رئاسة مصر للإتحاد الأفريقي: هل كانت إنجازات بالجملة أم خيبة أمل؟
إعداد: أ. أسماء حجازي – باحثة متخصصة في الشأن الأفريقي
- المركز الديمقراطي العربي
تعد منظمة الاتحاد الافريقي منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية، تأسس الاتحاد في 9 يوليو 2002 ، متشكلاً خلفاً لمنظمة الوحدة الأفريقية، وتتخذ أهم قرارات الاتحاد في اجتماع نصف سنوي لرؤساء الدول وممثلي حكومات الدول الأعضاء من خلال ما يسمى بالجمعية العامة للاتحاد الأفريقي.
ومن بين أهداف مؤسسات الاتحاد الأفريقي الأساسية تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، وذلك لتعزيز مواقف أفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن؛ ومساندة للديمقراطية وحقوق الإنسان يتكون الاتحاد الأفريقي من جزئين أحدهما سياسي والأخر إداري. ويعرف أكبر صانع للقرارات في الاتحاد الأفريقي بالجمعية العامة، التي تتألف من رؤساء دول الأعضاء أو ممثلي حكوماتها.
وتنتقل رئاسة الاتحاد الإفريقي إلى مصر لأول مرة في تاريخ المنظمة الإفريقية التي أحدثت عام 2002. وستنقل رئاسة المنظمة من الرئيس الرواندي بول كاغامي إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فبراير 2019، وكان من ضمن أولويات مصر اثناء رئاسة الأتحاد الأفريقي هي أن تهتم أكثر بالقضايا ذات الطابع الأمني والاقتصادي، خلافا لنهج كاغامي الذي أراد إصلاح أجهزة المنظمة الإفريقية.
اولا: أولويات مصر اثناء رئاستها للأتحاد الأفريقي عام 2019
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
من خلال السعى لتوفير فرص العمل وتعظيم العائد من الشباب الأفريقى، تطوير منظومة التصنيع الأفريقية وسلاسل القيمة المضافة الإقليمية، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي للقارة.
- التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي:
يهدف بالأساس إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والاندماج القاري من خلال الدخول في اتفاقية التجارة الحرة القارية AFCFTA ووضعها في حيز التنفيذ بشكل سريع وعملي وفعال خلال فترة الرئاسة المصرية للاتحاد تحت شعار «القارة للجميع»، بالإضافة إلى دعم مشروعات البنية التحتية في أفريقيا للمساهمة في تحقيق التكامل الاقتصادي والاندماج القاري وتعزيزه.
- مد جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب الأفريقية:
سيتم تطبيق هذا المحور من خلال دعم الفعاليات الفنية والثقافية وتبادلها بشكل دائم بين دول القارة بعضها البعض، بالإضافة إلى العمل بشكل مفصل وفعال في المنظومة الرياضية، يأتي ذلك بالتزامن مع استضافة مصر لكأس الأمم الأفريقية 2019، التي ستقام في شهر يونيو المقبل، الأمر الذي سيعزز من احتكاك الشعوب بشكل حضاري في أجواء رياضية حماسية تصب في مصلحة الاندماج القاري وتسهل من عملية بناء جسور التواصل بين الشعوب والشباب تحديدًا.
- التعاون مع الشركاء
لم تغفل مصر في تحديد أولوياتها وتفعيل التعاون مع الشركاء، لذا وضعت محورا خاصا بتحديد طرق التواصل، عن طريق تعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي وشركاء التنمية على المستوى المحلى والدولي والإقليمي.
- الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد:
أما الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد فسيتم عن طريق تعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الأعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، ومواصلة عملية الإصلاح المالي والمؤسسي، وضع وتطوير نظام متكامل لتقييم الأداء والمحاسبة وتعزيز الشفافية.
- السلم والأمن:
وضعت مصر خططا لدعم جهود الاتحاد الأفريقي لاستكمال منظومة السلم والأمن الإقليمي، وإطلاق منتدى رفيع المستوى “منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة”، وتعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الأعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، واتخذت مصر قرارا لتأسيس وإطلاق مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الأعمار والتنمية ما بعد النزاعات AUC_PCRD ومقره القاهرة خلال العام الجاري، وتعزيز التعاون القاري لدحر الإرهاب وتجفيف منابع التطرف الفكري، ودفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها والوساطة في النزاعات.
ثانيا: اهم الإنجازات التي قامت بها مصر اثماء رئاستها للأتحاد الأفريقي
- في المجال الأقتصادي
- أطلاق المرحلة التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية
شهدت القمة الاستثنائية الإفريقية التى عُقدت بالنيجر فى يوليو الماضى، إطلاق المرحلة التشغيلية للمنطقة حيث وقعت عليها 54 دولة، ودخلت حيز النفاذ فى مايو الماضى .
تجسد منطقة التجارة الحرة الإفريقية واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة منذ تدشين منظمة التجارة العالمية، وتهدف الاتفاقية لإزالة الحواجز الجمركية وإلغاء التعريفة الجمركية تدريجيا بين دول القارة وخلق سوق إفريقية موحدة للسلع والخدمات.
ويمكن التأكيد علي أهمية سريان الاتفاقية في النقاط التالية :
- إطلاق منطقة اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية، جاء بعد استكمال نصاب تصديقات الدول الأفريقية، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ في 30 من مايو 2019، بعد أن صادقت عليها 23 دولة أفريقية، وهو ما تخطى النصاب القانوني المطلوب وهو 22 دولة، لتصبح بذلك أكبر اتفاقية لأسواق التجارة الحرة في العالم.
- الاتفاقية تهدف إلى إزالة الحواجز التجارية، وتعزيز التجارة بين دول القارة، في وقت تشير فيه التقارير الأممية إلى أن “أقل من 40 بالمائة من التجارة الإفريقية بالقارة تخص المواد الأولية، و60 بالمائة تخص المواد المصنعة.
- تهدف الى إزالة القيود الجمركية أمام حركة التجارة البينية الأفريقية، وبالتالى خلق سوق قارى لكافة السلع والخدمات داخل القارة الإفريقية يضم أكثر من مليار نسمة ويفوق حجم الناتج المحلى الإجمالى له عن 3 تريليونات دولار، مما يؤدى إلى إنشاء الاتحاد الجمركى الأفريقى وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة تجاه واردات القارة الإفريقية من الخارج.
- اتفاقية التجارة الحرة القارية ستخلق فرص توظيف كبيرة، خاصة للشباب والمرأة.
- اجندة التنمية 2063
من خلال اجتماعات متواصلة وجهود حثيثة نجح القادة الافارقة وبمساعي جادة من مصر في صياغة أجندة التنمية 2063 .
ملامح واقسام الاجندة
هي عبارة عن إطار إستراتيجي للتحول الاقتصادي والاجتماعي للقارة على مدار 50 عامًا القادمة, تستند على الإسراع في تنفيذ المبادرات السابقة والحالية الخاصة بالنمو والتنمية المستدامة مثل خطة عمل لاجوس, ومعاهدة أبوجا, وبرنامج الحد الأدنى من التكامل, وبرنامج تطوير البنية التحتية في أفريقيا (PDIA) ، وبرنامج التنمية الزراعية الشاملة (CADDP) ، والشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (NEPAD), وتعتمد هذه الأجندة أيضًا على أفضل الممارسات الوطنية والإقليمية والقارية في تحقيق التنمية .
وتقسم الأجندة إلى خطة لـ25 عامًا, و10 سنوات, وخطط قصيرة المدى, وسوف تركز هذه الخطط على الإسراع في تنفيذ إطارات العمل القارية الرئيسية, بالإضافة إلى ضرورة قيام الدول الأفريقية بإلحاق الأطر التشريعية والبرتوكولات المناسبة والصكوك المماثلة مع أجندة 2063 .
اهداف وطموحات الاجندة
الهدف الأول: أفريقيا مزدهرة من خلال النمو الشامل والتنمية المستدامة والقضاء على الفقر, وتحقيق رخاء وازدهار مشترك عن طريق التحول الاجتماعي والاقتصادي للقارة.
الهدف الثاني: قارة متكاملة ومتحدة سياسيًا, تستند على المثل العليا لعموم أفريقيا وعلى رؤية نهضة أفريقيا منذ 1963. فلقد استلهمت الوحدة الأفريقية من روح أفريقيا الشاملة مع التركيز على الحرية والاستقلال السياسي والاجتماعي, وبدافع من التنمية القائمة على الاعتماد على الذات وتقرير مصير الشعوب مع الحكم الديمقراطي ومحوره الإنسان.
الهدف الثالث: يجب على أفريقيا أن يكون لديها ثقافة عالمية للحكم الرشيد, والقيم الديمقراطية, والمساواة بين الجنسين, واحترام حقوق الإنسان, والعدالة وحكم القانون.
الهدف الرابع: أفريقيا سلمية وآمنة من خلال توظيف آليات تحقيق السلم وحل الصراعات على كل المستويات, وغرس ثقافة السلام والتسامح لدى الأطفال الأفارقة والشباب من خلال التعليم المدني.
الهدف السادس: يجب إشراك وتضمين كل المواطنين الأفارقة في صنع القرار في كل المجالات, بحيث لا يستبعد أي طفل أو امرأة أو رجل بسبب النوع أو الانتماء السياسي والديني والعرقي أو العمر أو أي أسباب أخرى.
- المؤتمر الاقتصادي الافريقي ديسمبر 2019
نظم بنك التنمية الأفريقى المؤتمر الاقتصادى الأفريقى بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، واللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة، وعقد هذا العام بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 2 الى 4 ديسمبر 2019.
تم اختيار مصر كدولة مضيفة لهذا الحدث الاقتصادى العالمى بعد أن قدمت نموذجًا أفريقيا ناجحا و قويا وتجاوزت كل الصعوبات فى سبيل تحقيق نجاحات متتالية فى برنامجها الاقتصادى بشهادة صندوق النقد الدولى،وإحرازها تقدما ملحوظا فى ترتيبها الائتمانى بين دول العالم، فضلا عن رئاستها للاتحاد الأفريقى فى دورة عام 2019 .
يأتي المؤتمر متوافقًا مع أجندة 2063 للاتحاد الأفريقى التى تتطلع إلى القضاء على بطالة الشباب، وضمان حصول الشباب الأفريقى على فرصته كاملة من التعليم والتدريب والمهارات والتكنولوجيا والخدمات الصحية والوظائف والفرص الاقتصادية .
- الانجازات السياسية والامنية
- المشاركة فى حل الأزمة فى السودان وليبيا
استضافت مصر فى أبريل 2019، قمة إفريقية مصغرة، بحضور 13 رئيسا ومسؤلا إفريقيا؛ لمناقشة تطورات الأوضاع بالسودان، وخلصت القمة إلى مد المهلة التى أمهلها الاتحاد الإفريقى للمجلس العسكرى السودانى من 15 يوما إلى ثلاثة أشهر.
وسعت مصر إلى توحيد القوى الوطنية الليبية؛ للتوصل لحل سياسى للأزمة، كما رعت عدة جولات من المباحثات؛ للوساطة بين المشير خليفة حفتر وحكومة فايز السراج.
واستضافت القاهرة فى يوليو 2019، 80 نائبا ليبيا بقيادة فوزى النويرى، رئيس البرلمان الليبى، بدعوة من اللجنة الوطنية المعنية بليبيا؛ لتوحيد رؤى النواب الليبيين حول حل سياسى بقيادة البرلمان الليبى؛ لوضع حد للأزمة التى تمر بها البلاد .
- تعزيز الموقف المشترك بين الدول الأفريقية الأعضاء فى نظام روما الأساسى
اجتمعت الدول الأفريقية الأطراف فى نظام روما الأساسى على هامش اجتماعات جمعية الدول الأطراف فى نظام روما الأساسى، المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية فى دورتها الـ 18 في شهر ديسمبر 2019 .
وكانت نتيجة هذا الاجتماع وفقا للسفيرة نميرة نجم المستشار القانونى للإتحاد الافريقى أن مكتب المستشار القانونى لديه تفويض بالعمل مع المجموعة الأفريقية فى لاهاى من أجل الحصول على موقف أفريقى مشترك ومنسق بشأن المحكمة الجنائية الدولية
- منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة
نظمت مصر الدورة الأولى لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين، فى الفترة من 12 لـ14 ديسمبر 2019، بناء على إعلان الرئيس “السيسى” خلال تسلمه رئاسة الاتحاد الإفريقى، فى فبراير 2019، عن إقامة محفل دولى سنوى بأسوان لبحث سبل السلام والتنمية المستدامة بالقارة السمراء، وشارك بالمنتدى عدد من رؤساء الدول الإفريقية ورؤساء الحكومات، فضلا عن ممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية والمالية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى.
يهدف المنتدى لتوفير منصة دائمة للحوار والتفاعل بين قادة وخبراء القارة؛ لللتمهيد لتحقيق التنمية المستدامة عبر الدعوة للاستثمار فى موارد القارة السمراء، وتطوير البنى التحتية بربوعها، وبحث سبل تحقيق السلام وحل النزاعات المسلحة بالدول الإفريقية؛ لارتباطها الوثيق بالتنمية وجذب الاستثمارات وتمويلات المؤسسات الدولية للمشاريع التنموية بالقارة.
بالإضافة لكل ما سبق فإن مصر قامت بالمشاركة في العديد من القمم والمؤتمرات المشتركة بينها وبين دول القارة الأفريقية منها مؤتمر ميونج للأمن (15 فبراير 2019)، منتدي الحزام والطريق (24 أبريل 2019)، قمة مجموعة العشرين فى أوساكا باليابان (28 ، 29 يونيو 2019)، القمة الافريقية بالنيجر(8 يوليو 2019)، قمة السبع الكبرى (24 اغسطس 2019)، القمة اليابانية الافريقية (28 اغسطس 2019)، القمة الروسية الافريقية (24 اكتوبر 2019)، القمة الالمانية الافريقية (19 نوفمبر 2019)
ثالثا: رؤية مستقبلية
استمرار دور مصر في القارة الأفريقية وتزايد هذا الدور من منطلق توطيد العلاقة بين مصر أغلبية دول القارة في الفترة الأخيرة، وان هذا الدور لا يقف عند الحد الزمني لفترة رئاسة مصر للأتحاد الأفريقي ولكن يستمر تقديم الجهود من أجل مواجهة أزمات وقضايا القارة، ودعم جهود التنمية ومواجهة النزاعات الداخلية أو البينية، والتى تمثل أحد أهم التحديات أمام تنمية دول القارة والاستفادة من الموارد المهمة، باللإضافة إلي ضمان استمرارية المبادرات والأنشطة المصرية التي تم بلورتها خلال رئاسة مصر للاتحاد، مع الأخذ في الاعتبار محاور أجندة التنمية الأفريقية 2063 ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.