اقتصاد ما بعد النفط : الهاجس الاقتصادى الأول والتحدى الأكبر أمام دول الخليج
كتبت : شاهيناز العقباوى – المركز الديمقراطي العربي
- 80% من الإيرادات الحكومية لدول الخليج يعتمد على العوائد النفطية وانخفاض الأسعار سيؤثر سلبا على الاقتصاد
- دول مجلس التعاون الخليجى تسعى وبقوة للدخول الى مرحلة التنوع الاقتصادى لمواكبة التطور العالمى
- صندوق النقد الدولي : يقترح على دول الخليج تبنى مجموعة من خطوات الإصلاح الاقتصادي للتعامل مع الواقع الجديد
- محمد جميل الدقاق: السعى للوصول إلى مرحلة اقتصاد ما بعد النفط مطروحة خليجيا منذ وقتا طويل
- بهجت ابو النصر : البحث عن مصادر الطاقة المتجددة ينذر ببداية حقبة ستؤثر على الدول التي تعتمد في اقتصادها على النفط
- أسامة كمال : الدول النفطية تعانى من اختلال هياكلها الاقتصادية لاعتمادها على مصدر وحيد للدخل في تمويل سياساتها التنموية
أصبح البحث عن وسائل التنوع الاقتصادي أمرا حتميا أمام الدول النفطية ولم يعد هناك مفر من الدخول وبقوة فى الثورة الصناعية الثالثة، لاسيما إن مجرد التأخير او التباطؤ عن اللحاق بالركاب العالمى سيكبد دول الخليج خسائر اقتصادية ضخمة ، خاصة ان الحديث عن اقتصاد ما بعد النفط يعني من وجهة نظر البعض التصدي لتغيير عدد من الحقائق الجوهرية وهي أنه يمثل 80% من الإيرادات الحكومية لدول الخليج، ونحو 70% من الصادرات و30- 50% من الناتج المحلي، لذا أصبح من الضرورى الاستعاضة عنها بأنشطة ومصادر جديدة، فمنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي. سعت حكومات الدول النفطية إلى البدء بتنويع مصادر الدخل واستثمار مبالغ ضخمة في تطوير قطاع صناعات الطاقة الثقيلة، مثل شركة سابك السعودية وألبا في البحرين والذى تواكب مع تطوير صناعات الغاز في عدد من الدول الاخرى ، كما روجت المنامة لنفسها كمركز مصرفي منذ عام 1975، فى حين بدأت دبي منتصف الثمانينيات بإيجاد مناطقها الحرة. وبعد انخفاض أسعار النفط عام 2014 أطلقت الحكومات الخليجية موجة ثانية من مبادرات التنويع هدفت إلى تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد من خلال تحسين بيئة العمل، و قوانين سوق العمل، وفك القيود المالية، كذلك عبر فتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتشجيع مبادرات تنويع الاقتصاد في النشاطات الخدمية والصناعية وعملت على وضع وتطبيق سياسات اقتصادية جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تقلبات أسعار النفط.
وبدأت اقتصاديات هذه الدول تتحول من توجهات أحادية تعتمد على سلعة واحدة إلى أخرى قائمة على التنوع والتوازن باعتباره خيارا استراتيجيا من خلال توفير فرص استثمارية جديدة في دفع عملية التنمية المستدامة.
هذا وأعلنت العديد من دول الخليج عن رؤىً اقتصادية جديدة لمرحلة ما بعد النفط ارتكزت على تحسين مستويات الإنتاجية وتعزيز القدرة البشرية والمالية والتكنولوجية وترسيخ المعرفة والابتكار اللذان أصبحا حاجة ملحة لمواصلة الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين وضمان استدامتهما ورفع العائد من الاستثمار في تنمية الموارد البشرية. إضافة إلى توفير فرص عمل للشباب واستيعاب الزيادة السكانية. وبالفعل حققت السياسات الاقتصادية الجديدة نتائج إيجابية منذ اعتمادها.
صندوق النقد الدولى
هذه الرؤية تواكبت مع اقتراح صندوق النقد الدولي على دول الخليج ضرورة تبنى مجموعة من خطوات الإصلاح الاقتصادي للتعامل مع الواقع الجديد، تبدأ بخفض نفقات الدولة عبر تقليص الوظائف العامة وتخفيض رواتبها المرتفعة حسب المقاييس العالمية، وتخفيف الدعم الحكومي عن السلع الرئيسية ورفع أسعار الطاقة وزيادة الضرائب، على أن تترافق هذه الخطوات مع توفير شبكات أمان اجتماعي تساعد الفئات الأفقر بحيث لا تهدد استقرار دول الخليج، بالإضافة إلى الخطوة الأساسية وهي تنويع الاقتصاد الخليجي لفك ارتباطه بالنفط. ولكن مجموع الإجراءات التي يجب على دول الخليج اتخاذها كما حددها صندوق النقد تتطلب أجهزة إدارية ذات كفاءة ومهنية وخاضعة للمساءلة والرقابة الشعبية.
واشار تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي 2018 عن الآفاق الاقتصادية والاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي، الصادر بالتعاون مع مركز الإمارات للسياسات أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في أن تتجاوز، وإلى حد بعيد، آثار انخفاض أسعار النفط ، من خلال سعيها لتبنى خطط بديلة لتجاوز مرحلة اقتصاد النفط .حيث كشف تقرير «الإحصاءات الاقتصادية» الصادر عن مؤسسة «ICAEW» في نوفمبر 2018، أن القطاع غير النفطي في دولة الإمارات يمثل الآن ما يقارب 70٪ من اقتصاد الدولة، ومن المتوقع أن يزداد بنسبة 3.6٪ خلال العام الجاري 2019 وهى نسبة ممتازة جدا فى طريق التنوع الاقتصادي .
كما حققت دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الرؤى الاقتصادية الجديدة كما جاء فى التقرير قفزات نوعية على صعيد الأنشطة غير النفطية، حيث شهدت المملكة العربية السعودية تحركات تنموية فريدة من نوعها نتيجة الإجراءات الإصلاحية عبر منظومة إصلاحات لهيكلة أجهزة الدولة وخططها للحد من اعتمادها على عائدات النفط، إضافة إلى الفرص المتنامية في الصناعات المحلية الرئيسية مثل الموانئ والتجارة والترفيه والسياحة والتصنيع والبناء.
وأظهرت مؤشرات الاقتصاد العمانيى طبقا للتقرير إن مستويات متقدمة في خطط وجهود التنويع الاقتصادي جرت خلال الفترة الماضية. فقد حققت بعض المشاريع الإستراتيجية الحيوية العديد من المكاسب الملموسة. وتواصل سلطنة عمان جهودها في تحقيق التنويع الاقتصادي بالاستعانة بمخرجات البرنامج الوطني .
واوضح التقرير أن الكويت تعمل على تنويع اقتصادها من خلال جذب المزيد من الاستثمارات إلى سوق العمل الكويتي ومن المتوقع أن يتحسن نمو الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية في دولة الكويت إلى نحو 3.5% في العام الحالى، و13.5% بحلول عام 2025.
وتواصل مملكة البحرين سياساتها في مجال التنويع الاقتصادي من خلال تعزيز قطاعاتها المصرفية والمالية والسياحية. فقد تقلصت نسبة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 18. % عام 2018.
التنوع الاقتصادى :
ومؤخرا صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ” التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربية، قدم الكتاب عرض مفصل للأوضاع الاقصادية فى دول الخليج العربي لاسيما الخاصة بضرورة البحث عن بدائل لاقتصاد النفط ، حيث ارجع انخفاض أسعار النفط إلى زيادة العرض في السوق العالمية في مقابل انخفاض الطلب، وبين أن دول الخليج تأثرت سلبًا بالانخفاض الناجم عن ارتفاع العجز في ميزانياتها، وأقترح إصلاح السياسات الاقتصادية، وبناء رأس مال بشري، وإصلاح القطاعين العام والخاص، وبناء قاعدة صناعية بعيدة من النفط.
واستعرض أن الاقتصاد العماني نجح في زيادة معدلات النمو المستهدفة بين عامي 1996 و2015، وأن الرؤية تستهدف رفع المساهمة النسبية للقطاعات غير النفطية في إجمالي الناتج المحلي من 65 % عام 1995 إلى 81 % خلال العام الحالى.
ومدح سياسات الإصلاح الاقتصادي وتحدياتها في المملكة العربية السعودية من خلال رؤية 2030، من جهة تحقيق التنويع الاقتصادي ودفع عجلة التنمية بعيدًا من قطاع النفط..
وكشف عن ان حقبة ما بعد النفط بدأت بالفعل،و أن دول مجلس التعاون تحتاج إلى إعادة نظر في دورها تجاه تدني أسعار النفط، ولاسيما أن كثرا من صنّع القرار والمسؤولين والمحللين في هذه الدول يرون في انخفاض أسعار النفط فرصة لدخول حقبة جديدة من التنويع الاقتصادي. وعلى الرغم من تعقيد مسألة حقبة ما بعد النفط، فإن ذلك لا ينفي ضرورة بحث دول مجلس التعاون الخليجى عن إستراتيجية طويلة الأمد لتنويع اقتصادياتها، مع إدخال أنظمة تعليمية قائمة على المعرفة والموارد البحرية وتقنيات تحليه المياه، خصوصا في مصادر الطاقة المتجددة.
مصدر وحيد للدخل :
من جهته أكد أسامة كمال وزير البترول الأسبق أن أغلب الدول النفطية تعانى من اختلال هياكلها الاقتصادية نتيجة اعتمادها على مصدر وحيد للدخل في تمويل سياساتها التنموية، الأمر الذي دفعها إلى تبني إستراتيجيات بديلة تهدف إلى تنويع بنية الاقتصاد لزيادة قدرته على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
وقال : إن عصر الطاقة النفطية لم ينتهِ بعد، غير أن التخطيط لمرحلة ما بعد النفط يحتاج إلى التفكير بحلول مبتكرة ومعالجات ذكية لتحويل الاقتصاد من الاعتماد على النفط كمورد رئيسي واحد إلى اقتصاد متنوع ومتوازن. وتهدف الرؤى المستقبلية والتحركات الخليجية على حد قولة إلى تحقيق الاستقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وعدم التعرض إلى تبعات التقلبات الاقتصادية الناتجة عن تذبذب أسعار النفط لتحصين الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة، حيث يفضل الحديث عن اقتصاد يتحول تدريجيا وبصورة متوازنة إلى اقتصاد أكثر تنوعا، يعتمد على إيرادات النفط في إعادة هيكلة الاقتصاد تدريجيا بما يقلل الاعتماد على النفط.
وذكر ان الموضوع الآخر الأكثر أهمية عند الحديث عن اقتصاد ما بعد النفط، هو السعى لتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي، والتكامل الاقتصادي الخليجي العربي، وهو موضوع حاسم في بناء اقتصاديات قوية قادرة على المنافسة وأقل عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية بما يخدم سياسة التنوع الاقتصادي .
الإيرادات النفطية …
بينما يرى الدكتور على محمد جميل الدقاق الخبير الاقتصادى بالمملكة العربية السعودية إن السعى للوصول إلى مرحلة اقتصاد ما بعد النفط مطروحة خليجيا منذ وقتا طويل ، ولكن مؤخرا بدا السعى بشكل جدى ومحسوس من قبل كافة الدول الخليجية فى طريقة تغيير خططها نحو الإسراع فى تطبيق الخطط البديلة لاقتصاد لا يعتمد على الإيرادات النفطية وحدها .
وكشف ان المملكة العربية السعودية بدات فى تحقيق خطوات جادة فى هذا المجال عبر الدخول في استثمارات تصل لتريليوني دولار ر هذا فضلا عن بيع حصص في شركات حكومية كبرى، مثل ما حدث مع شركة «أرامكو»، والسماح لفتح الاستثمارات الخاصة لتطوير الأصول غير المستغلة للشركة مثل االحيازات الكبيرة من الأراضي والثروات في قطاع التعدين. ومن المنتظر ان تكون هناك العديد من النقلات الاقتصادية الضخمة والمؤثرة فى الكثير من دول مجلس التعاون الخليجى لاسيما ان البحث عن بدائل للتنويع الاقتصادى أصبح من أهم الاهداف التى تسعى الدول النفطية لتحقيقة خلال المرحلة المقبلة .
القطاع الخاص :
بينما ذكر علأ أبو الوفاء مسئول ملف الاستثمار بجامعة الدول العربية أنة ،مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي سيشهد موجة جذرية من التغير في السنوات القليلة القادمة نتيجة مجموعة من المتغيرات التي سوف تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر عليه، فبنظرة ثاقبة نلحظ التحول الملموس لدى دول عدة واقتصادات ناشئة للبحث عن مصادر الطاقة المتجددة وهو ما ينذر بداية حقبة جديدة سوف تؤثر بشكل واضح على الدول التي تعتمد في اقتصادها على النفط في الناتج المحلي الإجمالي لديها. ، وبالتالي فإن الطريق إلى التنويع الاقتصادي بات أمراً ملحا للغاية وهو ما يتطلب من الدول النفطية أتباع سياسات اقتصادية متنوعة ومتطورة وفعالة.
من حيث أنه على الدول النفطية على حد قوله البدء في وضع أجندات تعتمد على الصناعات التحويلية ومصادر الطاقة المتجددة، مع الأخذ في الاعتبار حجم السكان من المواطنين بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ومدى توافر الموارد الأخرى، والإطار الزمني الفردي قبل نفاد إنتاج الهيدروكربون، والديناميكية السياسية الموجودة داخل البلاد، وقدرات واستجابة قيادة الدولة والنخب إزاء هذه التحديات، والفروق في مقدار دخل النفط داخل كل مجموعة.
وأوضح انه لا شك في أن تحقيق هذا يتطلب إتباع استراتيجيات جديدة تعتمد في جوهرها على خلق اقتصاد قائم على المعرفة، والاهتمام بشكل أكبر بالاستثمار كأحد العوامل الرئيسية للنمو والأكثر قابلية للتحقيق، وتوسيع التكامل الرأسي داخل صناعة النفط، والاستبدال أو تعزيز دخل النفط مع الدخل من الغاز الطبيعي، وإنشاء مواد خام أو وقود من الصناعات التي تعتمد على احتياطيات الهيدروكربونات
وأضاف أن كل هذه الاستراتيجيات تخضع مباشرة لمجموعة متنوعة من القيود الاقتصادية، والتي تختلف في الأهمية حسب خصائص كل بلد على حدة، منها وجود عمالة وطنية قليلة العدد والاعتماد بالأساس على المغتربين مما ينتج عنه رفع التكلفة على أرباب العمل، وعدم المساواة في الدخل ومستوى المعيشة بين المواطنين في كل بلد مما يزيد من تعقيد التخطيط الاقتصادي إذ أن بعض القطاعات لديها استفادة أكثر من غيرهم من عصر النفط.
يضاف إلى ما سبق على حد قولة محدودية فرص التجارة البينية بين تلك الدول نتيجة صغر حجم الأسواق واختلاف المصالح الوطنية، وهو ما يتطلب أن يلعب القطاع الخاص دور الشريك للقطاع الحكومي وعدم اقتصار دوره على بيع الواردات والعقود الحكومية فقط فهو مطالب بالتنويع أكثر لزيادة رأس المال والتوسع عن طريق المشاريع المشتركة أو عن طريق طرح أسهم.
والخلاصة: أنه يتحتم على الدول النفطية ان تستعد وبقوة لدخول عصر ما بعد النفط وتعمل على توجيه سياساتها بطريقة تعتمد على التحول الهيكلي لصالح الصناعات التحويلية والتقنيات القائمة على المعرفة بما ما من شأنه تزايد وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وبذل المزيد من الجهود لدعم قطاع الصناعات التحويلية والعمل على إنشاء آلية لتصدير المنتجات الصناعية إلى الخارج، والبدء في تنفيذ مشروعات تعتمد على تقنيات متطورة توفر قيمة مضافة للاقتصاد لزيادة القدرة التنافسية لهذا القطاع في الأسواق الدولية.