قراءة نقدية: الاتفاق الصيني – الإيراني 2021
بقلم : د. إسلام عيادي – أستاذ مساعد – الجامعة العربية الأمريكية – باحثة في الشؤون الصينية
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
صاغت الصين وإيران بهدوء شراكة اقتصادية وأمنية شاملة من شأنها أن تمهد الطريق لمليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في الطاقة والقطاعات الأخرى، مما يقوض جهود إدارة ترامب لعزل الحكومة الإيرانية بسبب طموحاتها النووية والعسكرية، وتقول الاتفاقية في جملتها الافتتاحية: “ثقافتان آسيويتان قديمتان، وشريكان في قطاعات التجارة، والاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والأمن مع نظرة مماثلة والعديد من المصالح الثنائية والمتعددة الأطراف ستنظر في بعضها كشركاء إستراتيجيين”.
وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي في طهران لتوقيع اتفاق شراكة مدته 25 عاماً بين الصين وإيران، ويحدد الاتفاق، وفقاً لمسودة، خطط التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين البلدين، اللذين يحتفلان بمرور 50 عاماً على العلاقات الدبلوماسية، حيث منذ ظهور أخبار الاتفاقية في عام 2016، أثار احتمال وجود تحالف أوثق بين خصمين أمريكيين قلقاً في الولايات المتحدة، وفي تصريح للرئيس الأمريكي جو بايدن في مارس 2021، قال إنه: “قلق منذ أكثر من عام بشأن هذه الشراكة”.
وجاءت هذه الشراكة المفصلة في اتفاقية مقترحة من 18 صفحة، ستوسع بشكل كبير الوجود الصيني في البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية وعشرات المشاريع الأخرى، في المقابل، ستحصل الصين على إمدادات منتظمة مخفضة للغاية من النفط الإيراني على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة، كما ستوسع نفوذ الصين إلى حد كبير في منطقة الشرق الأوسط، مما يضع إيران في شريان الحياة الاقتصادي ويخلق نقاطاً لتوتر جديد مع الولايات المتحدة.
وتصف الاتفاقية أيضاً تعميق التعاون العسكري، مما قد يمنح الصين موطئ قدم في منطقة كانت الشغل الشاغل للولايات المتحدة لعقود، وهو يدعو إلى تدريبات وتمارين مشتركة، وأبحاث مشتركة، وتطوير أسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كل ذلك لمحاربة المعركة غير المتوازنة مع الإرهاب والاتجار بالمخدرات والبشر والجرائم عبر الحدود، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إن الشراكة التي اقترحها لأول مرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارة لإيران في عام 2016، وافقت عليها حكومة الرئيس حسن روحاني في يونيو 2020.
وتتضمن الاتفاقية أيضاً مقترحات للصين لبناء البنية التحتية لشبكة اتصالات 5G، ولتقديم نظام تحديد المواقع العالمي الصيني الجديد (بيدو)، ولمساعدة السلطات الإيرانية على تأكيد سيطرة أكبر على ما يتم تداوله في الفضاء الإلكتروني، ويفترض أن يُفعل جدار الحماية الصيني العظيم.
هذه الاتفاقية لم يتم تقديمها بعد إلى البرلمان الإيراني للموافقة عليها أو الإعلان عنها، مما أثار الشكوك في إيران حول مدى استعداد الحكومة للتنازل عن الصين، وفي بكين، لم يكشف المسؤولون عن شروط الاتفاقية، وليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الصينية قد وقعت عليها أو إذا كانت قد وافقت، إذا دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، فستخلق نقاط اشتعال جديدة وخطيرة في العلاقات المتدهورة بين الصين والولايات المتحدة، ويمثل ضربة كبيرة لسياسة إدارة ترامب العدوانية تجاه إيران منذ التخلي عن الاتفاق النووي الذي توصل إليه الرئيس باراك أوباما وقادة ست دول أخرى في
عام 2015 بعد عامين من المفاوضات الشاقة، فقد نجحت العقوبات الأمريكية المتجددة، بما في ذلك التهديد بقطع الوصول إلى النظام المصرفي الدولي عن أي شركة تعمل في إيران، في خنق الاقتصاد الإيراني من خلال تخويف التجارة الخارجية والاستثمار التي تشتد الحاجة إليها.
ولكن يأس طهران دفعها إلى الصين، فقد كانت إيران واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وصادراتها تعتبر أكبر مصدر لإيرادات طهران، لكنها تراجعت منذ أن بدأت إدارة ترامب في فرض عقوبات في عام 2018، وتحصل الصين على حوالي 75% من نفطها من الخارج وهي أكبر مستورد في العالم، بأكثر من 10 ملايين برميل يومياً.
وتأتي هذه الاتفاقية في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من الركود وفيروس كورونا، وتزداد العزلة الدولية، تشعر بكين بالضعف الأمريكي، تُظهر مسودة الاتفاقية مع إيران أنه على عكس معظم الدول، حيث ترى الصين أنها في وضع يمكنها من تحدي الولايات المتحدة، وهي قوية بما يكفي لتحمل العقوبات الأمريكية، كما فعلت في الحرب التجارية التي شنها الرئيس ترامب.
أما بخصوص الاستثمارات الصينية في إيران، إن مجموعها تقدر بحوالي 400 مليار دولار على مدار 25 عاماً، وهذا بدوره قد يحفز المزيد من الإجراءات العقابية ضد الشركات الصينية، التي استهدفتها الإدارة الأمريكية الجديدة بالفعل في الأشهر الأخيرة، وكتبت متحدثة بإسم وزارة الخارجية الأمريكية رداً على أسئلة حول مسودة الاتفاقية، وقالت: “ستستمر الولايات المتحدة في فرض تكاليف على الشركات الصينية التي تساعد إيران، أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، من خلال السماح للشركات الصينية أو تشجيعها على القيام بأنشطة خاضعة للعقوبات مع النظام الإيراني، تقوض
الحكومة الصينية هدفها المعلن المتمثل في تعزيز الاستقرار والسلام”. أما وزارة الخارجية الصينية، قالت: “إن الصين وإيران تتمتعان بصداقة تقليدية، وقد أجرى الجانبان اتصالات بشأن تنمية العلاقات الثنائية، ونحن على استعداد للعمل مع إيران من أجل تعزيز التعاون العملي بشكل مطرد”.
عودة شريان الحياة لإيران
تتماشى المشاريع ما يقرب من 100 مشروع في مسودة الاتفاقية إلى حد كبير مع طموحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، لتوسيع نفوذه الاقتصادي والاستراتيجي عبر أوراسيا من خلال مبادرة الحزام والطريق، وهو برنامج مساعدات واستثمار ضخم، ستؤثر المشاريع بما في ذلك المطارات والسكك الحديدية عالية السرعة ومترو الأنفاق على حياة ملايين الإيرانيين، وستطور الصين مناطق تجارة حرة في ماكو في شمال غرب إيران في عبادان، حيث يتدفق نهر شط العرب في الخليج العربي، وعلى جزيرة قشم الخليجية.
لذلك، يبدو أن المضي قدماً في برنامج استثماري واسع النطاق في إيران يشير إلى نفاد صبر بكين المتزايد من إدارة ترامب بعد تخليها عن الاتفاق النووي، ودعت الصين الإدارة الأمريكية مراراً وتكراراً إلى الحفاظ على الصفقة، التي كانت طرفاً فيها، ونددت بشدة باستخدام أمريكا لعقوبات أحادية الجانب. وهذا ما أكده علي غوليزاده، باحث إيراني في مجال الطاقة بجامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، وقال: “تنظر كل من إيران والصين إلى هذه الصفقة على أنها شراكة استراتيجية ليس فقط في توسيع مصالحهما الخاصة ولكن في مواجهة الولايات المتحدة، وإنها الأولى من نوعها لإيران، وحريصة إيران على أن يكون لها حليف قوة عالمية”.
ومن جهة أخرى، ظهر كبير المستشارين الاقتصاديين لآية الله خامنئي، علي آغا محمدي، على التلفزيون الحكومي مؤخراً لمناقشة الحاجة إلى شريان الحياة الاقتصادي، وقال إن إيران بحاجة إلى زيادة إنتاجها النفطي إلى 8.5 مليون برميل يومياً على الأقل من أجل أن تظل لاعباً في سوق الطاقة، ولهذا فهي بحاجة إلى الصين، ويقول المؤيدون الإيرانيون للشراكة الإستراتيجية إنه بالنظر إلى الخيارات الاقتصادية المحدودة للبلاد، والعملة المتراجعة الحرة، والآفاق الباهتة لرفع العقوبات الأمريكية، فإن الصفقة مع الصين يمكن أن توفر شريان الحياة.
كما عززت الصين التعاون العسكري مع إيران، زارت بحرية جيش التحرير الشعبي المناورات العسكرية وشاركت فيها ثلاث مرات على الأقل، بداية من عام 2014 وكان آخرها في ديسمبر 2020، عندما انضمت مدمرة الصواريخ الصينية، شينينغ، إلى مناورة بحرية مع البحرية الروسية والإيرانية في الخليج، ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) المملوكة للدولة عن قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حسين خانزادي قوله إن التدريبات أظهرت أن “عصر الغزوات الأمريكية في المنطقة قد انتهى”.
تداعيات الاتفاق الصيني – الإيراني 2021.
أولاً: تشير التقارير الإعلامية إلى الميل في المبالغة في طبيعة الاتفاقية، بالنسبة للصين، تعتبر الشراكات الإستراتيجية الشاملة أو CSPs أداة قياسية للسياسة الخارجية، من خلال توقيع خرائط طريق للتعاون الاقتصادي والأمني مع دول في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فهي تسعى لضمان عدم تأجيج المنافسات الإقليمية، فقد أبرمت الصين اتفاقيات تعاون مماثلة مع العراق، تم التوقيع عليها في عام 2015، والمملكة العربية
السعودية، تم التوقيع عليها في عام 2016، وتلتها الإمارات العربية المتحدة، وقعت في عام 2018.
ثانياً: بعيداً عن الإشارة إلى تحالف عميق أو طموح بشكل فريد بين الصين وإيران، يعكس CSP الموقع حديثاً جهود إيران المحبطة منذ فترة طويلة لجعل الصين تقدم نفس المستوى من التعاون الاقتصادي والأمني الذي تقدمه لدول أخرى في الشرق الأوسط، وفي دراسة أجريت العام الماضي 2020 حول علاقات الصين مع إيران وخمس دول شرق أوسطية أخرى، وجد أن إيران متخلفة عن جيرانها فيما يتعلق بكل من مدى الالتزامات الاقتصادية الصينية ومستوى التعاون الأمني الثنائي بدلاً من الارتقاء بالعلاقة الصينية – الإيرانية إلى آفاق جديدة، ربما يكون التوقيع المتأخر على CSP إشارة واضحة على أن إيران تريد اللحاق بجيرانها.
ثالثاً: الاتفاقية الجديدة ستصل إلى 400 مليار دولار على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، مما يعني أن الصين ستحتاج إلى إستثمار 16 مليار دولار على أساس سنوي، وهذا مبلغ فلكي عند الأخذ في الاعتبار أن إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم وبلد غير مثقل بالعقوبات الأمريكية، بلغ في المتوسط 5.1 مليار دولار فقط على مدى السنوات الخمس الماضية.
رابعاً: واجهت التجارة والاستثمار بين الصين وإيران صعوبات، حتى مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهي خطة الصين الطموحة لربط أوراسيا من خلال الاستثمار في البنية التحتية، حيث كانت إيران تحت أشد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الإطلاق، ولكن نمت التجارة بين الصين وإيران على الرغم من العقوبات، لكن هذا النمو كان في الغالب انعكاساً لظهور الصين كمورد عالمي رئيسي للسلع
الصناعية في نفس الفترة، وفي الوقت نفسه، اصطدمت الاستثمارات المخططة في الطاقة والبنية التحتية للنقل بجدار حيث أثبتت مخاطر العقوبات أنها كبيرة للغاية بالنسبة لكبار المقاولين في الصين.
خامساً: ليس من المتوقع أن تحصل الصين على مكاسب أمنية من هذا الاتفاق، حيث أدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى أكثر من تعقيد التجارة بين الصين وإيران، يمر حوالي 3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام عبر مضيق هرمز في طريقها إلى الصين، مما يجعلها أكبر عميل للنفط في هذا الطريق التجاري، إن احتمال حدوث صراع إقليمي يوقف المسار بدفع بكين إلى الانخراط بشكل أكبر في أمن الشرق الأوسط، على الرغم من أنها لا تزال مترددة في التورط في السياسات المعقدة للمنطقة. فقد أجرت الصين تدريبات بحرية متعددة الأطراف مع إيران وروسيا بذرائع مكافحة القرصنة والإرهاب. استخدمت الصين صفقات الطاقة الشمسية المركزة الخاصة بها لتنظيم التعاون الأمني مع الدول في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك تلك التي تعتبر نفسها منافسة لإيران، وشركاء للولايات المتحدة. وعادة ما تكون المناورات البحرية مع إيران مصحوبة بتدريبات صينية مع البحرية الملكية السعودية في غضون الأسابيع القليلة نفسها. في حين أن CSP الموقعة حديثاً مع إيران تنذر بزيادة التعاون الأمني، فإن الصين لم تعد بأي حال من الأحوال بتحالف عسكري ثابت، من شأن مثل هذه الاتفاقية أن تقوض الفوائد التي تجنيها الصين من البنية الأمنية الأمريكية الراسخة في المنطقة، وهي مجموعة من الشراكات والقواعد الأمنية التي تم إنشاؤها في القرن العشرين لحماية واردات النفط من موردي الشرق الأوسط.
سادساً: أن الصين بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من الدول الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني، وستستفيد
اقتصادياً من استئناف إجراء التحكم النووي هذا ومن زيادة الاستقرار الإقليمي، وإن رفع العقوبات الدولية من شأنه أن يساعد التجارة والاستثمار الصيني في إيران، وفي ضوء ذلك، من غير المرجح أن يشجع برنامج الطاقة الشمسية المركزة مع الصين تحركات إيران بعيداً عن الاتفاق النووي، وصف وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف نظيره بأنه “صديق للأوقات الصعبة” لكن الصين وإيران تعلمان أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني تخدم مصالحهما بشكل أفضل.
خاتمة
تمثل هذه الاتفاقية محاولة لإعادة العلاقات الصينية – الإيرانية لتتماشى مع بقية دول الشرق الأوسط، بدلاً من التوسع إلى ما هو أبعد من المعتاد لانخراط الصين مع المنطقة، ويبدو أن تلك ما زالت بحاجة إلى تسوية، في شكل عقود وخطط محددة للتعاون، على الرغم من الضجة التي أحاطت بالاتفاقية، لا يزال هناك شيء ما يعيق العلاقات الصينية – الإيرانية، سواء كان ذلك تردد الصين في التشابك مع الاقتصاد الإيراني الذي تعاني منه العقوبات، أو المخاوف الإيرانية من فقدان السيادة، أو الجغرافيا السياسية المعقدة في الشرق الأوسط، أو مزيج من الثلاثة.