مصر بين التعويل علي الحلول الدبلوماسية واستخدام الخيار العسكري في قضية سد النهضة
اعداد : محمد عبد المجيد حسين – باحث في الشئون الأفريقية والشرق الأوسط – برنامج ماجستير اقتصاد وعلوم سياسية , كلية الدراسات الافريقية العليا جامعة القاهرة – رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز عيون الخليج
- المركز الديمقراطي العربي
في حين تتناول العديد من الدراسات السيناريوهات المحتملة لإنهاء أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا والسودان , وفي حين لا يتجلى الموقف السوداني من أزمة سد النهضة رغم اشتراكها مع مصر في العديد من الاواصل التاريخية , فضلاً عن انها تشترك مع مصر في انهما دولتا مصب , الا انها رفضت التوقيع علي اتفاق واشنطن الذي سعت مصر للتوسط به لاقتراع طاولة المفاوضات ، ليس هذا فحسب بل امتنعت السودان ايضاً عن دعم مشروع قرار اقترحته جامعة الدول العربية بإذعان من مصر لإنهاء الازمة , وهكذا بات جلياً ان مصر تسعي وحدها لإيجاد كافة السبل التي تضمن امنها المائي والذي لا ينفك عن كونه شطر اساسي لأمنها القومي , ومما زاد الامر تعقيداً في الآونة الاخيرة ما اعرب عنه المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية , عن عدم تفاؤله بتحقيق أي تقدم في المفاوضات الجارية حول سد النهضة لافتقارها للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل حول سد النهضة , ونيتها لإطلاق يدها في استغلال الموارد المائية العابرة للحدود دون أي ضوابط، ودون الالتفات إلى حقوق ومصالح دول المصب التي تشاركها في هذه الموارد المائية الدولية .
اسباب التعنت الاثيوبي وانتهاج سياسة الامر الواقع ..
ورغم ان ما تبديه اثيوبيا في تصريحاتها سواء من نائب رئيس هيئة الاركان والذي لوح بجاهزية اثيوبيا لإدارة الحرب تجاه مصر حال ان يكون الخيار العسكري هو الفيصل لإنهاء ازمة سد النهضة , وبين تصريحات ابي احمد بأن اثيوبيا ستمضي قدماً في ملء الخزان واصفاً مساعي مصر لإنهاء الازمة بأنها ضغوطاً ليست في صالح الجميع , يبقي السؤال المحير, إلاما ترتكن اثيوبيا في تصريحاتها تلك ؟؟ وهل تتسق تلك التصريحات مع أحوالها وظروفها وإمكانياتها وقدراتها الداخلية والخارجية؟!
فبكل المقاييس لا توجد أدنى مقارنة بين القدرات المختلفة بين مصر وإثيوبيا ,حيث يتضح لدي الداني والقاصي الفجوة بين قدرات البلدين اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً , وإن كنا هنا لسنا بصدد تفنيدها وإنما وجب التنويه علي ان هذا التعنت الاثيوبي ليس وليد اليوم , وإنما له جذور تاريخية , فالحكومات الإثيوبية المتعاقبة في العقود الأخيرة، تكن حقدا لا مبرر له ضد مصر والمصريين، وليس فقط ضد الحكومات والأنظمة , وإدارة اثيوبيا للأزمة في الشهور الأخيرة بات جلياً انها تسعي للمماطلة لحين الانتهاء من مشروع السد لتحقيق مصالح قوي إقليمية ودولية معادية لمصر.
فربما ترتكن اثيوبيا علي قوى إقليمية ودولية تريد منها ابتزاز مصر بحصتها من المياه، وربما تستمد قوتها من الاستثمارات الصينية والإيطالية والخليجية المتزايدة فى إثيوبيا، وأن مصر ليست علي استعداد لمجابهة كافة الاطراف في آن واحد , كما ترتكن اثيوبيا علي غالبية دول القارة الإفريقية ومساندتهم لأديس أبابا مقر الاتحاد الإفريقي، وأنهم يشاركونها نفس النظرة تجاه مصر وتجاه الدول العربية فى القارة الإفريقية , خاصة مع توجه مصر لجامعة الدول العربية لعرض الازمة في حين توجهت اثيوبيا الي الاتحاد الافريقي لاكتساب موقف قاري داعم في مواجهة الدبلوماسية المصرية .
مخاوف مصر من بناء السد ..
وتتلخص ابرزها فيما يلي :
- عدم وجود دراسات فنية توضح أضرار السد سواء من ناحية مدى ملاءمته مع ظروف المنطقة المشيّد عليها او من ناحية حجم المياه التي سيحجبها السد من حصة مصر البالغة 56 مليار متر مكعب سنويًا.
- التصميمات الإنشائية لأساسات «سد النهضة» لا تأخذ في الاعتبار انتشار الفواصل والتشققات الكثيفة المتواجدة في الطبقة الصخرية أسفل السد، بما يهدد بانهياره.
- في حالة انهيار السد فإن كمية المياه المندفعةمن السد (74 مليار متر مكعب) يمكنها أن تصل إلى القاهرة وتغرقها في خلال ثلاثة أيام .
- ترغب إثيوبيا في ملء خزان السد خلال 3 سنوات من أجل تسريع عملية إنتاج الكهرباء منه، بينما ترى مصر أن أقل مدى زمني لعملية ملء خزان «سد النهضة» يجب ألا يقل عن 6 سنوات (بعض التقارير تتحدث عن 7 و10 سنوات).
- وفق نموذج محاكاة أعدته الدكتورة «نهى سمير دنيا»، رئيس قسم الهندسة البيئية بمعهد الدراسات البيئية، بجامعة عين شمس، بغرض رصد الآثار المتوقعة للسد، فإذا كانت فترة ملء الخزان 3 سنوات فإنه سيؤثر تأثيرًا شديدًا على حصة مصر والسودان من المياه بنقص يمثل نحو 24 مليار متر مكعب سنويًا خلال فترة الملء.
- امكانية تعرض مصر لخسارة51% من أراضيها الزراعية في حالة ملء الخزان في 3 سنوات وفقاً لإحدى الدراسات التي أجراها أحد أساتذة كلية الزراعة بجامعة القاهرة , ويعد ذلك سيناريو كارثيا يؤثر تأثيرًا بالغًا على الغذاء المتوفر ويؤدي إلى بطالة عشرات الآلاف من العاملين في دولة يعمل ربع سكانها في مجال الزراعة.
اسباب استبعاد الخيار العسكري ..
تري بعض الدراسات ان الخيار العسكري لمواجهة ازمة سد النهضة مستبعد لأسباب عديدة كان من أهمها :
- عدم وجود حدود برية متصلة بين مصر وإثيوبيا، وفي حال شن حرب برية يتعين على مصر اللجوء إلى طرف ثالث، قد يكون السودان أو إريتريا.
- فقدان الدعم السوداني , حيث تحافظ السودان علي صداقة إثيوبيا ومصالح اخري تتعلق بالحصول علي كهرباء رخيصة مقابل السد .
- حصول اثيوبيا علي دعم وتعاطف الدول الإفريقية المُحيطة بها من خلال عُروضٍ بإمدادات كهرباء نظيفة من إنتاج “طوربينات” سد النّهضة، وبأسعارٍ مُنخفضةٍ جدًّا، فضلاً عن استثمارات حُلفاء مِصر العرب في اثيوبيا وتقديم القُروض للحُكومة الإثيوبيّة لدعم موقفها.
- عدم اتفاق المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية على اللجوء لخيار القوة، لحل المشكلات الإقليمية والدولية، كما يصعب على مصر إقناع الأمم المتحدة بالضرر الفادح الذي قد يهدد البلاد جراء بناء السد.
- استبعد الرئيس المصري في أكثر من مرة اللجوء إلى الخيار العسكري، مشيرا إلي أن مصر تعول دائما على الحلول السلمية والدبلوماسية لمشكلة سد النهضة.
- رغم الوساطة الامريكية والتي تصفها اثيوبيا انها تعمل لصالح مصر الا ان إثيوبيا تحظى بدعم اللّوبي اليهودي الإسرائيلي ، فضلا عن ان امريكا تعتبر اثيوبيا مركز نُفوذها الأهم في القارّة الإفريقيّة .
- قصف مِصر لسد النّهضة المحمي بمنظومات صواريخ إسرائيليّة ربّما يُؤدِّي إلى ردٍّ بقصف السّد العالي في المُقابل، وربّما بصواريخٍ إسرائيليّة أو أمريكيّة، أو صفقة يجري فرضها على مِصر بإيصال مِياه النيل إلى الدولة العبريّة، ومن حصّتها السنويّة.
- صعوبة جاهزية الجيش المصري في الوقت الراهن لخوض حربين، واحدة لحفظ الأمن القومي المِصري في الشرق اللّيبي، والأخرى لحفظ الأمن المائي في الجنوب الإثيوبي، فضلاً عن انشغاله في الحرب في سيناء ضِد الإرهاب، وتفرّغ وحدات منه في إنجاز مشاريع التنمية الصناعيّة والخدماتيّة الداخليّة لإنقاذ الاقتصاد المِصري.
امكانية طرح الخيار العسكري ..
تاريخياً ؛ صرحت مصر في اكثر من مرة عن امكانية استخدام الخيار العسكري الغاشم لحماية امنها القومي , فعن تصريح عمر سليمان رئيس المخابرات الاسبق “الدولة الوحيدة التي لا تتعاون هي إثيوبيا، نحن مستمرون في التفاوض معهم بالوسائل الدبلوماسية، وبالفعل نحن نناقش التعاون العسكري مع السودان، لكن إذا وصل الأمر إلى أزمة، فسنقوم ببساطة بإرسال طائرة لقصف السد والعودة في نفس اليوم، أو يمكننا أن نرسل قواتنا الخاصة لتخريب السد، وتذكروا ما فعلته مصر في أواخر السبعينات، أعتقد أن ذلك كان في عام 1976، وقتها كانت إثيوبيا تحاول بناء سد كبير فقمنا بتفجير المعدات وهي في عرض البحر في طريقها إلى إثيوبيا”
وفي هذا الصدد يشير بعض الباحثين الي امكانية اعتماد مصر علي دعم الجماعات الانفصالية المسلحة في اثيوبيا او اثارة النزاع الحدودي الإرتيري الاثيوبي ولن يكون إيجاد مثل هذه الجماعات أمرًا صعبًا، فهناك أكثر من 12 جماعة مسلحة في إثيوبيا , ويشير الطرح الثاني الي صعوبة استخدام الهجوم البري لعدم وجود منطقة حدودية مشتركة وكذلك استحالة التدخل البحري مع دولة حبيسة مثل اثيوبيا, لذلك قد يكون استخدام سلاح الجو هو الخيار الأسلم في حال أرادت مصر عدم المخاطرة بتدخل بري في إثيوبيا خشية من عواقبه .
قائمة المراجع :
بعد إعلان أثيوبيا بدء تشغيل سد النهضة.. ما هي خيارات مصر المتبقية؟
لماذا تَستبعِد مِصر الخِيار العسكريّ بعد انهيار الوساطة الأمريكيّة في أزَمة سد النّهضة؟ وهل سيخرج آبي أحمد فائِزًا فيها مثلما فاز بجائزة نوبل على حِساب “طيبة” الأشقّاء المِصريين؟ وما دور إسرائيل في جميع الحالات؟ ولِمَن ستكون أولويّة الحرب في إثيوبيا أو ليبيا إذا اشتعلت؟
سد النهضة: هل تنذر الأزمة الراهنة بـ “زلزال حقيقي” في منطقة حوض النيل؟
https://www.bbc.com/arabic/inthepress-51764013
على من تراهن إثيوبيا؟!
http://awa-eg.org/ar/article/493
أخطر «4» أوراق ضغط أمام مصر لـ«تركيع» إثيوبيا وحل أزمة «سد النهضة»
https://www.elnabaa.net/812991
سيناريوهات التدخل العسكري لحل أزمة سد النهضة
https://www.ida2at.com/scenarios-of-military-intervention-to-resolve-alnahda-dam-crisis/
سد النهضة: ما هي خيارات مصر بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة في إثيوبيا؟