الدراسات البحثيةالمتخصصة

مستقبل النموذج الليبرالي في عالم ما بعد كورونا

اعداد :

  • جاد مصطفى البستاني
  • محمد نبوي مصطفى
  • محمد السيد محمد

-المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة :

عندما تنبأ البروفيسور فرانسيس فوكوياما في أطروحته: (نهاية التاريخ) في أواخر القرن الماضي، وقال إن الديمقراطية الرأسمالية هي النموذج النهائي للتطور البشري الأيديولوجي للإنسانية  وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ، فإنه لم يكن يدرك أن هذا الطرح الأيديولوجي أيضا لم ينطلق من رؤى واستقراءات عميقة في التاريخ والصيغ والنماذج البشرية، وأنه ربما سيفاجأ بما حدث للنظام المالي الرأسمالي في الولايات المتحدة الذي أعتبره نهاية النهايات لكل الفلسفات والأفكار الإنسانية، وأصبحت الاقتصاديات العالمية تعيش زوابعه السلبية وأثرها على الأمم في عيشها واستقرارها، آخرها الأزمة المالية التي عصفت بالغرب منذ عدة سنوات وما صاحب ذلك من ظاهرة الشعبوية وصعود اليمين ومرورا بالتحدي الصيني الروسي والأن جائحة كورونا التي ظهرت كأزمة من الازمات التي تواجه النموذج الليبرالي . (1) سنتناول من خلال هذه الدراسة ما يلي: الاطار النظري لليبرالية، وأزمات النموذج الليبرالي، مروراً بكورونا وتعامل النموذج الليبرالي مع الأزمة في مقابل تعامل الصين، وصولا بمستقبل الليبرالية والسيناريوهات المتوقعه.

ـ الاطار النظري لمفهوم الليبرالية

اختلاف الأفكار أمر إنساني صحي وطبيعي، ولذلك فإن مقاومة الفكر الإنساني -ومن بينه الليبرالي- يقوم بها في الغالب من ينتمون لفكر مخالف كلّيًا في الاتجاه والتوجه، ويحمل أيدلوجيات معينة لها أبعادها وأجندتها الخاصة، وترى أنه يعرقلها على الساحة ظهور أي تيار آخر مما يجعل وجود فكر منافس يعصف بجماهيريتهم، ويعيق تنفيذ ما يصبون إليه، وتلك حساسية عاطفية وليست فكرية منشأها العقل؛ لأن العقل يرتكز في نشاطه على التفكير والاختيار بين البدائل وما يتوافق مع الميول والاتجاهات، وهنا نأتي إلى النقطة الجوهرية، وهي الحق في حرية الاختيار والتدبر والنظر الفاحص فيما حولنا، ولكن الآخر المنافس هش إلى الحد الذي لا يقبل بمشروعية التنافس الفكري، رغم أن الأغلبية على ذات القاعدة الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية والدينية.

لم تكن الليبرالية فكرًا معزولاً عن أشواق وطموحات الجماعات والمجتمعات، فالمنشأ قام على سد فراغات في واقع الناس في مرحلة تاريخية مهمة انهارت فيها القيم التي يحتكم إليها الناس في شؤونهم السياسية والحياتية، وعندما ظهر الفكر الليبرالي كان تعبيرًا عن الحاجة إلى قيمتي الحرية والمساواة، وهي أكبر وأعمق الحاجيات البشرية قديمًا وحديثًا، وإلى قيام الساعة، ومع الزمن تطور هذا الفكر ليصبح تعبيرًا عن فلسفة سياسية كونية، وفي هذا السياق أرى أن هذه الحقوق هي استحقاقات طبيعية. (2)

مفهوم الليبرالية

تعدد التعريفات حول مفهوم الليبرالية  ويخلط البعض بين الليبرالية liberalism  وغيره من المعاني القريبة منه مثل الحرية والديموقراطية والرأسمالية ويستخدم اي مصطلح من هذه المصطلحات للتعبير عن الأخر وكلها مترادفات تدل علي معني واحد، صحيح أن الليبرالية مصطلح أجنبي معرب مأخوذ من liberalism  في الانجليزية،  و liberalisme  في الفرنسية وهي تعني التحررية ويعود اشتقاقها من liberate  ومعناها الحرية ولكن الليبرالية هي الأصل الذي ينبثق منه نوعان رئيسان من الحرية هما الحرية الاقتصادية وتعني اقتصاد السوق، والحرية السياسية وتعني اتباع النظام الديمقراطي في الحكم إذن الليبرالية بجناحيها التي يحلقان في سماء الفكر وأرض الواقع اي بمفهوميها وشقيها الاقتصادي والسياسي تعتبر مذهب فكري وفلسفة النظم السياسية التي تعترفي بقيمة الحرية الفردية في كافة المجالات ونواحي الحياة والتي تقدم علي تحقيق مصالح الأفراد، ويري وجوب احترام استقلال الأفراد الي ابعد مدي، ويعتقد ان الوظيفة الأساسية للدولة هي ضمان حماية لحريات المواطنين مثل حرية الملكية الخاصة والحرية الشخصية وغيرها، وايضا قيام الدولة بفكرة الدولة حارسة الليل ، ولهذا يسعي هذا المذهب الي وضع قيود علي السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق وتوسيع الحريات المدنية، فالنظام الليبرالي طبقا للموسوعة  الأمريكية الأكاديمية تقول: ان النظام الليبرالي الجديد الذي ارتسم في فكر عصر التنوير بدأ يضع الانسان بلا من الاله في وسط الأشياء فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كل شئ ويكنهم ان يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني، وكذلك تعرف علي انها نظرية أو فلسفة سياسية تقوم علي أفكار تدعو للمساواة والحرية، فالليبرالية الكلاسيكية تعو للحرية، بينما الليبرالية الاجتماعية تدعو الي المساواة ، من هنا يمكننا القول اجمالا بان لليبرالية جوهر أساسي يتفق عليه جميع الليبراليين في كافة العصور مع اختلاف توجهاتهم وكيفية تطبيقها كوسيلة من وسائل الاصلاح والانتاج . هذا الجوهر هو ” أن الليبرالية تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى , الباعث والهدف , الأصل والنتيجة في حياة الانسان.(3)

نشأة الليبرالية وتطورها

نشأت الليبرالية في التغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوروبا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، وطبيعة التغير الاجتماعي والفكري يأتي بشكل متدرج بطيء، وهي لم ” تتبلور كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع على يد مفكر واحد، بل أسهم عدة مفكرين في إعطائها شكلها الساسي وطابعها المميزَّ.

فالليبرالية ليست اللوكية ( نسبة إلى جون لوك 1632 – 1704،(أو الروسووية ( نسبة إلى جان جاك روسو (1712-1778 ) أو الملية نسبة إلى جون ستوارت ملٍ (1806-1873) ، وإن كان كل واحد  من هؤلاء أسهم إسهاماً بارزا  أو فعالً في إعطائها كثيرا من ملامحها وخاصائصها”.

ظهرت الليبرالية كحركة سياسية أثناء عصر التنوير (عصر النهضة الأوروبية)، حيث حظيت بشعبية كبيرة بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي، ويرجع ذلك الي رفض الليبرالية للمفاهيم الدارجة في ظل تلك الوقت من الملكية المطلقة والتميز الالهي للملوك وأنها كانت رد فعل لتسلط الكنيسة والقطاع في العصور الوسطي بأوروبا، مما أدى إلى انتفاضة الشعوب، وثورة الجماهير، وبخاصة الطبقة الوسطي، والمناداة بالحرية والاخاء والمساواة، ويرد بعض الباحثين جذور الليبرالية إلى ديمقراطي أثينا في القرن الخامس قبل المسيح، والرواقين في المراحل الأولى من المسيحية،. ثم حرك الاصلاح البروتستانتية. وقد ذكر البعلبكي أن في حركة الاصلاح الديني توجهاً ليبرالياً فقال: ” كما يطلق لفظ الليبرالية كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية. ويقول الدكتور علي بن عبد الرزاق الزَّبيدي: ” من الصعب تحديد تاريخ معين لنشأة الليبرالية فجذورها تمتد عميقة في التاريخ، وتتطور يوما بعد يوم.

تطور الليبرالية

أخذت الليبرالية أطوارً متعددة بحسب الزَّمان والمكان وتغيرت مفاهيمها في أطوارها المختلفة ، وهي تتفق في كل أطوارها على التأكيد على الحرية وإعطاء الفرد حريته وعدم التدخل فيها. ويمكن أن نشير إلى طورين مهمين فيه:

 أولاً : الليبرالية الكلاسيكية :  وتنقسم الليبرالية الكلاسيكية الي نوعين وهما:

الليبرالية السياسية:  يعتبر جوك لوك ( 1704ما ) أبرز فلسفة الليبرالية الكلاسيكية، ونظريته تتعلق بالليبرالية السياسية، وتنطلق نظريته من فكرة العقد الاجتماعي في تصوره لوجود الدولة، وهذا في حد ذاته هدما لنظرية الحق اللهي التي تتزَّعمها الكنيسة. وقد تميزَّ لوك عن غيره من فلسفة العقد الاجتماعي بأن السلطة أو الحكومة مقيدة بقبول الافراد لها ولذلك يمكن بسحب السلطة الثقة فيها.

وهذه الليبرالية الانجليزَّية هي التي شاعت في البلد العربية أثناء عملية النقل العمى لما عند الاوربيين باسم الحضارة ومسايرة الركب في جيل النهضة كما يحلو لهم تسميته.

الليبرالية الاقتصادية: وقد أبرز آدم سميث (1790م) الليبرالية الاقتصادية وهي الحرية المطلقة في المال دون تقييد أو تدخأل من الدولة وقد تكونت الديمقراطية والرأسمالّية من خلال هذه الليبرالية، فهي روح المذهبين وأساس تكوينها، وهي مستوحاة من شعار الثورة الفرنسية ” دعه يعمل وهذه في الحرية الاقتصادية،   دعه يمر في الحرية السياسية.

ثانيا : الليبرالية المعاصرة : ً

  تعرضت الليبرالية في القرن العشرين لتغّير ذي دلالة في توكيداتها، فمنذ أواخر القرن التاسع عش، بدأ العديد من الليبراليين يفكرون في شروط حرية انتهاز الفرص أكثر من التفكير في شروط من هذا القيد أو ذاك. وانتهوا إلى أن دور الحكومة ضروري على الاقل من أجل توفير الشروط التي يمكن فيها للفراد أن يحققوا قدراتهم بوصفهم بشرًا.ويحبذ الليبراليون اليوم التنظيم النشط من قبل الحكومة للاقتصاد من أجل صالح المنفعة العامة. وفي الواقع، فإنهم يؤيدون برامج الحكومة لتوفير ضمان اقتصادي، وللتخفف من معاناة النسان وهذه البرامج تتضمن : التأمين ضد البطالة ، قوانين الحد الدنى من الاجور، ومعاشات كبار السن ، والتأمين الصحي.

ويؤمن الليبراليون المعاصرون بإعطاء الاهمية الاولى لحرية الفرد، غير أنهم يتمسكون بأن على الحكومة أن تزَّيل بشكل فعال العقبات التي تواجه التمتع بتلك الحرية، واليوم يطلق على أولئك الذي يؤيدون الافكار الليبرالية القديمة : المحافظون.(4)

أبرز النقاط في التمايز بين تلك الطورين الكلاسيكي والمعاصر:

ونلحظ أن أبرز نقطة في التمايزَّ بين الطورين السابقين هو في مدى تدخل الدولة في تنظيم الحريات، ففي الليبرالية الكلاسيكية لا تتدخل الدولة في الحريات بل الواجب عليها حمايتها ليحقق الفرد حريته الخاصة بالطريقة التي يريد دون وصاية عليه، أما في الليبرالية المعاصرة فقد تغير ذلك وطلبوا تدخل الدولة لتنظيم الحريات وإزالة العقبات التي تكون سببا في عدم التمتع بتلك الحريات.

وهذه نقطة جوهرية تؤكد لنا أن الليبرالية اختلفت من عصر إلى عصر ، ومن فيلسوف إلى آخر ، ومن بلدٍ إلى بلدٍ ، وهذا يجعل مفهومها غامضاً كما تقدما، وما زالت الليبرالية تأخذ طور التطوير.

مجالات الليبرالية

تعددت مجالات الليبرالية بحسب النشاط الانساني،  وذلك أن الليبرالية مفهوما شمولي يتعلق بإدارة الانسان وحريته في تحقيق هذه الارادة فكل نشاط بشري يمكن أن تكون الليبرالية داخلة فيه، من هذه الزَّاوية وبهذا الاعتبار.  وأبرز هذه المجالات هي الليبرالية السياسية  وما ترتبط به من الأنظمة الديمقراطية، والليبرالية الاقتصادية وما ترتبط به من الانظمة الرأسمالية ولعل ن أبرز نتائج الليبرالية في الاقتصاد هي العولمة وما تحمله من مضامين فكرية وقيم أخلاقية وأنماط حضارية وهي تحمل الرغبة الغربية في السيطرة في كل اتجاه : الحربي والسياسي والقيمي والحضاري والاقتصادي وسوف نفرض فيه مبحثاً كاملاً بإذن الله في دراسة بحثية جديدة.(5)

ـ أزمات النموذج الليبرالي قبل وباء كورونا:

أ ـ الشعبوية وصعود اليمين

شهدت الدول الغربية خلال السنوات الماضية صعودا ملحوظا لتيار الشعبوية السياسية الذي اتخذ ملمحا سياسيا بتشكيل أحزاب وظهور قيادات على غرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان تستفيد من هيكل الفرص المتاحة في النظام الديمقراطي من اجل التعبير عن مشروع سياسي شعبوي يدعي أنصاره بانه يمثل السيادة الشعبية في صراعها القائم ضد النظام الليبرالي الذي لم يعد يفي بغرضه الرئيسي .

يعتقد ويليام جالستون بأن صعود التيار الشعبوي كان محصلة للأزمات الاقتصادية التي عانتها المجتمعات الغربية وعجز النخب الحاكمة عن معالجة مشكلات البطالة وتراجع الطبقة المتوسطة مما ادى لحالة من عدم الثقة في الأحزاب والمؤسسات القائمة وبالتالي صعود التيار الشعبوي مع ترويجه لمفردات معارضة الأوضاع والمؤسسات القائمة .

اعتمد دونالد ترامب خطاب يمزج بين مفردات معاداة النخب وعدم الثقة في المؤسسات القائمة والسعي لحماية الهوية في مواجهة الأقليات والمهاجرين ومن بين الأفكار التي طرحها القادة الشعبويون “الديمقراطية غير الليبرالية ” ويعد رئيس الوزراء المجري أوربان مثالا يحتذى به في هذا المجال حيث ان خطابه يقوم على امكانية وجود بدائل لليبرالية الغربية يدلل على هذا الأمر بالاحالة الى النجاح الاقتصادي الذي حققه عدد من الدول مثل الصين وروسيا وتركيا بالرغم من انها انظمة غير ليبرالية بالنمط الغربي ويبرر أوربان هذا الموقف السلبي من الليبرالية بأنها ليست شرطا أوليا لتحقيق التقدم بل قد تؤثر سلبا في كفاءة ادارة الدولة . (6)

يشير بيانيما المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام الدولية في تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان ” العولمة هل يمكن ان تكون مستقبلا رائعا اذا انفصلنا عن ظلم الماضي ” الى انه خلال الاعوام الاربعين الماضية كان الناتج المحلي الاجمالي هو المعيار الرئيسي لقياس تقدم الدول اقتصاديا لذا اتبع العالم سياسات تمثل النموذج الاقتصادي النيوليبرالي الا ان ذلك المسار قاد في النهاية الى اندلاع موجات من الغضب الشعبي في الكثير من الدول خلال السنوات الاخيرة ولذلك لابد من التوقف عن الاخذ بالسياسات النيوليبرالية التي أدت الى استحواذ أغنى 1%من سكان العالم على نحو 82 % من اجمالي الثورة كما اكد البنك الدولي ان تراجع معدلات الفقر قد تباطأ مما أثار مخاوف بشأن تحقيق هدف القضاء على الفقر بحلول عام 2030 .

وفي مواجهة السياسات النيوليبرالية أيضا أكد تقرير صادر عن معهد بروكينجز بعنوان ” ماوراء الليبرالية الجديدة ” ان من الاسباب الرئيسية  للارتفاع الحاد من التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة , التغييرات التكنولوجية ، وتداعيات العولمة مما أثر سلبا في سياسات العديد من الدول وقدرة حكوماتها على فرض ضرائب على أرباح الشركات الكبرى لدعم شبكات الأمان الاجتماعي وفي هذا الاطار تعد الحركات الشعبوية المتنامية في الدول المتقدمة رد فعل طبيعي ومن المحتمل ان تزيد السياسات الشعبوية من المشكلات على المدى البعيد (7)

كان استفتاء العام 2016 حول مغادرة الاتحاد الأوروبي بمثابة منفذ لتنفيس سخطهم من نظام فاشل، وكان التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة رسالة واضحة من المجتمعات التي تتعرض للضغط، والتي تفيد بأن الوضع الراهن بحاجة إلى التغيير. والآن، بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام، يستمر هذا القلق في النمو.

أصبح الاقتصاديون وصانعو السياسة والناس العاديون يرون على نحو متزايد أن الليبرالية الجديدة neoliberalism -العقيدة المبنية على الإيمان بالأسواق الحرة وإلغاء القيود والحكومة الصغيرة، والتي هيمنت على المجتمعات على مدار الأعوام الأربعين الماضية- قد بلغت حدها الأقصى كانت هذه الأزمة قيد الاختمار منذ فترة طويلة، لكنها أصبحت تحت تركيز حاد في أعقاب الانهيار المالي العالمي في 2007-2008 والركود العالمي الذي أعقبه، في البلدان المتقدمة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، توقف النمو الاقتصادي على مدى العقد الماضي عن إفادة معظم الناس. وفي نهاية العام 2017، كان نمو الأجور الاسمي فدى أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نصف ما كان عليه قبل عقد من الزمن. ويُقدر أن أكثر من شخص من بين كل ثلاثة أشخاص في بلدان منظمة التعاون والتنمية معرضون للخطر اقتصادياً، بمعنى أنهم أصبحوا يفتقرون إلى الوسائل للحفاظ على مستوى معيشي عند حد الفقر أو أعلى منه لثلاثة أشهر على الأقل. وفي الوقت نفسه، أصبح التفاوت في الدخل في تلك البلدان أعلى من أي وقت مضى في نصف القرن الماضي؛ حيث تحتفظ أغنى عشرة في المائة من البلدان بما يقرب من نصف إجمالي الثروة، بينما تحتفظ نسبة الـ40 في المائة الدنيا بثلاثة في المائة منها فقط . (8)

ب ـ الصعود الصيني ـ الروسي

شكل الصعود الصيني الروسي خلال السنوات الماضية أحد التحديات الجوهرية للمنظومة الليبرالية الغربية ففي دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وعدد من الدول الأخرى (مثل: الهند وإندونيسيا، واليابان)، يهيمن شكل من أشكال الرأسمالية على النظام الاقتصادي للدولة وهو “رأسمالية الجدارة الليبرالية” Liberal meritocratic capitalismوالذي يُشير إلى نظام يركز على نمو القطاع الخاص، ويحاول أن يضمن تكافؤ الفرص للجميع. وإلى جانب هذا النظام، نجد نموذج “الرأسمالية السياسية” الذي تمثّله الصين وروسيا وهذا النموذج يتميز بنمو اقتصادي مرتفع، لكنه يقيد الحقوق السياسية والمدنية الفردية. هذان النموذجان من الرأسمالية اللذان تمثلهما الولايات المتحدة والصين وروسيا، يتنافسان دائمًا مع بعضهما، وهذه المنافسة هي التي ستشكل مستقبل الاقتصاد العالمي.

تمنح الرأسمالية السياسية استقلالية أكبر للنخب السياسية وارتفاع معدلات النمو، ويؤكد “ميلانوفيتش” أن النجاح الاقتصادي للصين يقوِّض ادعاء الغرب بوجود رابط ضروري بين الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية  فرغم أن الرأسمالية الليبرالية تتمتع بالعديد من المميزات، أهمها الديمقراطية وسيادة القانون؛ إلا أنها تواجه تحديات هائلة تمثلت في عدم المساواة، واتساع الفجوة بين الطبقات، مما يمثل أخطر تهديد لاستمرار الرأسمالية الليبرالية على المدى البعيد .

ان التغير المتمثل  في إعادة توازن القوة الاقتصادية العالمية بين الغرب وآسيا قد ظهر جليا فلأول مرة منذ الثورة الصناعية، تقترب معدلات الدخول في آسيا من مثيلتها في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية، ففي عام 1970 أنتج الغرب 56% من الناتج الاقتصادي العالمي، بينما أنتجت آسيا 19% فقط، أما اليوم فقد تحولت هذه النسب إلى 37% و43% على التوالي، ويعود الفضل في ذلك في جزء كبير منه إلى النمو الاقتصادي المتسارع لدول مثل الصين والهند  أن حقيقة أن الصين كانت الدولة الأكثر نجاحًا على الصعيد الاقتصادي خلال نصف القرن الماضي تضعها في موقع يمكِّنها من تصدير نموذجها الاقتصادي والسياسي إلى دول العالم، وقد تجلى ذلك من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، وهو مشروع طموح لربط عدة قارات من خلال بنية تحتية مطوَّرة بتمويل صيني وتمثل المبادرة تحديًا أيديولوجيًّا لطريقة تعامل الغرب مع التنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم. فبينما يركز على بناء المؤسسات، فإن الصين تضخ الأموال لبناء المشروعات، وبالتالي ستعمل “مبادرة الحزام والطريق” على ربط الدول الشريكة للصين بمجال نفوذها الحيوي . (9)

ان القيادات الصينية والروسية لا تخفي معارضتها لليبرالية الغربية وتحاول الربط بين نهوضها المعاصر وخصوصيتها الثقافية والحضارية التي لا تتفق بالضرورة مع الطرح الليبرالي الغربي كما تسهم السياسات التي تتبناها موسكو وبكين في اضعاف جاذبية الكثيرين حول العالم تجاه الليبرالية الغربية .

ويتبنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا مناهضا لليبرالية الغربية حيث ذكر في حواره مع صحفية فايننشيال تايمز خلال شهر يونيو 2019 “ان الفكرة الليبرالية انتهت صلاحيتها ولم تعد مناسبة “وراها تتعارض مع مصالح الغالبية العظمى من السكان وهو مايبدو في قضيتي الهجرة والاجئين فالليبرالية تخطأهنا حينما تفترض انه لا يوجد شئ القيام به ازائ تدفق الاجئين الى اراضيها كما وصف قرار المستشارة الألمانية انجيلا ميركل قبول أكثر من مليون مهاجر بأنه خطأجوهرى وأشاد بمحاولة ترامب منع تدفق المهاجرين والمخدرات من المكسيك .

كما تنتقد بكين هى الأخرى الليبرالية الغربية عبر ما يطلق عليه الكسندر كولي القيم والمعايير المضادة لليبرالية حيث تستدعي بكين خطاب التنوع والخصوصيات الحضارية ومبدأ عم التدخل في شئون الداخلية للدول ذات السيادة كأليه يمكن منخلالها انتقاد فرضية عالمية الديمقراطية الليبرالية  والمشروطية السياسية التي تعتمدها المؤسسات الدولية لفرض المعايير الديمقراطية وربما أدت هذة الخلفية الفكرية الى تأييد بكين تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون والتي تقوم على المبادئ سالفة الذكر .

ويتجلى الانعكاس السلبي للصعود الصيني الروسي على الليبرالية الغربية في جاذبية النموذج الذي تقدمه الصين وروسيا للدول والأنظمة الأخرى في التعامل مع قضايا وملفات داخلية على غرار المعارضة والأقليات والتكنولوجيا الحديثة والعمل على رفض ان الديمقراطية والليبرالية يمثلان الشكل الأنسب مع طبيعة المجتمع الحديث .

حرص روسيا على استخدام القوة الصلبة في ادارتها لعلاقاتها الدولية ضاعف من الضغوط على الليبرالية الغربية فقد أصبح ينظر لبوتين على انه رئيس قوي يدافع عن مناطق نفوذه مثلما حدث في أوكرانيا وتنامي الحديث عن خوض روسيا حرب سيبرانية ضد الدول الغربية ذات الانظمة الليبرالية .

تسعى بكين وموسكو الى دعم الانظمة غير الليبرالية لخلق كتلة غير ليبرالية يمكن الاستعانة بها على سبيل المثال الدعم العسكري الروسي لنظام بشار الأسد في سوريا وتقدم االصين برامج تدريبية للدول الحليفة لها كما ذكرت بعض التقارير دعم بكين لايران ودول اخرى في مجال تكنولوجيا التحكم في الانترنت .كما دعمت كل من موسكو وبكين منظمة شنغهاي للتعاون .

ساعد استخدام بكين وموسكو لمصادر القوة الناعمة في الترويج للنموذج الخاص بالدولتين كوكالة أنباء شينخوا الصينية وزاد معدل البث العالمي لتلفزيون الصيني المركزي وراديو الصين الدولي ومعهد كونفشيوس  كل هذة المنصات تروج للنموذج التنموي الصيني كما سعى بوتين ليقدم نفسه كرئيس محافظ على التقاليد الروسية في مواجهة تيارات الانتفتاح الليبرالية الغربية فضلا عن الدور الذي تلعبه فضائية ار تي ووكالة سبوتنيك في مساندة السياسة الروسية . (10)

ج ـ تحديات مرتبطة بعلاقة الليبرالية بالواقعية والقومية

هل هي علاقة صدام أم تعايش؟ وكيف ومتى توظف الدول الكبرى تلك العلاقة لتحقيق أهدافها الخارجية؟ من واقع هذه التساؤلات يؤكد الكاتب أن مفتاح فهم حدود الليبرالية هو الاعتراف بعلاقتها بالواقعية والقومية، وطبيعة التفاعل بينها للتأثير على السياسة الدولية .

إذ يُشير إلى أن القومية أيديولوجيا سياسية قوية للغاية، تدور حول فكرة تقسيم العالم إلى مجموعة واسعة من الوحدات الاجتماعية، لكل منها ثقافة متميزة. وبما أن الدول الليبرالية هي أيضًا دول قومية، فليس من شك في أن الليبرالية والقومية يمكن أن تتعايشا، لكن حين تصطدمان تكاد القومية تكسب دائمًا.

ولهذا يرى أنه غالبًا ما يؤدي تأثير القومية إلى تقويض السياسة الخارجية الليبرالية. فعلى سبيل المثال، تشدد القومية بشكل كبير على حق تقرير المصير، وهو ما يعني أنه ستتم مقاومة جهود القوى العظمى الليبرالية للتدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى، سواء من الداخل أو الخارج، بما سيتعارض مع فكرة الهيمنة الليبرالية كما تصطدم القومية والليبرالية في مسألة الحقوق الفردية؛ إذ يعتقد الليبراليون أن كل شخص لديه نفس الحقوق، بغض النظر عن دولته أو وطنه، فيما لا تتعامل القومية بنفس المنطق، فهي أيديولوجيا خاصة تأتي من أعلى إلى أسفل، ولا تهتم إلا بحقوق مواطنيها فقط

ويضيف أن الليبرالية لا تتناسب أيضًا مع الواقعية، ففي جهرها تفترض الأولى أن الأفراد الذين يشكلون أي مجتمع لديهم -في بعض الأحيان- اختلافات عميقة حول ما يشكل الحياة الجيدة، وقد تؤدي هذه الاختلافات إلى محاولتهم قتل بعضهم بعضًا، وهنا يأتي دور الدولة في الحفاظ على السلام. وهو ما يختلف عن الواقعية التي تنفي وجود دولة عالمية يمكنها إبقاء الدول في حالة سلام عندما تكون لديها خلافات عميقة، لأن هيكل النظام الدولي فوضوي وليس هرميًّا. وبالتالي، ليس أمام الدول من خيار سوى العمل وفقًا لمنطق توازن القوى إذا كانوا يأملون في البقاء.

كذلك تعترف الواقعية بالحرب كأداة من أدوات الحفاظ على توازن القوى بما يقلل من احتمالات وقوعها بين القوى العظمى، أما الليبرالية فبرغم رفضها الاعتراف بالحرب إلا أنها ترى كل نقطة في العالم مكانًا محتملًا للحرب بدافع الحفاظ على حقوق الإنسان، ومن ثمّ تكون المفارقة أن الحروب تزداد في ظل الليبرالية أكثر من الواقعية ومن واقع ما سبق، يجادل الكاتب بأن القومية والواقعية تتغلبان على الليبرالية دومًا، مؤكدًا أن العالم تَشَكَّل طبقًا لهاتين النظريتين لا الليبرالية، فقبل خمسمائة عام كان العالم يتكون من وحدات غير متجانسة، شملت المدن والدوقيات والإمبراطوريات وغيرها، وهو ما سمح بتكوين الدول القومية.

أورد الكاتب عدة أمثلة أخرى على فشل الليبرالية الأمريكية، منها السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية، والتي تحركت بدافع من المنطق الليبرالي، بما أفرز الأزمة السياسية الحالية بين روسيا والغرب. كذلك منذ عام 1989 خاضت الولايات المتحدة سبعة حروب مختلفة في العديد من مناطق العالم في العراق وأفغانستان وسوريا وفيتنام وغيرها .

ويُرجع الكاتب ذلك إلى فشل الولايات المتحدة في فهم حدود الليبرالية، وعدم إدراك طبيعة علاقتها بالقومية والواقعية، لأن واشنطن في النهاية لم تستطع نشر نموذجها الديمقراطي في دول مثل العراق وأفغانستان بل تركتها في حالة فوضى أدت في النهاية إلى ظهور جماعة مثل تنظيم “داعش” الإرهابي، وذلك لعدم إدراكها للطابع القومي المكوِّن لتلك الدول ناهيك عن فشلها السياسي أمام الواقعية الروسية في الأزمة الأوكرانية التي ما زالت تعاني أوروبا من آثارها حتى الآن ومن ثم، يؤكد الكاتب أنه على عكس الحكمة السائدة في الغرب، فإن السياسة الخارجية الليبرالية لا تشكل صيغة للتعاون والسلام، بل وسيلة للصراع وعدم الاستقرار. (11).

د – المناخ

من التحديات التي تواجة النموذج الليبرالي هو الحاجة إلى مواجهة تحدٍ لم يكن حاضراً أمام نماذج الديمقراطية الاجتماعية لما بعد الحرب بحيث تأخذه في الاعتبار: التهديد الذي يشكله تغير المناخ والتدهور البيئي المأساوي. فبعد كل شيء، لا تكتفي الليبرالية الجديدة بمجرد خذلان الناس: إنها تخذل كوكب الأرض أيضاً. وبفضل جزء غير قليل من المستويات الهائلة من الاستهلاك واستخدام الوقود الأحفوري التي يتطلبها نموذج اقتصادي يعطي الأولوية للنمو قبل كل شيء، أصبح تغير المناخ يعرض الآن مستقبل الوجود الإنساني نفسه للخطر. وفي العام الماضي، خلصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن لدى العالم بالكاد أكثر من عقد من الزمن لخفض انبعاثات الكربون إلى النصف، إذا كانت البشرية لتنال أي فرصة للحد من الزيادة في متوسط درجات الحرارة في العالم إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة -وهي نقطة ستكون الأضرار التي تلحق بالنظم البشرية والطبيعية بعدها مدمرة ولا رجعة فيها إلى حد كبير.(12)

ويرى كثير من علماء المناخ أن هذه الآثار الإيجابية والانخفاض البسيط في معدلات الغازات الدفيئة وتلوث الهواء جراء تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد ما هي إلا تأثيرات قصيرة المدى، ولن تدوم طويلًا إلا إذا استوعبنا الدرس بعد انتهاء الأزمة، أو دون عزم الحكومات على العمل معًا من أجل الحفاظ على البيئة والحد من التغيرات المناخية، وهو أمر غير مرجح، فهناك مخاوف من العودة لاستخدام الملوثات بإفراط بعد انتهاء أزمة كورونا، خاصة أن الحكومات تميل لإهمال الاعتبارات البيئية لصالح الاعتبارات الاقتصادية التي ستحتل الأولوية القصوى بعد انتهاء الأزمة .

يمكن القول إنه من الجيد ملاحظة التأثيرات الإيجابية لإجراءات أزمة فيروس كورونا على البيئة والمناخ؛ إلا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار أن هناك علماء يؤكدون أننا يجب أن نفهم الدرس جيدًا من وراء تلك التأثيرات الإيجابية، وأن هناك ضرورة لبذل جهود أكثر للحد من الانبعاثات والملوثات الصناعية، وإيجاد طريقة للالتزام بمعاهدات تغير المناخ، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة (ثاني أكبر مصدر للانبعاثات) من اتفاقية باريس لتغير المناخ، بما يشير إلى أن العالم ليس مُدركًا بعد مدى خطورةَ تلك التهديدات على استمرار الحياة على الأرض (13).

ـ جائحة كورونا وتعامل النموذج الليبرالي معها في مقابل تعامل الصين

عالم ما قبل وباء «كورونا» ليس عالم ما بعد الوباء. التعرف على هذا العالم الجديد في ظل التطورات الراهنة يبدو صعباً، ولكنه يستحق المجازفة الفكرية. المؤشرات الأولية توحي بتوقعات واستنتاجات سيكون لها دور في كتابة تاريخ جديد للعالم المعاصر. هناك من كشف وباءُ «كورونا» ثغراته وحدودَه وقدراته في الحفاظ على الإنسان كمرتكز للحياة بكل أبعادها، وهناك من أظهر الوباء إمكاناته التي تؤهله لقيادة العالم والتربع على قمته بعض الوقت، ليس لأنه يمتلك تقنيات حديثة وذكاءً صناعياً قابلاً للاستخدام في مجالات لا حصر لها وحسب، بل لأنه وضع حماية الإنسان على قمة أولوياته.

حين أصدر المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» عام 1992، ومن قبل مقالته بعنوان «نهاية التاريخ» في دورية «ناشيونال إنتريست» الأميركية 1989 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية ثمانينات القرن الماضي، كانت فكرته تدور حول أن منظومة الأفكار الليبرالية في السياسة والاقتصاد أثبتت قدرتها على البقاء في مواجهة الفاشية والشيوعية والاشتراكية، لما تتسم به من ديناميكية وقدرة ذاتية على التطور على عكس منظومات الأفكار الأخرى التي ثبت فشلها وسقطت تطبيقاتها في صورة نظم فاشية أو سلطوية واستبدادية، ولم تعد لها أي جاذبية، في حين انطلقت موجات التحول إلى النظم الديمقراطية لتثبت آنذاك أنها الأصلح، وأنها النموذج الذي لن يكون بعده نموذج للحياة والتطور الإنساني، ومن ثمّ فهي نهاية للتاريخ.

في ظل أزمة «كورونا» تبدو فكرة جاذبية النظام الليبرالي، وما يرتبط بها من أفكار أخرى كالسلام الديمقراطي والتضامن الإنساني، وعدم كفاءة نظم الضبط الاجتماعي بالمطلق، بحاجة إلى المراجعة استناداً إلى تطبيقات الدول الغربية مقارنةً بالتطبيق الصيني في مواجهة فيروس «كورونا». ونشير هنا إلى ثلاث ملاحظات أولية؛ الأولى أن نظم الصحة العامة في البلدان الرأسمالية أثبتت أنها أقل كفاءة مقارنةً بمثيلتها في الصين، حيث الدولة تسيطر تماماً على منظومة الصحة العامة. والفارق هنا أن النظم الرأسمالية تعتمد على منظومة صحية تقوم على الربحية والمنافسة بين الشركات المقدمة للخدمة أو المنتجة للدواء من أجل تعزيز المكاسب على حساب صحة الإنسان، ويظهر ذلك في عدم فاعلية نظم التأمين الصحي وعدم شمولها قطاعات كبيرة من المجتمع. ونتيجة لذلك واجه كثيرون انتشار الوباء وهم غير مشمولين بأي نوع من الرعاية الصحية، ومن لا يملك أموالاً كافية فليس أمامه سوى الموت في الشارع أو على عتبة باب بيته.

التطبيق الصيني أظهر سلوكاً مغايراً، فكل إمكانات الدولة الصحية والعلمية والتكنولوجية سُخرت من أجل حماية حياة الصينيين عبر تقديم خدمة صحية كفؤ، استطاعت أن تحاصر الوباء وأن تجد له علاجاً في مدى زمني قصير، وتجتهد بحماس كبير لإنتاج لقاح يحمي الناس ويحافظ على حياتهم. في المقابل نجد تخبطاً في السلوك الأميركي وعدم قدرة النظام الصحي العام، الهشّ أصلاً، أو حتى الخاص مرتفع التكلفة، على احتواء الوباء، فضلاً عن تدخلات الرئيس الأميركي ترمب لدى كبريات الشركات الدوائية لحثها على العمل المشترك من أجل إنتاج لقاح يقي الأميركيين، بما يعكس اليأس من قدرة نظم الربحية الصحية على مواجهة مخاطر كبرى كفيروس «كورونا». هكذا أثبتت فكرة الربحية عند تقديم الخدمة الصحية وهي السائدة في الغرب أنها نموذج مناهض لمبدأ الحق في الحياة، ما يعني أنها ليست تطبيقاً إنسانياً يصلح لأن يكون نهاية التاريخ.

الملاحظة الثانية تستند إلى ذلك البيان الشهير للرئيس الصربي الذي انتقد فيه دول الاتحاد الأوروبي التي امتنعت عن تقديم الدعم والمساندة لحكومته لمواجهة وباء «كورونا»، معتبراً أن المبادئ التي يتغنى بها الغرب عن التضامن الإنساني هي كلام فارغ لا يوجد إلا على الورق ولا أثر له في الواقع، حيث امتنعت تلك الدول عند تقديم المساعدة لبلاده، مشيراً إلى أن المساعدة ستأتي من الصين، فهي الصديق وليست دول أوروبا التي يشاركها منظومة إقليمية واحدة.

موقف رئيس صربيا يفضح تماماً السلوك الغربي الليبرالي في مواجهة محنة إنسانية عامة لكل البشر، فبدلاً من التضامن وتقديم المساعدة، انكفأ كل طرف على ذاته وحافظ على ما لديه من مواد طبية وأجهزة طبية من أجل شعبه، وهو ما يمثل تحدياً لفكرة الوحدة الأوروبية ذاتها، صحيح هناك مشاورات ومباحثات عبر «الفيديو كونفرانس» بين زعماء أوروبيين بارزين للتنسيق في مواجهة وباء «كورونا»، لكنه لا يشمل التعاون، لا سيما مع دول الاتحاد الأصغر والأضعف، وهو ما يضرب في الصميم مبادئ الوحدة الأوروبية وقيم التضامن الإنساني التي يستغلها الغرب في إظهار تفوقه القيمي على باقي العالم.

هذا الانكشاف الغربي إنسانياً يقابله سلوك صيني تضامني بدا جلياً في إرسال أطباء ومعاونين وأجهزة إلى إيطاليا لمعاونتها لمواجهة الوباء الذي قصم ظهرها على نحو غير متوقعوالأمر .

الملاحظة الثالثة تتعلق بدور التكنولوجيا الحديثة المصحوبة بفكرة الدولة الفاعلة والمجتمع المنضبط في مواجهة وباء شرس وخطير يمكنه في حالة ميوعة المواجهة أن يقضي على ملايين البشر. وهنا تبدو الدولة التي يراها الغرب مستبدة أو على الأقل مسيطرة على حركة المجتمع من خلال آليات غير ديمقراطية، أكثر فاعلية في حالات الخطر الوجودي. ففي حالتي إسبانيا وإيطاليا وإلى حدٍّ ما بريطانيا والولايات المتحدة، فإن أسلوب المواجهة في مرحلة احتواء الفيروس الذي يعتمد على إجراءات ذات طابع اختياري، أثبت فشله التام، وهي حالات رغم تقدمها الاقتصادي بوجه عام فقد ثبت أن أنظمتها التكنولوجية غير مؤهلة للمساعدة في تقديم خدمة طبية كفؤ على المستوى المجتمعي، إذ ليست لديها أنظمة التعرف على الوجه، ولا قدرة لها على التعامل مع «البغ داتا»، التي هي أصل مجتمع المعلومات وبناء المعرفة، على الأقل في المجال الصحي العام، وذلك على عكس الحالة الصينية. مع الأخذ في الاعتبار أن تطبيقات التعرف على الوجه تشكل تحدياً لحرية الإنسان في ظل الظروف العادية، ولكنها أثبتت فعاليتها في ظل ظرف استثنائي تمر به البشرية كلها. ولعل المرحلة المقبلة تشهد جدلاً فكرياً وفلسفياً حول كيفية توظيف تلك التقنيات لحماية الإنسان وفي الآن نفسه الحد من توظيفها لتقييد حريته . (14)

أظهر وباء كورونا مدى عجز وعدم اتزان بعض جوانب النموذج النموذج الليبرالي الغربي خصوصا أمام قضاي الصحة والسلامة والوعي البيئي فالصحة من منظور السياسة الاقتصادية والعامة مصلحة عامة عالمية لا يمكن انتاجها كسلعة وبيعها للمستهلكين الأفراد فقد أظهر وباء كورونا التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الافتقار الى نظم الصحة والرعاية في جميع الدول وغياب القواعد العالمية لحماية الصحة .

ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال ظهر جليا استمرار تخلي الدولة عن دورها في مجال الرعاية الصحية ففي عهد ترامب أغلق مكتب جائحة البيت الأبيض وهي إدارة أنشاها أوباما بعد تفشي فيروس ايبولا 2014 لضمان استجابة وطنية سريعة ومنسقة بشكل جيد للأوبئة الجديدة . ووفقا لجمعية المستشفيات لأمريكية انخفض عدد أسرة مستشفيات الداخلية بنسبة استثنائية بلغت 39 % بين عامي 1981 و 1999 وكان الهدف من ذلك هو زياد الأرباح عن طريق زيادة عدد الأسرة المشغولة في المستشفيات الخاصة وهذا يعنني أن المستشفيات لم تعد لديها القدرة على استيعاب تدفق المرضى أثناء الأوبئة وحالات الطوارئ الطبية كما استمر تقليص طب الطوارئ في القطاع الخاص وفي القطاع العام بسبب التقشف المالي وخفض ميزانيات التأهب على مستوى الولايات المتحدة ونتيجة لذلك لا يتبقى سوى 45000 سرير واحدة العناية المركزة للتعامل مع الحالات الحرجة لفيروس كورونا . كما يعيش ما يقرب من 30 مليون أمريكي بدون أي نوع من التأمين الصحي بالإضافة الى الأسعار المرتفعة للدواء والرعاية الصحية .

مثال أخر وهو المملكة المتحدة ففي عام 2015 حفضت ميزانيات الصحة العامة بمقدار مليار جنية استرليني كما غادر العديد من الأطباء مجال الحدمة الصحية الوطنية واتجهوا نحو المستشفيات الخاصة الأعلى أجرا وهو ما يظهر الإهمال الحاد للقطاع الصحي الحكومي .

وفي فلندا أكثر دول العالم رفاهية وسعادة لا يستطيع نظامها الخاص تعويض العاطلين عن العمل والتعامل في الزيادة المفاجئة في الطلبات على الإعانة حيث وجد أكثر من 300 الف فلندي أنفسهم بدون عمل دون سابق انذارسواء من خلال التسريح المؤقت للعمالة أو الاستغناء الدائم عنهم . (15)  وهو نفس ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تشير الإحصاءات الأمريكية الى أن عدد ضخم من الأمريكيين يبلغ 26 مليون شخص فقدوا وظائفهم فالملايين منهم الآن ليس لديهم عمل ولا دخل فقط بل يفتقدون أيضا القدرة على تلبية الاحتياجات الصحية لأسرهم في وقت الوباء . (16) هناك تقرير صدر بالفعل عن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية  بتاريخ الأول من مايو الجاري في 4 صفحات ونقلته وكالة ” أسوشيتد برس” ، أورد التقرير احتمالات مدعمة بقرائن تؤكدها، وكان من أبرزها أن الحكومة الصينية ربما تكون قد عمدت إلى حجب المعلومات تارة والتلاعب بها تارة أخرى حتى يصبح لديها المزيد من الوقت لتخزين الإمدادات الطبية والنجاة بنفسها ، حاولت الصين إخفاء فعلتها من خلال إنكار وجود قيود على صادراتها من المنتجات الطبية والتخلف في تقديم بياناتها التجارية والجمع فيها بين شهري يناير وفبراير من العام الجاري حتى يصعب ملاحقتها . وحسب التقرير فإنه في يناير الماضي وقبل أن تقوم بكين بمشاركة التفاصيل الخاصة بكوفيد 19 مع منظمة الصحة العالمية زادت بكين بشكل كبير وارداتها وخفضت صادراتها من الإمدادات الطبية.

جاءت الأرقام التي أوردها التقرير مدهشة، فقد زادت الصين وارداتها من أقنعة الوجه الجراحية بنسبة 278% ، وبالنسبة للملابس الطبية بنسبة 72% ، أما القفازات فقد كانت بنسبة 32% وعلى الجانب الآخر وبينما قامت بزيادة وارداتها  الإجمالية بنسبة  382% للمنتجات الطبية قامت بخفض صادراتها لنفس المنتجات بنسبة 379%  بكين كانت على علم مسبق بهول الكارثة واختارت العبث مرة أخرى بالموازين التجارية .(17)

ـ مستقبل النموذج الليبرالي في عالم ما بعد كورونا “سيناريوهات والبحث عن بدائل “

ان كل هذه الاحداث تدعونا للتفكير مجدداً حول جدوى قيم النظام الدولي السائد والذي تهيمن عليه الأيديولوجيا الليبرالية بشقيها الكلاسيكي والجديد والتي تحد من سلطة الدولة وتعزز أفاق التكامل والتعاون بين الدول ، فقد غاب مفهوم التعاون الدولي  بمجرد تعرض هذه الدول لأزمة تهدد وجودها وحلت محله القرصنة وغلق الحدود والامتناع عن تقديم المساعدات الانسانية ، كما عززت الأزمة من تأثير الأحزاب الشعبوية في الدول الغربية والتي باتت تطالب  بمزيد من السيادة الوطنية لبلدانها بوجه سياسات التكامل السائدة وتعزيز الإجراءات التي تحد من حرية الحركة والتنقل بين الحدود الوطني .

فقد كشفت الجائحة الوبائية هذه عن خلل في الأيديولوجيا الليبرالية التي يتبعها النظام العالمي ذ أثر نمط التفكير بالمنفعة الاقتصادية  لدى قادة هذه الدول إلى تأخير إجراءات الحجر خشية أن تؤدي هذه الإجراءات إلى خسائر اقتصادية كما أدى انتشار الجائحة في أوروبا إلى غياب مفردات التكامل والتعاون الأوروبية لتحل محلها مفردات السيادة والقومية والأمن القومي كما وحلت سياسات الحدود المغلقة بدل سياسات الحدود المفتوحة التي كانت سائدة فيما بين دول الاتحاد الأوروبي بفعل منظومة التكامل الأوروبية .( 18)

وفي خضم هذه التحولات أصبحت الليبرالية الغربية أمام تحد وجودي فمع انتشار الأثار الصحية والاقتصادية بسبب تفشي وباء كورونا عبر أرجاء العالم تنزلق الإنسانية الى أسفل عام 2020 ويتحول الشعار الشهير لآدم سميث ” دعه يمر دعه يعمل ” الى شعار مأساوي ” ابقى في بيتك ومت في بيتك ” . (19)

ومن هنا يبدو أن مستقبل النموذج الليبرالي وهيمنته على العالم مرهون بثلاثة سيناريوهات أساسية تكاد تكون هي المتكمة بمصيره . وفيما يلي أهم هذه السيناريوهات .

1 – استمرار النموذج الليبرالي الغربي بإعتباره المهيمن على العالم منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي :

وتقوم فكرة هذا السيناريو أن نفهم و ندرك تمام الإدراك أن تفوق الليبرالية الرأسمالية الغربية على النموذج الاشتراكي الشرقي ليس لقوتها الفكرية و التنظيرية و إنما قدرتها على تجاوز المشاكل و تكيفها معها و تعمل على إعادة تعريفها للواقع ، فيوجد داخل الليبرالية آلية نقدية مع الاستفادة من النقد الموجه لها و تعمل على تحسين و تجاوز الإشكاليات الدولية و هذا ما سيحدث لما بعد الكورونا فإن الدول الليبرالية القوية القدرة على المناورة وإعادة تأهيل اقتصادياتها والرجوع إلى ساحة الصراع و المنافسة والقيادة . (20)

2 – القدرة على التطور ومواكبة المتغيرات : ووفقا لهذا السيناريو فإن قدرة الليبرالية على الاستمرار تتوقف على قدرتها على تطوير نفسها نحو مرحلة أكثر تقدما تجاه ما يمكن تسميته رأسمالية الناس حيث يتم توزيع الدخل بطريقة اكثر عدالة وهو الأمر الذي يتطلب توسيع نطاق ملكية رأس المال في المجتمع بما يتجاوز القيمة الحالية التي تبلغ 10% في يد الأثرياء .(21)

كما يجب على الدول اعادة توجيه ميزانيتها الى الرعاية الصحية لمواطنيها وكذلك الأبحاث الطبية واعلاء المبادئ الإنسانية فوق كل المصالح السياسية والعسكرية .

3- سقوط الليبرالية : والتحول إلى نظام غير ليبرالي يقوم على أساس الدول القومية السيادية القوية والمنفصلة التي لكل واحدة منها هوية مميزة وفي النظام غير الليبرالي ستحترم كل دولة هوية وسيادة جيرانها وبالتالي قد تعيش بسلام بل وتتاجر الواحدة مع الأخرى ولكن هذا النظام يتنكر لفكرة حقوق الفرد والمواطن الكونية التي تتجاوز الحدود والثقافات ويفضل الدول القومية على المؤسسات الدولية .

خاتمة :

لا نستطيع الجزم بطبيعة النظام العالمي الجديد بعد انتهاء جائحة كورونا حيث لايزال مصير الحرب مع الوباء ومصير العالم نتيجته غير واضحة وتتوقف على المدى الزمني الخاص بانتشار الوباء والتعامل معه ولكن ما نستطيع قوله ان الأفكار الليبرالية لها فضائل سياسية واجتماعية ساعدت في اكتسابها سمعة ايجابية على مدى عقود ولكن السياقات التي عايشتها الدول الغربية خلال السنوات الأخيرة انطوت على ضغوط حادة على الليبرالية وأثيرت الكثير من الشكوك حيال قدرتها على الاستمرار فقد ظهرت فجوات هائلة داخل المجتمعات الغربية في ظل بزوغ مجموعة من النخب لا تهتم سوى بمصالحها الضيقة على حساب مساحات واسعة من المجتمع فضلا عن ظاهرة الشعبوية واليمين والتخبط داخل أروقة الاتحاد الأوروبي وصعود قوى دولية غير ليبرالية مثل الصين وروسيا كلها معطيات تعقد من مستقبل الليبرالية وان كان البعض يراهن على قدرتها على التصحيح الذاتي وتجربتها التاريخية في معالجة أخطائها .

مراجع :

(1) عبد الله بن علي العليان ” فوكوياما وتراجعه عن الرؤية الأحادية للنموذج الليبرالي”

https://al-sharq.com/opinion/27/09/2015/%D9%81%D9%88%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%8

(2) دراسة بحثية بعنوان حول مفهوم الليبرالية وعلاقتها ببعض من المفاهيم الاخرى منها (الديمقراطية, العلمانية, الحرية) اعداد الباحثة: دينا سليمان كمال لاشين/ المركز الديمقراطي العربي / 5 اغسطس 2019

(3) دراسة بحثية بعنوان (الليبرالية نشأتها ومجالاتها )اعداد الباحث عبدالرحيم ابن صمايل السلمي.

مقال : في الدولة الليبرالية – مجلة المؤرخ العربي – عدد 35 -ص/73(4)

(5) مقالة بعنوان :مراجعات في مفهوم “الليبرالية”.. فلسفة الحرية والمساواة بواسطة سكينة المشخص 25 مارس 2014 https://arb.majalla.com/2014/03/article55250503/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%A9

4%D9%8A

(6) محمد بسيوني عبد الحليم ” أزمات النموذج الليبرالي والبحث عن بدائل ” مجلة السياسة الدولية العدد 218

(7)اسراء أحمد اسماعيل ” مستقبل العولمة الأفول أم حتمية الاستمرار ” مجلة السياسة الدولية العدد 218

(8) ترجمة: علاء الدين أبو زينة، مستقبل الرأسمالية انهيار “الليبرالية الجديدة”.. الأسواق ليست الحل  (فورين أفيرز) .

https://alghad.com/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9/

(9) إسراء أحمد إسماعيل، مخاوف “البلوتوقراطية” مستقبل الرأسمالية العالمية بين النموذجين الأمريكي والصيني مركز المستقبل

https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/5220/%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D9%88%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8

A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A

(10) محمد بسيوني عبد الحليم ” أزمات النموذج الليبرالي والبحث عن بدائل ” مجلة السياسة الدولية العدد 218 مرجع سبق ذكره.

(11) باسم راشد، القومية المضادة : كيف فشلت الليبرالية الأمريكية في تصدير نموذجها للخارج؟

https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/4363/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%81%D8%B4%D9%84%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D9%87%D8%A7-

%D9%84%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC

(12) ترجمة: علاء الدين أبو زينة، مستقبل الرأسمالية انهيار “الليبرالية الجديدة”.. الأسواق ليست الحل  (فورين أفيرز) ، مرجع سبق ذكره

https://alghad.com/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9/

(13) أمل اسماعيل، “كورونا والبيئة والمناخ.. آثار ثانوية محدودة”

https://covid-19.ecsstudies.com/6794/

(14) حسن أبو طالب، عالم ما بعد «كورونا» ودورة جديدة للتاريخ https://aawsat.com/home/article/2195746/%D8%AF-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8/%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%C2%AB%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7%C2%BB-%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE

(15) جيهان عبد السلام ، جوانب ضعف النظام الرأسمالي العالمي في ظل وباء كورونا ، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

https://pharostudies.com/?p=4342&fbclid=IwAR1k512L33ATV6dLaop4I95aXXROmuCxq4qyKJhSeJKm0nhLR7SOtNfFU0k

(16)                https://www.bbc.com/arabic/inthepress-52423614

(17) نرمين سعيد،حقائق مفزعة.. بكين كانت تعلم تقرير أمريكي يكشف: الصين زادت وارداتها الطبية في يناير بـنسبة 382% المركز المصري .

https://covid-19.ecsstudies.com/6805/?fbclid=IwAR2gngFTcKnISGpFbl-JCbIlrwpjHnptuPxzQLJv-d___FYavxGdnsrZlC0

(18) حسن فاضل ، النظام المريض: أزمة النظام العالمي في ظل جائحة كورونا ، مركز أوراسيا للدراسات السياسية

https://katehon.com/ar

(19) محمد الشرقاوي ، التحولات الجيوسياسية لفيرس كورونا وتآكل النيوليبرالية ،          الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية

https://www.politics-dz.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%88/

(20) قميتي بدر الدين ،كورونا جلد أفعى جديد لنظام دولي قديم ، المركز الديمقراطي العربي

https://democraticac.de/?p=66155

(21) إسراء أحمد إسماعيل، مخاوف “البلوتوقراطية” مستقبل الرأسمالية العالمية بين النموذجين الأمريكي والصيني مركز المستقبل، مرجع سبق ذكره .

4.3/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى