الإرهاب و تداعيات المأزق السياسي التونسي على إستثباب الأمن
بقلم : د. شبيلي فاطم الزهراء – أكادمية و باحثة في الإقتصاد و السياسة – الجزائر .
- المركز الديمقراطي العربي
أضحت خطورة ظاهرة الإرهاب واقعا مفروضا و ليست حالة وقتية طارئة ،ففي سنوات قليلة أفرزت الدول الراعية للإرهاب الموت و الإبادة و حرق الوطان من خلال الدواعش بتحطيم إقتصاديات الدول العربية من خلال ضرب و زعزعة الأمن فيهاعبر تدريب و تهيئة الخلايا الإرهابية الناشئة أساسا على ثقافة الدم و نفي الآخر ،و أمام واقع إجتماعي بائس ، و غياب إستراتجيات التعامل مع الإرهاب كفكر و منهج و سلوك ،و عودة المتطرفين ،إزداد المشهد إنزلاقا و أصبح أكثر تعقيدا و هو الأمر الذي آلت إليه الشقيقة تونس ،حيث دق التفجير الانتحاري ناقوس الخطر في مجمل البلاد التي تعيش على وقع أزمة سياسية مُستفحلة بأبعاد اقتصادية واجتماعية،وكذلك أمنية و الذي نفذته الاثنين29/ أكتوبر 2018 ، فتاة ثلاثينية وسط شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة في حصيلة أولية الانتحارية، وإصابة ثمانية من أفراد الشرطة، إلى جانب جرح مدني واحد. وساهم هذا التفجير الإرهابي غير المسبوق، من حيث التوقيت، والمكان، وأداة التنفيذ، في رفع منسوب القلق الذي ينتاب غالبية الفاعلين السياسيين منذ مدة بسبب حالة الانسداد التي وصلتها الأزمة السياسية، وما رافقها من تزايد في حدة مُفردات العنف في الخطاب السياسي.
ويتقاطع هذا القلق مع منحى الخيارات الصعبة التي تواجهها تونس، والتي تُضيف إلى الهواجس الكثيرة، قائمة لا تنتهي من السيناريوهات التي تعيد المشهد العام إلى أجواء التجاذبات الساخنة التي تفسح المجال للمستثمرين في الإرهاب للتحرك في مختلف الاتجاهات لمزيد تعكير المناخ العام و الذي أصلا هو سيئ للغاية وقد حصل كل ذلك في غياب رئيس الجمهورية السبسي الذي يشارك في قمة العشرين للاستثمار في أفريقا و المنعقدة في العاصمة الألمانية برلين ، التفجير استهدف دورية أمنية بالقرب من مركز “البالماريوم” التجاري وسط شارع الحبيب بورقيبة الذي يحظى برمزية كبيرة لدى التونسيين و قد كان رسالة موجّهة للدولة وهيبتها كعملية نوعية قد تبعث برسائل سلبية إلى الخارج..لكن من يدفع الضريبة دائما هم رجال الأمن و الشعب المسالم ، ولم يستبعد أن تكون عملية التفجير منظمة لتتزامن مع هذا الاحتجاج وتكليف امرأة بالتنفيذ لسهولة اختلاطها بالمحتجات، وأن الهدف تحقيق عدد أكبر من الخسائر في صفوف قوات الأمن التي كانت تحيط بالتظاهرة الاحتجاجية، فضلا عن تحقيق صدى إعلامي قوي للحادث في أهم الأماكن المراقبة بشكل تام من قوات الشرطة وفيما التزم السياسيون الصمت أمام هذا العمل الإرهابي الخطير بانتظار توفر المزيد من المعطيات، استنكر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، العملية الانتحارية، ووصفها بـ”الخطيرة بالنظر لرمزية المكان والظرف الراهن”. ويقول مراقبون إن الإرهاب الذي تمت محاصرته أمنيا وسياسيا لم يعد يقدر على التسلل إلى المدن لتنفيذ عملياته إلا من خلال الأزمات السياسية، وخاصة الأزمة الحالية التي شلت عمل الحكومة، فضلا عن فشل سبع سنوات من الانتقال السياسي في تحقيق أي نجاحات تذكر، وهو ما وسع دائرة التشاؤم خاصة في صفوف خريجي الجامعة وعموم الشباب التونسي و من الواضح أن العملية الانتحارية رسالة شديدة الخطورة إلى تونس برمتها يجب أن توليها السلطات والأحزاب أهمية فائقة لقطع الطريق أمام عودة الإرهاب . ولا يختلف هذا التفجير الإرهابي عن السياق العام للأعمال الإرهابية التي عرفتها تونس، لا سيما وأنه يحمل رسائل تؤكد من جديد أن استمرار حالة الاحتقان السياسي، والتقاذف بالاتهامات من شأنه توفير فرص إضافية للإرهابيين لمزيد تعكير المناخ العام في البلاد.
و تدفع كل المؤشرات المنطقية إلى أن هذا التفجير الإرهابي سيُحدث ارتجاجات وارتدادات في المشهد العام، رغم الإدراك المشترك لدى الجميع بأن المطلوب الآن الخروج من المأزق السياسي الراهن لقطع الطريق أمام الذين يستثمرون في الإرهاب لتشكيل المشهد السياسي دون إغفال المشهد الإقتصادي الذي زاد الوضع سوأ حيث ان قرارات الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي ستتغير بعد الحادثة الارهابية باعتبار أنهم اشترطوا على تونس توفير الأمن لمواصلة اقراضها ودعمها وتمويل مشاريعها و تلك الشروط التي يطرحها صندوق النقد الدولي على تونس والتي يعتبرها البعض مجحفة لكنها ستزداد صعوبة وسيضاف اليها هامش أكبر من التدخل لفرض شروط جديدة تضمن الأمن على غرار اعادة تشكيل خارطة جديدة لكيفية مكافحة الفساد والارهاب والاسباب المؤدية اليه ومن بينها الفقر. التفجير سيأثر لا محالة على الحركة الإقتصادية بشكل عام وان الدولة لن تكون لها حرية وجراة أكثر مع الفاعلين الاقتصاديين الشركاء وخاصة الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي، كما ان المستثمرين الاجانب سيشعرون بعدم الامان وسيراجعون حساباتهم واتفاقياتهم السابقة بخصوص تونس.