداخل باعتباره أحد الأمور التي يمكن أن تهدد الأمن القومي للدول خاصة مع انتشار سيناريو تفجير الدول من الداخل؛ فالسلوك الخارجي جزء لا يتجزأ من السلوك الكلي للدولة الرامي إلى حفظ قيمها الجوهرية بالنسبة لمفهوم الأمن القومي.[8]

الأمن القومي والمصلحة القومية:

        يعتبر مفهوم المصلحة القومية مفهوم تحليلي يمكن استخدامه لفهم وتفسير السلوك الخارجي لدولة ما ولفهم دوافع وأسباب السلوك الخارجي للفاعلين الدوليين، كما يستخدم أيضاً لتقييم السياسة الخارجية للدولة؛ حيث كما أوضحنا تستهدف السياسة الخارجية تحقيق مصالح الدولة القومية، ومن ثم فإن مفهوم المصلحة القومية قد تداخل هو الآخر مع مفهوم الأمن القومي، من خلال أن كل منهما يستخدم كمفهوم تحليلي لتقييم سلوك الدولة الخارجي الذي يهدف في المقام الأول إلى حماية قيم الدولة الجوهرية، إلا أن مفهوم الأمن القومي تجاوز مفهوم المصلحة القومية من حيث الاهتمام فهو أيضاً يهتم بتقييم السلوك الداخلي للدولة ما جعله يتداخل أكثر مع مفهوم آخر وهو مفهوم المصلحة العامة.[9]

الأمن القومي والمصلحة العامة:

يعاني مفهوم المصلحة العامة من نفس المعضلة التي يعاني منها مفهوم الأمن القومي؛ فكلاهما مفهومان يشملان أبعاداً كثيراً ويهتمان بالداخل والخارج، وكلاهما أيضاً يمكن أن يطلق عليهما مفهومان هلاميان لا يمكن وضع حدود واضحة لهما نظراً للأبعاد التي يشملها كلاً منهما وهو ما تسبب في كثير من المشاكل في الاستخدام العملي للمفهومين، ومن الناحية النظرية فكلاهما يتداخل مع الآخر إلى حد أن هناك صعوبة في الفصل بينهما فما يعد أمناُ قومياً يعد مصلحة عامة والعكس صحيح.[10]

مفهوم الأمن والأمن القومي:

        كما أوضحنا في مفهوم الأمن فإن ذلك المفهوم هو الذي انبثق منه مفهوم الأمن القومي؛ فالأمن له مستويات كان الأمن القومي أحدها، ومن ثم يمكن القول إن علاقة الأمن القومي بالأمن هي علاقة الجزء بالكل، وعلى الرغم من ذلك فإنه كثيراً ما يستخدم مفهوم الأمن القومي كتعبير أو مرادف للأمن كمفهوم عام، جدير بالذكر أيضاً أن مفهوم الأمن قد يكون ذو دلالة فردية بمعنى أنه يدل على الأمن على المستوى الفردي بينما الأمن القومي عادة ما يشير إلى أمن الدولة القومية أو الأمن على مستوى إقليم دولة ما.

أبعاد الأمن القومي:

كما أوضحنا في السابق فإن أحد أهم أسباب عدم توافر حدود معينة يمكن من خلالها تحديد مفهوم الأمن القومي يرجع إلى تعدد أبعاده وشموليتها لكافة مناحي الحياة الإنسانية فهناك البعد السياسي للأمن القومي، والاقتصادي، إلى جانب البعد العسكري الذي كان هو البعد التقليدي في الماضي، ومع اشتداد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي صار البعد الأيديولوجي بعداً هاماً للأمن القومي، وفي هذا الشأن فإننا سنحاول تناول هذه الأبعاد بشيء من التفصيل فيما يلي:

البعد السياسي للأمن القومي:

        يتمثل البعد السياسي للأمن القومي في الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الدولة وهذا البعد يشمل شقين: الشق الأول هو الشق الداخلي الذي يتضمن الحفاظ على وحدة الشعب داخلياً وولائه للدولة القومية ومؤسساتها وقبوله بأيديولوجيتها، أما الشق الخارجي فهو يشمل حماية حدود الدولة من أي اعتداءات خارجية قد تؤدي إلى تفكك وحدة الدولة أو الانتقاص من إقليمها، ونلاحظ هنا أن هناك ارتباطاً بين الشق الداخلي والخارجي للبعد السياسي فكلاهما يصب في حماية وحدة أراضي الدولة ومن الممكن أن يتسبب الشق الخارجي في احداث خلل داخلي في دولة ما؛ فمثلاً أدت العقوبات الأمريكية على العراق إلى تقوية شوكة الأكراد ما أضعف الجبهة الداخلية، كذلك فإن عدم قدرة الدولة على حفظ وحدة جبهتها الداخلية وضمان ولاء الشعب لها على أساس عنصر الرضا في العيش المشترك؛ فإن ذلك من شأنه أن يؤثر على الشق الخارجي فمثلاً اعتماد الاتحاد السوفيتي على أدوات الإكراه والتجميع القسري لقوميات غير راغبة في العيش المشترك أدى إلى العديد من الاضطرابات الداخلية التي أثرت على قدرة السوفييت في تحقيق مصالحهم الخارجية وأدى في النهاية إلى تفكك الدولة وزوالها تماماً، ومن ثم يمكن القول أن البعد السياسي بشقيه يهدف بشكل أساسي إلى حفظ وحدة الدولة ما يجعلها قادرة على تحقيق مصالحها إزاء الدول الأخرى.

البعد الاقتصادي للأمن القومي:

برز البعد الاقتصادي للأمن القومي مع ازدياد عتبة الخيار العسكري وارتفاع تكلفته خاصة على الدول الكبرى في ظل الردع النووي الذي صار مكبلاً للأداة العسكرية لأن استخدامها قد يؤدي إلى فناء الجميع، ومن ثم بدأت الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة في الاتجاه نحو الجانب الاقتصادي في علاقاتها مع باقي دول العالم؛ ما جعل البعد الاقتصادي واحداً من أهم أبعاد الأمن القومي، نظراً للجوء الدول الكبرى إلى اتباع العقوبات الاقتصادية على الدول التي ترغب في تغيير توجهاتها الخارجية دون استخدام القوة العسكرية، وقد كان العراق خير مثال على ذلك حينما تعرض لحصار اقتصادي دولي أدى إلى اضعاف قدراته وخفض من المستوى المعيشي داخل العراق بشدة وكان من نتيجته أن توفى نحو 567 ألف طفل، ومع تزايد أهمية الأداة الاقتصادية وتزايد الاعتماد المتبادل في عالم اليوم، صارت القوة الاقتصادية أحد العوامل شديدة الأهمية بالنسبة لقوة الدولة لتثبت صدق المقولة القديمة القائلة بذهبي أعد الجند وبجندي أجمع مزيداً من الذهب، فبالفعل تساعد قوة الدولة الاقتصادية على تدعيم قدراتها العسكرية والسياسية وتساهم في تدعيم نفوذها الخارجي؛ حيث تمكن القوة الاقتصادية الدولة من أن تغري الدول الأخرى برعاية مصالحها من خلال المساعدات الاقتصادية المختلفة، ولا يفوتنا هنا الحديث عن أثر المساعدات الاقتصادية الضخمة التي قدمت لدول أوروبا الشرقية بهدف التعجيل بتحولها من النظام الاشتراكي المنهار إلى النظام الرأسمالي، وليس أدل من أهمية البعد الاقتصادي للأمن القومي ما حدث للاتحاد السوفيتي؛ فعلى الرغم من اهتمام قيادات السوفييت بالبعد العسكري التقليدي للأمن القومي، إلا أن تراجع مستوى المعيشة داخله أدى إلى تعريض وحدة الدولة للخطر فتصاعدت الاحتجاجات المختلفة في شرق أوروبا بشكل رئيسي نهاية الثمانينيات احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتدهور في الداخل السوفيتي ما أدى في النهاية إلى زوال الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى من الخريطة السياسية وذلك بفضل تركيز اهتمامه فقط على البعد العسكري واهمال البعد الاقتصادي تماماً.[11] [12]

مؤخراً بدأت الولايات المتحدة في الاهتمام بالبعد الاقتصادي من أمنها القومي؛ حيث رأى ترامب أن الصين باتت تمثل خطراً اقتصادياً كبيراً على أمن الولايات المتحدة القومي، وهو ما تمثل في وثيقتي ديسمبر 2017م ويناير 2018م، وقد أكدت الوثيقة الأولى على ضرورة حماية الاقتصاد الأمريكي من خلال القيود الحمائية المفروضة على التجارة مع الولايات المتحدة، لتأكد الوثيقتان على أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد الولايات المتحدة يتمثل في: القوة السياسية والعسكرية الروسية والقوة الاقتصادية الصينية[13]، وهو ما دفع الإدارة الحالية للدخول في حرب تجارية مع الصين، إلى جانب اشتراطه على دول الناتو زيادة نفقاتها في الحلف؛ حيث كانت الولايات المتحدة أكبر مساهم فيه، وقد عبر ترامب عن وجهة نظره تلك بقوله أن عصر الاستغلال التجاري للولايات المتحدة قد انتهى[14]؛ حيث ترى الإدارة الأمريكية الحالية أن أمنها الاقتصادي صار معرضاً للخطر خاصة من جانب الصين وهو ما يفسر فرضه لرسوم جمركية ضخمة حالياً على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة[15].

أما على صعيد باقي دول العالم فقد صار الأمن الاقتصادي ذو أهمية جوهرية لهم وهو ما يفسر توجه معظم دول العالم الثالث إلى وضع خطط للتنمية المستدامة حالياً بالتوافق مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؛ فحتى دول الخليج وعلى رأسها السعودية بدأت في وضع خطط طويلة الأجل بهدف تحويل اقتصادهم من اقتصاد معتمد على مصادر الطاقة فقط إلى اقتصاد متنوع خاصة مع أزمة النفط الأخيرة التي ضربت اقتصادات الخليج.[16]

ومن حيث تعريف البعد الاقتصادي للأمن القومي فيمكن القول بأنه يتمثل في تنمية الموارد الاقتصادية للدولة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تضمن استمرار رفاهية الشعب بما يساهم في حماية استقرار الدولة داخلياً ما يؤدي إلى حماية القيم الجوهرية لها وهو الهدف الرئيسي للأمن القومي، ومن ثم يمكن القول أن تصاعد أهمية الأداة الاقتصادية ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة قد أدى إلى بروز البعد الاقتصادي كأحد أهم الأبعاد الحالية للأمن القومي والذي بدأت الدول الكبرى ذاتها في الاهتمام به وتعمل على تعزيز قدراتها الاقتصادية في المقام الأول قبل استخدامها كأداة لمد نفوذهم إلى الدول الفقيرة.[17]

البعد الأيديولوجي للأمن القومي:

        اكتسب العامل الأيديولوجي أهمية متزايدة في عالم الحرب الباردة؛ حينما انقسم العالم إلى معسكرين أحدهما اشتراكي والآخر رأسمالي، ونتيجة لتزايد أهميته صار أحد أهم أبعاد الأمن القومي والذي يقوم على قدرة الدولة على حماية قيمها الأيديولوجية الداخلية والحفاظ عليها ضد موجات التخريب العقائدي، كما يتضمن أيضاً قيامها بنشر قيمها تلك في العالم الخارجي كأداة لمد النفوذ، وتعد إيران حالياً من أهم دول المنطقة التي تستخدم العامل الأيديولوجي في نشر نفوذها الخارجي، وتعد دول الخليج من أكثر الدول التي يتعرض بعدها الأيديولوجي للخطر نظراً للأقليات الشيعية التي ترتبط عقدياً بإيران في الخليج إلى جانب اليمن التي صارت تمثل خطراً على الأمن القومي السعودي من الجنوب ودفع السعودية لتشكيل تحالف بهدف التصدي لتهديدات الحوثيين.

البعد العسكري للأمن القومي:

يعد البعد العسكري أقدم أبعاد الأمن القومي، وكان في الماضي يعد مرادفاً له؛ فكما ذكرنا في بعض التعريفات اعتبر البعض أن الأمن القومي هو فقط حماية حدود الدولة من أي اعتداءات خارجية؛ ما كان يعني أن ذلك البعد يقوم على تقوية القدرات العسكرية للدولة والتأكد من جاهزيتها وقدرتها على حماية حدود الدولة بضمان هامش من التفوق الاستراتيجي، ولكن هذا الهامش كان من الصعب ضمانه كما أنه هناك عوامل معنوية غير قابلة للقياس الكمي كالروح المعنوية مثلاً والخبرة القتالية وغيرها؛ ما كان يؤدي إلى انزلاق الدول إلى سباقات تسلح تنشر التوتر الدولي وتهيئ لحروب عديدة.

ونظراً لكون أن البعد العسكري كان بالنسبة للدول في العصور القديمة هو البعد الأكثر أهمية نظراً لأن تهديد الأمن القومي كان غير ممكن بغير الأداة العسكرية تقريباً لذا حاز هذا البعد أهمية قصوى لدى الدول الكبرى في تلك الفترة؛ حيث انزلقت جميعاً إلى سباقات تسلح والتي أدت إلى تشكيل تحالفات وتحالفات مضادة مثل تحالف الوفاق الثلاثي ودول الوسط أو المركز قبل اندلاع الحرب العالمية الأول، وتحالف الحلفاء ضد المحور في الحرب العالمية الثانية، وكان كل تحالف يسعى لضمان تفوقه العسكري حتى يردع الطرف الآخر عن دخول حرب ضده، إلا أن دخول الدول الكبرى عصر الردع النووي وظهور البعد الأيديولوجي تراجع البعد العسكري قليلاً أمام البعد الاقتصادي والأيديولوجي، ولكن لم يعن ذلك تخلي الدول عن قدراتها العسكرية بل استمرت في تعزيز تلك القدرات وضمان أمنها من الناحية العسكري تحسباً لأي طارئ قد يحدث؛ فرغم إدراك القطبين أن حرب مباشرة بينهما ستدمر البشرية فإنهما استمرا رغم ذلك في تعزيز قدراتهما العسكرية سواء عسكرياً أو تقليدياً ولا يزال السباق محموماً إلى الآن بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وعلى الصعيد الإقليمي أصبحت السعودية من ضمن أكثر دول المنطقة انفاقاً في المجال العسكري؛ نظراً للتهديدات الأمنية التي تحيط بها.

ومن ثم يمكن القول إن البعد العسكري لايزال مهماً لحماية الأمن القومي للدول رغم ارتفاع عتبة الخيار العسكري. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة منفردة يشكل انفاقها العسكري نحو ثلث الإنفاق العالمي.[18][19]

البعد السيبرياني للأمن القومي:

يعد ذلك البعد أحدث الأبعاد إضافة إلى الأمن القومي؛ فالتطور التكنولوجي الهائل في العصر الحالي أصبح مصدر خطر على الأمن القومي للدول خاصة مع انتشار الهجمات السيبريانية والتي كان أشهرها الهجوم على أجهزة الحزب الديمقراطي الأمريكي وتسريب معلومات خطيرة من البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون المرشحة السابقة للرئاسة الأمريكية والتي أدت إلى خسارتها للانتخابات الأخيرة، وعلى مستوى الدول فتعد روسيا أكثر دول العالم تعرضاً لهجمات سيبريانية بحسب تقرير لشركة Kaspersky الروسية، أما على الجانب العربي فكانت السعودية والإمارات والجزائر أكثر الدول العربية تعرضاً لتلك الهجمات، وكانت مصر قد جاءت في المركز الثالث عربياً و43 عالمياً،[20] ونتيجة لهذه الأخطار الإلكترونية المتصاعدة بدأت الدول في الاهتمام بأمنها الإلكتروني وصار واحداً من أبعاد الأمن القومي؛ نظراً للأضرار التي قد تتسبب في أضرار كبيرة للبنية التحتية، ومن أمثلة ذلك الهجمة الإلكترونية التي تعرضت لها إيران عام 2010م والتي استهدفت احداث أضرار بأجهزة الطرد المركزية الإيرانية في منشآتها النووية، وكانت إيران قد اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة بتنفيذ تلك الهجمة ومن ذلك الوقت تتبادل إيران الهجمات الإلكترونية مع أعدائها خاصة السعودية في الوقت الحالي.[21]

وأما من ناحية التعريف فكان جهاز تكنولوجيا المعلومات الحكومي البريطاني قد عرف الأمن السيبرياني بأنه مجموعه من الإجراءات والتقنيات التي تستخدمها الدولة بهدف حماية أنظمتها الإلكترونية المختلفة من الهجمات الإلكترونية المختلفة أو من أي وصول غير مصرح به لأجهزة الدولة الحيوية.[22]

رؤية نظريات العلاقات الدولية للأمن القومي:

النظرية الواقعية:

بشكل رئيسي يمكن القول أن النظرية الواقعية هي نظرية تقوم على عنصري القوة والمصلحة، والفاعل الرئيسي بالنسبة لهم هي الدولة، ظهرت الواقعية كرد فعل على النظرية الليبرالية التي دعت إلى السلام وحرية الإنسان معتقدة بأن الحرب هي خطأ يجب مواجهته، إلا أن اندلاع الحربين العالميتين أدتا إلى ازدهار النظرية الواقعية التي قالت بعكس ذلك تماماً قائلة بأن حقيقة البيئة الدولية هي حقيقة صراعية تتصارع فيها كل الدول من أجل تحقيق مصالحها الذاتية؛ حيث اعتبرت المصلحة القومية هي أداة التحليل الرئيسية لفهم عالم السياسة الدولي وتصرفات الفاعلين الدوليين، على اعتبار أن الهدف النهائي للمصلحة هو امتلاك القوة، وانطلاقاً من هذا التصور القائم على المصلحة والقوة فإن البيئة الدولية هي بيئة فوضوية؛ نظراً لعدم وجود سلطة عليا (حكومة عالمية) قادرة على ممارسة الضبط السياسي على باقي الدول، ومن ثم فقد راحت الواقعية ترفض تماماً المعايير الأخلاقية والمثالية، فهذه المعايير لا يمكن أن تكون محركاً لسلوك الدول وفقاً لها؛ وذلك لكونها معايير غير واقعية وغير موضوعية بعكس معايير المصلحة والقوة، من جهة أخرى يرى الواقعيون أن الأمن هو الهاجس الأولي للدول في ظل استحالة وجود حكومة عالمية؛ لذا تسعى كل الدول لتعزيز قدراتها ليس فقط العسكرية وإنما كامل قدراتها التي تؤهلها للحفاظ على بقائها في البيئة الدولية أولاً ثم الانطلاق لتحقيق مصالحها ثانياً، ونتيجة لذلك فإن تلك الدول قد تدخل في حروب مستمرة من أجل تحقيق الأمن لها وتحقيق مصالحها.[23] [24] وقد تطورت النظرية الواقعية عبر الزمن، فهناك النظرية الواقعية الكلاسيكية التي كان زعيمها مورجانثو، والنظرية الواقعية البنائية ، والنظرية الواقعية الدفاعية والهجومية، والتي تعد أحدث النظريات الواقعية، وسنحاول الحديث عنهم بشيء من التفاصيل مع توضيح نظرتهم للأمن القومي في الآتي:

النظرية الواقعية الكلاسيكية:

تتفق النظرية مع الاتجاه العام للواقعية قائلة بأن البيئة الدولية هي بيئة صراعية تتصارع فيها الدول من أجل الحفاظ على بقائها وتحقيق مصالحها في تلك البيئة، يعد مورجانثو رائد هذه النظرية صاحب كتاب السياسة بين الأمم الشهير.

يرى مورجانثو أن الدولة هي الفاعل الرئيسي في البيئة الدولية وهي كائن عقلاني ورشيد، يتحرك في البيئة الدولية بهدف وحيد وهو تحقيق مصالحه، وقد أسس موجانثو نظريته الكلاسيكية على نظرة شريرة للطبيعة البشرية قائلاً ” في الطبيعة البشرية تجد القوانين الحاكمة في السياسة الدولية جذورها” (وهبان، 2016). ومن ثم فقد رأى أن الدول هي كائنات أنانية شريرة تبحث عن مصالحها فقط ولا تمانع في اندلاع الحروب سعياً وراء تلك المصالح في ضوء قدراتها المتاحة، مضيفاً أن الدولة القوية تسعى إلى الهيمنة، وبالنسبة للاستقرار الدولي فقد رأى أن الطريقة الوحيدة للاستقرار الدولي هو وجود نوع من التوازن بين الدول الكبرى يمنعها من الدخول في حروب ضد بعضها البعض.

قام مورجانثو أيضاً بوضع عدداً من المبادئ التي توضح النظرية الواقعية الكلاسيكية تمثلت في قوله إن هناك قوانين موضوعية تحكم الظواهر السياسية تستمد جذورها من الطبيعة الإنسانية ذاتها، كما أكد على أن مفهومي المصلحة والقوة هما المفهومان الرئيسيان لنظريته، إلى جانب تأكيده أن المبدأ الأخلاقي للدولة يتمثل في الحفاظ على بقائها [25].

وبالنظر للاستعراض السابق فيمكن القول إن الأمن القومي وفقاً للكلاسيك الواقعيين يقوم بشكل رئيسي على الحفاظ على بقاء الدولة أولاً، وتحقيقها لهامش من الأمن لها ثانياً باستخدام كافة قدراتها حتى تستطيع أن تحقق مصالحها، ويظل الأمن القومي للدولة مصاناً ما دام هناك توازن في القوة بين القوى المختلفة بحيث يشكل رادعاً لأي منهم من الاقدام على اشعال حرب ما، ولكن ما أن يتعرض هذا التوازن للاختلال لدولة ما حتى يصبح الأمن القومي لباقي الدول في خطر ويتعين عليهم تقوية جهودهم وزيادة قدراتهم لإعادة التوازن مرة أخرى حتى ولو قامت الحرب نتيجة لذلك، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد ففرنسا النابليونية قد أخلت بالتوازن الدولي في أوروبا؛ ما استدعى باقي دول أوروبا لمحاربتها حتى هزمت أخيراً وعاد التوازن الدولي، وكذلك الوضع بالنسبة لألمانيا في الحربين العالميتين.

النظرية الواقعية البنيوية:

        يعد كينث والتز رائد تلك النظرية التي ظهرت بشكل رئيسي لمواجهة بعض أوجه القصور في النظرية الكلاسيكية؛ بهدف تطوريها؛ حيث رأى كينيز أن بنية البيئة الدولية هي المحدد الرئيسي لسلوك الدول وليس الطبيعية البشرية كما كان يرى الكلاسيك؛ لذا أعطت الواقعية الجديدة أو البنيوية وزناً أكبر لبنية البيئة الدولية إلى حد أنه جعلها هي المتحكم في رسم السياسات الخارجية للدول؛ قائلاً إنه على الرغم من اختلاف أيديولوجية الولايات المتحدة عن الاتحاد السوفيتي، إلا أن كلاهما اتبع نفس النمط في تعزيز نفوذه الخارجي، وذلك نظراً لأن بنية البيئة الدولية هي التي فرضت عليهم التحرك خارجياً على أساس هذا النمط، ولكنه على الجانب الآخر قد اتفق مع الكلاسيك في أن البيئة الدولية فوضوية تتسم بغيبة السلطة العليا؛ ما يجعل الأمن هاجساً عاماً لدى كل الدول، وبالتالي تسعى إلى تعزيز أمنها للحفاظ على بقائها وتحقيق مصالحها؛ فالقوة هي العملة المقبولة في عالم السياسة الدولي[26] [27].

ومن ثم يمكن القول بأن النظرية البنائية اختلفت فقط مع الكلاسيك في السبب الرئيسي للصراع الدولي في البيئة الفوضوية؛ ففي حين رأى الكلاسيك أن السبب هو النفس البشرية الشريرة الأنانية التي تسعى وراء مصالحها ويهمها بقاءها فقط، رأى البنيويون أن السبب يكمن في طبيعة البيئة نفسها؛ فالفوضى التي اتسمت بها تلك البيئة أجبرت الدول على التحرك لحماية أمنها وبقائها، ومن ثم فلا نرى أن هناك اختلافاً قد يطرأ على نظرة الواقعية البنائية للأمن القومي عن الكلاسيكية.

النظريتين الواقعية الدفاعية والهجومية:

تقوم النظرية الدفاعية بشكل رئيسي على عدم تعظيم الدولة لقوتها في البيئة الدولية إلى الحد الذي يجعلها معرضه لعقاب البيئة الدولية؛ حيث أنها تسعى لنيل الهيمنة عليها، ومن ثم فهي تخل بالتوازن الدولي؛ ما سيدفع باقي الدول للتحرك ومعاقبتها، وهو ما حدث بالفعل مع فرنسا نابليون وألمانيا الإمبراطورية والنازية في الحربين العالميتين، فيرى الدفاعيون أمثال جاك سنايدر أنه لا توجد مصلحة جوهرية للدول في التوسع والغزو؛ حيث أن تكاليفها أكبر بكثير من مكاسبها، ومن ثم يجب على الدول أن تحافظ على مستوى من التوازن الدولي فيما بينهم وعدم السعي نحو الهيمنة لأن النسق الدولي سيعاقب تلك الدول بلا شك.

وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسية مع الواقعية الهجومية؛ حيث يرى الهجوميون بزعامة مارشيمر أن التوازن الدولي وسيلة غير فعاله، خاصة وأن العدو قد يستطيع أن يحقق مكاسب على حساب الآخرين لاعتقاده أن تلك الدول لن تخاطر وتخل بالتوازن الدولي، إضافة إلى ذلك فإن بعض الدول قد تفضل أسلوب تجنب المسئولية بمعنى أنها تلقي عبء الدفاع عنها على غيرها من الدول مثل الولايات المتحدة في الحربين العالميتين؛ فقد تركت حلفائها الأوروبيين يواجهون ألمانيا بمفردهم لكنها تدخلت عندما أحست أن حلفائها على وشك الهزيمة، لذا ترى الواقعية الهجومية أنه يتوجب على الدول تعزيز قدراتها إلى أقصى حد ممكن وأن تسعى إلى الهيمنة وليس فقط الحفاظ على بقائها كما يرى الدفاعيون؛ فمكاسب الغزو أكبر بكثير من خسائره على اعتبار أن التاريخ يؤكد أن البادئ بالهجوم غالباً ما يكون المنتصر بينما يرى الدفاعيون العكس تماماً.

ورغم اتفاق النظريتين على أسس النظرية الواقعية، فإنهما قد اختلفتا في هدف الدولة في البيئة الدولية كما أوضحنا، ومن ثم فقد اختلفت نظرتهما للأمن القومي؛ حيث رأت الواقعية الدفاعية أن الأمن القومي للدولة يتحقق من خلال حشدها لإمكاناتها المختلفة بهدف تحقيق التوازن مع غيرها وحتى تتمتع بالقدرة على صد أي عدوان، بينما رأت الواقعية الهجومية أن الأمن القومي يتحقق من خلال توسع الدولة وسيطرتها على مزيد من الأراضي لزيادة مواردها وقدراتها لتحقيق الهيمنة بما يحقق لها أمنها، أي أن الدولة وفقاً للمنظور الهجومي لابد أن تعزز من قدراتها الهجومية وتحشد كل مواردها لهذا الهدف فالأمن القومي يتحقق من خلال الغزو والتوسع وليس الدفاع والتقوقع.[28]

النظرية الليبرالية:

قامت النظرية الليبرالية بشكل رئيسي على هدف تحقيق السلام الدولي، وضرورة تعزيز التعاون الدولي والاعتماد المتبادل كوسيلة لمنع الحرب، التي يرونها خطأ يجب مواجهته ومنعه فهي ليست أساس العلاقات الدولية كما يرى الواقعيون، كذلك تنظر الليبرالية للطبيعة البشرية نظرة إيجابية فترى أن الإنسان كائن عقلاني رشيد يسعى إلى تحقيق الكمال وليس أنانياً، وبالاتساق مع موقفهم الداعي إلى السلام العالمي رأوا أن البيئة الدولية ليست بيئة فوضوية إنما هي بيئة تعاونية تقوم على الاعتماد المتبادل والمصالح المتشابكة ما بين الدول اللذين ليسوا هم الفواعل الوحيدة في تلك البيئة؛ حيث تلعب الشركات متعددة الجنسيات دوراً كبيراً في التأثير على سياسات الدول، وبالتالي يمكن القول أن النظرية الليبرالية تدعوا إلى السلام الدولي عبر الاعتماد الاقتصادي المتبادل.

وعلى جانب رؤيتها للأمن القومي، فإننا نعتقد أنها تنظر إليه بوصفه أداه تعاونية وليس صراعية كما ترى الواقعية؛ فعندهم يتحقق الأمن القومي بتحقق أمن جميع الدول في بيئة دولية يسودها الاعتماد المتبادل، ومن ثم فإن الأمن القومي للدولة يطالبها بتعزيز التعاون مع غيرها من الدول وتشجيع التكامل الدولي عبر المؤسسات الدولية المختلفة التي هي أحد الفواعل الدوليين وفقاً للنظرية الليبرالية.[29] [30]

اقتراب القوة الناعمة:

يعد جوزيف ناي رائد اقتراب القوة الناعمة والذي قدمه في كتابه القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية، برز هذا الاقتراب بقوة عقب الغزو العسكري الأمريكي المباشر في منطقة الشرق الأوسط والذي أضر كثيراً بقوة الولايات المتحدة الناعمة وسمعتها العالمية كدولة حامية للحريات ومدافعة عن قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، وهو ما أيده جوزيف ناي مطالباً الولايات المتحدة بإبراز قدراتها الناعمة كما كانت تبرز قدراتها الصلبة، ويقوم هذا الاقتراب على استخدام الدولة لعدد من الوسائل والأدوات السلمية المعتمدة على الإرث الثقافي وامتلاك نموذج قابل للترويج من خلال الحضور الإعلامي لأجهزة الدولة الإعلامية بهدف التأثير في الطرف الآخر ودفعه على الانقياد لمصالحها دون استخدام القوة الصلبة، ومن ثم فالقوة الناعمة لا تحبذ استخدام أساليب العقوبات الاقتصادية والضربات العسكرية لحمل الطرف الآخر على القيام بسلوك ما يتفق مع مصالح الدولة الأولى أو الامتناع عن سلوك آخر يضر بمصالحها؛ حيث يرى الاقتراب أن ذلك يمكن أن يتم عن طريق الجذب بمختلف الوسائل التي تؤدي بالطرف الآخر إلى الالتزام بعدم تحقيق ضرر بمصالح الدولة التي تمارس القوة الناعمة؛ حتى تستمر المنافع التي يحصل عليها، خاصة وأن القوة الناعمة لا تستهدف فقط القيادات السياسية للدول وإنما تستهدف أيضاً الرأي العام داخل تلك الدول بهدف تحسين الصورة الدولية لتلك الدولة لدى الدول الأخرى.

تعد الصين من أكثر دول العالم حالياً استخداماً للقوة الناعمة خاصة لدى دول العالم الثالث؛ التي اغرقتها الصين بالمساعدات الاقتصادية الضخمة والقروض الميسرة إلى جانب العديد من الصفقات الاقتصادية التي تقدر بمليارات الدولارات بهدف تحسين صورة الصين العالمية التي تروج لها، فهي تروج لنفسها على أنها دولة محبة للسلام الدولي وداعمة له، وتدلل على ذلك بمساعداتها وصفقاتها تلك، إلى جانب مشاركتها القوية في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلم، علاوة على المنح التعليمية التي تقدمها لمواطني تلك الدول عبر مراكزها الثقافية التي بدأت في الانتشار خاصة في القارة الإفريقية، جدير بالذكر أن الرئيس الصيني كان قد أعلن مؤخراً في ختام فاعليات منتدى الصين إفريقيا عن دعوته لنحو 2000 شاب إفريقي لزيارة الصين، إلى جانب تدريب ألف نخبة صينية، مع تقديم نحو 50 ألف منحة صينية للأفارقة، علاوة على تقديم مساعدات غذائية بقيمة مليار يوان صيني، إلى غير ذلك من المساعدات الأخرى؛ ما يبين لنا حجم الاهتمام الصيني بقوتها الناعمة خاصة لدى القارة السمراء، مستغلة تراجع النموذج الليبرالي الغربي كعنصر جذب في القوة الناعمة للغرب عامة والولايات المتحدة خاصة لدى دول إفريقيا.

ومن ثم فإنه يمكن القول إن اقتراب القوة الناعمة ينظر إلى الأمن القومي باعتباره قدرة الدولة على تعبئة قدراتها الثقافية والاقتصادية والإعلامية وغيرها من وسائل الجذب الناعم التي تعمل على تحقيق مصالح الدولة وحمايتها في ذات الوقت من الاختراقات الخارجية الناعمة لجبتها الداخلية، مع أخذه في الاعتبار أهمية القوة الصلبة التي طالب أن يتم المزج بينها وبين القوة الناعمة لتنتج قوة ذكية يمكن الاعتماد عليها لتحقيق مصالح الدولة وحمايتها.[31] [32] [33] [34]

الأمن القومي العربي (حالة تطبيقية):

ظهور فكرة الأمن القومي العربي:

        بدأت فكرة القومية تتسرب إلى العرب من أوروبا في بدايات القرن الـ 20، وبدأت الجمعيات القومية السرية في الانتشار في الولايات العربية العثمانية، مطالبة العثمانيين بالاعتراف بالقومية العربية في إطار الدولة العثمانية، وقد كان هذا التطور الفكري في المنطقة راجعاً إلى تسرب الفكر القومي الأوروبي ممزوجاً بالتراجعات العسكرية العثمانية الكبيرة أمام أوروبا منذ معاهدة كارلو فيتز 1699م، وما صاحبها من توغلات أوروبية سواء بالتجارة أو بالاحتلال الفعلي للولايات العثمانية الواحدة تلو الأخرى، إلى جانب ما تلا ذلك من إصلاحات ثقافية وتعليمية أدت إلى بروز نخب مثقفه مختلفة تأثرت بالفكر الأوروبي.

تمخضت حركة الإصلاحات التي أجراها الولاة العثمانيون وعلى رأسهم محمد علي عن مجموعة من المثقفين كان منهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذين طالبا بضرورة الإصلاح الديني في هذه الفترة، ولكن مع عام 1903م برز المفكر العربي الكواكبي الذي أخذ يؤكد على أن العرب أمة واحدة متميزة لها ثقافتها وتاريخها، قائلاً إن نهضة الإسلام تتوقف على نهضة العرب من جديد وعودة الدور القيادي لهم كما كان في السابق، ونتيجة لذلك فقد برز في الشرق تياران كبيران أحدهما يمزج إسلامي عربي والآخر عربي قومي خالص، ومع اتباع الدولة العثمانية لسياسة التتريك واستمرار التراجع العثماني بدأ التيار القومي العربي في التوحد إلى حد تشكيله للمؤتمر العربي الأول في باريس عام 1914م، ولكنه فشل في توصيل مطالب القوميين العرب إلى العثمانيين، ليترتب على ذلك اندلاع الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين عام 1916م في ظل انشغال العثمانيين في الحرب على أمل الحصول على الاستقلال ما بعد انتهاء الحرب.[35]

وعلى الرغم من أن الفكر العربي قد تعرض لنكسة نتيجة الاستعمار الأوروبي، إلا أنه سرعان ما عاد بقوة مصحوباً بحركات التحرر العربية التي بدأت في الانتشار ضمن اتجاه عام شمل دول العالم الثالث ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستمر التيار القومي في الارتفاع مع وصول أنظمة قومية بالفعل إلى مصر وسوريا بشكل رئيسي، إلى جانب تأسيس أول منظمة إقليمية وضع ميثاقها ما قبل اعتماد ميثاق الأمم المتحدة ذاته وهي جامعة الدول العربية كمعبر عن التضامن العربي، رغم عدم تحقق ذلك فعلياً كما سنتحدث لاحقاً، والجدير بالذكر هنا أنه طوال تلك الفترة وحتى عام 1990م لم يستخدم مصطلح الأمن القومي العربي في ميثاق جامعة الدول العربية ولا حتى اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وإنما كان يتم الإشارة إليه بمصطلح الضمان الجماعي، إلا أن دورة عام 1990م كلفت الأمانة العامة للجامعة بوضع دراسة شاملة عن الأمن القومي ووضع تعريف له، وجاء التعريف قريباً من تعريف د. زكريا حسين.[36]

معضلة الأمن القومي العربي بين التنظير والواقع:

قبل التطرق إلى معضلة الأمن القومي العربي وأزمته الواقعية لابد أن نحدد أولاً ما هو الوطن القومي العربي؛ فكما ذكرنا سابقاً جاء الأمن القومي مرتبطاً بمفهوم القومية الذي عبر عن أمة تجمعها سمات مشتركة وترغب في العيش المشترك تحت لواء دولة قومية ما، ومن ثم فلابد قبل الحديث عن الأمن القومي توضيح حدود الإقليم العربي من الناحية الجغرافية.

يقع الوطن العربي جغرافياً بين دائرتي عرض 2 درجة جنوباً و37.5 شمالاً، وبين خطي طول 60 درجة شرقاً و17 درجة غرباً ليغطي مساحة تبلغ نحو 14,469,291 كم2 ما يمثل نحو 10.2% من مساحة اليابسة.

يمثل الموقع الجغرافي للوطن العربي أهمية كبيرة جداً؛ نظراً لتوسطه قارات العالم القديم، وإطلاله على معظم الممرات المائية في المنطقة، إلى جانب الخليج العربي الغني بالثروة النفطية والغازية والتي كانت سبباً رئيسياً في التدخلات الخارجية في شئون دوله بمختلف الطرق.[37] وبعد هذه المقدمة الجغرافية عن الموقع الجغرافي العربي يمكن الانطلاق للحديث عن المعضلة الحقيقية التي تواجه تحقق الأمن القومي العربي فعلياً على أرض الواقع، وهي معضلة تتمثل في أن معطيات الواقع العربي كانت مضادة تماماً لمتطلبات وجود أمن قومي عربي بالفعل وهذه المعطيات تتمثل في معطيات خارجية وأخرى داخلية تتمثل في الآتي:

المعطيات الخارجية:

لا وجود لدولة قومية عربية موحدة:    

تمثلت تلك المعطيات في الحالة التي ظهرت عقب خروج الاستعمار الأوروبي منها، فبدلاً من تأسيس وحدة قومية عربية تضم جميع الأقطار العربية في دولة واحدة، صار هناك 22 دولة عربية قطرية لك منها قيمها القومية وسياساتها الخارجية المختلفة عن غيرها من جيرانها العرب؛ حيث كان ذلك أول معطى خارجي تسبب في استحالة تطبيق معطيات الأمن القومي العربي؛ فكما ذكرنا سابقاً كان هناك ارتباطاً بين الأمن القومي والقومية، وبما أنه لا يوجد دولة عربية قومية واحدة لم يكن من الممكن الحديث عن أمن قومي عربي، وهو أمر ينسحب بالضرورة على الأمن القومي الأوروبي أيضاً؛ فرغم النجاحات التي قدمها الاتحاد الأوروبي في مجال الوحدة الأوروبية، إلا أنه بالنهاية لم يستطع أن يسمو على المصالح القطرية لكل دولة أوروبية، بسبب عدم وجود سلطة أوروبية عليا بإمكانها ممارسة الضبط السياسي على مختلف أعضاء الاتحاد، وبالنظر إلى الحالة العربية نجد أن هناك تطابقاً في هذه الحالة فجامعة الدول العربية كان أسمها كفيلاً في التعبير عن الاستقلالية القطرية لأعضائها فهي جامعة للدول العربية وليست جامعة عربية أو اتحاد عربي، وعلى الجانب التطبيقي، اهتمت الجامعة فقط بتنسيق السياسات العربية، ولكنها لم تمتلك قوة عسكرية مشتركة خاصة بها على الرغم من إنشائها لمجلس الدفاع العربي، وللقيادة العربية المشتركة، جدير بالذكر أن مجلس الجامعة قد اتخذ قراراً على مستوى القمة عام 2015م بتشكيل قوة عربية موحدة، ورغم توقيع بروتوكول إنشائها بالفعل، إلا أنها لم تقم بأي دور يذكر حتى الآن.[38]

التدخلات الأجنبية والأمن القومي العربي:

على الجانب الآخر فإن الموقع الجغرافي للمنطقة العربية أدى إلى تزايد التدخلات الأجنبية فيه سواء من الدول الكبرى كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، أو الدول الإقليمية كإيران وتركيا في الوقت الحالي، مستغلين ضعف جامعة الدول العربية وعجزها عن مواجهة الأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي فعلياً بسبب اختلاف مصالح وتطلعات وطموحات دولها وهو ما سنأتي له في الشق الداخلي؛ فبسبب الاختلاف العربي حول التحرك العراقي تجاه الكويت وعجز الجامعة عن اتخاذ قرار موحد أعطى ذلك الفرصة للولايات المتحدة لأن تتدخل لتحقيق مصالحها وحماية أمن حليفتها إسرائيل بتدمير قدرات العراق والذي كان يعد أقوى قوة عسكرية عربية في تلك الفترة، إلى جانب نشر قواتها في منطقة الخليج العربي؛ ما أضعف الأمن القومي العربي؛ حيث خسر الإمكانات العسكرية العراقية والإمكانات الاقتصادية للخليج الغني بموارد الطاقة، وانعكس ذلك على الأوضاع الحالية فلم تستطع جامعة الدول اتخاذ قرار فيما يتعلق بسوريا واليمن يحمي استقلالية تلك الدول على الأقل وفقاً لما ينص عليه الميثاق، فبسبب تضارب المصالح العربية في القضيتين لم تتخذ الجامعة أي قرار وفتحت المجال للتدخلات الدولية والإقليمية المختلفة المستمرة إلى الآن والتي تمعن في إضعاف القدرات العربية، علماً بأن الجيش العربي السوري كان ثاني أقوى جيش عربي بعد الجيش المصري.

ظهور المنظمات الفرعية العربية:

ونتيجة للضعف العربي المتمثل في منظمته الإقليمية فقد لجأت بعض الدول العربية لتشكيل منظمات أخرى فرعية مثل مجلس التعاون الخليجي الذي عد عمله خصماً من رصيد الجامعة والأمن القومي العربي؛ حيث أدى ذلك إلى تفضيل تلك الدول للأمن الخليجي على الأمن القومي العربي، والأمر مثله لدى دول المغرب العربي الذين انشغلوا بمشكلاتهم الحدودية عن الاهتمام بالقضايا العربية المشتركة أسسوا الاتحاد المغاربي، الذي يعد أيضاً خصماً من العمل العربي المشترك. ومن ثم يمكن تلخيص المعطيات الخارجية في: عدم وجود سلطة عليا عربية موحدة للإقليم العربي، إلى جانب التدخلات الدولية والإقليمية في المنطقة لتحقيق مصالح مختلفة، وظهور تنظيمات عربية فرعية شتت الجهود العربية بينها.[39]

المعطيات الداخلية:

اختلاف التوجهات القطرية:

كانت المعطيات الداخلية سبباً لا يقل أهمية عن المعطيات الخارجية فيما يتعلق بفشل تطبيق مفهوم الأمن القومي العربي على أرض الواقع بل يمكن القول إنها كانت أكثر أهمية؛ فكانت كل دولة عربية لها قياداتها الخاصة بها والمختلفة من حيث التوجهات والمصالح والقيم التي تعتنقها عن غيرها من الدول العربية، وقد ظهر ذلك بشدة ما بعد الاستقلال مباشرة؛ حيث اتجهت بعض الدول العربية للتحالف مع الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية كمصر وسوريا اللذان مثلا التيار العربي التقدمي في المنطقة، بينما اختارت دول الخليج العربي أن تتحالف مع الغرب الليبرالي بزعامة الولايات المتحدة؛ نظراً للمصالح الاقتصادية القوية المتمثلة في الثروات الطبيعية، وهو ما مهد لتواجد عسكري أمريكي مكثف في المنطقة خاصة مع أحداث حرب الخليج الثانية، ما وضعنا أمام قيادات سياسية مختلفة المشارب الأيديولوجية والتوجهات السياسية في الداخل والخارج، إلى جانب اختلاف اولوياتهم الخارجية؛ وهو ما انعكس على تحديدهم لمفهوم الأمن القومي؛ نظراً لأن المفهوم مرتبط بتحقيق مصالح الدولة وحماية قيمها الجوهرية، وهو ما ظهر في اختلاف اهتمام العرب بقضيتهم الأولى وهي قضية فلسطين؛ فبينما كانت تمثل تلك القضية أولوية لدول المواجهة ومهدد رئيسي للأمن القومي كان الأردن على سبيل المثال متورطاً في اخطار إسرائيل بخطة العرب في عام 1973م؛ نظراً لارتباطه بمصالح قوية؛ جدير بالذكر أيضاً أن الملك الأردني عبد الله كان ضالعاً في مفاوضات مع إسرائيل لتقسيم فلسطين بينها وبينه غداة قيام إسرائيل، نظراً لرغبته في توحيد ضفتي نهر الأردن تحت قيادته.[40] [41]

ومن ثم فقد لعبت المصالح القطرية المختلفة لكل دولة عربية في الحيلولة دون صياغة موقفاً عربياً موحداً من أمنهم القومي، بل إن بعض الدول أدت طموحات قياداتها الإقليمية إلى ضرب الأمن القومي العربي في الصميم؛ فطموح صدام حسين الإقليمي أدى إلى انهاك قواته التي كانت أقوى قوة عسكرية عربية في تلك الفترة، وكان دخوله الكويت صفعة قوية على وجه جامعة الدول العربية التي لم تستطع اجباره على الخروج بسبب اختلاف الدول العربية حول تأييد أو رفض التحرك العراقي، وكان من نتيجة ذلك أن فُتح المجال لتحالف دولي أسقط أقوى قوة عسكرية عربية ثم أجهز عليها لاحقاً، بجانب احاطته للخليج العربي بقواعده البحرية والجوية، التي زادت من ارتباط الخليج العربي بالغرب ومصالحهم خاصة الولايات المتحدة.

الفهم القاصر للأمن القومي:

على الجانب الآخر يمكن القول إن الدول العربية تعاني دائماً من معضلة الأمن التي كنا قد تحدثنا عنها في النظرية الواقعية؛ فبسبب الأخطار المحيطة بهم من الطموحات الدولية والإقليمية وطموحات بعض الدول العربية سعت الدول العربية إلى زيادة انفاقها العسكري بنسب كبيرة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي خاصة في منطقة الخليج بسبب التطورات الأمنية الحالية والصراع مع إيران؛ مختزلين الأمن القومي الخاص بهم في الجانب الأمني فقط ما يؤثر على جهود التنمية الاقتصادية في الداخل، وعلى الأمن القومي باعتباره مفهوم شامل لا يقف فقط على الجانب العسكري على نحو ما أوضحنا.

وبالنظر إلى الانفاق العسكري للسعودية على سبيل المثال على اعتبار كونها مشاركة في حرب اليمن إلى جانب المشاركة بالوكالة في سوريا، نجد أنه مع تزايد الأوضاع في المنطقة ودخول إيران الأزمة السورية إلى جانب ازدياد تدهور الأوضاع في اليمن اضطرت السعودية للتحرك الفوري وأعلنت عمليتها عاصمة الصحراء في اليمن، كما قامت بزيادة نسبة انفاقها العسكري إلى أن وصلت إلى 13.33% من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2015م مقارنة بـ 7.23% عام 2011م، جدير بالذكر أيضاً أن المملكة كانت قد وضعت في العام الحالي ميزانية هي الأكبر في تاريخ المملكة بقيمة متوقع أن تبلغ نحو 261 مليار دولار، والتي احتل الانفاق العسكري فيها نحو ثلثها ليصل إلى 83 مليار دولار وهو ما يمثل نسبة 31.8% من الميزانية أي ما يساوي نحو 12.15% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 683 مليار دولار عام 2017م.[42] [43]، في مقابل ذلك نجد أن نسبة انفاق الدول العربية مجتمعة على مجال شديد الأهمية كمجال البحث العلمي تصل إلى 1% فقط من اجمالي الانفاق العالمي البالغ نحو 1477 مليار دولار كان النصيب العربي منهم حسب تقرير اليونسكو عام 2013م يساوي 15 ملياراً فقط،[44] جدير بالذكر أنه في حين كان متوسط الانفاق العالمي على البحث العلمي والتطوير في ذلك العام كان 2.06%،[45] كانت نسبة الانفاق الإسرائيلي تساوي 4.14% من الناتج المحلي الإجمالي[46] وهي نسبة أكبر من المتوسط العالمي لنفس العام بحسب إحصاءات البنك الدولي، أما على الجانب العربي فكانت تونس أكبر الدول العربية انفاقاً بنسبة 0.86% فقط؛[47] ما يعطينا اطباعاً على مدى الفجوة المتسعة بين العرب وإسرائيل في مجال شديد الحيوية للأمن القومي حالياً وهو البحث العلمي؛ فالاقتصاد العالمي حالياً صار أكثر اعتماداً على عنصر المعرفة والابتكار والبحث، وبالنظر إلى الحالة العربية وإلى نسبة المعارف الحديثة وحجم براءات الاختراع العربية التي لا تساوي سوى 0.2% فقط من الحجم العالمي، يمكننا استنتاج مدى الخطر الذي يواجهه الأمن القومي العربي في البعد الاقتصادي المعتمد فقط على الصادرات من الطاقة بمختلف اشكالها إلى جانب المنتجات الأولية، والسياحة، بينما صارت إسرائيل على الجانب الآخر قادرة على تصدير التكنولوجيا الحديثة إلى الخارج، فعلى سبيل المثال تصدر إسرائيل الطاقة النظيفة إلى الصين بقيمة 300 مليون دولار.[48]

هذا فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي الذي يعاني مع عدم اكتفاء الدول العربية ذاتيا واعتمادهم على الاستيراد بشكل أكبر ما يجعلهم أكثر تبعية للعالم الخارجي، إلى جانب عدم اللحاق بالتقدم الحاصل في الاقتصادات العالمية؛ ما يجعلهم أكثر تخلفاً ويؤثر بالسلب على البعد الاقتصادي.

وبالنظر للبعد السياسي للأمن القومي العربي؛ فالجبهة الداخلية لمعظم الدول العربية تعاني من مشكلات طائفية أو عرقية بعضها شديد الاستفحال وأدى إلى انقسام الدولة بالفعل كحالة جنوب السودان، وكردستان العراق، إلى جانب بعض الأقطار العربية التي غابت عنها الدولة مثل اليمن وليبيا أو التي مازالت تناضل من أجل الحفاظ عليها مثل سوريا، وعلى الجانب الخارجي من البعد السياسي فسيادة الدول العربية مخترقة بالفعل في سوريا واليمن وليبيا بشكل واضح وصريح والتدخلات العسكرية الأجنبية واضحة، إلى جانب القواعد العسكرية المنتشرة حول الوطن العربي والتي تشكل انتقاصاً من سيادة دوله، ومن ثم فالبعد السياسي أيضاً يتأثر بالسلب بالأوضاع العربية المتراجعة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

أيضاً يعاني البعد الأيديولوجي خللاً واضحاً فالدول العربية ليس لديها نموذج أيديولوجي في الوقت الراهن يمكن أن تقدمه للخارج وتستخدمه لزيادة نفوذها خارجياً، وفي المقابل تتعرض هي لغزو أيديولوجي خاصة دول الخليج العربي حالياً، إلى جانب معاناة الدول العربية من أزمة هوية تتمثل في التأثر بالتقدم والحضارة الغربية وانتشار الدعوات المتعارضة مع التقاليد والعادات العربية بدعوى التقدم والتحضر، وانتشار التقليد الأعمى لبعض التصرفات الغربية وغيرها من الأمور الأخرى؛ ما يمثل تهديداً للبعد الأيديولوجي للأمن القومي للدول العربية قبل أن يكون تهديداً للأمن القومي العربي، ورغم ذلك لم تفعل الدول العربية شيئاً ملموساً لحماية قيمها الأيديولوجية الخاصة ولا تزال قدرتها على التأثير في هذا المجال ضئيلة، مقارنة بالدول الإقليمية الأخرى المجاورة خاصة إيران وإسرائيل، وبالأخص الأخيرة التي لم تنجح فقط في العودة دبلوماسياً إلى دول العالم الثالث على حساب التواجد العربي، بل إنها بدأت تسعى حالياً للإجهاز على القضية الفلسطينية تماماً وجعل القدس كاملة عاصمة لها، ومازالت تسعى بدعم أمريكي لتحقيق ذلك بالضغوط على الدول العربية بمختلف الصفقات.

وحتى البعد العسكري الذي تهتم به الدول العربية نظراً للمعضلة الأمنية التي تعانيها، فإن القدرات العربية العسكرية متفرقة وكل دولة تستخدمها لتحقيق مصالحها الخاصة وهو ما يعود بنا إلى المعضلة الرئيسية التي تواجه الأمن القومي العربي وهي غياب إرادة عربية موحده في استخدام إمكانات العرب لحماية أمنهم القومي، وعلى الجانب الآخر فإن القدرات العسكرية للدول العربية متفاوتة، ولا يوجد دولة عربية حالياً قادرة على الحفاظ على توازن عسكري مع الدول الإقليمية الأخرى سوى مصر التي يحتل جيشها الترتيب الحادي عشر وفقاً لموقع Global fire بينما تحتل ثاني دولة عربية في الترتيب وهي الجزائر المركز الثالث والعشرين، تليها السعودية في المركز السادس والعشرين، بينما تحتل باقي الدول العربية مراكز متأخرة في التصنيف[49]؛ ما يعطينا انطباعاً عن الخلل الأمني الذي تعانيه معظم الدول العربية؛ أخذا في الاعتبار أن هذه الإمكانات غير مستخدمة بشكل جماعي، فضلاً عن أن اتفاقية الدفاع المشترك العربية غير مفعلة في الوقت الرهن، ولا وجود لما يسمى بالقوة العربية المشتركة، علاوة على تفضيل أقوى قوتين عسكريتين في الوقت الحالي عدم الزج بقواتهما المسلحة في صراعات إقليمية والانشغال بحماية الأمن القومي الخاص بهما.

هذا فيما يتعلق بأبعاد الأمن القومي وتطبيقها على الأمن القومي العربي باعتباره الحالة التطبيقية الخاصة بنا مع تسليمنا بأنه غير متحقق من الأساس على أرض الواقع، ولكن من الاستعراض السابق نجد أيضاً أن الأمن القومي الخاص بكل دولة عربية غير متحقق بشكل كامل وهو ما يؤكد النظرة القاصرة للأمن القومي من جانب القيادات العربية؛ ما يحول دون تحقق أمن قومي خاص بكل دولة فضلاً عن تحققه للوطن العربي ككل.

يتبقى أن نعرض لاقتراب القوة الناعمة باعتبارها أحد الاقترابات التي عالجت مفهوم تحقيق المصلحة القومية للدولة ما يجعلها على صلة بالأمن القومي، وبالتطبيق على الحالة العربية يمكن القول بعدم وجود قوة ناعمة عربية تعبر عن المصالح العربية المشتركة، وإنما هناك قوة ناعمة قطرية فلكل دولة عربية قوتها الناعمة الخاصة بها ممثلة في القنوات الفضائية التابعة لها، والنموذج الذي تروجه في المنطقة سعياً لدعم نفوذها، ولكن يمكن القول من جهة أخرى إن هناك إمكانية للاستفادة من تلك القدرات إذا ما وجدت إرادة مشتركة للقيام بذلك فالإمكانات متاحة لكن الأزمة تكمن في وجود إرادة مشتركة، وفي الحقيقة هذه هي معضلة الأمن القومي العربي، فالإمكانات العربية متاحة في كل المجالات المختلفة التي يمكن أن تخدم الأمن القومي العربي وفقاً للتعريف الذي وضعته جامعة الدول العربية سالف الذكر، لكن الأزمة تكمن في الإرادات العربية المختلفة بفضل عدم وجود سلطة عربية عليا وانقسام الوطن العربي إلى عدد من الدول العربية متباينة المصالح والأهداف والتوجهات، إلى جانب عجز هذه الدول عن حماية الأمن الخاص بها فضلاً عن المساهمة في تحقيق الأمن القومي العربي.

نموذج تحليلي لدراسة الأمن القومي:

في بداية الأمر يجب التأكيد على أن مفهوم الأمن القومي هو مفهوم شديد التركيب والتعقيد نظراً لأبعاده المتعددة والتي تتداخل مع بعضها البعض حتى تكون وحدة واحدة هي وحدة الأمن القومي، فعلى سبيل المثال البعد السياسي يتداخل مع البعد العسكري التقليدي، فتقوية الجيش وتطويره ووضعه على أهبة الاستعداد تتطلب إرادة سياسية راغبة في ذلك وقادرة على تسخير قدرات الدولة للقيام بهذا الأمر مع قدرتها على حفظ الجبهة الداخلية وامتلاك علاقات جيدة بالدول الممكن شراء الأسلحة منها، ويمكن تطبيق الأمر ذاته على البعدين العسكري والاقتصادي، فتقوية القوات المسلحة تحتاج إلى موارد اقتصادية تأتي من قدرة الدولة على تعبئتها وهي جزء من الأمن الاقتصادي للدولة، ومن ثم فإنه لا يمكن تحقيق الأمن العسكري في ظل جبهة داخلية منقسمة تستنزف قدرات الدولة، ولا يمكن تقوية الأمن العسكري بكل ابعاده التقليدية والتكنولوجية بدون وجود قدرات اقتصادية وعلاقات سياسية وقوة ناعمة تمكن الدولة من تحقيق ذلك.

أما من ناحية دراسة الأمن القومي فإن الأمر يتطلب أولاً تحديد مشكلات الأمن القومي؛ فقبل دراسة الأمن القومي يتعين تحديد مشكلات الأمن القومي أولاً؛ فبالنظر لحالة الأمن القومي العربي تكمن المشكلة الرئيسية كما ذكرنا في عدم توافق معطيات الواقع العربي مع متطلبات الأمن القومي العربي؛ حيث هناك غياب لإرادة عربية مشتركة راغبه في صهر الإمكانات العربية كلها في بوتقة واحدة للوقوف أمام الأخطار الخارجية والداخلية التي تتهددهم.

بعد أن يتم تحديد مشكلات الأمن القومي الداخلية والخارجية، يتم الانتقال إلى تعامل الدولة مع تلك المشكلات وترتيبها وفقاً لأولويتها بالنسبة لها فهناك أخطار عالية التهديد وأخرى منخفضة هكذا ومن ثم فإن تعامل الدولة مع المشكلة لابد أن يكون وفقاً لدرجة خطورتها على أمنها القومي، ويمكن تقسيم الأمن القومي إلى دوائر مختلفة مثل دائرة الأمن الداخلي، الأمن الإقليمي، الأمن العالمي، ويمكن أن تتناول كل دائرة الأبعاد المختلفة للأمن القومي والتي ذكرناها سابقاً على سبيل المثال، ووفقاً لهذا التقسيم يمكن تحديد احتياجات الأمن القومي وأوجه القصور لمواجهتها لتقوية الأمن القومي للدولة حتى تستطيع حماية قيمها الجوهرية وحماية بقائها ومصالحها مع العالم الخارجي.

وفي الختام نستطيع أن نقول إن الأمن القومي العربي غير متحقق على أرض الواقع العربية؛ فالواقع العربي مخالف لمتطلبات الأمن القومي العربي، بسبب حالة التفكك التي تعانيها الدول العربية حاليا إلى جانب عدم وجود إرادة عربية مشتركة حقيقية راغبة في تحقيق تقدم في موضوع الوحدة العربية يمكن أن يسهم في تحقق الأمن القومي العربي مستقبلاً، فضلاً عن أن الأمن القومي لكل دولة عربية مهدد بشده كما أوضحنا ما يحول دون تحقق الهدف المنشود، لكن على أية حال يجب التنويه على أنه ليس بمقدور أي دولة أن تحمي أمنها القومي بنسبة ١٠٠٪، وإنما هي وحاولت زيادة أمنها القومي بتقليل احتمالات تهديده من الداخل والخارج بحشد كافة الامكانات المتاحة.

وهكذا نكون قد عرضنا لمفهوم الأمن القومي مع توضيح الفوارق بينه وبين بعض المفاهيم الأخرى المتداخلة معه، إلى جانب تحديد أبعاده المختلفة والمتداخلة مع بعضها البعض، مع تناول موقف نظريتي الواقعية والليبرالية إلى جانب اقتراب القوة الناعمة من الأمن القومي ورؤيتهم له ولكيفية تحقيقه، وفي الأخير عرضنا للحالة التطبيقية وهي الحالة العربية وتوضيح مدى انطباق مفهوم الأمن القومي العربي على أرض الواقع مع تقديم نموذج تحليلي لدراسة الأمن القومي.

[1] السيد محمد السيد عمر، الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأمن القومي، دراسة مقدمة لترقية الاساتذة المساعدين في العلوم السياسية، كلية التجارة وإدارة الأعمال جامعة حلوان، يناير 2002م، ص: 4.

[2] هايل عبد المولى طشطوش، الأمن القومي وعناصر قوة الدولة في ظل النظام العالمي الجديد، ص ص: 10- 14.

[3] علاء عبد الحفيظ محمد، “مفهوم الأمن القومي وتحديد أبعاده”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، سبتمبر 2017م، https://www.europarabct.com/ ، تمت زيارته في: 04/09/2018.

[4] السيد محمد السيد عمر، مرجع سبق ذكره، ص ص: 10- 12.

[5] أحمد وهبان، التخلف السياسي وغايات التنمية، قسم العلوم السياسية كلية التجارة- جامعة الإسكندرية، ص ص: 102- 104.

[6] أحمد وهبان، مرجع سبق ذكره، ص ص: 183- 185.

[7] طارق عبد العال علي، ” مفهوم الأمن القومي.. بين الحقيقة والخيال”، جريدة المصري اليوم، نوفمبر 2017م، https://www.almasryalyoum.com/news/details/1217546 ، تمت زيارته في: 04/09/2018.

[8] السيد محمد السيد عمر، مرجع سبق ذكره، ص: 8.

[9] المرجع السابق، ص: 9

[10] رشيد بنعياش، “مفهوم المصلحة العامة”، الحوار المتمدن، مارس 2010م، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=208921 ، تمت زيارته في: 05/09/2018.

[11] C. R. Charles Wolf, “The economic Dimensions o National Security”, RAND, 1994, pp: 25-27.

[12] أحمد وهبان، تحليل إدارة الصراع الدولي “دراسة مسحية”، كلية الحقوق والعلوم السياسية- جامعة الملك سعود، 2014م، ص: 29.

[13] نهى بكر، “استراتيجية الولايات المتحدة في شرق المتوسط”، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للأبحاث والدراسات، العدد: 213، يوليو 2018م، المجلد: 53، ص: 104.

[14] ” ترامب: عصر الاستغلال التجاري للولايات المتحدة انتهى”، أخبارك، يوليو 2018م، http://www.akhbarak.net/videos/2807322-%D8%BA%D8%B1%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A ، تمت زيارته في: 05/09/2018.

[15] سمير يوسف، “الصين: إدارة ترامب أشعلت أكبر حرب تجارية في التاريخ”، euro news، يوليو 2018م، http://arabic.euronews.com/2018/07/06/china-says-has-begun-implementing-some-retaliatory-tariffs-on-u-s-goods ، تمت زيارته في: 05/09/2018.

[16] شجاع البقمي، “القطاع غير النفطي يعزز مساهمته في الاقتصاد السعودي”، جريدة الشرق الأوسط، https://aawsat.com/home/article/1318026/القطاع-غير-النفطي-يعزز-مساهمته-في-الاقتصاد-السعودي ، تمت زيارته في: 05/09/2018.

[17] عبد المعطي زكي، “الأمن القومي: قراءة في المفهوم والأبعاد”، المعهد المصري للدراسات، فبراير 2016م، https://eipss-eg.org/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF/ ، تمت زيارته في: 05/09/2018.

[18] “تقرير: أمريكا والصين والسعودية الأعلى إنفاقا عسكريا في 2017″، DW الألمانية، مايو 2018م، https://www.dw.com/ar/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A5%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82%D8%A7-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-2017/a-43611793 ، تمت زيارته في: 06/09/2018.

[19] عبد المعطي زكي، مرجع سبق ذكره.

[20] “أكثر الدول تعرضا لهجمات إلكترونية”، RT الروسية، مارس 2018م، https://arabic.rt.com/photolines/935147-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6%D8%A7-%D9%84%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9/ ، تمت زيارته في: 06/09/2018.

[21] “التجسس الألكتروني : ما الذي يفسّر اهتمام إيران بالوسائل “السيبرانية” المتنامية ؟”، المركز الديمقراطي العربي، فبراير 2017م، https://democraticac.de/?p=43206 ، تمت زيارته في: 06/09/2018.

[22] “What is Cyber Security?”, IT Governance, https://www.itgovernance.co.uk/what-is-cybersecurity , Retrieved: 06/09/2018.

[23] أحمد محمد وهبان، “الواقعيون وتحليل العلاقات الدولية من مورجانثو إلى مرشايمر: دراسة تحليلية للنظرية الواقعية عبر ستة عقود”، مجلة الحقوق للبحوث القانونية الاقتصادية، العدد 1، 2016، ص ص: 1199- 1200.

[24] مليود عامر حاج، الأمن القومي العربي وتحدياته المستقبلية، دار جامعة نايف للنشر، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2016م، ص ص: 92- 95.

[25] أحمد محمد وهبان، “الواقعيون وتحليل العلاقات الدولية من مورجانثو إلى مرشايمر: دراسة تحليلية للنظرية الواقعية عبر ستة عقود”، مرجع سبق ذكره، ص ص: 1202- 1205.

[26] المرجع السابق، ص ص: 1209- 1210.

[27] مليود عامر حاج، مرجع سبق ذكره، ص ص: 99- 103.

[28] أحمد محمد وهبان، “الواقعيون وتحليل العلاقات الدولية من مورجانثو إلى مرشايمر: دراسة تحليلية للنظرية الواقعية عبر ستة عقود”، مرجع سبق ذكره، ص ص: 1221- 1224.

[29] أوشن نصر الدين، النظرية الليبرالية، جامعة العربي بن مهدي، الجزائر، 2013م، ص ص:7- 11.

[30] السيد محمد السيد عمر، مرجع سبق ذكره، ص ص: 7- 8.

[31] مليود عامر حاج، مرجع سبق ذكره، ص ص: 171- 177.

[32] “الرئيس الصينى يكشف عن مساعدات ضخمة لدول أفريقيا.. ومليار يوان منح عاجلة”، جريدة اليوم السابع، سبتمبر 2018م، https://www.youm7.com/story/2018/9/3/ ، تمت زيارته في: 07/09/2018.

[33] “تمويل حفظ السلام”، موقع الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، http://www.un.org/ar/peacekeeping/operations/financing.shtml ، تمت زيارته في: 07/09/2018.

[34] “الصين تعزز إسهامها العسكري في قوات حفظ السلام الدولية”، جريدة الدستور، يونيو 2018م، https://www.dostor.org/2219927 ، تمت زيارته في: 07/09/2018.

[35]عبد الكريم غرايبة، وعبد المهدي السودي، وآخرون، “النظام الإقليمي العربي الوضع الراهن والتحديات المستقبلية”، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية مؤسسة الأهرام، ص ص: 21- 30.

[36] محمد بن خالد عربة، “واقع الأمن العربي: البعد الأمني والعسكري أنموذجاً”، ورقة علمية مقدمة في الملتقى العلمي، 2010م، ص ص: 5- 6.

[37] مليود عامر حاج، مرجع سبق ذكره، ص ص: 243- 244.

[38] “النص الكامل لبروتوكول تشكيل القوة العربية المشتركة”، العربية نت، أغسطس 2015م، https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2015/08/31/ ، تمت زيارته في: 09/09/2018.

[39] علي عباس مراد، الأمن والأمن القومي: مقاربات نظرية، ط1، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2016م، ص ص: 120- 122.

[40] محمد حسنين هيكل، المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية الكتاب الأول، دار الشروق، ص ص: 241- 255.

[41] عادل ثابت، فاروق الأول الملك الذي غدر به الجميع، ط3، أخبار اليوم، ص: 183.

[42] “نسبة الانفاق العسكري السعودي من الناتج المحلي الإجمالي عام 1968 إلى 2016م”، موقع البنك الدولي، https://data.albankaldawli.org/indicator/MS.MIL.XPND.GD.ZS?end=2017&locations=SA&start=1968&view=chart ، تمت زيارته في: 09/09/2018.

[43] “موازنة السعودية 2018: الإنفاق العسكري يلتهم ثلثها… وزيادة الديون والضرائب”، العربي، ديسمبر 2017م، https://www.alaraby.co.uk/economy/2017/12/21/موازنة-السعودية-2018-الإنفاق-العسكري-يلتهم-ثلثها-وزيادة-الضرائب  ، تمت زيارته في: 09/09/2018.

[44] هيثم مزاحم، “أزمة البحث العلمي في العالم العربي”، الميادين، فبراير 2015م، http://www.almayadeen.net/articles/blogculture/856849/ ، تمت زيارته في: 12/09/2018.

[45] “إحصاءات البنك الدولي عن الإنفاق على البحث والتطوير”، موقع البنك الدولي، 2013م، https://data.albankaldawli.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS ، تمت زيارته في: 12/09/2018.

[46] “إحصاءات البنك الدولي عن الإنفاق الإسرائيلي على البحث والتطوير”، موقع البنك الدولي، 2013م، https://data.albankaldawli.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS?locations=IL ، تمت زيارته في: 12/09/2018.

[47] “العالم يتجه لزيادة ميزانيات البحث العلمى.. والعرب ينفقون على رواتب الموظفين”، صدى البلد، ديسمبر 2015م، http://www.elbalad.news/1848096 ، تمت زيارته في: 12/09/2018.

[48] “إسرائيل تُصدّر تكنولوجيا الطاقة النظيفة للصين بـ300 مليون دولار”، وكالة الأناضول التركية، سبتمبر 2017م، https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%8F%D8%B5%D8%AF%D9%91%D8%B1-%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%80300-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-/906785 ، تمت زيارته في: 12/09/2018.

[49] “2018 Military Strength Ranking”, Global Fire, 2018, https://www.globalfirepower.com/countries-listing.asp , Retrieved:12/09/2018.

  • خاص – المركز الديمقراطي العربي
5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى