تداعيات نتائج الإنتخابات النصفية الأمريكية
بقلم : د. فاطمة الزهراء شبيلي – أكاديمية و باحثة في الإقتصاد و السياسة – الجزائر .
- المركز الديمقراطي العربي
تتمثل الانعكاسات المباشرة للانتخابات الأخيرة في تغيير دينامية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية،إذ سيطر الحزب الديموقراطي على مجلس النواب في إنتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة و التي جرت يوم 6 نوفمبر 2018 ،في الوقت الذي سيطر فيه الجمهوريون على مجلس الشيوخ في الكنجرس و إذا كان مؤكد أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب تعني متاعب كبيرة لإدارة الرئيس دونالد ترامب داخليًا، كإعاقة بعض الملفات مثل الضرائب والهجرة والرعاية الصحية فإن تأثير سيطرتهم على مجلس النواب سيكون أقل في السياسة الخارجية لإدارة ترامب بسبب طبيعة النظام الرئاسي الأميركي.
يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة في السياسة الخارجية، مقارنةً بصلاحياته في السياسة الداخلية، إلا أن الأغلبية الديمقراطية القادمة في مجلس النواب تستطيع أن تضع بعض الكوابح لتلك الصلاحيات؛ وذلك عبر تفعيل آليات الرقابة الدستورية الممنوحة للمجلس، وإجراء التحقيقات حولها. ويبدو من خلال تصريحات زعماء الديمقراطيين الذين سيتسلمون رئاسة اللجان في مجلس النواب، بدءًا من مطلع عام 2019، أنهم جادون في نيّات الضغط عبر أغلبيتهم الجديدة لتغيير ما يرونه نهجًا سلبيًا من جانب الجمهوريين إزاء السياسة الخارجية التي يتبعها ترامب، وبأنهم سيضغطون للتشدد في التعامل مع دولٍ كروسيا والسعودية وكوريا الشمالية إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن الرئيس يبقى يتمتع بسلطات دستورية واسعة في حقل السياسة الخارجية التي سيتفرغ لها أكثر، خصوصًا إذا ما اصطدم بعرقلة الديمقراطيين أجندته الداخلية. ويخشى بعض الديمقراطيين أن يحاول ترامب التوصل إلى اتفاق نووي، بأي ثمن، مع كوريا الشمالية، في سياق بحثه عن إرث لعهدته الرئاسية .
يضع الديمقراطيون السياسة الخارجية لترامب في دائرة استهدافهم، وذلك رغم إدراكهم محدودية تأثيرهم فيها مقارنةً بالسياسة الداخلية.
إلا أن هذا لا يعني انعدام هذا التأثير، فكثير من مبادرات إدارة ترامب الخارجية يحتاج إلى موافقة الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب.
ولا يخفي الديمقراطيون امتعاضهم من سياسات ترامب الخارجية وأسلوبه في التعامل مع بعض الحلفاء، مثل كندا والاتحاد الأوروبي، ومع الخصوم، كروسيا وكوريا الشمالية، وانسحابه من اتفاقات دولية، كاتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي مع إيران. ومن الأمور التي تتطلب موافقة مجلسَي الكونغرس، الاتفاقيات التجارية الجديدة التي تعكف إدارة ترامب عليها مع عدد من الدول، ككندا والمكسيك وكوريا الجنوبية وبريطانيا، بعد اكتمال انسحابها من الاتحاد الأوروبي. وعلى عكس المعاهدات، التي تتطلب تصديق مجلس الشيوخ عليها فحسب، فإن الاتفاقات التجارية تتطلب تصديق مجلس النواب أيضًا.
وثمة مبادرات أخرى أطلقتها إدارة ترامب يستطيع مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية تعطيلها، مثل تطوير الترسانة النووية الأميركية وتحديثها، ويتطلب ذلك تحديد مخصصات لها في الميزانية الأميركية. ينطبق الأمر نفسه على “قوة الفضاء” التي يعتزم ترامب إنشاءها والجدار على الحدود مع المكسيك. و في سياق التقويم العام، يتوقع أن تصبح إدارة ترامب أكثر انخراطًا في قضايا الشرق الأوسط بعد انتخابات التجديد النصفي، ولكن من دون أن تطرأ تغييرات كبيرة على مقارباتها السابقة. وستكون العلاقة بالسعودية أبرز القضايا محل الخلاف بين الكونغرس، بمجلسيه، وإدارة ترامب. كما ستبرز مسألة الاتفاق النووي الإيراني ومستقبل عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
1. العلاقة بالسعودية تمثل مقاربة إدارة ترامب للعلاقة بالسعودية إحدى أهم نقاط الاحتكاك مع الكونغرس الجديد؛ إذ ينتشر منذ سنوات استياء من السعودية بين المشرعين الأميركيين، وذلك بسبب الحرب في اليمن وسجلّها في مجال حقوق الإنسان والتسبب في أزمة في الخليج بحصار قطر.
وزادت جريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع أكتوبر 2018، الغضب بين أعضاء الكونغرس، من الحزبين، الذين استفزتهم ردة فعل إدارة ترامب المتهاون تجاه الجريمة، وطالبوا بفرض عقوبات على المملكة ومسؤوليها، بمن فيهم ولي العهد السعودي نفسه، الأمير محمد بن سلمان الذي حمّله بعضهم مسؤولية عملية الاغتيال.
ويتوقع أن يسعى مجلس النواب القادم، تحت سيطرة الديمقراطيين، إلى الدفع نحو نهج أشدّ صرامة تجاه السعودية، وإلى عرقلة مبيعات الأسلحة الأميركية لها، أو على الأقل استغلالها لفتح نقاش حول السياسات السعودية، ووقف الدعم الأميركي لحرب المملكة والإمارات في اليمن.
2. الاتفاق النووي الإيراني من غير المتوقع أن يكون في وسع الديمقراطيين فعل شيء يذكر لحماية الاتفاق النووي مع إيران، رغم استيائهم من انسحاب ترامب منه. وهو اتفاق لم يتم التصديق عليه أصلًا في مجلس الشيوخ بوصفه معاهدة، وهو ما مكّن ترامب من إلغائه. وتحدّ خشية الديمقراطيين من الظهور بمظهر ودود لإيران من قدرتهم على التصدي لترامب في هذا الموضوع.
وأقصى ما يمكن الديمقراطيين فعله في هذا السياق هو تخفيض نفقات الميزانية الدفاعية، ما ينعكس على التمويل الممنوح لـ “عمليات الطوارئ في الخارج”، والتي تمول التدخل العسكري الأميركي في العراق وسورية، على نحوٍ قد يحد من قدرة إدارة ترامب على احتواء النفوذ الإيراني العسكري في الشرق الأوسط وردعه، لكن حتى هذا الأمر غير محتمل الحصول.
3. مستقبل عملية السلام الفلسطينية ء الإسرائيلية يمثل الصراع الفلسطيني ء الإسرائيلي إحدى الساحات التي قد يبحث فيها ترامب عن إنجاز في مجال السياسة الخارجية.
وإذا اختار الانخراط مباشرة في هذه القضية، فإنه لن يجد ممانعة أو محاولات عرقلة من الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، فكلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، منحاز لإسرائيل. كما أن ترامب لا يبذل جهدًا لإقناع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالعودة إلى طاولة المفاوضات، أو وقف الاستيطان أو تحديده.
ولا مجال لإقناع الفلسطينيين بجدوى العودة إلى المفاوضات، ولا يبدو ترامب مهتمًا كثيرًا بعودتهم، فبحسب الثلاثي الذي سلّمه ترامب هذا الملف بقيادة كوشنر، يعتبر التطبيع الجاري بين إسرائيل وبعض الدول العربية، تحديدًا الخليجية منها، أهمّ من المفاوضات الإسرائيلية ء الفلسطينية.
فترامب تحدّث كثيرًا عن صفقة كبيرة للسلام بين الطرفين تعمل عليها إدارته، إلا أنه لم يقدم تفاصيل بشأنها بعد، كما أن خطواته بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وعدم الاعتراف بقضية اللاجئين عبر وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وعدم معارضته الاستيطان يفرغها من أي مضمون، حتى لو بادر إلى الكشف عن تفاصيلها خلال الأشهر القادمة. الدكتورة فاطمة الزهراء شبيلي …أكاديمية و باحثة في الإقتصاد و السياسة …الجزائر