مقالات

فرص تحقيق السلام في اليمن

بقلم : محمد كريم الخاقاني –  اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

بعد محادثات بدأت في العاصمة السويدية عام ٢٠١٨ بين طرفي النزاع اليمني، أنصار  جماعة الحوثي والحكومة اليمنية للتوقيع على عملية تبادل اسرى الجانبين، اتفقا في محادثات استمرت اسبوعاً في سويسرا على تبادل ١٠٨١ اسير بمساعدة الأمم المتحدة والصليب الأحمر وفقاً لما اعلنه وسيط الأمم المتحدة بهذا الشأن، وتعد عملية تبادل الاسرى هي الاكبر منذ النزاع على السلطة الذي ابتدأ منذ ست سنوات واسفر عن تدخل المملكة العربية السعودية بتحالف عسكري لصالح حكومة  عبد ربه منصور هادي في اذار ٢٠١٥.

وربما يمهد هذا الإتفاق بين انصار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي الى البدء بإتفاق إطلاق النار بين الجانبين، وان يكون هذا الإتفاق الخطوة الأولى نحو إعلان سلام شامل في اليمن منهياً بذلك فصلاً مأساوياً ودماراً شاملاً وحرباً اهلية استمرت منذ عام ٢٠١٤ ولا تزال.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيرش بالإتفاق الذي تم التوصل اليه بين طرفي النزاع اليمني، على امل ان تكون هذه الخطوة مقدمة لإتفاق آخر لوقف إطلاق النار بينهما يتضمن قرارات تتعلق بإلغاء حظر الموانئ والمطارات والطرق وغيرها.

وكان طرفي النزاع في اليمن قد اتفقا في عام ٢٠١٨ في السويد على تبادل الاسرى بينهما بحدود خمسة عشر الف اسيراً، ومنذ ذلك التأريخ بدأت عمليات قليلة لتنفيذ الإتفاق. ووفقاً للمباحثات التي جرت في سويسرا، فإن الطرفين قد وافقا على تبادل ٦٨١ اسير من الطرف الحوثي مقابل ٤٠٠ اسير من الجانب الحكومي من بينهم ١٥ اسير سعودي و٤ سودانيين، فيما لم يتم إطلاق سراح شقيق الرئيس اليمني العميد ناصر منصور هادي.

وتشرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر على عملية تبادل اسرى الطرفين، إذ امدت بإن خمس طائرات تابعة لها قد اقلعت من مطارات ابها وصنعاء وسيئون اليمنية يوم الخميس الماضي، وتعد هذه العملية مقدمة لعملية اخرى تتمثل بوقف إطلاق النار، وهي ثمرة جهود قامت بها المنظمة الدولية من اجل الحوار والتوصل لإتفاق سلام بعد ست سنوات من الإقتتال الداخلي بين انصار حركة الحوثيين والحكومة اليمنية بعد سيطرة الحوثيين على جزء كبير من غربي البلاد مما اضطر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الى الفرار الى المملكة العربية السعودية في عام ٢٠١٥.

ومن الجدير بالذكر ان انصار حركة الحوثي قد افرجت بموجب الإتفاق على امريكيين اثنين كانا محتجزين لديها مع تسليم رفات ثللث كان قد توفي اثناء مدة الاسر، وقد قُوبلت عملية الإفراج عن الاسرى الأمريكان بترحيب امريكي عال المستوى، إذ صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت اوبراين، بإن بلاده ترحب بإفراج جماعة انصار الحوثي عن ساندرا لولي ومايكل جيدادا، وتسليم جثمان بلال فطين الذي توفي في الاسر، وكانت موظفة الإغاثة الأمريكية لولي قد احتجزت منذ ثلاث سنوات، بينما وقع في اسر جماعة الحوثي رجل الأعمال جيدادا منذ عام.

وعاد ٢٤٠ من الجرحى والعالقين الى صنعاء على متن طائرتين عُمانيتين، ومن بين هؤلاء الجرحى العائدين، الذين سافروا الى العاصمة العُمانية مسقط اثناء مشاورات السويد عام ٢٠١٨، وكان نائب مساعد الرئيس الأمريكي كاش باتيل قد اكد بإن ليس من بين المفرج عنهم من هو مطلوباً على قائمة الإرهاب الأمريكية، مبيناً بإن بلاده رفضت عودة بعض الاشخاص الذين طالبت بعودتهم الى صنعاء حركة الحوثي وذلك بسبب كونهم يشكلون خطراً كبيراً.

ومن المؤمل ان يصب هذا الحدث المتمثل بإفراج الحوثيين عن رهائن امريكيين في مصلحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يخوض هذه الايام معركة إنتخابية شرسة مع تراجع في نسبة مؤيدي إعادة تجديد إنتخابه لولاية رئاسية ثانية مقارنة مع منافسه الديمقراطي جو بايدن، وبالتالي ستعطي تلك العملية دافعاً للرئيس ترامب في تعزيز موقفه الإنتخابي لاسيما في ظل تعهدات سابقة كان قد اطلقها ترامب بخصوص ملف الرهائن الذي جعل منه احد اهم اولوياته، وسجل في هذا الملف العديد من النقاط في إعادة العديد من الرهائن الامريكان في كوريا الشمالية وإيران ضمن صفقات تبادل. وكانت طائرة لسلاح الجو العُماني قد شخصين امريكيين فضلاً عن رفات ثالث من العاصمة اليمنية صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، بعد ساعات من إعادة الطائرة اكثر من ٢٠٠ تابعين للحركة الى اليمن بعدما علقوا في مسقط.

ولا تزال الأمم المتحدة تؤمن بفرص نجاح فرص السلام وإمكانية تحقيقه بعد الخطوة الأولى التي تمثلت بتبادل الاسرى بين طرفي النزاع المستمر منذ عام ٢٠١٤، فالأمم المتحدة ترى بإن الحوار وتقديم التنازلات، يمكن ان يؤدي الى إحراز تقدم في اليمن وإحلال السلام فيه، فقد رحب ستيفان دو جاريك المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة بخطوة تبادل الاسرى، واشار بإن عملية إطلاق الاسرى تأتي في إطار إتفاق جرى في ايلول ٢٠٢٠ في سويسرا بين طرفي النزاع اليمني الذي يتعلق بتبادل الطرفين للاسرى المعتقلين لديهم، وهي خطوة مهمة في مسار إتفاق ستوكهولم ٢٠١٨.

ويمكن القول بإن تلك الخطوة قد تؤتي ثمارها في إنهاء الحرب الدائرة اليمن منذ ست سنوات، وذلك بتطبيق إتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين الطرفين في كافة انحاء اليمن، وإتخاذ تدابير إنسانية وإقتصادية تستهدف إنهاء حالة الحرب في البلاد التي استنزفت من موارد اليمن وجعلته من اكثر الدول في العالم تخلفاً، إذ خلفت الحرب اكثر من ١١٢ الف قتيل من بينهم اكثر من ١٢ الف مدني، ويعيش اكثر من ٨٠٪من سكان اليمن الذين يقدر عددهم ٣٠ مليون نسمة على المساعدات الإنسانية.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيرش قد ابلغ مجلس الأمن بعدم التوصل لإتفاق بين الفرقاء اليمنيين لغاية الآن بشأن المبادرة الأممية (الإعلان المشترك)، ووفقاً لغوتيرش فإن المباحثات لا تزال جارية بينهما للتوصل لصيغة مقبولة من الإعلان المشترك والذي تتضمن ابرز بنوده، الإتفاق على وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وإستئناف المشاورات السياسية في اقرب وقت ممكن، والعمل على إنهاء معاناة الشعب اليمني وذلك بإتخاذ ترتيبات إنسانية لتخفيف معاناتهم نتيجة النزاع المستمر منذ اكثر من ست سنوات.

وتعد عملية تبادل الاسرى بين طرفي النزاع اليمني ثغرة بمنظور الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، وخطوة لتحقيق السلام في اليمن، وذلك من خلال الدعوة لبدء مشاورات سياسية بين الجانبين.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى