المنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية بين التمويل والاستقلالية والتسييس وضعف الكوادر
اعداد الباحث : قتيبة قاسم العرب – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
من خلال التجارب الواقعية لتقييم أداء المنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية ومدى تأثيرها على مبدأ حماية حقوق الإنسان وتعزيز ثقافتها نلاحظ بأنها تخضع لعدة عوامل بحكم الواقع من حيث جنسيتها أي البلد التي أسست فيه ومن حيث قوة التمويل المالي ومن حيث كادر الكفاءات لديها من حيث إجراءات الترخيص ومن خلال هذا التقسيم الواقعي سوف تبرز إشكاليات كبيرة تؤدي لفرز عوامل مدى نجاح هذه المنظمات في تحقيق أهدافها الحقوقية والإنسانية وبالتالي مما يصعب الحفاظ على استقلاليتها ورفع شعارات شكلية لا تجسد واقعيا بالعمل الميداني أو الذهاب باتجاه التسييس لمصالح وأجندات شخصية ومالية وبالتالي ينعكس سلبا على دورها الدولي بنقل الحقائق بتقاريرها الدولية والتي قد تؤثر على صناع القرار وعلى الرأي العام الدولي وتتحول لورقة ابتزاز وضغوط دولية حسب الهدف المراد تحقيقه من ذلك وسوف نحلل من خلال هذه العوامل الواقعية والمؤثرة كالتمويل والاستقلالية والأداء وضعف الكوادر وأسبابها لنصل للحقيقة وانعكاساتها وإيجاد ودعم حل للمنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية التي تعمل على الحياد أو تتبنى مشاريع وقضايا تؤمن بها بإطار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
استنادا لتجارب واقعية بالإضافة للعوامل المذكورة بالمقدمة أعلاه:
أولا. من حيث جنسية المنظمة أي مكان التأسيس فالمنظمة الدولية الغير حكومية جنسيتها تزيد من قوتها حسب قوة الدولة التي أنشأت بها مما يعطيها زخم بالتعامل والتأثير على الرأي العام من خلال الإعلام أو على الدول التي تريد تأسيس فروع تابعة لها فهناك بعض من المنظمات الدولية تحاول الهيمنة والضغط على الدول الأخرى من خلالها لأهداف سياسية وهناك البعض منها تدعم حقوق الإنسان وتعزيز ثقافتها من خلال مشاريع وأنشطة وكأن قوتها مرتبط بقوة الدولة التي أسست بها علما أن معايير القوة يجب أن تكون حسب الدولة الأكثر تقدما وتطورا بمجال حقوق الإنسان والديمقراطية وبالتالي المنظمات التي تحمل جنسية الدول العظمى هي الأكثر تأثيرا على صناع القرار الدولي مقابل المنظمات في الدول الأخرى وهنا ارتبط التأثير سواء سلبا أو ايجابا حسب جنسية المنظمة الدولية الحقوقية الغير حكومية.
ثانيا . من حيث قوة مصادر التمويل فالواقع والتجارب أن المنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية غالبيتها تعتمد على تمويلها من خلال التبرعات واشتراكات الأعضاء وبالتالي منظمات غير ربحية والنوع الآخر يعتمد القيام بمشاريع اقتصادية الغاية منها تمويل أنشطة المنظمة لتحقيق أهدافها ومن خلال ذلك نرى مدى التأثير سواء الإيجابي أو السلبي فهناك منظمات دولية كبرى لديها تبرعات مادية ضخمة سواء من شخصيات اقتصادية وشركات وسفارات ولكن من خلال مقاربة واقعية ودراسة العديد من التقارير الدولية لهذه المنظمات نجد أن هناك عدم استقلالية وتسييس للبعض منها خضعت لرغبة مصادر التمويل وبالتالي أصبحت حسب الملفات أداة ضغط حسب المصالح الاقتصادية للممول تجاه الدولة التي يريد تحقيق الغاية بها ودائما الدول النامية والدول الضعيفة والتي لديها خيرات وثروات والدول العربية أكثر المستهدفين لوجود انتهاكات حقوق الإنسان بها وبنفس الوقت طرف تسييس التقارير الدولية بذكاء واستغلال ذلك والنجاح بالضغط وتحقيق الأهداف بالتأثير على صناع القرار الدولي أما المنظمات التي تقوم بمشاريع ربحية لدعم أنشطتها الإنسانية فهي خاضعة حسب رغبة وتوافق مكان عقد هذه المشاريع ومكان تحقيق الأرباح وبالتالي وهذا الأمر له ايجابيات وسلبيات فالايجابيات هو دعم الأنشطة التي تهدف لعزيز ثقافة حقوق الإنسان والتسامح والسلام ومحاربة فكر التطرف والإرهاب والسلبيات هي مدى تأثير المستثمرين والداعمين لهذه المشاريع على قرارات المنظمة في تقاريرها الدولية ومن جهة أخرى دخول مستثمرين كأعضاء بمنظمات دولية حقوقية واكتساب صفة قد لا يتمتع بها المستثمر فعقله يبقى تجاريا وبالتالي يجب أن يحدد دوره بمجال عمله ويبقى الأمر بالنهاية نسبيا.
ثالثا. من حيث اختيار الكوادر فمن المفترض أن تكون الكوادر بالمنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية هي من نشطاء حقوق الإنسان ورجال القانون والأكاديميين والباحثين وطبعا حسب معايير الكفاءة ومدى إستراتيجية المنظمة في تحقيق أهدافها دوليا فالمنظمات الدولية وحسب مكان تأسيسها تحاول عادتا فتح فروع في جميع أنحاء دول العالم وطبعا من المفترض على هذه المنظمات أن تنجح أولا في الدولة التي تأسست بها قبل أن تنطلق وتطور وتأسس فروع في الدول الأخرى وفي الآونة الأخير أخذت تتجه باتجاه الدول العربية لما تعانيه البعض منها من انتهاكات ومشاكل في التحول الديمقراطي أو من إحباط وظلم بالتقارير الدولية من منظمات كبرى مسيسة وهنا من خلال التجارب الواقعية برزت عدة مشاكل أدت لخليط من خلفيات العوامل المذكورة أعلاه فمن خلال انتقاء الكوادر لم تستطع هذه المنظمات أن تنتقي الكوادر حسب الكفاءات بل خضعت بسبب ضعف الموارد المالية ولعدم قدرتها على تمويل مكاتب فرعية لها بالدول لاختيار مدراء فروع حسب الكفاءة المادية للمدير لتأسيس فرع وليس حسب الكفاءة الحقوقية بالإضافة هناك بعض منظمات تمنح شهادات وبطاقات مقابل رسوم مادية لدعم تمويلها وما يعنيها هو المال وليس لمن منحت الشهادات أو بطاقات العضوية وبالتالي يحصل تناقض بين تحقيق الهدف الإنساني والهدف المادي وفي ظل ذلك لا بد من تغليب الهدف الإنساني وأهداف المنظمة على العنصر المادي كما هي حالة تنازع القوانين كمقياس قانوني.
رابعا .من حيث إجراءات الترخيص فهي سهلة وغير معقدة بمكان التأسيس ولا سيما بالدول العظمى والدول الأوربية أما الإشكاليات تكون عندما تأسس فروع في الدول الأخرى ولا سيما في الدول العربية فالأنظمة الديكتاتورية فالترخيص مرفوض مهما كان الغاية والهدف الإنساني لأن تعزيز ثقافة حقوق الإنسان تؤدي لفتح طريق المسار الديمقراطي وهذا الأمر لا يناسب الأنظمة الديكتاتورية أما الدول التي نهجت مسارا ديمقراطيا فالأمور ليست سهلة ولا صعبة تخضع الإجراءات وضمانات للتأكد من أهداف المنظمة على أراضيها ومدى تحقيق المنفعة والقيمة المضافة لخارطة حقوق الإنسان لديها وتخضع أحيانا لتجاذبات تيارات داخل هذه الدولة بين مؤيد ومعارض وتتأثر المنظمة كذلك بالعامل المادي والسياسي باختيار أعضائها بتلك الدول وبالتالي قد ينعكس سلبآ أو ايجابآ على إجراءات الترخيص وبالتالي لا بد من البحث عن الاستقلال المادي بالطرق المشروعة والاستقلال السياسي تجاه أحزاب هذه الدول من أجل ضمان حيادية التقارير الدولية علما أن هناك بعض المنظمات الدولية لا يعنيها مدى هذا الاستقلال بل أن تمر مشاريعها ومدى الاستفادة المادية ورفع شعارات شكلية بحقوق الإنسان وهذا يتناقض مع أهدافها الإنسانية.
النتيجة:
ومن خلال التجارب والتحليل أعلاه نجد أن بعض المنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية الكبر ى تخضع في بعض تقاريرها للتسييس وعدم الاستقلالية سواء بسبب جنسيتها أو مصادر تمويلها أو كوادرها وأسباب تعينهم وخلفياتهم مما ينعكس سلبا بالضغط والرأي والتأثير على صناع القرار الدولي والبعض الآخر من المنظمات الدولية تسعى لأهداف مادية بغطاء حقوقي بسبب ضعف مواردها سواء بوسيلة انتقاء الكوادر أو منح شهادات أو بطاقات عضوية وهناك نوع ثالث لديه تنازع بين تحقيق الهدف الإنساني والهدف المادي وقد يخضع لصراع داخل الضمير الإنساني وبالتالي يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي دعم المنظمات الدولية الحقوقية الغير حكومية والمستقلة لإنشاء رأي مستقل ومقارن بآراء المنظمات الأخرى المسييسة وفرز آراء متعددة للوصول للقرارات الصائبة التي تحقق الأهداف الإنسانية للشعوب بالعالم وكذلك يجب على قيادات هذه المنظمات الدولية أن تنتهج سياسية معتدلة ومتوازنة وأن تتخلى عن الجشع المادي وأن تناضل بضعف التمويل من أجل تحقيق غاية خدمة الإنسانية جمعاء وحماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها وتشجيع الحكومات على ذلك ولا سيما في العالم العربي بعد آثار ونتائج ما يسمى بالربيع العربي.