قصة الخلق في المسرح الوجودي سيميائة المتخيـل بين السرد الأدبي والبنية الدرامية
اعداد : د. امنة محمد عبايدية – تونس
- المركز الديمقراطي العربي
التراجيديا لعبة … الله فيها هو المشاهد . هو ليس إلا مشاهدا، لا يختلط قوله أو أفاعله أبدا بأقوال وأفعال وحركات الممثلين.
جورج لوكاتش – ميتافيزيقيا التراجيديا، 1908
تشير طبيعة السرد والقص، و نقصد هنا التحدث عن سرد قصة الخلق بكل أطوارها، فممارسة سرد الحكايات تشير إلى عنصر من الخيال في هذا الفن[1]“، وعادة ما يكون القصص التخييلي قصص غير مرجعي [2]“، إلا ان قصة الخلق بما هي واقعية الا انه يكتنفها الغموض ولا تخلو من الرمزية والخيال ويمكن اعتبارها كقصة خيالية تاريخية مرجعيتها “النص” الديني أو “الكتب السماوية” التي تناول واقعة الخلق، لكن رغم تقارب طرحها والاتفاق في الهيكل العام والمفاصل الجوهرية، بقي الخلاف كوني الى وقتنا هذا حول بعض تفاصيل القصة وأبعادها الوجودية. تتشكل القصة “واقعة الخلق” على عناصر عديدة : المكان والزمان والأحداث والشخصيات القائمة بها، لكنها تضل من سبيل الخيال رغم ان شخوصها وجدوا في التاريخ، لذلك فالدلالة الإحالية في القصة هي دلالة مرجعية ذات بعد رمزي وخيالي، فإبليس ليس له وجود في العالم المرئي، أيضا الملائكة لا ترى وليس لها اثر مادي، لكن بقية الأشخاص (آدم و زوجه) هي أشخاص تاريخية واقعية، ويمكن ان تثار مسألة العلاقة بين العوالم المتخيلة (Mondes fictionnels) والعوالم الممكنة (Monde possibles) في النصوص القصصية ذات المرجعية الدينية، فمصطلح العالم الممكن يقتضى أن تكون في العالم القصصي المتخيّل كائنات يمكن أن توجد في عالم الحقيقة كما يقتضي ان تكون الأعمال القائمة بها الشخصيات منتظمة في منطق شبيه بالمنطق الذي ينتظم شبيهها في حياة البشر، ولكنه ممكن الوجود فيه،[3]” يقرّ “جونات” (Gennette 1991) من ناحية أخرى أنّ الشخصيات في نص سرديّ تتحاور فتنجز قوليّة في عالم الخيال من عالمها، إنّما يندرج في اعتقادها بوجوده، والأعمال بالقول في النص المتخيل تكون مزعومة مصطنعة في الظاهر كتلك التي تقوم بين الحيوانات في “كليلة ودمنة” ولكنّ إثبات هذه الأعمال بالقول المتخيّلة تخفي أعمالا جادّة هى أعمال البشر التي ترمز إليها الحيوانات . [4]”
هل يمكن تحويل الملفوظ الحكائي إلى أداء درامي ؟
هل يعبر بنا المتخيل الى المشهد الدرامي /التراجيدي ؟
تحدث التراجيديا حين يقوم الإنسان، بكل كبرياء … بالدخول في صراع مع هذا النظام الإلهي، ممثلا في الإله ذاته أو ما يمثله أو يجسده في المجتمع . وكلما كان تمرده مبررا، كلما كان النظام الإلهي حتميا . كلما عظمت التراجيديا التي تنبثق من ذلك الصراع ، البطل يتمرد ويثور ويرفض النظام الذي يقهره، بينما القدرة الإلهية، باضطهادها له، تؤكد نفسها بذات القدر الذي ترفض به [5]“. المأساوية (التراجيديا) تعبير يستعص على التعريف بشكل غريب وتنج عن ذلك كم هائل من الجدل الفكري حول طبيعة التراجيديا، ويلخص كتاب “ريتشارد بالمر” التراجيديا والنظرية التراجيدية الذي قدم به وبأبرز الجوانب الكلاسيكية والنفسية والرومانسية والطقسية، والوجودية، وثنائية التركيب، وكثير من الجوانب الأخرى التي
تناولها يلخص جوانب كثيرة من نظرية التراجيديا . [6]” وتماشيا مع ما ذكره “بالمر” نجد أن
النظريات التي تناولت التراجيديا تقع في ثلاثة سياقات عريضة : السياق المُنصب على استجابات المشاهدين أو المستمعين، وتلك التي تركز على البطل المأساوي الفرد، والسياقات التي تضع الفرد المأساوي أو الموقف المأساوي في مضمار تركيبة كونية تعد ثنائية الى حد ما . أغلب تعريفات التراجيديا سوف تضم عناصر من كل السياقات الثلاثة ولكنها ستبرز واحدا منها وتضعه في صدارة التعريفات. [7]”
– عرّف أرسطو التراجيديا أنها انعكاس وتأثيرها على الحضور من مستمعين أو مشاهدين : عبر إثارة الشفقة (eleos (“باليونانية القديمة وتعني المعاناة العاطفية” والخوف (phobos) “وتعني الفزع والخوف” الذي نحى منحى آخر وشكلا من أشكال التطهير (catharsis) التي تعني راحة معنوية ممزوجة بالحكمة” من تلك الانفعالات العاطفية [8]” ويترك التطهر لدى المتلقي إحساس بالمتعة يحدث توازنا عقلي واستقرار نفسي.
المتخيل والسرد في النص القرآني :
إن إمكان السرد في هذا النص القرآني يستلزم لا محالة فتح مختلف الكتابات على بعضها البعض بضرب خاص من القراءة الجامعة التي تستدعي في البدء قراءة متأنية لمجمل النصوص القرآنية والنظر في المشترك بينها دلالة بغية امتلاك المعرفية السردية التي بها نغيب الحاضر ونستحضر الغائب دون الخروج عن حدود النص الواحد والمقدس وهو القرآن الكريم. إن مراحل خلق آدم عليه السلام جاءت متواترة في الصور القرآنية –البقرة- آل عمران- الأعراف – الإسراء- السجدة – الكهف – طه- ودلت بعض الآيات حسب ترتيب اجتهدنا في سرده عبر مراحل تسلسلية ومنطقية، نوردها كما يلي :
قرار خلق آدم[9]“، موقف الملائكة من مكانة آدم عند الله[10]“، خلق آدم[11]“، تعليم آدم الأسماء لها[12]“، آدم في الجنة قبل النزول إلى الأرض[13]“، الحظر[14]“، تجاوز الحظر[15]“، أسباب الهبوط.
من المتخيل إلى السرد الى التراجيديا.
يعرف الفارابي التخييل أنه مؤثر في نفس المتلقي فعال مشابه لأثر المحاكاة في الفعل التمثيلي المأساوي عند “أرسطو” أي الفعل الذي يثير الرحمة أو الخوف فيؤدي إلي تطهير الانفعالات وهذا يدل على ان “الفارابي” يفهم التخييل على أنه الإيحاء او الخلق حالة،[16]“قد يخرج بالمتخيّل من نطاق المحتمل الى نطاق الممتنع المخادع للعقل، وليس التخييل في العصور الحديثة ببعيد عما حدّ له قديما من حدود وإن اتّسع مفهومه لدى بعض المنظّرين فأصبح يشمل كلّ الفنون و ممّا هو جارٍ من معانٍ لمصطلح تخييل كما ذكرته “دوريت كون” (Dorrit Cohn, 2001) :
-التخيل بما هو القصّة المبتدعة (رواية.. وأقصوصة .. إلخ..)
-التخييل بما هو ضرب من الكلام المباين للحقيقة من جهة ما فيه من تضليل وكذب.
-التخييل معرّفاً بكونه الوجه المقابل للواقع والمضاد له. [17]” ومن أهم ما تتفق فيه هذه التعريفات كونها لا تقتصر على الكلام القصصي بل تشمل كل أجناس الأدب نفسه، ولكن استعمال مصطلح “تخييل” تمحّض في الدراسات النظرية المتأخرة للدلالة على السمة القصصية. ومن هذه الناحية يصبح التخييل رديفا للقصص غير الإحالي (Récit non referential) ، ويرجع “جنيت” (Gennette,1991) أصل هذا المفهوم للتخييل إلى المصطلح المحاكاة الأرسطي فيوازي بينهما مستندا في ذلك الى أنّ الأصل في المحاكاة أن الشاعر في نطاق حبكة قصص ية دقيقة متخيلة، أحداثها توهم بأنها من الواقع. رغم أن هذه العناصر شأنها شأن غيرها لا وصف لها ولا تفصيل في القرآن الكريم، تضل في إطار المتخيل فإنها تجعل من الحدث “الخلق” فعلا تاما ويدخل السرد ضمنا ليتطور المشهد القصص و فق سيرورة طبيعية ثم يخضع لنظام تراجيدي، فيتمثل لنا الفاعل والمكان وهما موضوع القيمة، حيث يتضمن الفضاء الحكائي عنصر الانقلاب من السعادة إلى الشقاء (الجنة- الأرض).
يرى وليام وردزورث (William Wordsworth) ان الخيال يؤدي دور كبير في الانسجام بين الأشياء والمتنافرة لأن <<الخيال عنده لباساً فيه تكتسي أشخاس المسرحية نسيجا جديدا، ويسلكون مسالكهم الطريفة، أو هو تلك القدرة الكيمائية التي بها تمتزج – معا – العناصر المتباعدة في أصلها و المختلفة كل الاختلاف، كي تصير مجموع متآلفا منسجما>> . [18]”
التراجيديا منجز الهي (قصة الخلق) .
عاش آدم مع سائر مخلوقات السماء في انسجام تام مع الوجود لا تتجاوزه ولا تطلب المزيد، حالة سكونية ! لكن الله أبى أن تستمر إذ كان له مشروع ذو منجز وهو خليفته في الأرض، فأعلم الملائكة قبل خلق آدم “إني جاعل في الأرض خليفة،[19]” وكان لابد للقصة من منطلق الإنجاز فلو ظل آدم في الجنة لظلت الأرض دون خليفة والمشروع دون منجز لذلك كان سكن آدم في الجنة وأكله منها وزوجته رغدا مجرد إنذار إلى حين. تذهب “هامبورغر كايت” (Hamburger Käte, 1986) إلى أنّ ما يقوم في النصّ السرديّ المتخيل من أحداث تحاكي الواقع مخالف لما هو في عالم الناس، ولذلك كانت أولى خصائص التخييل الأدبيّ مفارقته للواقع وإن حاكاه. على أنّ مصطلح “قصة غير مرجعيّة” يقتضى توضيح بما يلي :
قد تكون القصة غير مرجعية من ناحية أنّ العالم الذي فيها مقتطع من الواقع، لكنه واقع غير معيّن، ولذلك فهو عالم ضبابيّ لا أمارات فيه لأسماء تحدّد المكان والشخصيّات . [20]” كما في هذا المثال : (قصة الخلق) أعين تتفجر بمياه عذبة وأنوار متوهجة وسجاجيد مترامية إلى ابعد مدى وزخارف فردوسية و ملائكة بأجنحة تملأ أركان الجنة تسجد لله وتسبح بحمده وها هو ادم وزجه بهيأة البشر يمرحان تارة ويسجدان أخرى ولا يشعران بالضجر ولا النقص، يقبل إبليس بمظهر بشع يحاورهما ويفتنهما فيتبعانه ويأكلا من تلك الشجرة فيحدث غضب الرب عليهما وعلى الشيطان الذي أغواهما لتبدأ مرحلة النزول إلى الأرض الظرف المكاني الثاني للقصة حيث يتجلي الغموض والضبابية في الخيال حول ماهية وكيفية الجنة التي دارت فيها مشاهد تراجيدية (أبطال، حبكة درامية، تصاعد على مستوى الأحداث حركة..) ولكن دون ضبط لطبيعة المكان ولا لحركة القائمين في هذا المكان، فالعالم المذكور (الجنة) غامض لا يماثل مكان شبيها له في الواقع على سبيل الدقّة وإدراكه بهذا الشكل لا يمكن إلا في نص متخيل كهذا النصّ القرآني الغني والغزير بمعانيه ولغته الأدبية والخيالية، حيث يحيلنا دون سابق انذار الى مأساة بشرية، تستلهما التراجيديا لتحاكي أفعال الأبطال ومواقفهم بحثا عن اظهار كيفية الفعل في الوجود.
آدم البطل التراجيدي .
يعتبر “أوسكار ماندليل” أنه من أساسيات العمل التراجيدي ان يقدم الدليل على وجود الموقف الذي يجعل من البطل ذلك الذي يستحوذ على صميم إرادتنا الخيرة ويرغم مجبرا في عالم معين بالعمد، أو يسلك سلوكا بجدية بالغة وعظمة، وتحت وطأة تلك الغرضية والعمدية في ذات ذلك العالم المحدد، أن يتلقى بالضرورة والحتمية آلاما بدنية وروحية شديدة لا يمكن تجنبها،[21]” بينما يرى “دافيد د. رافاييل” أن البطل يناضل وهو واع بذاتع ضد قوة يشير إليها بأنها “حتمية” يخسر البطل المواجهة ولكنه يكسب في مضمار عظمة الروح [22]” وها وهو آدم عليه السلام، بطل تراجيدي، يظن نفسه خالدا في الجنة، وقد تميز عن المخلوقات. فكان الوحيد من بينها الذي خضع لعملية التعليم الإلهي، وجد من يأخذ بيده ويعلمه الأشياء والأسماء، شرح الله له صدره ورغم ذلك رفضه سكان السماء واتهموه بالفساد ولما يخلق بعد، قال تعالى : «إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك»[23]“، وفي قولهم هذا يعبرون عن رفضهم لهذا المخلوق الجديد ويجعلون أنفسهم خلق الله المؤمن المطيع ويتهمون آدم بالفساد وسفك الدماء، وكان إبليس
أشد الملائكة رفضا لقرار الله، يقول تعالى: « وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين[24]” والخطاب واضح في حشره أي “إبليس” في الملائكة. لم تورد في النصوص القرآنية مدى مصداقية ما اتهمت به الملائكة آدم بالفساد وسفك الدماء وحتى حالة تعبد الملائكة لم يذكر إلا على لسانها هي “الملائكة” وهي تحتج على تبجيل آدم عليها.
آدم بين العلم والجهل (الإيمان / الكفر).
شرح الله صدر آدم لعلم كبير وأصبح معلما للملائكة، ويمكننا القول أنه علم ما يجب أن يعلم وبقى جاهلا بغير ذلك، وغير ذلك تمثله هذه الشجرة التي طلب إليه أن لا يقربها، يقول المولى تعالى : «وَقُلْنَا يَا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين[25]” .لقد شاء الخطاب القرآني أن يكون أدم مالك للمعرفة، لقد شاء الخطاب القرآني أن يكون أدم مالك للمعرفة، لكن الشيطان هنا طرح أشكالا تتجاهله القصة أو ربما أبى السارد “الله” في نصه القرآني، أن يوجد له تفسيرا وهو إرشاده الشيطان إلى الشجرة وما يترتب عن أكلها، وهنا قد نلاحظ امتلاكه للمعرفة أيضا.
فهل كان فعلا يمتلك بعض المعرفة أو كان أداة لصنع تراجيدي ينهض بالمشروع الإلهي؟
تضع أغلب النظريات التراجيدية البطل التراجيدي في نطاق علاقة ديناميكية في بناء ميتافيزيقي، ويركز “ريتشارد سيوول” على موقف الإنسانية في مواجهة اللا إنسانية، اللا مبالي، بل وحتى في مواجهة كون وعالم ووجود معادي وهو يقتبس من “بول تيليتش” قوله << تجمع التراجيدية بين الشعور بالذنب والحتمية واستجابة البطل لا تنحني و لا تلين، بل يصر على فعله وسلوكه ليجد عن طريق التجربة والخبرة حقيقة طبيعته الشخصية وطبيعة البشر>>[26]“.
آدم وزوجه قبل الهبوط .
هناك خير في العالم وهو يختلف عن الشر، غير أنه من الواضح أن بعضاً من البشر وبعضا من الاختيارات يتخذ هذا الجانب أو عكسه وبسبب تعقد الموقف، تزدري التراجيديا الأحكام البسيطة مثل الحكم بالصواب أو الخطأ[27]“، ليبقى المشهد مرتبك والبطل وزوجه يناضلان تحت وطـأة تعقيدات شعورية ومشاعر مركبة وتشكك وريبة أخلاقية [28]“. البطل الأول آدم يؤدي دور المطيع لأمر ربه واكتفى بما عُلِم وعَلَّم غيره ما طلب إليه أن يعلّم ودون ان يعلن احتجاجه أو اعتراضه وسكن إلى زوجه، .. وسكنا الجنة. جاء السرد في النص القرآني بسيط التركيب لا تشويق فيه ولا حركة، حالة سكونية تامة. تعيش شخصياتها في انسجام تام مع الوجود لا تطلب المزيد، وظل مشروع الله دون منجز، وقد وجب للمعبود من عابد يعبده لإظهار الربوبية متجلية وفق قدرة الله المطلقة أمام ضعف العابد المطلق، ولهذا المشروع كان لابد من حبكة درامية اختيار الله لها ثلاثة أبطال ولكل دوره، آدم وحواء إبليس. هذه القوى الفاعلة في المفهوم السردي هي من ستمهد لنا طرحا سرديا برؤية تأويلية.
تحقيق المشروع التراجيدي الإلهي .
تساعد التراجيديا عند “جورج ستاينر” في اكتشاف حقيقة الوجود الإنساني حيث تقارب الموضوعات التي تؤرق الإنسان وتجعله في تحد وأمام معضلات متناقضة، وهي تخبرنا ان الهدف من وجود البشر يمضي أحيانا ضد بذور قوى مدمرة عصية على التفسير موجودة “خارج البشر” غير أنها تحوم ملاصقة له وقريبة منه.[29]” كما ان بعض النظريات تعرف التراجيديا عل انها توليفة من التناقضات على مستوى المشاعر تتراوح بين الحق والصواب (وجوب سقوط البطل وفشله) وإحساس بالشفقة والتعاطف مع ارتكاب الخطأ فمن السيئ ان يسقط البطل ويفشل .ان التراجيديا تتميز بمركزية العنصر البشري، فتضع البطل التراجيدي في مركز دراما المأساة كما يعبر عنها “فرديناند برونيتيير” إن التراجيديا تصور عوائق عصية على التذليل والتي تخلق العظمة اللازمة في استجابات وتحدي العنصر البشري لها.2″ تخرج الشخصيات أو الأبطال الثلاثة من حيز المشروع إلى حيز الإنجاز لبدء السرد التاريخي و بالبناء الدرامي بفضائه الحكائي “الزماني والمكاني”، وأبطاله الرئيسيين والثانويين.
الشخصيات الدرامية .
المشهد الأول: الحوار الذي دار بين الله والملائكة هو أول حوار ظهر في القران الكريم، حيث لم تخرج الملائكة من دائرة الطاعة والانصياع لأمر الله لكن رغم ذلك كان احتجاجها في شكل تساءل : <<أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِمَاءَ وَنَحْنً نًسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِسً لَكَ>> وتنسحب من المشهد دون ان تترك أثر في السياق الدرامي يمنكن.
الشخصيات الثانوية .
المشهد الثاني: لم يكن رد إبليس شبيها برد الملائكة حيث تمرد وكان موقفه مغايرا ويمكن اعتباره احد أبطال الدراما في “قصة الخلق”، و دوره رئيسي ومحوري والمؤسس للبنية التراجيدية للقصة، حيث انه يمهد نحو تصعيد المواقف إلى الاحتدام فيخاطب الله و ينكر عليه الاختبار فيقول <<فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم>> [30]“، في حين ان الله ابتلاه فاختبره وفشل في الامتحان الإلهي وكان السبب في الابتلاء ، فالإغواء كان نتيجة معصيته، ولم يكن أمر مباشر من الله لإبليس بدون ذنب ارتكبه، ولكي يلتمس إبليس بعض الحق “للمجادلة” في موقفه استعمل مكره وتناسى أمر معصيته ولجأ لتضليل بعد ان تلقى من الله عهد يبقيه إلى يوم يبعثون . حتى يثبت إبليس إلى الله انه ليس المخلوق الوحيد الذي عصى أمر ربه و يستحق العقاب، وان آدم ذلك المخلوق الجديد ونسله من البشر من بعده لا يستأهلون التبجيل وضيعون وجديرون بالازدراء – ليسوا قادرين حتى على الفطنة والبصيرة والعقلانية كما أثبتها إبليس في جدله ليثبت ان الله قد اخطأ في هذا القرار.
الشخصيات التراجيدية :
كل السور التي تسرد حوار الملائكة مع الله نجدها بنفس الديناميكية في بحثنا حيث نجد ان الملائكة يشيرون إلى الله ان ذلك المخلوق الذي يوشك على خلقه سوف يفسد في الأرض ويريق الدماء مرة أخرى، ولم نجد من الله دحض أو تفنيد أو إنكار عليها وهذا يصب في صالح إبليس الذي لم يظهر حتى ذلك الوقت فسادا ولم يرق دماءً، وهي أيضا حجة منطقية لرفضه إظهار التوقير والإجلال لذلك المخلوق الذي سينشر الفساد ويريق الدماء. يلاحظ “ألبير كامي” أنه إن لم يكن من الممكن مساءلة النظام الإلهي و لا يتبق إلا الاعتراف بالخطايا وإعلان التوبة، فليس هناك تراجيديا اذن .[31]” فحين يعتبر أحد ان الرب مطلق السيادة، وان واجب كل المخلوقات ينحصر في انه ليس عليها إلا الخضوع، لا يمكن ان توجد تراجيديا. غير انه في قصة الخلق وجد إبليس المتمرد الذي منح له بعض التبرير لرفضه السجود لأدم وهو أمر الله المباشر، بأفضليته على آدم وان النار السموم ارفع من الحماء المسنو :
الله : – يَا إبليسُ مَا لكَ ألَّا تكونَ معَ السَّاجِدِينَ ؟
إبليس : – لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ منْ صَلْصَالٍ منْ حَمَاءٍ مَسْنُونٍ .. [32]”
كان إبليس من صفوة الجن قبل تكبره، بل كان دائما العبادة مع الملائكة الحوار الذي دار بين الله وكل مخلوقاته بعد اطلاعهم على خلقه الجديد الذي نفخ فيه من روحه وارد له ان يكون خليفته في الأرض كان الجنة، رغم ان الله عزّ وجل أشار إلى الأرض التي لم تكن في الجنة، والتي ستكون مقر عيش آدم فهل ضل إبليس وأضل ادم وزوجه ام هي حبكة درامية/ تراجيدية أريد من خلالها تنفيذ المشروع الإلهي الذي يقضي بإنزال ادم وزوجه إلى الأرض وفق خطيئة ارتكباها ألزمتهما العقاب والحرمان من الجنة وهو امتحان لم يكن لآدم وزوجه بل هي مجموعة اختبارات وكانت الملائكة فيها أحسن مطيع وإذعان لأوامر الخالق بينما اخفق وتمرد إبليس فباء بغضب الله ثم أغوى ادم وزوجه فنالوا ثلاثتهم عقاب النزول الى الأرض.
-الفضاء الزماني : يعتبر الزمن السردي عنصر أساسي في التمييز بين أشكال السرد حيث يسمح بالتداخل والتراكب والتقطع وهذا النشاط الزمني هو من خصائص السارد الذي يتقيد بالوقائع والأحداث على محور الزمن، والزمن الذي ما ستدور أحداثه في الجنة أولا ثم في الأرض ثانيا وأخيرا.
-الفضاء المكاني : بدوره ينقسم إلى قسمين الجنة “عالم” غيبي ما ورائي مفارق والأرض عالم دنيوي معرف .
إبليس البطل المأساوي “التراجيدي” الرئيسي .
إبليس المأساوي هذا هو أحد الذين جعلوا من قوة محاجاتهم وحجتهم، وهي القدرة التي وهبت له من الله، ذات القدرة التي أدت إلى إبعادهم عن الله، كانت قدرته على الإدراك والمحاجاة تمكنه وتتيح له ان يدرك بوضوح ماهية الإنصاف وما هو العدل، وبالتأكيد وبلك يقين فان الله الذي أحد أسمائه العدل، سوف يطبق العدل، غير ان الله في هذا الموقف حسب منطق إبليس لم يتسم بالعدل ولا يتصف بالإنصاف إذ وجد إبليس نفسه مرغما على عصيان الله [33]“.
-فهل مأساة إبليس تكمن في المحاجاة والجدل ام هو حبه الشديد وعدم رغبته في السجود لغير الله – بمعنى آخر هل إبليس محط وموضع إعجاب لولائه أو مدان بسبب غطرسته وغروره فيما كتب الرومي والحلاج يبدو أنه يحظى بهما معا أو لا يحظى بشيء على الإطلاق [34]“؟
إبليس هنا شخصية تراجيدية لم تفعل شيئا لتوضيح و تفسير مسائل الخير والشر. هو الصفة التي رأى فيها سيوول وكامي الجانب التراجيدي، والمتناقض وهو الصفة التي يؤكد عليها فرأي في التراجيديا. لقد تدخل إبليس الغموض الخافي في الأمر المتكرر في القرآن لطاعة الله وعدم عبادة ما دونه،[35]” وفي جهة أخرى تمرده ورفضه لنفس المعبود.
يلعب الشيطان في القصة دور الواسطة المحركة للأحداث، فهو إذ يشوش على آدم نعمته التي أنعم الله عليه ويخرجه من الجنة، وهنا تكشف لنا القصة أو النص القرآني عن تصعيد للعملية التخيلية إذ نجدها تهتم بالحديث عن عالم غير عالم الإنسان، فالشيطان هو المحرك الذاتي لدولاب الحياة والالتقاء والافتراق[36]“. لم يقبل الشروط الإلهية كما قد يظهر الشيطان معارضا لمشيئة الرب، مساعدا على تحقيقها وهذه المفارقة القدرية التي لا يمتلك تقديرها إلا هو سبحانه وتعالى وفق تحديد مسار المشروع الإلهي، مما يدفع القصة نحو تطور جديد يعطي الأرض بعدا مهما ومسرح للتراجيدية “يتضمن عنصر الانقلاب من السعادة إلى الشقاء ممثلا هنا في الانتقال من الجنة إلى الأرض.
نحو تطور جديد يعطي الأرض بعدا مهما ومسرح للتراجيدية “يتضمن عنصر الانقلاب من السعادة إلى الشقاء ممثلا هنا في الانتقال من الجنة إلى الأرض. [37]”
إبليس ينافسا آدم في المعرفة : (الشيطان يحرك الإنجاز الإلهي).
حين يعتبر أحد أن الرب مطلق السيادة، و أن واجب كل المخلوقات ينحصر في انه ليس عليها الا الخضوع، لا يمكن أن توجد تراجيديا. في مثل هذا الكون والوجود، يمكن أن يوجد الشيطان لا إبليس، يمكن أن يوجد تمرد ولكن لا يمكن أن يوجد تمرد مبرر. يصبح إبليس شخصية تراجيدية بمجرد أن ننسب له أو نمنحه بعض التبرير لرفضه السجود لآدم ورفضه للأمر الإلهي المباشر له بالسجود. [38]” قد يتبادر للذهن التساؤل الأول، كيف عرف الشيطان الشجرة “السبب” وما يترتب عن أكلها؟ وهل ما وسوسه لآدم كان من باب المعرفة أو الغدر أو إطاعة الله، إذ جعل منها شجرة العبور أو النزل إلى الأرض فتنطلي الحيلة على آدم رغم ما أوتي من علم، يفرض الشيطان نفسه في القضية منافسا لآدم على طريق المعرفة، فالشيطان هو الواسطة إلى تحقيق مشروع الرب، وهنا يتبين أن الشيطان يمثل الحلقة الضرورية لاكتمال تكوين آدم وهو أيضا الحافز لانقلاب الحدث إلى ضده، من الإيمان المطلق والطاعة و الرضا إلى الثورة وتجاوز الكائن والقفز في غياهب المجهول ودخول معترك الحياة والكد من أجل العيش، فيكشف الهبوط بذلك معنى جديد وينتصب إيذانا بانتهاء عملية التعليم والدربة.
انقسام الفضاء الحكائي- ( الجنة / الأرض).
الفضاء المكاني السعادة ورغد العيش/ الشقاء الفساد، شقاء العيش.
لقد عرف نظام الجنة بالسكون التام أو الحراك الأفقي الباهت وقد نجد لآدم مبرر التمرد على أمر الله ليس بقصد التمرد بمعناه المجرد وإنما برغبة التجربة إذا ما عرفنا أن الله نفخ فيه من روحه، فآدم روح الله إذن وليس بإمكانه أنه يبطل حكم الله وإنما هو طاعة لإكمال مشروع الله وإنجازه حتى تنطلق هذه الروح الخالدة (روح الله) داخل الجسد الفاني (من الطين إلى الطين). وتكتشف ذاتها هل ستعبد الله فوق أرضه أم أن غربتها الجديدة فوق الأرض يستعجلها تبحث عن رب فوق الأرض فتعبده ؟ وبهذا الاختبار يتبين ولع آدم بربه الأزلي الذي عرفه قبلا ثم عبده فوق الأرض بعد أن شعر بألم الابتعاد وفداحة الذنب الذي اقترفه بعصيانه لأمر الله فجاءت العبادة مركزة تجمع بين الندم وطلب الصفح ثم العبادة يدفعها شوق الحبيب لحبيبه بعد الفراق، ثم الاقتداء بجبرائيل مبعوث الله “طقس ديني” قد يجعل الله يقبل توبته وطلبه الصفح. [39]”
بحركة درامية يؤشر اتجاه حركتها فعل إلهي فذ، يتفجر الإلهام وينطلق في ساحة آدم الداخلية فيتوجه متضرعا إلى السماء داعيا معترفا بذنب تجاوز فيه أذيال الثواب المسرحي، طالبا التوبة والغفران وبفعل مقرر مسبقا ضمن خطوط المسرحية سيستجيب الله لدعائه ويقبل غفرانه «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه»[40].
تتغير حركة السماء بعد النزول إلى الأرض لتصبح حركة ديناميكية تتميز بعلاقة عمومية –آدم يعبد الله- الله في سمائه “عاليا” رغم ذلك يعبد بل سيشتاق إليه وتحن الروح إلى باعثها بينما يحن الطين إلى أرضه كأن هذه الثنائية الروح والجسد عرفت أن لها مستقرين اثنين بعد النزول إلى الأرض ينقسم الدنيوي إلى الأدنى والمقدس إلى الأعلى، الجسد البالي الدنيوي إلى ما تحت الأرض، والروح التي هي روح الله ترتفع إلى الأعلى، حيث يكون الأعلى سبحانه وتعالى وينتهي مطاف الخلود كحتمية إلهية، “الموت”.
حواء سكن آدم – (حواء تخلق من القصيرى) .
انتهت عملية الخلق بآدم حيث كان آخر المخلوقات، ومن هذا الكائن سيتم خلق حواء أنيسة آدم في الجنة إذ «لما أسكن الله تعالى آدم الجنة كان يمشي فيها وحيدا، لم يكن له من يجالسه ويؤانسه فألقى الله تعالى عليه النوم فنام، فأخذ الله ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر يقال القصيرى، فخلق منه حواء»[41]“.
قال تعالى : «وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منهما رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين[42]“.
أكد القرآن مرارا على أن الخلق تم من نفس واحدة، خلق منها زوجها[43]“، وقد انبرى التفسير إلى ذلك فوضح أن هذه النفس الواحدة هي آدم، وأن الزوج الذي خلق من تلك النفس الواحدة هي حواء، إذن يمكن للاجتهاد العقلي أن يقر بتعليم حواء هي أيضا أي بتلقيها العلوم التي تلقاها آدم وهذا يحيل إلى تميزها مع آدم عن باقي مخلوقات السماء فإن تذعن للشيطان ويغريها أكثر مما أغرى آدم وتكون هي بالتالي إبليس رقم (2) الذي يقنع آدم بأكل ثمار تلك الشجرة فيقتنع آدم ثم سيأكل تحت إلحاح حواء فإن تقحم حواء لتصبح أصلا للإغواء وأساسا للخطيئة وسببا في الهبوط مشيئا فريا، لقد قامت وحدات قصصية بسيطة أو مركبة، تزيد عناصرها هنا وتنقص هناك ولكنها تسعى كلها إلى تبرئة آدم وتوريط حواء. هذا أمر لا يستقيم منطقيا إذ لم يذكر القرآن أن حواء أقل قيمة أو فهما أو إدراكا أو عبادة وإنما أعطى أولوية ذكر آدم كسابق لحواء لأنه أول أو المخلوقات التي نفخ فيه من روحه وأراد له أنسيا، يسكن إليه من جنسه فخلق له من نفسه حواء فكانا ينعمان برغد العيش في الجنة.
من الإجحاف أن الله عذبها بألم الولادة ولولاها، ما لاقت النساء هذا الألم وغير ذلك من الاجتهادات التي قد نحترمها لكن لا نؤيدها، ومنها ما جاء عند الطبري وعند بن كثير لم يكن هذا العقاب شيئا آخر غير قرار الله الذي أسره إلى عبده المسالم آدم قائلا : فإن لها على أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، فقد كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها، فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا[44]“. قد ينحو هذا المنحى الباحث التونسي وحيد السعفي الذي نراه يعزز فكرة تسليط العذاب على حواء فيقول : هنا تغتنم القصة الفرصة لتؤكد مبدأ العدل الإلهي، فتجعل من سلط على المرأة من إدماء وعسر نتيجة ذنب اقترفته لا نتيجة ظلم إلهي ويورد لنا بعض ما ذهب إليه الطبري «لولا البلية التي أصابت حواء لكان نساء الدنيا لا يحضن ولكن حليمات وكن يحملن يسرا ويضعن يسرا»[45]“.
إذا قدر لحواء أن تخرج من ضلع آدم الأيسر حيث القلب والفؤاد فلا ينقص منها ما يقتضي الإنقاص، وإذا كان لآدم سواء قبل أو بعد النزول قيمة ومكانة له عند الله، فهي سكنه والسكن هو كل ما يستأنس به /الرحمة/ البركة والسكنية : الوقار والطمأنينة والمهابة[46]“، وهنا تطرح المعادلة نفسها بينهما، كما نجدها لا ينفصلان في القيمة.
وبدون عنصر منهما لن يكتمل المنجز الإلهي، وهنا يمكننا القول أنهما متكاملان ومتعادلان في القيمة والمكانة ولا يمكن أعطاء أولوية لأحد على الآخر أضنها لا تعد سوى فكرة جاهلية عربية جهلاء، تريد الإنقاص من قيمة المرأة وأرجو أن لا تكون تأويلات غريبة عن ديننا الإسلامي بغية التشويه ولها مآرب أخرى ؟
حواء البطل الثالث في الرحلة التراجيدية .
لقد استثنى إبليس عن باقي الأبطال في القصة التراجيدية لأنه الوحيد الذي ستتحقق سعادته بعد نزول آدم وحواء أما التراجيديا بالمفهوم الأرسطي، سيعيشها آدم وحواء فقط جراء الفصل الذي ينتهي بالبطلين إلى الانقلاب من السعادة إلى الشقاء.
حواء هي القوة الفاعلة في كامل القصة ولا يقل دورها عن باقي الأبطال ويبدو أنها تخلق جوا فاعلا بعيدا عن الشعور بالندم أو ربما متوازن حيث أنها ستتخذ من الأرض مساحة للتجربة الذاتية والاكتشاف الفعلي.
رغم أن الرواية السردية اخترعت أسبابا للصراع ويظهر بشكل واضح أن عملية الاختراع لم تكن مبررة داخل دائرة معاقل الحياة ودورها بل قد تأخذ نحو عالم لا كنه له.
وتكشف لنا القراءة السردية التاريخية عن تصعيد عال في العملية التخيلية إذ نجدها تهتم بالحديث عن عالم غير عالم الإنسان، فالشيطان هو المحرك الذاتي لدولاب الحياة والالتقاء والافتراق والاقتراب والابتعاد بالإنسان من أرض العالم (الفوق طبيعي) يقابله محرك آخر شارك في السير في الطريق لكنه في الجهة الأخرى (الخالق).
حواء رمز الطبيعة و الحياة : محاكاة الأرض “لحواء” .
يبدو أن اسم حواء على علاقة بعملية طبيعية تتمثل في قدرتها على الاحتواء “احتوائها الأطفال”، حيث تنسل البشرية من رحم حواء لأول مرة ومن خلالها يبدأ الحلق “الحياة” وقد وردت التقنية السردية لهذه القصص عالية المستوى التكويني من حيث البنية الوضعية والتفاعل المستمر بين الفواعل والمكان كموضوع للقيمة لقد نثرت حواء بطنها لآدم لتهبه البنين وهنا تحدث محاكاة الأرض لحواء التي أوحت لها بغريزة الأنثى وكيف يمكنها أن تصنع الحياة وجاء السرد ليحقق تواصلا مع الحياة “كعالم سفلى”.
أنزل الله عز وجل الحنطة على آدم وأمره أنه يأكل من كده فحرث وزرع ثم حصد، ثم درس ثم طحن ثم عجن ثم خبز فلما فرع عرق جبينه ثم أكل[47]” حبلت الأرض بدورها ودرت بخيراتها وكانت المحاكاة الطبيعية ليتعمق هذا التحول برصد سردي للرواية العلمية “الأولاد” “ظهور بداية حنينية لتشكيلات اجتماعية وقد يفتح السرد مفتاح أبواب التاريخ والحياة البشرية المقفلة، لتبدأ أوراق السرد التاريخي رسم ملامح عملية الحفر لمجار حضارية جديرة بالاهتمام والفحص.
الأرض والفضاء الزمكاني .
الأرض هي طرف رئيسي وقد ولاها الله الاهتمام بخلقه لآدم من خلال قبضة طين أتى بها الملك في الأرض فسوى الله آدم ثم نفخ فيه من روحه، يقول تعالى «ثم سواه ونفخ فيه من روحه»[48]” ويقول جل وعلى أيضا «أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون[49]“. خضع السرد في النص القرآني إلى تسلسل زمني في رواية الأحداث فورد غير قاطع مع الخطيئة والتتالي محدثا بذلك مزيدا من الدهشة والمتعة من خلال الظرف الحكائي (زماني/ مكاني) ساعيا إلى إعطاء اللحظات الحاسمة في حياة الشخصيات ما تستحقه من ألق وعمق واحتدام لذلك عرفنا بالعالم العلوي “اللامرئي”، وتبين لنا أن مكونات هذا العالم تتألف من جميع الكائنات التي تفجرت عن عملية الخلق المقدس (سماوات، كواكب، ملائكة..) وكانت في تناغم تام وسكونية وفجأة وبعد القرار الإلهي بخلق آدم ورفض إبليس، بدأت تتقلص أبعاد هذه السكونية لتظهر الديناميكية، وتفرض ضلالها على الأحداث التي ستشتغل بها رواية الخلق وتجلياتها.
إمكان المسرحة في رحلة ” آدم ” ببعدها الوجود “قصة الخلق” و مقاربة نص حدّث ابو هريرة قال” للمسعدي ونص رسالة الغفران للمعري.
كيف تتعالق سيمياء الديني والنص الأدبي وسيمياء النص المسرحي عند التحويل من وظيفة التخييل، بواسطة معنى الغياب الحكائي إلى وظيفة التجسيد عن طريق الحضور أو ممكن الحضور الركحي المباشر؟ كيف تتواصل النصوص ليختلفوا عند حدوث التوالد الذي يتعمد الإبقاء على المورثات الجمالية الأولى بسيميائية مختلفة تحافظ على صدى الأصل فيها وتعيد تركيب القصد من إنتاج المعنى بخطة جديدة للإيصال؟
إن «المسرحة» فعل يفرض الإحالة بدءا على المسرح، وتحديدا على مستلزمات «السيمياء المسرحية». وليس الاختلاف، هنا، كامنا في معنى الخطاب في وسائل الإيصال دون التغافل عن المشترك بينهم الذي هو فلسفة الوجود و الأدبية القائمة بين الدراما والمسرح، إذ صفة “المسرحي”، كما يرتئيها الباحث الإنجليزي كير إيلام (Keir Elam) تستلزم اعتماد ظاهرة التشارك بين الممثل والمتفرج، في حين تؤدي صفة “الدرامي” ضربا من التخيل (Fiction) الذي ينجز للتمثيل المسرحي بناء على اتفاقات (Conventions) خاصة. [50]”
“وخلافا لسيميائي الأدب أو لمحلل الأسطورة أو الفنون التشكيلية يواجه الباحث في المسرع نمطين متباينين تماما للمادة النصية على الرغم من كونهما متعالقين في الأساس : النمط الذي جرى إنتاجه في المسرح، والنمط الذي جرى تأليفه من أجل المسرح… . [51]”
وكما يثار في مثل هذا المقام موضوع الاختلاف بين “المسرحي” و “الدارسي” ضمن الإنتاج المشترك الذي هو العمل المسرحي تطرح القضية الأجناسية بالتجاوز الوظيفي بين المسرح والأدب و الفلسفة منذ الإغريق إلى اليوم، وبالتواصل العلامي بينهما، وبين المسرح وعديد الفنون والتقنيات الحديثة. كذا يتركب النص المسرحي في بعده الدراسي من عديد السمات الأدبية في حين يتضمن النص الأدبي، وتحديدا السرد بمختلف أجناسه القديمة والحادثة الحوار الذي يفترض بصفة المباشرية (Immédiateté) فيه إمكانا للمسرحة.
بهذا المنظور القائل بالتجاوز الأجناسي وفعلية التناص داخل بنية النص الواحد يمكن تحويل النص الديني والنص الأدبي الى مجال “مسرح” إن توفرت صفات الاستعداد لذلك الانتقال، كأن تطالعنا رواية “البحث عن وليد مسعود” لجبرا إبراهيم جبرا ضمن المدونة الروائية العربية، لما تحتويه من علامات التركيز في الوصف الحدثي استنادا إلى ثقافة مسرحية في الأساس، وتحديدا معرفته الدقيقة لأعمال شكسبير،
و”العدوان” لعز الدين المدني التي صيغت بأسلوب الحوار المطول في اتجاه واحد على لسان الابن العاق في مخاطبة الأب الاقطاعي المشلول الأبكم، وتواصل هذا الحوار المبتور على امتداد النص الروائي دون انقطاع وداخل المكان المفترض الواحد، وكالموت والبحر ..، الذي يتضمن عديد الحوارات المطولة الزاخرة بتداعيات الكتابة الشعرية المرسلة…
يمكن الاستدلال، عكس ذلك، بالذي يقارب في بنائه الرواية، رغم تعدد إشاراته الركحية، لاختلاف الأماكن والأزمنة ونزوع الدلالة النصية، في الغالب، إلى التجريد برمزية أدبية تقوم أساسا على تشغيل الاستعارة والاستفادة من أبعادها التخييلية شأن المسرح الرمزي، عامة، الذي ينبني على إزدواجية القول المباشر والمعنى الضمني لتكتسب فردية القراءة بذلك بعدا آخر زمنيا يتخطى دائرة الحضور الركحي ومطلق الاستقبال الحيني إلى التمثل الخاص بواسطة المخيال الفردي، مرورا بالعين الرائية والسماع الذهني معا.. كذا يتجه القصد إلى إثارة سؤال الاختلاف والاشتراك بين السرد الأدبي في النص الديني والبنية الدرامية في العمل المسرحي باعتماد ثلاث نماذج : قصة خلق آدم في القران الكريم “رسالة الغفران” لأبي العلاء المعري و وأبو هريرة قال لمحمود المسعدي سعيا إلى البحث في آليات اشتغال المحكي في البنية الدرامية وآليات اشتغال المحكي في السرد الأدبي. إذ بين الملفوظ (énoncé) والأداء (énonciation) تنكشف الحدود بين السرد الأدبي والبناء الدرامي. وبهذا الاختلاف الوظيفي والجمالي تتغاير سيميولوجيا الكتابة الأدبية وسيميولوجيا الكتابة المسرحية.
- أنطولوجية النص “الروائي الديني” .
تبدأ الرواية الدينية برسم حدود الأجواء التي يتحرك فيها آدم ؛ آدم في الجنة وهو في حوار مع نفسه لاستمراره في هذا النعيم، وطموحه في نشدان وامتلاك الخلود يقابل ذلك حسد إبليس وطموحه في حيازة هذا الخلود، و”تم في الساحة الداخلية رسم الخيوط النهائية لانتزاع مركزية الخلود من يد آدم يتحرك ابليس لإغواء آدم وزوجه لتوفير إمكانيات وإيجاد طرق ترغيب تحقق لإبليس فرصة انفلات من السطوة الإلهية ويتمكن من سرقة فرصة الخلود من يديهما. [52]” ترسم المقولة الإبليسية المنقولة عبر روايات أهل الكتاب طريق الإغواء الإبليسي وانتصاره في توجيه أحداث التاريخ لتقترب من حدود الاهتمام بحياة البشرية .
– إبليس : << ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين>> [53]“، يتصاعد الملفوظ الحكائي في قصة آدم حين قرر أن يعيد سائر الأحوال التي ظهرت عليه إلى ما كانت عليه من الكمون والخفاء و إلى أن لباس الجنة لم يعد صالحاً لهما، وإلى أنهما قد اضطرا إلى حرث الدنيا ومطعمها، حيث قالت: (.. وسقط عنهما ما البسهما الله من الجنة، وأقبلا يستتران من ورق الجنة وأقبلا يستتران بورق الجنة ) [54]“.
يصرخ آدم : << ها أنا يا رب عريان قد أكلت من الشجرة التي نهيتني>> ..”
الله << ارجع إلى الأرض التي خلقت منها>>.[55]”
بحركة درامية يؤشر اتجاهها فعل الهي يتفجر الإلهام و ينطلق في ساحة آدم الداخلية فيتوجه متضرعا إلى السماء، داعيا معترفا بذنب تجاوز فيه أذيال الثوب المسرحي، طالبا التوبة والغفران ، وبفعل مقرر مسبقا ضمن خطوط المسرحية يستجيب الله لدعائه، ويقبل غفرانه : {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} [56]” تتحول الرواية عبر عمليات عبر عمليات قطع اخباري لترسم مسار هدفه (عقائدي طقوسي) لاحق، فالرواية تخبرنا بأن الحجر الأسود كان مكانه في الجنة وان الله انزله إلى آدم، و أمره أن ينقله إلى تلة ويبني البيت ثم بتوجيه الهي يطوف آدم بالبيت ، يضحي له ويدعوه ويقدسه[57]“.
يظل البناء الدرامي مشغولا برصد حالات التأرجح التي يدخلها الإنسان بلا خيار، حالات التأرجح بين خط الحياة والانتصار لتفاصيل شؤونها المختلفة ويتدخل الخيال الروائي ليحدث ربط مفاهيم السماء بمفاهيم الأرض التي تكون مقبولة في تشكيل أبنية لغوية زاخرة بالتصورات لتقدم لنا كشفا إيضاحيا عن أبعاد الصراع بين قيم الحياة وتعلق الممثلين للبشرية بأذيالها، وبين قيم الموت والاندثار .
- إمكان مسرحة السرد الروائي في رسالة الغفران .
ركز أبو العلاء المعري في رسالته على إبراز ما أسماه بالنص المحوري للرسالة وذلك لابراز غرضها الأساسي الذي يحدده بالتعبير عن نظرته للدين والأدب والحياة باسلوب ادبي وطابع خيالي، حرص المعري في “رسالته” على استخدام جهاز لساني زاخر بالألفاظ الغريبة تبعا لسنن الكتابة الأدبية المرسلة في القرن الخامس للهجرة، فاستطرد بالقصد في هذا الشأن بغية تقليب معاني اللفظ الواحد واستعراض مختلف سياقات استخدامه خلال قسم الاستهلال، حيث يصف ابو العلاء رسالة ابن القارح كما يتضح الغرض من الرد في القسم الثالث منها، ويعتبر “القسم الثاني”، الذي ورد على شاكلة استطراد مطول، المجال الحافل بالأقوال. “كلمة طيبة يساعد وصفها على الانتقال من الاستهلال إلى المحكي يضرب من الاعتراض المستفيض حيث يتجول المخيال السارد بين الجنة والجحيم.. فيعتمد النص العلائي بذلك تأويل القرآن بمرجع حسي ليقارب الموصوف السردي والقولي المعيش ب “مثالية مضادة” تخفي موقف أبي العلاء العقدي بغية الاستجابة لمستلزمات التورية لحظة تتقابل في ذات النص الواحد قراءتان للجنة وجهنم حسب التأويلين الظاهري والباطني.
بناء على مناقضة المبدأ لضرورة توخي الأسلوب الساخر توسعت دائرة المحكي بإمكانات الحوار المختلفة، إذ قابلت ضمنا وفي الأثناء بين عقلين مفكرين أو ذاتين مختلفتين للكشف عن خبايا فكر جامع يسكنه التعدد وإن استند إلى نص مرجعي واحد هو القرآن، وبهذا التقابل تسفر البنية المنغلقة لبدء الرسالة عن فضاء شاسع للحرية…، ويزداد أفق التعدد اتساعا بكثرة الشخصيات المحكية وتنوع الأحوال والأقوال، بما يجعل “الرسالة” نصا قابلا للمسرحة. ستة “مواقف” أو فصول تناظمت موقعيا في النص التضميني : الجنة، موقف الحشر، الجنة، أقصى الجنة أو جنة العفاريت، الجحيم، الجنة. و إن تعددت مواطن المحكي بوضعيات وأزمنة مختلفة فالمواقف الستة ليست إلا وليدة الجنة والجحيم، بل إن إحصاء المواطن الخاصة بالجنة يدفع إلى الجزم بأن للرسالة قطبا دلاليا جاذبا، واحدي التركيب هو الجنة ينظر إليها من الداخل أو الخارج، من القريب (أقصى الجنة) والبعيد (جهنم).
وتتضمن هذه المواقف مجموع مناظر يمكن ترسميها كالآتي :
1- اعتماد الأقوال، وتوزيعها ضمن سياقات مكانية ستة لأداء السرد التناوبي بغية توصيف الجنة والتحرك ذهابا وإيابا، منها وإليها.
2- تنويع أساليب الحوار في أداء السرد التناوبي باستخدام الأقوال الثنائية والثلاثية والجماعية، وفي ذلك إكساب المحكي صفة الحضور المباشر.
3- المزواجة بين جنسين أدبين :الرسالة والمجلس، لتتكثف بذلك العلامات الدرامية حدوثا وإمكانا للحدوث، إذ يقترب أدب المجالس من المسرح اليوم، وما انزياح النص العلائي عن الرسالة استهلالا وردا في الأخير بالاستطراد إلى ما يشبه أدب المجلس إلا تأكيد على قابلية المسرحة بثقافة هذا الزمان. ولكن، كيف تحولت “رسالة الغفران” من القصد العلائي إلى قصد الكتابة الحادث؟ هل انحصر “الغفران” من القصد العلائي إلى قصد الكتابة الحادث؟ هل انحصر “حدث أبوهريرة قال” لمحمود المسعدي في المجال الأسلوبي والدلالي للنص الأول أم جاوزه إلى وسيع سيرة أبي هريرة ومختلف أعماله وآرائه بضرب من الترميز الخاص الموجه إلى ثقافة العصر، هذا العصر، والعوامل التاريخية والاجتماعية والحضارية الحافة بها ؟
انه مشروع تأصيل سردي يحمل رسالة سياسية ثقافية وحضارية، يتمسك بالجذور لكنه في الوقت نفسه يبحث عن موضوع الكائن الإنساني في الوجود، ساعيا إلى كتابة رحلة الإنسان في هذا العالم. لكن جوهر رسالة المسعدي يمكن أيضا في فتحه الأنواع على بعضها, مزيلا الحدود بينها، مذوبا الفواصل والعوائق التي ابتدعتها نظرية الأنواع الغربية، لكتابة نص مفتوح قابل لكل شكل ومستخدما أساليب متعددة أغلبها مأخوذ من التراث العربي، من خلال الإنشاء على هيئة النص القرآني، واستخدام لغة التعظيم الأسطوري، وطرق رواية الحديث المتواتر، في نص سردي والمحاكاة الساخرة للموروث .
- “حدث أبو هريرة قال” بين مقاربة رسالة الغفران وبين الكتابة المختلفة .
حاد محمود المسعدي في روايته “حدث أبو هريرة قال” عن الغرض الفقهي اللغوي إلى لغة جديدة للتخاطب هي اللسان العربي في بعده المتعالي، كما ملأ اللساني بأثقال الدرس اللغوي بغية تركيز تقنيات الكتابة الحوارية بمستلزمات التخاطب المكثف . فاقتضت هذه الكتابة الجديدة/القديم الاستفادة من مجمل أعمال أبي العلاء المعري وفي مقدمتها “رسالة الغفران” واستقدام ثقافة العصر وعديد تأثيراته بقصد كتابي أعلنه المسعدي في مقدمة نصه روايته، ومفاده الحرص على النظر إلى الوجه الآخر المشرف لأبي العلاء خارج تأثيرات التقبل الأول، زمن التعلم والمراهقة وبعيدا عن الأحكام الجزاف لعديد الدارسين والرجوع إلى “السؤال الجذري العميق المحرق” الذي “طرحه على معاصريه طرحا فجا خشنا في شؤون الدنيا والدين.”[58] عشرون موقفا، والموقف كما اتضحت حدوده في “رسالة الغفران” هو الفصل المسرحي، بخصوصية نظم الأقوال في أدب المجلس قديما، ذلك الموقع لا محدد بميقات تقريبي وشخصيات وأقوال ومواضيع أو موضوع حسب توجيه الأقوال بأمر فردي أو باتفاق ضمني جماعي. هكذا الحال، من باب الوعي بالمكتوب، كقول، اثنان و عشرون حديثا، أو فصولا مسرحية انتظمت بأدب الأخبار المتسم باللعبي زمانا وشخصيات وأحداث والشخصيات، كما تظهر هي : أبو العلاء المعري الذي تحول من كاتب للرسالة إلى شخصية ناطقة حضورا من كاتب للرسالة إلى شخصية ناطقة حضورا مسرحيا شأن أبو هريرة الذي هو المعري أو العكس حضورا بالغا، حد الصرامة، ناري الطباع، متوتر السلوك، متوقد الفعل، عنيف الفكر، و المسعدي في علاقته بريحانة علاقة شبيهة بأسطورة أساف ونائلة رمز الخطيئة وتحدي القيم، وينقلب المشهد الدرامي راصدا مفارقات الأحداث الخطيئة /الأرض، المقدس/المدنس.. لينقلب الحس من مجرد متعة مبتذلة إلى تجربة مقدسة.
لئن تقصد أبو العلاء المعري في “رسالة الغفران” إعادة تشكيل الواقع بحلم الجنة، ضمن نزهة أدبية وفكرية خاصة لعب فيها المخيال الهازل دورا فاعلا فقد أعاد المسعدي “حدث أبوهريرة قال” إلى “حلم الواقع” كما ارتآه لحظة المؤالفة بين واقع راهني ومجمع أصداء لنصوص وأحداث ومواقف تراثية مختلفة بضرب من الاستعارة والتورية والرمز الخافت أحيانا. فاتسع بذلك مجال التناص من “رسالة الغفران” إلى مجمل نصوص أدبية وتاريخية تخص عصر أبي العلاء تحديدا، ذلك الزمان المرجعي لمختلف الأحداث والمواقف مثلما اتسع التناص والتصدير من “حدث أبو هريرة قال” إلى مجمل النصوص الأدبية والتاريخية التي تخص عصر المسعدي، لقد تآلف الصوتان بدءا بدلالة الحرف ورمزية الاستخدام اللغوي، وطقوسية المعنى الكامن في ذلك، كما وردت في مقدمة كل من “رسالة الغفران” (الكلمة الطيبة)، “حدث أبو هريرة قال” (توالد معاني)، فيمثل النص القرآني أهم واصل بين المقدمتين باعتباره فاتحة التدوين ومرجع السرد الأول حكاية أو كتابة مسرحية ورحما للمعنى (matrice) داخل نسيج الدلالات الحادثة والممكنة. بهذا المنظور يتعالق في “الموقف الأول” من “حدث أبو هريرة قال” لمحمود المسعدي، اللسان والمعنى كأن تلهج الشخصية “أبجد” باللسان (اللغة) والقلم “باسم الله”، معنى اللسان والموجد الموجود والوجود. وإن بدا المعنى سريا ينكشف بعضه ليجتنب بعضه الآخر فاللغة (أبجد) بيان وطلب “حدث أبو هريرة قال” وبهذا التواصل بين “أبجدا” و “القلم” يكتسي النص المسرحي صبغة تراثية ويقترب تناصا من “رسالة الغفران”…
استوحى المسعدي من أسلوب التعجيب ومن تقنية التحويل (métamorphose)، على وجه الخصوص، صورا لبدء الخلق في سلسلة من الأحداث وردت في الحديثين حديث “الطين” وحديث “تطلب فلا تدرك” على لسان أبي هريرة وضلمة والراهب الجرجاني ، مع تكرار طلب الغفران.
إذا المشاهد تتكثف بتداعيات الأقوال الدالة على الخلق وصولا إلى الموقف الرابع، حيث ينشأ الحوار بين أديب المعرة وابن القارح والمرآة وصاحب المذهب والقلم وصاحب المفتاح و الباز والطاووس للانزياح بالمحكي المسرحي عن موضوع التكوين الأول إلى حياة مجتمع في زمن تاريخي محدد..
يشهد “الموقف الخامس”، بإشارات حرفية من النص المرجعي على الصلة الأولى الحميمة بين السالف والحادث.. إلا أن المعنى التاريخي المتضمن في “حدث أبو هريرة قال” ينتقل من الإمكان التأويلي إلى الحدوث المسرحي حسب قراءة المسعدي لنص “حدث أبو هريرة قال” والعصر الذي ينتمي إليه. فيتهاوى بذلك الحد الفاصل بين ظاهر المحكي ومحتجيه ويستعيد السرد واقعية حضوره التاريخي دون أن يفقد عجبائيته بإنطاق الأسرار والجماد، وما بدا أقرب إلى التعجيب منه إلى الواقع في المقامات السالفة يكتسي طابع التمثيل بالإحالة على مواقع في دائرة الجدل الفكري القائم بين القوى المتصارعة والكشف عن خبايا الزمن القديم المتجدد في منظومة القيم السائدة والقيم الأخرى المناهضة لها.. واحتجت من خلال تقابل بائن بين أبي هريرة و المسعدي من جانب و بين أبي العلاء وابن القارح في واقع التراسل بينهما من جانب ثان. يتراءى على أشده في “حدث أبو هريرة قال”. وقد ساعد على هذا الكشف الفاضح اعتماد أسلوب الاستهزاء، على غرار ما ذهب إليه شيخ المعرة بشخصية أبي العلاء إلى “اليقظة” بالانتباه إلى ما يحدث :«أو ما زالت تحبر رسائل الأدب؟ انهض فالأوضاع ما انفكت تتدهور ! .. استيقظ فالأمير وجنوده الخمسمائة قد فروا من المدينة منذ الفجر بعد أن بلغهم زحف عساكر صالح بن مرداس…”
كما تغالبت سلطة القلم وسلطة السيف بضرب من الاشتراك الدال على التآلف والاختلاف فقد احتد الصراع بين أبي العلاء وابن القارح في تمثل دور القلم ووظيفة الكتابة ومفهوم القيمة الفكرية. وانقلب “يوم الحشر” إلى “يوم حساب”، في الموقف السادس بتوظيف للحدث التاريخي عند الإحالة على ما تعرضت له معرة النعمان في عصر أبي العلاء من هجوم لصالح بن مرداس عليها استنادا إلى ما ورد في كتاب “إرشاد الأريب” لياقوت الحموي.
ولئن أتم المسعدي مقولاته في رد أبي هريرة في الواقع فهو لم يكمل هذا الرد إلا في متخيل “الأحاديث”، بل حرص النص الحادث على التواصل الحواري المباشر بين الذات والآخر بغية الكشف عن خبايا الاختلاف الفكري بين ثقافة السؤال والشك والعدد والتنوير ممثلة في شخص أبي هريرة المعري وبين ثقافة الوثوق وواحدية المعنى والانغلاق والظلام. ويستمر هذا التقابل والتغالب لتنظم شخصيات أخرى إلى هذا الاتجاه أو ذاك بضرب من الصراع الحاد بين قيمتين أخلاقيتين تمثلتا في رفضه لسياسة المعيش الفاسدة الجائرة في حين ينتصر الثاني “ضلمة” الراهبة التي استبعدت عن التعبد وإماتة الشهوات إلى الغناء والملذات الدنيوية “الحسية” مع أبي هريرة الذي كان ناسكا يعبد الله ويقوم بواجباته بشرعية تامة، لكنه يخرج من تدينه نحو اللادين ومن شرعيته إلى اللاشرعية لخوض تجارب قد تقربه وقد تبعده إما للجنة أو للنار.
اعتمد أبو العلاء المعري التعجيب في رسالته فقد حرص المسعدي على استخدام الحكمة، كما وردت على لسان أبي هريرة الشخصية المسرحية عند وصف الوقائع بقوله : «الوقائع بقوله : “لعلي نسيت الألم، أما اللذة فلا أدري ، فكأنه أثبت فيّ سهما.. وقال : انه لا يتناسى الجسد إنسان إلا أكلته الخيالات اذ ذاك آمنت بإنسانيتي ووجدت من حياتي ملأ لم أجده قبله.[59]”
لئن سعى أبو العلاء في رسالته إلى الاحتفاء جدا وهزلا بالجنة الحسية واكتفى بالإلماح على وقائع جنهم فقد آثر المسعدي كتابة الترحال على الطعن والحيرة على الوثوق والبحث عن معنى ما على التسليم بالحقيقة كما يمكن الوصول إليها بالتأويل عند محاولة النظر في خفايا الموصوفات الحسية ريحانة ” قالت : وكنت صاحبة المفتاح، ففتحت له وسألته ما حاجته.. قال : حاجة الفار الملتجئ فحسبته متزهدا مترهبا. فقال وأشار إلى ظلّه هروبي من هذا فرايته يلو ح إلى ذنوب اعتلقت به فقلت : إن كنت تطلب محوها فادخل “[60]، إذ تفضت رحلة أبي هريرة بالفراغ بعد اكتشافه أن رحلته ليست سوى خرافة … ، فراغ أفرغ من الفراغ… [61]“، ولا شيء يظهر خلف الباب، خواء فحسب.
إذا “النهاية”، بهذه الخاتمة كذبة كبرى وهم، والسلطة التي ينشدها أبو هريرة حدوث وإمكان للحدوث بعيدا عن زمن القهر والاستبعاد وتزوير الحقائق، بل هي الفكر المستنير الذي يمكن أن يحول الظلمة إلى نور ساطع والسجن إلى حياة جديدة والعبودية إلى حرية دائمة.. وليس أدل على ذلك من هذا النداء : ومضت لنا ساعة ثم إذا هاتف يهتف شعرا في صوت ما سمعت أروع منه : ” أنا الحق يناديك – أنا الحب يناغيك – أنا الشوق طغى فيك – تعالى على الدهر – تسام إلى سحري فأكشف عن ستري – ضياء كضياء الفجر يرويك من سري – أنا الحق طغى فيك – أنا الحب يناغيك…
- ما بين “رسالة الغفران” “حدث أبو هريرة قال” انتهاء.
كذا تنكشف بعض الروابط بين النصين بإعادة كتابة الرسالة تبعا لمستلزمات المسرحة، ف”رسالة الغفران”كتابة تأسست على قراءة مخصوصة متفردة لمتعدد قصائد تراثية ولمحصل ثقافة إسلامية مختلفة المذاهب العقدية والمناهج التأويلية وإن اعتمدت مرجعا مشتركا واحدا هو النص القرآني…، وهي المجال الحافل بالأقوال، إذ لعب المخيال السارد والإضحاك والتضمين دورا تناظميا في تحسيس المجرد وتجريد الحسي بعجائبية تستمد من التراثين الأدبي والديني دوالها الأساسية وتسعى إلى إعادة التركيب بضرب من التناص الزاخر بالعلامات والرموز تجسيما لاتساع آفاق القراءة وتعدد مراجعها.
أما “حدث أبو هريرة قال” فهي نص يحمل منها بعض السمات الأسلوبية والدلالية يختلف عنها، في الآن ذاته، بتوسيع دائرة النصوص المرجعية عند استحضار نبذ من سيرة أبي هريرة ومجتمع المدينة ومكة والقرن الأول والثاني للهجرة وفي تاريخ يكتظ بالأحداث والتقلبات، مع الإشارة إلى بعض الدوال الرمزية على مجتمع محمود المسعدي، تخصيصا بالفضاء الوطني في الأربعينات والخمسينات أو إطلاقا بالتدليل الضمني على مختلف المجتمعات العربية الراهنة.
يتحول النص من ثقافة عصر وسياقات الاستقبال الحادثة والممكنة فيه إلى ثقافة عصر مختلف، بمنظور جديدة، كأن يستقطب الأرضي السماوي والمكان المتخيل ديمومة الزمن الغيبي، وتنتصر حقيقة ما على مطلق الوهم.. كذا يتآلف النصان بالنزوع إلى البحث والاستعانة بالرحلة و بالحوار أو إمكان الحوار ليتفارقا لاختلاف الذات القارئة وثقافة القراءة والتباعد الزمني..
إن «رسالة الغفران” و “حدث أبو هريرة قال” وجهان لمسرحة ممكنة، إما بالبقاء في دائرة النص الأول ومحاكاته دون الخروج عن تناظم عالمه الخاص، أو بتحويل وجهته الدلالية بتأثيرات قراءة النص الثاني له.
فقد تعاد كتابة النص، ولكن أية إعادة في واقع الإنجاز ليست إلا قراءة، وإن تعلق حدث الإعادة بصاحب النص ذاته، إذ الكتابة الثانية مقروءة، كبذرة الحياة التي هي سلسلة بذرة سابقة لا تماثلها تكررا ولا تختلف عنها تماما…
إن القادح الأول لفعل الكتاب قراءة كجنة أبي العلاء وجحيمه، ومرجع الكتابة هو أيضا ماثل في القراءة ك “حدث أبو هريرة قال” للمسعدي في ارتباطه الحميم بالكتابة الفلسفية ذات البعد الوجودي إجمالا…
إلا أن الواصل “أجناسيا” بين النصين يكمن أساسا في اعتماد :الموقف” وفعلية الحوار والتعجيب والهزل الجاد وتوزيع الأقوال حسب بنية الاطراد الحكائي وإدارة الجدل الفكري بخطتين مختلفتين وتصورين ثقافيين متغايرين : الاستلال بالواقع على المثال في “رسالة الغفران”. والاستدلال بالمثال على الواقع في “حدث أبو هريرة قال”.
لائحة المراجع والمصادر:
- القرآن الكريم
- “القدر والإنسان“، فرحان محمد جلوب، ،بحث ابستمولوجي في تواريخ اليعقوب وابن الأثير، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط 1، 1986.
- “المنجد في اللغة والأعلام“، دار المشرق، بيروت 1986.
- “مجلة الحياة الثقافية” (تونس)، السامرائي، ماجد صالح: حوار مع محمود المسعدي السنة السادسة، جانفي – فيفري 1981، عدد 13.
- “معجم السرديات ” تأليف مجموعة من الباحثين، بإشراف محمد القاضي، ناشرون، ط 1 سنة 2010.
- بودمان ويتني س : “شعرية إبليس،” اللاهوت السردي في القرآن، ترجمة : رفعت السيد علي، منشورات الجمل، بيروت –بغداد 2017.
- السعفي وحيد : “العجيب والغريب في كتاب تفسير القرآن“، ، صفحات للدراسات والنشر 2007.
- طاليس، أرسطو : ” فن الشعر”، بيروت، دار الثقافة، بيروت – لبنان، ط2، 1973 ، ترجمه عن اليونانية وشرحه وحققه عبد الرحمان بدوي .
- عزام، محمد : “المصطلح النقدي في التراث الأدبي العربي”، دار الشرق العربي، بيروت – لبنان .
- عماد الدين أبو الفداء، اسماعيل بن عمر ابن كثير : “تفسير القرآن العظيم“، ج 3، دار الجليل، بيروت 1990.
- كير إيلام : “سيمياء المسرح والدراما”، ، ترجمة رئيف كرم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ط1.، 1992.
- محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبري : “جامع البيان” في تأويل القرآن“، تفسير الطبري دار الكتب العلمية، بيروت 12م، 1992، م1 .
- المسعدي، محمود : “حدث أبو هريرة قال ” ، سلسلة عيون المعاصرة، تقديم توفيق بكار، دار الجنوب، تونس، سنة 2000.
- المسعودي حمادي : “متخيل النصوص المقدسة”، قصص الأنبياء، دار المعرفة، تونس 2007.
- بودمان ويتني س : شعرية إبليس، “اللاهوت السردي في القرآن”، ترجمة : رفعت السيد علي، منشورات الجمل، بيروت –بغداد 2017، ص 55.
- تأليف مجموعة من الباحثين بإشراف محمد القاضي، معجم السرديات، ناشرون، ط 1 سنة 2010، ص 75.
- المرجع السابق نفسه، ص78.
- المرجع السابق نفسه، ص 78.
- بودمان ويتني س. : شعرية إبليس، مرجع سابق، ص50.
- معجم السرديات، ناشرون، ط 1 سنة 2010، ص 44.
- معجم السرديات، ناشرون، ط 1 سنة 2010، ص 44.
- بودمان ويتني س. : شعرية إبليس، مرجع سابق، ص 45.
- سورة البقرة ، آية33 ، 34؛ الأعراف، آية 11- 20-22، الإسراء، آية 61-64؛ الكهف، آية 50، طه، آية 116-120.
- سورة آل عمران، آية 59.
- سورة البقرة، آية 33،32.
- سورة البقرة، آية 35؛ الأعراف، آية 19.
- سورة البقرة، آية 52 ، الأعراف ، آية 19، طه، آية 117.
- سورة البقرة، آية 36 الأعراف، آية 22 ، طه، آية 21، 115/121. يشكل الحضر Interdiction وتجاوز الحظر Transgression الوظيفتين الثانية والثالثة في سلم الوظائف الإحدى والثلاثين الذي وضعه فلاديمير بروب، أحد رواد المدرسة الشكلانية انطلاقا من دراسته الخرافات الروسية. وقد ناقش كلود بريمون تلك الوظائف وأعاد صياغتها، وقادتها ببعض النظريات البنيوية في أوروبا وأمريكا، أحال عليه السعفي وحيد في الغريب والعجيب في كتب التفسير، صفحات للدراسات والنشر، سوريا، 2007، ص 87.
- عزام، محمد : المصطلح النقدي في التراث الأدبي العربي، دار الشرق العربي، بيروت – لبنان – ص،ص 178 – 177.
- معجم السرديات، ناشرون، ط 1 سنة 2010. ص 75.
- عزام، محمد : المصطلج النقدي في التراث الأدبي العربي، 389
- البقرة ، آية 30.
- معجم السرديات، ناشرون، ط 1 سنة 2010، مرجع سابق، ص 75 .
- بودمان ويتني س : شعرية إبليس، المصدر السابق، ص 48.
- المرجع نفسه، ص48.
- البقرة، آية 30.
- بقرة، آية 34 .
- بقرة، آية 34 .
- بودمان ويتني س : شعرية إبليس، المرجع السابق ص 47.
- المرجع نفسه، ص53.
- المرجع نفسه، ص 53.
- المرجع نفسه، ص 53.
- فرحان محمد جلوب، القدر والإنسان، بحث ابستمولوجي في تواريخ اليعقوب وابن الأثير، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط 1، 1986، ص 48
- لا وجود لتراجيديا في التنظير الأرسطي إلا في ظل الفصل الذي ينتهي بالبطل إلى الانقلاب من السعادة إلى الشقاء أو من الشقاء إلى السعادة أحيانا وهذا أقل تطهيرا، أرسطو طاليس : فن الشعر، بيروت، دار الثقافة ط2، 1973 (ترجمة عن اليونانية وشرحه عبد الرحمان بدوي ص 22، ص 32
- بودمان ويتني س : شعرية إبليس، المرجع السابق، ص 51.
- المرجع السابق : اليعقوبي أورده محمد جلوب فرحان، م.س، ص 45
- الثعلبي، قصص الأنبياء، ص 26 : أورده المسعودي حمادي، متخيل النصوص المقدسة، دار المعرفة، تونس 2007، ص 259.
- البقرة، آية 35.
- النساء، آية 1. – الأنعام، آي 98. – الأعراف، آية 189.
- النساء، آية 1. – الأنعام، آي 98. – الأعراف، آية 189.
- النساء، آية 1. – الأنعام، آي 98. – الأعراف، آية 189.
- الطبري، تفسير الطبري المسمى “جامع البيان” في تأويل القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت 12م، 1992، م1، ص 274، ص 275، وانظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 3، دار الجليل، بيروت 199، ص 197.
- السعفي وحيد، العجيب والغريب في كتاب تفسير القرآن، دار النشر، صفحات للدراسات والنشر 2007، ص 94.
- المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت 1986.
- اليعقوبي، أورده فرحان محمد جلوب في كتابه القدر والإنسان، م.س، ص 46.
- سورة السجدة، آية 3.
- سورة آل عمران، آية 59.
- كير إيلام، “سيمياء المسرح والدراما”، تر. رئيف كرم، لبنان- المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، 1992، ص 7.
- المرجع نفسه، ص 8.
- اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي، أورده محمد جلوب فرحان، القدر والانسان- مرجع سابق، ص 43.
- سورة الأعراف آية 20، 21.
- القدر والانسان، المرجع نفسه، ص 44.
- القدر والانسان مرجع سابق، ص 44.
- سورة البقرة، آية 20-21.
- القدر والإنسان مرجع سابق، ص 45.
- ماجد صالح السامرائي : حوار مع محمود المسعدي، مجلة الحياة الثقافية(تونس)، السنة السادسة، جانفي – فيفري 1981، عدد 13، ص.ص.51-58.
- المسعدي، محمود : حدث أبو هريرة قال، سلسلة عيون المعاصرة، تقديم توفيق بكار، دار الجنوب، تونس، سنة 2000، ص 152.
- ” حدث أبو هريرة قال المرجع السابق”، ص
- المرجع نفسه ، ص 152.