الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

مبادرات الصين الدبلوماسية في الشرق الأوسط: السعي وراء لعب دور القوى العظمى في المنطقة

Chinas Diplomatic Initiatives in the Middle East: The Quest for a Great-Power Role in the Region

عرض: شيماء فاروق سلامه –  إشراف: د. نيبال عزالدين جميل – أستاذ العلوم السياسية المساعد – جامعة السويس

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

تعد الصين أحدى القوى العظمى في النظام الدولي, وأحدى أهم الدول الاقتصادية الصاعدة, والتي يهتم بها العديد من الباحثيين نتيجة الدور الذي تضطلع به الصين على المستوى الدولي بصفة عامة والمستوى الإقليمي بصفة خاصة, لذلك ركزت هذه الورقة على مقال بعنوان “مبادرات الصين الدبلوماسية في الشرق الأوسط: السعي وراء لعب دور القوى العظمى في المنطقة”, كُتب هذا المقال بواسطة يورام إيفرون ( قسم الدرسات الاسيوية, جامعة حيفا, إسرائيل), وهو مقال منشور على research gate, بالرغم من أن الكاتب يمثل وجهة نظر عن تنامي القوى الصينية وإقراره بالدور الذي تلعبه الصين, إلا أنه يجسد اتجاه كبيرة داخل الإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في آن واحد, وهو ما دفعنا نلقي نظرة على أهم الافكار الواردة بالمقال, مع تحليل الابعاد السياسية التي طرحها الكاتب خلال مقاله المنشور منذ يونيو 2017, وسوف يتم عرض المقال, ومناقشة الأفكار الواردة من حيث الشكل والمضمون كالتالي:

  • محتوى المقال.
  • رؤية نقدية للمقال.

أولاً: محتوى المقال.

بدأ الباحث بالحديث عن اندلاع ثورات الربيع العربي منذ 2011 وضرورة تغيير سياسة الصين في الشرق الأوسط, حيثُ تعد منطقة الشرق الاوسط منطقة حاسمة للصين منذ 1963م, حيثُ تعد مصدر أساسي للطاقة للصين لتنمية اقتصادها, كما زادت حصة النفط المستورد من الشرق الأوسط إلى 60% من استهلاكها مقارنة ب 53% في 2013, ومن المتوقع أن تستمر الزيادة في المستقبل القادم.

كما تعد التركبية المعقدة لدول منطقة الشرق الأوسط أحد الاسباب الرئيسية التي تدفع الصين نحو صياغة استراتيجية جديدة خاصة عقب تنامي الجماعات الإسلامية منذ اندلاع أحداث الربيع العربي التي تعد أحد المهددات الرئيسية للصين بسبب تنامي جماعة الايغوار الانفصالية_ذات الطابع الإسلامي_ التي تهدد النظام داخل الصين , بالإضافة إلى وجود دول عدم الحياد.

بداية من القرن 21 بدأت الصين تحسن علاقاتها مع الشرق الأوسط عن طريق زيادة الزيارات رفيعة المستوى مع دول المنطقة, كما قرارت بكين في 2009 بصياغة استراتيجية تمكن الصين من لعب دور حيوي في الشرق الأوسط, حيثُ أنشأت منتدى التعاون الصيني العربي وشكلت العديد منها تدريبات عسكرية وزيارات متبادلة.

كما انخرطت الصين في قضايا كبرى في الشرق الأوسط بسبب عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وشاركت في المفاوضات الإيرانية, الحرب الاهلية في سوريا, كما دشنت العديد من المبادرات فيما يتعلق بالصراع الأزلي الإسرائيلي الفلسطيني, بالرغم من ذلك لازالت تدعي الصين أنها دولة نامية, ولا تستطيع أن تقدم مساعدات مالية للشرق الأوسط, وهذا يثير تساؤل هام: ما هي الدرجة التي تنوي الصين تعزيز دورها في الشرق الأوسط في الواقع وبشكل أكثر تحديدًا ؟

في الواقع الصين لا تنوي استثمار موارد اقتصادية, أو عسكرية كبيرة لتلعب دورًا في المنطقة, وأن أغلب الجهود عبارة عن تصريحات ومبادرات, لهذا يحتوي هذا المقال على: الموضوعات الرئيسية لخطاب الصين حول دورها المستقبلي في الشرق الأوسط من خلال مبادرات الصين في حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني, والحرب الأهلية في سوريا .

  • مبادرات الصين لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

قدمت الصين منذ 2010 ثلاث مبادرات دبلوماسية, وكان أهمها النقاط الأربع لعام 2013, واقترحت مبادرة أخرى من خمس نقاط بشأن وقف اطلاق النار في غزة, وهذه المبادرة عبارة عن مجرد أحاديث  لم تدخل حيز التنفيذ, فقد كانت الصين تهدف بهذة الاحاديث تحسين صورتها السياسية وتعزيز دورها المنطقة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية والنظام العالمي, فالصين تحاول خلق دور في منطقة الشرق الأوسط, لكن بعكس القوى التقليدية فأنها تتجنب الاستخدام المكثف للموارد السياسية, الاقتصادية , والعسكرية لتحقيق هذه الغايات .

تغيير سياسة الصين منذ2011.

خسرت الصين كثيرًا بسبب مواقفها السلبية في الشرق الأوسط عقب اندلاع ثورات الربيع العربي, واثبت تقرير يحلل العلاقة بين الصين والشرق الأوسط عدم تحسن العلاقة بينهما بالرغم من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة, ودراسة أخرى أكدت أن اهمية الشرق الاوسط تكمن في أنها مصدر لامدادات الطاقة وأن اندلاع الثورات يمثل خطر كبير على امن الطاقة في الصين, وأن ما شهدته المنطقة العربية أثر بالسلب على المصالح الاقتصادية الصينية, حيثُ تكبدت الصين خسائر فادحة في السودان وليبيا بشكل مباشر.

وانتقد الكاتب سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط ويجب عليها التعلم من دروس الماضي من أجل تبني استراتجية جديدة لحماية نفسها ومصالحها في ذلك الجزء من العالم.

فقد حطم الربيع العربي نسيج العلاقات والمصالح العميقة والسائدة ودمر شبكة العلاقات الغربية وهو ما جعل للصين فرصة كبيرة من أجل توطيد أقدامها, لكن دول أسيوية أخرى كانت أسبق منة الصين مثل الهند , اليابان, وكوريا للجنوبية.

لكن اهتمام الصين هو تغيير النظام العالمي دون اهتزاز النظام بشكل حاد فالتحرك الصيني ينصب عبر الكتل التي لا تتعاطف مع الولايات المتحدة الامريكية, فالاتجاة المحافظ داخل الصين يشير إلى أن الصين أعظم ثاني اقتصاد في العالم, وأن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الأهم في العالم لذلك على الصين توجيه استثماراتها نحو هذه المنطقة حتى تخرج بمزيد من الارباح وحتى تصبح قوة عظمى قادرة على التأثير .

تحدث الباحث أيضا عن مقالة بقلم وانغ جبيبي أحد أكثر المقالات في الصين التي تناولت استراتيجية وانغ الجديدة وهي السياسة التي تهدف فيها الصين التوسع في مناطق أبعد غربًا بما في ذلك الشرق الأوسط الكبير, واستندت هذه الفرضية على أن تحول الولايات المتحدة الأمريكية نحو إعادة التوازن في آسيا مما يؤدي إلى تزايد التوتر على الجبهة الشرقية للصين, لذلك على الصين التوسع نحو آسيا الوسطى والشرق الأوسط حتى يحدث التوازن بين القوتين.

بالرغم من أن الولايات المتحدة تتمتع بالهيمنة العسكرية في الشرق الأوسط  وتحمل عبء الاستقرار إلا أن مصالحها الاقتصادية محدودة , ولا ترتبط بشبكة العلاقات الرسمية, بالاضافة لضعف الايديلوجية واقتصر مصالحها على النفط.

هناك العديد من المصالح والعوامل المشتركة بين بكين وواشنطن بالنسبة للشرق الأوسط أهمها: معارضة الأسلام الأصولي, انتشار أسلحة الدمار الشامل, مصالح مشتركة في الرغبة في حل مشاكل الاقليم, وبالرغم من أن استراتيجية وانج تهدف للتوسع نحو الشرق الأوسط إلا أنها لا تهدف الاحتكاك بالولايات المتحدة الأمريكية .

من أجل تحقيق هذه الاستراتيجية_ “التوسع نحو الغرب” _صرح شي جين في عام 2013, بشأن إنشاء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير والحرير البحري هدفت إلى توحيد اقتصاد الصين وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا وقد وضع لهذه الخطة مليارات الدولارات من أجل ربط الصين بالخليج العربي والبحر الابيض المتوسط من خلال شبكة من الطرق السريعية والسكك الحديدية والمواني البحرية, ولكن هناك اعتباران رئيسيان: أولهما نفوذ الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الأوسط لايزال قائمًا بشكل كبير, ثانيهما من المرجح عدم استقرار منطقة الشرق الاوسط لفترة طويلة لذلك على الصين أن تكون حذره حتى لا تغرق في الوحل الاقليمي.

أما بالنسبة للمبادرة الصينية بشأن القضية الفلسطينية, فقد شاركت الصين بشأن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني في 6مايو 2013 حيثُ قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ اقتراحًا من أربع نقاط لتوية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني, وقد تم طرح هذا الاقتراح بعد زيارات منفصلة بين الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من جانب, ومع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من جانب أخر وقد تضمن اقتراح الصين:

  • قيام دولة فلسطينية على أساس حدود 1967 وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية, وأن تعلن التعايش السلمي مع إسرائيل.
  • التفاوض يجب أن يكون السبيل الوحيد للسلام مع التنازل من قبل الجانبين لتحقيق ذلك.
  • وقف عملية الاستيطان الاسرائيلي.
  • رفع الحصار عن قطاع غزة.
  • أساس تسوية الأزمة “الأرض مقابل السلام” .
  • على المجتمع الدولي أن يلعب دور لتنمية الدولة الفلسطينية .

وقد قدم اقتراح أخر من وزير الخارجي الصيني في العام التالي 3 أاغسطس 2014 مكون من خمس نقاط لتسوية النزاع المسلح في غزة , وقد أعلنت الصين دعمها للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار وحث الطرفين على بدأ المفاوضات, ووضع ألية لضمان تحقيق المفاوضات, وقد دعت إسرائيل لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقليين وتحسين الوضع الانساني في فلسطين .

لكن المبادرات الصينية لم تأخذ شكل جدول زمني , ولم تدخل حيز التنفيذ, كما خفضت الصين دعمها للقضية الفلسطينية نتيجة عدم توحيد الموقف العربي, ولم تفرض الصين أي عقوبات على إسرائيل, لكن ساهمت الصين بدعم غزة 2012 بمليون دولار أمريكي في حين قدمت اليابان 200 مليون دولار أمريكي, في أعقاب 2014 زادت الصين حصتها لدعم عزة الى 1.5 مليون دولار أمريكي.

مبادرة الصين بشأن حل القضية الفلسطينية.

الحرب في سوريا جذبت العديد من الاطراف الدولية بالرغم من مشاركة الصين الطفيفة في صراعات الشرق الأوسط ألا أن رد فعل الصين إيذاء القصية السورية جاء واضحًا لدعم أحد طرفي الصراع وهو بشار الأسد, حيثُ تحالفات مع روسيا في مجلس الأمن واحبطت العديد من المحاولات لأدانة بشار الأسد, وأعلنت بكين أن الحل في سوريا يجب أن يكون بالحوار وليس بالقوة, وقد استخدمت الصين حق الفيتو في مجلس الأمن في عام 2011 وفبراير 2012 والتي كانت تدعو الأسد للتنحي, كما صوت ضد قرار الجمعية العامة يدين الأسد وقرار مجلس حقوق الأنسان التابع للامم المتحدة والذي أدان جرائم حرب في سوريا, كما امتنعت سوريا عن حضور منتدى أصدقاء سوريا والذي حضره أكثر من 100دولة لفرض عقوبات على بشار الأسد, عقب استخدام بشار الأسد الاسلحة الكيماوية ضد المتمردين, واحتجت الصين بان الدلائل غير كافية , واستخدمت حق النقض مع روسيا لتحول دون تحويل القضية السورية للمحكمة الجنائية الدولية.

كل هذه المواقف أغضبت الشعب الصيني وانتقدتها دول عربية, مما دفع الصين لتبني موقف أقل حدة حيث أيدت بعض المبادارات التي تحفظت على سلوك الأسد, فقد أدانت المجاز التي ارتكبها الاسد ونادت بفتح تحقيقات فيها.

تدعم الصين في الشرق الأوسط موقف روسيا وإيران في سوريا للحفاظ على مصالحها ونتيجة تخوفها من صعود الاسلاميين فهي ترى أن تنظيم الدولة الاسلامية داعش يمثل تهديد مباشر للامن الصيني, تحدثت الصين أيضا عن وجوب تعيين ممثلين لصياغة خارطة الطريق في سوريا مع بقاء نظام الأسد لضمان الاستقرار السياسي وفقًا للرؤية الصينية, لكن الحرب الضارية في سوريا بين قوات الأسد والمعارضة والجماعات المسلحة جعلت من المستحيل الوصول إلى حوار سياسي.

لكن ظلت الصين وروسيا تقدم الحماية لنظام الأسد من أجل الحفاظ على مصالحهم , وبالتالي وجهت اتهامات لبكين بشأن استغلال الشرق الأوسط لصالح مكاسبها الاقتصادية مع تجاهل المشاكل الحادة في المنطقة العربية, مما دفع الصين تقديم اقتراح توضح فيه أنها لا تتبع روسيا بشكل أعمى وبما يتفق مع السياسة الخارجية الصينية فقد أعترفت بضرورة التغير السياسي واقترحت مسار يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية مع البقاء على نظام الأسد وحل المشكلة داخليًا.

واخير استنتج الباحث أن الصين تقوم بدور أساسي في الشرق الأوسط لصالح مصالحها وأنها تحاول استغلال مشكلات الشرق الأوسط من أجل توفير فرص لتحسين موقعها الدبلوماسي.

ثانيًا: رؤية نقدية للمقال .

اخيرًا قد عرض الكاتب نقتطين رئيسيتين فيما يتعلق باستراتيجية الصين تجاه الشرق الأوسط, وهما القضية الفلسطينية و موقف الصين بالنسبة للأزمة السورية, ولكن لم يوضح المقال مدى الدور الاقتصادي الذي تلعبه الصين في الشرق الأوسط, بالإضافة لتجاهله تراجع الدور الامريكي فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط أيضًا, كما أن المقال لم يكن حياديًا, فهو يعبر عن الرؤية الأمريكية الإسرائيلية, والتي قللت من أهمية الصين في الشرق الأوسط بالرغم من الدور الاقتصادي الكبير الذي تلعبه الصين في الشرق الأوسط , حيثُ من المحتمل أن يتحول إلى دور سياسي محوري في المنطقة.

الصين بالفعل تلعب دور محدود فيما يتعلق بالمساعدات والمساهمات المالية مقارنة بالدور الذي تلعبه القوى الغربية والقوى الآسيوية, إلا أن الصين تعتمد على الاستثمارات والتنمية وفقًا للفكر الاقتصادي الصيني أكثر من المساعدات المالية, كما ركز المقال على الدور السلبي الذي لعبته الصين فيما يتعلق بالأزمة السورية وأنها في النهاية تبنت الرؤية الغربية لكسب دعم دول الشرق الأوسط, وتجاهلت المتغيرات والروابط التي تربط النظام السياسي الصيني بالنظام السوري, وتحالفها مع روسيا وإيران .

بالاضافة لعدم وضوح الافكار داخل المقال, فقد خلط الباحث بين الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط والدور الذي لعبته بشأن القضية الفلسطينية, كما أنه استفاضة في عرض دور الصين في القضية الفلسطينية دون أن يوضح طبيعة العلاقات الصينية مع الجانب الإسرائيلي من ناحية ومع الجانب الفلسطيني من ناحية أخرى, وبالتالي لم يوضح الكاتب حدود الدور الذي تلعبه الصين في القضية الصينية والشرق الأوسط.

4/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى