مقالات

زمن العبور

بقلم : ريناس بنافي – باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي – لندن

  • المركز الديمقراطي العربي

زمن العبور يعبر عن القناعة ببدء مستقبل جديد الوعي بكون فيه حاضرا ويختلف كليا عن الماضي، لأنه زمن حديث في مقابل الزمن القديم لأول.
وهي مغامرة تنطلق شرارتها الأولى وكما حددها هيجل في الاصلاح واكتشاف العالم الجديد لتدشن لمرحلة جديدة تختلف كليا عن العصور القديمة،وهي تكريس لروح العصر أو بلغة أدق تدشين لعصر جديد او هي تجسيد لاكتمال وعي العبور.
إن الوعي بالحاضر من حيث هو اختلاف عن الماضي ومتميز عنه، هو وعي بالزمان، ومن ثم وعي بالتاريخ.
وهذا الزمن لا يعتبر مجرد العبور من نموذج إلي آخر يتأسس عليه زمن العبور ولا مجرد العبور من حقبة إلي أخري مغايرة أو حتي نقيضة في آلياتها وأدواتها ومناهجها, وإنما هو كل ذلك وأكثر منه وأعمق وهو على وجه الدقة تحول جذري في رؤية الإنسان للوجود وكل ما ينبثق عنها من قواعد نظر وآليات عمل وتقاليد ممارسة.
هذا الانتقال المفصلي هو موضوع فكر اليوم, ويتوقف مستقبلنا عليه
حيث يتم الانتقال من المعرفة السحرية والأسطورية إلي المعرفة العلمية, وتحرك العقل الإنساني من هامش الوجود إلي مركزه, خلاصا من أوهامه القديمة, وتأسيسا لسلطته الجديدة في إدراك العالم وتنظيم المجتمع, وهو تطور مر بعدة مراحل .
والانتقال من الانظمة الاستبدادية الى الحداثة السياسية التي بلغت ذروتها مع الديمقراطية التي اعتقت الإنسان من قبضة الاستبداد, وتظل الديمقراطية هي الأفضل رغم قصورها, لحكم المجتمعات وإدارة تناقضاتها بشكل سلمي.
ويتم الانتقال من الحالة الاجتماعية التقليدية الى الحداثة الإجتماعية, باعتبارها تلك العملية التاريخية الصعبة والممتدة لإنتاج كائن إنساني يبلغ من نضج الوعي, وعمق الشخصية, حد القدرة علي الانعتاق من هيمنة الكيانات الجمعية عليه, والشعور بامكانية السيطرة علي مصيره الفردي, ما يتيح له ممارسة فعل الحرية عند جذرها الوجودي, الأعمق من تجلياتها السياسية والاقتصادية, تحقيقا لذلك التوازن المنشود بين الحرية الإنسانية والمسئولية الأخلاقية. وتعتبر الحداثة الإجتماعية.. ازدهار الشخصية الإنسانية!
أن زمن العبور بالنسبة لنا أصبح حتمياً لأنه لم يعد هناك خيارا نعبر إليه وهذا العبور يستوجب منا أدوات ورؤى واضحة.
والعبور إلى المستقبل ينطلق من اعتقاد راسخ باهمية وحدتنا واتحادنا لان التجزئة هي العامل الأخطر في إضعافنا والإبقاء على عجزنا في مواجهة التحديات.
آن إنجاز عملية العبور إلى المستقبل هي عملية إنجاز المشروع النهضوي التحرري والديمقراطي وهو أمر ممكن. على آن هذا الإمكان مشروط بجملة من الشروط التي يأتي في مقدمتها:
1- إرادة المستقبل التي تشكل الدافع للنهوض إلى الاضطلاع بمهمة العمل من أجل الغد وبذل ما يتطلبه ذلك من جهود وتضحيات.
2- التخطيط للمستقبل حتى يتوجّه العمل من أجله الوجهة الصحيحة الموصلة إلى الهدف وهذا يتطلب أن يلبّي التخطيطُ حاجاتنا الحقيقية العميقة وليس الحاجات المفتعلة والشعارات الزائفة.
3- معرفة الماضي: إذ لا بد من قراءة الماضي الذي ما زال مهيمناً على وعينا قراءة نقدية تسمح بالسيطرة عليه وتوظيفه في دعم عملية العبور إلى المستقبل.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى