زبـــــــائــــــن الـريـع في الجزائر : رؤية تحليلية لدور رجال المال
بقلم : د. لقرع بن علي – أستاذ العلوم السياسية (جامعة مستغانم – الجزائر)
- المركز الديمقراطي العربي
برز في العقدين الماضيين مجموعة من رجال المال في الجزائر، ولم يقتصر هذا البروز في النشاط الاقتصادي فحسب بل تعداه إلى ممارسة العمل السياسي ولاسيما في الانتخابات المحلية والتشريعية، مما جعل الكثير من رجال المال يحظون بمقاعد نيابية في البرلمان ونجح بعضهم في الحصول على مقاعد تمثيلية في المجالس المحلية، حيث شهد العام والخاص ترؤس عدد من هؤلاء لقوائم المترشحين في الانتخابات. وعلى الرغم من كون حزبا السلطة (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي)، هما أكثر الأحزاب التي كانت عرضة لتغلغل رجال المال في القوائم الانتخابية، إلاّ أن هذه الظاهرة أصبحت تمس الكثير من الأحزاب السياسية بمختلف تياراتها سواء كانت كبيرة أو صغيرة. وهناك بعض رجال المال الذين شكلوا قوائم حرة وتمكنوا من الفوز بأصوات أكثر من أصوات الأحزاب السياسية في بعض المناطق من البلاد.
لم يقتصر دور رجال المال على التواجد في الانتخابات والمجالس التمثيلية فقط بل امتد إلى التدخل في بعض التعيينات الحكومية، فهناك عدد من الوزراء في عديد الحكومات الذين عرفوا بارتباطهم ببعض رجال المال أو ببعض المؤسسات الخاصة، أو يمكن القول أن رجال المال مثلما أصبح لهم تمثيل في البرلمان اكتسبوا كذلك تواجدا في الحكومة لاسيما في بعض الوزارات التي لها علاقة بالنشاط الاقتصادي. وبفعل هذا التواجد والتمدد لرجال المال شهدنا الكثير من القوانين والسياسات التي وضعت كانت في صالحهم وخدمت مصالحهم، ولعل أبرز الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها هنا ما يتعلق بالإعفاء الضريبي ونشاط تركيب السيارات في الجزائر.
لقد استفاد رجال المال كثيرا من الانتقال الاقتصادي العشوائي الذي حدث في نهاية الثمانينيات من الاقتصاد الاشتراكي الريعي إلى خصخصة شركات القطاع العام في إطار الاقتصاد الريعي، الأمر الذي نتج عنه الفشل في التحول نحو اقتصاد السوق، فالاقتصاد الجزائري مازال يفتقد لآليات اقتصاد الرأسمالي المتواجد في الدول المصنعة والمتطورة. وبفعل هذا الانتقال العشوائي ظهرت مجموعة من كبار رجال المال المرتبطين باقتصاد الريع النفطي، وفي نفس الوقت مرتبطين بدوائر سلطوية نافذة داخل النظام الحاكم. وكان الهدف من هذا الانتقال ليس تطوير الاقتصاد الوطني أو تنويع الصادرات، بل كان الهدف هو التكيف مع التحولات الاقتصادية والسياسية التي أفرزها سقوط المنظومة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي سابقا وفي بلدان أوربا الشرقية، والحيلولة دون بروز نخبة اقتصادية نظيفة منتجة للثروة ومالكة لها يمكن أن تنافس السلطة الحاكمة على الحكم والنفوذ أو على الأقل تفرض شرعيتها بالمشاركة في صنع القرار ورسم السياسات العامة.
ولهذا نجد أنه بعد مرور حوالي ثلاثين عاما على الانفتاح الاقتصادي إلاّ أن أكبر الشركات الاقتصادية في الجزائر هي ملك للدولة والقطاع العمومي (مؤسسة سوناطراك للنفط، مؤسسة سونلغاز للكهرباء، شركة الخطوط الجوية الجزائرية…الخ)، ومازال القطاع العام يساهم بنسبة 82 بالمائة من قيمة الضرائب مقابل 18 بالمائة فقط للقطاع الخاص وفقا لإحصاءات الديوان الوطني للإحصاء، كما أن المحروقات هي المصر الرئيسي الوحيد للصادرات الجزائرية. وهذا يدل على أن الفشل في الانتقال الاقتصادي نتج عنه فشل تنموي ساهم في بقاء الاقتصاد الجزائري رهينة للنمط الريعي، ويهيمن عليه القطاع العام وقطاع المحروقات وليس القطاع الخاص مثلما هو شائع.
بناء على ذلك، ينبغي القول أن وصف رجال المال هو أحسن وصف لكبار ملاك شركات القطاع الخاص، بدلا من كونهم رجال أعمال باستثناء القلة القليلة من بعض المستثمرين الخواص غير البارزين. فهؤلاء يقتصر نشاطهم على الاستيراد والنشاط التجاري والمقاولاتية واحتكار تجارة بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، الأمر الذي جعلهم يشكلون طبقة ريعية تسعى للاستفادة من الريع النفطي من خلال القيام بانجاز بعض المشاريع السكنية وإنجاز الطرقات مثلا أو التكفل باستيراد السلع الغذائية والمصنعة، وبعضهم منحت لهم رخص تركيب السيارات.
لقد اعتقد بعض كبار رجال المال في الجزائر أنه أصبح لهم حق التدخل في صناعة القرارات والسياسات العامة للبلاد، معتقدين أن امتلاكهم للثروة وارتباطهم بدوائر سلطوية نافذة يمنح لهم هذا الحق. وهنا يبدو أن صعودهم السريع والسماح لهم بالتحرك في الواجهة كان سببا في التغرير بهم والطموح للعب أدوار أكبر من حجمهم ولا يسمح لهم القيام بها.
والحقيقة التي تغافل عنها كبار رجال المال في الجزائر هي كونهم لا يملكون وزنا ثقيلا في بنية الاقتصاد الجزائري مثلما سبقت الإشارة إليه، وأنهم مجرد زبائن للنظام الحاكم هدفهم الأسمى البحث عن الريع، وأن هذا النظام هو ولي نعمتهم وهو صاحب الفضل عليهم، وهو يستطيع أن يطيح بهم ويصنع رجال مال آخرين بواسطة توزيع الغنائم على من يخدمه وحرمان معارضيه منها، والمثال هنا ما وقع للخليفة سابقا، وهذا يعني أن بقاء رجال المال يحدده النظام الحاكم وليس العكس. فالنظام الحاكم في الجزائر يحتكر لنفسه عناصر القوة، وهو الذي يوزع الأدوار بين زبائنه الموجودين في الواجهة السياسية وفي المشهد الاقتصادي (البرلمان، الأحزاب، الحكومة، البيروقراطية، الإعلام، رجال المال، الجمعيات).
وانطلاقا من هذه الحقيقة، فرجال المال مطلوب منهم القيام بدورهم المحدد لهم وعدم تجاوزه، لأنهم لا يشكلون نخبة اقتصادية أو نخبة برجوازية على النمط الغربي بقدر ما يشكلون طبقة ريعية تنتفع من اقتصاد الريع النفطي.