الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

صفقة القرن الأميركية: أشخاص وتصورات !!

اعداد : منصور أبو كريم – باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

فرص مصطلح صفقة القرن نفسه على الساحة الدولية منذ أن تم استخدامه من قبل الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب للإشارة إلى الخطة الأميركية التي تنودي إدارته طرحها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فمنذ الحملة الانتخابية صيف عام 2016م، بدأ مصطلح “صفقة القرن” يتم تداوله في الأوساط السياسية والإعلامية على نحو غير مسبوق.

ماهية الصفقة

بعد نحو قرن من الزمن على وعد بلفور، تنوي الإدارة الأميركية الحالية، عرض رؤيةً جديدة لتسوية القضية الفلسطينية دأبت وسائل الإعلام على وصفها بصفقة القرن. فعقب فوزه بالانتخابات الرئاسية أكد ترامب أنه يود أن تنجح إدارته في التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط. وأضاف في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز “أحب أن أكون الشخص الذي يحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، سيكون هذا إنجازا عظيما”، صفقة القرن كما يراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هي نجاحه في حل القضية الفلسطينية، الأشد تعقيدًا التي مر عليها أكثر من 70 عاماً، ولذا فهي قضية القرن، وأي صفقة لها حسابات خاصة، عبر تقديم تنازلات بهدف الوصول لحلول وسط، وصولاً لتوافق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، تحت رعاية الطرف الأميركي.

وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد تعهد بالعمل من “أجل سلام عادل ودائم” بين إسرائيل والفلسطينيين “يتم التفاوض عليه بين الطرفين” وذلك في أول رسالة له حول هذه المسالة منذ فوزه بالرئاسة نشرتها صحيفة “إسرائيل اليوم”. وكتب ترامب في هذه الرسالة “أعتقد أنه بإمكان إدارتي أن تلعب دوراً مهماً في مساعدة الطرفين على تحقيق سلام عادل ودائم”، كما جاء في ترجمة خاصة بصحيفة القدس. ودخل مصطلح “صفقة القرن” دائرة التداول السياسي والإعلامي منذ تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة الأميركية. فقد أكد ترامب، أثناء لقاء عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2018م، أن العمل على “صفقة القرن” يجري على قدم وساق، وأبدى استعداده إلى تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فق هذه الخطة.

فريق الصفقة:

يضم فريق الخطة جاريد كوشنر صهر ومستشار ترامب، ويضم فريقه عددا محدودا من الأعضاء، من بينهم جيسون غرينبلات (المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط)، وهو يهودي أرثوذكسي عمل محاميا في مجال العقارات وكان مقربا لترمب منذ عقود، ودينا باول نائبة مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، وتيم ليندركينغ مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج.

وكان الوفد الأميركي قد قام بعدة جولات مكوكية في منطقة الشرق الأوسط بهدف تسويق خطة الإدارة الأميركية “للسلام” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي باتت تُعرف إعلاميًا باسم “صفقة القرن”، وهي تسمية مقصودة لتسويق قناعات وأفكار إسرائيلية قديمة بوصفها اقتراحًا جديدًا لصفقة تاريخية. أعلن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، خلال الأيام الماضية أن خطته المنتظرة للسلام في الشرق الأوسط ستكرس القدس عاصمة لإسرائيل ولن تأتي على ذكر حل الدولتين، على الرغم من أن هذا الحل كان على مدى سنوات عديدة محور الدبلوماسية الدولية الرامية لإنهاء النزاع العربي-الإسرائيلي.

ملامح الصفقة الأميركية:

ليس هناك تصور واضح لما سوف تكون عليه صفقة القرن الأميركية المزمع طرحها على الأطراف، بسبب تعارض التسريبات الصحفية التي تتحدث عن الموضوع، لكن الثابت الوحيد في الصفقة أنها لن تراعي الحقوق الوطنية الفلسطينية ولن تقوم على أساس حل الدولتين، ولن تراعي أسس عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية التي قامت على أساسها عملية السلام ولن تراعي أيضا التجارب الأميركية الفاشلة في الملف الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية لم تكشف رسميًا عن تفاصيل الخطة التي تروّج لها، فإن التسريبات التي بلغت العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية تعطي صورة تقريبية عن ماهية الطرح الأميركي والغايات التي يسعى لتحقيقها. تقوم الخطة على تطبيع العلاقات العربية -الإسرائيلية شرطًا لتهميش القضية الفلسطينية، وليس حلها بوصفها قضية سياسية، ويأتي كل ذلك من خلال إنشاء مناخ سياسي إقليمي ملائم لعلاقات عربية -إسرائيلية، يستوعب الجانب الفلسطيني، ويمارس الضغط اللازم عليه لقبول الطرح الأميركي الذي يركز على التعاون والتكامل الاقتصادي عبر حزمة من المزايا الاقتصادية والاستثمارات الأميركية والخليجية، مع تجاهل أركان القضية الفلسطينية في العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس.

بدأ تنفيذ الخطة التي تقوم على التخلي عن قضايا الوضع النهائي (وهي القدس، والمستوطنات، والحدود، واللاجئين، والمياه) مسبقًا ومن دون مفاوضات بإخراج القدس من دائرة التفاوض؛ وذلك عندما اعترفت إدارة ترامب، في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب في الذكرى السبعين لإعلان قيام إسرائيلي.

صحيفة “هآرتس”، نقلت عن مسؤول الفلسطيني قوله إن السلطات الفلسطينية حصلت على معلومات عن قرب الإفراج عن “صفقة القرن” خلال الأسابيع المقبلة، عبر إعلان إدارة ترامب موافقتها على ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وفيما يطرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ضم 15 في المائة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، يقترح ترامب ضم 10%”. وستخترع إدارة ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كيلومترات مربعة) عام 1967، وستعلن بعدها مفهوما أمنيا مشتركا لدولتي إسرائيل وفلسطين كشريكين في سلام يشمل دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شرطة قوية، وتعاونا أمنيا ثنائيا وإقليميا ودوليا، يشمل مشاركة الأردن ومصر وأمريكا، على أن يكون الباب مفتوحا أمام دول أخرى.

ويشمل المفهوم الأمني أيضاً، وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى من الضفة الغربية لحماية الدولتين، فيما تبقي إسرائيل صلاحيات الأمن القصوى بيدها لحالات الطوارئ”، وفق التقرير. وتتضمن “صفقة القرن” أن تنسحب القوات الإسرائيلية وتعيد تموضعها تدريجياً خارج المناطق (أ) و(ب) وفق تصنيف اتفاق أوسلو، مع إضافة أراضٍ جديدة من المنطقة (ج)، وذلك وفق الأداء الفلسطيني (لم تحدد مهلة زمنية)، وتعلن دولة فلسطين في هذه الحدود، على أن تعترف دول العالم بـ “دولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني، وتضمن إسرائيل حرية العبادة في الأماكن المقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم فيها”.

بشكل عام لن تشمل الصفقة بالضرورة انسحاباً إسرائيلياً من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وفي محيط القدس. وقد أبرزت صحيفة “هآرتس” ما اعتبرت أنه ملامح شبه نهائية لصفقة القرن التي تتحدث في واقع الحال عن تبنٍّ مطلق للموقف الإسرائيلي العام بمنح الفلسطينيين كياناً “دون الدولة”. وهو الموقف الذي كان قد عبّر عنه في أكتوبر/ تشرين الأول 1995، رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، في آخر خطاب له أمام الكنيست، عند عرض اتفاق أوسلو الثاني على الكنيست، وأكد فيه أيضاً أنه لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي من الأغوار الفلسطينية.

وحول الوضع في قطاع غزة تعمل الادارة الأميركية تعمل الآن على إعادة تأهيل البنية التحتية في القطاع من أجل أن يكون مركز الدولة الفلسطينية المستقبلية، من خلال بناء مشاريع لسكان قطاع غزة، ومن بين المشاريع التي يتم دراستها اقامة محطة لتوليد الكهرباء وميناء بحري ومشروع للطاقة الشمسية، فالإدارة الأميركية تأمل أن تساهم تلك المشاريع بتهدئة الوضع بين غزة و”إسرائيل”، وتكون تلك المشاريع خطوة تمهيدية لتعرض الادارة الأميركية خطة صفة القرن. فالنقطة الأهم في نظر الادارة الأميركية الآن حل مشكلة الكهرباء في قطاع غزة، عبر إقامة محطة توليد طاقة كبيرة تخدم قطاع غزة لتحسين الكهرباء في القطاع.

خلاصة القول الخطة التي تنوي طرحها إدارة ترامب لا تستقيم عملياً مع منطق حل الدولتين أو أسس عملية السلام ولا قرارات الشرعية الدولية لأنها تؤدي عمليًا إلى احتفاظ إسرائيل بأكثر مساحة الضفة الغربية المحتلة، وإعلان القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بعد نزع صفة الاحتلال عن شطرها الشرقي. ومن ثمّ، لا يتبقى للفلسطينيين سوى كيان مقطع الأوصال (كنتونات) يضم التجمعات السكانية الفلسطينية الكبرى، وبذلك تتخلص إسرائيل من مراكز الكثافة السكانية الفلسطينية العالية في مقابل احتفاظها بأكبر جزء من الأرض. أمّا غزة، فيجري تحويل قضيتها إلى قضية خدمات، والتعامل معها على أنها قضية إنسانية وإغاثية وليست جزء من الأرض الفلسطينية عبر التركيز على البعد الإنساني كأساس في التعامل مع قضايا غزة، عبر البحث عن مشاريع استثمارية لتثبيت دويلة غزة.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى